أرشيف سنة: 2021

خلف قضبان كورونا (يوميات-تأملات)”.

“خلف قضبان كورونا” .. الأكاديمي بلقزيز ينشر يوميات “الحجر المنزلي”

"خلف قضبان كورونا" .. الأكاديمي بلقزيز ينشر يوميات "الحجر المنزلي"

تأملات وآراء وشذرات أدبية وليدة لحظة فريدة هي “الحجر المنزلي” في بداية أزمة فيروس “كورونا”، يضمها كتاب جديد للأكاديمي المغربي عبد الإله بلقزيز عنونه بـ”خلف قضبان كورونا (يوميات-تأملات)”.

وعن منشورات منتدى المعارف، صدرت هذه اليوميات التي أهداها عبد الإله بلقزيز إلى ذكرى أخيه عبد الحق بلقزيز، و”ذكرى من قضوا معه بالوباء”

وهذا المؤلف، وفق مقدمة بلقزيز، مزيج من تدوين وقائع ومن تأملات في الحياة وآراء وشذرات أدبية، دعاه إلى نشرها “فرادة اللحظة التي كتبت فيها”، مثلما نشر سابقا يوميات حرب “عناقيد الغضب” التي عاشها كاملة بلبنان، ويوميات حرب دولة الاحتلال على لبنان صيف سنة 2006 التي عاش أيامها الثلاثة والثلاثين كاملة ببيروت.

وحول دافع نشر هذه اليوميات، كتب بلقزيز أن مثل هذه التجربة “لا تعاش دائما، لأنها ذات نكهة وجودية؛ تتكثف فيها، في الوعي والشعور، أسئلة الحياة والموت والوجود والذات والعالم والمعنى… وبالتالي، يختلف تدوين يومياتها كثيرا عن تدوين اليوميات العادية التي يغلب عليها الإيقاع التكراري الرتيب”.

وأضاف أن “اليوميات عادةٌ في الكتابة تطيب وتُستلَّذ، خاصة عند مَن شغفوا بالتاريخ وبالأدب (…) وتتعدى وظيفتُها مجرد المتعة بحفظ التذكار المكتوب، إلى توفير شهادة كاتبها عن حقبة من الزمنِ عاشها”.

وتغطي يوميات بلقزيز فترة “الحجر الصحي”، في السنة الماضية، أو تحيط بـ”هذا السجن الاضطراري أشهرا ثلاثة من الزمن؛ تقع بين بداية الأسبوع الثاني من الحَجر (27 مارس 2020) واليوم “الأخير” منه (24 يونيو)”.

وقال المفكر المغربي: “دوّنتُ، خلال هذه التسعين يوما، حالاتي المعيوشة في أجواء الوباء أكثر مما عنيتُ بتدوين الحوادث. كانت كفة الشعور والتأمل والرأي والموقف أرجح من كفة الإفادة الخبرية”؛ فاليوميات عند بلقزيز “ليست محضَ تقاييد تاريخية جافة”

وتتجاور في هذه اليوميات “لغات متعددة”، هي: “لغة التدوين الكرونولوجي، ولغة الخطاب السياسي، ولغة السرد، ولغة التأمل، ثم اللغة الشعرية”، وتترجم في تعدّدها: “تعدّد الحالات النفسية والفكرية المعيُوشة في هاتيك الأيام؛ وهي أيام حوالك (على أكثر من عاشوها من الناس)، ولكنها أيضا الأيام المتفتّقة عن سحر الهدوء العذب؛ عن خِصب السؤال عن الوجود في النفس والعقل.

وعن تجربته مع زمن الحَجر، كتب بلقزيز: “رغم انسجانِي في القفص البيتي، وفقداني من فقدت من الأهل وحرماني-وغيري-من إكمال برنامجي الجامعي مع الطلبة، أَدين لتلك الأيام بدَين كبير: أنها منحتني-على الأقل-فرصة لوضع نفسي وحياتي وتجربتي في ميزان التحقيق والمراجعة، وقدّمَت لي فسحة من الزمن أوسع للقراءة والكتابة؛ وما ذلك بالقليل”.

وتحدث عبد الإله بلقزيز عن رحيل أخيه الأكبر بسبب فيروس “كورونا” دون أن يتمكن من إلقاء نظرة أخيرة على جثمانه، ودون أن يحمل نعشه أو يمشي في جنازته: “أخي.. وأنت ترحل عني بعيدا، لا تنسَ-في مثواك-أنني أحببتك، وأنني عشقت الأرض التي وطأَتها قدماك، والشمس التي لفحت جبينك، والضحكة تغمر مُحيّاك. رفيق دربي أنت، ومن يديك غَرفتُ دروس الحياة، وكبرت لا أعرف أيُّني أنا؛ أ أنا أنا أم أنتَ لا غيرٌ سواك. أبحث عني فيكَ عساني ألقاني، وإن أنا تهتُ يكفيني أن ألقاك. يُعزّيني فيك أني منك كنتُ، وأنني من جدعك عودٌ يتدلّى كي يظلّل ذكراك. أتضوّر حزنا على رحيلك، نعم، لكنّي في كل حين، يا حبيبي، أراك.

وتطرق الأكاديمي في مؤلفه الجديد لـ “خسائر النظام التعليمي الفادحة بسبب الإرباك في التكوين خلال الجائحة، التي لا تقل فداحة عن خسائر النظام الاقتصادي والاجتماعي والصحي”، ووصف “التعليم عن بعد” بكونه “أزعومة شبيهة-في بنائها الافتراضي الوردي-بسابقتها “التعليم الخاص” إن لم تكن أفدح وأفضح”، ليس للافتقار فقط للأسباب التقنية عند كثير من تلامذة العالَم وطلّابه، بل “لأن العملية التعليمية عملية تواصلية، بالتعريف، ولا تقبل-بالتالي-أن تكون افتراضية

وتساءل بلقزيز في هذا المؤلَّف عن أثر الحجر في الإبداع والتفكير والكتابة، وتحدث عن مكالماته مع صديقه الموسيقي مارسيل خليفة، واطمئنانه على أصدقائه وأحوالهم مثل أدونيس، “ابن التسعين عاما” الذي قال إنه “يتمتع بروح شابّ وثّاب، لا مكان في كلامه لحبوط ولا لِوَسَن في الأحلام والطموحات”.

وكتب بلقزيز في يومياته عن شعب فلسطين المنكوب الواقع تحت الاحتلال “بفيروسين، الفيروس الصهيوني وفيروس كورونا”، ووضعِ أمريكا ودولة الاحتلال نفسَيهما فوق القانون الدولي، وعن قضية معتقلي حراك الريف بالمغرب، واحتجاجات لبنان، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي هو عنده “رجل يجهل كل شيء إلا أنه يعتقد أنه ذو شأن في الأرض”.

وفي يوميات بلقزيز المدونة خلال فترة “الحجر المنزلي” حديث عن تجربة العيش الأُسَري لأسابيع دون انقطاع ودورها في ترميم نظام الأسرة وتمتين عمرانه، ودعوة إلى “إعادة تملّك الفلكلور” باستقدامه إلى حاضرنا بعيدا عن نظر كثير من المتعلّمين إليه باحتقار.

وعلق عبد الإله بلقزيز، وفق ما وثقه هذا المؤلف، على عدد من القرارات المرتبطة بتدبير الجائحة، وتطرق إلى ما يمكن أن تنبّه الفلسفة إليه في “نازلة كورونا”، وبحث عن “السر السماوي” في صوت فيروز، وناقش آراء مفكرين حول السياق العالمي الاستثنائي، عارضا آراءَه في الدولة والعلم، مع تسجيله أنه مع عشقه الجنوني لـ”الصمت”، فإنّه يتكلّم فيهِ كتابة، “دون إثارة ضجيج”، علما أن “حِرفته” كانت “دائما هي الكلام، منذ مطلع شبابي”، قبل أن يفضل أن يكون “كاتبا يكتب” لا “سياسيا يخطب”

.

هسبريس

قصيدة حنظلة

 

للشاعر محمد سعيد الجميلي رحمه الله تعالي



إني أحب حنظله
ومعجب بهذه النماذج المناضلة ..
يا ليتني إذ أدّعي حباً لهم ..
امضي على ذات الطريق الفاضلة
يا ليتني إذ أدعي حباً لهم..
ألقى غدا … تلك الوجوه الباسلة
هل تعرفون حنظله؟؟
إن لم تكونوا تعرفوه … فأسمعوا قصته مفصلة
هذا فتى من الطراز الأول ..
وفارس غباره لا ينجلي
ذو همة … علوية الغايات ..
ترفعت عن فتنة اللذات
لما اختلى بزوجه في ليلة من أسعد الليالي
تبادلا مودة وحلقا في اللذة الحلال
فالله في ناموسه .. قد زين النساء للرجال
تسامرا .. وسافرا في لجة الخيال
حتى تهادى الصوت في أسماعهم … حي على القتال . حي على القتال
فهب من فراشه مجسدا أسطورة الرجال
البائعين النفس والأموالا
المقتفين نهجه تعالى
لم يذكر العرس والاغتسالا
فالله أسمى غاية ومقصد ..في نهج صحب المصطفى محمد(صلى الله عليه وسلم)
فخاض في بحبوحة النزال …يذب عن يمينه …فضلا عن الشمال
ويعمل السيف بصف الكفر والضلال
حتى ارتقى شهيدنا في سلم المعالي
وأعلن الفردوس عن أنباء الاستقبال
هذا فتانا حنظله ..المجد له… والخلد له .. والحور له
هذا فتانا حنظله … من غسّله…في قبره من انزله؟؟
إني تفكرت بيوم الزلزلة
بنفخة الصور وجمع الناس للمساءلة
إذا السماء انفطرت .. إذا القبور بعثرت
إذا البحار فجرت…والناس سكرى والمراضع مذهلة
في ساحة العرض ينادي حنظله
يا حنظله..!! لبيك يا من لا شريك له
أمانتي الإسلام .. قد بُلغته فما الذي قدمت له؟
يُجيب فورا حنظله ..يا ربنا مقصِّر لا عذر له
وأنت لا يخفى عليك قيد أنمله…
لكنني في (احد) ..سمعت صوت حيعلة..تركتُ عرسي قائما
وزوجتي مُجمله.. نسيت أني مجنب..وخضت في المنازلة
فمشرك أعطله وآخر أجندله ..حتى تلقيت بصدري ضربات قاتله
فجئت ارتدي دمي..ثوبا قشيبا قانيا ما أجمله
لعلني قدمت شيئا ورقيبي سجّله ..يا ربنا مقصِّر لا عذر له
مقصِّر لا عذر له!!… مقصِّر لا عذر له؟
إني تفكرت بحال حنظله ..غسله الملائكة ..وزفه محمد .. والله في جناته ..قد انزله
أمانة يسأل عنها حنظله …
يُسأل عنها كل واحد من هذه الجحافل المجحفلة
فهيئوا أجوبة لهذه المساءلة
وانتبهوا بأن مثل حنظله
لغير مسؤول عن الذي قد شاع من فسادنا
وغير مسؤول عن الذي قد ضاع من بلادنا
وغير مسؤول لم استمر هكذا رقادنا
كلا ولا كيف أضاعوا قدسنا الحبيبة
أو كيف كيف يرفع القسيس في أحيائنا صليبه
مصيبة..مصيبة..مصيبة .. يا حضرات الأمة المصيبة
حتام نبقى في خطوبنا العصيبة ..الكل فيها حامل نصيبه .. نخرج من مصيبة
ندخل في مصيبة
فالشوك لا يُجتث بالأيادي
والنصح لا يفيد للجلاد
يا حاملين راية الكلام بالجهاد .. هل تعرفون حنظله..وهل قرأتم سيرة المقداد
أعداؤنا قد نشروا الفسادا .. واستعبدوا العبادا
ومزقوا البلادا .. فلنرتدي أكفاننا ولنبتدي
لا نعتدي لا نعتدي لا نعتدي
لكن نرد المعتدي
أمانة يسأل عنها حنظله
يسأل عنها كل مسلم محمدي

بالخلاص، يا شباب!

16 عاماً في السجون السورية

اعتقل الشاب ياسين الحاج صالح من كلّية الطب في جامعة حلب بتهمة الانتماء إلى حزب معارض… تنقّل بين سجن حلب المركزي ومعتقل عدرا في دمشق مدّة خمسة عشر عاماً. قبل أن تنتهي مدّة حكمه يُعرض عليه أن يصبح مخبراً، يكتب التقارير ويشي بأصدقائه. يرفض ياسين، ويرحَّل مع ثلاثين سجيناً إلى سجن تدمر الرهيب، ليمضي سنة إضافية في مكان جحيمي لا تنفتح أبوابه إلا لتلقي الطعام والعقاب.

هناك، لا أخبار جديدة، لا طعام شهياً، لا زاد عاطفياً، لا شيء طازجاً من أي نوع. زمن آسن متجانس، أبدية لا فوارق فيها ولا مسام لها. سجناء يقتلون الوقت بما يتاح من وسائل التسلية، وآخرون يروّضونه بالكتب والأقلام. عالم بلا نساء، لا أسرار فيه ولا خصوصيات.

زمن الثورة السورية يبدو وقتاً مناسباً للإفصاح عن هذه النصوص المؤلمة، حيث تجربة سجين ومفكّر سياسي عاش ستّة عشر عاماً من عمره على حافة التحطّم والخوف.
 

ياسين الحاج صالح كاتب سوري مقيم في دمشق. ينشر في العديد من الصحف والمجلات العربية. 
صدر له عن دار الساقي: “أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، “بالخلاص يا شباب! 16 عاماً في السجون السوريّة”.
 

“كان وأخواتها”.. رواية مهربة من داخل السجون المغربية

حسن العدم

“كان وأخواتها” رواية مغربية كتب فصولها عبد القادر الشاوي، وتأتي أهميتها من كونها كتبت في السجن، وحكت عن معاناة اليساريين الماركسيين في المغرب في فترة السبعينيات.

وقد أفردت لها قناة الجزيرة حلقة من برنامج “خارج النص”، واستضافت فيها الكاتب نفسه، إضافة إلى ثلة من (الرفاق) الذين شاركوا الشاوي في زنزانته، وشهدوا لحظات تهريب الرواية خارج السجن، إلى أن وصلت إلى آلاف القراء حول العالم.

ثورة الماركسية المغربية.. استعجال القطاف

ارتبط اسم القنيطرة بفترة حرجة من تاريخ المغرب المعاصر، فقد انطلقت من قاعدتها العسكرية عملية الهجوم التي استهدفت الطائرة الملكية في أغسطس 1972، في ثاني محاولة انقلابية تلت محاولة الصخيرات الفاشلة قبل ذلك بعام.

وخلف أسوار السجن بالمدينة جُمع المعارضون المدنيون من مختلف الأطياف السياسية على خلفية المحاولتين الانقلابيتين، وكانت على رأسهم منظمة “23 مارس” اليسارية المحظورة.

الكاتب عبد القادر الشاوي واحد من أُطُر هذه المنظمة، وقد عاش تفاصيل تلك المرحلة ووثَّق لها من خلال نصّ يقول عنه: هو متن محبوك يحكي تجربة فريدة ارتبطت في تاريخ المغرب الحديث بحركة سياسية ناشئة، أرادت أن تكون من الحلم إلى الحلم جذرية وحاسمة في كل شيء، ولكنها أجهضت بسبب القمع الشرس والنواقص الجذرية، قبل الأوان الثوري المحلوم به.

وعن هذه المرحلة يحكي عبد الله الحرّيف -وهو معتقل سياسي سابق- قائلا: هذه المرحلة شهدت تناقضات كبيرة داخل النظام، خلقت أجواء بأنه يمكن تغيير النظام بسرعة، حتى أنه كان يقال إن الثورة على الأبواب، وربما يكون هذا تقييما غير دقيق من قبل المعارضة، فالثورة تحتاج إلى جهد وتخطيط طويل.

ويضيف أحمد آيت بناصر، وهو أيضا معتقل سياسي سابق: في نهاية السبعينيات انطلق نقاش واسع وسط المعتقلين السياسيين بالسجن المركزي في القنيطرة، وهذا النقاش اتخذ أبعادا ليست متعلقة بالاعتقال السياسي أو بالتجربة الماركسية المغربية فقط، بل اتخذ أبعادا نقدية على الصعيد القومي والعالمي.

أدب السجون.. صناعة فنية تلتحف بالواقعية

في هذه البيئة الجيوسياسية جاءت رواية “كان وأخواتها” كأول عمل أدبي تناول تجربة اليسار المغربي بالنقد والتجريح من داخل صفوفه، وهي أيضا رواية تحكي تفاصيل محاكمة مؤلفها عبد القادر الشاوي، إلى جانب قيادات منظمة “إلى الأمام” الماركسية التي تأثرت في أدبياتها السياسية والأيديولوجية بأفكار ونظريات فلسفية رافضة لكل ما هو مؤسساتي ورسمي.

يقول في الرواية: بدا لي عندما قررت الكتابة أنني ربما أكون واحدا من الشهود المفترضين، على غرار ما شهد به -مع الفارق- كتاب “الأقدام العارية” على التجربة الناصرية، ولعلي كنت يائسا أو ناقما أو محايدا أو ما لست أدريه الآن، عندما عصفت النقاشات الأيديولوجية والسياسية بالجميع، فظهر المنشقون والمنسحبون والمجمدون والمطرودون والحائرون والصامدون والخائنون وأنصاف الخائنين وكاتبو العفو والمشنعون عليهم وتيار العزة النفسية الشامخة، وما لا قبل لمعتقل في تلك التجربة الصامدة الحائرة القلقة على تذكّره بشيء من الحياد والموضوعية أو الجرأة كذلك.

وعن المعوقات التي واجهت الحركة اليسارية يقول علّال الأزهر -وهو معتقل سياسي سابق-: حركة “إلى الأمام” تشكّل فيها -تجاوزا- أئمة الأيديولوجية الدغمائية مع الأسف الشديد، وكانت تحلم بثورة كنا نحلم بها جميعا، ولكن فيما بعد بدا بأنها تكاد تكون مستحيلة، لِتمكّن السلطة من الحيازة على الشرعية الوطنية داخل المجتمع.

كان تحديد موعد محاكمة للمعتقلين السياسيين في يناير 1977 بمثابة انتصار لهؤلاء المعتقلين، وتتويجا لمعركة الإضراب المفتوح عن الطعام التي خاضوها منذ نوفمبر1976، وكانت مطالبهم محددة بالمحاكمة أو إطلاق سراحهم، وبعد 19 يوما من إعلان الإضراب أفرجت السلطات عن أكثر من 100 منهم، وقدمت الباقي للمحاكمة.

حرب الأمعاء الخاوية.. صاحب الحق ينتصر

من النصوص التي أثارت الرفاق على الرواية وكاتبها قوله إنه اعترف بعضويته في المنظمة، ويعلن الآن أنه يستقيل منها ويطلب العفو، وأنه تراجع عن أفكاره، وقال إنه خلال ندوة نوقشت قضية النظام كان خلاف بين المؤتمرين، الشيء الذي جعل النقاش يتأجل، وأنه لم يسبق له أن وافق على سقوط النظام القائم.

وفي هذا يقول عبد الله الحرّيف: هذه الرواية بيَّنت على الخصوص الجوانب السلبية للحركة، ولم تبيّن الجوانب الإيجابية داخل هذه التجربة وهي كثيرة، وعلى رأسها تلك المحاكمة التي كانت بمثابة انتصار. فأن أختلف في الرأي فهذا من حقي، أما أن أمنع من خالفني من التعبير عن رأيه فهذا لا يمكن أن أقبله كديموقراطي.

في رواية “كان وأخواتها” وجّه الشاوي انتقاده لقرار الإضراب عن الطعام، وسمّاه إضراب اليأس، وأنه وسيلة تؤدي إلى الفناء، ولكن كثيرا من رفاقه عارضه في ذلك، فهذا عبد الله الحريف يقول: لم يكن إضراب اليأس، لقد كانت حقوقا مشروعة، وكان تعبيرا عن عزة وكرامة المعتقلين السياسيين.

أما علال الأزهر فقال: كان الإضراب اتجاها مغامرا لا غير، تحول من كونه مطالبة بتحسين أوضاع السجناء إلى موقف سياسي من النظام، أي أن “حركة إلى الأمام” كانت تخوض نضالا سياسيا من داخل السجن.

وبعد أسبوع من صدورها قوبلت الرواية بالمصادرة والمنع من طرف السلطات المغربية، وما كان لهذه الرواية أن تتخطى أسوار السجن لولا وجود أشخاص آمنوا بالوجود الإنساني، ورفعوا قفاز التحدي في وجه المصادرة والمنع، وقد قامت آسيا -وهي امرأة كانت على علاقة بالمعتقلين وتزورهم بين حين وآخر- بتهريب مخطوط الرواية، ودفعت به إلى محمد الوديع صاحب الدار المغربية للنشر.

مقص الرقابة.. رب ضارة نافعة

كان إعلان منع الرواية أكثر فائدة من السماح بها، على أن منعها لم يكن مفاجئا، فقد تطرقت إلى المحاكمة وشروطها والاختطاف والقتل والتعذيب الذي تعرض له المعتقلون في سجن “دار مولاي الشريف” ومعاناة عائلاتهم، وتعرضت كذلك للإضرابات وظروف الاعتقال غير الإنسانية.

تقول ليلى الشافعي زوجة الشاوي السابقة: لو لم تمنع الرواية فمن كان سيقرأها؟ قلة قليلة من القراء السياسيين معدودون على الأصابع، ولكن منعها هو الذي مكّنها من الانتشار، أما عبد القادر فقد كان لديه تخوف كبير، ليس من النظام بل من الرفاق، فكان يقول لي: “لا أدري كيف سيكون وضعي في السجن عندما تصدر هذه الرواية”، لقد تحدث عن بعض الرفاق بتلقائية، ولكن كانت كل كلمة تحسب عليه.

وعن الرواية يقول مؤلفها الشاوي: اخترت طريقة خاصة في الكتابة بين الخوف والجرأة وبين الاحتشام والتعرية، اخترت هذا الـ”ما بين” لأحتفظ لشخصيتي بكرامتها ومكانتها بين الرفاق، ولأحفظ أواصر الصداقة مع الذين حولي، ولكنني مع كل هذه التحفظات لم أنجح في أن أتقي نقدهم وهجومهم. لقد غامرت عندما كتبتها داخل السجن، وغامرت عندما نشرتها من داخل السجن، وغامرت ثالثة عندما عانيت من نشرها وأنا داخل السجن في إطار العلاقات العامة.

وقد كثر نقاد الرواية، فمنهم من قال إن عنوان الرواية فيه تناقض واضح، فـ”كان” توحي بالماضي، أي أنها تجربة وانفضت، وكأن في ذلك تبخيسا للتجربة، ثم فيها شخصنة أو تشخيص لبعض الرفاق الذين كان يُرمز لهم بحروف في الرواية. وآخر يقول: كان يمكنه أن يكون أكثر إنصافا لهذه التجربة. بينما يقول البعض: الرواية بقيت لها قيمتها الأدبية، أما قيمتها السياسية فمحل نقاش.

“يصدق علي كما يصدق على الرفاق”.. ما للرواية وما عليها

يحاول صلاح الوديع -وهو معتقل سياسي وابن صاحب دار النشر التي طبعت الرواية- أن ينصف الرواية بقوله: إن التجربة لم تخرج عن سياقها الإنساني بكل ما فيه من النقص والتناقض وعدم الكمال، فهو لم يقصد أن يسيء عن قصد لرفاقه، كما أنه لم يشأ أن يضفي على التجربة القداسة، وأنا أعرف عبد القادر، فهو يؤثر النقد ولو كان مخطئا، على الإطراء حتى وإن كان صادقا.

ويرد الشاوي: قد أكون عظّمتُ السلبيّ، وقد تكون قراءتي غير موضوعية في نظر الآخرين، ولكنني حاولت جهدي أن أنظر للأمور نظرة فاحصة، وما انتقدته يصدق عليّ كما يصدق على الرفاق، وقد كتبت فصولها في السجن، وكنت أستكتب بعض الرفاق لبعض الفصول (من قبيل توريطهم)، ومن حسن حظي أن الذين استكتبتهم قرأوها وأثنوا عليها، فتشجعت لنشرها.

الشاوي وبعض رفاقة في السجن المركزي

الطبعة الثانية.. من ظلمات الحظر إلى نور المصالحة

في عام 2010 كان قد مرّ عقدان ونيف على إصدار “كان وأخواتها”، وبين التاريخين عرف المغرب طفرات هامة في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، وقد تُوّجت بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة برئاسة أحد رفاق الكاتب في تجربة الاعتقال، وهو المناضل إدريس بن زكري، وعلى وقع تلك المستجدات سيعيد عبد القادر الشاوي نشر الرواية دون أن يغير فيها حرفا واحدا.

وقد قال الكاتب في تصديرها: لم أبدل حرفا في هذا الكتاب، وقد يقول قارئ عند الفراغ منه، إنه لم يعد يشبه صاحبه، وقد أقول بدوري -إذا ما دريت طراوته وحرارته وقوته المعنوية المندفعة في القول- إنني لم أعد أجد بعد أن غيرتني السنون نفسي فيه، ولكنني أفهم أن كلينا- القارئ والكاتب معا- لا نملك أي حق لمصادرة أي من المكونات الثلاثة: التجربة السياسية، والماضي التاريخي، واللغة الأدبية التي اصطنعتها لسرد الوقائع.

الجريمة والعقاب فيدور دوستويفسكي

الجريمة والعقاب

تأليف : فيدور دوستويفسكي

ترجمة : سامي الدروبي

الطبعة الأولى : 2010م

الجريمة والعقاب هي رواية الكاتب الروسي فيودور دوستويفسكي ، الأولى نشرت في المجله الأدبية الروسية في اثني عشر مقالا شهريا في 1866 ، وبعدها نشرت كـرواية .

في الرواية كما تبين من عنوانها فهو موضوع الجريمة وقضية الخير والشر التي ترتبط بالجريمة ، فهو يصور ما يعتمل في نفس المجرم وهو يقدم على جريمته ويصور مشاعره وردود أفعاله ، كما يرصد المحرك الأول والأساس للجريمة حيث يصور شخصاً متمرداً على الأخلاق يحاول الخروج عليها بكل ما أوتي من قوة ، إذ تدفعه قوة غريبة إلى المغامرة حتى ابعد الحدود لقد اكتشف بطل الرواية راسكولينوف أن الإنسان المتفوق لذا شرع بارتكاب جريمته ليبرهن تفوقه ، لكن العقاب الذي تلقاه هذا الرجل كان قاسياً إذ اتهم بالجنون وانفصل عن بقية البشر وقام بينه وبين من يعرف حاجز رهيب دفعه إلى التفكير بالانتحار .

تتطرق الرواية لمشكلة حيوية معاصرة ألا وهي الجريمة وعلاقتها بالمشاكل الاجتماعية والأخلاقية للواقع ، هي المشكلة التي اجتذبت اهتمام دستويفسكي في الفترة التي قضاها هو نفسه في أحد المعتقلات حيث اعتقل بتهمة سياسية ، وعاش بين المسجونين وتعرف على حياتهم وظروفهم .

وتتركز حبكة الرواية حول جريمة قتل الشاب الجامعي الموهوب رسكولينكوف للمرابية العجوز وشقيقتها والدوافع النفسية والأخلاقية للجريمة .

حزب مصري يطالب بالتحقيق في تعذيب سجناء سياسيين

طالب حزب «العيش والحرية» المصري ـ تحت التأسيس ـ بالتحقيق في اتهامات عدد من المحبوسين احتياطيا في سجن الزقازيق، شمال شرق مصر، على ذمة القضية 1056 لسنة 2020 بتعرضهم للتعذيب والضرب بالعصا ومنعهم من دخول الحمام إلا مرة واحدة في اليوم.

وقال في بيان، الجمعة، إن الشاكين وبينهم عضو في الحزب أثبتوا الاتهامات خلال جلسة نظر تجديد حبسهم في المحكمة. وطالب بنقلهم من السجن.

وأضاف: أبلغ المحامون الحاضرون في القضية 1056 لسنة 2020 أهالي المتهمين من محافظة السويس أن محمد وليد عضو الحزب، رشاد كمال وخليل عبد الحميد وعبد الناصر أحمد محمد وغريب ربيع حسنين، وآخرين مودعين في سجن الزقازيق قاموا بإبلاغ المحكمة بأنهم يتعرضون لتعذيب يومي وضرب بالعصا ولا يسمح لهم بدخول الحمام إلا مرة واحدة ولثلاث دقائق فقط، وأنهم يخشون على حياتهم، وطالبوا بضرورة التحرك لوقف الانتهاكات ضدهم ونقلهم من السجن.

وطالب الحزب، بالتحقيق في الوقائع المثبتة على لسان المتهمين في الجلسة ونقلهم من سجن الزقازيق، وبالحرية لهم خاصة أن معظمهم محبوس منذ أكثر من عامين وتم تدويرهم في هذه القضية من قضايا مختلفة بالاتهامات نفسها.

يذكر أن محمد وليد، ورشاد كمال، وخليل عبد الحميد وآخرين من محافظة السويس تم القبض عليهم في سبتمبر/ أيلول 2019 وتم حبسهم بتهم «ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها» وتم التجديد لهم ثم صدر قرار إخلاء سبيلهم ورقيا وتم تدويرهم على ذمة قضية جديدة.

وفي 30 سبتمبر/ أيلول 2019 وأثناء توجه وليد إلى المملكة العربية السعودية حيث يعمل، ألقت قوات الأمن القبض عليه في مطار القاهرة قبل دقائق قليلة من إقلاع الطائرة، بعد انتهاء زيارته السنوية في مصر التي استمرت شهرا.

وحسب الحزب، ظهر وليد في نيابة أمن الدولة العليا بعد أسبوعين من القبض عليه في مطار القاهرة، متهما على ذمة القضية رقم 1358 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا.

ووجهت النيابة آنذاك لوليد، اتهامات «ببث ونشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، ومشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها». وظل وليد محبوسا على ذمة هذه القضية حتى 26 أغسطس /أب 2020، وصدور قرار من محكمة الجنايات بإخلاء سبيله بتدابير احترازية، إلا أن القرار لم ينفذ، ليظهر من جديد في نيابة أمن الدولة العليا يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2020 على ذمة قضية جديدة برقم 1056 لسنة 2020 أمن دولة.

وكشف حزب «العيش والحرية» عن تعرض وليد لعدة انتهاكات نفسية وجسدية جسيمة، ما أدى إلى تدهور حاله الصحية وكاد أن يفقد بصره خلال فترة السجن، وقد خضع مؤخرا لعملية جراحية في عينيه وهو في محبسه مما يصعب عليه التعايش داخل السجن خاصة وأن التعافي من الجراحة يحتاج لرعاية صحية ونظافة غير متوفرة في سجن الزقازيق العمومي على الإطلاق.

وكالات

من الذاكرة يوم لا انساه!!

من الذاكرة يوم لا انساه!!

الأستاذ عادل عبد المجيد

 

في اوائل التسعينيات في محكمة جنوب القاهرة- باب الخلق وكان معي اخي وصديقي الاستاذ منتصر الزيات المحامي ودخلنا قاعة المحكمة التي تننظر في التظلم من امر الاعتقال وعندما دخلنا القاعة توجهت مباشرة الي القفص حيث يقف المعتقلين للاطمئنان علي احوالهم وما اذا كان لديهم طلبات ولاحظت ان هناك في اقصي اليمين رجل ملتحي وسيم يرتدي بدلة زرقاء ورابطة العنق من هيئته بدي لي انه مختلف عن المعتقلين فاقتربت منه والقيت عليه السلام فرد علي السلام

 

ثم سألته كيف حالك فاجاب الحمد لله ثم سألته هل تعرفني فاجاب نعم الاستاذ عادل عبدالمجيد فقلت له هل تريد اية مساعدة فقال شكرا قلت له هل عندك محام فقال انه لم يحضر فقلت له هل تريد اي مساعدة حتي ياتي محاميك فقال لو سمحت تطلب من القاضي تاجيل الجلسة قلت له لابأس وذهبت واجلت له الجلسة ثم رجعت اليه وسألته لماذا انت هنا وكم لك في السجن فقال انا متهم بقتل زوجتي ولي اربعين شهرا ولم يحكم عليه بعد قلت له اريد ان اسألك سؤالا قال بأدب تفضل قلت له في عام ١٩٨٢ عندما ذهبت لبيتي هل كان في بيتي اسلحة ؟ فقال يااستاذ عادل انت عارف احنا فقط بنمضي علي الورق دون ان ننظر ماهو مكتوب فقلت له انا لم اتكلم معك لاتشفي فيك انا اريد مساعدتك في هذه الظروف ونصيحتي اليك انه مازال لديك الفرصة لان تتوب الي الله فباب التوبة مفتوح وودعته ثم ذهبت الي اخي منتصر الزيات وفي فم واحد قال وقلت شوفت سبحان الله انه ضابط مباحث امن الدولة المقدم محمد اسامة كمال الشاهد علي في المحكمة واحد ضباط التعذيب فهذه اخلاقنا والايام دول

رواية عربة المجانين ( سيرة السجن ) – كارلوس ليسكانو

رواية عربة المجانين

( سيرة السجن )

تاليف : كارلوس ليسكانو

ترجمة : حسين عمر

الناشر : المركز الثقافي العربي

الطبعة الأولى : 2017م

عن السجن السياسي في الأوروغواي ، حيث كان المخاض الصعب والقاسي ، وحيث قمعت محاولات قلب النظام السياسي بكل قسوة، يكتب ليسكانو .

حين يقرأ القارئ العربي تجربة “كارلوس ليسكانو” مع السجن ، تحضره صورة السجن والسجين والسجّان ، وطرق التعذيب … كصور مألوفة ، تشبه مافي سجوننا .

لكن “كارلوس ليسكانو” يكتب عن السجن بطريقة أخرى ، مختلفة ، فهو عنده تجربة حياة ، وليس مجرّد مرحلة قاسية من العذاب والألم .

يتحدث عن التعذيب وحياة السجن بلغة وإحساس يجعل من تلك الفترة جزءاً مكوّناً أساسياً من حياته ، يكتب عنها بلغة الأدب ، ليس أدب السجون أو أدب التعذيب أو المأساة ، بل بلغة الأدب الجميل .

حين تنتهي من هذا الكتاب ، لايترك في نفسك تلك اللوعة أو ذلك الغضب الذي يميز ماتقرأه عن حياة السجون ، بل يترك فيك ذلك الإحساس بأنه رغم العذاب والألم ، ورغم سقوط ألوف الشهداء ، فإن عربة المجانين وصلت إلى مكان آمن .

نجيب محفوظ.. وخصوم الإسلام!

نجيب محفوظ.. وخصوم الإسلام!

 

د. حلمي القاعود

عقب هزيمة عام 1967م، قرأت للعميد احتياط السابق “ما تيتاهو بيليد”، قائد الجبهة الشمالية أيام الهزيمة السوداء، بعض ما كتبه عن نجيب محفوظ (11 ديسمبر 1911 – 30 أغسطس 2006م).

“بيليد” -ومثله عدد كبير من ضباط جيش الاحتلال الصهيوني- لا يكفون عن الدراسة والبحث العلمي في أدبيات المنطقة، إلى جانب احتراف القتال، لمعرفة تفاصيل الحياة والقيم والعادات والتقاليد، وفهم ما يجري داخل الشعوب العربية، وطريقة تفكيرها، وإدراك تصوراتها للماضي والحاضر والمستقبل.

حاول “بيليد” بعد الهزيمة أن يلتقي نجيب محفوظ شخصياً، ويبدو أنه فشل، ولم ينجح إلا بعد “كامب ديفيد” (1978م)، ولم يحصل من الرجل على شيء ذي قيمة؛ فقد كان اللقاء فيما يبدو مجاملة وعابراً من خلال جلسة ضمت محفوظاً مع بعض مريديه.

الشاهد في الأمر أن “بيليد” اهتدى بعد قراءة أدب محفوظ إلى أن رواياته تعبر عن قيم إسلامية، وعن مجتمع إسلامي، ويعني ذلك في المفهوم الصهيوني خطراً كبيراً على كيان الاحتلال؛ فالإسلام يمثل عنصر المقاومة الحقيقي المؤثر ضد الغزاة، أما المحاولات اليسارية والعلمانية للمقاومة، فهي هشة وصورية وزائفة أكثر منها عملية ومؤثرة ومؤلمة، ولذا لا يهتم بها الغزاة مثل اهتمامهم بالمقاومة الإسلامية، صحيح أن محفوظاً لم يُشر في رواياته وقصصه إلى العدو الصهيوني بكلمة أو يعالج القضية الفلسطينية أو الاحتلال الصهيوني للأرض العربية والمقدسات الإسلامية، ولكن الباحث الصهيوني ومثله كل الصهاينة يرون في التعبير عن القيمة الإسلامية مؤشراً على وجود عنصر يهدد وجودهم الإرهابي الاحتلالي الظالم!

نبوءة “نوبل”

في الأربعينيات، تناول المفكر والأديب سيد قطب على صفحات “الرسالة” روايات نجيب التاريخية التي نشرها تباعاً في ذلك الحين “عبث الأقدار”، “كفاح طيبة”، “رادوبيس”، “القاهرة الجديدة” (1945م)، وأشاد بها وتنبأ لصاحبها بمستقبل باهر في ميدان الرواية، وكأنه تنبأ له بجائزة “نوبل” (1988م).

وقد نشأت بين قطب، و محفوظ، علاقة أدبية، استمرت لفترة طويلة، كان يزوره في بيته بحلوان، ويتبادلان الحوار حول الشؤون الثقافية والأدبية، ولكن ما تعرض له قطب من سجن واعتقال، وحكم بالإعدام، جعل نجيب محفوظ الذي كان حريصاً على سلامته الشخصية، يتراجع عن الوفاء لصاحبه الشهيد بإذنه تعالى؛ فجمهورية الرعب دفعت كثيراً من الكتَّاب والأدباء إلى قول ما لا يؤمنون به خوفاً على أنفسهم، ولذا رأينا محفوظاً في روايته “المرايا” (1972م) يصوّر شخصية قطب تحت اسم “عبدالفتاح إسماعيل” تصويراً يرضي السلطة، ويبعده عن شبهة تأييده أو التعاطف معه، بعد أن أبرز ذكاءه، وتفوقه الفكري والأدبي، لقد حاول أن يلقي عليه ظلالاً من الشك والريبة، ووضعه في دائرة التنظيم السري، وأضفى عليه غموضاً عجيباً، مع أن سيد قطب كان واضحاً في فكره وسلوكه لدرجة لا تخفى على أحد، ثم ذكر أنه “لم يرتح إليه”!

لم يكن محفوظ من الإسلاميين الذين ينطلقون من تصور إسلامي خالص، وقد تطور فكره على مدى عمره الطويل، مذ درس الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة (تخرج عام 1934م)، واتصل بسلامة موسى (1887 – 1958م)، الذي أثر في فكره تأثيراً  جذرياً، ومعروف مدى رفض موسى للإسلام، وتعصبه المقيت ضده، وحفاوته بالثقافة الغربية والدعوة إليها، وقد تابع محاولات محفوظ الروائية الأولى، وراجعه فيها، ونشر له في مجلته الشهرية مقالاته الفلسفية، وروايته الأولى التي قدمها هدية للمشتركين بدلاً من عددي الصيف اللذين كانت تحتجب فيهما المجلة، كان محفوظ وفدياً يحب سعد زغلول، والنحاس باشا، وعبر عن حبه ذاك في عدد من رواياته خاصة “الثلاثية” (1956 – 1957م)، وحين صوَّر الإخوان المسلمين كان مدفوعاً بالتعصب الحزبي، ولكنه لم يسئ إليهم أو يتهمهم بالعمالة والخيانة والكفر والظلامية، كما يفعل غيره من الشيوعيين والناصريين والليبراليين والانتهازيين والمرتزقة، صوَّر بعضهم في سلوكيات متحفظة، واهتمامات شخصية ضيقة، ثم أنصفهم في روايته “الباقي من الزمن ساعة” (1982م)، وأثار التعاطف معهم لنقائهم ومظلوميتهم، وتعرضهم للقهر والتعذيب.

قرأ الرجل الثقافة الغربية والتراث الإسلامي، والقرآن الكريم، وظهر تأثره واضحاً بالقرآن الكريم والحديث النبوي في أسلوبه الروائي، وقد خصص أحد الباحثين كتاباً كاملاً لدراسة هذا التأثر في رواية “اللص والكلاب”، لا تكاد تخلو فقرة في صفحة من صفحات الرواية من التأثر الأسلوبي بآية من الآيات، أو حديث شريف، مما يدل على التطور الفكري للرجل وانتمائه للثقافة الإسلامية والتشبع بها، وإن اختلف فهمه لمفهوم الدين والدولة، أو رؤيته العلمانية لفصل الإسلام عن السياسة بحكم دراسته للفلسفة وتأثير الفكر الغربي.

وقد تتبعتُ رواياته وكتبت عن عدد منها في وقت لم يكن يبالي به كثير من اليساريين وأشباههم، وخاصة في الروايات التي يظهر فيها النبض الروحي الإسلامي، فتناولت روايته الضخمة “ملحمة الحرافيش” (1977م) قبل أن يتناولها الآخرون، وهي تعد من وجهة نظري تصحيحاً بارعاً، وبناء فنياً أفضل من رواية “أولاد حارتنا” (1959م)، وكتبت عنها دراسة مطولة نشرتها في مجلة “البيان” الكويتية، عقب صدور الرواية مباشرة، وهو ما لفت انتباه رجاء النقاش، فكتب عنها مقالاً ممتداً على عددين من مجلة “المصور” جعل عنوانه “نجيب محفوظ يكتب بالفارسية”؛ لأني توقفت وقفة غير قصيرة في دراستي المشار إليها عند استلهام نجيب للشعر الفارسي في الرواية.

ثم رأيت رواية “الكرنك” (1974م) التي تناولت التعذيب في العهد الناصري، وأشدت بها لأنها كشفت جانباً مظلماً من جوانب النظام المهزوم الذي انتصر على شعبه وحده، وهي رواية لم يتناولها اليساريون، بسبب موضوعها الذي يدين النظام الذي أيَّدوه ومنحهم صدارة المشهد الثقافي والإعلامي والفكري والفني والتربوي.

نظام ملفق

تصوَّر محفوظ في فترة تطوره الفكري والثقافي أن يقوم نظام سياسي في بلادنا العربية، يعتمد على ديمقراطية الغرب والعدالة الاجتماعية في النظام الشيوعي، والبناء الروحي في صوفية الإسلام، وقد عالج هذه الرؤية في روايته “حضرة المحترم” (1975م)، وواضح أن هذا التصور يدل على قصور واضح في فهم التشريع الإسلامي، الذي وضع أسساً إنسانية لتوفير العدالة الاجتماعية وتحقيق الشورى وواقعية الإيمان وبساطته، وفي كل الأحوال فالرجل لا يعادي الإسلام ولا يشهّر به، كما فعل ويفعل الشيوعيون ونظراؤهم في الفكر والاعتقاد والسلوك.

وفي روايته “رحلة ابن فطومة” (1983م) التي تناولتها في أحد كتبي، عرض محفوظ لأبرز النظم السياسية في العالم، ومعظمها يقوم على الاستبداد والقهر والظلم، ولكنه كان حريصاً حين يرى حالة إيجابية أو فكرة إنسانية، يتساءل على لسان ابن فطومة الأزهري الذي حفظ القرآن واستوعب التراث: أليس هذا موجوداً في ديننا؟ كان محفوظ يحلم بالحرية والعدل والشورى أو الديمقراطية، ورأى أخيراً من خلال الرواية أنها قائمة في الإسلام.

لوحظ أن الشيوعيين والناصريين والقوميين والانتهازيين والمرتزقة لم يكتبوا حول الروايات التي عالجت مسألة التعذيب أو انحازت إلى الإسلام أو بعضه، فركزوا على “أولاد حارتنا”، وهي رواية من حيث الفن ضعيفة بالقياس إلى بقية رواياته، ثم إنها استغلت الرمز الديني استغلالاً فجاً، سواء ما يشير إلى الذات الإلهية أو الأنبياء، صحيح أن نجيب محفوظ صنع بيئة شعبية لتكون فرشة فنية يضع عليها بضاعته الفكرية، ولكنه أخفق في إبعاد الحقيقة عن ذهن القارئ، فعرف أن الجبلاوي يرمز إلى الذات الإلهية، وعرف أدهم، وإدريس، وجبل، ورفاعة، وقاسم، وعرفة، الذين يرمزون إلى الأنبياء وإبليس والعلم، وكان موت الجبلاوي قاصمة الظهر؛ لأنه يعني موت الإله، وهو ما جعل القرَّاء المسلمين يغضبون. 

كان محفوظ فيها يؤرخ للبشرية من خلال الحارة المصرية بسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية وحكم الفتوات (رمز الاستبداد والقوة الغشوم والولاء للفتوة الأقوى) دون أن يُظهر أثراً للوحي أو تعاليم السماء، وجعل المستقبل لعرفة (العلم) وحده بعد موت الجبلاوي.

وقد أثير حول الرواية لغط كثير حولها إلى أزمة تدخلت فيها السلطة والأزهر عقب نشرها مسلسلة في “الأهرام” على عهد محمد حسنين هيكل، وكانت الأزمة بتدبير بعض الشيوعيين في جريدة “الجمهورية” نتيجة الغيرة الأدبية من محفوظ وخاصة لدى الشيوعي الحكومي التائب يوسف إدريس، فقد فوجئ القراء برسالة من شخص مجهول تظهر في باب الرسائل بالجريدة، ينبه فيها إلى أن الرواية التي تظهر مسلسلة في “الأهرام” تسيء إلى الأنبياء والإسلام، وكان المشرف على صفحة الرسائل بعض الشيوعيين، أبرزهم أحمد عباس صالح، لم يُعرف عن الشيوعيين حرص على الإسلام والأنبياء، فهم يعدون الدين أفيون الشعوب، ووقف كتَّاب “الجمهورية” اليساريون من الرواية موقفاً أشعل الموقف، وجعل السلطة تتدخل، وتعهد بلجنة من أساتذة الأزهر تضم الشيخ أحمد الشرباصي، والشيخ محمد الغزالي، والشيخ محمد السعدي فرهود، وهم متخصصون في الأدب والنقد يقومون بفحص الرواية، ويصدرون تقريراً عنها، فطلبوا وقف نشر الرواية حفاظاً على قدسية الذات الإلهية واحتراماً لمقام الأنبياء، ولكن محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير “الأهرام”، تحدى التقرير وأصر على إتمام نشرها، بينما امتنع محفوظ عن نشرها في كتاب احتراماً لرأي الأزهر.

وبعد سنوات ظهرت الرواية مطبوعة في بيروت، حيث نشرتها دار الآداب المعروفة بميولها الماركسية، مع أن صاحبها تعلم في الأزهر الشريف، وكان يرتدي العمامة!

ابن حضارتين

تطورت أفكار محفوظ وكتب “ملحمة الحرافيش” -كما سبقت الإشارة- وهاجم الحكم العسكري بشراسة في بعض رواياته خاصة التي صدرت بعد الهزيمة (انظر مثلاً: روايته “يوم قتل الزعيم” عام 1985م)، وفي كلمته التي ألقاها يوم تسلم جائزة “نوبل”، وألقيت نيابة عنه، عبَّر عن انحيازه إلى الحضارة الإسلامية، وجاء في بعض فقراتها: “سادتي، أخبرني مندوب جريدة أجنبية في القاهرة بأن لحظة إعلان اسمي مقروناً بالجائزة سادها الصمت، وتساءل كثيرون عمن أكون، فاسمحوا لي أن أقدم لكم نفسي بالموضوعية التي تبيحها الطبيعة البشرية، أنا ابن حضارتين تزوجتا في عصر من عصور التاريخ زواجاً موفقاً، أولهما عمرها سبعة آلاف سنة؛ وهي الحضارة الفرعونية، وثانيهما عمرها ألف وأربعمائة سنة؛ وهي الحضارة الإسلامية، ولعلي لست في حاجة إلى التعريف بأي من الحضارتين لأحد منكم، وأنتم من أهل الصفوة والعلم، ولكن لا بأس من التذكير ونحن في مقام النجوى والتعارف”.

وبعد حديثه عن الحضارة الفرعونية، تحدث عن الحضارة الإسلامية فقال: “وعن الحضارة الإسلامية فلن أحدثكم عن دعوتها إلى إقامة وحدة بشرية في رحاب الخالق تنهض على الحرية والمساواة والتسامح، ولا عن عظمة رسولها، فمن مفكريكم من كرَّمه كأعظم رجل في تاريخ البشرية، ولا عن فتوحاتها التي غرست آلاف المآذن الداعية للعبادة والتقوى والخير على امتداد أرض مترامية ما بين مشارف الهند والصين وحدود فرنسا.

ولا عن المؤاخاة التي تحققت في حضنها بين الأديان والعناصر في تسامح لم تعرفه الإنسانية من قبل ولا من بعد، ولكني سأقدمها في موقف درامي -مؤثر- يلخص سمة من أبرز سماتها، ففي إحدى معاركها الظافرة مع الدولة البيزنطية ردت الأسرى في مقابل عدد من كتب الفلسفة والطب والرياضة من التراث الإغريقي العتيد، وهي شهادة قيمة للروح الإنسانية في طموحها إلى العلم والمعرفة، رغم أن الطالب يعتنق ديناً سماوياً والمطلوب ثمرة حضارة وثنية”.

ثم ختم قائلاً: “قُدر لي يا سادة أن أولد في حضن هاتين الحضارتين، وأن أرضع لبنيهما وأتغذى على آدابهما وفنونهما، ثم ارتويت من رحيق ثقافتكم الثرية الفاتنة، ومن وحي ذلك كله، بالإضافة إلى شجوني الخاصة، ندت عني كلمات أسعدها الحظ باستحقاق تقدير أكاديميتكم الموقرة؛ فتوجت اجتهادي بجائزة نوبل الكبرى؛ فالشكر أقدمه لها باسمي وباسم البناة العظام الراحلين من مؤسسي الحضارتين..”.

وفي ذكرى وفاة محفوظ كل عام، يستغل خصوم الإسلام من المتهوّدين والمتنصّرين واليساريين والمرتزقة، فيستدعون حادثة طعنه (أكتوبر 1995م) على يد شاب جاهل، ويرتبون على ذلك إدانة الإسلام والمسلمين جميعاً، ونعتهم بأشد الألفاظ قبحاً وبذاءة، كما يحاولون إخراج محفوظ من دائرة الإسلام والإيحاء أنه ابن معتقداتهم المنحرفة، مع أن الرجل في أواخر حياته كان لا يستطيع الوضوء، فطلب من سكرتيره الشخصي الحاج محمد صبري، رحمه الله، وكان يقرأ له الصحف والكتب أن يعلمه كيفية التيمم ليصلي، وهذا سمعته بأذني من الرجل، ثم إنه بنى مسجداً فخماً على الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية في قرية العزيزية التي يرتبط بأرضها وأهلها، وتكفّل بأجور العمال والإمام، والقائمين على تحفيظ القرآن الكريم، وكان يذهب في المناسبات ليوزع الصدقات ويقضي بعض وقته هناك، وما زالت أسرته أو ما تبقى منها (ابنته) تقوم بهذه الزيارة.

ولكن اليساريين لا يأتون على ذكر صلاته وإيمانه أبداً، ووجدوا في بناء مسجد العزيزية أمراً جللاً، وخيانة لهم، وتطرفاً كان يخبئه نجيب محفوظ! كأنهم تعاقدوا معه على عداوة الإسلام!

والغريب أنه بعد حادثة طعنه التي استنكرها المسلمون وغيرهم، راحوا يتحدون الأزهر والسلطة معاً، ونشروا “أولاد حارتنا” في “الأهالي” جريدة الحزب الشيوعي، الذي يسمى التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، ويسخر منه المصريون فيسمونه حزب “توتو”!

مؤسف جداً أن يتفرغ خصوم الإسلام الذين يدعون النضال والكفاح من أجل الكادحين والفقراء إلى هجاء الإسلام والتشهير بالمسلمين، ولو كانوا في قامة نجيب محفوظ!