“خلف قضبان كورونا” .. الأكاديمي بلقزيز ينشر يوميات “الحجر المنزلي”
تأملات وآراء وشذرات أدبية وليدة لحظة فريدة هي “الحجر المنزلي” في بداية أزمة فيروس “كورونا”، يضمها كتاب جديد للأكاديمي المغربي عبد الإله بلقزيز عنونه بـ”خلف قضبان كورونا (يوميات-تأملات)”.
وعن منشورات منتدى المعارف، صدرت هذه اليوميات التي أهداها عبد الإله بلقزيز إلى ذكرى أخيه عبد الحق بلقزيز، و”ذكرى من قضوا معه بالوباء”
وهذا المؤلف، وفق مقدمة بلقزيز، مزيج من تدوين وقائع ومن تأملات في الحياة وآراء وشذرات أدبية، دعاه إلى نشرها “فرادة اللحظة التي كتبت فيها”، مثلما نشر سابقا يوميات حرب “عناقيد الغضب” التي عاشها كاملة بلبنان، ويوميات حرب دولة الاحتلال على لبنان صيف سنة 2006 التي عاش أيامها الثلاثة والثلاثين كاملة ببيروت.
وحول دافع نشر هذه اليوميات، كتب بلقزيز أن مثل هذه التجربة “لا تعاش دائما، لأنها ذات نكهة وجودية؛ تتكثف فيها، في الوعي والشعور، أسئلة الحياة والموت والوجود والذات والعالم والمعنى… وبالتالي، يختلف تدوين يومياتها كثيرا عن تدوين اليوميات العادية التي يغلب عليها الإيقاع التكراري الرتيب”.
وأضاف أن “اليوميات عادةٌ في الكتابة تطيب وتُستلَّذ، خاصة عند مَن شغفوا بالتاريخ وبالأدب (…) وتتعدى وظيفتُها مجرد المتعة بحفظ التذكار المكتوب، إلى توفير شهادة كاتبها عن حقبة من الزمنِ عاشها”.
وتغطي يوميات بلقزيز فترة “الحجر الصحي”، في السنة الماضية، أو تحيط بـ”هذا السجن الاضطراري أشهرا ثلاثة من الزمن؛ تقع بين بداية الأسبوع الثاني من الحَجر (27 مارس 2020) واليوم “الأخير” منه (24 يونيو)”.
وقال المفكر المغربي: “دوّنتُ، خلال هذه التسعين يوما، حالاتي المعيوشة في أجواء الوباء أكثر مما عنيتُ بتدوين الحوادث. كانت كفة الشعور والتأمل والرأي والموقف أرجح من كفة الإفادة الخبرية”؛ فاليوميات عند بلقزيز “ليست محضَ تقاييد تاريخية جافة”
وتتجاور في هذه اليوميات “لغات متعددة”، هي: “لغة التدوين الكرونولوجي، ولغة الخطاب السياسي، ولغة السرد، ولغة التأمل، ثم اللغة الشعرية”، وتترجم في تعدّدها: “تعدّد الحالات النفسية والفكرية المعيُوشة في هاتيك الأيام؛ وهي أيام حوالك (على أكثر من عاشوها من الناس)، ولكنها أيضا الأيام المتفتّقة عن سحر الهدوء العذب؛ عن خِصب السؤال عن الوجود في النفس والعقل.
وعن تجربته مع زمن الحَجر، كتب بلقزيز: “رغم انسجانِي في القفص البيتي، وفقداني من فقدت من الأهل وحرماني-وغيري-من إكمال برنامجي الجامعي مع الطلبة، أَدين لتلك الأيام بدَين كبير: أنها منحتني-على الأقل-فرصة لوضع نفسي وحياتي وتجربتي في ميزان التحقيق والمراجعة، وقدّمَت لي فسحة من الزمن أوسع للقراءة والكتابة؛ وما ذلك بالقليل”.
وتحدث عبد الإله بلقزيز عن رحيل أخيه الأكبر بسبب فيروس “كورونا” دون أن يتمكن من إلقاء نظرة أخيرة على جثمانه، ودون أن يحمل نعشه أو يمشي في جنازته: “أخي.. وأنت ترحل عني بعيدا، لا تنسَ-في مثواك-أنني أحببتك، وأنني عشقت الأرض التي وطأَتها قدماك، والشمس التي لفحت جبينك، والضحكة تغمر مُحيّاك. رفيق دربي أنت، ومن يديك غَرفتُ دروس الحياة، وكبرت لا أعرف أيُّني أنا؛ أ أنا أنا أم أنتَ لا غيرٌ سواك. أبحث عني فيكَ عساني ألقاني، وإن أنا تهتُ يكفيني أن ألقاك. يُعزّيني فيك أني منك كنتُ، وأنني من جدعك عودٌ يتدلّى كي يظلّل ذكراك. أتضوّر حزنا على رحيلك، نعم، لكنّي في كل حين، يا حبيبي، أراك.
وتطرق الأكاديمي في مؤلفه الجديد لـ “خسائر النظام التعليمي الفادحة بسبب الإرباك في التكوين خلال الجائحة، التي لا تقل فداحة عن خسائر النظام الاقتصادي والاجتماعي والصحي”، ووصف “التعليم عن بعد” بكونه “أزعومة شبيهة-في بنائها الافتراضي الوردي-بسابقتها “التعليم الخاص” إن لم تكن أفدح وأفضح”، ليس للافتقار فقط للأسباب التقنية عند كثير من تلامذة العالَم وطلّابه، بل “لأن العملية التعليمية عملية تواصلية، بالتعريف، ولا تقبل-بالتالي-أن تكون افتراضية
وتساءل بلقزيز في هذا المؤلَّف عن أثر الحجر في الإبداع والتفكير والكتابة، وتحدث عن مكالماته مع صديقه الموسيقي مارسيل خليفة، واطمئنانه على أصدقائه وأحوالهم مثل أدونيس، “ابن التسعين عاما” الذي قال إنه “يتمتع بروح شابّ وثّاب، لا مكان في كلامه لحبوط ولا لِوَسَن في الأحلام والطموحات”.
وكتب بلقزيز في يومياته عن شعب فلسطين المنكوب الواقع تحت الاحتلال “بفيروسين، الفيروس الصهيوني وفيروس كورونا”، ووضعِ أمريكا ودولة الاحتلال نفسَيهما فوق القانون الدولي، وعن قضية معتقلي حراك الريف بالمغرب، واحتجاجات لبنان، والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي هو عنده “رجل يجهل كل شيء إلا أنه يعتقد أنه ذو شأن في الأرض”.
وفي يوميات بلقزيز المدونة خلال فترة “الحجر المنزلي” حديث عن تجربة العيش الأُسَري لأسابيع دون انقطاع ودورها في ترميم نظام الأسرة وتمتين عمرانه، ودعوة إلى “إعادة تملّك الفلكلور” باستقدامه إلى حاضرنا بعيدا عن نظر كثير من المتعلّمين إليه باحتقار.
وعلق عبد الإله بلقزيز، وفق ما وثقه هذا المؤلف، على عدد من القرارات المرتبطة بتدبير الجائحة، وتطرق إلى ما يمكن أن تنبّه الفلسفة إليه في “نازلة كورونا”، وبحث عن “السر السماوي” في صوت فيروز، وناقش آراء مفكرين حول السياق العالمي الاستثنائي، عارضا آراءَه في الدولة والعلم، مع تسجيله أنه مع عشقه الجنوني لـ”الصمت”، فإنّه يتكلّم فيهِ كتابة، “دون إثارة ضجيج”، علما أن “حِرفته” كانت “دائما هي الكلام، منذ مطلع شبابي”، قبل أن يفضل أن يكون “كاتبا يكتب” لا “سياسيا يخطب”
.
هسبريس