أرشيف سنة: 2021

مدين إبراهيم محمد حسنين   اعتقلته السلطات السودانية وسلمته لمصر

مدين إبراهيم محمد حسنين   اعتقلته السلطات السودانية وسلمته لمصر

حصل فريق “نحن نسجل” على معلومات موثوقة من مصادر خاصة تفيد بوجود المواطن المصري “مدين إبراهيم محمد حسنين، 59 عاما” في مقر تابع لجهاز الأمن الوطني بمدينة الزقازيق في محافظة الشرقية، بعد أن قامت السلطات السودانية بتسليمه سراً إلى السلطات المصرية.

ويؤكد الفريق رفضه القاطع لسلوك السلطات السودانية الحالية بترحيل المعارض المصري “مدين حسنين” قسريا إلى بلاده ليواجه التعذيب وصنوفا عدة من المعاملة الحاطة بالكرامة فيها، ومن المؤسف أن تتم عملية الترحيل في ظل مرحلة تجلت فيها الإرادة الشعبية في السودان والتي تشكل على إثرها مجلس سيادي معبر عن الشعب ويعمل على تحقيق العدالة والحرية والكرامة والديمقراطية.

وكانت السلطات السودانية إبان حكم عمر البشير قد اعتقلت “مدين” في شهر نوفمبر 2018 بطلب من النظام المصري ليتعرض للإخفاء القسري عدة أشهر، لتأتي الثورة السودانية ويحدث تغيير؛ كان من ثمراته معرفة أن “مدين” مازال قيد الاحتجاز في السودان ولم يرحل بعد، ولكن في شهر سبتمبر الماضي نشر حقوقيون مصريون عن نية السلطات السودانية الجديدة ترحيله استجابة لطلب النظام المصري وبعد إثارة الأمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووفق شخصيات سياسية مصرية معارضة؛ فقد وعدت السلطات السودانية بأنها لن تقبل بعد الثورة أن يتم ترحيل أي مصري ترحيلا قسريا إلى مصر بشكل يعرض حياته للخطر، وأنهم بصدد إنهاء إجراءات تسفيره لدولة يختارها هو ومواطنون مصريون آخرون محتجزون معه.

وكان قد طلب أحد وكلاء المخابرات السودانية واسمه “محمد أحمد فرح سليمان” ويحمل جواز سفر سوداني رقم “03429762” من الأطراف المصرية المهتمة بالمسألة مبلغ 3200 دولارا أمريكيا بغرض شراء تذاكر السفر لـ “مدين” ومواطنون آخرون محتجزون معه، وبالفعل تم تسليمه المبلغ، ولكن بعد فترة تبين أن “مدين” لم يغادر الأراضي السودانية.

ثم عاودت الأطراف المهتمة؛ الاتصال بوكيل المخابرات فأبلغهم أنه تم ترحيل أربعة منهم ترحيلاً اختياريا ومتبقي أربعة أخرون بينهم “مدين” سيتم تسفيرهم في دفعة ثانية ولكنه طلب مبلغ 4000 دولار أمريكي بدعوى حجز تذاكر بالرغم من أن المبلغ الأول كان يشمل تذاكر الثمانية أشخاص، وتم تسليمه المبلغ أيضا.

ووفق ما وثقه قسم التحقيقات بفريق “نحن نسجل” مع الأطراف المعنية فقد قال وكيل المخابرات السودانية إن إجراءات سفر “مدين” تعطلت وأكد في الوقت ذاته أنه لن يتم تسليمه إلى النظام المصري، ولكن ما توصل له الفريق كان عكس ذلك حيث نكثت السلطات بقيم الثورة والتي منها؛ عدم ترحيل المعارضين المتواجدين على أراضيها في ظل حكم ثورة شعبية نادت بالحرية؛ ويذكر أن التشريعات الدولية تحظر على الدول تسليم أو ترحيل أشخاص قسريا إلى بلد من المحتمل أن يتعرضوا فيه للتعذيب، ومن تلك المواد؛ المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.

جدير بالذكر أننا علمنا أن المواطن المصري “مدين حسنين” مدرج اسمه ضمن المتهمين في القضية المعروفة إعلامياً بـ “أنصار الشريعة” بالرغم من عدم تواجده في مصر وقت وقوع الأحداث، وأنه لم يقم بزيارة مصر منذ خروجه منها بشكل قانوني في شهر نوفمبر2013، وهو ما يشير إلى الكيدية في الاتهامات والانتقام السياسي منه؛ كونه صاحب رأي وفكر معارض تعرض بسببه للاعتقال الغير قانوني مرتين على أيدي جهاز أمن الدولة في عهد رئيس النظام المصري السابق محمد حسني مبارك.

وعليه فإننا نطالب السلطات المصرية بالكشف عن مصير مواطنها “مدين حسنين” وباقي المُرحلين معه في حال قيام السودان بترحيلهم، وعرضهم على النيابة فوراً في ظل إجراءات قانونية سليمة تكفل لهم كافة حقوقهم.

كما نطالب الحكومة السودانية بفتح تحقيق في الواقعة بما يليق بالسودان الجديد الباحث عن العدالة وإقامة القانون وإعلاء إرادة شعبه، ومحاسبة المسؤولين بإجراءات منصفة للضحايا الذين يواجهون بكل تأكيد الإخفاء القسري والتعذيب في مصر على خلفية مواقفهم السياسية الساعية لما تسعى له الثورة السودانية من مطالب عادلة.

خلفية

كان “مدين حسنين” قد تعرض للاعتقال مرتين خلال حكم الرئيس المصري المخلوع “حسني مبارك”؛ الذي اشتهر عهده بوقائع الاعتقال التعسفي للأشخاص بموجب خطاب اعتقال يصدره وزير الداخلية حينها اللواء حبيب العادلي.

ففي عام 2006 اعتٌقل مدين على يد مباحث أمن الدولة “الأمن الوطني حاليا” وظل قابعا في المعتقل دون اتهامات لما يقرب من عامين حتى أُفرج عنه في عام 2008.

ثم عاودت مباحث أمن الدولة اعتقاله عام 2010، ليتعرض هذه المرة للاختفاء القسري لمدة 3 أشهر واجه خلالها أبشع أنواع التعذيب البدني والنفسي بسبب اعتراضه على تكرار اعتقاله بدون اتهامات وخارج إطار القانون.

وفي 14 أغسطس 2018 قضت دائرة الإرهاب بمحكمة جنايات القاهرة “دائرة استثنائية” برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية أنصار الشريعة وأحكام بالسجن 25 عاما على 4 متهمين والسجن المشدد 15 عاما على 7 أشخاص؛ بينهم “مدين حسنين” غيابيا على خلفية اتهامات بقتل واستهداف رجال الشرطة وتأسيس والانضمام لجماعة أسست على خلال الدستور والقانون خلال الفترة من أغسطس 2013 حتى مايو 2018، وكان نصيب مدين من الاتهامات وفق قرار الإحالة الصادر في أغسطس 2014، هو فقط الانضمام لجماعة أسست على خلاف الدستور والقانون في فترة لم يكن موجودا فيها داخل مصر كما انطلقت أولى خطوات القضية ووقائعها بعد مغادرة مدين مصر من إحدى الموانئ الجوية المصرية بشكل طبيعي.

وتخضع مثل هذه القضايا التي تنظرها دوائر الإرهاب لاعتبارات سياسية وإجراءات لا تراعي نصوص القانون من تغاضي عن تعذيب يتعرض له المتهمون للاعتراف على الاتهامات ومحاضر وتحريات الشرطة والأمن الوطني التي تعتمد عليها تلك الدوائر في إصدار أحكامها دون الالتفات لأي معايير قانونية أخرى، كما لا تتوافر أمامها ضمانات المحاكمة العادلة وهو ما يثير الشبهات أكثر حول سلامة ما تم وما سيتم من إجراءات بخصوص “مدني حسنين”.

نحن نسجل

17 أكتوبر 2019

القاهرة – مصر

 

سنوات  خلف الشمس مذكرات معتقل -1-

مذكرات معتقل  غابت عنه الشمس

شبكة وا اسلاماه

  توصلنا بوقفات  هي مزيج  بين الخواطر والمذكرات من الاسير الفلسطيني

عبد الكريم أبو حبل أبي بكر

نزيل احدى سجون النمسا ننشرها كما وصلتنا

  وقد كانت سلطات الاحتلال اعتقلت أبو حبل حين كان يبلغ 14 عاماً خلال اجتياحها لمنطقة “تل اقليبو

 حيث مكث في معتقلاتها  9 سنوات قضاها متنقلاً في عدة سجون للاحتلال.

وفي يوليو/ تموز 2017 اعترفت سلطات الاحتلال بشكل رسمي وعلني بوقوفها خلف عملية اعتقال الشاب عبد الكريم (27 عاماً) .

 بعد  ان وصل للنمسا عام 2016 محاولاً الإقامة فيها والبحث عن عمل، إلا أنه اعتقل بعد أشهر من وصوله، بزعم علاقته بـ”الإرهاب” من خلال التخطيط لهجمات ضد (إسرائيل)، انطلاقًا من أراضيها ما دفعها للحكم عليه بالسجن المؤبد.

شبكة وا اسلاماه   تنفرد  بنشر هذه الوقفات من الاسير القابع في سجون النمسا ….

الوقفة الأولى

الحلم أم الكابوس

قبل بضع أيام من الإعتقال الغاذر،رأى في المنام كما يرى الرائي  حلما   كأنما هو كابوس قاتل كاتم للصوت والنفس ،  لعله حلم من اللون الآخر حلم عجيب غريب

  تأمل بصمت هدوء المكان.. -كأنما هو السكون الذي يسبق العاصفة  – وهو يستعيد  تفاصيل الكابوس الحلم

تلابيب الحكاية

قال الصابر المحتسب أبو بكر فك الله بالعز أسره :

((بعد أن صليت فجر يوم الخميس فاستلقيت قليلا ،”فإذا بعدة حيات تلتف حولي..! ، حتى استيقظ من النوم فزعاً ورحت أبحث  في المكان  عنها ثم اختلط المنام عليه وظن أنها حقيقة ! وانه خارج الحلم  

 وقتذاك بالكاد كان لا يسمع في المكان إلا نباح كلابهم وصياح دجاجهم

فاستيقن انها لم تكن إلاّ أضغاث أحلام والناس نيام

  مكث برهة صامتا ثم  تململ  قليلا في  مكانه

قال  في شرود

{الإمام ابن قتيبة الدينوري رحمة الله  قال في تأويل :(الحية عدوٌمكاتم بالعداوة…..}”

  هكذا مكث في المكان  يترقب في صمت  وعلى محياه تفكير عميق..

فوكالة الأمن النمساوية عدو مكاتم  ،كانت تظهر الكثير من النفاق للشعب الفلسطني حتى تلقي في روع  الملأ من  الناس أنها ليس بعدو.ّ

لكن الحقيقة كان   تحمل الكثير من المفاجأت   والغصص الحرار

كان إعتقال المحتسب تعرية  لهم كشف سوءة العدو المكاتم الذي يدّعي الحيادية في القضية الفلسطنية

إنّ الأفاعي وإن لانت ملامسها….عند التقلب في أنيابها العطب

قد  صحت الرؤيا بداية المحنة

الوقفة الثانية

في يوم الأحداء من تاريخ ١٠١٦/٧/١٧قبل أن يُسفر نور الصباح صَدقت الرؤيا،  هذا تأويل   الرؤيا   قد  جاء كفلق الصبح

 تيقنت من  ذلك عندما جاءت عصابة  غاذرة تدين بغير دينه وتكره منه ما عمله هو وإخوته..

  جاؤوا بتفرعن  و عجب وكبرياء ،كل المُغير المُشين على أرض يتعقب بقايا أهلها، ظلوا هكذاحتى حاصروا الليث من الساعة الخامسةصباحا،  ظل معزولا بغير نصير أومعين ،  أه ولو كان معه من الأنصار  القليل لأراقوا البحيرات من الدماء النجسة،  رغم قوتهم  وحصارهم   ظلوا خائفين  مترددين   لم يحسموا أمرهم ..  لم يدخلوا عليه من شدة  الجبن ، وخشية  أن يكون مدججا بالعدة والسلاح ، من أجل ذلك حصنوا أنفسهم وتجهزوا  بكل أنواع الأسلحة  ليضيقوا الحلقة ويمعنوا في الحصار ويهاجموا  هذا العبد الضعيف

بعد لؤي اقتحموا المبنى وحاصروا الغرفة ..

وما هي الا ساعة من   زمن حتى أُسر الليث المهاب وأصبح كبش  فداء في أيدي ذئاب مسعورة

 حينها كان عقرب الساعة يشير إلى التاسعة والربع ،

لله الأمر من قبل ومن بعد

وَلِكُلِّ حالٍ مُعقِبٌ وَلَرُبَّما … أَجلى لَكَ المَكروهُ عَمّا يُحمَدُ

وَالحَبسُ ما لَم تَغشَهُ لِدَنِيَّةٍ … والحبس-مالمْ تغْشَةُ  المَنزِلُ المُتَوَرَّدُ.

ورغم الضغوطات و تجبُّر العدو ،الا ان نفسيته وعزيمته كانت قوية لم تتزعزع وإرادته مطلقه غير مقيدة ،كان أسد هصورا   يزأر  ويزمجر في وجوههم احتقرهم و قد رآهم  مثل الذباب بذلك التصرف الهمجي ..

في   عزم  وشموخ ظل يحلق   في فضاءات   رحبة   تحمله  الى   أسمى المعاني في لجظات الاضطرام  واحتدام الابتلاء..

تذكر مقولة عجيبة ظلت بين جوانحه من زمن   ثم   غمغم

 لله در ابن القيم حين قال

لا تخش كثرتهم فهم همج الورى ****وذبابه أتخاف من ذبان.

  بعد  انتهاء المداهمة   سحبوه بعيدا

ثم أنطلقوا به إلى أحد المباني التي تشبه الاطلال ،وألقوه في أعماق الجب ،فإذا هو بزنزانته وقد حال الزجاج بينه ورؤساء التحقيق  ،و هوفي عزلته كان سلاحه العزيمة والصمود واصالة الفهم ،و قد جعل من الله عضده وانيسه   بقلب راض مطمئن

يقينه بربه أنه سينصره ويجبر كسره

فجأة ضغط أحد الضباط على زر التسجيل وبدأ يملي ملاحظاته الصوتية

سأله أحدهم قائلا  :” هل تعلم لماذا أنت معتقل هنا “؟

 أجاب بعزيمة لاتفتر:”لا أعلم”؟

فاخبره  بخيلاء

  انت  متهم بأنك تنتمي لمنظمة حماس الارهابية ….”

 فردّعليه الاسير :

“امّا أنا فلست من أعضاء تنظيم أو أبناء جماعة“.

وبعد مدة اخذه بعض الجنود  إلى وكر من اوكارهم الخبيثة ..

مكث هناك  يوماً  طويلا  ، وقد شدّدوا عليه الحراسة و أصبحوا يراقبونه و يبثوا حوله جواسيس يتظاهرون بالبراءة   لعلهم يتمكنون منه  بانتزاع وشاية،ولكنه  بذكائه وحنكته علم أنهم في الحقيقة  فجار يمكرون به

ثم عادوا يستجوبونه  مرة أخرى  :

“عن أسباب الأعتقال وغيرها من الأسئلة المستفزة التي ثير الريبة في النفس “؟.

فأدرك مكرهم وخداعهم وردعليهم :

“كم دفع المحققون لكم  “؟

  وبعد جهد  منهم ومكر لم يتمكنوا من الإيقاع به بفضل الله تعالى

يتبع ……..

من يوميات معتقل الشيخ خميس الماجري

 

من يوميات معتقل

 

الشيخ خميس الماجري

 

بعد الخورة، وإثر اعتقالي سنة 2019؛ تنقّل كلّ أفراد اسرتي – الكريمة (زوجتي وبناتي وأحفادي -حفظهم الله جميعا-) ؛ ومن أحفادي من رأيتُه أوّل مرّة من وراء القضبان. وكم كان ذلك المشهد قاسيا!!!

تنقّلوا جميعا من باريس إلى مقرّ اعتقالي في سجن بنزرت المدينة…

كان لقاء مفاجئا شديدا ومزلزلا…

لم أكن أنتظر تلك المفاجأة؛ ووالله ما أردتُ أن يُكلّفوا أنفسهم مشاق ومصاريف رحلة فقط لزيارتي في السجن لمدة 15 دقيقة وبيني وبينهم حواجز ، لا تواصل بينهم إلاّ عبر الهاتف… لقد كانت رحلتهم مؤلمة نفسيّا – زيارة سجين – وأيضا هي مُكلّفة ماليّا…

بادرتْ السّلطانة أمّ أولادي – حفظها الله – بالتحية والسلام وابتسامة عريضة تشجعني وترفع عني ثقل المظلمة، وقساوة المعتقل، وقالت: لن يتركوك أبدا!!! ها انهم ذكرونا بزياراتي لك سنوات 1989 و1990 و1991 … وابتسمت لتشرق بها سجني المظلم…

قالت ابنتي الكبرى – حفظها الله – : يا أبت اذكر ابن حنبل وابن تيمية وغيرهم من علماء الأمة الأحرار – رحمهم الله – وقد سُجنوا ظلما، فقط لأنّهم يذبّون عن عقيدة الأمّة، تماما كما تفعل أنتَ الآن…

شكرتُها ودعوتُ لها ولزوجها ولابنها، وقلتُ لها: أين أنا من بين هؤلاء يا كبدي؟؟؟

أمّا أحمد الماجري(الفنان)، فلم يستطع أن يتكلّم؛ فقط عبّر ذلك بنظرات حزينة وبأعين دامعة.

أمّا اختي – حفظها الله – فقد نظرتْ إليّ وفي عينيها حزن وغرابة، وكأنّها تقول لي: كيف تُسجن من جديد في عهد الغنوشي، أما يكفي سجنك في عهد المخلوعَين: بورقيبة وبن علي؟؟؟ ثمّ بكت وتأخّرت وأدبرت لكي لا أرى دموعها…

قلتُ لها: يا أمّ محمّد!!! ما الذي يُبكيك وأخوك قد سُجن من أجل الدّعوة إلى الله، لا من أجل الدّعوة إلى شخصه أو حزب أو طائفة؟ أخوك لم يسرق ولم يخن ولم يبع ولم يَشْرِ ولم يُفسد؟؟؟ ألا يكفيك هذا فخرا وشرفا وقدرا ؟؟؟

وجاءتني أمّ أولادي الوفية بقفة فيها ما طاب ولذّ من الطعام؛ ولكنّه تعفّن، ورميته في الزّبالة، للحالة الكارثية داخل غرفة كالقبر، وأيضا لأنه لا وجود لثلاجة في المعتقل…

اللهم ربنا فرّج كرب كل سجين مظلوم، وفرّج كرب كلّ أسرة لها معتقل وسجين

مقابلة هامة مع أهل الشيخ أحمد الأسير فرج الله عنه التعذيب- المحاكمات – المظلومية

مقابلة هامة مع أهل الشيخ أحمد الأسير فرج الله عنه

 الاعتقال – التعذيب -المحاكمة- وحقائق أخرى

أجرى الحوار زكرياء بوغرارة

 مشرف شبكة وا إسلاماه

  

نصرة للشيخ أحمد الأسير حملت أسئلتي على كاهلي . الى أن قيض الله لنا اسباب اجراء مقابلة مع أهل الشيخ احمد الأسير فك الله بالعز اسره . وقد لبت الدعوة مشكورة – حفظها الله – لتميط اللثام عن الفظاعات التي طالت الشيخ أحمد عند اعتقاله من تعذيب جسدي ونفسي بل وتعمد تعذيبه واهانته.. لما يمثله من رمزية في بيئته السنيةو في بلد مثل لبنان… لم يكن التعذيب المعنوي والجسدي وحده الذي كشفته زوجته في هذا الحوار فقد شرحت بدقة قضية الشيخ وانصاره وحقيقة المحاكمات العسكرية التي تتابعه في عدة ملفات صدر فيها حكميبن بالسجن اعدام و20 سنة …. وفي الافق محاكمة ثالثة هذا االلقاء له اهميته البالغة لكونه يعد تقديما دقيقا لقضية الشيخ احمد الاسير ومن يحاكم معه يمثل الرؤية التي ظلت مغيبة عنوة لسنوات ….. فالى الحوار بشجونه وهمومه وما يحمل بين جوانحه من غصص حرار وأمال في نصرة المظلوم والاضطلاع بدور في هذه النصرة لكل مسلم…

١-ما هي ملابسات اعتقال فضيلة الشيخ أحمد الأسير الحسيني وكيف حدث  وضمن أي سياق وما هي أهم المحطات التي مر بها قبل المحاكمة وبعدها وهل تعرض للتعذيب وكيف كانت أيامه الأولى في قبضة الامن اللبناني؟

-تم إعتقال الشيخ أحمد الأسير الحسيني في ١٥آب ٢٠١٥م.،وذلك خلال محاولته الخروج من لبنان متنكراً من مطار بيروت الدولي بجواز سفر فلسطيني خاصة بعد أن اشتد القمع والإعتقال على مناصريه فرأى أنه من الأنسب له ولمناصريه أن يخرج من لبنان عسى أن تتوقف حملات الإعتقال والفبركات الأمنية ، ولكن قدًّر الله وما شاء فعل فكان رقم الجواز الذي يحمله غير متطابق مع الإسم الحقيقي لصاحبه ،مما جعل الأمن العام يوقف الشيخ على أساس تزوير في جواز سفر دون أن يعرفوه ،بعدها أخبرهم الشيخ بحقيقة شخصه وليس كما يدعي الأمن العام ويستعرض بطولات وهمية من الملاحقة والمتابعة،فالشيخ توارى سنتين بعد أحداث عبرا وتنقل خلالها من صيدا في الجنوب الى طرابلس في الشمال الى مخيم عين الحلوة ولم تستطع القوى الأمنية من القبض عليه .

-بعد أن تم القبض على الشيخ أحمد تم التحقيق معه في الأمن العام خلافاً للقانون وتعرض الشيخ خلالها للتعذيب الجسدي والنفسي …حتى أنهم أبقوه واقفاً طوال ثلاثة أيام بلياليها (٧٢ساعة)دون طعام أو شراب أو دواء (رغم أنه مريض سكري) أو نوم أو دخول خلاء أو إقامة صلاة (وكان الشيخ يصلي على الحال التي هو فيها) مع تعرضه لإيذاء نفسي وجسدي شديد ومازال الشيخ حتى الآن يعاني من آلام ظهره وساقه أثر التعذيب …

-عند الأمن العام دخل المدير العام اللواء عباس ابراهيم وظن الشيخ أنه سيلوم من قام بتعذيبه ولكنه على العكس من ذلك توجه الى الشيخ وقام بلطمه على رأسه قائلاً له (هذا جزاء من يسب الأوادم) يقصد بذلك نبيه بري وحسن نصر الله بعدها ، عندما تم تحويل الشيخ الى قاضي التحقيق أبو غيدا وذكر له الشيخ ما تعرض له من تعذيب على يد عباس ابراهيم رفض تدوين ذلك في المحضر رغم إصرار محامي الدفاع على ذلك ، ولكن القاضية نجاة أبو شقرا دونت الأمر في محضر التحقيقات في ملف الخلايا (وهو أحد الملفات المفبركة التي اتهم فيها الشيخ ) ولكن للأسف الشديد لا يؤخذ هذا الأمر بعين الإعتبار في المحكمة العسكرية ورغم إثارته على قوس المحكمة من قبل محاميي الدفاع مرات عديدة .

2-كيف كانت أوضاع الشيخ عندما تمت احالته للأمن السياسي بعد المرحلة الأولى من التعذيب والتحقيقات؟؟

-بعد ١٥يوماً من التحقيق والتعذيب في الأمن العام تم نقل الشيخ  الى وزارة الدفاع لمدة شهر، بعدها تم نقله الى سجن الريحانية العسكري (ثكنة نهاد قرانوح)السيئ السمعة وبقي الشيخ فيها مدة ١٠أشهر بقي خلالها جائعاً لم يعرف الشبع بسبب قلة الغذاء ورداءته فتدهورت حالته الصحية جداً خاصة أنه كان مسجوناً في زنزانة إنفرادية تحت الأرض ، لا يتجاوز طولها المترين وعرضها المتر وأربعين سم  من ضمنها الخلاء وليس فيها إضاءة ولا تدخلها الشمس وكان يتعرض لهبوط حاد في مستوى السكر في الدم بسبب قلة الغذاء والدواء واصبح بحاجة ماسة الى دخول المستشفى ورغم التقرير الطبي الذي يدعو الى نقله لإجراء عملية (تم إجراء العملية له لاحقاً عندما نُقل الى مبنى الخصوصية) بقي في السجن وبقي العذاب عليه مستمر  حتى تم نقله الى مبنى المعلومات في سجن رومية بعد ضغوط كثيرة من الأهل وهيئة العلماء وبعد أن فضح الشيخ في المحكمة الكيدية  الطريقة السيئة في التعامل معه مقابل معاملة خاصة جداً لميشال سماحة (وزير لبناني سابق من فريق ٨أذار متهم بالتحضير لتفجيرات إرهابية ) .وكان الأهل لا يستطيعون زيارته إلا مرة واحدة في الأسبوع ولمدة خمس دقائق فقط (بعد انتظار ساعات طويلة ومراحل تفتيش مقيتة ) ومن وراء الزجاج والحديد عبر الهاتف المراقب ومع وجود عناصر من الجيش . حتى وصل الحال بالشيخ أنه لم يعد يقوى على الوقوف على قدميه خلال فترة الزيارة .

3-تغيرت الأوضاع عند إيداعه للسجن{{  في أي سجن }} أم زادت سوءا خلال فترة الاحتجاز القسري؟

-بعد مرحلة قاسية جداً قضاها الشيخ في الريحانية وبعد أن تدهورت حالته الصحية جداً تم نقله الى مبنى المعلومات في رومية حيث بقي لأكثر من سنتين إنفرادي أيضاً حتى أن الممرض الذي يعطيه الدواء كان ممنوعاً من الكلام معه وأصبحت زيارة الأهل ١٥د .أسبوعياً وبعد معاناة شديدة في الإنفرادي وبعد أن أضرب الشيخ عن الطعام لمدة ٢٦يوماً وتدهورت حالته الصحية جداً وبعد مطالبات شديدة من أهل مسجد بلال تم نقل أحد الموقوفين الى غرفته قبل الانتخابات النيابية سنة ٢٠١٨ م. .

 ولكن ما لبث الأمن اللبناني أن افتتح مبنى جديداً مخصصاً للإرهاب ولأصحاب الخصوصية الأمنية فافتتحوا هذا المبنى بالشيخ أحمد  حيث عادت الأمور الى ما كانت عليه في الريحانية حيث بقي الشيخ في الإنفرادي ٥أيام في غرفة تحت الأرض يأكل من الطعام القليل السيئ الذي يعطونه للسجناء ومُنعت الزيارة الى ما يقارب الشهر  حيث كانت الأمور في المبنى الجديد شديدة جداً حتى أطلق عليه الأهالي غوانتنمو لبنان

وبعد اعتصامات واعتراضات كثيرة على المبنى وطريقة التعامل مع السجناء تم تحسين الأوضاع قليلا حيث باتت زيارات الأهل أفضل وأصبح بإمكان السجناء شراء الأكل من دكان السجن

بعدها جاءت جائحة كورونا واضطرت إدارة السجن الى إخلاء مبنى الخصوصية كونه جديداً وجعله مكانا لحجر السجناء المرضى فتم نقل الشيخ أحمد وجميع السجناء الى مبنى باء المعروف بمبنى الإسلاميين

4-ماذا عن احواله الصحية خاصة بعد  مرحلة ضارية من الاعتقال والسجون؟

– الشيخ أحمد يعاني من مرض السكري ومن حساسية شديدة وروماتيزم في المفاصل وبالطبع الأمور ازدادت سوءا بسبب السجن كما انه يعاني من تقوس في قرنية العين ومؤ خراً عانى من آلام حادة في الأذن ودوار وبعد إجراء الفحوصات تبين أنه يعاني من ثقب في طبلة الأذن وقد أجريت له عملية المرارة وهو في السجن  وطبعا هو يفتقد الى العناية الصحية اللازمة المناسبة وهو دائمًا يطلب مناّ أن ندعو له أن لا يشتد المرض عليه وهو في السجن نسأل الله له ولجميع أسرى المسلمين تمام العافية والفكاك العاجل

5-مؤخرا تمت محاكمة الشيخ كيف مرت وقائع المحاكمة وكيف تلقيتم الحكم ..

 وهل هناك حل على مستوى النقض لهذا الملف

الشيخ أحمد الأسير متهم بعدد من الملفات التي يُطلق عليها ملفات إرهابية

منها ملف أحداث عبرا وقد صدر بحق الشيخ حكم بالإعدام ،وكذلك ملف بحنين (قرية في شمال لبنان حيث توارى الشيخ بعد أحداث عبرا) وصدر بحقه حكم ٢٠سنة .

وتم استئناف هذه الأحكام ولكن القضاء في لبنان كحال جميع المؤسسات مهيمن عليه من تحالف الأقليات (الثنائي الشيعي وعون ) بغطاء سني فاسد للأسف

كذلك ملف الخلايا  الذي سيصدر فيه حكم قريباً ، وبالطبع من يطلع على هذه الملفات يتبين له أنها مفبركة ،وغيرها من الملفات والإدعاءات

وطبعاً كل المحاكمات التي تُقاضي الشيخ محاكمات عسكرية ظالمة ، وقد أرسلت مفوضية حقوق الأنسان في جنيف مذكرة مساءلة للدولة اللبنانية بحق محاكمة الشيخ في ملف عبرا واعتبرتها محاكمة تفتقد الى مقومات المحكمة العادلة ولكن المحكمة العسكرية  كما اصبح واضحاً للجميع اعتادت على اصدار الأحكام الإستنسابية (تبرئة العملاء ومحاكمة العلماء والضعفاء)

وبمجرد أن يحاكم الشيخ في محكمة عسكرية والتدخل العلني لوزير العدل العوني في حينها للإسراع بالمحاكمات وتعيين محاميي دفاع عسكريين رغم وجود محامين أصيلين يتبين النية المبيتة للحكم المعلب السياسي الذي صدر بحق الشيخ وإخوانه .

فقد صدر ١٥ حكم مؤبد و٩أحكام إعدام بحق الشيخ أحمد الأسير وأخيه وأولاده ومرافقيه وبعض إخوانه في ملف عبرا   عدا عن عشرات الأحكام الظالمة (١٠ سنوات و١٥سنة بحق شباب يشهد بدينهم وأخلاقهم كل من يعرفهم حتى ادارات وموظفين السجون التي يقضون محكوميتهم فيها) دون إحضار شاهد واحد ودون مناقشة دليل واحد رغم وجود مئات الأدلة والشهود .

والشيخ أحمد بفضل الله حريص على مذاكرتنا دائما بضرورة الصبر والرضا على الله في كل الأحوال ، وكلما كانت الاحوال تشتد عليه كان يوصينا بالصبر وكان من أول ما قاله لنا بعد الإعتقال ،

“هل أنتم صابرون “. وهو دائماً يردد لنا أننا في زمن الصبر والثبات وأن المهم أن يرضى الله .

6-كيف يقضي الشيخ الأسير أيامه في السجن؟

-أتم الشيخ بفضل الله حفظ القرآن الكريم عندما بقي في السجن الإنفرادي أول ثلاث سنوات من الإعتقال ، وهو يقوم بمراجعة ورده اليومي من القرآن والأذكار ، وتجهيز بعض الطعام وخدمة نفسه والقليل من المشي في الممر أو في ساحة السجن إن أمكن ذلك ،ونستطيع زيارته أسبوعياً .

7-ماهو دور العلماء في نصرة الدعاة المعتقلين حالتكم وحالات أخرى مماثلة

ماهي كلمتكم

من الطبيعي جدا أن يسارع الطغاة بالإنقضاض على العلماء قتلاً وتشريداً وأسراً  لأنهم ورثة الأنبياء

﴿وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماكِرينَ﴾

ومن الطبيعي جداً أو من البديهيات أن أول من يسارع بالمقابل لنصرة العلماء المأسورين هم علماء الأمة لأنهم يعلمون أهمية دور العلماء في نصرة الحق وأهمية نصرة المظلومين عموماً فكيف بنصرة ورثة الأنبياء وهم العلماء ،ولاعتبارات عديدة لا يمكن الإتيان على ذكرها نجد كثيراً من العلماء أو ممن يسمى بالعلماء غافلون عن هذا الواجب إما خوفا اما إرضاء للسلطان الجائر وإما التنصل من المسؤولية واعتبار الأمر لا يخصهم  خاصة عندما لا يكون الضرر( باعتبارهم) قد وصل اليهم وغيرها من الأسباب للأسف الشديد  .

8-نسيان الأسرى إشكالية كبرى ماهي كلمتكم للتحريض على فكاك الأسرى وعدم خذلانهم

نسيان الأسرى للأسف الشديد تدل على ضعف حال الدين في الأمة وضعف الإيمان واليقين فعندما أمر  النبي ﷺ وقال : ((فكوا العاني)).فكل من عنده ولاء صحيح وقوة إيمان ويقين لكلام الله وكلام رسول الله ﷺ لسارع ولبى النداء ولكن للأسف الشديد حب الدنيا وراء كل خطيئة والركون الى الأهواء والشهوات والنظر الى المصلحة الشخصية

فقط للأسف الشديد يجعل معظم الأمة ومعظم من ينتسب إلى العلم الشرعي أيضاً يهمل هذا الأمر العظيم الجلل

10 -كلمة ووصية للشيخ الأسير إلى الأمة

كان الشيخ يقول أن طريق الجنة سهل جداً وصعب جداً ، سهل من ناحية من يتولد عنده الطلب الصادق لتحصيل مرضاة الله فيلتزم بما أمر به الله وسنّه رسول الله ﷺ فتكون طريق الجنة عليه سهلة مهما اعترضته الصعاب في الدنيا ، وهي صعبة جداً من ناحية من أراد الدنيا له موطناً فيجد أن الدين له كلفة ومشقة ومجاهدة ونصرة حق ونصرة مظلومين وهذا يكبده المال والوقت والجهد وربما يبتلى

﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأَموالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصّابِرينَ﴾

﴿هُنالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنونَ وَزُلزِلوا زِلزالًا شَديدًا﴾

فعندها من كان عنده ضعف في الإيمان يجد أن طريق الجنة صعب وصعب جداً لذلك كان الشيخ يوصينا دائماً أن نكون من الفريق الأول وننظر  إلى الجنة والخلود فيها ورضا الرحمن فتسهل علينا كل مشاق الدنيا من أجل مرضاة الله فننصر الحق وننصر المظلوم ونسعى لفك الأسرى ووننصر دين الله لأننا ورثة الأنبياء ولا نبي بعد محمد ﷺ ولأن هذا الدين أمانة في أعناق هذه الأمة ولذلك جعلنا خير أمة فعلينا ان نختار من أي الفريقين نكون.

وفاة الضحية رقم 39 بالسجون المصرية خلال 2021

أفادت مصادر حقوقية مصرية، الأحد، بوفاة المعتقل المهندس “أحمد النحاس”، داخل سجن طرة، جنوبي العاصمة المصرية القاهرة.

وأصيب “النحاس” (62 عاما)، بفيروس “كورونا” ولم يتم عزله أو تقديم الرعاية الطبية له.

وبذلك يصبح “النحاس”، المعتقل منذ 12 يوليو/تموز الماضي، الضحية رقم 39 جراء الإهمال الطبي في السجون المصرية، خلال العام الجاري.

وجاءت وفاة “النحاس” بعد 3 وفيات لمعتقلين جراء الإهمال الطبي خلال الأسبوع الماضي، هم “محمود عبداللطيف” و”خالد عريشة” و”سلامة عبدالعزيز عاشور”، بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان.

ونتيجة التكدس والتعذيب في السجون المصرية، والحرمان من الدواء والزيارة، تتدهور صحة العديد من المعتقلين، ويكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض عدة.

وشهد العام الماضي 2020 وحده 73 حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر.

سراب بري.. أحلام مهدورة بسجون عربية

هيثم حسين

يتكئ السوري عبد الرحمن مطر على جانب السيرة الذاتية، لينسج أحداث روايته “سراب بري” التي تصنف في إطار مدونة أدب السجون بالعالم العربي، إذ يتحرك في ظلال السجن وعتماته، ينتقل من معتقل إلى آخر في أكثر من بلد، ليبيا وسوريا، وكأنه لا خلاف بين طاغية وآخر إلا بسبل التنكيل بالمعارضين، أو من تشتم منهم شبهة امتعاض إزاء السلطة.

يستهل مطر روايته (نشرتها دار جداول 2015 في بيروت) بمشهد مستل من الواقع كأن القارئ يتابع نشرة أخبار دموية بداية، ثم ينتقل إلى داخل الحكاية بعد أن يفتح بطل الرواية عينيه على الواقع ويكتشف هول ما يعانيه مع المحيطين به، من دون أن تكون له أي قدرة على تغيير الوضع، أو الدفع إلى تجاوز المصيبة أو التخفيف منها، تكون الأحداث الدامية في سوريا خلفية لاسترجاعات بطل الرواية وتداعياته.

يصور الكاتب طائرات تقصف بالبراميل المتفجرة مناطق سكنية، تدمرها، تقتل كثيرا من الناس الأبرياء، هنا امرأة تئن وهناك طفل يحتضر، شيخ يلفظ أنفاسه الأخيرة، ومسعفون يحارون في من يغيثون ويسعفون لشدة هول الفجيعة المتكررة في أكثر من بقعة في سوريا.

بطل الرواية عامر عبد الله الكاتب الصحفي -الذي تضيق به بلاده على رحابتها- يُلقى في غياهب السجون، يقاسي العذابات، يتهم في انتمائه ويتم التشكيك بولائه، يحلم بالحرية، يصبو إليها بكل جوارحه، يستعيد أحلامه بمجتمع حر آمن، يصدمه الواقع بمستجداته، يشهد تحويل الربيع المأمول إلى مستنقعات دموية.


يرحل عبد الرحمن مطر ببطله من ليبيا في بداية الثورة الليبية ملتقطا بعض مواقف القذافي التي مزجت بين السخرية من الحراك والتهديد بقمعه ثم السعي إلى القضاء عليه، وصولا إلى الثورة السورية، وما بين النظامين من تشابه يصل حد

ليبيا وسوريا
يلتقط البطل بدايات التشريد وتخليف الكوارث وتشويه البشر عبر بث الفتن بينهم، ودفعهم إلى استعداء بعضهم بعضا، ثم يصف رتابة الحياة في السجن وكيف أنها تكون معطلة، قوامها بيد السجانين الذين يلوثون كل شيء بتجبرهم وتجردهم من إنسانيتهم.

يستعرض مطر كيف أن بطل روايته يقدم لمحاكمة صورية، في إشارة إلى ارتهان سلك القضاء لسلطة المخابرات في ظل الأنظمة القمعية التي تسخر السلطات كلها في خدمتها، وفي سبيل المحافظة على تأبيد استبدادها، ويغمز من زاوية تنسيق القضاة مع عناصر المخابرات بذريعة حماية الوطن من أعدائه، ومعاقبة المتمردين وتأديبهم ليكونوا عبرة لغيرهم.  

يرحل مطر ببطله من ليبيا في بداية الثورة الليبية ويلتقط بعض مواقف معمر القذافي التي مزجت بين السخرية من الحراك والتهديد بقمعه ثم السعي إلى القضاء عليه، وصولا إلى الثورة السورية، وما بين النظامين من تشابه يصل حد النسخ، ذلك أن وسائل المخابرات في الإيقاع بالناس وتعذيبهم تكاد تكون صورة طبق الأصل عن بعضها.

يصاحب الراوي في سجونه وتنقلاته العديد من الشخصيات، يتعرف إليها، يستمع إلى حكاياتها، ويعرض من خلالها المحسوبيات الموجودة في السجون التي توصف بأنها ممالك الفساد، والتصنيفات المتبعة في عالم يعيد ترتيب نفسه بنفسه تسوده قوانين لا تمت إلى العالم المعاصر بأي صلة، ومن تلك الشخصيات مثلا الحاج، وفخري، وآخرون يحضرون حضورا طيفيا ثم يختفون سريعا من دون أن يتركوا آثارا عميقة.

سرابية الطغيان
يشير مطر إلى أن بطل روايته لا يكاد يهنأ بساعات من الحرية حين إخراجه من سجن ليبي لترحيله إلى سوريا إلا ويقع في فخ سجن آخر يتربص به وكأنه على موعد مع العتمة في حله وترحاله، ولا يكون أمامه متسع سوى الحلم والخيال لينعش بهما آماله، ويستعيد أناشيد الثورة وهتافاتها في تأكيد على استمرارية العمل من أجل الحظوة بالحرية المنشودة.

ينفتح عنوان الرواية على ترميز ينحو باتجاهين، أحدهما يرمز إلى سرابية الطغيان وانجلائه وتبدده، والآخر إلى سرابية الأحلام الثورية وتحولها على أرض الواقع إلى مآسٍ، وربما يكون توصيف السراب بالبري دلالة وتأويلا على عدم تبلور الرؤية، وبقائها طي الفطرة، أو الرغبة المنفلتة من عقالها، تلك التي لم تقيدها بعد ضوابط الحرية التي تسعى إليها.

يتحرك مطر في ظل تأثير روايات مميزة في أدب السجون كرواية “شرق المتوسط” للراحل عبد الرحمن منيف، ورواية “القوقعة” للسوري مصطفى خليفة، ويحاول اختطاط مسار مختلف عبر الانتقال المكاني، في حين أن التوظيف السياسي للسجن يظل حاضرا، كما يحضر كذلك تفكيك لسيكولوجية السجناء والسجانين سواء بسواء عبر إمعانه في توصيف ما يجول في دواخلهم، وتظهير تلك الصور كمشاهد تكمل لوحة القهر والجور. المصدر : الجزيرة

وفاة الضحية رقم 39 بالسجون المصرية خلال 2021

أفادت مصادر حقوقية مصرية، الأحد، بوفاة المعتقل المهندس “أحمد النحاس”، داخل سجن طرة، جنوبي العاصمة المصرية القاهرة.

وأصيب “النحاس” (62 عاما)، بفيروس “كورونا” ولم يتم عزله أو تقديم الرعاية الطبية له.

وبذلك يصبح “النحاس”، المعتقل منذ 12 يوليو/تموز الماضي، الضحية رقم 39 جراء الإهمال الطبي في السجون المصرية، خلال العام الجاري.

وجاءت وفاة “النحاس” بعد 3 وفيات لمعتقلين جراء الإهمال الطبي خلال الأسبوع الماضي، هم “محمود عبداللطيف” و”خالد عريشة” و”سلامة عبدالعزيز عاشور”، بحسب مركز الشهاب لحقوق الإنسان.

ونتيجة التكدس والتعذيب في السجون المصرية، والحرمان من الدواء والزيارة، تتدهور صحة العديد من المعتقلين، ويكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض عدة.

وشهد العام الماضي 2020 وحده 73 حالة وفاة نتيجة الإهمال الطبي في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة في مصر.

حوار مع الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل-الأدب الإسلامي همومه وقضاياه-2-

حوار مع الأستاذ الدكتور عماد الدين خليل

الأدب الإسلامي  همومه  وقضاياه

 الجزء الثاني

 حاوره زكرياء بوغرارة

مشرف شبكة وا أسلاماه

نقدم لقراء شبكة وا اسلاماه الجزء الثانني من الحوار الماتع مع الاستاذ الدكتور عماد الدين خليل  حول قضايا  الأدب  الاسلامي وهمومه…

 فالى الحوار

السؤال الخامس : كناقد له باع طويل في النقد ومتابعة كافة أنماط الفن الروائي أودّ أن اسألكم عن أدب السجون ، إلى أي مدى يمكن أن نصنّفه ضمن الأدب الإنساني في فن الرواية والشعر ؟ وهل يمكن ان نصنفه بالأدب الإسلامي ؟ ولماذا الروائيون العلمانيون هم الأكثر انتاجاً في أدب السجون بينما الإسلاميون وهم أكثر مكوثاً في المحن والسجون لم يكن لهم إلا النزر اليسير في هذا الأدب ؟

الجواب : إنني معك في تحفظاتك هذه ، فبينما نجد الإسلاميين هم الأكثر مكوثاً في المحن والسجون ، نجدهم في الوقت ذاته الأقل توظيفاً لخبراتهم المؤلمة في أعمالهم الأدبية الروائية والشعرية والمسرحية لعل ذلك يعود إلى أن معظم الذين زج بهم في السجون من الإسلاميين لم يكونوا من الأدباء وكل ما فعله بعضهم أنهم دوّنوا مذكراتهم بصيغة سير ذاتية تتحدث عما لاقوه في غياهب السجون على أيدّي الزبانية والطواغيت … ورغم أن ( السيرة الذاتية ) هي جنس أدبي متميز ، إلاّ أنهم في سيرهم تلك لم يفعلوا سوى أن سردوا خبرتهم بأسلوب أقرب إلى العمل الصحفي ، أو العرض التاريخي ، دونما أية لمسة فنية تنزاح بلغتهم عن استعمالاتها اليومية المباشرة … لقد أتيح لي أن اقرأ العديد من هذه المذكرات فلم أجد فيها ما يتمناه الناقد من اللمسات المترعة بالشفافية … بالنبض الشعري … وبقوة الخيال …

لكن تعميماً كهذا يجب ألا نسلّم به على عواهنه لئلا نقع بالخطأ ، فهنالك بالطبع استثناءات ليست بالقليلة يقدّم أصحابها فيها رؤية أدبية تعكس انطباعاتهم عما لاقوه في السجون ، من تعاسة وعذاب تفوق طاقة الإنسان على التحمل ، ولكنهم صبروا بقوة ايمانهم وخرجوا من الامتحان الصعب منتصرين … ويقف في قمة هؤلاء ولا ريب الدكتور نجيب الكيلاني ( رحمه الله ) في العديد من أعماله الروائية وأيمن العتوم ، وقد يليهما محمد الحسناوي ( رحمه الله ) والقرضاوي في معطياته الشعرية ، وأمينة قطب في مجموعتيها الروائيتين ( رحلة في أحراش الليل ) و ( نداء إلى الضفة الأخرى ) اللتين أتيح لي أن أكتب عنهما بحثاً نقدياً بعنوان : ( قراءة في مجموعتي حميدة قطب الروائيتين ) نشر ضمن كتابي ( محاولات إسلامية في النقد التطبيقي )
( دار ابن كثير ، بيروت – 2019م ).

وقد ذكرت في ذلك البحث أن ثمة ميزة فنية تحسب لمجموعتي ( حميدة ) هاتين فيما يمكن اعتباره إضافة نوعية لهذا الجنس الأدبي الذي اعتمدته صيغة للتعبير عن رؤيتها الابداعية : وهي ( القصة القصيرة ) التي تتواصل حلقاتها ها هنا ، وتمتد لحظاتها الزمنية ، غير منفصل بعضها عن بعض ، رغم أن ذلك لا يمنع البتة من التعامل مع كل حلقة منها كقصة قصيرة تنطوي على كل الخصائص الفنية لهذا النمط من الابداع.

ولكن ( حميدة ) تتجاوز هذا المركب على صعوبته ، فتضيف جهداً لا يقل صعوبةً ، فيما يجعل المجموعتين معاً تعكسان رؤية ملحمية ، وربما تراجيدية ، استهدفت تصميماً هندسياً مبتكراً تلتقي فيه القصة القصيرة بالملحمة ذات النبض التراجيدي.

وكيف لا تكون ” ملحمة ” لحظات الصراع المرير داخل السجون والزنزانات ضد الطاغوت ، الذي اعتمد منطق القوة والعنف والتعذيب والارهاق والتدمير النفسي والجسدي ، لأولئك الذين رفضوا الانحناء لكلمته وطمحوا لأن تكون كلمة الله هي العليا ؟

إن البطل ها هنا لا يصارع قوى ميتافيزيقية أو أقداراً عمياء تنصب عليه من
المجهول ، وترغمه على الانكسار ، كما عكست الملاحم والتراجيديات اليونانية … ولكنه يقف قبالة الطاغوت البشري الذي يسعى لاستلاب الإنسان الحرّ … لاستعباده من دون الله ، ولإفراغه في نهاية الأمر من محتواه البشري لكي ما يلبث أن يصير آل صمّاء تنفذ ولا تعترض بشيء … والبطل ها هنا يخرج منتصراً ، لأنه بقوة العقيدة التي كان يفتقدها أبطال الملاحم والتراجيديات العتيقة ، يملك القدرة على المجابهة ، والصبر ، والاحتمال حتى آخر لحظة … ويموت واقفاً إذا كتب عليه الموت …

فضلاً عن هذا فقد عكست محنة الإسلاميين مع السجون في جملة من أعمالي الروائية والمسرحية وبخاصة مسرحية ( التحقيق ) ذات الفصول الأربعة ، ومسرحية
( صرخة في وجه الطغيان ) ذات الفصل الواحد ، والعديد من قصائدي الشعرية في اثنتين من دواويني …

ولكن يبقى – كما تقول – أن الروائيين العلمانيين هم الأكثر انتاجاً في أدب السجون ، رغم أن ما تعرضوا له من اضطهاد وعذاب لا يبلغ عشر معشار ما تعرض له الإسلاميون … وعلينا جميعاً أن ننتبه لهذه المفارقة ، وأن نشمر عن ساعد الجد للاستجابة لهذا التحدي شعراً وروايةً ومسرحيةً وسيرة ذاتية …

السؤال السادس : من هو الأديب الحق ؟ ومن هو الناقد الحق ؟

الجواب : منذ تفتح الوعي على الحياة ، والرغبة المتأججة في التعرف على الأشياء واكتشاف سرّها ، كنت اقرأ قصص الأطفال بشغف عميق ، تلك التي كان يكتبها كامل الكيلاني ( رحمه الله ) وغيره ، كنت ارتشفها ارتشافاً … وانني لأتذكر جيداً ليالي الشتاء العميق والبرد والمطر … بيوتنا العتيقة الضيقة والأحياء القديمة ، والجمر المشتعل الممتزج بالدخان ، وساعات القراءة الجذلى في القصص وكتب المطالعة المدرسية والمجلات … ولم أكن أطالع السطور ، ولكني كنت اخترقها بشوق عارم لكي أعيش الحدث من الداخل … أصير شخصاً من شخوصه ، وحينذاك كنت أضحك معهم وأبكي معهم … اهتز وأنبض وأرتجف كما يهتزون وينبضون ويرتجفون.

بعدها ، ومع ازدياد قدرة العقل على المداخلة ، والإمساك بتلابيب الخبرات والأشياء ، صار الأدب يقدم لي أطباقاً من حلوى الفكر بعيداً عن مماحكات التجريد ، والجدل الذهني الخالص ، انما من خلال الوقائع والشخوص والمرئيات ، وهي تكتسي لحماً ودماً فتغدو أكثر دهشةً وأشد تأثيراً … أذكر أيضاً شيئاً ما لابدّ أن يتذكره أي شاعر من خلال خبرته الذاتية … يتذكره ، كل الشعراء والأدباء والفنانين الذين يجيئون إلى الحياة بحساسية مفرطة تجاه العالم والوجود … قبالة الكلمة وهي تئن وتتوجع … ازاء الأشياء والخبرات التي تنث روعةً وجمالاً … حساسية تكاد تصل بهم حافات السقم والمرض لأن فاصل الألم بينهم وبين العالم يكاد يغيب ، يتلاشى وتصبح جملتهم العصبية ، وجدانهم ، أجهزة استقبالهم الحسّي ، روحهم المتحفزة … مكشوفةً تماماً … مكشوفةً حتى لرفة عصفور أو صوت خفي لا يكاد يسمع ، ولكنه يصلهم ، يخفق في ضلوعهم ، ويقول لهم شيئاً كثيراً …

في حالة كهذه تصير الكلمة … التعبير … المعالجة الجمالية … المنفذ الوحيد للتخفف من العذاب ، أو ما يسميه أحمد شوقي ( الألم العبقري ) وهو يعني ما يقول … نوعاً من التطهر ( الكاثرسيس ) إذا استخدمنا عبارة أرسطو وهو يتعامل مع التراجيديات اليونانية.

أن تصير أديباً ليس خيارك ، ولكنه قدرك … مرغم أنت على أن تكون أديباً وإلا أكلك الهم وغدوت حرضاً وحطاماً …

بالكلمة يقوم أولئك الذين منحهم الله ( وصفة ) خاصة لا استطيع التعبير عنها … مزيجاً من الدهشة والحزن والفرح والعشق والبهجة والتوق لاكتشاف المجاهيل ، والرغبة القاهرة في تحويل هذا كله … إخراج هذا كله من تحت الضلوع وتشكيل لوحة أو نشيد أو قصيدة ، أو سيال من النثر مترع بالعفوية والنداوة والصدق.

تلك هي البدايات الأولى التي ينبني عليها المصير … ان شبكة معقدة من التأثيرات … منظومة من العناصر الفاعلة ترغم الإنسان على أن يكون أديباً … فلا تسل أحداً مرةً أخرى كيف كان هذا الذي كان ، فهي المملكة التي لا يُسأل الداخلون إليها لماذا دخلوا ؟!

قد تسألني – أخيراً – ما الذي يتحتم علينا فعله ، او بعبارة أدق : ما هي المواصفات التي يجب أن نتحقق بها إذا أردنا لأدبنا الإسلامي أن يحقق حضوره المؤكد في ساحة الآداب العالمية …

وسأجيبك بالإيجاز الذي يتطلبه حوار كهذا :

  • قوة الخيال.
  • قوة اللغة كأداة للتعبير.
  • التوتر الداخلي.
  • الخبرة الذاتية.
  • الخبرة المعرفية.
  • الخبرة الحرفية.
  • الالتزام الصارم في التعامل مع الزمن وتوظيفه …

ولطالما دهشت من أناس يريدون أن يصبحوا روائيين إسلاميين ولم يقرأوا روايتي غابريل ماركيز ( مائة عام من العزلة ) و ( خريف البطريق ) اللتين هزّتا العالم الأدبي بتقنياتهما المدهشة وتفردهما على مستوى اللغة والبنية الروائية … أو يطلعوا على أعمال همنغواي وديكنز وتولستوي ودستويفسكي وغيرهم من عمالقة الرواية العالمية ، أو يلتهموا أعمال نجيب محفوظ التهاماً بغض النظر عن اتفاقنا واختلافنا مع فكره ، فهو على أية حال مهندس الرواية العربية المعاصرة دون منازع.

كيف أبيح لنفسي أن اكتب القصة القصيرة ان لم أكن قد قرأت أعمال جيكوف الروسي وغاي دي موباسان الفرنسي وهيسة الألماني وادغار ألان بو الأمريكي وغيرهم من مهندسي القصة القصيرة في العالم ؟! أو أوغلت في قراءة أعمال يوسف إدريس ، مهندس القصة القصيرة في العالم العربي ، بغض النظر – مرةً أخرى – عن الاتفاق أو الاختلاف مع مضامينه ؟

وكيف أكتب سيرة ذاتية ولم اقرأ – على سبيل المثال – مذكرات بابلو نيرودا ، والطريق إلى الكريكو لكازا نتزاكي ، وهما اثنتان من أروع ما كتب من سير ذاتية ؟ وللأسف الشديد فان العديد من السير الذاتية التي كتبها الإسلاميون لم تكن بأكثر من ( عرض حال ) عمل تسجيلي لا ينطوي على أية رؤية انطباعية تتجاوز المنظور التاريخي الصرف إلى ما وراءه … وتعكس تأثير الحدث على نبض الكاتب وفكره ووجدانه … والسبب أنهم لقلة قراءاتهم في الجنس الأدبي الذي يكتبون فيه ، لم يمتلكوا زمام القدرة الحرفية على الأداء المؤثر والمدهش.

ولطالما تحدثت إلى طلبتي في العديد من الجامعات التي عملت فيها عن هذا الموضوع وقلت لهم إياكم ان يفكر أحدكم في كتابة رواية دون ان يهضم جيداً حرفيات الجنس الروائي ، أو أن يكتب مسرحية دون أن يكون قد قرأ لكبار الكتاب المسرحيين في العالم … وكثيرون – للأسف – هم أولئك الذين انجزوا اعمالاً مسرحية من الأدباء الإسلاميين وهم لا يعرفون شيئاً ، بل لم يسمعوا حتى بأسماء آرثر ميلر وتنيسي وليامز والبير كامو وجان جينيه وسالاكرو ويونسكو وأداموف وبرشت وديرنمات وتشيكوف وسويدنبرغ.

بل إن بعض أدبائنا يتأثم من قراءة الأعمال الغربية ، وعندما تعترض عليهم يكون الجواب المعلق على ألسنتهم : كيف نقرأ أعمالاً مترعةً بالفحش والتفكك والمجون ؟ ألا يقود هذا إلى الاحساس بالإثم والخطيئة ؟

ويكون جوابي هو نفسه دائماً : نحن نقرا للضرورة … لتعلّم التقنيات الفنية الأكثر حداثةً ، ونحن نتعلم ، نأخذ ما يفيدنا وندع ما لا يفيدنا ، وبعد أن نتقن حرفياتهم جيداً ندخل عليهم من بوابتهم نفسها لكي نقنعهم بقدرتنا على الأداء ، ونرغمهم على منح مساحة مناسبة لنا في خارطة الأدب العالمي … نحن محصنون – والحمد لله – بقوة ايماننا وفكرنا ، ولن يخشى علينا من الضياع …

أما بخصوص الشق الثاني من سؤالك : من هو الناقد الحق ؟ فتلك مسألة أخرى تحتاج إلى أن نفرش لها الصفحات الطوال ، وقد سبق وأن عالجتها في جملة من مؤلفاتي وبخاصة ( مدخل إلى نظرية الأدب الإسلامي ) : الفصل الرابع : المنظور النقدي ، وكتاب ( أشهد أن لا إله إلا أنت : سيرة ذاتية ) مبحث قناعات خاصة ، وكتاب ( حول ستراتيجية الأدب الإسلامي ) وكتاب ( ريبورتاج : حوار في الهموم الإسلامية ) وكتاب ( من يوميات الأدب الإسلامي ) وكتاب ( متابعات في دائرة الأدب الإسلامي ) وكتاب ( في النقد الإسلامي المعاصر ) وكتاب ( محاولات جديدة في النقد الإسلامي ) وكتاب ( في النقد التطبيقي ) وكتاب ( محاولات إسلامية في النقد التطبيقي ) وغيرهما … ولا أعتقد أن حوارنا هذا يتسع للمزيد من القول في هذا الموضوع المتشعب.

السؤال السابع : كيف نستفيد من تراثنا العظيم في مجال الأدب الروائي ؟ والرواية التاريخية ؟ بالاستفادة من التراث في التاريخ والأدب ؟؟

الجواب : إذا كانت مهمة التاريخ أن توثق بمنهجها العلمي هذا الجانب أو ذاك ، وهذه التجربة أو تلك مما عرفه تاريخ أمتنا عبر مسيرتها الطويلة ، ثم تسعى لتحليل هذه المعطيات الموثقة تحليلاً علمياً يبحث في الأسباب والارتباطات والنتائج … فانه يتحتم على الأدب أن يمارس مهمته التوثيقية ازاء التاريخ هو الآخر ، ولكن بلغته الخاصة … لغته التي تسعى إلى ما يشبه الاستعادة أو الأحياء ، من أجل عرض الخبرة التاريخية كما لو كانت تحدث الآن ، أمام أعيننا ، وتتخلق … وتكون …

إن المؤرخ ينظر من الخارج لكي يلمّ شتات الأحداث بعد أن وقعت واكتسبت ملامحها النهائية ولكن الفنان يتمعن من الداخل ويمد رؤيته إلى الأعماق … إلى الوقائع والشخوص والأحداث وهي تتخلق ، وتتفاعل وتلتقي وتفترق وتتشابك لكي تتشكل بهذه الصيغة أو تلك … إن المؤرخ يدرس الواقعة ولكن الفنان يعيشها ، من ثم فهو أقدر على حمل الطابع التأثيري لهذه التجربة ونقله للأجيال ، قديراً على أن يحركهم بها ، أن يكويهم بجمرها ، أن يدفعهم عبر الطريق إلى أهدافهم بشحناتها وكهربائها …

إن استمداد القيم التأثيرية من حقول التجارب والخبرات التاريخية الخصبة ، الواعدة بالعطاء ، هو صيغة من العمل الأدبي مارسها الكثير من الأدباء … وما أحرى الأدباء الإسلاميين أن يمارسوها ، ولاسيما وأن تاريخهم يعد أكثر من تاريخ أية
أمة في الأرض ، بالدفع والعطاء ، ولاسيما وأن الأمة الإسلامية المعاصرة ، لهي بأمس الحاجة بما لا يقارن مع حاجات أية أمة اخرى في الأرض ، إلى استلهام تاريخها فنياً ، لمجابهة عالم يسعى لأن لا يكون لها تاريخ على الاطلاق !!

وتاريخنا الإسلامي ، على امتداده في الزمن والمكان ، يقدّم لنا خبرات مترعة بالصدق والحيوية ، ولحظاتٍ مشحونة بدراما الحياة البشرية بكل ما تنطوي عليه من آلام وأحزان ، وأفراح ومسّرات … وهزائم وانتصارات … لحظات تمتد عمقياً لكي توغل بوهجها ولهبها في أعماق الإنسان ، وتمضي أفقياً لكي تطوي تحت جناحيها أمماً وجماعات وشعوباً …

وفي كل الأحوال يجد الأدب والفن الإسلامي فرصته الذهبية للتوظيف ، ليس باستعادة الواقعة التاريخية كما رواها المؤرخون في طولها وعرضها ، وانما بكسر قشرتها الخارجية والمضي إلى روحها ونسغها لكي نستنطقها ، فإذا بها تقول للأديب والفنان ما لم تقله للمؤرخ ، بكل تأكيد … وكما أن بمقدور الأديب والفنان المسلم أن يستمد من ” الواقع ” مادته الأساسية في بناء أعماله القصصية والروائية والمسرحية ، فان بمقدوره كذلك أن يمضي إلى ” التاريخ ” لكي يقف عند لحظاته المشحونة القديرة على منحه ما يريد … اننا في عصر الفضائيات التي أخذت تلتهم الأعمال الأدبية والفنية ( إذا صح التعبير ) وتتطلع للمزيد ، وعلى الأديب والفنان المسلم أن يلاحق هذا الذي تريده الفضائيات لكي تخاطب به ملايين المشاهدين …

ولكن الذي يحدث – للأسف الشديد – أن الأديب والفنان المسلم انسحبا من الساحة في معظم الأحيان ، وتركاها لأولئك الذين دخلوا على تاريخنا برؤية مهجنة ، حيث تمت عشرات ، وربما مئات من محاولات التزييف والتحوير والتزوير على حساب نبض هذا التاريخ وملامحه المتميزة فيما لم ينزل الله به سلطاناً …

وثمة مأخذ آخر يتحتم الالتفات إليه لدى أي حديث عن التوظيف الأدبي والفني للتاريخ … ذلك هو التكرار ، والنمطية ، والتمركز عند مراحل محددة من هذا التاريخ، وترك المساحات الأوسع المترعة باللحظات المشحونة التي إذا أحسن اختيارها فانها ستقدم أعمالاً متألقة … ومن منا لا يتذكر مسلسل ( ليلة سقوط غرناطة ) الذي أحسن مؤلفه ومخرجه اختيار اللحظة التاريخية التي لم تمتد إليها من قبل يد أديب أو فنان ؟ ومن منا لا يتذكر فيلمي ( الرسالة ) و ( عمر المختار ) اللذين اخرجهما مصطفى العقاد ( رحمه الله ) واللذين يعكسان رؤية في غاية الشفافية للجاهلي المتخلف ووحشية الغربي المتفوق في هذا العالم ، وإنسانية المسلم الذي يدافع عن أرضه وعرضه وشرفه ؟

ولا زلنا نشاهد بشغف بعض المسلسلات التركية المبدعة ذات النفس الإسلامي الأصيل من مثل : ( قيامة أرطغرل ) و ( قيامة عثمان ) و ( نهضة السلاجقة العظمى ) …

إن على أدبائنا الإسلاميين أن يشمروا عن ساعد الجدّ من أجل تجاوز هاتين الخطيئتين : عدم توظيف التاريخ ، أو محاولة اجترار حلقات محددة منه فحسب … وحينذاك ستشهد الشاشة الصغيرة التي يتحلق حولها ألوف المشاهدين وربما ملايينهم … دفقاً من الأعمال التي تعرف كيف تحترم نبض هذا التاريخ وخصوصياته ، وتفجر – في الوقت ذاته – كل مكنوناته التي تتجاوز الحركة في الطول والعرض وتمضي موغلةً إلى الأعماق …

وما دام سؤالك ينصب على كيفية الاستفادة من تراثنا العظيم في مجال الأدب
الروائي ، فلابدّ من تصعيد الحوار بين الأدب الإسلامي المعاصر والأصول التراثية لأدبنا العربي للإفادة القصوى من امكانات تلك النصوص ، والتجذّر أكثر في العمق الثقافي والحضاري للأدب الإسلامي … شرط أن يتم ذلك بأكبر قدر من المرونة والحرية في التمحيص والفرز والانتقاء والتقبل والرفض ، وشرط ألا يتحول المعطى التراثي بنتيجة الالحاح المتزايد على احترامه والأخذ عنه ، إلى دائرة القدسية التي قد تجعله يمارس نوعاً من المصادرة أو التسلّط القسري على العقل الأدبي الإسلامي المعاصر ، انما هو التوازن ، ها هنا أيضاً ، من أجل التوصل إلى أكثر صيغ الحوار بين الماضي والحاضر فاعلية وعطاء. ويمكن في هذا السياق تنفيذ عدد من الخطوات لتحقيق أكبر قدر من الافادة في توظيف العمق التراثي لصالح حركة الأدب الإسلامي المعاصر ، ويمكن أن تأخذ هذه الخطوات التسلسل التالي :

  • فرز وفهرسة المعطيات الأدبية التراثية التي ترفد ( الإسلامية ) شعراً ونثراً ، ودراسةً ونقداً … الخ … لأن هذا الجهد سيضع بين أيدي الباحثين المادة التراثية الجاهزة لأغراض التحقيق والدراسة.
  • تحقيق النصوص والمقاطع المهمة ، التي لم تنل نصيبها الكافي من التحقيق والاهتمام.
  • دراسة وتحليل الأعمال النثرية التي لم تنل اهتماماً كافياً ، فإذا كان الشعر في بعض مراحله قد لقي اهتماماً كهذا ، فان أعمالاً مثل بعض مؤلفات الجاحظ أو التوحيدي ، ونصوصاً ابداعية مثل مقامات الحريري أو الهمذاني أو ألف ليلة وليلة أو بعض السير الشعبية … إلى آخره … تنتظر من يعكف على دراستها في ضوء الإسلامية لمعرفة ما يمكن أن تقدمه في هذا المجال ، لاسيما وأنها تعكس بعداً اجتماعياً لم تكد تمسه البحوث التاريخية إلا إلماماً …
  • متابعة السياق النقدي لتراثنا الأدبي ، والتأشير على مدى ارتباطه أو انفصاله عن الإسلامية.
  • فحص طبيعة العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وبين الدراسات الأدبية التراثية.
  • إقامة ندوات وفتح ملفات خاصة في عدد من المجلات المعنية لمعالجة هذه الظاهرة ، أو تلك في تراثنا الأدبي ، من مثل : ” التراث الأدبي الصوفي وصلته بالإسلامية ” و ” علاقات الأخذ والعطاء بين التراث الأدبي العربي وآداب الأمم الأخرى ” و ” امكانات توظيف التراث في أنشطة الأدب الإسلامي المعاصر ”
    و ” مناهج المستشرقين في دراسة التراث الأدبي العربي ” و ” السيرة الذاتية في تراثنا الأدبي ” و ” مناهج تدريس التراث الأدبي في جامعاتنا “. و ” بلورة وبناء منهج إسلامي في دراسة تاريخ الأدب ” و ” المرأة في تراثنا الأدبي ” و ” الطفولة في تراثنا الأدبي ” و ” ملامح المجتمع المسلم في تراثنا الأدبي ” و ” التراث الأدبي والسلطة ” … الخ …

إن التجذّر في التراث ليس ترفاً أو اختياراً ، ولكنه قدر كل فاعلية ثقافية تسعى لأن يكون لها مكان في العالم ، وثقل على خرائطه ، من خلال تشبثها بالشخصية المتفردة والملامح ذات الخصوصية والاستهداء بمعطياته ، جنباً إلى جنب مع الأصول العقدية التي تشكل قاعدة العمل الأساسية ، وبوصلة الانطلاق في بحار الدنيا …

وبقدر تجربتي الشخصية في توظيف العمق التراثي في أعمالي الابداعية فقد أنجزت روايتين وثلاث مسرحيات من ذوات الفصول … فأما الروايتان فهما
” السيف والكلمة ” و ” مذكرات جندي في جيش الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ” وأما المسرحيات الثلاث فهي ” المغول ” و ” التحقيق ” و ” الهم الكبير ” … وقد سعيت فيها جميعاً إلى التعصير من أجل إحياء الموقف التاريخي ، واختراق البعد الوجداني والإنساني الذي صاغه …

قلت في تصديري لمسرحية التحقيق التي تحكي عن مأساة المسلمين في الأندلس بعد سقوط غرناطة آخر معاقلهم هناك وذبح المقاومة الإسلامية في جبال البشرات بأقصى صيغ القهر والوحشية : ” في الزمن السيئ الذي يرمى فيه المسلمون ، كذباً وزوراً ، بداء الغرب المزمن : الارهاب ، واغتيال الحرية ، وذبح حقوق
الآخر ، وسحق المغلوب … ليس ثمة افضل من إعادة فتح ملفات التاريخ لكي يرى الغربيون بأم أعينهم من هو الارهابي في هذا العالم ، ولكي يستعيد المسلمون المنهزمون الثقة بالقيم الإنسانية النبيلة التي جاء دينهم العظيم لكي يحميها من الاغتيال “. وقلت في تقديمي لمسرحية ( المغول ) التي تحكي عن مقاومة الموصل الفريدة للغزو المغولي وخروجها منهزمةً بالمكر والخديعة والخيانة وذبحها من الوريد إلى الوريد : ” … قد يتساءل المرء ها هنا : ماذا ؟ لقد انكسرت الموصل وهزم قائدها ( الملك الصالح ) وأعدم هو وابنه الصغير … لقد انطوى البطل وهو يجابه تحدياً أكبر منه بكثير فأين المغزى ؟ والمغزى يكمن ها هنا بالذات … ففي تاريخ البشرية ، وفي تاريخنا نحن بالذات لحظاتٍ من التوّهج ، قد تمتد اضاءاتها وقد تقصر ، وهي على كل الأحوال ستنتهي – كفعل تاريخي – إلى الانطفاء … ليس ثمة دوام في حركة التاريخ ، انها ( المداولة ) التي تحدث عنها كتاب الله … التحول الدائم من صيغة لأخرى … حكاية المسلسل الذي لا ينتهي من التوّهج والانطفاء … وما دام الأمر كذلك فيكفي أن تشتعل الارادة البشرية ، أن يرد على التحدي وأن يستجاب لأمر الله : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ }( غافر : 77 ).

إن ما حدث للموصل والمصير المفجع الذي انتهى إليه ملكها ( الصالح ) يحدث اليوم ولسوف يحدث غداً ، إنها دراما كل زمن مسلم وكل مكان … قد تنتهي المقاومة بالانتصار وكثيراً ما تحقق الوعد وقد تؤول إلى الاندحار ، ولكن شرف الإنسان المسلم يظل – مع استكمال الأسباب وليس قبلها بحال – فوق احتمالات الربح والخسارة ، ان مداه أوسع بكثير وأبعد بكثير لأنه مستمد من كلمة الله الباقية … لقد انطوت صفحة الرعب المغولي وخرج الإسلام نفسه منتصراً بعد إذ طوت ارادته المغول … ولم يكن بمقدور الضمانات الجزئية والتفريط بالشرف أن تصنع الانتصار … لقد صنعه والحق يقال كل الذين ضحّوا من أجل ألاّ ينحني هذا الدين لأية وثنية في العالم.

أما رواية ( السيف والكلمة ) التي اعتبرها واحدةً من أكثر أعمالي نضجاً فنياً ، فقد صدرها الناشر بالعبارات التالية ” عن عراق الورّاقين ومدارس العلم ، عن عراق المستنصرية والطلاب الشغوفين في سبر العالم وما خلفه … عن عراق عبد القادر الجيلاني وشيوخ التصوّف الموحّدين … من خلال العراق الذي يغزوه هولاكو قائلاً مدمراً صرح الحضارة والعلم ، نرى ملامح العراق اليوم الذي يتعرض للمحنة مرةً أخرى … بهذه الروح يكتب عماد الدين خليل هذه الرواية الملحمة التي في كل أجوائها تستمد من التاريخ ما يعين على قراءة حال العراق اليوم ، الذي يتعرض مرةً أخرى للغزو ولحرب فتنةً تهدد بأبشع الخراب … وكما يقول الفيلسوف الايطالي بنيديتو كروتشه ” فالتاريخ كله تاريخ معاصر “.

لقد حاولت في هذه الرواية ما وسعني الجهد أن أنجز عملاً يضيف قيماً فنية جديدةً ، وأركز على العبارة الأخيرة لأن الأدباء الإسلاميين بحاجة إلى هذه … إلى الاضافة الفنية التي لا يوليها الكثيرون منهم – للأسف – الاهتمام الكافي.

تحاول الرواية توظيف الغزو المغولي لبغداد من خلال تنامي الحدث عبر أربعة أصوات وبضمائر متغايرة يغيب فيها الراوي تماماً ، وذلك في محاولة لتنفيذ معمار أكثر حداثةً في العمل الروائي الإسلامي … لقد تم كسر حاجز الزمن وتسلسله الرتيب ، ولكنه لم يغيّب ، كما يحدث في بعض أعمال الحداثة الروائية في الغرب. إنه حاضر في نسيج السرد وليس من الضروري أن يكون هذا الحضور كعقرب الساعة الذي يدور على نفسه ويظل يدور. إن الزمن الروائي في ( السيف والكلمة ) يماثل سيرورة الزمن الموضوعي في شكل أفقي.

الرمز وظف هو الآخر في ( السيف والكلمة ) ، ليس رمزاً تجريدياً على أية حال ولكنه مكسوٌ لحماً ودماً … إن الأبطال المحوريين الأربعة في الرواية هم في حقيقتهم رموز مجسدةً لقوى الإنسان في مجابهة المصير … شخوص تعيش الحياة ، وتنبض بالهم والوجع ، وتأكل وتتنفس وتصارع وتحلم وتتعثر وتقوم : العقل والروح والوجدان ، كلهم يؤول إلى الضياع في نهاية الأمر ، لأن الموقف الأحادي قبالة المصير محكوم عليه بالهزيمة ، ليس بصيغة مجابهة غير متكافئة على الاطلاق ، يتحكم فيها القدر بخناق الإنسان ، ويسحقه ، كما هو الحال
في التراجيديات اليونانية ولكن بصيغة اختيار قد يكون خاطئاً وعلى صاحبه
– من ثم – أن يتحمل نتائج عمله.

هذا المنظور الفني الصرف يعكس معادلاً موضوعياً إسلامياً حرية الإنسان ، والعدل الإلهي المطلق الذي يرتب الأسباب على المسببات. اننا بأمّس الحاجة إلى قيم تعكس حالتنا الإسلامية بكل مفرداتها وحلقاتها … تعكسها جمالياً ، وليس عبر مقولات العقل الخالص ، وهذه هي مهمة الأدب. ومن هنا يمكن للمرء أن يدين العديد من الأدباء الإسلاميين الذين لا يولون اهتمامهم للجانب الفني ويرمون بثقلّهم صوب المضمون. انهم في هذه الحالة لا يكادون يفعلون شيئاً إذا أردنا أن نحاكمهم إلى مطالب الجنس الأدبي وليس إلى الخطابة أو التاريخ أو الإعلام.

مهما يكن من أمر ، فان الذي ينتصر في ( السيف والكلمة ) هو واحد فقط من بين أربعة شخوص طوتهم المجابهة الصعبة … لماذا ؟ لأنه استطاع أن يتجاوز أسر الأحادية وأن يتحقّق إنسانياً وفق مطالب الشخصانية الإسلامية التي نادى بها هذا الدين.

حاولت أيضاً أن أوظف الجغرافيا والتاريخ قدر ما أطيق … لقد درست بإمعان جغرافية بغداد بأحيائها ودروبها وجسورها وأسواقها ومدارسها وملاعبها وحوانيتها … الخ درست أيضاً تاريخ بغداد لحظة الغزو المغولي … عادات الناس وتقاليدهم وطبائعهم وأزياءهم وطعامهم وشرابهم … جدّهم وهزلهم … خفقانهم الاجتماعي هنا وهناك … لم أرد طبعاً أن أكتب عن تاريخ بغداد وجغرافيتها ، ولكن جعل الفضاء الروائي أكثر صدقاً فنياً … كان علي أن أعرف حتى مقالات المتصوفة ، يومها ، وتقاليد العلماء والطلبة والدارسين.

استعرت من ( الآخر ) بعض الخبرات الفنية … ولم لا ؟ ما دام الهدف هو توظيف التقنيات لانضاج عمل فني يطمح أن يكون إسلامياً ؟ ويمكن أن أشير هنا إلى واحدة من تلك الخبرات : ضمير الشخص الثاني الذي اعتمده الأديب الفرنسي المعاصر ( ميشيل بوتور ) والذي يقول عنه أنه يؤدي دوراً سحرياً ، وأنه يدعو القارئ إلى المشاركة بنشاط في حركة القصة … والحق أنني وجدت هذا الضمير ليس تنويعاً فحسب لضمائر الشخوص في ( السيف والكلمة ) ولكنه فضلاً عن ذلك ، فرصة مناسبة تماماً للمناخ الدرامي ، والمتوتر ، والسريع ، الذي كانت الشخصيات الأساسية تعيشه.

لقد تعامل ( المؤرخ ) مع الغزو المغولي من الخارج ، وهو لا يتابع الدقائق والتفاصيل ، ولا يحاول النفاذ إلى العمق الإنساني للواقعة التاريخية ، وانما يكتفي برسم الهياكل الخارجية لها في حين نحن بحاجة إلى رؤية الفنان لكي نسبر انعكاسات الحدث على النفس البشرية في أزقة بغداد ودورها وأحيائها ومساجدها وأسواقها وملاعبها ومكتباتها … لقد حاولت الرواية أن تقدم انطباعاً مأساوياً للاجتياح المغولي لبغداد ، وأن تومض من وراء الحزن والانكسار بسبل النهوض والخلاص.

ولقد حاولت أن أقيم معمار الرواية وفق صيغة رباعية الأدوار والأصوات ينمو فيها الحدث عبر نقلات أربعة لزاوية الرؤية ومن خلال فعل وتداعيات أبطال أربعة وهم يشاركون في صناعة الوقائع والأحداث ، ويغرقون في تيارات وعيهم الباطن ، ويدخلون سيلاً من المنولوجات التي تعكس رؤيتهم الانطباعية لتلك الوقائع والأحداث … وهم ينطلقون منذ اللحظات الأولى كل من اختياره الحرّ لكي ما يلبث أن يجتاز شبكة من الدروب والصدمات والخبرات يجاهد كي يجعل خياره قديراً على تجاوزها بنجاح ، ولكنه ينهزم في نهاية الأمر لأنه رمى بثقله صوب نقطة ارتكاز واحدة في الكينونة البشرية.

إنها دراما الصراع بين العقل والروح والوجدان والجسد ، ولن يقدر لأحد فيها الخلاص إلا من خلال بذل جهد استثنائي للتحقق بالوفاق وذلك ما تومئ به شخصية البطل الرئيسي.

والرواية بتداخل أصواتها قابلةً للتفكيك ، وسماع كل صوت منفرداً … وهي في
هذه الحالة تتابع تنامي الحدث ولكن بصيغة ميلودية مسطحة … والمطلوب تعامل هارموني ينصت للأصوات جميعاً لكي يكتشف من وراء التغاير – وربما التنافر – توافقاً لا نشاز فيه ، يقود الأشخاص والوقائع والأشياء إلى مصائرها.

السؤال الثامن : بعد مسيرة تجاوزت النصف قرن في خدمة الأدب والنقد هل أنت راضٍ عن مسيرتك الأدبية ؟ وهل حققتم كل ما كنتم تطمحون إليه في هذه الرحلة الأدبية متعكم الله بالصحة والعافية ؟

الجواب : على مدى ستين عاماً من الكدح المتواصل في سياق الأدب ؟ دراسةً وتنظيراً ونقداً تطبيقياً وأعمالاً ابداعية في المسرح والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلات وأدب الحوار والسيرة الذاتية وأدب المقالة ، أنجزت ما يقرب من الخمسين مؤلفاً أتيح لمعظمها النشر ( في دار ابن كثير ببيروت ) ، ولقيت قبولاً حسناً – بتوفيق من الله جلّ في علاه – من القّراء ومن الدوائر الأكاديمية التي منحتها العديد العديد من شهادات الماجستير والدكتوراه ، ومن الجامعات التي أقرّتها في مناهجها التدريسية … ومن مؤسسات الترجمة التي نقلتها إلى العديد من اللغات الإسلامية والأجنبية ، ومن حشود الباحثين والدارسين الذين انجزوا عشرات البحوث عنها … والحمد – أولاً وأخيراً – لله سبحانه وتعالى الذي منحني القدرة على مواصلة الطريق … وبذلك حققت الكثير مما كنت أطمح إليه وأترك الحكم عليه للقراء والنقاد والدارسين.

وإليكم قائمة موجزة بحصاد العمر في سياق الأدب بفروعه كافة :

4 مؤلفات في الدراسة الأدبية والفنية.

5 مؤلفات في التنظير.

3 مؤلفات في النقد التطبيقي.

9 أعمال مسرحية.

3 أعمال روائية.

3 مجموعات من القصة القصيرة.

ديوانان شعريان.

كتاب واحد في أدب الرحلات.

5 مؤلفات في أدب الحوار.

كتابان في السيرة الذاتية.

13 كتاب في فن المقال.

لقد تلّبس تكويني النفسي بمرور الوقت نوع من القلق الممضّ ، من التشتت والتبعثر، من الاحساس بالملل واللاجدوى ، عبر كل زمن مستقطع من وقت الكتابة … أكثر من هذا : احساس مرير الطعم بالندم ، بأنني أمارس تفريطاً بواجب ما ، بمهمة هي أكثر ضرورة وإلحاحاً من أية ممارسة أخرى … كانت الحياة خارج دائرة الكتابة قلقاً وبؤساً وتسطحاً وتشتتاً … أشياء وخبرات نفقد طعمها بالمرة … وكان الهاجس يدق في جملتي العصبية كناقوط الماء … أكتب وأكتب وأكتب فان ساعات الكتابة يجب ألا تذهب أو تعطى لأي شيء آخر على الاطلاق … ويوماً بعد يوم كان الانجاز هو الداء والدواء … وكنت أغادر المكتب بعد ساعات العمل تلك وأنا أحس بسعادة غامرة يصعب وصفها … بامتلاء نفسي عجيب … بإحساس مترع بالأمل والجدوى ، وبتذوق شهي لطعم الأشياء والخبرات … عندها فقط كانت أقل متعةً … أبسط هواية … أتفه ممارسة تسعدني وتملؤني بالغبطة.

بدون الكتابة ما كنت سعيداً على الاطلاق ، ولكن هذه السعادة … هذا الاحساس الغامر بالفرح ما كان يجيئ إلا بعد معاناة تبلغ أحياناً حد أن أرغب في الفرار بعيداً … اليوم الذي أتحرّر فيه من الأسر واستعيد فيه نفسي ، أو بعبارة أخرى أعيد ترتيب حياتي بصيغة أخرى تماماً … قد تسألني والنتيجة ؟ ويجيئ الجواب : انني وبمرور الأيام وجدت طريقي في الكلمة نفسها … التقيت بفكاكي من الأسر على المكتب نفسه …

وبدون الإمساك بالقلم ومواصلة العمل فان الحياة قد لا تستحق أن تعاش

الهند تعتقل الداعية محمد كليم صديقي أشهر تلامذة العلامة أبو الحسن الندوي

الهند تعتقل الداعية محمد كليم صديقي

أشهر تلامذة العلامة أبو الحسن الندوي

شبكة وا إسلاماه

ألقت فرقة مكافحة الإرهاب الهندية القبض على الشيخ الداعية محمد كليم وهو خارج بعد الصلاة من مسجد أثناء سفره.

الشيخ من أشهر تلامذة العلامة الشيخ أبو الحسن الندوي، وخلفه في مجال الدعوة، حيث أسس الشيخ حركة دعوية تعمل في كل أرجاء الهند لنشر الدين الإسلامي.

ويأتي هذا الاعتقال في إطار سلسلة اعتقالات تنفذها الهند ضد الدعاة المسلمين ذوي التأثير في محيطهم الدعوي والشعبي.  

E_3s4iiVkAwr0bD.jpg

  المصدرمجلة المجتمع الكويتية