Yearly Archives: 2021

أدب السجون بين جمالية القراءة وقسوة الحكايات

الناس نيوز :

ربما يستوقفنا، أو يثير تساؤلنا، ذلك المنحى الجماليّ الذي ينحو بالقارئ للصبر على استساغة أو هضم جرعةٍ مبالغٍ فيها من الألم والمعاناة، وهو يطالع كتاباً عن آداب السجون، والذي سيأخذه بالبداهة في منعرجاتٍ ضيقةٍ وعميقةٍ ومظلمةٍ من ردهات التعذيب والألم والصراخ، الذي تلفّه روائح الدم والقيح، والذي لن ينجو منه دون أن يسبغ عليه مسحةً من الكآبة، التي تطول أو تقصر حسب طبيعة المتلقي.

ينبغي الإقرار أنَّ معظم من كتبوا في هذا الباب، وإنْ هم ذهبوا مذهب الأدب المترامي في فضائه، والرحب في إتاحة المزيد من الحرية للكاتب، إلّا أنَّ الموضوع بمرارته وقسوته المكثفة، تبقى تشدّ الكاتب إليها، فلا ينفلت من عقال سرديتها التوثيقية، وإن ابتغى إلى ذلك سبيلا، فمقدار الإثارة المتصاعدة والمتواترة، التي تحبس الأنفاس وتسارع معدلات نبض القلب في كثير من الأوقات، والتي تتعدّى حدود الطبيعة والفعل الطبيعي، الذي يغري في تتبّع أثره وتفاصيله أكثر مما يغري بالركون إلى عالم التخيّل السردي.

يخبرنا “جورج أورويل” أنَّ الكاتب عموماً يكتب مدفوعاً بمدى وعيه للجمال الخارجي، وبالترتيب الدقيق للكلمات ومدى تناسقها وإيقاعها، وبصدى تلك الكلمات لدى المتلقي. كما يخبرنا “غاستون باشلار” في كتابه (جماليات المكان) أنَّ بؤرة الطيف الجمالي في الصورة، إنما تكمن في قدرتها على إثارة الدهشة في النفوس، حتى لو كانت الدهشة أمراً مرّاً ومليئاً بالألم.

مَن منّا على سبيل المثال لم يستمتع بتفاصيل مدهشة من فيلم “سبارتاكوس” بالرغم من مرارته وقسوة مشاهده!
هنالك تمايزٌ واسعٌ بين مَن كتب عن السجون على خلفية المعاناة والتجربة الشخصية، فكانت كتابته تغتني بالتوثيق والاستناد إلى مخزون الذاكرة أكثر مما تغتني ببراعة البلاغة والأسلوب وسعة الخيال، وبين من كتب عنها بريشة الفنان، الذي وسَّع اطلاعه على هذا العالم القاتم بطرائق مختلفة، ثم أعاد تشكيلها بريشته البارعة، كما فعل “عبد الرحمن منيف” في روايتيه (شرق المتوسط) و(الآن هنا)، و”نجيب محفوظ” في رائعته (الكرنك).

تشدُّنا آداب السجون والروايات التي تتحدث عن المعتقلات وعوالم التعذيب في وجه من أوجهها، بجمالية الإثارة التي يبعثها كشف المخفيّ المليء بالأهوال، فكأننا نستمع إلى إنسانٍ عائدٍ من الجحيم الذي تتحدث عنه الكتب المقدسة، بالرغم من كل التصوّرات القبلية التي تنبئنا بشكلٍ مستفيضٍ ومتكررٍ عن أهوال وأحوال تلك العوالم، إلّا أن سماعها من إنسان قد شهدها بذاته، له متعة الكشف الجديد الممتلئ بمعنى التحقّق.
كما يسعى المطالع لهذا النوع الخاص من الأدب، للتعرّف على أنماط شديدة الغرائبية في المقاومة والإصرار على الحياة، بالرغم من ظلال الموت التي تخيّم على عموم المشهد، الذي يفتقر للحياة أصلاً.

في رواية “برنارد شلينك”: (القارئ)، والتي تحولت عام 2008 إلى فيلم يحمل الاسم ذاته، من بطولة “كيت ونسليت” و”رالف فاينس” والذي حصل على جائزة الأوسكار، سنكتشف جمالية كشف ذلك الجانب الوحشيّ القاتم من التكوين الإنساني، حتى عند السجّان الساذج البسيط، الذي شكلته آلة الدعاية النازية على نحو متوحشٍ مختلفٍ عن الطبيعة الإنسانية.
ربما سنجد أنَّ من مؤشرات الجذب، الذي يحوزه هذا الضرب من ضروب الأدب، أنَّه يمتلك طيفاً واسعاً من الاهتمام والتشاركية، فهو أدبٌ تُعنى به النخب المثقفة والسياسية، إضافة لحضوره الواسع في قطاعاتٍ شعبيةٍ، نادراً ما تعنى بأصناف أخرى من الأدب.

يعتبر أدب السجون من الآداب العابرة للحدود وربما للقارات، لأنَّ السجون عموماً تشكّل مشتركاً تاريخياً في حياة الشعوب، ودعامةً أساسيةً من دعامات الأنظمة المستبدة الحاكمة، وهي تزداد قوةً وباساً وفظاعةً، بمقدار تطوّر الانسان وتنامي قدرته على توظيف منتجه العلمي والتقني في خدمة توحشّه، وتحوّله لإله من آلهة التعذيب التي تتباهى بقدرتها الفائقة على صناعة الألم وإذلال المعذبين، ومع تطور تقانات الاتصال وشيوع المعلومات ووصولها بالسرعة الفائقة، ستجدنا حين نتحدث عن سجن (تدمر الصحراوي)، سيستدعي هذا بالضرورة الحديث عن معتقل (قصر النهاية) و(أبو غريب) في العراق، وسجن (تازمامارت) في المغرب، وعن سجن (الباستيل) في فرنسا، وعن سجن (هنري شاريير) في مستعمرة غويانا الفرنسية، وصولاً إلى سجون النازية المتعددة.

لقد حققت رواية (الفراشة) لـ “هنري شاريير” انتشاراً عالمياً عبر ترجمتها للغاتٍ عدة، وبطبعاتٍ متكررة بلغت حداً قياسياً، وكما يرى المتتبعون، فقد كان لها بالغ الأثر في إلغاء عقوبة الإعدام في فرنسا.

يمكن لنا أن نلاحظ أن الروايات التي تتحدث عن أدب السجون المعاصرة عموماً، هي روايات تتحدث عن سجون ومعتقلات في دول العالم الثالث، حيث تغيب الديمقراطية ويتألّه الحكام وتستعبد الشعوب، ومع انفلات الكثير من شعوب المنطقة العربية على وجه الخصوص من عقال حكامهم، بفضل الربيع العربي وإن تعرض هذا الربيع لانتكاسات حادة، إلا أنه أتاح القدرة للعديد من الناجين أن يتحدثوا ويكتبوا، عن عوالم بقيت لسنوات طويلة طيّ الكتمان لا يسمع الناس عنها إلّا همساً، والمثير للسخرية أنَّ بعض الدول المتحضرة، حين تحتاج لقمع خصومها، تلجأ لإدارة معتقلاتٍ متوحشة في بقع جغرافية خارج حدودها، كما فعلت الولايات المتحدة في سجن (أبو غريب)، وكما هي السجون السرية التي تديرها بعض وكالات الاستخبارات الأوروبية، في بقاع شتّى من العالم.

محمد برو .

أدب السجون.. صورة حية لمقاومة الاحتلال

  • غزة- وليد عبد الرحمن

التاريخ: 15 يناير 2020

الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال، يلامسون المطر والثلج الأبيض قبل أن يبلل وجوههم، وبدأت الجباه تتفتح، اشتدّت زخات المطر، وبدأوا يركضون في ساحة السجن، ولكنهم خارج حدود الزمان والمكان.

يركضون جميعاً، الشيوخ والشباب والأطفال ويحلقون بسعادة حتى تحرروا من قسوة وسطوة السجن والسجان، وأصبحوا أكثر حرية من السجّان الذي شعر لحظتها بأنه السجين الوحيد رغم امتلاكه مفاتيح الأبواب، وهم الأحرار الطلقاء رغم أنهم أصحاب محكومات عالية ومؤبدة.

وعلى الرغم من التعذيب والمعاناة التي يواجهها الأسرى الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية، إلا أن الحياة اليومية للقهر والظلم في ظل احتلال لا يعرف الرحمة ويمارس أنواع العذاب بحق الأسرى تخلق نسيجاً قوياً بين أصحاب الفكرة والقضية الواحدة من العلاقات الإنسانية المتميزة التي تجمع المعتقلين وتؤلف بين قلوبهم، وهذا ما أسهم في إيجاد تربة خصبة تنمو فيها الإبداعات، لتبني نموذجاً ذا نكهة جديدة تسجلها اللحظات التأملية التي يحياها السجين بعيداً عن ذويه.

ونجح الأسير الفلسطيني في أن يخرج فناً وأدباً جيداً يؤرخ ويوثق الحياة التي يعيشها، ويعبر عن ذاته بشكل جيد وينقل تجربته داخل سجون الاحتلال في قصائد وحكايات ومسرحيات وتسليات جميلة وصادقة، والقسم المشترك للأعمال الأدبية التي خرجت من السجون هو التصوير الحي للصمود.

مجموع هذه الإبداعات التي ولدت في أقبية السجون وعتمة الزنازين وخلف القضبان، والتي خرجت من رحم المعاناة والوجع اليومي والمعاناة النفسية التي كانت نتاجاً لفنون السجان في التعذيب والتنكيل كانت تمنحهم الصبر والصمود أمام أيام السجن.

أدوات بسيطة

كانت باكورة العمل المسرحي قد بدأت في سجن «الجنيد» عام 1984 كتب فيها الأسرى المسرحيات وشاركوا بعروض عرضت داخل غرف السجون وبأدوات بسيطة، وتطورت موهبتهم خلال سنوات الأسر فأصبحوا الآن كتاباً ومخرجين وفنانين تعرض أعمالهم على المسارح.

يقول الأسير المحرر جهاد غبن لـ «البيان»، والذي أمضى 22 عاماً داخل السجون الإسرائيلية، إن اللجان الثقافية في بعض السجون كانت تنظم بين الحين والآخر مسرحيات تستثمر فيها المواهب المتوفرة، حيث كانت تتم التدريبات بالسر، وبعدها يُفاجأ الأسرى في «الفورة» بوجود مسرحية، وقد استمرت هذه الأعمال في السجون حتى عام 2000، وبعدها منعت إدارة السجون هذا النوع من الفن من خلال ملاحقة الأسرى ورشهم بالغاز، ثم نقل الأسرى إلى سجون جديدة تمتاز بغرفها الصغيرة ولا مجال للعروض المسرحية بداخلها، واكتفى الأسرى بعدها بالأدب ووسائل الترفيه عن النفس.

أما عن الموضوعات التي كانت تتناولها المسرحيات فقد أفاد غبن بأنها في الغالب تكون وطنية عن حب الأرض والشهداء وزيارة الأهل للأسرى، ومنها ما يكون حزيناً، أو كوميدياً يصحبه نقد ساخر عن حياة الأسرى لنشر الفرح في السجن.

الشعر وأدب السجون

امتدت جذور الإبداعات التي تخلقت في السجون الإسرائيلية في التاريخ الفلسطيني، وثمة أسماء عديدة كتبت الشعر والنثر وأصحابها يقبعون خلف الزنازين من الأدباء الذين جادت قرائحهم بالشعر والنثر، وسجلوا تجربتهم وهم في السجون الإسرائيلية.

يقول هشام عبد الرازق الأسير المحرر ووزير الأسرى سابقاً، والذي أمضى 21 عاماً داخل السجون الإسرائيلية لـ«البيان»: إن الأسرى ركزوا في أعمالهم الأدبية على موضوعات الفخر والحماسة بصفتهم مقاومين رفضوا الظلم الواقع عليهم وعلى شعبهم، إضافة إلى محاولتهم نقل تجربتهم وتجربة من حولهم، ويضيف أن أدب السجون تناول وصفاً دقيقاً للحالة الشعورية والنفسية للكاتب والأسرى من حوله ووصف المكان والزمان.

ويضيف عبد الرازق شهدت مرحلة انتفاضة الحجارة تنوعاً في إبداعات المعتقلين وتطوراً كمياً في النتاجات الإبداعية، وقد تحول الأدب من ممارسة هواية وثقافة جمالية، إلى مشاركة نضالية في أحداث الانتفاضة وزخمها الثوري.

وشهدت هذه الفترة الزمنية زيادة ملموسة في عدد الكتب التي صدرت للمبدعين المعتقلين، وأولت دور النشر والمؤسسات الثقافية والمجلات والصحف عناية خاصة بأدب المعتقلات.

انعكاس للواقع

ويقول عبد الرازق إن «الأسير الذي يكتب الأدب هو انعكاس للواقع الذي يعيشه، ومن أهم الأعمال التي كتبتها ديوان «الجِراح» وهو عبارة عن شعر نضالي مقاوم إضافة إلى رواية «فرسان الحرية»، والتي تتحدث عن تاريخ الحركة الأسيرة، وكذلك رواية «شمس في ليل النقب» عام (1991)، مشيراً أن هناك العديد من الكتاب والأدباء الذين تألقوا داخل السجون وكتبوا عدداً من الدواوين.

أما نهاد جندية والذي أمضى 24 عاماً داخل السجون الإسرائيلية فيقول لـ«البيان»: إن المعتقل الفلسطيني بفكره ومحتواه الثوري والنضالي، يشكل هدفاً أساسياً للاحتلال الإسرائيلي الذي كرس كل اهتمامه وطاقاته للتشويش على وعي وفكر الأسرى، وتشويه سلوكهم وأفعالهم النضالية، من أجل جعلهم في حالة شك لإحباط توجهاتهم وتفكيك قدراتهم الكفاحية والثورية، بهدف تحطيم وترويض إرادتهم وصمودهم.

ويضيف جندية: إن من الأساليب التي سعى الاحتلال لممارستها على المعتقلين الفلسطينيين لتنفيذ مخططاته، سياسة الإفراغ الفكري والثقافي، التي تهدف إلى زرع ثقافة مشوهة بديلة، تعمل على صياغة نفسية المعتقل من جديد وتطويعه وفق إرادتها، لهذا قامت سلطات الاحتلال بإعلان الحظر التام على الثقافة الوطنية والإنسانية، بل على كل وسيلة ثقافية، حتى الورقة والقلم والكتاب، فقد كانت سلطات الاحتلال تعتبر أن امتلاك ورقة وقلم في وقت من الأوقات من الأمور المرتبطة بالحضارة والرقي، لهذا لم يسمح الاحتلال بأن يتوجه معتقلوه نحو رفاهية الحضارة والرقي، بل عليهم أن يبقوا تحت القهر والإذلال وكتم الأنفاس.

مراحل مهمة

مرحلة السبعينيات نجح فيها المعتقلون في فرض مطالبهم على إدارة السجون.

وفي هذه الفترة شكّلت الرسائل التي يبعثها المعتقل إلى ذويه الكتابة الأدبية الأولى من خلف القضبان، حيث حاول المعتقلون في رسائلهم استعمال ديباجات إيحائية معينة لجأوا إليها لتمويه الرقيب الإسرائيلي، فكانوا يختارون أبياتاً من الشعر أو عبارات من النثر، يسطرون بها رسائلهم.

وقد كان الأدب أكثر التصاقاً بواقع المعتقلين، فقد كان وسيلة للتعبير عما يعتمل في النفس البشرية.

وكان التعبير بالشعر البدايات الأولى في إبداع المعتقلين، فهو أسرع الأنواع الأدبية استجابة للتعبير عن المعاناة.

أما في فترة الثمانينات فقد تطور الإبداع وتعدد لدى المعتقلين، ففي هذه المرحلة اتسعت مساحة الثقافة والمعارف لدى المعتقلين بعد السّماح بإدخال الكتب الثقافية المتنوعة، وخاصة الكتب الأدبية التي كان نصيبها من الرقابة المشددة أقل من الكتب السياسية، ما سمح للمعتقلين بفرصة الاطلاع على نماذج عديدة دعمت التجربة الإبداعية لهم.

وقد استطاع المعتقلون في فترة الثمانينيات تهريب نتاجاتهم الإبداعية إلى خارج المعتقل، واهتمت الصحف والمجلات المحلية بنشر إنتاجهم، ما شجعهم على مواصلة الكتابة وتطوير إبداعاتهم.

وعكف الأدباء المعتقلون جاهدين من خلال نتاجاتهم الإبداعية، لأن يكونوا صادقين مع تجربتهم، أوفياء لقضيتهم، يسجلونها بصدق وأمانة، لأنها تعكس ما يجول في خاطرهم من مشاعر وطموحات وتحديات وروح عالية، وتمسك بالهدف السامي الذي اعتقلوا في سبيله.

رواية”عناق الأصابع″ ومعاناة الأسرى

صدرت رواية”عناق الأصابع″للأديب المقدسي عادل سالم عام 2010عن دار شمس للنشر والتوزيع في القاهرة…..تقع الرواية التي صمم غلافها اسلام الشماع في 365 صفحة من الحجم المتوسط.

مدخل: “أدب السجون” والكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وقبل عام صدرت رواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وقبل أشهر صدرت”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، وفي العام 2011 صدرت رواية “سجن السجن” لعصمت منصور، و”ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي” للقائد مروان البرغوثي، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضاً ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد )  وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب(القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر)
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أما في الأدب الحديث فنذكر : ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي)  وقد يكون آخر إصدار هو رواية (ما لا ترونه – لسليم عبد القادر).

عنوان الرواية: “عناق الأصابع″ عنوان رواية عادل سالم عنوان مباشر وفاضح للمحتل الاسرائيلي، الذي يحرم الأسرى وذويهم حتى من المصافحة والعناق اثناء الزيارة، وللتذكير فان قوانين الاحتلال بخصوص زيارات الأسرى شهدت تطورات سلبية متوالية ضمن سياسة القمع المستمرة، فقبل شهر نيسان 1969 كان الأسرى يصافحون زائريهم ويجلسون قبالتهم على طاولة واحدة، يتناولون وجبة طعام مشتركة يحضرها الزائرون معهم من الخارج، وكان يسمح للزائرين بادخال سلة فواكه للأسير قد يصل وزنها الى خمسة عشر كيلو غرام، ومنذ ذلك التاريخ منعوا ادخال وجبة الطعام، ومنذ منتصف  سبعينات القرن الماضي منعوا لقاء الأسرى بزائريهم، ومنعوا المصافحة بينهم إلا من خلال شباك حديدية لا تسمح إلا بدخول الأصابع كل إصبع على حدة، فأصبحت المصافحة بالأصابع فقط، فلا يستطيع الأسير حتى احتضان طفله الرضيع، ولا يستطيع والدا الأسير احتضان ابنهم، كما منعوا ادخال الفواكه.

وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي أيضا أصبحت الزيارة من خلف زجاج مقوى وعبر سماعة هاتف تفتح بين الأسير وزائريه، يرون بعضهم البعض من خلال الزجاج الفاصل، ويتحدثون عبر الهاتف، ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي أيضا، لم يعد يسمح بزيارة الأسير إلا لأقربائه من الدرجة الأولى مثل(الوالدين والأبناء والأخوة والأخوات والزوجة فقط) وفي المراحل كلها فان الزيارة لثلاثة أشخاص فقط، ومرة كل أسبوعين في الظروف العادية، وهناك ظروف قد تمنع زيارة السجناء كافة في سجن ما لمدة شهور، أو تمنع الزيارة كليا لأسرى العزل الانفرادي.

وواضح أن عادل سالم قد استوحى عنوان روايته من مرحلة سلام الأصابع عبر الشباك الحديدية الفاصلة.

زمن الرواية: تمتد الرواية في فترة زمنية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينات.

مكان الرواية: تدور أحداث الرواية في مدينة القدس العربية المحتلة، وفي سجون الاحتلال التي يحتجز بها الأسرى ومنها” الرملة، عسقلان، نفحة وشطة”.

الرواية تسجيلية: الرواية التي بين أيدينا رواية تسجيلية واقعية، لا خيال فيها، وحتى الأسماء الواردة في الرواية هي أسماء حقيقية في غالبيتها العظمى، وما يدور في السجون المغلقة على الأسرى  من إضراب عن الطعام، وسقوط شهداء ومرضى، ونضالات لتحقيق مكاسب، وتعذيب من قبل السجانين، وتحقيق الأسرى مع بعض المتساقطين، واعدام بعضهم، وخلافات عقائدية بين الأسرى أنفسهم، هي حوادث حقيقية وواقعية حتى النخاع، وبالأسماء الحقيقية لشخوصها…حتى أن الكاتب سجل التاريخ الحقيقي للحوادث مثل اضراب سجن نفحة الشهير في تموز 1980 والذي استمر لثلاثة وثلاثين يوما، سقط فيه الى قمة المجد الشهيدان باسم حلاوة وعلي الجعفري، وما تبع ذلك من استشهاد القائد عمر القاسم، واسحق موسى المراغي”أبو جمال”….وكذلك صفقة تبادل الأسرى عام 1985، وصفقة تحرير أسرى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، واستثناء بعض المناضلين من أمثال عمر القاسم وغيره، كلها أمور حدثت على أرض الواقع.

شروط فنية: يبدو أن تركيز الكاتب على السرد التسجيلي لما يدور في أقبية السجون، ومعاناة الأسرى وذويهم، قد أوقعه في كتابة التقارير الصحفية، والحكاية أكثر من كتابة الرواية، وهذا ما يطغى على أسلوب النص السردي.

المرأة: ظهر في الرواية أن الكاتب ركز على الدور التحرري للمرأة الفلسطينية، فخولة شاهين كتبت عقد زواجها على علي النجار المحكوم مدى الحياة، وانتظرته حتى تحرر في صفقة بعد ثمان وعشرين سنة، ومع ذلك فقد استشهد يوم حفلة عرسهما دون أن تزف اليه، وكانت راضية بقدرها.

ورحاب شقيقة علي سافرت الى موسكو طلبا للعلم وهناك أحبت شابا روسيا وتزوجته، وأنجبت منه طفلا، ثم تطلقت منه، وعادت الى القدس تاركة ابنها في حضانة والده، وعملت في مجال الصحافة وتزوجت زميلا لها، بعد أن كاشفته بزواجها الأول، ولم يعترض على ذلك، وأنجبت منه، ولما عرض عليها طليقها الروسي أن تأخذ ابنها منه ليكون في رعايتها بعد أن قرر الهجرة الى أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عارض زوجها الفلسطيني ذلك، لكنها تحدته وسافرت لاحتضان ابنها، بعد أن انكشف سرها لعائلتها التي تقبلت ذلك على مضض،  ليتبين لاحقا أنها سافرت وإياه للعمل في ألمانيا، ولتعود الى القدس للمشاركة في زفاف شقيقها علي الذي تحرر من السجن، لكنه يستشهد يوم زفافه وقبل أن تراه.

ونضال الأمهات والزوجات في زيارة أبنائهن وأزواجهن، ومشاركتهن في الاعتصامات والتظاهرات التضامنية مع الأسرى كلها أمور كان لها نصيب بيّن في الرواية.

وماذا بعد: تشكل هذه الرواية إضافة نوعية للمكتبة العربية عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والكتابة عنها لا يغني عن قراءتها، فالتجربة النضالية للأسرى فيها الكثير مما يحتاج الى الكتابة والنشر والتعميم.

20-12-2011

(ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس)

موقع جميل السحلوت

“أدب السجون”.. قصاصات تخرج من عتمة الزنازين لتضيء طريق الحرية

في الوقت الذي تواصل فيه مصلحة سجون الاحتلال قمعها للأسرى في السجون، فإن الأسرى لا يتوقفون عن إصدارتهم الأدبية، ويخرجونها من داخل عتمة الزنازين لترى النور، وتضيء طريق الحرية.

مئات الإصدارات خرجت من سجون الاحتلال لمعتقلين، منها ما رأى النور وتم طباعته، ومنها ما بقي حبيس الأدراج ولم يجد من يطبعه، في ظاهرة أدبية وثقافية تسمى “أدب السجون”.

ولعل كتاب الأسير حسام شاهين “رسائل إلى قمر”، آخر ما خرج من السجن، وتم طباعته مؤخرا ووزع، وهو يتضمن 70 رسالة كتبها الأسير شاهين الذي يقبع في السجن منذ 15 عاما.

الخبير والمختص في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، أوضح أن هناك مئات الإصدارات تخرج من داخل السجون، وهي نتاج عمل المعتقلين سواء روايات أو كتب أو رسائل ماجستير أو مؤلفات، وهذه ما يطلق عليها “أدب السجون”.

وقال فروانة لـ “قدس برس”: ” إن بعض هذه الإصدارات التي خرجت من السجون طبعت ورأت النور، وبعضها الآخر لم يخرج من السجن، وهناك أعمال خرجت، لكنها لم تطبع، وظلت على ورق”.

وأضاف: “هذا يحتاج لتجميع عمل الحركة الأسيرة في مكتبة كبيرة، وطباعة ما يلزم، لأن هذه الأعمال تحكي قصة آلاف الأسرى، وما وضعوه من أفكار في هذه القصاصات بحاجة لجمع لأرشفة أدب السجون”.

وأشار فروانة إلى أن معظم إصدارات الأسرى تركز على الجانب الأدبي، وتحكي ما يجول بخاطرهم سواء كتابات أو أعمال حرفية ومشغولات اليدوية.

واعتبر أن هذه الإصدارات هي جزء العملية الثقافية والتعليمية داخل السجون، التي لم تتوقف رغم محاولة الاحتلال معها ومرورها بمراحل عدة، وتطورت بفعل نضالات وتضحيات الأسرى، إلا أنها لم ترتقِ إلى نيل كامل الحق من إدارة السجن.

وتطرق فروانة إلى بدايات الاعتقال، وكيف فكر الأسرى  في الكتابة رغم صعوبة الأمر؛ لمنع الأقلام والأوراق عنهم.

وقال: “في السنوات الأولى التي تلت احتلال عام 1967، لجأ الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون إلى تهريب الأقلام، والكتابة على علب السجائر والأوراق الفضية الرقيقة التي تغلف السجائر، والعلب الكرتونية لمعجون الأسنان وصابون الحلاقة، فضلاً عما كان يقع بين أيديهم من كراتين وقصاصات ورق، وغيرها مما يصلح الكتابة عليها وتدوير المعلومات بشكل سري فيما بينهم، فيما كانت إدارة السجون تجري تفتيشات مفاجئة وتصادر ما يقع بين أيدي السجانين من أقلام وهي نادرة، وأوراق شحيحة، وتعاقب كل من تجد لديه قلماً أو ورقة كتب عليها”.

وأضاف:”في وقت لاحق تمكَّن الأسرى وعبر المطالبات المستمرة، والاحتجاجات المتكررة، والإضرابات عن الطعام، من انتزاع  حقهم في امتلاك القلم والدفتر والأدوات القرطاسية وإدخال الكتب التعليمية، وتبعها انتزاع حقهم في الاجتماعات بين جدران غرفهم، وأحياناً على نطاق أوسع في ساحة الفورة، وعقد مناظرات ودورات تعليمية مختلفة في شتى الميادين، الأمر الذي شكّل أساساً لبناء عملية ثقافية وتعليمية بشكل منظم داخل سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي”.

وتابع: “سرعان ما أدركت مصلحة السجون أهمية ما تحقق بالنسبة للأسرى، وخطورته على توجهاتها واستراتيجيتها، لكنها وقفت مكتوفة الأيدي، عاجزة عن مصادرته أمام وحدة الأسرى ونضالاتهم وإرادتهم القوية وإصرارهم على الحفاظ على ما تحقق، فيما نجحت بالمقابل في التضييق عليهم، وانتقلت من مرحلة منع القلم والورق إلى محاربة المادة المكتوبة، في محاولة منها لإفراغ ما تحقق من مضمونه، ووضعت قيوداً عديدة، وبدأت بتحديد كمية الدفاتر ونوعية الكتب المسموح بإدخالها ومراقبتها والمماطلة في إيصالها، واقتحام الغرف وإجراء التفتيشات المفاجئة ومصادرة بعض الكتب التي سُمح بإدخالها، والمادة المكتوبة على الأوراق وصفحات الدفاتر، وإتلافها، ومنعت الجلسات والتجمعات الثقافية في بعض الغرف متذرعة بحجج مختلفة”.

من جهته قال الأديب الفلسطيني محمود شقير على صفحته على “فيس بوك”: “ليس من السهل ممارسة الكتابة الإبداعية من دون نبض الحياة اليومية، ومن دون التفاعل مع هذا النبض”.

وأشاد بالكتابات الإبداعية التي تخرج من داخل السجون من الاسرى، معددا أسماء بعض الأسرى مثل: حسام شاهين، وباسم خندقجي، وخضر محجز ووليد دقة وسائد سلامة وعائشة عودة وعصمت منصور وغيرهم.

وقال شقير: “لعلنا نلاحظ أن مادة الكتابة تتمّ إما اعتمادًا على الذاكرة التي تستدعي وقائع وتفاصيل عايشها الأسير وهو خارج السجن؛ وإما اعتمادًا على التاريخ أو على قراءات الأسير داخل السجن؛ وقيامه بالتناص مع هذه القراءات”.

وأضاف: “تشكل المعاناة داخل السجن وقهر السجان، وتبادل الخبرات والتجارب بين الأسرى أنفسهم؛ وزيارات الأهل ومتابعة نضالات الشعب وأحوال الناس في الخارج مادة للكتابة”.

واعتبر شقير أن رتابة الحياة داخل السجن وتشابه الأيام والشهور لا تشكل أي حافز للإبداع، “وهنا تتجلّى قدرات المبدعين من الأسرى حيث يصبح الإبداع نفسه عنصرًا من عناصر تحدّي السجن والسجان، وكذلك التشبث بالحياة والأمل في المستقبل”.

وأشار إلى أن  الكتابات الفكرية والسياسية التي مارسها ويمارسها أسرى من أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات وأحمد قطامش أكثر طواعية من الكتابات الإبداعية؛ لأنها تعتمد في الأساس على المخزون الفكري والسياسي للأسير وليس على المعاناة من السجن والسجان؛ وبالطبع دون ان يجدوا صعوبة في التعبير من خلال اليوميات او السير الذاتية عن المعاناة داخل السجون.

أما الأسير المحرر والأديب حسن عبادي صاحب مبادرة “كتاب لكل أسير” فقال على صفحته على “فيس بوك”: “يُعنى أدب السجون الكلاسيكي بتصوير الحياة خلف القضبان وخارجها، كما يناقش الظلم الذي يتعرّض له السجناء، والأسباب التي أودت بهم إلى السجن، حيث يقوم السجناء أنفسهم بتدوين يوميّاتهم وتوثيق كل ما مرّوا به من أحداث بشعة داخل السجن، فهو إن صحّ التعبير، رواية السيرة الذاتيّة، يهتم بوصف وتوثيق التعذيب والمعاناة وكشف البشاعة من وحدة ورعب وزنازين انفراديّة موحشة، وتعذيب نفسيّ وجسديّ وغيرها”.

وأضاف: “جاء أسرانا الفلسطينيّون ليشرّعوا الباب والتعريف، ليصبح أدب السجون الحداثيّ هو الأدب الجميل الذي يُكتَب خلف القضبان، بغضّ النظر عن موضوعاته ومضامينه”.

وتساءل عبادي حول تعريف أدب السجون – هل هو أدب كتبه سجناء؟ أم أبطاله سجناء؟ أم عالم السجن محوره وموضوعه ومادّته؟

ودعا إلى ضرورة جمع كتابات الاسرى بشتى الطرق من اجل نشر ما بداخلهم.

وقال: “لكل أسير قصّة، والقصص العظيمة لم تُحكى بعد، وهناك ضرورة ملحّة لتوثيق قصص أسرانا، ويشكّل الكتاب الهامّ لبنة ضروريّة في فسيفساء لم يكتمل”.

المصدر وكالة القدس برس انترنشيونال

لحسن اوزين: مقاربة روائية لسردية أدب السجون

تمهيد

حاولنا في هذه القراءة لأدب السجون أن نسلط الضوء على رواية الآن هنا لعبد الرحمن منيف، من خلال مجموعة من الروايات، في نوع من التفاعل الخلاق بين النصوص الإبداعية المؤسسة  لتشكل القارئ في النص كمُفعل لمتخيل الكتابة، انطلاقا مما تتيحه خلفيته الثقافية في إدراك حضوره النصي والتاريخي الاجتماعي، خلال سيرورة التدليل، وهو يحاول انتاج الدلالة وبناء المعنى. النصوص السردية الراقية فنيا وجماليا هي التي تورط القارئ في متخيل الكتابة وتجعله معنيا بتشكله الجمالي، حيث هو ملزم بتعبئة الكثير من الشقوق والفجوات، بشكل محايث يجعله متمفصلا مع البناء الفني للرواية. حسب هذا الفهم حاولنا مقاربة الرواية بعيدا عن سلطة النقد في فرض تصوراته النظرية وجهازه المفاهيمي بشكل إجرائي حارما نفسه كقارئ من لذة ومتعة النص، وهو يحاول فهم نفسه أكثر مما يسعى الى فهم شيء آخر مغيب في النص.

فخلال قراءتنا للرواية كانت تحضر بشكل عفوي وتلقائي تجربة محنة السجن من خلال بعض الروايات التي ترسبت بشكل أو بآخر في سجلنا الثقافي الواعي وغير الواعي. وكانت لنا تلك الروايات لكل من عبد اللطيف اللعبي وعبد القادر الشاوي وعبد الرحمن منيف بمثابة موجه إرشادي لتحقق عملية التفعيل لما قرأناه حول أدب السجون من أعمال إبداعية.

أولا * القارئ و تفاعل النصوص الروائية

(شردت أسر وخربت آمال ودمرت أحلام ومرت طاحونة القهر على طموحات أجيال كاملة بدون موجب حق . اقرأ صفحة الماضي قبل أن تطوي أيها اللبيب. اقرأ هي شاهدة على كل شيء اقرأ فلا شيء يضيع مهما أوهمتنا لحظة الجبروت …لا شيء يبقى إلا الحقيقة العارية)1

 لا أذكر كيف ومتى وجدت نفسي أدخل في علاقة نادرة وموجعة مع مجموعة من الكتابات حتى صارت جزءا مني . نصوص تسكنني كقوة غريبة تتحكم في تفكيري وحياتي. هل هي معاناة الجوع والعري والقهر، أو ربما الصدفة هي التي دفعت بمثل هذه الكتابات في طريقي . بما أنني أكره لغة الصدفة والظروف كما يتداولها الأذكياء فإنني لا أستطيع أن أجزم في سر هذه العلاقة. إذا كنت واثقا من شيء فلعل الحياة هي التي علمتني كيف ألتقط تفاصيلها الحية حتى في ثنايا الكتب. لا تستطيع أن تفلت مني لحظة، موقف، سلوك…، لها تفاعلاتها الخصبة مع ذاتي كلها . ربما تلك الأشياء التي تشكل الناس في مساراتهم على اختلافها هي التي ربطتني بكل القراءات التي عشتها ولا أزال كجزء من كياني ووجودي. الكتابة حرفة ومسؤولية، أو مهنة صعبة كما يقول ناظم حكمت. ليس بإمكاني أن أدعي القدرة على ذلك. وإذا كنت أكتب اليوم فليس لأني أعشقها عشقا جنونيا. إنما أدركت ببساطة أن لي الحق في الكلام، والأكثر من ذلك الحق في الحياة ( وقد زادت دهشتي حين قرأت الورقة الأولى. وها قد عرفت ولا يمكنني أن أعيش اليوم كما لو أنني لم أعرف )2.  لا أعرف كم مرة قرأت الرواية وفي كل مرة، أو أثناء كل قراءة كانت تنتابني الشكوك حول المعاني التي أعطيتها لشقوق النص، لفجواته كما يقول النقاد .كانت تعصف بي التأويلات الخيالية بين قوة النص الفنية وبين الشكل الروائي الجدير بالدراسة والتنظير. الشيء الأساسي من هذا كله هو أنني كنت أعتقد ومقتنع الى درجة كبيرة بضرورة الكتابة. هي المرات الكثيرة التي كتبت فيها حو ل الرواية لكن سرعان ما كنت أمزق ما كتبته بدعوى أنه لا يرقى الى مستوى الكتابة النقدية. وفي الوقت نفسه أحس بضرورة الكلام ( كيف أستطيع أن أبقى بعد ذلك صامتا كشيطان أخرس أو أن أبقى عاقلا كما لو أني أقرأ كتابا أصفر أو أستعيد حلما قديما خابيا)3.  أريد أن أقول للناس بأن هذه الرواية سكنتني وأنها لا  يمكن أن تقبل بالصمت والقراءة المترفة ( إذا تحول الانسان الى شاهد أخرس الى شاهدة قبر الى شيء عقيم فعندئذ يفقد مبرراته كلها)4.  قرأت لكتاب كبار كما يقول النقاد لكن وأنا أقرأ ” الآن..هنا” انفجرت ذاكرتي ووقفت جميع النصوص التي كنت أظنها قابعة في ذاكرة النسيان، في ذلك الجزء المهمل والمهمش القريب الى مستودع الأشياء التافهة، إلا أن جدلية القمع والكتابة كان لها رأي آخر في استحضار ما تم ادماجه بطريقة التآزر التدريجي لتطور سيرورة معرفتنا. هكذا فُتحت ذاكرتي على كل السجون، في اللغة، العادات، الثقافة، وفي المأكل و المسكن …

أتوقف أثناء قراءتي . أعرج بعيدا بحثا عن الجلاد في تفاصيل الحياة. في كل قراءة أزداد قناعة بضرورة الكلام وقهر الصمت ( وهل أقوى على ابتلاع هذا الكم الهائل ليس من الأوراق وإنما من العذاب وحدي )5. وحدي لا أقوى على تحمل هذه الرواية لابد أن يقرأها الجميع، أو على الاقل أن أكتب ما بدا لي ضرورة للحوار والقراءة. كمتلقي اقتنعت بهذا الحق في القراءة والكلام دون أن أدعي الحقيقة فيما أقول. النصوص التي قرأتها سابقا كانت تقطع قراءتي، تمارس شغبها، تقفز من منطقة مجهولة في الذاكرة فتقتحم بنزق سيرورة القراءة.  وهي كتب تتداخل فيها نصوص الرواية والنقد، وتفاصيل الحياة والمعيش اليومي. إن شيئا قريبا من لذة النص الذي تناوله بارت بمتعته الخاصة يحدث الآن وأنا أقلب جمر صفحات رواية ” الآن ..هنا”  ( أن أكون مع من أحب وأفكر في ذات الوقت في شيء آخر هكذا أتوصل الى أحسن الأفكار وأخترع بصورة أفضل ما هو ضروري لعملي . كذلك شأن النص يبعث في لذة أحسن إذا ما تمكن من أن يجعلني أنصت إليه بكيفية غير مباشرة إذا ما دفعني وأنا أقرؤه الى أن أرفع رأسي عاليا وأن أسمع شيئا آخر. فلست بالضرورة مأسورا بنص اللذة قد يكون فعله خفيفا معقدا دقيقا شاردا على وجه التقريب،  كحركة رأس طائر لا يسمع شيئا مما ننصت إليه،  ينصت الى ما لا نسمعه)6. وما علاقة قراءتي بالتصور النقدي لجمالية التلقي؟ أقرأ الرواية لكنها تحيلني على روايات أخرى بين السطور، نوع من حوار النصوص، مستوى فني أخر للرواية كان يرتسم في ذاكرتي، معاني ثانية مضاعفة و كثيرة تقفز وتفرض نفسها. أسئلة لا حصر لها تنفجر، ( هل أستطيع أن أغادر وأترك جميع هؤلاء دفعة واحدة، ولكي لا أراهم مرة أخرى أي قلب يحتمل، وهل أملك من القوة ما يجعلني قادرا على البقاء ولا أتبدد الى آلاف القطع)7 . ربما هذا المقطع يقصدني، يبلورني كقارئ ضمني في الرواية، يقحمني في التجربة، دون أن أنتبه الى متخيل الرواية في قدرته الرهيبة على أن يورطني في محنة السجن، حيث لم يعد بإمكاني أن أقول نجوت، لأن وجها واحدا على أقل من وجوه السجن العديدة يلفني، ويجعلني واهما بحرية العبيد التي أنا في خدعتها مجرد سجان بئيس على نفسي.  هكذا كانت صفحات الكتابة تستوقفني بطريقة لا تخلو من الاستفزاز على قبول وضعية مقايضة حريتي برضا الخوف الذي يدثرني. فأكتشف أنا هذا أو ذلك الموقف يستهدفني . هذا الترتيب للوقائع هو تسلسل منطقي فني يختفي حين أكتشف متخيل الكتابة الذي يجعل الشخصية المضمرة ظلا لي.  يقحمني النص في لعبة فنية نادرة بين كوني قارئا، وشخصية داخل المحكي، ومواجهة المصير نفسه. كنت أكتشف منطق القراءة في شكل الكتابة. وبذلك أتحول الى قيمة أدبية أو قل الى تفاعل بين فنية الكتابة وجمالية القراءة،  لا أستطيع أن أضع الكلمات التي تعنيني، ربما علاقتي باللغة سيئة جدا، حيث ما أحسه وأعيشه لا يمكن أن يختزل في عبارات متداولة. لم أعد أملك الخيار نفسه قبل أن أقرأ الرواية. فمع قراءتي الخطية كانت نصوص تخترقني لتتلاحم بالرواية. تضيء الكتابات الصادقة قراءتي، وأكتشف بفرح عارم طفولي لا يخلو من معاناة هذا التفاعل الخصب بين القراءة والكتابة ( تكتب أو تقتل احذر أن تفهم أن هذا الانذار موجه إليك من جلاد ما. إذا تجاوزت سطحية الرمز ستعرف أن صوت التاريخ هو الذي يتكلم. وهو يعبر عن أحد أعنف قوانينه. كل صمت تقصير في حق الحياة. كل يوم يمر دون أن تكون على موعد مع الكلمة يمثل انكسار فرع من شجرة الحياة. وبعبارة بسيطة كل كلمة تضيع هي صوت يخنق، صرخة يائسة لا تجد لها صدى. فضيحة تسقط في مستنقع الأحداث التافهة)8. كلما أنهيت قراءة الرواية أجدني مرة أخرى أعيد قراءتها. لم يكن من السهل علي أن أتخلص منها وأرمي بها كما أقدف بأي كتاب آخر، شعور ما كان يلازمني وإذا كان لي أن أعترف بهذا الشعور فربما القراءة فجرت الأسئلة ولم تعد تقبل بالصمت لغة مألوفة. وربما أيضا لم يعد بإمكاني أن أنسى طالع، عادل، سلوى والآخرين، لا أستطيع أن أخون الأشياء الجميلة التي فجروها في داخلي. ( ليس الخروج من الحمام مثل الدخول إليه عندما يكون المرء قد تحمل مسؤولية أرواح وآمال وتاريخ و هلمجرا،  لا يمكنه أن يقول بين عشية وضحاها لكم طريقكم ولي طريقي)9. لم أستطع أن أفعل ذلك حتى لو أردت. وبصراحة كلمة أردت ليست سهلة كما كنت أعتقد. أشعر عند كل قراءة للرواية أنني مطالب بفعل ما ( الانسان لا يمكن أن يترك يده أو أي جزء منه ويمضي دون أمل، دون عودة. هل نقوى على ترك هؤلاء الخمسة ومادا نستطيع الآن؟ كيف يجب ان نتصرف؟)10.  تقف كل السجون التي أعرفها في وجهي، ويعرفها الآخرون أيضا. يمر عشرات الرجال قربها دون أن يفكروا بمداهمتها وإخراج المعذبين منها حتى يلامسوا الشمس والهواء والأشياء والناس. أسأل نفسي لماذا تسكننا البرودة كما تسكن الرطوبة زنازن شرق المتوسط كلما وضعت الرواية إلا وأشعر ( أني تركت قلبي، جزءا منه)11.  كانت الأسئلة المحرقة .. الوجوه واللحظات العنيفة للحرية، والحياة الحقيقية تلاحقني. لم تكن لتخيفني مراحل التعذيب، لم يمسسني الخوف، طوال الطريق كنت معنيا بالصمود بالقيء والدم وسوط الجلاد، وبصلابة وقوة الانسان وأرادته العظيمة. لم تكن قراءتي مسلية ولا مجانية، بل هي كما يقول الناس الملح والطعام الذي نتقاسمه مع الذين نحبهم.  كنت أشعر أن أجمل شيء أقدمه لأحبائي ولطالع وعادل اللذين ساعداني على الكلام هو أن أواصل القراءة وأنا في وضعية ( تلزمني السيطرة على تنفسي وجعله يتطابق مع ايقاع الضربات الشهيق عند ارتفاع اليد بالسوط والزفير عندما تهوي. الشهيق والزفير بهدوء دون أن يتبين الجلاد ذلك. لكن يلزمني في نفس الوقت الانفصال عن تنفسي نسيانه لأتمكن من تخيل صور أخرى أمكنة أخرى أزمنة أخرى)12.

هكذا هي الرواية تحكي أشياء كثيرة، لكنها في الوقت نفسه تحيلني على عوالم أخرى، طفولتي المستعادة، والقهر الذي عشناه في حي فقير. وضعت نفسي في الذكرى حتى أرى الجلاد أين كان يختبئ،  و ما هو القناع الذي كان يلبسه يومئذ؟ والآن كيف غير مساحيقه؟ تمثلت موقف طالع حين ضربت سلوى، فماذا أفعل وأنا شاهد على كل هذا العنف الدموي ولم أتكلم ( سوف تمر ألف سنة والسؤال الذي لا يبرح خيالي والذي يجعلني حائرا ومملوءا بالذنب الى آخر الأيام هو كيف استطعت أن أرقب كل هذا الذي جرى أمامي ولم أنبس بكلمة، لم أبك كيف؟)13 وعيت هذا الموقف، خفت أن ينطلي علي، كانت القراءة تدعوني للفعل ولم أجد أمامي غير الكتابة ( ما يستعصي على التعبير هي ذي معضلتك هذه المهنة الصعبة التي تجترها في رأسك ويديك مند بواكير شبابك دون أن تستطيع أبدا النفاد الى سرها )14.  لم يكن بإمكاني أن أصمت كما أنني خفت أن أسيء الى حياة الآخرين، الى أجمل ما قدموه من تضحيات ( لست مهرج أحد ما على الذي أو التي تلتمس الهزل وحده إلا أن تمضي لحال سبيلها، لست بائع كلمات أتسمعني، أكتب بحياتي بمجازفاتي ومخاطري وبمجازفات ومخاطر ذاك أو تلك التي يمكن لهذا الأمر أن يسليها أو يثير اهتمامها للحظة )15. أعتقد أنه ليس من حقي أن أصمت أو أرفع صوتي ناكرا دور هؤلاء الذين أيقظوا في قلبي الانسان. وضعوني في وسط الحلبة، صارعت أعزلا من أي سلاح إلا من حريتي وجسدي، كنت لا أريد أن ( أظل كسلحفاة خائفة أحاول أن أتقي نظرات الشهيري وإذا تجرأت فأوجه إليه الشتائم بصوت لا يخرج من اللهاة وأدعو الله أن يحل المشكلة نيابة عني وعن جميع البشر وأشارك بالقلب وحده سلوى وهي تتلوى ثم وهي تسحب، وحين قال الشهيري كإله سومري أعيدوه شعرت بالفرح لأني نجوت)16 لا أستطيع أن أضع الرواية وأقول نجوت. فهمت أن كلام طالع يعنيني ويقصدني في دلالاته الواضحة، وهو يؤسس وجودي النصي والتاريخي الاجتماعي كفرد ينتمي الى أحد سجون شرق المتوسط بشكل أو بآخر. وفي هذا الحضور في عمق التجربة أكتشف ذاتي، وأختار طريقي الذي يحررني من الخوف الذي لوى لساني، فالدرب لايزال محفورا في خلايا جسمي: ( تلك الظروف التي تنعدم فيها أبسط الحقوق الانسانية والقانونية. فالعصابة موضوعة على العينين باستمرار والقيد لا يفارق اليدين والكلام ممنوع بين المعتقلين زيادة على رداءة التغذية وعدم كفايتها مع غياب النظافة وانعدام أدنى رعاية طبية. وقد كان مفروضا على المعتقلين أثناء المدة التي قضوها في المعتقل السري أن يظلوا منبطحين على جنوبهم أو ظهورهم ولا يسمح لهم بالجلوس إلا أثناء فترة الأكل القصيرة. وكل مخالفة لما ذكر تعرض مرتكبها للعقاب القاسي والجلد بالسياط)17.  هي المرات الكثيرة التي كنت أشتم فيها، فبعد كل صفحة أمتلئ بالحقد والغضب، والثقة في النفس.  كانت تسافر بي خيالاتي وأفكاري بعيدا في البحث عن السبل الممكنة لتقوية الانسان داخل الإنسان، من أجل القضاء على السجن. هذا هو الأفق الذي ترسمه الكتابة وهي تحاول تفكيك السجن، أي هدمه نهائيا. أحيانا يبدو لي أن أخطر سجن هو شكل الحياة الذي نعيشه، أي ما تراكم عبر التاريخ الطويل. الكتابة في الآن هنا هي امتداد لصمود الجسد، الكتابة أداة للمواجهة بين السجن والحرية، الكتابة كما هو الجسد: ( جسد الانسان صخرة طاقة لا تنضب ولا تعرف الانتهاء والإرادة رغم أنها تبدت وخبت. إلا أن ذلك الفتيل الباقي يجعل كل شيء قابلا للاشتعال من جديد)18 الكتابة متخيل لا تعكس، لا تمثل واقعا حقيقيا، ليست رؤية ثابتة خارج الزمن التاريخي. إنها لحظة في السيرورة، فعل له آلياته الخاصة. إذا كان الجلاد ينظر الى الذات في سقفها الجسدي فرؤيته ضيقة، وعاجزة عن كسر إرادة الانسان. ما أفهمه أن الكتابة أفق الذات، أو بتعبير آخر يمكن للكتابة أن تشتغل كممارسة لها منطقها الخاص، لا تستطيع أدوات الجلاد أن تقف في وجهها. “الان هنا”  تستحضر الواقع والقارئ من خلال منطق وآليات الكتابة في تمفصل رائع. الكتابة هي هذا العمق الذي يجعل من الذات قادرة على الصمود والاستمرار. إذا كان الجسد يخضع للقهر والتعذيب، للتهميش والالغاء من دائرة الحياة فإن للجسد منطقه الخاص، له آلياته وارتباطاته المتبادلة التأثير والتأثر، يعني يمتلك جدله المميز. إن ما يميز الجسد في الرواية هو المتخيل وليس الروح، أو النفس. هل أحسنت الفهم والتأويل. لم يكن ذلك ليهمني إلا بدرجة فهمي للرواية على أنها امتداد لتجربة السجن، وليست تصويرا أو توثيقا للتجربة. السجن كما تطرحه الرواية هو المتخيل الثقافي، أو شفرة اللاشعور الثقافي الاجتماعي الجمعي الذي يصوغ حياة الناس، ويحدد نمط إدراك الناس ومستوى وعيهم. يتحول الى قوة مادية متحكمة وضابطة للمعيش اليومي ونمط التفكير والسلوك. جسدان في حالة صراع الى حد الاستنزاف. الجلاد يصيبه التعب والارهاق والمرض، بينما جسد المعتقل يدخل في مرحلة أرقى مطورا آليات المقاومة متشبثا بالحياة رافضا للموت. الكتابة كمتخيل فني هي إحدى تجليات إرادة الحياة، هي جزء عضوي تتبلور  في صراع مع امتدادات تجربة القهر والتعذيب وزرع الخوف في الناس ليرضوا بالعيش في ذل السجن العام، الكتابة بهذا المعنى مرحلة متقدمة من السيرورة الاجتماعية الثقافية والإبداعية. لهذا يتضح لنا بأن الكتابة في الآن هنا قناعة متجذرة في عمق الذات ( يجب أن أتحول الى صخرة )19. لا مجال للتردد أمام ( معجزة الحياة أن تكون إنسانا ما هو إن لم يكن الشعور بهذه المعجزة الدفاع عن هذا النبض الذي يجعلنا نظراء متزامنين للبشرية جمعاء، رفض اختناق هذا النبض. الالتحاق بنبض العالم،  هذه المغامرة الفريدة للحياة التي تسري فيه)20.

 شيء ما كان في داخلي يتكسر يضعف ويتلاشى الى أن يمحي، في وقت كانت نواتي تتصلب تزداد قوة وثقة. ولكي أكون إنسانا كان علي أن أدفع من لحمي الحي. هل كنت أقرأ أم كنت طرفا في الصراع. الكتابة شكل آخر لهدم الدهليز، لانبعاث الانسان النائم والمخدر في عمق الجلاد( فالإنسان مخلوق جبار قوي وذكي لأنه قادر على تحمل المصاعب وتجاوزها)21. فكل شيء يتوقف على ( نقض منطق الجلاد وقلب معادلة قواميسه. الانسان معلق مند ساعات. يداه ورجلاه المقيدة قد تورمتا الآن بشكل كبير رأسه يتدلى في الفراغ، لقد بلغ الألم الذي يسحق جسده تلك الدرجة التي تتجاوز كل تصور أوإدراك. الصفراء تبقبق في فمه، يؤمر للمرة الألف بأن يتكلم، يفقد وعيه، يفيق من جديد. الضربات تنهال من جديد بلا هوادة. الحشد يواصل رقصته الوحشية )22 أية مقاربة نقدية تستطيع أن تموقعني خارج القيء والألم والضربات التي لا تهدأ؟ أية ادبية أو جمالية أكثر من حفلة التلقي هذه التي أنا في زحمتها؟ .شيء ما في داخلي يوترني ليس السبب في ذلك أنني تماهيت الى درجة الاختفاء أو أني لم أستطيع أن آخد موقعي النقدي. اختلفت مع طالع وعادل في أشياء كثيرة، لكن ( هدم السجون الداخلية التي نحملها في أعماقنا، وبالتالي هدم سجون كثيرة بما فيها العالية الأسوار والموجودة تحت الأرض لابد ان نهدمها بالكلام والجرأة في خرق الصمت )23 لا يدعي عبد الرحمن منيف، وكل أدب السجون عمل الانبياء لكن بإمكاننا أن نفعل الكثير دون أن نخلق أوثانا جديدة. هكذا اقتنعت( بأن الحياد في أي شيء أكذوبة كبيرة . فالإنسان يحب ويكره يفرح ويحزن ولأنه تعلم النظر الى الأشياء بطريقة معينة فإنه يقيم هذه الأشياء وفقا لتلك الطريقة والذين قضوا الشهور والسنين شهرا وراء آخر سنة بعد أخرى في ذلك المكان العاتي الرجيم في سجن العبيد ولا تزال على جدرانه بقع من دمائهم وأجزاء من لحومهم إضافة الى صرخات الألم وآهات الأحزان. إن هؤلاء الناس لا يمكن ان يكتبوا عن سجن العبيد بحياد أو بدم بارد ) 24.

لا أستطيع أن أمزق صرخات وأحزان الناس، وأنا المعني بسجون شرق المتوسط ، لا يمكن أن أتحول الى بائع كلمات، ولست واحدا من تجار الصمت ( إنني بمجرد الاقتراب من هذا الجو استعادته أشعر أن كل شيء داخلي يتغير يتوتر جسدي وأصاب بحالة من الشراسة قد أرتكب معها الحماقات كلها، بل وأصبح مستعدا للحرب حتى ولو كنت وحدي)25. أستحضر تلك الليالي العنيفة وأنا أقرأ الرواية، ( وأتذكر تلك الليالي الطويلة كنت أحشد إرادتي وأنا أرى عيونهم المحتقنة تطل مثل فوهات النار وأسمع أصواتهم تهدر من كل مكان، يجب أن تعترف فأقول لنفسي الفرق بين الحياة والموت لحظة والفرق بين الصمود والسقوط لحظة)26. سر الصمود هو تلك الاشياء الجميلة الغامضة، إنها أشبه بنداء قوي يشبه الطوفان( أنت الآن في مواجهة التحدي الكبير إما أن تصمد أو أن تسقط ويشمخ في داخلي نداء عات. صوت كانه الطوفان الإنسان لحظة قوة وقفة عز فاحذر. تتقوى ثقة الانسان بنفسه بقواه الظاهرة والكامنة التي يعرفها أو التي يدركها في لحظة المواجهة. يكتشفها بفرح عارم الله .. كم في الانسان من قوى غير قابلة للكسر والالغاء)27. خلال لحظات التعذيب التي أنا في مرجلها بين صفحة وأخرى تتشكل الكتابة كآلية إنسانية، تتحرك تلك الأشياء الغامضة التي تجعل الانسان صامدا ( كنت أمتلئ بشيء غامض لكن طاغ وكثيف وقد افترضت أن أية تضحية في سبيل هذا الشيء ليست مقبولة فقط بل وضرورية الى أقصى الحدود)28.  الانسان لا يستطيع أن يحدد حقيقة هذه الاشياء التي تجعله صلبا كالصخرة أثناء لحظة التعذيب لكنه لا يملك  موقفا آخر غير مواصلة الصمود والعناد.( الى وقت متأخر، وربما الى الآن لم أستطع أن أحدد طبيعة هذا الشيء الذي أدافع عنه هل هو الكرامة الشخصية الإنسانية، هل هو اليأس أو الاستقالة الكاملة من الحياة )29 إن هذه الاشياء التي كانت غامضة ومتمثلة في العناد سرعان ما يتضح أنها قناعة قوية بحق الانسان في الحياة والحرية، و لا مساومة في ذلك، خصوص بعد هذا الخراب الذي نشرته آلة التعذيب والقمع الرهيبة .( من العار بعد هذا الإذلال والعذاب، أن أقدم لهم لحمي عشاء شهيا يتمتعون به. ثم إني أدافع عن قضية عادلة وبسيطة. حقي وحق الآخرين في الحياة والحرية، وهم يدافعون عن امتيازاتهم وعن السلاطين والشيوخ الفاسدين ولذلك يجب أن أكون أقوى منهم، لأن قضيتي هي المشروعة)30. تلك الأشياء الغامضة والإرادة الصلبة والقناعة بحق الحرية والحياة، هي التي تواصل فعلها من خلال الكتابة كشكل من أشكال الصمود. الكتابة تضعني عند لمسها والحفر فيها وجها لوجه مع الجلاد، مع السجن في حقيقته السياسية الاجتماعية والثقافية. تقحمني الكتابة في عالم الكتابة الذي هو عالمي المعيش. تصبح الكتابة مرجعا واقعيا، يتحول الوقائعي الواقعي فآخذ موقعي الذي هو موقع الرفض والفضح والتعرية. ما أبشعنا ونحن ننام على إيقاع صرخات المعذبين. متى تأتي الرياح التي تخرج القلوب من أقفاصها. تصير قراءتي كتابة. أحاور، أبحث أحتج( وجدت نفسي أغرق في تلك الأوراق، كنت وأنا أتوغل في ذلك العالم المجنون أزداد مرارة وحقدا وأزداد اقتناعا أيضا أن هذا العار الذي حملناه معنا فترة طويلة. يجب أن ينتهي وأن يزول)31. أهدأ وأفكر بجدية وأقول مع نفسي كيف يمكن أن يزول السجن؟ أبحث وجهة نظر عادل حول أهمية الكلمة كسلاح شجاع. أتأمل حالة الانهيار الشامل التي أصابت المجتمع، خصوص بعد التحولات العربية والعالمية الأخيرة. أنظر لمحاولة الدولة التقليدية معاودة انتاج الاشكال السياسية لمعاودة إنتاج نفسها كاستبداد مستحدث، وهي تغرق الصراع السياسي في الصراع ضد الإرهاب والأسلمة، مما يحررها من طرح المشكلة الحقيقية على أنها مشكلة سياسية.

كتابة لا تتركني ألتقط أنفاسي، لا تمنحني لحظة راحة. أقرأ الأوراق وأعيد قراءتها. كتبتني بقدر ما قرأتها( كانت أوراق طالع موجعة، نازفة، قلت لنفسي لا بد من نشرها)32. لو لا قناعة عادل بقوة الكلمة لما عرفت أوراق طالع طريقها الى النشر. أنه يرفض استمرار تجارب الناس وفق أسلوب الذاكرة الشفوية التي أنتجها الخوف والصمت ( ألا تعتقد أن الجبن يكتسي كل يوم وجها جديدا، قناعا جديدا وإلا كيف نفسر هذا الفرق الهائل بين ما يقع كل يوم وعلى مرأى من الآلاف ولا نجد ما وازيه من وقائع مكتوبة ؟ ولماذا يكتفي الناس في بلدي بهذه الذاكرة الشفوية وحدها طريقة للتعلم والتواصل ثم التاريخ؟)33. كانت الأسئلة تتلاحق ، أو بالأحرى تطاردني كما لو أني في حالة طوارئ قصوى. تستفزني بقدر ما تكشف عن حقيقة السجن ( ما أفكر فيه السجن الداخلي وهو أن يرضى جميع الناس بالبقاء في هذا السجن، عدا مجموعة صغيرة للحراسة، وهذه المجموعة ذاتها دائمة الخوف لأنها لا تعرف متى ستلتحق بالآخرين وتدخل السجن أيضا. لو كان شعور الناس بالحرية حقيقيا لتقلص السجن الى حدوده الجغرافية وربما انتهى. لكن مادام الناس هكذا فإن السجن لن يبقى أحد خارجه)34.

تبدو لي الكتابة في الآن هنا كصمت الذات أمام المحقق والجلاد، لها المفعول نفسه، تعمل على كسر الخوف والرعب الذب لوى اللسان وغلف القلب بالصمت. كتابة تحررني من الصمت وتهزم الخوف، تولد الغضب وتعري ليل الصمت ونهاره الذي يسربل الانسان في شرق المتوسط بكفن خوف الموت قبل أن يأتي الردى. هاجس الكتابة هو الكتابة التي تحث على خلق ذاكرة إضافية لدى الناس، أي على الأقل ما يمكن اعتباره مساميرا للذاكرة. وحدها الكتابة تفضحني، إذ تفضح واقع الصمت وتضع حدا لأوثاني، وللغة السرية التي تجثم على صدري. لا أحد يستطيع أن يصرخ بالحقيقة في بلديغير المجنون. إني أبارك وأعتز بهذا الجنون الذي ولدته سرديات أدب السجون. ( اللغة السرية في بلادنا وحدها اللغة المتداولة، وهي نتيجة السجن الطويل، سجن الآباء والأديان والأقوياء. ولا أحد يعرف متى يمكن أن تترجم هذه اللغة الى كلمات فوقائع يقرأها جميع الناس ويعرفون في أي مستنقع يعيشون)35

“الآن.. هنا”  ليست رواية عادية، أقذف بها الى متحف الذاكرة. كلما أغلقت الرواية أجد سعد الله ونوس يعيد على مسمعي كلامه الشفاف الجميل النافذ، وهو يحثني كالعادة على أن رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى( إنها تتعمد أن تظل قولا ناقصا، قولا لا يكتمل إلا إذا أضاف القارئ عليه موقفا أو فعلا)36.

الهوامش

اعتمدنا في كتابة هذا النص على الروايات التالية وهي تندرج الى حدما فيما يعرف بأدب السجون

المصدر الرّأي اليوم

  • عبد الرحمن منيف الآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى
  • عبد اللطيف اللعبي مجنون الأمل
  • عبد اللطيف اللعبي تجاعيد الأسد
  • عبد القادر الشاوي كان وأخواتها

أدب السجون في جنوب إفريقيا

ترجمة: د. عمر عبد الفتاح (*)

عندما نطالع عبارة «أدب السجون» (**) فإننا نستشعر نوعاً من الألفة والاعتياد تجاهها، فنحن نستوعب ما تشير إليه العبارة، وما تتضمنه من معنى؛ بشكل ربما يفوق إدراكنا لما تشير إليه كثير من المسمّيات الأخرى التي تُوصف بها بعض «الأنواع الأدبية» المتعارف عليها كـ «شعر الحب» أو «الرواية التكوينية»Bildungsroman  .

وبمجرد مطالعة هذه العبارة (أدب السجون)؛ فإن المرء يكون مهيئاً تماماً لما هو آت، فعقولنا تختزن مجموعة من التفاصيل والصور المركبة المستقاة من قصائد «فيلون» و «فيرلاين» و «أوسكار وايلد»، ومن روايات «كوستلر» و «سولزهنيتزين»، مع بعض التغيرات في الشكل النابعة من أعمال «ستندال» و «كافكا» و «نابوكوف».

إنني أعتقد أن أدب السجون يحظى بتجانس يفوق غالبية الأنواع الأخرى، حتى مع الأخذ في الحسبان التباينات غير المحدودة، في الشكل والأسلوب والفترة الزمنية والوضع الجغرافي، التي نعيها وندركها تماماً.

وهذا التجانس في الجوهر والطابع والحالة، بصرف النظر عن الشكل، يحدث نتيجة للظروف المادية المتقاربة التي ينتج عنها أدب السجون، وهو ما يضفي عليه في الغالب نوعاً من التشابه، وربما يكون هناك فارق بسيط إذا كان الكاتب أو بطل العمل الأدبي سجيناً جنائياً أو معارضاً سياسياً، أو كان كجوزيف ك(1)، ولكن في نهاية الأمر السجن هو السجن، وبطبيعة الحال؛ فإن الخط الفاصل بين المجرم وبين المعارض يمكن أن يشوبه نوع من الضبابية وعدم الوضوح في أي بلد في أوقات الاضطراب وعدم الاستقرار السياسي، وتتضح هذه الضبابية بشدة في رواية «سفر دانيال The Book of Daniel» للكاتب ي. ل. دوكتورو E. L. Doctorow ، والتي استوحى أحداثها من قضية إعدام الزوجين روزنبرج في الولايات المتحدة الأمريكية(2).

ولا يمكن تبرئة دولة جنوب إفريقيا من معاملة السجناء السياسيين بوحشية، كما لا يمكن تبرئتها كذلك من تشجيع إدارة السجن والمواطنين العاديين على النظر إلى السجناء السياسيين بوصفهم نفاية أو حثالة أقل شأناً من السجناء عتيدي الإجرام.

وسواء كان السجين سفّاحاً أو مخرباً أو  قاتلاً أو حتى مثقفاً مشتبهاً به؛ فإن تجربته في التوقيف والاحتجاز سوف تتشابه وتسير وفقاً للنمط المعتاد، فدائماً ما يكون هناك الخوف من رجال القانون السفلة القساة المخالفين للقانون، والإحساس بصدمة الحبس، والشعور المستمر والمركّب بالحرمان، ويأس وإحباط ما بعد المحاكمة، والانطواء، والانزلاق المؤقت أو المستمر نحو الجنون، والإحساس بضيق المكان، وامتداد الزمان، وكذلك حدوث تداخل وتشوّه في أشكال الذاكرة وألوانها، ومن ثمّ يبرز الإحساس بالذنب الذي يؤرّق ويزعج السجين الذي يعاني الضيق من الأساس.

ويختلف نوع الضيق ودرجته من كاتب لآخر، والذي يتأرجح ما بين الإحساس بالذنب ومحاولات التسويغ للذات؛ كما في شعر فيلون Villon، على سبيل المثال، وبين الإحساس التام بالذنب كما في كافكا، والذي يصل إلى شدة المعاناة والتعذيب التي تُخلّص وتُعتق من الذنب؛ كما عند روباشوف Rubashov في «ظلمة منتصف النهار» Darkness at noon ، ومع ذلك فإن الإحساس بالذنب يشبه الحرباء القبيحة التي تغيّر لونها على الدوام؛ فهو يعمل على إخفاء نفسه دائماً في وعي السجين.

ويتبع أدب السجون في جنوب إفريقيا نظيره الأوروبي بشكل كبير، وفي حدود معلوماتي؛ فإن أول عمل صدر عن تجربة سجن حقيقية (وليس سجناً خيالياً كما في رواية «ابكِ يا وطني الحبيب»Cry, the Beloved Country)؛ هو رواية «سجن الحجر البارد» Cold Stone Jug لـ هـ. س. بوسمان H.C.Bosman ، التي نُشرت لأول مرة عام 1969م على الرغم من أن الأحداث التي تصوّرها تمت قبل عشرين عاما ً(3) من تاريخ نشرها.

وكان بوسمان قد قام بقتل أخيه غير الشقيق في مشاجرة، وحُكم عليه في البداية بالإعدام شنقاً، وتم تخيف الحكم فيما بعد إلى السجن لمدة أربع سنوات، ولكن تخفيف الحكم جاء بعد أن عاش بوسمان تجربة الوقوف في طابور الموت طوال فترة المحاكمة، وقد كتب بوسمان بالتفصيل حول هذه الفترة المُرَوِّعة، وهذا التفصيل تكرر بعد ذلك مرات ومرات في أعمال أدب السجون في جنوب إفريقيا خلال الخمسة عشر عاماً التالية، يقول بوسمان:

«… خيّم ظلّ هذا الشنق كحجاب قاتم فوق نزلاء السجن جميعاً، الحراس والمدانين… فهناك شيء ما يقبع داخل أكثر الحراس قسوة أو داخل ذلك المدان، عدوّ المجتمع، يجعله يرتعد لمجرد التفكير في الموت، ذلك الموت القاسي، أو لمجرد تخيّل ذلك الطقس الرهيب الذي يتم فيه تقديم الإنسان للموت فوق حفرة مظلمة، في وقت محدّد، ضمن إجراء قانوني لا يمتد فيما وراء الأغلال التي تقيّد يديه، والقيود التي تكبّل قدميه، والكيس الذي يغطّي رأس الرجل المدان، وقطعة الحبل الخشن التي تُعقد حول رقبته»(4).

ويضيف بوسمان أنه عند فتح باب منصّة الإعدام الأفقي الذي يعلو الحفرة المظلمة «يدوي صوت ارتطام مروّع يهز المبنى بكامله، ويتدحرج الكوب المعدني على أرضية الزنزانة… مؤذناً بانتهاء الأمر»(5).

وترد هذه التفاصيل بشكل كبير ومؤرّق في رواية «سجن الحجر البارد»، وذلك بالرغم من الراحة التي يمكن أن تتملك البعض لأن المجتمع يخلّص نفسه من القتلة عبر هذه الطريقة، ولكن عندما نطالع هذه التفاصيل نفسها في أعمال السجناء السياسيين السابقين، والتي ترد أحياناً بشكل أكثر تفصيلاً وأكثر عمقاً، فإنها تصبح صعبة الاحتمال، فعقولنا تنحو، كما يشير بريتنباتش  Breytenbach في الفقرة التالية، نحو استيعاب الرعب وتفهمه ولكن بنوع من التحفظ، ومن ثم تتعثر وتتراجع بارتياب:

«يجب أن يكون كالجدار… إنني أحاول أن أتخيل، كما تخيلت بقلبي آنذاك حين توقف عن التنفس، ماذا يجب أن يكون عليه من يُعدم؟ ماذا يجب أن يكون عليه المدان بالإعدام؟ مشنوقاً ومعلقاً من ممر التنفس والكلمات… وزنزانة المدانين بالإعدام تطبع أقدامهم، وتعكس صوت جلبة قيودهم، وترفع أصواتهم، في إيقاع ممزوج ومتلازم للحياة والحزن… إنني أحاول أن أتخيّل امتهان الإنسان للإنسان باستخدامه الأغلال وغطاء الرأس والحبل وباب منصّة الإعدام الأفقي ــ تنهار الأرض مبتعدة للأبد، لنصبح نحن الريح والطيور والغناء، غناء الأحبال المثقلة…

أغلق عيني، ولكنني لا أستطيع مواجهة الظلام، لا أستطيع الخلود للنوم إلا إذا تهاويت خلف أغشية جفوني، كجدار يتداعى وينهار في صمت قبل العدم، إنني أتخيل.. إنني أذهب…»(6).

(ولو توقفنا للحظة: سيجد المرء نفسه متردداً في الكتابة عن تلك الأمور، فالناقد يشعر بالوضاعة لانشغاله بتقييم أنماط اللغة، والمقاطع الشعرية، وسط تلك التفاصيل القاتمة المروعة، بينما يجلس هو أو تجلس هي في أمان يدرسون الاتجاهات والتقاليد الأدبية).

وأحد المظاهر المؤثرة للغاية في طقس ما قبل الشنق في جنوب إفريقيا؛ هو الطريقة التي يغني بها السود في السجن احتفاءً بعضهم ببعض، ويجب على المساجين البيض المدانين بالإعدام استئجار مغنّيين إذا ما أرادوا أن يغني أحد لهم في ليلة الإعدام، أما السجين المدان بالإعدام من السود فيقوم رفاقه في السجن بالغناء له طوال الليل، وتتوافق أصواتهم وتتناغم منتقلة من زنزانة لأخرى.

وقد ضمَّن الشاعر جيرمي كرونين Jeremy Cronin في ديوانه «في الداخل Inside» قصيدة بعنوان «طابور الموت Death Row»، والتي يحاول في جزء منها أن ينقل صوت ذلك الانسجام والتناغم وصداه، وفي هذه القصيدة يرد الغناء احتفاءً بثلاثة من المساجين الجنائيين السود، وهم: مويس، وتسوتسوبي، وشابانجو:

«صوت يقود المجموعة:

انهضوا، انهضوا عاليا

كل ليلة،

ويردّ اثنين من الكُورَس بصوت خفيض:

انهضوا أيها السجناء من سباتكم

لتتحمسوا

ردّدوا وأنشدوا مثل

تموّجوا مثل

تمايلوا مثل

   أوكوهلا بيليلا

تحمّسوا مثل

دمدموا مثل

تحمّسوا مثل

فوروا مثل حساء الفاصوليا الذي يشبه

تموّجوا مثل رتل حافلات يتمايل الذي يشبه

تحرّكوا مثل

تهادوا بشموخ مثل

تحرّكوا مثل

المحارب

   أوكوهلا بيليلا

ثلاثة أصوات تنادي

مويس انضم إلينا

 أو ردّد يا تسوتسوبي

وتمايل يا شابانجو

وأصوات الآخرين من حول الثلاثة

تتلاشى في نهاية كل ليلة

إنهم ثلاثة الآن

الكل يردّد في صوت واحد: تا… تا … تا

تحيا الوحدة العالمية

يحيا الإنسان

يحيا مانديلا

يردّد الجميع يحيا… يحيا!!!

إن أصواتكم، أيها الأخوة

تزلزل أروقة القوة الصماء هذه»(7).

وإذا كان كرونين يركز في إيقاعات الأغنية، وعناصر التجديد فيها، وتأصُّل الأغنية في الحياة اليومية للسود؛ نجد أن بريتنباتش يؤكد في أثناء القصيدة الرابعة عشرة من ديوان Voetskrif على معاني الضياع والحزن وفقدان العون والخوف:

   «للمنشدين

لكم أنتم يا من تُنشدون من وسط الظلمة

كالنحل في أرض لا تتفتح فيها الزهور

لكم أنتم يا من تبحثون عن الراحة حيث لا توجد راحة

يا من تنادون المخلّص ليخلّصكم حيث لا يوجد خلاص

يمكنه إنقاذكم

يا من تُنشدون كما لو كانت حياتكم معلّقة عليه

وأنتم تعلمون أن حياتكم ستظل معلّقة»(8).

ولا تنتهي قصيدة بريتنباتش بصور «الحياة التي تتراوح ما بين المتعة والألم»، وبكلمة «سبّحوا الرب» Halleluja، بل يظهر معنى الموت والعدمية بقوة في القصيدة؛ ربما لأنه يكتب تعليقاً على غناء السجناء للترانيم وليس تعليقاً على أناشيدهم السياسية، وكلا النوعين يظهران في أعمالهما.

وقد سجّل عدد من الكتّاب غناء ما قبل الإعدام في أعمالهم، ومنهم روز موس Rose Moss في روايتها «الإرهابي The Terrorist»، وبريتنباتش في رواية Mouroir(9)، ورواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض The True Confessions of an Albino Terrorist».

وليس هناك شك في أن وصف غناء رفاق السجن للمحكوم عليه بالإعدام وتصويره يُظهر قدرة الكاتب على إشعار القارئ بالشجن والحزن، حتى لو تكرر ذكر الأمر، فتأكيد معاناة الإنسان في تلك اللحظات، وتأكيد الجمال والغضب في ذلك الغناء، يحول دون تحوّل هذا التكرار إلى أكلشيهات وقوالب معهودة، فبعض الأمور تحتمل بل تستحق – في الواقع – التكرار، ولكن هناك عدد من العناصر التي يمكن توقّعها في أي تجربة للسجن، وهذه العناصر معرضة بشكل كبير لتكون مستهلكة ومبتذلة لكثرة تكرار الكتابة عنها.

ويبدو لي أن أدب السجون ربما يكون أكثر عرضة للقولبة من غيره من الأنواع الأدبية نظراً للنطاق المقيّد لبيئة السجن، فعلى سبيل المثال، هناك عدد لا يحصى من نماذج تصوير الطيور كرموز للحرية، وهناك الإشارات المتوقعة حول ضيق المكان وامتداد الزمن، والتحويل المعتاد للمرأة، الأم أو الزوجة أو الحبيبة، لشخصيات أخروية خيالية، أو لشخصيات شديدة الطهر، بالإضافة إلى التمجيد الدائم للحياة خارج السجن.

وتعبّر قصائد جيرمي كرونين في ديوانه «في الداخل Inside» عن صحافي متمكن صاحب مشاعر رقيقة، ولكنها بشكل عام لا تندرج تحت الاتجاه العاطفي، وهو يبدأ قصيدة «للرفاق في الحبس الانفرادي» بسطور شديدة الرقة والعذوبة، يقول فيها:

«في كل مرة يحبسون طائراً

تنكمش السماء .. قليلاً

ويستمر كرونين لكن نحو مكان يظهر فيه «العدل» المروع، حيث يُشاهَد طائر أبي منجل عبر قفص معدني، وكأن

المرئي، المخفي، الظاهر

عبر السماء

هو علامة الاستفهام ــــــ»(10).

وقد كتب كرونين كذلك عن صوت صياح طائر الغِرغِر: «ملء جيب من الرخام / بكاء عميق في حلقها»(11)، وكتب بريتنباتش في رواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض» عن امتلاك الطيور البرّية كما لو كانت حيوانات أليفة: «طيور أبو فصادة… الشباب الوقح في بدلهم الصباحية الرمادية، يشبهون خدم الطبقة الراقية في حفل زفاف، أو ربما يشبهون مصابيح الزيت زورقية الشكل في المزارات القديمة»(12)، ومن المتوقع أن يركز في عودة طيور السنونو، ودورة فصول السنة، ومحاولة السجين تأسيس إيقاعه الخاص لمتابعة الحياة.

وعلى الرغم من ذلك؛ نجده في القصيدة الثالثة من ديوان Voetskrif يقوم بعمل متقن، يتمثل في استخدام صور الطائر لتشكيل تلك الومضات المعبّرة عن الرؤية الداخلية التي تشتعل في قصيدة شديدة التعقيد، وسيلاحظ القارئ في المقطع التالي كيف أن الأصوات الخارجية تُظهر الحسّ المتزامن عند الشاعر، الذي يستجمع كلّ أحاسيسه، بينما تكون صورة الطائر بمثابة المحور الذي تتجمع حوله الأحاسيس:

«كل شيء خارج الأبواب يحلّق

والريح ينقض على فريسته كنسر مقاتل

لذا تبحث السحب عن الظل والملاذ

والأشجار فراشات

والصرير ينبعث من القطار

وانظر كيف أن التلال الصخرية

والمنازل طائرات ورقية

وأصوات الناس

هي أصوات آثار الطيران في الضوء

والشمس طائر آلي مصنوع من معدن صلب

ذات العيون البيضاء في الأجنحة هي الأكثر عنفاً

ولأنها التهمت الجَمال وأدمت الشمس

وامتصت الثدي حتى جف، لا يمكنها أن تظهر هنا ولا هناك

إنها فوق المزراب، وفي الشقوق، داخل الزنازين، تحت الأظافر

إنها من جسد بارد، ومن أصوات الناس

إنها نتيجة ثقوب في السماء

كل هذا وأنا لا أستطيع أن أرى الذباب

(هنا تكمن الرسالة) حتى القلب

سوف ينطلق من عش القفص الصدري

ويشعر بالراحة مع تساقط الحماقة واللعاب مع

كلماتي الفقيرة المنمقة

حلّق يا طائري الدامي الصغير، حلّق!!»(13).

وما ذهب إليه بريتنباتش آنفاً ليس أمراً عرضياً: ففي القصيدة الخامسة يُشير إلى رسالة أُرسلت لزوجته وكأنها «طائر محلق / مع أول ضوء للنهار عندما فتحت السماء…»، أو عندما يتخيل في القصيدة التاسعة أن الطائر الذي يسمع صوته من فوق الإفريز يمثّل رسالة من زوجته، وفي القصيدة السابعة عشرة في ديوان «خطابات لمارثا Letters to Martha»، يخشى دينيس بروتوس من أن ينجرف إلى قالب أو نمط الطيور الرمزية؛ فيلجأ للصنعة والإسهاب حين يقول:

«فن الطيران المعقد

عند الطيور

والحيل البهلوانية العديدة

تصبح مثاراً للتكهنات المثيرة

وللدهشة»(14).

ويواصل بروتوس حتي يصل للقول إن: «القوالب الثابتة للحديث عن حرية الطيور / وحريتها الحتمية والمطلقة من الأسر / تصبح أموراً ذات أهمية»، ولكن من يقرأ هذه القصيدة لا يصبح متأكداً مما يعنيه هذا الكلام(15).

وهناك ملمح آخر يمكن رصده في بعض أعمال أدب السجون يتعلق بالمكان والزمان، فروباشوف يقوم بقياس مساحة زنزاته، وهو نفس ما فعله سينسيناتوس في عمل نابوكوف «دعوة إلى قطع الرؤس Invitation to a Beheading».

وقد قرّر بريتنباتش في رواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض» أن يخبر الجميع؛ فكتب أن زنزانته «لا يمكن أن تزيد بأي حال من الأحوال عن ستة أقدام: إنني أستطيع بسهولة أن ألمس الجدران إذا مددت ذراعي، أما عن طولها فلا يتجاوز تسعة أقدام، ولكن ما افتقدته الزنزانة في مساحتها تم تعويضه في ارتفاعها، الذي ربما يصل إلى خمسة أمتار، مع مساحة مفتوحة في المترين الأخيرين من فوق، وهي مغلقة بشبكة سلكية من أعلى…»(16).

ويحلّل كرونين المكان الذي حاصره، وقيّده بالقوة، ويقترح ردّ فعل تجاهه، فيقول:

«شبكة من أعلى

مشرحة الجثث من هذا الجانب

ومنطقة المشانق من الجانب الآخر، حيث

توجد ساحتنا

التي سقطت فيها فراشة بالمصادفة

إنها ترفرف بشدة

في منتصف الطريق للفزع

في منتصف الطريق لإطلاق اللعنات…»(17).

والدافع الذي يكمن وراء قياس المكان وتحليله يجب أن يكون من أجل إدراك الحدود المكانية للشخص، ومن ثم يقوم بالسيطرة عليها، وبناء عليه؛ فإن استيعاب المساحة ذهنياً أكثر يسراً من استيعاب الزمن، وهناك عدد من السجناء تحدثوا عن شعورهم بالارتياح عقب تسليمهم بحالتهم، واستسلامهم للروتين الصارم للسجن، ولوضعهم في السجن المبني على التدرّج والهيراركية.

وقد كتب بريتنباتش عن الانزعاج العام للسجناء من أي شيء يمكن أن يخلّ بالروتين أو يخالف التوقعات، ويخبرنا عن أحد المدانين بالإعدام الذي أخذ يصرخ ويضرب رأسه بالجدار؛ لأنه استلم عن طريق الخطأ عدداً من الكتب غير التي كان قد طلبها من مكتبة السجن(18).

وتعد مسألة مواجهة انقضاء الوقت ومروره، والطريقة التي يبدو فيها، كما لو كان يمتد من تلقاء نفسه بشكل لا يمكن قياسه من الأمور شديدة الصعوبة، فقبيل إنهاء بوسمان لفترة عقوبته، صار مشوشاً فيما يخص الوقت، وبدأ في توقيت مبكر للغاية في تعجّل إطلاق سراحه، كما بدأ يخشى من التردي نحو الجنون، وبدأت فكرة قضاء الوقت أو العمر في السجن تتخذ أبعاداً مادية:

«بدأت أفكر في الحياة المروّعة التي يمكن أن أقضيها في القسم الجنائي، وبعد ذلك في كل قسم من أقسام السجن، وتخيلت هذه الحياة كأفعى ضخمة سوداء تزحف في كافة أروقة السجن، عبر الجدران وعبر كل شيء؛ تملأ كل الفراغ ما بين الجدران والسقف، تملأ الردهة الداخلية، والسجن كله، وهذه الأفعى العملاقة تحيا وتتنفس، وهي لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها؛ ربما لأنها محتجزة بين الجدران والسقف، هذه كانت الحياة في السجن، والسجن نفسه كائن حي، يتعرّق ويختنق داخل نطاق أسواره»(19).

ويصف كرونين كيف أنه كان في وقت ما يحصي الشهور المتبقية للإفراج عنه بفرح، ولكن مع استمرار الأمر بدأ يُدرك أن الوقت لا يمكن أن يُحصى هكذا ببساطة، لقد فهم أيضاً، أنه وزملاءه قسّموا الوقت طبقاً للانتصارات السياسية الخارجية، ولكن مثل هذه الطريقة في الإحصاء يمكن أن تؤدي ليأس من بالداخل وقنوطه:

«ولكن هناك تلك الأوقات الأخرى

          المقسّمة

إلى رزم ورقية بنية منفصلة

الوقت الذي يسير في دوائر

الوقت الذي يُسطح نفسه في نحُول غير معقول

          يختفي

خلف ظهر المرايا

أو يسيل من صنابير المياه

في بداية قدومي للسجن،

كان بعض رفاقي قد قضوا

ثلاثة عشر عاماً ـــــــ

وقطرة قطرة، صاروا بالداخل الآن

وذلك قبل أن تندلع النزاعات المسلحة

في موزمبيق وزيمبابوي»(20).

وهو يتحدث أيضاً عن الامتداد الكبير للوقت فيقول:

« بدون شهية ـــــــ

تلتهم خبز نفسك التافه،

تتحرك جيئة وذهابًا، لتجتنب

أي خطوة للأمام

لذلك المتحدث البارع الذي يتوارى داخل رأسك…»(21).

ويصف بروتوس الحالة نفسها فيقول:

«وسط كآبة الوقت المنعزل

التي تتسلل نحو العقل

تظهر الأشباح، وهمسات الرعب

التي تدفع الناس لمتاهات النفس»(22).

ويسمّي بريتنباتش هذه الحالة باسم «أكل الدماغ eating head»، ويقصد بها أن يتحدث المرء إلى نفسه أو معها بشكل مستمر، حتى يصل لدرجة الجنون، وهذه الحالة تعد بالنسبة له (على العكس من بوسمان) شديدة الخطورة، ونجده يشرح الأمر قائلاً:

«… دوران نفس الأحـداث مجـدداً، وتكـرار الإيقاعـات ذاتـها، واعتيـادك لوضـعك.. كل هذا يفقدك الإحساس بمرور الوقت، فأنت تنظر من أعلى الجسر إلى أسفل ولا تتذكر أن هناك أية مياه مرت من تحته، والماضي يبدو كما لو كان لا يشيخ، والسنوات فارغة، يأتي الناس ويذهبون، ويظل السؤال كما هو. ربما تكون قد نسيت أنك صرت شخصاً مختلفاً، وأنك أصبحت تلك الكينونة التي تسكن هذا الوقت، والتي تتكون من أنماط معروفة وواضحة، التكرارات ذاتها تحدث مرات ومرات، أنت نفسك ربما تتطهر أو تنحط لصالح شخصية أخرى»(23).

وتختلف تجربة بريتنباتش عن تجربة بوسمان، ربما بسبب طول الفترة التي قضاها بالسجن، فقد أمضى بوسمان أربع سنوات في السجن، بينما حُكم على بريتنباتش بتسع سنوات قضى منها سبع سنوات.

ويصر بريتنباتش أيضاً، بشكل أكثر بلاغة من بوسمان، على أنه لم «ينجُ» من تلك التجربة، وذلك لأن جزءاً جوهرياً وأساسياً من نفسه قد دُمر خلال فترة سجنه، ويجد القارئ نفسه مرغماً لأن يصدقه، وحتى في الكتاب الذي كتبه بريتنباتش بعد خروجه من السجن يواصل ذلك الإصرار.

وتعد رواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض» وصف قهري مُسهب، مدوّن في شكل نثري أنيق، والذي عادة ما يرتفع ويعلو ليتحول لإيقاعات ومقاطع شعرية، وأحياناً ما يتدنى ويتحول لبذاءات وسباب فاحش للسجّان عندما يتفجر غضبه.

إن هذا العمل في الواقع عمل لا يستطيع القارئ أن يتجاهله، كتبه أديب عادة لا يكتب النثر، كما أنه لم يكن حتى وقت قريب يكتب بالإنجليزية؛ لذا فإنه ربما يكون بعيداً عن كامل موهبته الفنية المعروفة.

إن الرواية تعبّر بعمق وبدقة عن تأثيرات حياة السجن على العقل والجسد، وتناقش البنية السياسية لدولة جنوب إفريقيا بكل تشعباتها، كما توضح جزئياً إحساس بريتنباتش بنفسه بصفته شاعراً ورساماً.

ويود القارئ أن يصدق أن الرواية دليل على أن بريتنباتش لم ينج من السجن شخصياً فقط، ولكنه توسع وامتد عن طريقها فنياً، ولكن ما هي الخسائر الحقيقية التي يمكن رصدها (إنني لا أقصد هنا خسارة سنين العمر)، في الواقع، وبكل تواضع واحترام، يمكن القول أن القارئ هو الوحيد الذي يمكنه التكهّن بذلك.

ويقترح بوسمان بعض أنواع الضرر من هذا النوع؛ عندما يكتب قبيل نهاية رواية «سجن الحجر البارد» قائلاً:

«لم أكن أعلم أنني  لن أرتدي مرة أخرى وطوال حياتي بدلة ليس عليها أرقام!

لم أكن أعلم، حينذاك، كيف لرجل سجن ذات مرة أن يشعر بقية حياته بعد خروجه من السجن! لقد غادرت السجن منذ عشرين عاماً وما زلت أشعر في كل لحظة، منذ ذلك الوقت، أنني سجين سابق! وكل بدلة أرتديها مدون عليها أرقام السجن، وإذا كان العالم لا يستطيع رؤية هذه الأرقام؛ فإنني أراها!»(24).

إن هذا المقطع يضفي إحساساً باعتلال في الوعي بالذات، وافتقاداً لتقديرها، ربما نتيجة شعور بوسمان بالذنب، والنغمة السائدة في رواية «سجن الحجر البارد» هي المرح والهزل، وأحياناً الزهو والاختيال، وكل المحاولات الجدلية بالرواية ترد لإخفاء الشعور بالخزي والذنب اللذين يفرضان نفسيهما في بعض الأحيان عند بوسمان عبر الوعي بالذات.

ومن الطبيعي أن درجة الشعور بالذنب لدى السجين تختلف من شخص لآخر، وربما تزداد بشكل أكبر عند القاتل أو السارق؛ منها عند «السياسي» الذي يرى نفسه مدافعاً ومناضلاً عن رؤيته ومفهومه للعدالة.

والقارئ لرواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض» يجد نفسه مفتوناً بالتعقيدات العاطفية التي تنعكس من خلال السرد، ومن تمازج السخط على الذات، والحنق على السجّانين، ومشاعر الخزي والجرأة والندم، والمشاعر الجياشة المتشابكة لتبرئة الذات، وبالتأكيد؛ فإن بريتنباتش يمثل حالة خاصة، فهو أحد الأفريكانر(25) الذين ينتمون لأسرة عريقة في منطقة الكاب Cape، وشقيق أحد قادة القوات الخاصة في جنوب إفريقيا.

ويصطبغ شِـعر بريتنباتش القديم بحبه لوطنه وخيبة أمله وإحباطه نحوه، وقد أثْرَت معالجته البارعة للغة الأفريكانز من إمكانيات تلك اللغة وعززتها، وفرضت الاعتراف به كأفضل شعرائها.

وعندما عاد بريتنباتش إلى جنوب إفريقيا متخفياً تحت اسم مستعار ليجند أعضاء جدد لمجموعته الشيوعية (الأمر الذي أوضحه في رواية «الاعترافات الحقيقية للإرهابي الأبيض»)؛ انكشف أمره سريعاً، وتم إلقاء القبض عليه بتهمة الخيانة، وعند التحقيق معه انهار وتعاون مع الشرطة، وفي أثناء محاكمته اعتذر بمذلة عن أفعاله.

ويظهر في الرواية إحساسه بالخزي لعدم كونه عميلاً جيداً، كما يبدو كذلك أن عاره الأكبر يتمثّل في ضعفه المفرط بين أيدي عناصر الشرطة السرية وأذنابها، ولكن في مقابل شعوره بالخزي تظهر كراهيته لنظام دولة جنوب إفريقيا، ولكلّ متاهات القمع التي تؤدي حتماً لمقر سجن بريتوريا المركزي بـ «حفرته المظلمة» التي تقبع في وسطه.

واستجواب بريتنباتش لذاته وبَوْحه واعترافه بضعفه وعدم تدبّره، ومخاطبته للقارئ بوصفه «السيد المحقق»، كلّ ذلك يمسّ مشاعرنا ويثيرنا، فنحن نتفهّم ونعفو حتى لو كنّا في بعض الأحيان نبتسم بسخرية، ونحرك رؤوسنا قائلين: نحن نريد أن نعرف المزيد، نحن نحبه!

ويقلّ حجم عمل جيرمي كرونين عن حجم عمل بريتنباتش في هذه النقطة، كما أن قصائده لا تعبّر بشكل كبير عن الغضب والخزي على الرغم من احتوائها على قدر أكبر من الكآبة والحزن عمّا في عمل بريتنباتش، وقد كانت محاكمة الاثنين مختلفة بشكل تام، وعندما أُطلق سراح كرونين استمر في العيش داخل جنوب إفريقيا، بينما سافر بريتنباتش إلى فرنسا بعد عدة أيام من إطلاق سراحه عقب تخفيف الحكم عليه.

ربما يكون من الصعوبة بمكان على وقت القارئ، أو على مدى فضوله، أن يبحث عن صور التعبير عن الشعور بالذنب في أعمال السجناء السياسيين السابقين، وبصرف النظر عن هذا؛ فإننا نعلم جميعاً، بشكل كاف، الأسباب العميقة التي تقف وراء الشعور الإنساني بالذنب، دون أن نظن أن وضع السجن سوف يدفع الإحساس بالذنب كي يتدفق ويظهر مثل الطَّعم السيئ في الفم، ويمكن رصد بعض مشاعر الإحساس بالذنب القليلة في أشعار بروتوس، بينما نجد في قصيدة «لا يجب أن يبكي أي طفل» لمونجاني سيروتى Mongane Serote ، التي كتبها بعد إطلاق سراحه، صوراً عديدة تعبّر عن الاشمئزاز من الذات، والغضب المحبط والمخيب للآمال، ونطالع مثلاً:

«إنني أجلس هنا

أفرك الكلمات بين أصابعي

كبثرات ملتهبة

إنني أتمدد هنا

بينما تسيل دموع جسدي المعذّب

لقد مشيت هنا

بينما كانت رجولتي تهتز، وعبء لعناتي لا يمكن احتماله»(26).

وبالرغم من ذلك؛ فإن هذه القصيدة السيمفونية الطويلة لسيروتي لا تُعد تعبيراً صريحاً عن تجاربه في السجن، ولكنها بالأحرى محاولة لإعادة بناء حياته في الفترة السابقة لسجنه، ولتصوراته الخاصة عن إفريقيا التي يحلم بها، وتسجيل لمشاعره المعقّدة لكونه رجلاً أسود في جنوب إفريقيا، إن الأمر يتطلب أكثر من قراءة متأنية كي نحدد أين يكمن تأثير تجربة السجن في القصيدة؟ وأين نرصد قوة الحظر والفقر والاضطهاد السياسي؟

وهناك عدد من الروايات والقصائد الأخرى لم أتطرق إليها، بالرغم من ارتباطها بأدب السجون، وبخاصة تلك التي تتناول الحبس الاحتياطي بالسجن، كما في روايات «مستودع الغضب» لإبيرسون Ebersohn، و «موسم الجفاف الأبيض» لبرينك Brink ، و «الموت جزء من العملية» لبيرنستين Bernstein ، بالإضافة إلى العديد من القصائد المنشورة في مجلة «ستافريدار»، والتي ترد بها قصص حول أشخاص تم توقيفهم وتعاملت معهم الشرطة بعنف، ولكنهم لم يودعوا السجن بشكل رسمي.

كذلك يستخدم السجن خلفية للأحداث في رواية «ابنة برجر» لنادين جورديمر(27) Nadine Gordimer، كما تحتوي رواية «في انتظار البرابرة» لجون كويتزي(28) John Coetzee على بعض الأحداث عن الاعتقال والتعذيب.

من المتوقع أن يواصل أدب السجون في جنوب إفريقيا ظهوره وتطوّره، وربما يحظى بإنتاج أكثر، وخصوصاً مع استخدام اللغات المحلية في كتابته، تلك اللغات التي لا يعرفها معظم البيض، بما فيهم أنا.

الإحالات والهوامش:

(*معهد البحوث والدراسات الإفريقية – جامعة القاهرة.

(**) العنوان الأصلي للدراسة:

العنوان: South African Prison Literature

المؤلف: Sheila Roberts

الجريدة: ARIEL: A Review of International English Literature, Volume 16, issue 2, 1985

(1) جوزيف ك: هو البطل الشهير لبعض أعمال فرانز كافكا الروائية، مثل «المحاكمة» و «القلعة». (المترجم)

(2) حُكم بالإعدام على الزوجين الأمريكيين اليهوديين (جوليوس وإيثيل روزنبرج) في الولايات المتحدة الأمريكية في 19 يونيو 1953م، وذلك بعد إدانتهما بالتجسس لصالح الاتحاد السوفييتي، ويعد الزوجان روزنبرج أول مدنيين أمريكيين يُنفَذ فيهما حُكم الإعدام بتهمة التجسس في التاريخ الأمريكي. (المترجم)

(3) الطبعة المستخدمة هنا طبعة: Human and Roussea, Cape Town, 1981..

(4) (p.15).

(5) (p.30).

(6) انظر:

 The True Confessions of an Albino Terrorist (Johannesburg: Taurus, 1984), p.194.

(7) انظر:

Johannesburg: Ravan, 1983, pp.29 – 30.  – ربما تعني كلمة ukuhlabelela : المدمر الأكبر.

(8) انظر:  Johannesburg: Perskor, 1976, p.29..

(9) كلمة “mouroir”: مركبة مزجياً من كلمتين فرنسيتين؛ كلمة “mourir” «أن يموت»، وكلمة”miroir”  «مرآة». (المترجم)

(10)p.25

(11) p.28

(12)  p.122 – 23

(13) p.3

(14)  p.18

(15) انظر: London: Heinemann, 1970..

(16)  p.123

(17)  p.4

(18) p.125

(19) p.176

(20) p.23

(21) p.25

(22) p.6

(23) p.126

(24) p.213

(25) الأفريكانز: مجموعة من سكان جنوب إفريقيا البيض، ينحدرون من أصول هولندية، قدموا لجنوب إفريقيا واستوطنوها منذ القرن السابع عشر، وهم يتحدثون لغة الأفريكانز  Afrikaansإحدى اللغات الرسمية الإحدى عشر بدولة جنوب إفريقيا، وهي لغة مشتقة من الهولندية ممزوجة بكلمات ألمانية وإنجليزية، تُستخدم في دولة جنوب إفريقيا ودولة ناميبيا، كما يوجد عدد أقل من المتحدثين بها في كل من بوتسوانا، وليسوتو، وسوازيلاند، وزيمبابوي، وزامبيا. (المترجم)

(26) انظر: Johannesburg: Ad. Donker, 1975. p.48.

(27) نادين جورديمير: كاتبة من جنوب إفريقيا، حصلت على جائزة نوبل للآداب في عام 1991م عن أعمالها المناهضة للتمييز العنصري في بلادها. أما رواية «ابنة برجر» فقد منعتها حكومة جنوب إفريقيا في يوليو 1979م  لمناهضتها للسياسات العنصرية التي تنتهجها الحكومة، ثم رُفع الحظر عن الرواية في أكتوبر من العام نفسه. (المترجم)

(28) جون ماكسويل: كويتزي روائي من جنوب إفريقيا، حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 2003م؛ ليصبح ثاني كاتب جنوب إفريقي يفوز بالجائزة بعد نادين جورديمير. ولد كويتزي عام 1940م في كيب تاون، وبدأ حياته الروائية سنة 1974م، ونشأ في بيت يتحدث الإنجليزية بالرغم من أصوله الهولندية، وهو يتحدث اللغتين بطلاقة، وهو أول كاتب يفوز بجائزة بوكر الأدبية البريطانية المرموقة مرتين، درس في جامعة أديليد الأسترالية، ويدّرس الآن في جامعة شيكاغو. (المترجم)

 المصدر قراءات  إفريقية

المسرح السياسي

خطاب العرض والتأثير

بدءا يتجارب بيكاتور ومن ثم بريخت فبيتر فايس، رسخ مفهوم المسرح السياسي ليأخذ له شكلا مستقلا في اسلوب عروضه ومعالجاته، وشهدت حركة المسرح العربي في ما بعد هذا النوع من المسرح خصوصا في منتصف عقد الستينيات فكانت اعمال سعد الله ونوس وعلي سالم ويوسف العاني وقاسم محمد ودريد لحام جزءا من ذلك التوجه الذي اتخذ شكل موجة صاحبت احداثا سياسية كبيرة عرفها الشارع العربي.

 اتخذ اسلوب المسرح السياسي على صعيد التأليف الوثيقة والشواهد والشخوص الحقيقية مادة رئيسية لمجمل اعماله، متأثرا بالتجارب الغربية وخصوصا اعمال الكاتب (بير فايس) في اعماله التسجيلية والوثائقية وماراصاد، وموكنبوت قد وجدت طريقها للعرض على خشبات المسرح العربي، وبانت مؤثراتها على جيل كامل من المسرحيين، وحينما وجد المؤلف المسرحي نفسه بعيدا عن هذا النوع من المسرح، بدأت محاولاته الاولى بكتابة نصوص مسرحية تتخذ من الوثيقة ومجريات الاحداث السياسية مادة درامية لها، واحتفظت ذاكرة المسرح العراقي بأعمال سارت على ذلك الاسلوب، ابرز من يمثلها مسرحية (أي ـ بي ـ سي) للمؤلف الراحل معاذ يوسف، و(الخرابة) ليوسف العاني، و(فيت روك) لجعفر علي، وقد اتخذت تلك المسرحيات فضاءات جديدة للعرض لم تكن سائدة وقتذاك حيث عرضت في الهواء الطلق او في المجمعات السكانية المزدحمة او في مواقع اثرية وصاحبت العروض الاغاني والاناشيد والملصقات الجدارية، ومع توالي تلك العروض اكتسبت ملامح جديدة في شكل العرض الامر الذي آثره النقاد المسرحيون العرب واطلقوا عليه (مسرح السخط) كتعبير عن احتجاج واستنكار اشبه ما يكون على شكل تظاهرة تتخذ من المسرح ميدانا لها.

 اكتسب (المسرح السياسي) اهميته بكونه ارتبط كثيرا بالاحداث المحتدمة فكان صدى مدويا لها وانعكاسا حقيقيا لمجرياتها وحتى زمن قريب فقد ذلك المسرح فاعليته وتأثيره وسبب ذلك يعود بالدرجة الاولى الى انفتاح اذهان المسرحيين العرب نحو تجارب جديدة وادراك مهمة المسرح ليس بوصفه وسيلة اعلامية بقدر ما يحمل من خطاب يمكن ان يسخر لخدمة اهداف كبيرة فاختفى نتيجة ذلك شعار المسرح السياسي ليظهر من جديد شكل آخر يعتمد اساليب جديدة في طرح اية موضوعة يمكن ان تكون متنا حكائيا لعرض مسرحي ينشد التأثير في المتلقي.

علاء حسن

* كاتب عراقي

للنّساء فقط

أقاصيص من أدب السجون -زكرياء بوغرارة

إندفع مجموعة من زوار الفجر إلى غرفتي المزدحمة بالأوراق والجرائد القديمة وأكوام متكدسة من الكتب المترامية في كل مكان.. بحلق بعضهم في بعض, دامت لحظة الوجوم عدة ثوان..

ضرب كبيرهم كفا بكف وهو يقول برتابة وسأم

_ هل قرأت كل هذه الكتب؟؟

تسمرت في مكاني ولم أنبس ببنت شفة, سكنت ملابسي ولذت للصمت.. بينما الرجال أصحاب سنحة سوداء كفطير محترق يفتشون جنبات الغرفة.. ينهمكون في شغلهم بإخلاص منقطع النظير

في لمح البصر قلبوا غرفتي رأسا على عقب..لعلهم يبحثون في رزنامات الأوراق عن شيء ما بينما بعضهم ينبشون كلفئرن وينقبون ويلاحقون عناوين الكتب وفهارسها ويقلبون صفحات المجلات القديمة في دأب لايفتر

تساءلت بيني وبيني

_ عما يبحثون؟؟؟

ابتسم كبيرهم بمكر وكأنما قرأ ما يجول بخاطري قال وهو يهز رأسه

_ نبحث عن السلاح

مشاعر من أحاسيس شتى تناوبتني تلك اللحظة تمعر لها وجهي

كان سلاحي بين ملابسي.. إنه في جيبي بل بمعطفي الرمادي.. تحسسته أناملي في بطئ ورتابة الى أن وضعت يدي على …

قلمي… ثم أرسلت تنهيدة حرى وأنا أرتعش من البرد إنها أيام الشتاء الصقيعية ومخيالي يسافر بي الى المنفردة ترى كيف سأقضي أيام الشتاء في المعتقل؟؟

انتهى التفتيش تجمع أصحاب الوقت في حلقة دائرية وتبادلوا بينهم الحديث همسا بينما أحدهم يحمل عشرات الكتب.. يبدوأنهم سيأخذونها معهم , إنها لحظات صامتة بلا معنى تأملتهم في سكون وهم يغاذرون الغرفة السوداء.. لمحت أحدهم يتقدم بسرعة فأر نحو قائده وهو يقول بفخر واعتداد

( نعم سيدي.. لقد عثرنا على هذا الكتاب)

بعينين جاحظتين تفحصه القائد وهو يغمغم

_ سري للغاية

ثم هز رأسه وكأنه عثر على كنز ثمين يكفي ليزج بي في العتمة ردحا من الزمن

سحبوني خارج الغرفة وقد أحكموا الطوق حولي والأصفاد في يدي

التفت نحو كبيرهم بآلية وقلت ببرودة

_ سري وللنساء فقط

هذا هو العنوان

أشاح بوجهه عني وقد اضطرب لحظتها كأموج البحر المتلاطمة على صخرة منعزلة في شاطئ مهجور

( إنها مهمة فرق البحث والدراسات)

ثم إنطلق الموكب الصامت في رحلة العتمة والمتاهة والشتاء

انتهى

أنا وحذاء الطنبوري والإرهاب زكرياء بوغرارة

عندما كانت بعض الصحف في الداخل أو الخارج يكتبون عن قضايا المعتقلين الاسلاميين الموصومين بالارهاب عنوة رغم أنوفهم وأفواههم وأرجلهم وأيديهم.. اما العيون فكانت تحت حصار “العصابة السوداء” المانعة للضوء وللنسائم الطيبة حتى لا تتسلل للأنوف إلا نتنا كريها مقيتا … يحمل للنفوس غصصا حرارا حارقة.

كان هؤلاء الاعلاميون يكتبون في التعريف بشخص مثلي هو في الحقيقة واحد من الناس فيذكرون اسمي ويلصقون به “الناشط السلفي الذي أدين سابقا بالسجن 10 سنوات نافذة بتهمة صلته بتفجيرات 16 أيار مايو2003 “

وفي الحقيقة اصبح هذا التعريف سهلا للكثيرين ممن لايتحرون الدقة والمصداقية بعيدا عن تجنيات الأجهزة الأمنية ومحاضرها المطبوخة حتى الاحتراق.. احيانا تتحول بما فيها من تهاويل وترهات الى تشظيات.. وشظايا

ما أيسر ان يحاكم الانسان بتهم باطلة تصبح لاصقة فيه هي عبوته اللاصقة التي تفتك به آلالاف المرات.. كلما اختزل في تعريف سمج لا يمت الى الواقع او الحقيقة بصلة ولو بمقدار قلامة الظفر..

يكفي ان تنزل على “قلقولة ” رأسك أحكام القضاء بناء على محاضر لا تحمل من الحقيقة بالأدلة والبراهين إلا مقدار ما يعلق بالمخيط ان بلل بالماء

قلت “القلقولة” استعارة لمفردة عامية هي تعريف للرأس.. وكأن هذا الرأس ما هو الا مجموعة من القلاقل تحولت رويدا رويدا الى “قلقولة”

مع اول لحظة للدمغة القوية بالارهاب يصبح الانسان الذي يسمى فلان بن فلان مجرد معتقل سلفي في احسن الاحوال يرقونه لناشط سلفي مع الدمغة القوية بالارهاب …

تشتعل حرقة الأسئلة وهي منتفضة متأهبة للسؤال؟؟؟

متى كنت سلفيا ومتى ادعيت لنفسي انني سلفي…

لكن غيري صنفني بأني سلفي وصرت سلفيا رغماً عن أنفي ورجلي وقدمي وجسدي المنكل به غير أني لم اعترف انني سلفي ولم انطق بها… رغم كل الويلات والمعتقلات التي مررت بها في السر والعلانية..

ومتى كنت اذيل أي مقالة اكتبها بلفظة ناشط سلفي..؟؟

الناشط – اعزكم الله – عندنا وهو السكير…{{ في العامية المغربية}}

في زمن انقلاب الموازين صار شرب الخمر نشاطا وشاربه ناشطا…

ولا اذكر اني احتسيت من الجعة بأصنافها ولا قطرة طيلة حياتي ولن أفعل

فكيف صرت ناشطا؟؟ وانا لا اعترف بالنشاط الذي يحدثه الخمر في جسد وعقل محتسيه حتى يفقده صوابه؟؟

وكيف يستقيم ان اكون سلفيا وناشطا؟؟؟

ان كان السلفي والسلفية عند من يريدون قوقعتنا في ذلك المربع تعني لديهم أنها احدى علامات {{ التشدد}}

كيف تستقيم صفة السلفي مع الناشط {{ حسب تعريف العوام}}

وقديما قالوا {{كيف يستقيم العود والفرع مائل }}

بحثت في كتاب ربي وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .. فلم اجد ولا مرة ذكرا للسلفي او السلفية لكنني وجدت في هذا القرآن وهو الوحي {{ هو سماكم المسلمين}} ووجدت فيه {{ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه}}

فبرئت من كل صفة إلا ما وجدته بمستند شرعي… في هذا الدين

فكيف تستقيم ادعاءات القوم بإعلام حر نزيه … مع اصرارهم على الكذب وجناياته…

متى كنا نتلهف على الالقاب ونفرح بها ونفرك ايدينا طربا لها..؟؟

في زمن كل من هب ودب يحمل اطنانا من الصفات.. هي {{القاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا صولة الاسد}}

الاكذوبة الثانية وهي {{تهمة}} بناء على تهمة باطلة حتى القضاء نفسه لم ينطق بها في حقي ضمن احكامه التي طالتني وقد برئت ساحتي بالتأكيد على ان {{ ان لا لي صلة بتفجيرات 16 أيار مايو2003 }}

فمن أين جاءت ادانتي على خلفية احداث لا صلة لي بها ولم يرد اسمي فيها حتى من باب التكلف البغيض.

ذلك انني لا ولم اعتقل على خلفية أي صلة بأحداث الدار البيضاء جملة وتفصيلا، لا من قريب ولا من بعيد… لست وحدي… من لم يدان على خلفية تلك الاحداث الشهيرة.. مثلي مثل الألوف من الشباب المسلم الذين اعتقلوا وادينوا بتهم متباينة في قضايا الارهاب.

وليس سرا أن أبوح في أذن هؤلاء وهؤلاء .. أن المجموعة التي حوكمت مباشرة بصلتها باحداث الدار البيضاء الشهيرة لم يكن لأحد منهم صلة بها عدا ثلاثة أشخاص لهم صفة صلة مباشرة…

اما البقية فما هم الا حصاد الاعتقالات وتوسعها في اتجاه استئصال كل ما من شأنه ان يقود الى شيء كالذي حدث {{حتى داخل دائرة الاحتمالات..}} وهو ما يسمى الاعتقال بالشبهة والظن…

معظم معتقلي تلك المجموعة غادروا السجون بالعفو الملكي وسيأتي زمان الاستماع لشهاداتهم لتنكشف حقيقة هالة اعتقالات الارهابيين على صلة بأحداث الدار البيضاء.. {{والانتحاريين الاحتياطيين كما زعموا}}

فإن كان من حوكم مع محمد العماري المتهم الرئيسي في الاحداث لا صلة لهم

بها ذلك أن تلك الاحداث لم تتجاوز {{ 14 فردا قتل منهم11 في الاحداث وتراجع اثنان عن التنفيذ في الساعة الاخيرة.. واعتقل واحد بعد ان نجا من الموت امام فندق فرح}}

من اين اذن لي ولكل تلك الارتال بالصلة في احداث الدار البيضاء وملفات الالوف خالية من كل ذكر لتلك التفجيرات واحداثها..؟؟؟

ولكنه الولع بترويج الاكاذيب التي تتضخم وتفخم وتنمق مثل حكاية {{ الناشط السلفي.. }} حتى تعطي لتلك الصحف بريقا ويمتاح كاتبها من ذاك البريق قبساً له يتخذه علامة على شهرته وخبرته في قضايا الارهاب…

قبل اعتقالي كان في احدى المدن صحفي نزل الى الاعلام ببراشوت ..

قادماً إلى ساحته كعنتر الذي كان {{ شايل سيفه}} {{ الخشبي}} هذا النكرة حاول العديد من المرات ان يلتقي بي ويجري معي حوارا… عندما اعتقلت سلقني بألسنة حداد تماما كصحفي فرنسي بمجلة تيل كيل عندما رفضت اجراء حوار لصالح مجلته ذات التوجه المعلوم في استهداف الاسلام… لفق لي عدة مقالات كال لي فيها كل التهم التي راقت له في زمن صار فيه المعتقل السابق بتهمة الارهاب مجرد حائط قصير جداً… وعندما القمته حجرا في رد أبطل سحره.. لم يتوانى الصحفي الغربي الذي يتبجح بالحرية والشعارات الفضفاضة الكبيرة ان يتصل بمن نشر مقالة الرد معاتبا ثم ممارسا ضغوطه لاجبار ناشرها على سحبها بعد النشر… ذاك انه ضاق بحرية التعبير… فهو ابن حضارة لا تعترف بحرية التعبير وحقوق الانسان الا ان كانت في صالح صاحب البشرة الغربية… سيد الشمال… الذي يستنكف على ساكن الجنوب ان يمارس حقه في حرية التعبير التي توقف حريته في تكريس الأضاليل.

يحضرني ها هنا ذلك الصحفي المرتزق الذي قضى خمسة سنوات من عمره سجينا في احدى قضايا الحق العام قبل ان ينزل لساحة الاعلام بالباراشوت.

كعشرات ومئات من امثاله… كان اذا التقى بي احيانا في احدى المطابع يبالغ في الاحتفاء بي وعندما اعتقلت سارع لقلمه يمارس به حريته في النصب والاحتيال والدجل الاعلامي إذ كتب مقالا طويلا عريضا عن ادواري الخطيرة في احداث الدار البيضاء ووصل به حبل الكذب إلى ان قال {{ وهو اليوم هارب الى الجزائر بعد ان ساعدته المخابرات العسكرية الجزائرية على الفرار…}}

فيما بعد علمت لم كتب الرجل التافه انني كنت هاربا…

لأن من اخرج قصة اعتقالي أراد لها ان تكون{{ رحلة فرار}} بينما هي في الحقيقة اختطاف في الساعات الاولى لاحداث الدار البيضاء وبعد شهر تمت اعادتي لمشارف مدينة تاوريرت {{شرق المغرب}} وتم تسليمي من طرف عناصر الجهاز الامني السري لجهاز أمني علني ثم طلعت الصحف بعدها بقصة {{الفرار…المزعوم}}

تلك شذرات من خبث النبتة التي يسقيها الاعلام الكاذب…

°°°°

في قصص العرب وجدت قصة إرتأيت ان اختتم بها مقالتي لينكشف الغطاء عن اللغز الذي حمله عنوان المقالة {{ انا وحذاء الطنبوري والارهاب}} والذي أوصل من خلالها الحقيقة اميط اللثام عن الظلم والتجني النازل بنا بفعل هذا التصنيف المبير الذي لن يزول عنا حتى نزال عن الدنيا بالرحيل منها…

وحتى تستقر الرسالة التي تحملها المقالة في الاذهان وتصل فكرتها وتؤتي ثمراتها انقل القصة باختصار شديد ما وسعني ذلك ….

جاء في كتاب {{ثمرات الأوراق في المحاضرات}} ، لابن حجة الحموي

{{كان في بغداد رجل اسمه أبو القاسم الطنبوري، وكان له مداس، وهو يلبسه سبع سنين، وكان كلما تقطع منه موضع جعل مكانه رقعة إلى أن صار في غاية الثقل، وصار الناس يضربون به المثل.

فاتفق أنه دخل يوماً سوق الزجاج، فقال له سمسار: يا أبا القاسم، قد قدم إلينا اليوم تاجر من حلب،ومعه حمل زجاج مذهب قد كسد، فاشتره منه، وأنا أبيعه لك بعد هذه المدة، فتكسب به المثل مثلين!فمضى واشتراه بستين ديناراً.

ثم إنه دخل إلى سوق العطارين، فصادفه سمسار آخر، وقال له: يا أبا القاسم، قد قدم إلينا اليوم من نصيبين تاجر، ومعه ماء ورد، ولعجلة سفره، يمكن أن تشتريه منه رخيصا، وأنا أبيعه لك فيما بعد،بأقرب مدة، فتكسب به المثل مثلين! ، فمضى أبو القاسم، واشتراه أيضا بستين ديناراً أخرى، وملأ به الزجاج المذهب وحمله، وجاء به فوضعه على رف من رفوف بيته في الصدر! ثم إن أبا القاسم دخل الحمام يغتسل، فقال له بعض أصدقائه: يا أبا القاسم، أشتهي أن تغير مداسك هذا! فإنه في غاية الشناعة! وأنت ذو مال بحمد الله! فقال له أبو القاسم: الحق معك، فالسمع والطاعة.

ثم إنه خرج من الحمام، ولبس ثيابه، فرأى بجانب مداسه مداساً آخر جديداً، فظن أن الرجل من كرمه اشتراه له، فلبسه، ومضى إلى بيته! وكان ذلك المداس الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام، ووضع مداسه هناك، ودخل يستحم! فلما خرج فتش عن مداسه، فلم يجده، فقال: من لبس حذائي ولم يترك عوضه شيئاً؟ ففتشوا، فلم يجدوا سوى مداس أبي القاسم! فعرفوه، لأنه كان يضرب به المثل! فأرسل القاضي خدمه، فكبسوا بيته فوجدوا مداس القاضي عنده، فأحضره القاضي، وضربه تأديباً له، وحبسه مدة، غرمه بعض المال وأطلقه! فخرج أبو القاسم من الحبس، وأخذ حذاءه، وهو غضبان، ومضى إلى دجلة، فألقاه فيها، فغاص في الماء! فأتى بعض الصيادين ورمى شبكته، فطلع فيها! فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع منه في دجلة! فحمله وأتى به بيت أبي القاسم، فلم يجده! فنظر فرأى نافذة إلى صدر البيت، فرماه منها إلى البيت، فسقط على الرف الذي فيه الزجاج، فوقع، وتكسر الزجاج وتندد ماء الورد! فجاء أبو القاسم ونظر إلى ذلك، فعرف الأمر، فلطم وجهه، وصاح يبكي وقال: وا فقراه! أفقرني هذا المداس الملعون! ثم إنه قام، ليحفر له في الليل حفرة، ويدفنه فيها، ويرتاح منه، فسمع الجيران حس الحفر، فظنوا أن أحداً ينقب عليهم، فرفعوا الأمر إلى الحاكم، فأرسل إليه، وأحضره، وقال له: كيف تستحل أن تنقب على جيرانك حائطهم؟ وحبسه، ولم يطلقه حتى غرم بعض المال! ثم خرج من السجن ومضى وهو حردان من المداس، وحمله إلى كنيف الخان، ورماه فيه، فسد قصبة الكنيف [ هي أنبوب المجاري في عصرنا]، ففاض وضجر الناس من الرائحة الكريهة! وبحثوا عن السبب، فوجدوا مداساً، فتأملوه، فإذا هو مداس أبي القاسم! فحملوه إلى الوالي، وأخبروه بما وقع، فأحضره الوالي، ووبخه وحبسه، وقال له: عليك تصليح الكنيف! فغرم جملة مال، وأخذ منه الوالي مقدار ما غرم، تأديباً له،وأطلقه! فخرج أبو القاسم والمداس معه، وقال – وهو مغتاظ منه: والله ما عدت أفارق هذا المداس! ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجف، فرآه كلب، فظنه رمة فحمله، وعبر به إلى سطح آخر، فسقط من الكلب على رأس رجل، فآلمه وجرحه جرحاً بليغاً! فنظروا وفتشوا لمن المداس؟ فعرفوا أنه لأبي القاسم! فرفعوا الأمر إلى الحاكم، فألزمه بالعوض، والقيام بلوازم المجروح مدة مرضه! فنفذ عند ذلك جميع ما كان له، ولم يبق عنده شيء! ثم إن أبا القاسم أخذ المداس، ومضى به إلى القاضي، وقال له أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا المداس مبارءة شرعية على أنه ليس مني ولست منه! وأن كلا منا بريء من صاحبه، وأنه مهما يفعله هذا المداس لا أؤاخذ به أنا! وأخبره بجميع ما جرى عليه منه! فضحك القاضي منه ووصله ومضى}}!

°°°° .

القصة المبكية المضحكة التي انتهت بتبرؤ صاحب الحذاء من حذاءه بعد كل تلك الكوارث التي لحقت به… هي اشبه ما تكون بقصتنا مع الارهاب..

لقد صارت تهمة الارهاب التي ألصقت بي عنوة كحذاء الطنبوري لافكاك له من حذاءه كما لافكاك لي ولكل من تهمته الارهاب منه… فأينما وليت وجهي اجد الشراك منصوبة لوصمي بالإرهاب والإرهاب {{ جلابته فضفاضة لأنها جلابة مغربية}}

{{ الجلابة مفردة عامية تعني الجلباب}}

لقد اختصرت واختزلت محنة الطنبوري مع حذاءه كل المسافات لإيصال رسالة لمن يهمه الامر ومعهم مطايا الاعلام…

ان هذا الارهاب {{صاحب الجلباب الواسع}} الذي يكفي لكل تهم الدنيا.. من محاكمة النوايا الى اي شيء يصلح ليكيف كتهمة لا تخطر للانسان على البال كتهمة تكوين العصابة الاجرامية التي من شأنها المساس بامن البلاد والعباد..{{ ولا يهم ان تكون من فرد واحد }} المهم ان التهمة المعلبة جاهزة في كل وقت كالتي تليها والمسماة {{ حالة العود}} وهي خاصة بمن تم دمغه بالدمغة القوية للإرهاب من قبل فصار {{ سوابق}}.

لا فكاك لنا من تهمة الارهاب في زمن صار من تكال له تهم الارهاب كالطنبوري يتلقى ضربات حذاءه الملعون وهو يبكي مراً وحنظلاً.. بكاء لاتراه العيون حتى وصل به الضر الى ان ينفجر غيظاً… مع اعتذاري لكم للزج بكلمة {{ينفجر}} هاهنا .. فهي ذات حساسية بالغة لمن دمغ بالارهاب مرتين حتى لو كان الانفجار {{غيظا}} اذ ربما يفسرها المهتمون بأمن البلد ووالد وما ولد تفسيرا لم يرد لكاتبها {{ الطنبوري }} على خاطر او بال ومقال…

وان كان حذاء الطنبوري تسببه له بالإفلاس وضياع المال والتجارة فإن حذاء الارهاب صادر كل ما نملك بدءا من الهاتف النقال والحاسوب والكتب والدفاتر والاوراق والمال .. حتى التهمنا في بطن الحوت..

واخيراً: أقولها علانية وفي السر لا اتكلم او أكتب شيئا..

بإسمي ورسمي لا بإسم عمرو ..

ها انذا اقولها يا قومنا نريد منكم أن تكتبوا بيننا وبين {{ حذاء الارهاب}} مبارءة شرعية على أنه ليس مني ولست منه.. وأنه مهما يفعله هذا المداس{{ أي حذاء الارهاب في حالتي}} لا أؤاخذ به أنا…}}

ما اشبه هذا الارهاب ب{{الحذاء}} او بالعامية المصرية {{ المركوب }} يركبه من يريد شيطنة كل حر….

صاحب فكرة وموقف .. ليصير ارهابياً ظلامياً منبوذا كحذاء الطنبوري المعروف بين الناس بوسخه ورقعه ومنظره الكريه وقدمه ونتانته…

فمتى يكف الاعلام عنا سفهاءه…

وقبل هذا نرنو لانتزاع حذاء الارهاب الذي يرفعه من يهمهم الامر في وجوهنا

اذ اننا اشبه ما نكون بالمواطنين من الدرجة الألف للناس محاكم يساقون اليها وللمدموغ بحذاء الارهاب محكمته وقضاته وشرطه وسجانوه وسجونه وقبل هذا وذاك قانون الارهاب….الخيط الذي يربط به {{ الحذاء}} ليصبح صالحا ليكون {{ مركوبا}} على حد تعبير أهل مصر..

كان المهدي المنجرة قبل رحيله بسنوات اطلق في المغرب حركة اسماها {{ بركا}} وتعنى كفى وهي مستعارة من حركة {{ كفاية المصرية }} التي كانت تحمل نفس المعنى…

بكل لغات العالم اقولها لمن يرفع في وجوهنا حذاء الارهاب.. الطنبوري

كفى

بركة

كفاية