أرشيف سنة: 2021

اختطاف النساءجريمة

لاللاختفاءالقسري

أسماء السيد عبد الرؤوف .. من مركز فاقوس بالشرقية .. ليسانس اللغة العربية جامعة الأزهر
زوجها ” محمد جمال الياسرجي” معتقل من سنة في قسم شرطة فاقوس..!
أسماء تم اقتحام منزلها في قرية قنتير بمركز فاقوس في حافظة الشرقية .. قبل فجر يوم ٩ نوفمبر ٢٠٢٠ واعتقالها من قبل قوات الأمن الوطني و من يومها وهي مختفية قسريا ومحدش يعرف عنها حاجة وكل الاقسام بتنكر وجودها !!
أسماء أم لطفلة عمرها ٤ سنوات ..ذنبها ايه الطفلة تشوف الرعب ده لما اعتقلت امها قدام عينها ودلوقتي أبوها معتقل وامها مختفية قسري !!
حسبي الله ونعم الوكيل

البنات_يارب
زفرةأسيرمصر⛓
نصرةلكلمظلوم🩸

مذكرات سجنية – لانهم قالوا لا الحلقة الخامسة

أبو راشد عبد الهادي و”الجندي”

كان رجلاً ضخم الجسم، أبيض البشرة، أقرب للشُّقرة، دمثاً حلو الحديث… لكنه كذلك سريع الغضب، وإذا غضب خرج عن حدود الاتّزان. قوي الشخصية، قوي الإرادة، عنيد..

اسمه أبو راشد: أحمد راشد عبد الهادي، فلسطيني من جنين، ينتمي إلى حزب البعث، وقد كان معتقلاً لبضع سنوات في سجون بعض الدول المجاورة عندما حدث انقلاب الثامن من آذار 1963م، وعندئذ ارتفعت معنوياته، وازداد تمسكه بحزبه، وراح يحلم بأن تمتدّ “الثورة” إلى أقطار مجاورة، فيحرّره رفاقه من سجون “الرجعيين”!.

خرج من السجن فتوجه إلى بلد الصمود والتصدي، وصار قائداً في قوات “الصاعقة” التي ترعاها سورية، برتبة رائد. وبسبب حزبيته وموقعه الجديد توثّقت علاقته بالمسؤولين السوريين، العسكريين والأمنيين، لا سيما “عبد الكريم الجندي” مدير المخابرات العامة!.

لكن الصورة المتوهجة التي كان قد رسمها في مخيّلته للرفاق المناضلين والحزب القائد، بدأت تخبو تدريجياً، ثم صارت قاتمة سوداء، وهذا ما دعاه إلى انتقاد تصرّفات السلطة والحزب وأجهزة الدولة، في بعض المناسبات، ولأنَّ “النقد الذاتي” محظور فقد جاء “زائران” إلى أبي راشد يطلبان منه زيارة أحد فروع الأمن! قال لهما: عندي سفرٌ غداً، فأريد أن أمرّ على مكتب الطيران حتى أؤجل الحجز، فأتمكن من السفر بعد انتهائي من زيارة فرع الأمن هذا!. قالا: لا حاجة. زيارتك لن تستمر أكثر من نصف ساعة، وبإمكانك أن تسافر غداً في الوقت الذي حجزته من قبل!.

وكما هي العادة، فإن دقائق “المخابرات” تُعَدُّ بالأسابيع أو الشهور أو السنين. وفعلاً استمرت إقامة أبي راشد في “الحلبوني” حوالي ثلاث سنوات.

وفي الحلبوني قضى في إحدى الغرف شهوراً مع الرفيق الآخر نقولا حنّا. وكان كل من الرفيقين على علاقة سابقة بمدير المخابرات العامة السابق عبد الكريم الجندي.

أما الأستاذ نقولا، فيحدثنا عن ذكرياته مع “الجندي” يوم كان هذا “الجندي” وزيراً للإصلاح الزراعي، وكان نقولا رئيساً لفرع الحزب في الحسكة. يقول: أُبلِغنا بأن السيد الوزير سيزور المحافظة للقيام بمهماته بالإشراف على مديرية الإصلاح الزراعي هناك، وسوف يأتي بالطائرة وينزل في مطار الحسكة في يوم كذا. وكنتُ بين كبار المستقبلين له، وفي صالة استقبال الشرف في المطار، جلسنا قليلاً لنشرب فنجان القهوة، وأخرجت من جيبي علبة السجائر لأقدّم له سيجارة، وكانت السجائر أمريكية! فنظر إليّ غاضباً معاتباً: “يا رفيق! أنحن ندخّن التبغ الأجنبي؟!” فخجلت من نفسي. وأخرج الوزير سيجارة “وطنية”، وقدّم إليّ سيجارة مماثلة.

وابتلعتُ الإهانة، واحمرّ وجهي خجلاً من هذا الموقف أمام مجموعة المستقبلين!.

وكان من برنامج الزيارة سهرة سمر فنّية!، وكنت بجوار السيد الوزير في هذه السهرة، فأنا من أهم رجالات الحزب هناك، وفي هذه السهرة، أخرج “الجندي” علبة سجائر أمريكية من جيبه، وولاعة ذهبية، وقدّم لي كذلك سيجارة، وأشعلها لي بولاعته الفاخرة!. فلم أتمالك نفسي: “يا رفيق، اليوم وبّختني في صالة الاستقبال في المطار لأنني قدمت إليك سيجارة أمريكية، ثم ها أنت ذا تفعل مثله وزيادة!” فقال: في الصالة كان يوجد آخرون، غير حزبيين، ويجب أن نظهر أمامهم بمظهر أخلاقي ثوري، أما هنا فلا يوجد غير الحزبيين!!!.

وتأتي مرحلة يصبح فيها “الجندي” مديراً للمخابرات العامة، ويكثر تردده على فرع الحلبوني ليتعرّف بنفسه على المعتقلين أولاً بأول، وقد يشرف بنفسه على بعض التحقيقات، وقد يحلو له أن يمارس أنواعاً ثورية من التعذيب، ففي بعض المرات، يأمر الجلادين بأن يلقوا السجين على ظهره، ويفتحوا فمه، ويقوم مدير المخابرات العامة بالبول في فم السجين!!.

ومرة يتم اعتقال مجموعة من الضباط في الجيش السوري، بتهمة تشكيل نواة لتنظيم خاص!. ويمرُّ مدير المخابرات العامة على الزنازين التي يُحتجز فيها هؤلاء، فيفتح “الطاقة” على كلٍّ منهم، ويطلب منه أن يقترب من الطاقة، ويُمسك مدير المخابرات بيده أحد نعليه (وكثيراً ما كان يلبس البدلة الخاكي الرمادية، ويلبس بقدميه النعلين المعروفين بالشاروخ!) ويضرب رأس الضابط السجين ووجهه بالنعل!. وجاء دور ضابط سجين برتبة ملازم أول. وحين أمره مدير المخابرات بالاقتراب من الطاقة، وبيده النعل، صرخ الملازم الأول: أيها الحقير، أتُظهر قوتك عليّ، وأنا في الزنزانة؟! إذا كنتَ رجلاً فافتح الباب عليّ، وتجرّأْ على ضربي!.

عندئذ أمَرَ مدير المخابرات العامة السجّانين بفتح الباب لذلك الضابط، وأن يصنعوا فنجانين من القهوة، له وللضابط. وجلسا متقابلين على الطاولة، وقال “الجندي”: إنَّ جميع زملائك الذين تحمَّلوا مني الضرب ولم يردُّوا: كلاب. وأنت وحدك الرجل من دونهم!.

*   *   *

وينتحر عبد الكريم الجندي، ويشكك بعض الناس بالخبر، ويقولون: بل إنَّ حافظ أسد هو الذي قتله، أي إنه نُحر ولم ينتحر، وتدور إشاعات حول أسباب “نحره” أو “انتحاره”.

وليس هذا غريباً، فنظامٌ تعوَّد على الكذب والتعمية وارتكاب الجرائم… لا يصدِّقه الناس، وإن صدق مرةً. إنه كالراعي الكذّاب.

والذي أقتنع به أنَّ “الجندي” قد انتحر فعلاً. وعندي ثلاث روايات تتفق على هذا، وتختلف في أجزاء من رواية الحادثة أو تحليلها:

الرواية الأولى: مصدرها بعض أعضاء حزب التحرير الذين كانوا معي في المعتقل، وهي أنَّ عبد الكريم الجندي رئيس المخابرات (وكذلك القادة المتنفذون في السلطة، أيام صلاح جديد ونور الدين الأتاسي، أي قبل انقلاب حافظ أسد) كانوا عملاء لبريطانيا، وأرادت الولايات المتحدة أن تطيح بهم بالتعاون مع عميلها حافظ أسد. وحين أحسّ “الجندي” بتحرك أسد، كان الوقت متأخراً، وكان أسد قد رتّب أوراقه بشكلٍ كامل، فأقدم “الجندي” على الانتحار إحساساً منه بالإخفاق والهزيمة.

الرواية الثانية عن أبي راشد: أحمد عبد الهادي. ومؤدّاها أن “الجندي” وهو في موقع مدير المخابرات العامة، علم بتحرك حافظ أسد للقيام بانقلابه بدعم من المخابرات الأمريكية، وكان علمه هذا متأخراً بحيث لم يعد بإمكان “الجندي” أن يحبطه، فقد وزَّع أسد أنصاره من الضباط على المواقع الحساسة في مختلف القطعات العسكرية. فاتصل هاتفياً بحافظ، وقال له: “هذه الرقبة لن أسلِّمها للأمريكان” وأطلق الرصاص في رأسه وانتحر.

الرواية الثالثة وقد اطّلعتُ عليها مؤخراً من خلال المكالمة الهاتفية التي نُشر نصها في “الوطن العربي” في 15/11/2006 بين تمام البرازي وبين السيد عبد الحليم خدام: السياسي البعثي المخضرم. يقول السيد خدام: ((عبد الكريم “الجندي” انتحر. وكنتُ عند رئيس شعبة المخابرات العسكرية ابن أختي، ورنَّ عنده الهاتف، وكان على الخط أبو حسين، أي عبد الكريم الجندي، وقال له: “أنا قررت الانتحار.. اسمعْ” وأسمعنا طلقة الرصاص!)).

———-

ونعود إلى أبي راشد عبد الهادي، فقد كانت له مواقف جريئة داخل المعتقل.

منها أنه، بل جميع المعتقلين، كان يرى كيف يؤخذ عناصر المخابرات من فرع الحلبوني، ومثل ذلك في الفروع الأخرى، من أجل تأمين الحراسة لهنري كيسنجر، في رحلاته المكوكية. فكان أبو راشد إذا أراد أن يعنّف السجانين في الحلبوني، ويشتم رؤساءهم كذلك، كان يصرخ بأعلى صوته: لستم أكثر من كلاب حراسة لكسنجر!.

ومنها أن رجلاً اعتُقل معنا لفترة شهر تقريباً، وادّعى، في أحاديثه معنا، أنَّ له صلات برئيس مكتب الأمن القومي ناجي جميل، وأنَّ بإمكانه القيام ببعض الوساطات للإفراج عن بعض المعتقلين. فانفرد به أبو راشد، واتفق معه على أن يدفع له مبلغاً من المال مقابل تلك الوساطة، وكتب له كتاباً إلى أهله (أي إلى أهل أبي راشد، في دمشق) كي يسلموا المبلغ لهذا الوسيط، وتسلّم المبلغ فعلاً، لكنه ذهب ولم يَعُدْ!.  عندئذ كتب أبو راشد كتاباً إلى رئيس مكتب الأمن القومي يقول فيه: إنَّ فلاناً قد أخذ مني مبلغ كذا، كي يدفعه رشوة لك حتى تطلق سراحي، فإما أنه صادق، وقد أعطاك حصتك فلماذا لم تفرج عني؟ وإما أنّه كاذب يدّعي عليكم بما ليس فيكم، فعليكم أن تعتقلوه وتحاسبوه!.

قصة “طامس” واليهودي

“طامس” اسم أستعيره لأحد المعتقلين الفلسطينيين الذين تعرفت إليهم في “الحلبوني”!.. وله قصة مؤسِفة مُقْرِفة!.

في إحدى أمسيات رمضان، في أيام حرب تشرين “التحريرية” عام 1973م، وكان التيار الكهربائي مقطوعاً، سمعنا ضجيجاً وأصواتاً منكرة من الصراخ والشتائم والضرب… في ساحة السجن… ومع أننا تعودنا سماع أصوات “حفلات” التعذيب الشنيعة… فإن نفوسنا لم تألفْها، وهل تألف النفوس ما يخالف الطبيعة البشرية التي خلقها الباري سبحانه؟!

لم يستمر طويلاً تساؤلنا عما يجري، وعمّن يمارَس عليه التعذيب فقد فتح الباب علينا كبير السجانين أبو طلال، وأدخل معه اثنين في حالة لا يحسدان عليها، وهو يوجّه إليهما الشتائم، من فوق “الزنّار” ومن تحته كذلك. وقال لهما: اجلسا هنا، وأشار إلى زاوية الغرفة حيث نضع أحذيتنا!.

ثم وجّه الكلام إلينا: إياكم أن تتحدّثوا مع هذين الكلبين!. قاطعوهما تماماً، لا تقتربوا منهما. هل فهمتهم؟!.

ولم يكن يتوقع منا جواباً.

غادر الغرفة فبدأنا نتهامس فيما بيننا: ما القصة؟! لماذا يحذِّرنا من الحديث مع هذين؟! ومن هذان؟!.

بعد نحو دقيقتين عاد إلينا أبو طلال ففتح الغرفة ثانية وقال: لقد نهيتكم عن الحديث مع هذين الكلبين، وأريد أن تعرفوا أنَّ هذا، وأشار إلى أحدهما، يهودي، والآخر “……” ونطق بكلمة بذيئة، تعني أنه أسوأ.

أبو طلال رجل ذكي نوعاً ما، وقد علم أنه لا بدَّ أن نتحدث مع النزيلين الجديدين مهما حذّرَنا.. لذلك أفشى إلينا بسرِّهما: أحدهما يهودي، والثاني أسوأ.

لكن كلامه هذا لا يشفي الغليل: فهل الأول يهودي فعلاً؟! وهل هو يهودي سوري، أم إسرائيلي، أم أنه مثلاً جاسوس دخل البلاد بصورة سائح…؟

والثاني؟! ما صفته وما ذنبه حتى يصفه بأنه أسوأ من صاحبه؟!

ساعةً بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، بدأت الصورة تتّضح.

كان السجانون يتبارون في إهانة هذين، وقد أطلقوا على أحدهما اسم “حمار” والآخر اسم “بغل”، فكلما فتح باب الغرفة لنخرج إلى “الخطّ” أي إلى دورة المياه والمغسلة، كانوا يوجهون الإهانات إلى الحمار والبغل، ويأمرانهما ببعض الأعمال المذلّة، كجمع الأوساخ، وفتح المجاري…

وبعد حوالي أسبوع جرى “التطبيع” بين السجانين وبين طامس واليهودي.. ثم صار التعامل مع طامس تعاملاً حسناً.

علمنا أن اليهودي دمشقي من حي الشاغور، وهو متهم بالتعامل مع إسرائيل.

وعندما كنا نقوم إلى الصلاة يقف هو على رجليه. فنقول له: لماذا تكلف نفسك القيام؟ ابقَ قاعداً!! فيقول: يجب أن أقوم احتراماً للصلاة!.

وبعد أيام قليلة من مكثه معنا في الغرفة قال: أريد أن أُسْلِم. ونطق بالشهادتين، وطلب أن نعلمه الصلاة. وصار يجلس معنا في الحلقة القرآنية التي نعقدها مرتين كلَّ يوم. وصار يصلي معنا.

وبعد حوالي شهر، تم نقل طامس واليهودي إلى القبو مرة أخرى، فقد كان سبب نقلهما إلى غرفتنا أنَّ القبو في أيام الحرب قد امتلأ بالنزلاء، وكان لا بد من نقل بعضهم إلينا!.

ثم بعد شهرين آخرين تقريباً تم نقلنا نحن أيضاً إلى القبو، فعلمنا من بعض المعتقلين الذين شاهدناهم أنَّ اليهودي قال لهم: لقد عشت مع الإخوان المسلمين في غرفة واحدة فترة من الزمن، وضحكتُ عليهم فأظهرت لهم إسلامي!.

والحقيقة أننا وإن قبلنا منه إسلامه حين أظهره، ووكلنا أمره إلى الله، لم نكن مطمئنين إليه، فقد كان الخبث يظهر منه في كثيرٍ من تصرفاته.

أما “طامس” فقد علمنا قصته، جملة وتفصيلاً، لا سيما بعد أن عشنا معه في القبو.

كان شاباً في الرابعة والعشرين من عمره، قويَّ البنية، قليل العلم والثقافة، لا يتجاوز تعلمه المدرسي المرحلة الابتدائية، ولكنه يملك “خبرة جيدة” في ميادين الخمر والنساء والنوادي الليلية…

وبما أنه من “الضفة” ويملك حقَّ الخروج والدخول إلى الأرض المحتلة، فقد اكتشفتْ فيه المخابرات السورية والمخابرات الإسرائيلية هذه الإمكانات والمواهب!

أما المخابرات السورية، ممثّلة بالفرع الخارجي، أو برئيس الفرع الخارجي: العقيد م المحاميد، فقد تعاقدت معه على عملٍ ظاهري شكلي، وعمل حقيقي، أما العمل الظاهري فهو أن يسافر إلى إسرائيل مرتين في السنة ويأتيها ببعض الأخبار، أي أن يتجسس على إسرائيل، ويخدم بذلك قضيته! وأما العمل الحقيقي فأن يعمل “قوّاداً” عند العقيد المحاميد: فيجلب له المومسات الصغيرات يستمتع بهنّ! ويكون بذلك قد وضع القوّاد المناسب في المكان المناسب.

وبسبب هذا العمل الحقير الذي يقوم به، فقد كان يتردد كثيراً إلى الفرع الخارجي، وكان عناصر هذا الفرع قد عرفوه وصادقوه، ولعلَّ بعضهم كذلك كان يستفيد من مواهبه الفذّة تلك!.

وكانت المخابرات السورية تعلم بعلاقة طامس مع المخابرات الإسرائيلية، وكذلك تعلَمُ هذه بعلاقته مع تلك، لكن كلاً منهما تحاول اللعب بذكاء بحيث تستفيد، وتتقي الضرر!.

وحصلت المشكلة الفاجعة، وهي أنَّ المخابرات الإسرائيلية طلبت من طامس أن يحصل لها على خريطة مواقع معسكرات فتح في لبنان!.

وحمل طامس الطلب إلى العقيد المحاميد. ورأى العقيد أن الأمر سهل. ما المانع أن يعطيه هذه الخريطة؟!

وفعلاً أخذ طامس الخريطة وسافر بها. نزل ليلة في أحد فنادق عمان، في طريقه إلى الضفة ثم إلى أسياده في الأرض المحتلة.

كانت مخابرات “فتح” تشك في طامس، وقد وضعته تحت المراقبة. فلما نزل في الفندق ذلك، أرسلت إليه إحدى المومسات “المتعاونات”، وسرعان ما وقع ما وقع! شربا من الويسكي، ونزعا ثيابهما، ثم… ثم نام السكران مستغرقاً في أحلامه، واستيقظت صاحبته ففتحت حقيبته وأخرجت الخريطة.. ثم وصلت هذه الخريطة إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي حملها بدوره إلى حافظ أسد ليقول له: أهذا ما ترسلون به عميلكم إلى إسرائيل؟!.

لم يكن صعباً أن يعرف أسد أن العنصر طامس تابع للعقيد المحاميد، فأرسل إليه يعاتبه أو يعنفه: كيف تستعينون بمثل هذا العميل الغبي؟!.

ماذا يفعل المحاميد؟! هل يحاسب طامساً لأنه نزل في فندق، ولأنه سكر وزنى؟! وهل أنشأ معه العلاقة إلا على أساس هذه المواهب؟!؟

وكان طامس هو المجرم وهو الضحية. فأمر المحاميد بسجنه ونقله إلى الحلبوني وديعة. بمعنى أن مسؤولي فرع الحلبوني لا يملكون صلاحية التحقيق معه، إنما يحتجزونه فقط ويذلّونه.

وكان طامس يقول لنا: لا يمكن أن أخرج من السجن طالما بقي المحاميد في موقعه.

وبالفعل فما إن عُزِل المحاميد حتى خرج طامس من السجن.

أما السرُّ في تحسن معاملة السجانين في الحلبوني لطامس، فإن أبا طلال الذي كان مغتاظاً في بداية الأمر من طامس، وقد أخذ عنه فكرةً سيئة تقتضي أنه عميل جاسوس خائن… تبيّن له بعدئذ أنَّ طامساً رجل شريف!. إنه فقط قوّاد سكير مغرَّر به، متعامل مع المخابرات السورية والإسرائيلية!.

السبعة الناجون

        كان ذلك في خريف عام 1974م.

        وكانوا ثمانية لا سبعة، ينتمون إلى اتجاهات سياسية وجنسيات مختلفة. أعرف أن واحداً منهم كان ألماني الجنسية، وآخر من غزة، وثالثاً شركسي سوري….

        وكانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والعشرين، وبين الأربعين، وكانوا جميعاً محشورين في غرفة واحدة من الغرف الأربع في سجن الحلبوني.

        كانت الغرف الأربع على نسق واحد، كلها مطلّة على الساحة الواسعة. وحتى لا يستمتع نزلاء الغرف بمنظر الساحة فقد بني جدار حاجز بارتفاع مترين على بعد حوالي مترين ونصف من نوافذ تلك الغرف. وكانت كل غرفتين تشتركان بممرٍّ يفصل بينهما، فالدخول إلى أيِّ غرفة يحتاج أولاً إلى دخول الممر، ولهذا الممر باب يقفل على الدوام، فلو استطاع السجين فتح باب غرفته أو كسره لأصبح داخل الممر المقفول كذلك، ولو استطاع فتح باب الممر لأصبح في الممر المكشوف المفصول عن الساحة.

        وكان السجناء الثمانية في الغرفة الأخيرة التي لها جدار على الشارع، وليس في هذا الجدار أي نافذة أو فتحة!.

        فكّر بعض هؤلاء السجناء بحيلة يتمكنون بها من النجاة. وإذاً فليحفروا فتحة في الجدار الملاصق للشارع. ولم يكن ذلك سهلاً، فمن أين يأتون بأدوات الحفر؟ وأين يذهبون بنواتج الحفر؟، وكيف تتم العملية من غير أن ينتبه السجانون؟!.

        إنَّ نيل الحرية يحتاج إلى ثمن. وكان هذا الثمن تفكيراً ذكياً، وجهداً ودأباً على مدى عشرين يوماً، وتيقُّظاً لئلا تشعر إدارة السجن فتحبط المشروع، وتذيق طلاب الحرية مزيداً من التنكيل!.

        بدأ هؤلاء السجناء بالحرص على اقتناء ملاعق الطعام ذات الطرف المدبّب، تلك التي ينقش على مقبضتها سنبلة، وهي مصنوعة من “الكْروم”. وراحوا تدريجياً، يحفرون بها “الزريقة” أي طبقة الإسمنت التي تغطي اللبنات على الوجه الداخلي للجدار، في المنطقة التي قرروا أن يكون المخرج فيها، وهي في أسفل الجدار.

        وفي أثناء الحفر يقف أحد السجناء على الشباك لينبّه الحفارين إذا جاء أحد الحرس. وفي غير أوقات الحفر يضعون البطانيات أمام المكان المحفور، ويجلسون بجواره، ليبدو كل شيء طبيعياً.

        وكانوا يهرّبون نواتج الحفر تدريجياً كذلك، مع القمامة.

        ولما فرغوا من إزالة الزريقة عن الجزء المطلوب، شرعوا بإزالة “المونة” الإسمنتية حول اللبنة التي سيكون المخرج منها.

        وحين اكتمل العمل توقعوا أنَّ ركلة قوية ستكفي لإزاحة اللبنة إلى الخارج، ولتحدث الكوّة الكافية. ولست متأكداً أهي لبنة واحدة أم اثنتان؟!.

        وكان توقعهم صحيحاً، فقد انفتح الطريق أمامهم بعد منتصف الليل، وتسللوا الواحد تلو الآخر، حتى خرج سبعة منهم. وأما الثامن الألماني، فلم يَرَ مصلحةً له في الخروج، إذ إن إلقاء القبض عليه إذا خرج أمرٌ مؤكد، فهو لا يعرف العربية، ولا يعرف شوارع المدينة، وجواز سفره محتجز عند إدارة السجن.

        وفي الساعة السابعة صباحاً، جاء السجّان “بدري” ليعطي إشارة الإذن لنزلاء الغرفة بالخروج لقضاء الحاجة، وهو ما يسمَّى في اصطلاح هذا السجن بالخطّ!، فنادى كعادته: “واحد خطّ!” ونظر في الغرفة فلم يجد إلا الألماني، فصرخ فيه: أين رفاقك؟!.

        لم يفهم الألماني ماذا قال السجّان، لكنه أدرك أنه يسأله عن زملائه، فراح يشير بحركات متوالية من سبّابته إلى الكوة التي خرجوا منها ويقول: “فِسْتْ، فِسْتْ، فِسْتْ”. ليبيّن أنهم خرجوا الواحد تلو الآخر.

        امتلأ “بدري” بالغضب والرعب معاً!. فماذا سيكون موقف إدارة السجن، وهل ستحمله المسؤولية؟!.

        جرت تحقيقات مع السجانين، دون جدوى.

        وتمت العملية بنجاح. ولم تملك إدارة السجن إلا أن تعاقب السجناء الذين لم يهربوا، فقامت بنقلنا، نحن نزلاء الغرف الثلاث الأخرى إلى القبو، كما قاموا بحملة تفتيش مزعجة… لكننا كنّا مسرورين إذ تمكّن بعض السجناء من النجاة والحصول على حريتهم، وباءت إدارة السجن بالخزي والعار، إذ لم تنفع كل إجراءاتها في ضبط الأمور كما تريد.

ميشال أبو جودة

            إنه الصحفي اللبناني، ذو الشهرة الفائقة، صاحب العمود اليومي في جريدة النهار.

        ولكن ما شأنه هنا، ونحن نتحدث عن المعتقلات السورية، وعن جلاديها ومحققيها ونزلائها؟! والجواب: إنه حظي بضيافة الحلبوني، مدة أربع وعشرين ساعة. ولهذا قصة.

        في عام 1974، وفي أحد أيام الصيف، فيما أذكر، كان باب الغرفة الجماعية في قبو الحلبوني، أو الغرفة رقم 3، مفتوحاً، مدة نصف ساعة، حتى يتمكن نزلاء  الغرفة من الخروج إلى “الخط” لقضاء الحاجة.

        وكان هؤلاء النزلاء قد أحسُّوا بحركة تدل على مجيء نزيل جديد، وذلك قبل نحو ساعة. ولا شك أن النزيل الجديد قد أودع إحدى الزنازين! فدفعهم حب الاستطلاع للتعرف على هذا الضيف. ذهب أحدهم إلى الزنزانة التي نزل فيها الضيف، فقام الرجل الكهل متثاقلاً، لا تكاد تحمله رجلاه! وبادر هو بسؤال النزيل القديم: أين أنا؟! أجابه: كيف “أين أنا؟”.

        أعاد الضيف السؤال: في أي مكان أنا؟. قال: ألا تعرف؟ إنك في الحلبوني! قال (وحديثه كله باللهجة اللبنانية): شو هَيْدي الحلبوني؟!. قال: الحلبوني، سجن المخابرات الأشهر. قال: أين هو؟! قال: أسئلتك غريبة. إنه “الحلبوني” في وسط دمشق العاصمة! قال: أنا إذاً في سورية! قال: نعم. وهل كنت تظن نفسك في الكونغو؟!. لا شك أنَّ لك قصة عجيبة. حدِّثني بسرعة قبل أن يرانا السجّان!.

        قال: أنا الصحفي اللبناني ميشال أبو جودة، الكاتب الأول في جريدة النهار. وقد كتبت مقالات ضدَّ الحكومة السورية. واليوم، أو البارحة، لا أدري، لقد اختلطت الساعات والأيام عليّ، هجمت عليّ عصابة. الآن عرفت أنهم من عناصر المخابرات السورية. أمسكوني بقوة، بينما كنت أنزل من سيارتي، وأدخلوني في سيارتهم. وكان آخر ما أذكره أن اثنين من العصابة أمسكا بي، وكان بيد الثالث حقنة (سيرنج) وبدأ يغرسها في جسمي. ثم لم أشعر بشيء إلا أنا في هذا المكان!!!.

        انتبهت إدارة السجن إلى خطورة أن يتعرف النزلاء على الضيف العزيز. ولكن بعد فوات الأوان، ففرضت حصاراً شديداً تمنع أي واحد من الاقتراب من زنزانته، في أثناء الخروج إلى الخط، أو اقترابه هو من زنازين الآخرين في أثناء خروجه.

        في المساء، شعرنا، نحن نزلاء الغرف (التي تطل على ساحة السجن، خارج القبو) بحركة لافتة للانتباه، فقد كان عناصر الفرع يقومون بغسل ساحة السجن، وتنظيف البركة في وسط الساحة.

        وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، جاء بعض ضباط الأمن، يبدو أنهم من رتب عليا، من مديرية المخابرات العامة، ودخلوا الساحة، ثم صعدوا في المبنى الرئيس المخصص لرئيس الفرع والمحققين… ثم أُخرج الأستاذ ميشال، وعن يمينه عنصر من المخابرات، وعن يساره عنصر آخر.

        لقد أطفأنا نحن أضواء الغرفة عندنا، كي نتمكن من التسلق إلى أعلى النافذة والتفرج على المشهد، من غير أن ينتبه إلينا السجانون!.

        بطبيعة الحال، لا ندري ما الذي حدث بين هؤلاء الضباط وبين الضيف العزيز. ولكننا علمنا، في اليوم الثاني، من بعض السجّانين الأصدقاء أن صفقةً قد تمّ عقدُها: إما أن تعود إلى انتقاد “سورية الصمود” فنعود إلى خطفك، وربما تكون هي الساعات الأخيرة في حياتك، وإما أن تتعاون معنا ولكَ ما تريد!.

الملحمة النونية للقرضاوي كاملة (ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا)

أُلفتْ داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م

1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني = أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى = والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ = تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى = تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ = ما دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني = طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي = ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
8- نونية والنونُ تحلو في فمي = أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي = وتركتُ للأيامِ ما يعييني
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي = بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني = مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا = حتّى ترحمَنا على نيرونِ
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ = قد نوَّموه بخُطبة وطنينِ
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو = وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا = في لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها = قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ مُفَزَّعًا = وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ = تسمو على التصويرِ والتبيينِ
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها = بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ = فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً = وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا = فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها = وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
24- في ساحة “الحربي” حَسْبُكَ باسمِه = مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ = عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ = يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً = للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها = يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها = مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟ = لا زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ = برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى = جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ = أم تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية = أأشُكُّ في ذاتي وعينِ يقيني؟!
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما = تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ = تدعو إلى التحرير والتكوينِ
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى = وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ = وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم = كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
40- يتلقفون القادمين كأنهم = عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا = وبكل أسلوب خسيس دُونِ
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه = في عقل سقراط وأفلاطونِ
43- لا يعبأون بصالح ولو انه = في زهد عيسى أو تقى هارونِ
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم = والظهر منه تراه كالعرجونِ
45- لا يشفقون على المريض وطالما = زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ = وطئوا عمامته بكل مجونِ
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها = لكنها هانت هوان الدينِ
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ = أغرتهمو بالسب والتلعينِ
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة = لم يعبأوا بسنينه الستينِ
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله = مما يلاقي من أذى وفتونِ
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ = أم هم ملاعين بنو ملعونِ؟
52- تالله أين الآدمية منهمو = من مثل محمود ومن ياسينِ
53- من جودة أو من دياب ومصطفى = وحمادة وعطية وأمينِ
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم = لا دين فيهم غير سب الدينِ
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب = لا خوف شعب لا حمى قانونِ
56- من ظن قانونًا هناك فإنما = قانوننا هو حمزة البسيوني
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم = سموه زورًا قائدًا لسجونِ
58- وجه عبوس قمطرير حاقد = مستكبر القسمات والعرنينِ
59= في خده شجٌّ ترى مِن خلفه = نفسًا مُعقدةً وقلبَ لعينِ
60- متعطش للسوء، في الدم والغ = في الشر منقوع به معجونِ
61- هذا هو الحربي معقل ثورة = تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى = فى ضيقها وعذابها الملعونِ
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا = صورًا تذكرنا بيوم الدين!
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة = من فيض إيمان وبرد يقينِ
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا = بتخلف التصنيع والتعدين
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت = في صنعة التعذيب والتقرينِ!
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب- = في العرض والإخراج والتلوينِ!
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه = حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه = بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه = نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي = حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى = رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى = مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه = كم من كسير فيه أو مطعونِ
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا = حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر = كم من جريح عندها وطعينِ
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة = سقطوا من التعذيب والتوهينِ
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن = فن العذاب وصنعة التلقينِ
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في = حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا = أو شبه عارٍ في شتا كانونِ
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا = أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد = كم من شهيد في التلال دفينِ
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ = لا بالرصاص ولا القنا المسنونِ
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ = للقطع والتمزيق بالسكينِ
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها = جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه = فالكي بالنيران خير ضمينِ!
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر = لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها = لم يسمعوا لتأوه وأنينِ
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير = فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى = يا إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب = أحيا حياة الحر لا المسجونِ
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا = فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري = أنا عند خالقيَ الذي يهديني
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي = فملائك الرحمن لم يَدَعوني
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ = حسبي صلاتهمو بعليينِ
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه = أحظى بأجر ليس بالممنونِ
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا = جذلان كالعصفور بين غصونِ
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها = في قبضتي، ونعيمها يدعوني
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي = ما شئت فيها من حسان عِينِ
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا = في الله لا في شهوة ومجونِ
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن = يومًا على حرماته بظنينِ
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا = عني اليهود فطالما خبروني
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى= مستهترين كأنه ابن لبونِ!
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى = تل المقطم وهو غير بطينِ
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا = سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه = فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا = أن الإله يحوطهم بعيونِ
108- والليل يشهد والكواكب والثرى = وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية = أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا = قد أضحكتني مثل ما تبكيني!
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية = كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ = وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
113- إلا هواه وما يدور برأسه = من خلط سكير ورأي أفينِ
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ= يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى = قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله: = الله ربي، والحنيفة ديني!
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم = طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله = شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية = شهرت بنادقها على السكسونِ!
120- أو كان حافظ آل عمران فقد = ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى = هي غرة تزهو بأي جبينِ
122- والويل لامرئ استباح لنفسه = إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
123- سيعود للحربي يأخذ حظه = وجزاءه الأوفى من البسيوني
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة = في ساحة الحربي ذات شجونِ
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي = كانت فصول فكاهة ومجونِ
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا = داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا = ذا اليوم من طنطا إلى بسيونِ
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا= لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة! = في عسكر شاكي السلاح حصينِ
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة = وكأنه عمرو بأجنادينِ!
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع = فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
132-طابور “تكدير” ثقيل مرهق = في وقت أحلام وآن سكونِ
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا = لهب السياط شكت من التسخينِ
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا = عرق تصبب مثل فيض عيونِ
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على = ضربات صوت للعذاب مهينِ
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة = أو علة.. داسوه دوس الطينِ
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به = من فرط إعياء ومن توهينِ
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه= بالسوط من عشرين للخمسينِ
139-كل ينال نصيبه بنزاهة = في العد والإتقان والتحسينِ!
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة = ما زال صوت خطيبها يشجيني
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم = يترك لفرعون ولا قارونِ:
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا = أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو = كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو = عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة = من ذا يحاسب سلطة القانون؟!
146- متفرد في الحكم دون معقب = من ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية = أو شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي = وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له = موت بلا غسل ولا تكفينِ!
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه = أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها = وأريتَنا أفكار نابليون؟!
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا = بجهادك الدامي صلاح الدين!
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة = في الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة = كانت هي القبر الذي يئويني؟!
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى = روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة = هي في هجير الصيف مثل أتونِ
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة = متداخلين كعلبة السردينِ
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا = وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا = هي ساحة للعب والتمرينِ
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها = ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد = في الكون ما أرجوه أو يرجوني
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها = أما السماء فسقفها يعلوني
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد = أعنيه في شيء ولا يعنيني
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى = إلا من الأحلام لو تأتيني!
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها = شهرين فامتدت إلى عشرينِ
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا = عني برفق علهم عرفوني!
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت = فقدوه أم حي فيرتقبوني!
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي= فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة = قد كنت أحسبها أتتْ تحميني
170- حظي بها زنزانة صخرية = سوداء مثل قلوب من أسروني
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى = والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
172- هم كدروني لا طعام أذوقه = لاشيء من برد الشتاء يقيني
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم = دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
174- ضرب من التعذيب إلا أنه =لابد منه لسد جوع بطونِ
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى = إن الحصى فرضٌ على التعيينِ
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه = من عينه أو داله والسِّينِ!
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها = نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه = فكأنما صنعوه من غسلينِ
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما = يحلو لنا من قلة التموينِ
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه = وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
181- لو أن لي في جوفها حرية = لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة = ولغير شيء..طالما استاقوني
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها = نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
184- إن نمت توقظني السياط سريعة = فالنوم ليس يباح للمسجونِ
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى= حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا = أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا = حمل المصاحف وهي خير قرينِ
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح = جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم: = عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا = موتوا بغير توجع وأنينِ!
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما = فدعا بلطف للجنود:اسقوني
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو = كم كل مسعور عليك حرونِ
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق = يومًا بطول مآرب وشئونِ
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه = ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة = هي وصفة الثوار للمبطونِ
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها = أو ضعفها بمكان الاسبرينِ
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها = يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي = فخرت به مصر على برلينِ!
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن = آسى على الإغلاق والتأمينِ
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى = كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ = أتلوه بالترتيل والتلحينِ
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي = قلبًا بنور يقينه يهديني
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي = أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
204- لحساب من هذا الأتون مسجر = يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة = روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ = بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم = وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا = والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة = من غير سلطان عليه مبينِ؟
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا = من أوجه أو أظهر وبطونِ
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا = ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها = في يوم حرب للعدو زَبونِ
213- أم للعروبة في قضيتها التي = أغنى بها الشهداء عن تبييني
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في = أوطانه من طنجة لبكينِ؟
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا = من كل مرتقب لعون معينِ
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو = من ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها = بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟ = لحساب الاستعمار الصهيوني
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي = يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا = بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد = وبكل سعد فاتح ميمونِ
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق = يخشون تركيّا كنور الدينِ
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا = للفكر والتوجيه والتقنينِ
224- ويرون كل تكتل يدعو له = خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا = لمخطط التبشير والماسونِ
226- ليسدد الضربات في عنف إلى = أقوى بناء للدعاة متينِ
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا = أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا = ليطارد الإسلام كالمجنونِ
229- واليوم سار جمالهم في خطه = بتدرج وتخابث ملعونِ
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر = متلون يحكي أبا قلمونِ
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر = كم قد نكبت بغاشم وخئونِ
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت = مصر على عهد أغر مكينِ
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى = ويردها لتراثها الميمونِ
234-ويعيد عهد الراشدين يمده = عز الرشيد ونهضة المأمونِ
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة = كنا لها في الروع خير معينِ
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده = كالثور حين يدور في الطاحونِ
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة = كل يريد الملك غير رزينِ
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه = ملك الملوك ووارث الفرعونِ
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم = لا تجعلوا ربًّا لكم من دوني
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها = للشعب.. في توجيهها اللا ديني
241- ما بالها رجعت لنا حزبية = عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه = وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
243- صحف ومذياع وسيل دعاية = متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا = وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
245- أكداس أرقام ولست ترى لها = أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا = ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
247- ثورية هدامة شريرة = باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
248- كانت على الإسلام في أوطانه = شرًّا من السكسون واللاتينِ
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته = بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
250- ومضت تصب على الألوف عذابها = من كل ذي ثقة بهذا الدينِ
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة = لم نجنِ منها غير تل ديونِ
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت = وتقول بالتطوير والتحسينِ!
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها = صرنا وقود وطيسها المجنونِ
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى = حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة = قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟ = أين الوفاء وأهله؟ دلوني
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا = في وصفنا من يسرة ليمينِ
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم = كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
259- وعزاؤنا أن النبي فديته = بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ = أو كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية = معزولة عن قرنها العشرين!
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم = يدعوننا لنعود قبل قرون؟
263- رجعية أنا نغار لديننا = ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟! = بئس الحريم يكون غير مصونِ
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا = لله تحيا، لا لعيش دون؟!
266- رجعية أنا نربي جندنا = للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
267- رجعية أن الرسول زعيمنا = لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟! = نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
269- رجعية أن يحكم الإسلام في = شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
270- أوليس شرع الله -شرع محمد- = أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
271- يارب إن تك هذه رجعية = فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
272- قل للذي جعل الكنانة كلها = سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
273- يا أيها المغرور في سلطانه = أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا = لك دائنين فكنت شر مدينِ
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا = والذئب لم يك ساعة بأمينِ
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى = شر وحقد في الصدور دفينِ
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت = دول أولات عساكر وحصونِ
278- ستهب عاصفة تدك بناءه = دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى = والمال بالآلاف والمليونِ؟
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها = ورجالها في الهدم لا التكوينِ
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها = مع غير جون بول ولا كوهينِ
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة = وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا = تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا = جسرًا به نرقى لعليينِ
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا = ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟ = خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل = منا كحد الصارم المسنونِ
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً = فالنار في البركان ذات كمونِ!
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة = يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي = بالسوط، ضع عنقي على السكين
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة = أو نزع إيماني ونور يقيني
292- – فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي = ربي، وربي ناصري ومعيني
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي = وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي = لا بد بعد الصبر من تمكينِ
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره = وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به = إن الصعاب تهون بالتهوينِ
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا = وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
298- لا تيأسن من الزمان وأهله = وتقل مقالة قانط وحزينِ
299- شاة أسمنها لذئب غادر = يا ضيعة الإعداد والتسمينِ
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى = والله للساعين خير معينِ
301- سنعود للدنيا نطب جراحها = سنعود للتكبير والتأذينِ
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده = وستنتهي للشاطئ المأمونِ
303- بالله مجراها ومرساها فهل = تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها = وأعن على طاغوتاها الملعونِ
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى = والأمر في كاف لديك ونونِ
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم = فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها = وبكل دمع في العيون سخينِ
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه = ما بين معتقل وبين سجينِ
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها = فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي = وأغثْ بعودته جياع بنيني
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر = وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
312- يا من أحال النار حول خليله = رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا = وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
314- يا رب إنا مِثله في كُربة = فارحم عبادًا كلهم ذو النون.

الصحفي والسياسي مجدي حسين- تعنت الداخلية في الإفراج عنه رغم 7 سنوات قضاها في السجن

شبكة وا إسلاماه

بعد قضاء محكوميته كاملة.. الصحفي والسياسي مجدي حسين يعلن بدءه إضرابا عن الطعام إن لم يفرج النظام عنه خلال يومين، وذلك إثر تعنت الداخلية في الإفراج عنه رغم 5 سنوات قضاها في السجن وقد  كانت  دائرة 28 إرهاب شمال الجيزة، برئاسة المستشار محمد نافع، قد قضت ، بحبس الكاتب الصحفي مجدي حسين، رئيس تحرير جريدة الشعب، 5 سنوات لاتهامه {بالترويج لأفكار متطرفة تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للبلاد.}

وقال مجدي حسين -بعدما سمحت المحكمة له بالحديث-، {إنه فوجئ فور قرار إخلاء سبيله بإحدى قضايا التحريض على التظاهر، بعد حبسه إحتياطيا في قضية لم تشكل ولم تحال إلى المحكمة، بصدور 5 أحكام غيابية رغم وجوده في سجن طره.}

وأضاف حسين للقاضي،{ إنه رفض عضوية مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، لكنه يعمل صحفي ويعاقب على رأي تم نشره في جريدة الشعب التي يرأسها وساقتها التحريات بطريقة مثيرة للسخرية تدعي تحريفي لسورة “يس” وازدرائي للدين الإسلامي.}

وعرضت المحكمة 4 احراز من نسخ بصحيفة جريدة الشعب قادت مجدي حسين إلى المحاكمة لاتهامات بنشر اخبار كاذبة، فأأنكر “حسين” كتابته لتلك المقالات عدا واحدا فقط تحدث عن عدم إغلاق الأحزاب القائمة على أساس ديني ، والرئيس السيسي أخذ برأيه ولم يغلق الأحزاب القائمة على مرجعية دينية.

ولفت إلى ان يرأس جريدة الشعب منذ عام 1993، وأغلقت في عام 2000 حتى عام 2011 ، وتم فتحها مرة أخرى إلى أن أغلقت 2014.

كانت الدائرة ٢١ إرهاب الجيزة، قضت بعدم قبول المعارضة المقدمة من الكاتب الصحفي مجدي حسين، رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير جريدة الشعب، على الحكم الصادر ضده غيابيا، وتأييد حبسه حضوريا 8 سنوات مع النفاذ، في اتهامه بالترويج لأفكار متطرفة، تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للبلاد، وتحريف القرآن الكريم.

  وكانت قد انطلقت منفترة مطالبات بالإفراج عن “شيخ الصحفيين

اذ دشن حزب الاستقلال المصري (معارض)، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج عن مجدي حسين زعيم الحزب ورئيس تحرير صحيفة الشعب (مستقلة) والمعتقل قبل خمس سنوات.

واعتقل حسين (70 عاما) في يوليو/تموز 2014، وذلك قبل يومين من مظاهرات دعا إليها التحالف الوطني لدعم الشرعية في الذكرى الأولى لعزل الجيش للرئيس محمد مرسي.

ووجهت له اتهامات منها انضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، التي أطلق عليها بعد ذلك قضية “تحالف دعم الشرعية”.

ويعاني حسين في محبسه من مشاكل صحية في القلب، فضلا عن إصابته بانزلاق غضروفي والتهاب في عصب البصر، مما يتطلب رعاية صحية خاصة لا تتوافر داخل السجن.

ووفقا للمادة 486 من قانون الإجراءات القانونية يحق لحسين الإفراج الصحي، حيث إنه مصاب بمرض يعرض حياته للخطر، ويستلزم رعاية خاصة.

وبالإضافة لحسين، يقبع نحو 89 صحفيا مصريا في السجون وسط ظروف إنسانية وصحية صعبة، إلى جانب التضييق على العمل الصحفي في البلاد، وفق تقارير حقوقية.

حوار مع الشاعر الأديب د عبد الحق الهواس {الأدب الإسلامي هو الأصل }

أدب السجون في حوار

مع الشاعر الأديب د  عبد الحق  الهواس الجزء الاول

 الدكتور  عبد الحق هواس أستاذ جامعي من سوريا  أديب وشاعر   اشتغل زمنا مديدا  في البحث الاكاديمي   تخصص  دقيق   في الادب العربي  في مرحلة ما قبل الاسلام وهو حاصل على دكتوراه في اللغة العربية وأدابها  درس في عدة جامعات عربية في العراق والسعودية  وليبيا  واليمن

  عضو اتحاد كتاب العرب  ورابطة الادب الاسلامي وأحد مؤسسي رابطة أدباء الشام    وهو من الادباء   المعنيين بالأدب الإسلامي وقضاياه

    شاعر   فذ  له العديد من القصائد  التي تحمل النفس الإسلامي    وقضايا   الأمة الإسلامية

  كتب الشعر  والقصة   وصنف الدراسات الادبية المميزة

صدر لأديبنا

مدلولات أسماء النساء في القصيدة العربيةوالمعلقات –

الرواية والتسمية

اللوحة الضائعة في معلقة طرفة بن العبد

    قامة ادبية عالية  كان لنا معه هذا الحوار الذي  رحب به مشكورا  في تواضع جم  حلقنا معه في   سماء الأدب الإسلامي وقضاياه  المعاصرة

    الحوا ر   في  جزئين الاول عن الادب الإسلامي وبعض  شجونه

  والجزء الثاني ننكش  فيه  بعض ما   نحمله  على كاهلها من أسئلة عن أدب السجون …….

  فإلى الحوار …

خاص – شبكة واإسلاماه

حاوره :زكرياء بوغرارة

س1 كيف بدأ مشوارك الأدبي؟ ولماذا الشعر بالذات؟

وما الذي يعنيه الأدب الإسلامي بالنسبة إليك؟ وما الذي يدل عليه في رأيك؟

بدأ مشواري في المرحلة الإعدادية من خلال ميلي إلى قراءة كتب الأدب ، وكتابة موضوعات التعبير المدرسية . وكان الشعر أقرب الفنون إلى نفسي فهو  

ترجمة للذات فيما تؤمن به ، بدلالة اتساقه مع قيم الدين الإسلامي فكراً وسلوكاً .

س2 هل الأدب الإسلامي ظاهرة ثقافية عابرة؟ أم أن هذا اللون من الأدب ذو أصل ثابت، وذو جذور عتيقة وكيف ترى صفة الأديب الذي يكتب الأدب الإسلامي، هل هو أديب مسلم أم أديب إسلامي؟

الأدب الإسلامي هو الأصل ، لأنه الهوية التي تشكلت في جذور الأمة هي التي أوجدها الإسلام . فهو أديب مسلم يعبر عن الهوية تعبيرا دقيقا ملتزما التزاما واعيا وتاما بتفاصيل رسالته للآخر.

وهو إسلامي حين يلتقي من قريب أو بعيد مع قيم الإسلام ومفاهيمه وضوابطه .

س3 أثمة من صلة مميزة بين الأدب العربي والأدب الإسلامي؟

 وحسب اعتقادك هل يجسد الأدب الإسلامي جسرا ممتدا بين الأدب والإسلام؟ ثم ما جوهر العلاقة القائمة بينهما؟

هي صلة رحم بحكم التكوين الفكري اللغوي والثقافي الذي شكله الإسلام – والأدب الإسلامي لا يمثل جسراً لأنه لا توجد هوة واسعة وصفتان متباعدتان ، وإنما خروج عن الطريق الواحد القويم وإضاعة الاتجاه الصحيح ، ومن هنا تأتي مهمه الأدب الإسلامي في التوجيه والتقويم وإبانة معالم الطريق ، فالعلاقة اندماجية تنبع من مصدر واحد حين يعبر عن مشاعر واحدة .

س4 ما الذي تراه في شأن رسالة الأديب المسلم؟

وكيف تنظر اليوم إلى حال الأدب الإسلامي مقارنة بحاله في الماضي؟

للأديب المسلم رسالة يستقيها من منابع الإسلام في القرآن والسنة والتراث ، وهي روحية ونفسية وفكرية وفنية بعيدة عن المباشرة الوعظية … والأدب الإسلامي اليوم يحاول أن يعيد ماضيه بروحية العصر وأساليبه الأخاذة ، وقد قطع أشواطاً مقبولة في الطريق الطويل طموحاً وأملاً .

س5 ما هو في رأيك الجنس الأدبي الذي ينفرد بالحظ الأكبر من الأدب الإسلامي المعاصر؟

وهل ثمة من إضافات نوعية للأدب الإسلامي قصب السبق فيها؟

هناك تنافس واضح بين الشعر والرواية وقصور في المسرح … وإضافات الأدب الإسلامي تأتي في ظل الثوابت كالإيمان ، والثقة بالله عز وجل ، وسلامة التفكير ، وتهذيب الحواس ، والصبر على المكاره ، وبناء الحياة العادلة .

س6 ما حقيقة الصلة بين النقد والأدب الإسلاميين في الظرف الراهن؟

حسب اعتقادك، ما نصيب الأدب الإسلامي القديم والحديث من البحث العلمي الجامعي المعاصر؟

النقد في الوطن العربي والأمة كافة ليس بخير، لانشغال النقاد بنقد الغرب وانبهارهم به ، وابتعادهم عن تطوير النقد الذي قدمه لنا علماؤنا القدامى ، والمؤسف أن الغرب أفاد كثيراً منهم ، والأكثر اسفاً أنهم أخضعوه لمعتقدهم الديني … الأمر الذي أثر في تفعيل البحث العلمي كما نراه ماثلاً أمامنا في قلة البحوث الجامعية التي تبحث عن أدب المسلمين .

س7 ترى هل سبق أن قرأت بعض السير الذاتية الأدبية الإسلامية، نثرية كانت أم شعرية؟

السير الذاتية من أجمل السرديات في الأدب لأستيعابه تجارب إنسانية ومتعددة وحافلة بالشواهد . والباحثون العرب مقصورن في الباحث بهذا الفن كما لاحظ هذا البحث عبد الفتاح أفكوح والغرب يتهمنا بأننا نجهل أدب السيرة الذاتية ، وهذا محض افتراء بقطع النظر عن التسمية كان عهدي بالسيرة علميا في مرحلة الماجستير على يد الأستاذ الدكتور عبد الجبار المطلبي .

فقد أعادني إلى ماكتبه طه حسين ، وربما تكون اعترافات أوغسطين هي المؤسسة لهذا الفن الأدبي . وأعتقد أني شغفت بالسيرة النبوية الشريفة فكانت معيناً ثراً لي قبل أن أطلع على ماكتبه ابن سينا عن حياته أو عبد الله بن بلقين وتوفيق الحكيم في عودة الروح .

س8 لمن تقرأ من الشعراء الآن؟ وبمن مِن الشعراء تأثرت في البدايات؟ وكيف  هو رضاكم عن المشهد الشعري الذي قدَّمتموه وقدمه مجايلوكم عموماً؟ هل وصل إلى طموحاتكم؟ ثم كيف ترون المشهد الشعري الشبابي حاليًّا، هل واصل تطوير ما بدأتم به؟

لا يوجد تحديد مقصود لشاعر بعينه ، لكن أبا العلاء المعري يستهويني دائما هو والبحتري والمتنبي ، في بدايات تأثري كان بأبي القاسم الشابي وروحه المعذبة … لست راضيا عما قدمته ومازلت أبحث عن القصيدة المفقودة لا شك أن قصيدة وطن الأنبياء ونشيد لن يموت العزم فينا ، وقصيدة سلاماً أيها الوطن نالت بعضاً من رضائي .

يتبع مع الجزء الثاني من الحوار

📖 خواطر أسير الشيخ داود خيرت

خواطر أسير 🔗

📌ما أجمل ان تعيش وأنت في واقع لا يوجد فيه دافع واحد للعيش ، تعيش لتتحدى الصعاب ، تعيش لتعمر الخراب ، تعيش لتبعث الأمل الذي فقده كثيرا من الناس تعيش لأنك صاحب هدف وحامل لقضية ، إنها قضية العدالة التي افتقدها الناس ، تعيش لأن الله امرك أن تعيش عبد له ، فأنت بالعبودية تكون لحياتك قيمه ، ولوجودك فائدة .

📌تعيش على الأمل ، الذي لا يعرفه سوى من عرف الله ربا والاسلام دينا ، حياتنا لا يوجك بها يأس أو قنوط ، فإننا دائما ننتظر الخير ، وننتظر الأفضل فإذا صلينا الصبح ننتظر الظهر ثم العصر ثم المغرب والعشاء ثم ننتظر يوم الجمعه ذلك العيد الأسبوعي ثم أعياد المسلمين من فطر وأضحى ، وكذلك رمضان وغيره من مواسم الخير ، فالمؤمن دائما ينتظر الخير ويأمل في الحصول عليه ، فأحوال المؤمن كلها خير حتى عند نزول المصائب جعلنا الإسلام نعالجها بالصبر الجميل الذي يحول المصيبة إلى رحمه وخير ، حيث نأمل في أجر الصابرين الذي هو عند الله بغير حساب ، فالمؤمن إذا خسر الدنيا كلها لا ييأس ولا يقنط ، فما عند الله خير وأبقي ، والدنيا إلى زوال فلا نبالي بها لأنها احقر عند الله من جناح بعوضه.

📍لا نيأس لأننا وإن قامت القيامه مطالبون بغرس الخير كي نحصده عند الله في الآخرة .

📌كيف يفقد الأمل من يعلم أن له رب رحيم أرحم به من امه ؟! نعم أرحم بنا من امهاتنا فهو الذي خلق الرحمة في صدرها ، بل إن هذه الرحمه هي جزء من مليارات الأجزاء من رحمة الله تعالى بنا ، ………..

📌🔗.إذن لماذا يبتلينا ؟!
يجب أن نعلم جميعا أن الله تعالى غني عن تعذيب عباده ولكن لحكمه أعطى ولحكمه منع وما ابتلى عباده إلا رحمه بهم حتى نعلم حقيقة ضعفنا ونحقق تمام اليقين في الله والتوكل عليه في دفع ما يضرنا . ونحقق تمام العبودية التى تعنى تمام الذل مع تمام المحبه.

🔗كيف ييأس من يؤمن باليوم الآخر ، يوم الدين ، يوم الوقوف بين يدي الله رب العالمين ، ليعلم الصادقون صدقهم ويرى المقصرون مغبة تقصيرهم .

🔖خواطر أسير
الشيخ داود خيرت
فك الله بالعز اسره وكل المأسورين

أسوء شئ بعد اعتقال أهالينا الزيارات ! …

🔏- أسوء شئ بعد اعتقال أهالينا الزيارات ! …

📝 مبحبش اكتب عنها بشكل عام لانها ، حاجه كده ملهاش وصف ولا معني غير قلق ، خوف ، تعب ، ذل ، أهانه ، استباحه ، بهدله ، استحالال ، كسر نفس ، كسر خاطر ، مشاعر متضاربه حزن ، دموع ، فرح ، رغم كل ده الزياره دي بالنسبة للاهالي حياة ، كل ده يهون في مقابل حضن أمك أختك اخوك ابنك بنتك ، كله بيهون في مقابل الإطمئنان عليهم وسماع صوتهم ، بنخرج تايهين فاقدين معني كل شيء في الحياة في حاله من الهدوء التام

🍁 لكن لطف الله ينزل علينا بنرجع معنا أمـــل و أطمنان و سكينه من الله ربنا ينزل رحمة علينا

📌بخرج من الزياره ادعي للأهالي الي ممنوعين من الزيارات والمختفين ربنا يهون عليهم ويرزقهم الصبر والثبات والرضا

📌بس مطلوب من الي حوالينا يتفهموا حالنا
ويرضوا بردنا القليل ويلتمسوا لنا العذر

📌 من 2013 لحد اللحظه الي انا فيه ممرش عليا زيارة أسوء ولا أقسي من زياره أمـي امبارح من بدايتهآ الي خروجي منها ، بعيد عن كل شيء حصل قبل ما اشوف امي كنت بقول لنفسي معلش هنسي كل ده مجرد ما المس ايدي امي من وراء السلك هنسي كل ده لما يسمحوا انها تحضني وانا ماشيه ، السياسي لازم نبهدله شويه شويتين ثلاثه مفيش مشكلة وصيلنا اخيرا عند اخر باب ، وقعدين كذا زياره سياسي للاخر ، منهم زياره لمعتقله ليها 3 اطفال للأسف كان في انتظارهم قرار جديد طفل واحد الي هيدخل دموع ال3 اطفال كفيله انها تخلع القلب من مكانه ويجي دور المحايله ان الاطفال تدخل ومش مهم الكبار لكن للاسف لا ممنوع ! ده كان حال كل الأطفال السياسي والجنائي

📌اقول لنفسي معلش كله دقائق و هيهون ده كله ، لكن كان في مفجأه تانيه ، ان السلك الي هقدر المس صوابع امي منه بقي سلكين ، والسلكين بقي جواهم مسافه و قفص تاني بسلكين عكس بعض النور ضعيف جداً اعداد الزوار كتير الصوت عالي مش مسموع حاولت أركز و اكتفيت بالدموع والنظر لامي من وراء كل السلك ده واحاول اطمن نفسي لكن بقي في صوت اقوي مننا صوت السجان أعلن انتهاء الزيارة ، بدء الهدوء في المكان و فجأه سمعت صوت امي بتقولي ليس لها من دون الله كاشفه ، عليكم بالدعاء تمسكوا بالدعاء إلجوا الي الله الفرج قريب

📌لاتنسونا من الدعاء
ادعوا اهالي المعتقلين الي ممنوعين من الزياره

🌵ادعوا لاهالي المختفين ،ادعوا للمعتقلين والمعتقلات بالصبر والثبات والرضا ، انشغلوا بأنفسكم و اصلحوا منها ، ترفعوا عن سفاف الامور ، إلجوا الي الله بالدعاء والعمل الصالح ، حافظوا علي انفسكم ولاتلقوا بأيديكم الي التهلكه ،

🍁 انت او أنتِ مش بتتبهدل لوحدك والضرر بيعود علي كل الي حواليكم هي مش شطاره ولا جدعانه ولا فتحت صدر ، المقدر هيكون بدون شك لكن في أسباب فلازم نتقي الله في انفسنا وأهلينا

🌵 الطَّرِيقُ طَوِيل ، وَالزَّاد قَلِيلٌ والغُربة تشتد ، و الفتن تزداد ، و وراءنا ايام ثقال ، اللَّهم ثبتنا حَتي نَلقاك وَقدْ رضِيت عَنا.!!

📌أدعوا للمسلمين في شتي بقاع الأرض ادعوا للناس بالهداية والصالح

🌻Afraa Elmahy

قصة إسماعيل القمري مع الإعتقالات..!

قصة إسماعيل مع الإعتقالات..!

صاحب دار نشر القمري

إسماعيل أُعتقل لأول مرة في 2007، كان عنده وقتها 16 سنة.

تاني مرة كانت في 2009 وخرج بعد قيام ثورة يناير بشهر، تحديداً 25 فبراير 2011.

ثالث مرة كانت في 2015 وخرج في 2016.

رابع مرة كانت في 2017 وخرج في نفس السنة.

خامس مرة كانت في شهر 10 سنة 2018 اختفى قسرياً لمدة 120 يوم وظهر في النيابة شهر يناير 2019 وأخد إخلاء سبيل 3 نوفمبر 2020،
أختفى بعدها قسرياً لمدة 45 يوم،
وظهر في النيابة 16 ديسمبر على ذمة القضية 810 بتهمة الانضمام لداعش!

إسماعيل طول فترة حياته دخل 6 سجون ( العقرب – ليمان طرة – أبو زعبل شديد الحراسة – استقبال طرة – القناطر – سجن الجيزة المركزي)
واتصنف 5 تصنيفات عكس بعض في كل مرة أعتقل فيها
( سلفي – قاعدة – إخوان – داعش – يساري)!



إسماعيل بشهادة الجميع أول واحد من مشاهير السوشيال ميديا المحسوبين على الإسلاميين اللي تصدر لأفكار الدواعش وإتحمل قذف وسب ومقاطعة كثير من مشاهير الإسلاميين وقتها.

إسماعيل باحث وناشر مستقل ليس له أي إنتماء لأي تيار موجود على الساحة؛ لكنه هاضم لأفكار جميع التيارات الموجودة على الساحة بحكم معشرته ليهم داخل السجون وخارجها.

ربنا يفك أسره ويزيل عنه ظلم الظالمين ويرده إلى أهله هو وجميع المظلومين عاجلا غير آجل، ويرحم الله عبداً قال آميناً.

#الحرية_لإسماعيل_القمري

صفحفة الفيس بوك

عندما تكون زيارة المعتقل السياسي لعنة

كتبت زوجة المعتقل الاسلامي اسماعيل القمري صاحب دار نشر القمري عن لعنة الزيارة… تكاد تكون وثيقة من وجع تروي كل الغصص الحرار في دولة المخابرات

{{بقالي سنة وشهرين، بدون زيارة لإسماعيل، برغم إن يوم الزيارة ده كان لعنة بمعنى الكلمة، من أول الانتظار على باب السجن في الشمس بالأربع ساعات، ثم التفتيش وقلة أدب السجانات، ثم الانتظار ثاني جوا السجن أكثر من ثلاث اربع ساعات، ثم التفتيش تاني قبل الدخول للقاعة اللي بنقابل فيها أحبابنا، والمحايلة اللي بنتحايلها عشان ندخل أكلة معينة ولا علبة دواء!، وكل العذاب ده عشان نقعد معاهم نصف ساعة مثلاً! وحواليك بقى مخبرين وسجانين عمالين يلفوا حواليكم زي النحلة! لكن كل ده يهون في سبيل إننا نشوفهم ونهون عليه مرارة السجن والقرف! برغم كل ده أنا مفتقدة الزيارة بكل تفاصيلها، مفتقدة حتى الرخامة اللي كنت بقابلها من السجانات! مفتقدة جواب الزيارة اللي باخده من إسماعيل وأقراه في العربية وأنا مروحة، مفتقدة الهدايا البسيطة العظيمة! اللي هتفضل أغلى وأعظم هدايا تجيلي في حياتي!}}

صفحة الفيس بوك

لأنهم قالوا: لا -مذكرات سجنية الحلقة الرابعة

جاسم وشيخو وأبو حميد

هذا العنوان ليس اسماً لمسلسل إذاعي أو تلفزيوني، بل هو عنوان لمسلسل التعذيب في فرع مخابرات حلب في الحقبة التي كنت فيها ضيفاً على ذلك الفرع.

جاسم هو زعيمهم. لا أعرف اسمه بالكامل. يقال إنه جاسم الطِّيط، ويقال: جاسم سلطان. ولكنه يُعرف عادة باسمه: جاسم، أو بكنيته: أبي الفوز.

لقد حَرَمَهُ الله من أي جمال في خلقته، لكنه كان صاحب ذكاء خاص في اقتناص الفرص، كما سأوضِّح.

وكان يتباهى في أنَّه تخرّج على يديه الوزير الفلاني، أو المسؤول الكبير الفلاني، بمعنى أنهم اعتُقلوا عنده قبل تولِّيهم وظائفهم، أو بعد إخراجهم منها، ونالوا من يديه القويَّتين سيلاً من الخيزرانات، وغير ذلك مما يجود به حذاؤه، ولسانه كذلك!.

ويبدو أنه أطول الجلادين مدةً في هذه المهنة الشريفة، وهو يحسّ بالحرج، بل بالخوف الحقيقي وهو يسير في الشارع، أو يدخل بيته، أو ينام فيه!، أو يتسوَّق لعياله… بل يخاف على أولاده كذلك… فأعداؤه كُثُر، وكل من تلقّى منه تعذيباً فهو عدوٌّ له، ولا يأمن جاسم أن ينتقم منه بعض الأعداء!.

ولهذا فقد اتخذ لنفسه “استراتيجية أخرى” وهي أن يمتنع عن اصطناع أعداء جدد بقدر المستطاع، فإذا لم يكن مضطراً فإنه يتهرب من ممارسة التعذيب المباشر، بل يدفع إلى هذه المهمة بعض شركائه مثل شيخو وأبي حميد ومحمد وردة (الحمصي)… وفوق ذلك فإن استراتيجيَّته تقتضي أن يمارس النهب بأسلوب آخر. فهو يعيش في حلب منذ سنوات طويلة ويعرف كثيراً من تجارها ووجهائها… فكلما جاءه أحد المعتقلين سأله ما اسمك وما اسم أبيك، وما اسم أمك؟…

ثم يسأله: ما القرابة بينك وبين فلان، وفلان، وفلانة؟!. فإذا عرف أنَّ فلاناً عمه أو خاله أو ابن أخته أو… قام بجولة عليهم في أماكن عملهم أو بيوتهم الخاصة ليأخذ منهم الرشاوي بمقابل أن يحسن التعامل مع قريبهم المعتقل!. وقد تكون الرشوة نقوداً أو تكون ساعة يد، أو قطعة أثاث، أو بعض الألبسة… حسب اختصاص كل من هؤلاء الأقرباء.

أما “شيخو” فهو كما يقول عن نفسه: “شيخو أبو الشوارب”، أسمر البشرة، طويل القامة، له شاربان كبيران جداً، أسودان لامعان، يجعلان شكله مخيفاً.

وهو كردي، من قرية كفر جنّة، متعصب لقوميته، في لهجته العربية أثر واضح لكرديته، فهو يخلط مثلاً بين المذكر والمؤنث. وعلى الرغم من حبه الشديد للتعذيب، يراعي المعتقلين الأكراد قدر استطاعته!.

في أحد الأيام كان شيخو مناوباً، ينام في الفرع، وعند شروق الشمس سمع خبطاً على باب إحدى الغرف، واستمر الخبط حتى قام شيخو من نومه غاضباً وأتى بالخيزرانة معه ليؤدِّب هذا الذي يتجرَّأ على إيقاظه في هذه الساعة المبكرة، وقبل وصوله راح يصرخ: من هذا الذي يدق الباب؟ فجاءه الجواب: “آس. آس” وهي بالكردية تعني: “أنا. أنا” إذاً فالمعتقل هو أخونا طالب كلية الطب مستو، فابتلع شيخو غضبه، وظهرت البسمة على وجهه، وفتح الباب للأخ مستو حتى يقضي حاجته.

Image processed by CodeCarvings Piczard ### FREE Community Edition ### on 2019-07-10 12:08:39Z | | ÿÿÿÿÿÿÿÿÿÿÿÿÿÅWÑGÿ

وأكثر من مرة كان يؤتى ببعض المعتقلين الأكراد، وقد يؤمر شيخو نفسه بتعذيبهم، فيقوم بذلك، إذا كان المحقق فوق رأسه، لكنه في غياب المحقق كان يحاول أن يكرمهم.

ومن المآسي الصغيرة! أن عدد الملاعق التي خصصت لنا، كانت أقل من عددنا، وبعض الطعام كالمرق، يصعب تناوله من دون الملاعق. وكان أحد إخواننا في وضع صحي خاص، فكنّا نكرمه بأن نخصّص له ملعقة!. ولما شعر شيخو بذلك، خاطبَ أخانا مستو، باللغة الكردية: لم تعطون هذا العربي ملعقة؟! وظهر الغضب المكبوت في وجه مستو، ولما ذهب شيخو قام مستو بترجمة ما سمعه!.

وشيخو هذا أمِّيّ، لكنه يضع في جيب السترة على صدره، ثلاثة أقلام أو أكثر! وإذا رفع سماعة الهاتف، وسأله الطرف الآخر: مَنْ؟ أجاب: شيخو أبو الشوارب.

وقد قرّرت إدارة الفرع إجراء دورة محو أميّة لعناصر الفرع، ومنهم شيخو هذا، فكان يحضر الدروس لكنه لا يفهم شيئاً، وإذا أعطاه المدرّس وظيفةً ليكتبها، طلب من أحد المعتقلين أن يكتبها عنه! فإذا قدّم الوظيفة للمدرّس تبيّن له أنها ليست بخط شيخو، فيطلب من إدارة الفرع معاقبته! ثم يأخذ وظيفة أخرى، ويحاول أن يكتب، وكلما كتب حرفاً أو رقماً بدأ يشتم: “يلعن أبوه هذا أربعة” أي يلعن الله الرقم 4. ما أصعب كتابته! (ونكتفي بهذا المثال عن أمثلة أخرى فاحشة).

وكان أحد إخواننا المعتقلين ينصح شيخو أحياناً فيقول له: يجب أن تترك الخمر، فالخمر وبال عليك في الآخرة، وهدم لصحتك!. فيقول: لا. أنا مرضت وذهبت إلى الطبيب فكتب لي في الوصفة: “واحد فروج، وواحد عرق”! قلت له عندئذ: وهل صرفتَ الوصفة من الصيدلية أم من الخمارة؟!. فنظر في وجهي ولم يُحِرْ جواباً!.

ويقصّ علينا هذه القصة التي تصور شخصيته، فيقول:

مرة طلب مني النقيب أن أعذِّب أحد الموقوفين، وصعد النقيب إلى غرفته في الطابق الأعلى، فوضعتُ القيد في يَدَي الموقوف (المعتقل) حتى تقلَّ حركته، وأتمكن من ضربه كما أريد. ورحت أضربه بالخيزرانة مرة، وبعصا غليظة مرةً، وبعقب الحذاء مرة ثالثة.. ولم أشعر إلا وقد انكسرت يده كسراً ظاهراً، وهو يصرخ من شدة الألم. خفت أن يعاقبني النقيب على ذلك. فاتصلت به هاتفياً: سيدي، هذا الذي قلتَ لي: عذِّبْه، لقد انكسرت يده.

(وأراد المحقق أن يطمئنه فقال له): “يلعن أبوه. خلّي تنكسر إيدُه التانية” : فلتنكسر يده الثانية.

فقال شيخو: حاضر سيدي.

وراح يضرب الضحية بقسوة بالغة حتى كسر يده الثانية. استجابة لما فهمه من كلام النقيب!.

قلت لشيخو: وكيف تفعل ذلك؟! قال: النقيب ربّي! فإذا قال لي: اكسر يده فأنا أكسرها!.

ونكتفي بهذا الحديث عن شيخو لننتقل إلى الجلاد الثالث:

أبو حميد: هو الآخر كردي، لكنه يتكلم العربية بلهجة حلبية تامة، مع احتفاظه بلغته الكردية.

وهو ضخم الجسم، جميل الهيئة، قوي البنية جداً. كان يعمل -قبل دخوله هذه الوظيفة- عتّالاً ينقل الحمولات التي يعجز عنها العتّالون الآخرون!.

وإذا أُمر بالتعذيب قام “بواجبه” على أكمل وجه، لكنه إذا غاب عن أعين المحقق بدا لطيفاً مهذباً.

كان هو الآخر أميّاً، فكنّا نكتب بعض الرسائل إلى أهلينا وأصدقائنا، ونرسلها مع أبي حميد، بمقابل خمس ليرات للرسالة الواحدة، ونشرح له العنوان فيوصلها بأمانة، وقد يأتينا برسالة جوابية بمقابل أجر آخر، يأخذه منهم.

وأحياناً يحمل رسالتين أو ثلاثاً في آنٍ واحد. وبما أنه أمّي، كنا نخاف أن يخطئ فيسلِّم الرسالة إلى غير صاحبها، فننبهه إلى ذلك فيقول: لا تخافوا. رسالة فلان هنا في هذا الجيب، ورسالة فلان في جيب القميص، والرسالة الثالثة في الجيب الخلفي. وبالفعل كان يصيب الهدف!.

ومرة اعتُقل مجموعة من عصابة تضم أطباء فمَنْ دونهم، من مستشفى حلب العسكري. وكانت هذه العصابة تأخذ الرشاوي من المواطن حتى تهيّئ له سبيل الإعفاء من الخدمة العسكرية…

في أثناء التحقيق مع أحدهم يقول المحقق حيزة: ألا تخجلون على أنفسكم تأخذون الأموال من أجل تمكين المواطن من التهرب من خدمة العلم؟!.

فيتدخل أبو حميد فيقول: سيدي. هل تظن أن كل الناس مثلي ومثلك، يعيشون على رواتبهم؟!.

وقد ذكرتُ آنفاً كيف كنا ندفع الرشاوي لأبي حميد. أما الحيزة فقد كانت رشاواه بأسعار باهظة.

فقد جيء مرة بمهرِّب حشيش على مستوى دولي (يهرِّب بين الدول)، وضبطت معه بضعة عشر كيلوغراماً من هذه المادّة. فلما وصل إلى الفرع ووضع تحت التعذيب، أشار بطرف عينه إلى المحقق، والتقط المحقق الإشارة، فصَرف الجلاد من الغرفة.

ثم كتب التحقيق بالشكل الذي يرضي المهرِّب. ثم طَلَبَ له فطوراً -على حساب المهرِّب- وهو “مامونية”، من عند المستّت!.

ووضعه المحقق في غرفتنا بضع ساعات إلى أن أُفرج عنه. وقد حدَّثنا أنه دفع للمحقق ثلاثة آلاف ليرة مقابل ذلك!.

رئيس فرع الحلبوني

عندما نُقِلنا من معتقل فرع المخابرات في حلب إلى فرع الحلبوني في دمشق، في مطالع أيلول 1973م، كان رئيس الفرع هو الرائد عارف نصر، وهو شخصية غامضة، يُدير الأمور من وراء جدار!. فقد بقينا “ضيوفاً” عليه مدة تزيد على أربعة عشر شهراً، ولم نجتمع به مطلقاً. نعم قد نراه خِلْسة، ونحن نتسلّق أعالي النوافذ، فربما صادف ذلك دخولَه إلى مبنى الفرع عبر الساحة الواسعة، فكان دخوله يقترن “بخشوع” ظاهر من السجانين والحرس.. إذ إن مِشْيته تدل على تجبّر وغطرسة.

كان يدير الفرع بشكل مباشر اثنان:

المحقق آصف يتولى أمور التحقيق والتعذيب ويُعدُّ ملفّات الموقوفين، ويرفع التوصيات بشأن التوقيف (الاعتقال) والإفراج.. وهو ضابط في مطلع الثلاثينيات من عمره، محدود الثقافة والذكاء!.

والمساعد شلحة (لا أعرف اسمه الأول)، يتابع الأمور الإدارية، من دوام للعناصر، وترتيب الحراسة، وتنظيم خدمات الطعام وغير ذلك. وهو كذلك ضعيف الثقافة والذكاء، قاسٍ جَلف. قد يتولى التحقيق في بعض المسائل الصغيرة.

وهو يعترف –بلسان حاله- أن الإخوان هم الأكثر نظافة في أخلاقهم وسلوكهم.. وفي طعامهم وثيابهم ومكان إقامتهم كذلك. فإذا جاءت توصية بأحد المعتقلين الجدد، فإن المساعد شلحة يضع هذا المعتقل الجديد في غرفة الإخوان، تكريماً له، وحفاظاً على نظافته البدنية والخلقية.

ولسنا ندري شيئاً عن العلاقة بين رئيس الفرع وبين كل من “آصف” و”شلحة” هل هي علاقة مودّة، أم علاقة إدارية وظيفية فحسب.

——————–

في أواخر العام 1974م حدث تغيير في إدارة الفرع، فقد عيّن رئيس جديد له، إنه الرائد محمد أحمد فتح الله.

كان متوسط الطول، أبيض البشرة، هادئاً ورزيناً.

وهو من منطقة يبرود -بين دمشق وحمص- وقد كان قبل ذلك “بمنصب القاضي الفرد العسكري”.

وكان مجيئه محاطاً لدينا بالغموض، فهل سيكون كسَلَفِه أم أقلّ سوءاً، أم أشد؟!.

واستمرّ الأمر نحو أسبوعين حتى بدأنا نلحظ ثمرات التغيير:

1-  أجرى رقابة على طعام الموقوفين، فعلم أن السجانين يسرقون أفضل الطعام، ويوزعون الباقي!. وأَمَر بسجن الرقيب أول أحمد سيفو (وهو ابن أخٍ للوزير شتيوي سيفو) بسبب سرقته بعض الطعام.

2- أمر بإعطاء الموقوفين حق الخروج إلى الباحة للتنفس، مدة نصف ساعة يومياً. (كنّا قبل عهده نخرج مرة واحدة في الأسبوع، لمدة عشر دقائق!).

3- اطّلع على ملفّات الموقوفين فوجد أنهم مظلومون، وليس هناك مسوّغ لاعتقالهم، فبدأ يرفع الكتب إلى إدارة المخابرات العامة يوصي بالإفراج عنهم. فاستجابت الإدارة فأفرجت عن بعض أصحاب القضايا الفردية البسيطة.

4- عندما لم تستجب الإدارة بالإفراج عن معظم المعتقلين، رفع كتاباً يقول فيه: إذا لم تستجيبوا، فلا أقلّ من أن تنقلوهم إلى سجون مدنيّة، حيث يمكن أن ينالوا بعض حقوق السجناء!. فاستجابوا لطلبه هذا، وتم نقلنا فعلاً. وكان نصيبي من سجن حلب المركزي، وخفّت بذلك وطأة السجن، فأين سجون المخابرات من السجون المدنية؟!.

لكن إدارة المخابرات العامة وجدت أنَّ هذا الرجل لا يصلح أن يكون رئيساً لفرع مخابرات، فمثل هذا المنصب يحتاج إلى ظالمٍ فظّ غليظ القلب حاقد لئيم.. فلم تمض سنة على توليه منصبه هذا حتى تم نقله إلى مكان آخر!.

الجلاد أبو طلال

إنه من أشهر جلادي فرع الحلبوني. لكن الاقتصار على وصفه جلاداً، لا يوضح حقيقة شخصيته، بل إن فيه بعض الظلم له.

بلغ من شهرته أنَّ بعض عناصر المخابرات في فروع أخرى، غير الحلبوني، يكنيّ أحدهم نفسه بأبي طلال تيمّناً بأبي طلال الحلبوني، ويطيل شاربيه ليكونا مثل شاربي أبي طلال.

والقلائل هم الذين يعرفون اسمه الحقيقي، فيكتفون بكنيته: أبي طلال.

اسمه هشام الشيخ نجيب، ويقال: إنَّ أباه شيخٌ بالفعل، لعله إمام مسجد مثلاً. وهو دمشقي.

وشخصيته غنية بالصفات المتناقضة، أو لنقل: بالخطوط ذات الألوان المختلفة.

تلمس فيه بعض الذكاء، وبعض العنف، والقدرة الكبيرة على التعذيب مع الروح الساديّة، وبعض التديّن، وبعض الوطنية، وكراهية حزب البعث الحاكم، وفيه قوة في الشخصية، وتعدد في المواهب، وفيه بعض الطِّيب، وبعض الجهل.

وحين نذكر بعض مواقفه تظهر تلك الخطوط المتباينة.

أحياناً يطلب المحقق من أبي طلال أن يقوم هو بدور المحقق في بعض القضايا الصغيرة، وعندئذ يبدو ذكاؤه، إذ يستطيع استخلاص الحقائق من دون أن يضرب المتهم صفعةً واحدة أو سوطاً واحداً. قد يهدد، وقد يمسك بيده الخيزرانة ويلوح بها ويضرب بها الأرض أو الحائط.. ويرفق ذلك باستدراج الموقوف (المتهم) حتى يستخرج منه الاعتراف المطلوب.

وإذا أصيب أبو طلال بمرض أو أصيب أحد أفراد أسرته فإنه يقول: لا شك أنَّ ذلك نتيجة دعاء أحد المظلومين الذين تولّيت تعذيبهم.

وإذا اقتضت منه مهنته أن يعذب أحد المتدينين، ولم يكن المحقق فوق رأسه، فإنه يختار أحد المسجونين غير المتدينين فينسب إليه ذنباً ما، ويفرغ فيه شحنة الغضب، حتى إذا وجد أنَّ الغضب ذهب عنه أمسك بالمتدين ليضربه ضرباً خفيفاً، أو يكتفي بتوبيخه…

وإذا جيء بموقوف من جنسيات غير سورية، وبخاصة إذا كان أوروبياً أو أمريكياً فإنه يتفنَّن في تعذيبه بمبادرة منه! وإذا سئل عن ذلك قال: إن أبناء وطننا يلقَون سوء العذاب عندنا، فهؤلاء أَولى!.

ومرة يخطر في باله أن يصلّي لله تعالى، فيقف في باحة السجن ويصلي علناً، لا يخاف أن يراه أحد!.

ومرة يعلن إفطاره في رمضان، فيضع -في باحة السجن كذلك- كرسيين متقابلين، يجلس على أحدهما، ويضع الطعام على الآخر ويأكل!.

وهو صاحب “مَقْمَرة” أي مقهى للعب القمار، يعمل فيها خارج أوقات الدوام، ويشغّل فيها بعض الشباب الأشقياء، ويستغلّ وظيفته في حماية المقمرة والعاملين عليها.

ومرة كان في أحد النوادي الليلية (الكباريهات) واشتبك مع عناصر من سرايا الدفاع، لا أعرف سبب الاشتباك، لكن عناصر المخابرات (من روّاد الكباريه) وقفوا مع أبي طلال، ضد عناصر السرايا (من روّاد ذلك المكان) وتبادلوا إطلاق النار على الخفيف فأصيب بساقه، ونقل إلى المستشفى، وبعد الشفاء بقي يعرُج عرجاً خفيفاً، ولعل هذا العرج استمرّ معه وشكّل عاهة دائمة.

وكان يمتاز بضربات معينة يعذّب بها الموقوفين. وذلك بأن يمسك الموقوف من مقدمة شعر رأسه، ويحرّكه يمنة ويسرة، فيستجيب ولا يستطيع المقاومة، ثم يشده بقوة نحوه فيرتمي إلى الأمام قليلاً، فيضربه ضربةً قوية بساعده (قرب المرفق) فيرميه أرضاً بقوةٍ قرب الجدار، وعندئذ يدوس بعقب حذائه على رأس الموقوف ويضربه عدداً من الضربات المؤلمة المهينة… ثم يخرج مزهوّاً بانتصاره!.

وهو يعبّر بطرق مختلفة عن كراهيته لحزب البعث وقيادته، وعن ضعف ولائه للسلطة التي يخدمها! فبين الحين والآخر تضبط السلطة بعض المتسللين من العراق عبر الحدود بحجة أنهم معارضون لحكم صدام حسين وطالبون للجوء السياسي في سورية، فكانت المخابرات تعتقلهم وتزجُّهم في سجن الحلبوني لتحقق معهم فتطمئن إلى وضعهم، أو تتهمهم بأنهم مدسوسون لإحداث شغب في سورية… فحين يقول أحدهم إنني قادم لطلب اللجوء السياسي كان أبو طلال يشتمه ويقول له: أعندنا تطلب اللجوء السياسي! والله نحن لا نشبع الخبز، فكيف نطعم غيرنا؟!.

ومرة اعتقل شاب عراقي يدرس في جامعة دمشق اسمه كُوسْرَتْ، يقول: إن أباه كردي وأمه عربية، وهو بعثي مرتبط بالقيادة القومية –مكتب العراق في دمشق. وحصل أن دارت شبهة حوله بأنه متعاون مع بعث العراق، فاعتقلته المخابرات، وجيء به إلى “الحلبوني” وبدأ به التعذيب، وكان الذي يعذبه أبا طلال، فيقول كوسرت: والله يا رفيق أنا بعثي، واسألوا عني القيادة القومية، فيجيبه أبو طلال: “كذا” عليك وعلى القيادة القومية.

يحدثنا كوسرت فيما بعد، وهو يروي قصة تعذيبه فيقول: ما كنت أصدّق أن تشتم القيادة القومية لحزب البعث داخل فرع المخابرات، وأن تصدر الشتيمة من أحد عناصر الفرع!.

ومن القصص الطريفة التي حدثنا بها أبو طلال قصتان:

الأولى تدل على بقايا القيم الدينية في نفسه، وهي أن شاباً اعتقلته المخابرات في الصباح الباكر من أحد الأيام، في منطلق الباصات وهو يريد السفر، وجيء به إلى الحلبوني، ووجهت إليه بعض التهم، وطُلب من أبي طلال أن يقوم بالتحقيق معه. يقول أبو طلال: حاولت معه بالحسنى، وبالتهديد، ثم بالضرب المبرّح… ولكنه لم يعترف بشيء، فوضعته في الزنزانة بانتظار جولة أخرى في اليوم التالي، وكنت يومها مناوِباً (أي عليه أن يبيت في الفرع نفسه) ومع شروق الشمس سمعت خبطاً على باب إحدى الزنازين، فاستيقظت لأستجلي الخبر، وإذا الشاب الذي أتحدّث عنه هو الذي يخبط الباب. فتحت له الباب وقلت له: ما شأنك؟! لماذا تطرق الباب في هذه الساعة المبكرة؟! قال: أريد أن تضربني، أريد أن تعذبني فإنني أستحق ذلك وأكثر!!. قلت في نفسي: هل أصيبَ الشاب بالجنون؟! قلت له: احكِ لي قصتك، فقال: أما التهم التي وجهتموها إلي فأنا منها بريء بريء. ولكنني أستحق الضرب والتعذيب لأن أمي لم تكن راضية عن سفري، وقد أرادت منعي من السفر فعصيتها وخرجت، فهذا نتيجة غضبها، وأسأل الله أن يغفر لي.

أما القصة الثانية فتدل على مدى الرعب الذي يعيشه عناصر المخابرات، إذ صار لهم في المجتمع أعداء كثر. يقول: كنت يوماً  مناوباً في الفرع. وكان علي أن أبيت هناك، لكنني كما أفعل مرات كثيرة، أبقىٰ حتى منتصف الليل ثم أذهب إلى بيتي، وهو قريب من الفرع، ويتحمل عني زملائي الأعباء إلى الصباح، وهي في الغالب أعباء شكلية.

ووصلت إلى البيت ، وبعد دقيقتين سمعت قرعاً بالباب، فقلت: لا شك أن أحد الناقمين كان يترصَّدُني، والآن يريد قتلي أو إيذائي، فلقّمتُ المسدس، وهيأت نفسي لأفتح الباب وأعاجل الواقف خلفه بضربة شديدة تجعله يتدحرج على الدرج ثم أرى إن كان هناك حاجة لإطلاق النار. وفعلاً فتحت الباب سريعاً ووجهت لكْمة قوية لهذا الطارق فتدحرج وهو يقول لي: مالَكَ يا أبا طلال؟ أنا صديقك فلان!!.

لقد كان صديقي فعلاً، وكان يعلم أني مناوب في الفرع، فجاء إلى هناك ليزورني ويسهر معي، فلما قيل له: الآن ذهب إلى البيت، لحق بي، وكان ما كان!.

الشيخ الشاعر يوسف عبيد

        كان من حظّي أن تعرَّفت إلى هذا الشيخ الشاعر في سجن حلب المركزي. فبعد فترة وجيزة من نقلي إلى هذا السجن، تم نقل اثنين من السجناء السياسيين، فصرنا ثلاثة في غرفة واحدة: أنا، والشيخ يوسف، وعبد العزيز ج، المحسوب على البعث العراقي.

        الشيخ أبو ضياء: يوسف عبيد رجل ضرير، ضخم الجسم، خفيف الظلّ، يحفظ القرآن الكريم، ويحمل إجازة (بكالوريوس) في الشريعة، وهو شاعر مجيد، ينتمي إلى حزب التحرير. ويكاد كل شعره أن يكون شعراً ملتزماً، بل إنَّ السبب المباشر في اعتقاله كان قصيدة قالها في هجاء حافظ أسد واتهامه إياه بالخيانة.

        ولا غرابة أن يكون يوسف عبيد من فحول الشعراء، فهو من قرية “عين النخيل” من أعمال منبج وما أكثر الشعراء الفحول المنبجانيين، بدءاً من البحتري، ومروراً بعمر أبي ريشة، ثم محمد منلا غزيّل وعبدالله عيسى السلامة… ولعلّ منبج قد أنجبت شعراء كُثُراً آخرين، فلست ممّن يتابع تاريخ الأدب والحركة الأدبية.

*   *   *

        بعد حرب تشرين “التحريرية”! قام وزير خارجية الولايات المتحدة هنري كسنجر، بزيارات، وُصفت بالمكّوكيّة، بين واشنطن وتل أبيب ودمشق. وفي إحدى المرات طال الفاصل بين زيارةٍ له وأخرى، فقد أمضى مدة تزيد على الشهر في الولايات المتحدة، تزوّج حينَها من “نانسي”، وعاد إلى دمشق، في استئناف لرحلاته المكّوكية.

        الشاعر يوسف عبيد نظم قصيدة بعنوان “شهر العسل”، على أنه لزيارة كسينجر هذه، بصحبة عروسه. ابتدأ الشاعر قصيدته واصفاً العروس وعروسه:

شربَ المُدامةَ وانثنى نشوانَ مغـرور  الأمــاني

واختال فوق الريح في سبّاقةٍ كالبرق  جامحةَ العِنان

وعروسُهُ الحسناء في صَلَـفٍ تتيـه بعُنفـــوانِ

والخنجر المسـموم في يـده كَنَـابِ  الأُفعــوان

وحقائبُ الدولارِ مُثقلةٌ فِصاحَ النطق،  ساحرة البيان

يُلْقَى بها ثمناً لمأجورٍ صغيرِ النفس خَوَّانٍ جبــانِ

فلتبرزِ الأوطانُ هاتفةً مُرَحِّبَةَ المرابع والمغانــي

بوزير أمريكا بِرَكْبِ عروسه الحسناءِ سيِّدةِ الغواني

وفي مقطعٍ آخر يخاطب رأس النظام:

يا مَنْ تسير وراء أمريكا ذليـل الـرأس، منقاد اللجـامِ

   وترى الوسام الأجنبي بصدرك الخاوي فتفخر بالوسـام

 وتَعَبُّ كأس الغدر خلف ستائر الإجرام، والجولان ظامي

لا تَحسَبِ الأوطان غافلةً عـن اللُّعَبِ المُدمِّرةِ الجسـامِ

وهكذا إلى آخر سبعين بيتاً.

        ويبدو أنه ألقى هذه القصيدة في عدد من السهرات والتجمعات. فاعتقلته المخابرات، وسجنته في فرع مخابرات حلب، ثم في الحلبوني، ثم كان مستقرُّه في سجن حلب المركزي.
        وفي كلِّ سجن من هذه السجون كان رؤساء هذه السجون، ومحقّقوها، وسجّانوها، وسجناؤها… يُعجبون بالقصيدة، ويلتذّون بسماعها، لكنَّهم لا يجرؤُون غالباً أن يُبْدوا إعجابهم بها وبقائلها، وشماتتهم بـ “بطل الجولان” فكانوا يحتالون لسماع القصيدة مرة تلو الأخرى.

        ففي بداية الاعتقال استمع المحقق إلى القصيدة كاملةً من الشاعر، وبعد ذلك قال كلاماً يلوم فيه ذلك الشاعر لَوْماً رسمياً!. يقصُّ أبو ضياء علينا قصة جلوسه أمام هذا المحقق:

وجلسـتُ فـي صمـتٍ وألـقى بالسـؤال: أَأَنـتَ شاعـــر؟!

ومتى نظمتَ الشعرَ، أوَ ما علمتَ بأنَّ نظم الشعر من إحدى الكبائر؟

ولـمَ الهجــاءُ المـرُّ للأسـد الهمـام، وعَدْلُه كالشمس ظاهـر؟!
وإذا تطـاول شاعـرٌ يهجـوه، فالمذيـاعُ يُخْـرس كـلَّ شاعــر.

        وهكذا في قصيدة جديدة، يردُّ فيها على المحقّق “الموظف”.

        وفي الحلبوني كذلك، كان يأتي عنصر المخابرات، من سجّانٍ أو محقّق، أو رئيس حَرَس… فيقول:  هل صحيح يا أبا ضياء أنك نظمت قصيدة في هجاء الرئيس؟! فيقول: نعم. فيقول: هل يمكن أن تسمعنا إياها؟!.. فيسمعه إياها كاملة.

        يذهب هذا “العنصر” ثم يعود ومعه عنصر آخر أو اثنان، ويطلب من أبي ضياء أن يُسمع القصيدة ثانية.

        ثم يأتي عنصر آخر فيكرر القصة. وكلهم يبدي سروره وإعجابه! فتصوّروا.

        بل إننا، في سجن حلب المركزي، شاهدنا موقفاً أعجب. ففي أمسية أحد الأيام، كان يمرّ أمام السجن قائد شرطة محافظة حلب، ومعه “النائب العام” وبدا لهما أن يزورا ذلك السجن. واستقبلهما الضابط المناوب النقيب نهاد شقيفة، وراح الثلاثة يتجولون في ردهات السجن. فلما مرّوا أمام غرفتنا توقفوا، وتعرّفوا بنا وبقضايانا, وكان منظر أبي ضياء لافتاً للانتباه، فهو سجين سياسي ضرير! سأله قائد الشرطة: ما قضيتك؟. قال: قلتُ قصيدة في هجاء الرئيس!. قال: هل تسمعنا إياها؟! قال: نعم. وبدأ ينشد قصيدته. وكنتُ أنظر في وجوه الثلاثة: النقيب والضيفين، فأرى مظاهر الفرح والإعجاب.

        وبعد ذهابهم. عاد إلينا النقيب فقال: إنَّ السيد رئيس شرطة المحافظة يطلب نسخة من القصيدة!!!.

*   *   *

        وأختم هذا الحديث عن الشاعر أبي ضياء، فأقول: لكل شاعر أبيات يقولها تندّراً وتملُّحاً، وتكون في الغالب بِنت لحظتها، وهي، وإن لم تكن في مستوى الشعر العالي الذي ينسب إليه، تعبِّر عن مشاعره العفويّة.

        مرّة كان يتناقش مع أحد البعثيين، فقال البعثي: شعارنا: أمة عربية واحدة. ذات رسالة خالدة. فسأله أبو ضياء: وما تعريف الشعار؟! فارتبك. وبعد ذهابه قلت: أتسأله عن التعريف، والتعريفات يعجز عنها من هو أكثر علماً وثقافة منه، بل لعلَّ هذا “الرفيق” لا يفرِّق بين الشعير والشعار؟! فضحك وقال:

الشِّعر والشعير والشعار         يحسبها سواءً الحمارُ

———-

        ومرة، فقد نعليه من مكانهما. وهو يسمي النعلين “كُلاشاً” فقلت له: خُذْ أيَّ كُلاش من كلاشاتنا! فقال:

إذا ذهب الكُلاش فلا كلاشٌ      يقومُ مقامهُ عند اللَّبـوس

كان شِراكَهُ لمســاتُ خَزٍّ  كأنَّ مَدَاسَهُ وجه الرئيس!.

———-

        وقد قضينا في السجن معاً ما يزيد على السنة، فكانت روح أبي ضياء الحلوة تُذهب أكدار السجن، وتضفي عليه سروراً وحبوراً.

        رحمه الله رحمةً واسعة، فقد علمت أنه توفي في صبيحة يوم الأربعاء 24/10/1427هـ- 15/11/2006م.

وهو من مواليد قريته (عين النخيل) عام 1931م.