كلمة في تأبين المعتقل الإسلامي السابق أحمد شهيد بعد رحيله
بقلم الأستاذ :عبد الله العماري
توفي أخونا ورفيقنا في محنة سجون زمن الجمر، أحمد شهيد، لا بل أقول إنه لم يمت، إنه استشهد وارتقى إلى الرفيق الأعلى يشكو لربه المنتقم الجبار ظلم العباد، يشكو لربه حكمين ظالمين بالإعدام مرتين، يشكو لربه ربع قرن من الاعتقال السياسي والتطواف على سجون المغرب، بدء بالمعتقل السري درب م الشريف، ومرورا بزنازن الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة.
ومرض السرطان الخبيث الذي داهمه فجأة، وعطل جهازه الهضمي، و حرمه نعمة الأكل ثمانين يوما، ثمانون يوما عاشها الشهيد يتضور من عذابات الجوع والأرق والألم، السرطان الخبيث الذي دمر أحشاءه كان نتيجة حتمية لعشرات الإضرابات عن الطعام التي خاضها الشهيد طيلة ال 25 سنة في السجون وهو يقاتل بأمعاءه الفارغة من أجل كرامتة كرامة المعتقل السياسي ومن أجل حقوقه المشروعة حقوق المعتقل السياسي، والسرطان الخبيث الذي فتت كبده وطواياه كان نتيجة طبيعية لمئات من المصادمات والمواجهات التي كان ينافح فيها الشهيد بغيظه ضد أهواء السجان والجلاد.
ألم يكن هذا الترحال العمري القاسي بأهواله طريقا إلى تلك الميتة المعذبة، ميتة الإستشهاد.
ليس هذا فحسب، بل إن الشهيد استشهد مرتين، في المرة الثانية قتله الضمير الميت لمتعهدي مهنة الضمير، مهنة الطب .
نعم إن الموت قضاء وقدر وأجل مسمى وكتاب إلهي لا استئخار فيه ولا استقدام، ولكن الطب ذي الضمير الحي والرسالة السامية وظيفته أن ينقذ بني البشر من العذاب ومن الخطر الداهم المقدور عليه.
هذا الطب وأهله ورجاله، ياسادة كرام، كانوا يرون الشهيد يتعذب جوعا، ويستغيث بهم أن يغلبوه على هذا الجوع، ويخلصوه من هذا العجز والتعطل الذي اعترى جهازه الهضمي، فلم يعد يقبل مضغة طعام واحدة، وكانوا في البداية يعدونه بقدرتهم على ذلك، ويعدونه بإجراء عملية على معدته، ثم بعد ذلك بدأ مسلسل الكذب والتسويف ثم التعذيب النفسي بالإعراض والتخلي دون جواب مقنع، والشهيد يتقطع يوما بيوم من الداخل، دون أن يستطيع ويطيق رشفة شيء ولو مرة واحدة سوى رشفات مرتجفة من الماء باستثقال ومرارة، ومرت أيام ماقبل رمضان، ثم رمضان بطوله ثم شوال بعرضه، وبقي الشهيد عاضا على جوعه وآلامه بأسنانه، وبقي متعهدوه من أهل الطب سادرون في نعيم غفلتهم وإعراضهم عن فعل شيء للإنقاذ أو النصح بشيء للإسعاف، فهل يعجز الطب عن هكذا أزمات ، ثم ياللبشاعة يخضعونه للعلاج الكيماوي وهم يعلمون أن الرجل لايأكل ولا يطعم ومن ثم فلا طاقة له على الكيماوي، ولا مناعة له.
ليس ذلك فحسب، بل إن أيوب الشهيد صاح ملء السماء، لقد حمل آخر ماتبقى معه من جهد، وجمع آخر ماتبقى منه من أعصاب ومن كلمات متضعضعة بالكاد ينطقها، وربط الاتصالات الهاتفية من هنا وهناك، ونظم لقاء مصورا في قناة بلانكا بريس، كان من أعماقه يريد أن يرسل صرخة مرموزة ولو خافتة ومبهمة إلى من يهمه الأمر من رفاقه الحقوقيين، المناضلين السياسيين سابقا، في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، كي يبادروا إلى فعل شيء يضمن العناية الطبية، ولكن هذا المنتدى، والشهيد عضو من أعضاءه، صم آذانه كأن لم يسمع، وأعمى أعينه كأن لم يرى، ولم ينبس حتى بكلمة إنسانية فضلا عن كلمة عزاء، فما أيتم الإنسانية وماأكذب شعآرات النضال في زمن البهتان والنكران.
والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويالهذا المجلس، الذي أسس زمن رجال المصالحة والإنصاف، وتأسست معه الوظيفة الكبرى له: رعاية ضحايا الانتهاكات الجسيمة، فقد كان الشهيد يستصرخه من خلال ماصوره من برنامج، ولكن لا حياة لمن تنادي، بالرغم من أن بنزكري وحرزني والرويسي والوديع كانوا جميعا من رعاة ومتعهدي الشهيد في الدفاع عنه حتئ الإفراج عنه سنة 2008.
رحمك الله أخي الشهيد وألحقك بالأنبياء والشهداء والصالحين،وبكت عليك السماء والأرض لما تغافلتك أعين اللئام، وأبدلك الله الملأ الأعظم الأكرم خيرا مما في الأرض جميعا، وعوضك الله بعمر السجون خلودا في الفردوس الأعلى، وجعل الثمانين يوما من عذاب الجوع والألم والأنين والأرق وعذاب ذوي الضمير الميت، جعلها لك طهارة وشفاعة وقربات عند من له الفضل والعدل والعفو. أمين.