أرشيف سنة: 2022

ومن مثل ابي

كتبت ابنة الشيخ عمر عبد الرحمان كلمات عن والدها وقد قضى سنوات سحيقة في سجون امريكا ولفظ انفاسه الأخيرة في اقبيتها…. كلمات تنطق بكل مفردات الوجع…..

لا املك حتى ذكرى واحده معه

و لا اجتمعنا حتى فى لقاء واحد

و لا رأيته حتى مرة واحدة

و لا حدثنى حتى مرة واحده

و لا وضع على جبينى حتى قبلة واحدة

و لا ضمنى حتى ضمة واحدة

رحم الله أبي … كان أسيرا فى سجون الكافرين أكثر من ٢٣ سنه … لم يرحموا شيبته ولا مرضه ولا فقده للبصر ولا مكانته العلميه

نسأل الله أن يكون ذلك فى ميزان حسناتك … وأن يجمعنا فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر

غفر الله لى ولك يا حبيب القلب

#الشيخ_عمرعبدالرحمن

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون الوجه والواجهة هموم وقضايا-2

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الحلقة الثانية

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

إلى الحوار……….

  برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب ؟؟؟؟

هذه ملاحظة مهمة، ولكن قبل الإجابة، دعني اختلف معك، في هذا الطرح. الانظمة الاستبدادية المتسلطة، لا تنظر بمعيار إسلامي وعلماني، الى معارضي سلطتها القمعية، حسب اعتقادي. السلطة تنظر الى جميع المثقفين من سياسيين، وقادة احزاب وأصحاب رأي، وإعلاميين، يساريين، قوميين او إسلاميين، كأعداء رئيسيين لها، بدون اي نقاش او تفضيل. المعيار الأساسي لديها: ان تكون معنا، او ضدّنا. لذلك، فالجميع هم في السجن، او خارج السجن، غير مرغوب فيهم لدى الأنظمة، يحاربون، ويلاحقون ويعتقلون ويُقتلون.

مرّت فترات تاريخية معروفة، مثلاً في مصر او سوريا، او بلدان المغرب العربي، كانت تشنّ فيها الأنظمة حملات اعتقال ضد تيار معين، ثم تاتي فترة لاحقة تطال تياراً آخر. وبالفعل، مرّة العلمانيين هم الضحايا، ومرّة الإسلاميينن وهكذا. ويقضي جميع اولئك احكاماً او فترات طويلة في السجن، والمعيار الوحيد للسلطة في ذلك هو الانتقام والمعاقبة، وليس لكونه إسلامياً او علمانياً.

فيما يتصل بجوهر السؤال، فأنت محقٌ تماماً في رأيك. نعم، نجد أن غالبية ادب السجون قد انتجه كتّاب غير إسلاميين. هذه مسألة مهمة ينبغي في الحقيقة دراستها، بشكل علمي. وان نطرح السؤال على الكتّاب الاسلاميين ممن تعرضوا الى تجربة السجن: لماذا ؟ وهل يحول الالتزام الديني- مثلاً – دون الإبداع الادبي، أو انهم يجدون الانشغال بالأدب، قد يُضعف التزامهم الديني ؟

هنا، يجب الإشارة الى أن ادب السجون بصورة عامة، ليس مبنياً على انتماء كاتبه الاجتماعي والسياسي، وانه فوق مثل هذا التصنيف، مع ان كثير من أدب السجون، يشير الى الاسلاميين، والعلمانيين بوضوح تام، كضحايا للأنظمة القمعية.

7

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

لكل كاتب أتجاه إبداعي رئيس، خاصة في البدايات التي يذهب إليها، وينطلق منها، كجنس ادبي. هذا امر طبيعي جدا. ومن الطبيعي ايضاً – مع تطور التجربة الإبداعية – أن يُجرب الكتابة، او ان ينتقل للكتابة في جنس ادبي آخر، او ان يجمع بينها. الإبداع عالم مفتوح على التجارب، على التطور، وعلى توليد الأفكار والنصوص، دون أي قوانين، أو اشتراطات تضع له حدوداً او قيوداً وإلا فإن جوهر الإبداع سوف يكون معطلاً او معاقاً. للكاتب حريته التامة في اختيار الشكل الأدبي كوسيلة تعبير، بالصورة التي يراها ملائمة له.

عدم الاحترافية، لن يؤثر على المشهد الإبداعي سلباً. والنص الإبداعي الجيّد هو ما يفرض نفسه. ثمة كتّاب نجحوا في الشعر، وهم روائيون.. والعكس. لقد بدأتُ بالشعر، وأصدرت كتابين شعريين، وما تزال لدي عشرات النصوص الغير منشورة. وما كنتُ يوماً اتصور أن اكتب الرواية. لكن تجربة السجن، هي التي دفعتني بقوة لأكتب روايتي ” سراب بري ” لأنني شعرتُ بأن الشعر، لا يمكنه أن يعبر عما أردت قوله والتعبير عنه، مما عشته في الاعتقال والسجن.

8

من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟

لا أستطيع، أن أطلق رأياً معيارياً أصف فيه، بصورة قطعية من هو الأديب الحق، من عدمه. هناك ادب جاد وملتزم، إذا كان لي أن أقول ذلك. ليست هناك مواصفات جاهزة، هناك معايير أدبية ذات طابع علمي. انما هناك، أدباء ملتزمون بقضايا مجتمعاتهم، واكثر قرباً من الناس، وفي التعبير عنهم، عن مشكلاتهم، وعن عوالمهم. من يكتبون أدب السجون، هم من أولئك الذين تشكل مسائل الحريات والحقوق والمعتقلين، قضايا جوهرية بالنسبة لهم.

اما الناقد، فهو الذي يعتمد الطرائق العلمية، في نتاجه النقدي، في دراسته للنصوص الإبداعية ، ونحن نتحدث عن الأدب، وأدب السجون بصورة خاصة. الناقد الموضوعي، هو الذي لا يُخضع جهده النقدي، والنصّ الذي يتناوله، لمعيار مزاجه الشخصي، أو المزاج العام.

9

ما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات،  الحالة السورية نموذجا؟؟

ثمة سياقين هنا: أمر جيد، أن نقول بأن مستقبل أدب السجون – إذا جاز لنا استخدام تعبير “مستقبل” – هو مبشر جدا، فنحن نشهد مزيداً من النتاج الإبداعي، في الرواية والشعر تحديداً. وقد كان للربيع العربي ولا يزال، دوراً كبيراً، فاعلاً ومؤثراً، في الإبداع الأدبي، ومحركاً على الكتابة في ادب السجون. وقد شهدنا بالفعل، ظهور كتّاب جدد في عالم الرواية العربية، ومنهم  من بات يُعرف اليوم بروايته الأولى في أدب السجون.

السياق الثاني، انه من المؤسف حقاً، ان المنطقة العربية، تشهد استمرار الأنظمة المستبدة، على الرغم من انهيار بعضها، بتأثير ثورات الربيع العربي. غير ان قمع هذه الثورات، والذي يأتي في سياق الردة عنها، او في ظل سياسات إجهاضها، من قبل قوى إقليمية ودولية، سوف يجعل المنطقة مرشحة لتشهد مزيداً من القمع ، وانتهاكات متواصلة للحقوق والحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات  المدنية، والأحزاب السياسية.

المنطقة مرشحة لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يترافق مع استخدام العنف المفرط من قبل الأنظمة بصورة خاصة، وكذلك التنظيمات المسلحة،  أيّاً كان اتجاهها السياسي، قومياً ام دينياً. أي أننا نشهد اليوم، وغداً استمرار الملاحقة والاعتقال، والقمع. خاصة وان الأنظمة الإستبدادية، لم تجد في المجتمع الدولين وفي القانون الدولي، من يفرض عليها، وقف انتهاك الحريات والحقوق، وإلزامها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعرفة المصير المجهول لعشرات الآلاف منهم. سوريا مثال واضح وقريب جدا.

10

ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية  من خلال تجربة ادب السجون في سوريا، وهل استطاع أن يُظهر مظلومية الأسرى، كما فعل أدب السجون الفلسطيني، حيال القهر الصهيوني ؟

يلعب الأدب –  عامة – دوراً مهماً ، في تكوين الأفكار، وفي تشكيل وجهات النظر، أو في لفت انتباه الرأي العام الى قضية ما. هو دور قد لايظهر تأثيره إلا مع مرور الوقت، ببطئ شديد، غير منظور. غير أن أعمالاً أدبية، في أدب السجون، قد تُحدث تأثيراً مختلفاً ومغايراً للسائد. هذا ما لمستُه وخبرتُه خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، إذ ساهمت بعض الروايات التي تنتمي الى ادب السجون، مثل رواية خليفة مصطفى ” القوقعة “،  في تقديم الوجه القمعي الحقيقي لنظام الاستبداد الأسدي، من خلال رواية قصص التعذيب والقمع والقتل داخل السجون والمعتقلات. وأدى ذلك الى تغيير جذري في مواقف البعض مما يجري في سوريا، لجهة كشف الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين لأسباب كثيرة.

نعم، إن أدب السجون، يقوم بدور مهم، في فضح الانتهاكات الجسيمة، لأنظمة الاستبداد أينما كانت، وخاصة في سوريا. من خلال تناول ما لايعرفه الناس عامةً عما يحدث خلف الأسوار وفي الزنازين المظلمة: اي حياة القهر والتعذيب والحرمان التي يعيشها المعتقل، أو السجين.

ماصدر خلال السنوات العشر الأخيرة من كتب في ادب السجون السوري، يعدّ شهادة مهمة حول الانتهاكات المنظمة التي يقوم بها النظام الأسدي، لدينا كتاب بسام يوسف” حجر الذاكرة”، ورواية راتب شعبو “ماذا وراء هذه الجدران” وكتاب ياسين الحاج صالح ” بالخلاص ياشباب”، وكتاب محمد برمو ” ناجٍ من المقصلة”، ورواية معبد الحسون ” قبل حلول الظلام”. وجميعها، على درجة كبيرة من الأهمية، من حيث توثيق جرائم النظام، وفي فضح جرائمه، التي تعدّ وفق القانون الدولي: جرائم ضد الإنسانية. وهي – إضافة لذلك، ذات قيمة أدبية عالية، كنصوص إبداعية متميزة، حتى في تلك المؤلفات التي تأخذ سياقاً سياسياً في الكتابة. ونلاحظ هنا، أن جميع أولئك الكتّاب، هم سجناء سياسيون سابقون، وهذا ايضاً مؤشر مهم. واسمح لي هنا، ان اضيف إلى تلك الأعمال، روايتي ” سراب بري “

11

بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

كان الشعر،  كما أشرت في سؤالك، هو الذي يتصدر المشهد الأدبي، حقيقة. سواء كان على صعيد الادب العربي، أم الإسلامي. إلا أن الصورة اليوم، قد تغيرت كثيرا، وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة أكثر، خلال عشرية الربيع العربي، حيث بدأت الرواية تتصدر المشهد، وكتب السيرة، الأقرب الى النص السردي الروائي، ومن ثم شهدنا تطوراً ملحوظاً في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية والسياسية. وانخفض بصورة ملحوظة، صدور اعمال شعرية. ولكن – أيضاً – ثمة مؤشر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الى استعادة الشعر بعض عافيته، بإقبال بعض دور النشر، على نشر الشعر، وبصدور أعمال جديدة، مميزة.

12

 هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية

دون تردد، لا. مايزال لدي الكثير مما يجب أن أقوله وأكتبه، خاصة في أدب السجون. أنا مقلّ بطبيعتي، ومقصّرٌ أيضاً ، ومتمهلٌ في النشر. وآمل أن أحقق بعض ذلك، إذا كان في العمر بقيّة.

ممتن وشاكر لكم إتاحة هذه الفرصة الثمينة، للحديث عن ادب السجون.

 

للسجن فوائد سبع

كانت الساعة جاوزت الواحدة بعد منتصف ليلة الثامن من فبراير 2010 عندما دخلت زوجتي مسرعة إلى حجرة النوم لتوقظني على غير المعتاد ولتخبرني أن لدينا ضيوفاً من أمن الدولة ولم تكد تكمل جملتها وانتبه من نومي (حيث أنام مبكراً بعد العاشرة بقليل) إلا وكان داخل الغرفة ثلاثة رجال عرفت منهم العقيد “سيد عبد الكريم” وهو الاسم الذي أتذكره له وشغل سابقاً موقع وكيل إدارة أمن الدولة بالجيزة.
لم أكد أفيق للتأمل في الزيارة التي سيعقبها كالمعتاد شهور أو أسابيع أو سنين رهن السجن، فقد جلست على حافة السرير وبدأوا هم في التفتيش عن الأوراق التي تملأ البيت والمكان، ورحبت بهم وتركت لهم المكان ليقوموا بواجبهم الثقيل ويجمعوا ما شاء لهم من أوراق هي مقالات أو دراسات أو مشاريع لبحوث أو محاضرات جلسات أو أوراق لندوات … الخ.

لم يهتموا هذه المرة بالأموال التي لا توجد أصلاً، وعندما سأل عنها خطفت زوجتي ظرف به مصروف البيت لتقول بحزم وحسم هذا هو مصروف البيت وعندما توضأت وطلبت من زوجتي إعداد فنجان قهوة لي ولهم، رفضوا بأدب وتركوني لأحتسي قهوتي التي جاءت مبكرة عن موعدها بساعة أو ساعتين وانشغلت زوجتي بإعداد حقيبتي ذات الملابس البيضاء التي تذكرك إما بإحرام الحجاج والمعمرين أو أكفان الموتى والراحلين عن تلك الحياة، وظل لسانها يذكرهم بعاقبة الظلم والظالمين.


وفي طريقي بدأت أتأمل في فوائد السجن الذي تأخر هذه المرة لعامين، فقد نزلت ضيفاً على سجن المزرعة بطرة عام 2005 أثناء حراك انتخابات الرئاسة وخرجت قبل أيام من انتخابات البرلمان، ثم 2006 بسبب مظاهرات استقلال القضاء ثم عام 2007 لأدخل لأول مرة سجن عنبر المزرعة لمدة 50 يوماً عقب عزومة غداء الأستاذ نبيل مقبل.
صحبت معي بعد إعداد زوجتي لحقيبتي سجادة الصلاة، وحكم ابن عطاء الله، وكان القرآن العظيم في صدري محفوظا، وتوكلت على الله الذي استشعرت معيته منذ لحظة انتباهي من نومي لأبدأ رحلة جديدة إلى سجن جديد هو سجن القاهرة للمحبوسين احتياطياً المعروف باسم سجن المحكوم وهو ملاصق لسجن ليمان طرة الذى يطل على نهر النيل، ولم أدخله من قبل إلا زائراً للزملاء في زيارات نقابية.
ومنذ الليلة الأولى لي، بل منذ اللحظة الأولى كانت في خاطري فوائد السجن المتعددة، فلكل محنة منح ربانية، ومع كل شدة فرج عظيم، وللسجن فوائد عديدة لو تعلمون، عافاكم الله وعافانا من السجون ومتعنا بفوائده في سجن الدنيا الواسع الفسيح الذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، بمعنى أن المؤمن ينطلق من الدنيا كالحبيس المسجون إلى حريته الطليقة في الدار الآخرة، حيث يتمتع بكل المحظورات التي كانت محرمة عليه في الدنيا، و ينطلق من القيود التي قيدته بها الشريعة في المحرمات والمكروهات.


فوائد سبع وغيرها كثير:
1- الخلوة مع الله بالرضا والتسليم والصبر واليقين والتوكل.
2- صحبة القرآن بالمراجعة والحفظ والتأمل والنذير.
3- الأنس بالتهجد الطويل خالي البال من هموم الدنيا.
4- الإقبال على مخ العبادة بالدعاء والتفكر والنظر في حكمه الله تعالى.
5- التعرف على الإخوان والخلان والأحباب الذين فرضت عليك صحبتهم دون اختيار.
6- العناية بالأهل والأولاد والأحفاد في زياراتهم الدورية.
7- ظهور المواقف المختلفة للأطراف المتعددة وصدق الأخوة في الله، وبيان معادن الناس.
وهناك فوائد أخرى تتفاوت باختلاف الأفراد وتنوع اهتماماتهم، فالدراسة والبحث والكتابة والتأليف إذا ساعدتك الظروف ويكفي أن الشهيد سيد قطب أعاد كتابة 13 جزءاً من “الظلال” أثناء سجنه وكثير غيره فعل ذلك. وهنا كما يُعرف بأدب السجون.
وهناك التأمل في وجوه السجناء إذا كنت في سجن به جنائيين والاستماع إلى قصصهم المسلية ونوادر الحياة، فهذا هو الوجه الآخر للوطن، عالم المهمشين الضائعين، عالم المجرمين ومعتادي الإجرام من قتلة وسارقين أو تجار مخدرات وهاتكي عرض … الخ.
وهناك تذوق أطعمة جديدة والتعرف على طرق مختلفة للطهي، والتعود على مشروبات لم تألفها إذا ساعدتك الأحوال وكانت هناك زيارات.
والعاقل من يتزود من سجنه لحياته، فلن يبقى في السجن إلى أبد الآبدين، فإما أن يعود إلى الحياة الدنيا من جديد، لكدها وتعبها وعنائها، وهذا هو الغالب، فإذا كسب معية الله الدائمة وشعوره الدائم المستمر بحفظ الله له، راضياً بقضائه وقدره، مسلماً له في كل أموره، متوكلاً عليه في كل شؤونه فقد فاز وأيم الله بالجائزة الكبرى وأما أن ينتقل إلى الدار الآخرة، وهؤلاء قليل، لكنهم يخرجون من سجنين، الدنيا والليمان، إلى رحمة من الله ورضوان، طاهرين متطهرين إذا أقبلوا على الله فأحبوه، وأحبوا ما يرد إليهم منه من أحكام قدرية، وعاشوا في ظلال رحمته يناجونه بالليل وبالنهار.
وإذ عشت مع القرآن تتذوقه وتتأمل في معانيه، وتمتن حفظه حتى يكون سلساً سهلاً على لسانك، فتسعد به بعد أن كنت تتتعتع فيه وهو عليك شاق، فيستقر القرآن في صدرك وينطبق عليك الوصف النبوي (( أناجيلهم في صدورهم))، فتختم القرآن في صلاتك في بضع ليال، خمس أو ست، وتتدبر في آياته العظيمة وأحكامه الشهيرة فتخرج من السجن فتداوم على تلاوته في صلاتك وحتى لو انشغلت في حياتك فستختم القرآن في الشهر مرتين حيث تحرص على الإسراع إلى المسجد قبل سماع النداء وتصلي السنن باطمئنان وتعيش في أجواء القرآن.
وقرآن التهجد غير بقية الأزمان، فهو الأنس العظيم بالقرآن الكريم، وهو المشهود من رب العالمين، وهو السبيل إلى المقام المحمود وصحبة الأطهار من الصالحين، حيث تصف أقدامك بين يدي المحبوب لتناجيه وحدك والناس نيام وقد قام المحبون ساهرين تخشع قلوبهم لذكر الله، وتدمع عيونهم شوقاً إلى الحبيب ولقائه، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقائه.
والشعور بالظلم مع معاناة الاضطرار، والإحساس بالفقر مع قهر الإذلال بالأغلال يجعل للدعاء طعماً آخر، فهو هنا العبادة ذاتها، دعاء من يشعر بالقرب من الله فلا يدري أي اختيار له أفضل، اختياره لنفسه بالحرية الزائفة والتحرر من قيد السجن أم اختيار الله له أن يخضعه لقهره وجبروته ويشعره بذله واحتياجه.
ومع الدعاء الطلب إلى الله بقضاء الحوائج التي كنت تظن أنك أنت الذي تقضيها، فها أنت محبوساً مقيداً، فمن الذي يقضي حوائجك وييسر لك ولأهلك كل الأمور، إنه الله مالك الملك ذو الجلال والإكرام، قيوم السماوات والأرض.
وفي أوقات الصحبة مع الأخوان تتعرف عليهم عن قرب، فأنت تعيش معهم أكثر مما تعيش مع أهلك، وتصحبهم لسنوات، ولا يستطيع أحد أن يتجمل أو يلبس الأقنعة، ولو أراد ما استطاع، ومع مرور الوقت وتوالي الأيام تكتسب خبرة جديدة من كل مسجون معك، فها هي خبرات حيوات الأخوان تضاف إلى رصيدك، وها أنت تتعرف على طاقاتهم و بداياتهم وهمومهم وأهلهم وأسرهم ولو قضيت عمراً في الخارج لما استطعت ذلك.
وهؤلاء الذين بالخارج تظهر معادنهم وأخلاقهم، دون أن تشعر بأي مشكلة معهم، فتعذر المقصر وتحمد الله على سلوك الكرام الذين داوموا على الاتصال ببيتك وتفقدوا أهلك وأولادك من أهل وأشقاء أو جيران وأصحاب أو أخوة وإخوان أو نخبة وكتاب أو رفاق درب في الإصلاح.
أما الأولاد والزوجات ففي الزيارة المتكررة لهم فائدة عظيمة في تفقد أحوالهم بالعناية التامة والسؤال المستديم والتفاصيل الدقيقة والأخبار التي لا تنقطع عن كل جزئية تتعلق بالصحة والعافية، والدراسـة والتحصيـل أو الكسب والمعيشة … الخ.
السعيد من تزود من سجنه لحريته، فداوم على اقتناص تلك الفوائد بعد خروجه، فعاش لربه مناجياً، ولقرآنه تالياً، ولإخوانه ناصحاً، ولبيته راعياً وعلى باب ربّه داعياً، ولدعوته ماضياً ولبيعته مع الله موفياً، ولآخرته مستعداً، وبقدر ربه راضياً

مقالة  رائعة للدكتور عصام العريان رحمه الله توفي في  سجون السيسي

السجين -السجن والقرآن

  • و أنا في السجن دخلونا غرف اسمها غرف الإيراد الجديد، الغرف دي مصممة لتكدير المساجين عن طريق إنهم بيقعدوا لمدة 12 ساعة قعدة اسمها القعدة الميرية ممنوع أبداً انك تفك رجلك منها لمدة 12 ساعة.

كمان كان ممنوع دخول الحمام غير مرة واحدة بس في اليوم، أما التبول فهو مرة كل ساعتين، و شرب الماية ممنوع إلا بردو كل ساعتين.

أما عن النوم فكنا بننام على البلاط لإن مكانش فيه سراير علماً بإننا كنا وقتها في الشتا يعني البرد كان بيفتك بأجسادنا يومياً، و كان الطريقة الوحيدة اللي احنا المساجين ندفي بيها بعض اننا كنا بننام ملزقين في بعض علشان نتدفى.

و كان ممنوع التقلب في النوم، انت بتنام على جنب واحد إما الجنب اليمين أو اليسار و أول ما بتمدد على جنب منهم ممنوع تقلب على جنب تاني.

خلاص كده؟

وسط كل ده، وسط كل هذا البؤس، وسط كل هذا الألم، كان بيسمحولنا نقرأ القرآن و بيعطوا مصحف للي عايز يقرأ قرآن، و كان القرآن هو السند الوحيد، كنت بقرأ قول الله عز و جل :-

{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }

كان جسمي كله بيترعش و بحس إن اللي أنا فيه هو منحة ربانية ينقيني بيها أكثر منها محنة، كنت بغرق في آيات القرآن الكريم لدرجة إني كنت أول ما بصحى من نومي أمسك المصحف لحد العصر و أنا ناسي نفسي تماماً.

لحد ما عدى عليا 10 أيام من غير ما أحسهم، و كنت طول الـ10 أيام بضحك و بهزر مع نبطشي الغرفة رغم اللي أنا كنت فيه.

عدى الـ10 أيام و دخلت غرف السكن، و للأسف رغم إني كنت متهم بقضية سياسية إلا إنهم دخلوني عنبر المخدرات، قعدت مع مساجين كلهم يا إما كانوا تجار يا إما متعاطين، و للمفاجأة كانوا غاية في الجدعنة والله، و شالوني من على الارض بمجرد ما دخلت ليهم، وقتها الكل شاف أدبي و تديني و أخلاقي ساعتها فضلوا ينصحوني إني أحلق لحيتي، و ضغطوا عليا بشكل عاطفي جداً

كانوا كلهم بيقولولي و هما بيبوسوا دماغي انهم مش عايزين شاب زيي يدخل السجن تاني، فاحلق دقنك و متخليهومش يشكوا فيك.

قالولي كمان إني لو محلقتش دقني ممكن أدخل السجن تاني، و فضلوا يخوفوني كتير أوي، ساعتها وسط الضغط ده كله معرفتش اعمل إيه، أتنازل عن تمسكي بالسنة و أحلق دقني؟ ولا أفضل متمسك بالسنة و عايش في الخوف من السجن؟

متلقيتش غير القرآن، والله ساعتها مسكت المصحف و أقسم بالله قبل ما أفتحه دعيت ربنا و قلت “يا رب قولي أعمل إيه”

و فتحت المصحف عشوائي تماماً فأذا بها أول آية عيني تقع عليها هي قول الله عز و جل:-

( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه )

ساعتها جسمي كله اتنفض و ابتسمت و رفعت راسي للسما و قلت “و إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن و أكن من الجاهلين”.

و فعلاً بمجرد ما دعيت الدعاء ده نزلت تاني يوم جلسة في النيابة أخدت إخلاء سبيل و رجعت لأهلي.

هو ده القرآن.

القرآن لا يؤثر في قلب قاسي كصاحب الاسكرين.

القرآن فقط لمن هم قلوبهم حية

Muslim Soliman

 

حوار مع أحد الناجين من السجن السري الشهير
”فرع فلسطين” بسوريا


يسرنا أن نقدم للأمة الإسلامية هذا الحوار مع أحد الإخوة الأسرى السابقين بالسجن السري الشهير المسمى ” فرع فلسطين ” هذا السجن الذي يسام فيه أهل الإسلام نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً أشد العذاب منذ استيلاء الزنادقة النصيريين بتعاون مع الفرنسيين والبريطانيين المحتلين على بلاد الشام المباركة أعادها الله دار إسلام وسنة.


وقد حمَّل الإخوة الأسرى هناك أخانا الذي أجرينا معه هذا الحوار حين خروجه من الفرع وموعد ترحيله نحو بلده أمانة ألحوا عليه إلحاحاً شديداً واستحلفوه بالله أن يبلغها للأمة الإسلامية عامة ولمجاهديها بصفة خاصة ورغم ظروف الأخ – تقبل الله منه- فإنه لم يهدأ له بال ولم يقر له قرار حتى يوفي بوعده الذي وعد به إخوانه وعاهد ربه على الوفاء به . وها هو اليوم يوفي بوعده ويبر يمينه نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منه ويحفظه ويرعاه وأن يفرج كرب كل مكروب من أمة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كما نطلب من إخواننا المسلمين في كل مكان ومن كل من يطلع على هذا الحوار أن لا يدَّخر جهداً في القيام بأي عمل يمكن أن يساعد به إخوانه الأسرى في سوريا المكلومة بحراب النصيرية البعثيين الزنادقة عليهم من الله ما يستحقون وأن يسعى إلى إيصاله لمن يعنيه الأمر للمسلمين عامة وللمجاهدين وقادتهم خاصة .


بارك الله في الأخ المحاور وفي الأخ الأسير الذي أجري معه الحوار وفي كل من عمل على تبليغه ونشره ولا تنسوهم من دعائكم.




سؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي نريد نبذة مختصرة عنكم وعن سبب سفركم إلى سوريا ؟؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, أشكرك أخي على هذه الإلتفاتة المباركة الطيبة وأود قبل إجابتي على أسئلتكم أن أخبركم وأخبر كل مسلم ومسلمة أن ما سأذكره هنا هو مجرد صورة مصغرة ولا يعد إلا كنقطة ماء في محيط كبير لما يكابده ويعانيه إخوانكم المسلمون الموحدون في سوريا النصيرية البعثية التي يرفع نظامها المجرم في العلن شعار الممانعة والمقاومة ومشاكسة أمريكا ودويلة يهود ومشروعهما التوسعي أما في الخفاء فهذا النظام الإجرامي لا يختلف عن بقية الأنظمة العميلة, بل ربما تجاوز بعضها, خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 وإعلان الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين.


فتعاونهم الإستخباراتي مع أمريكا لم يعد يخفى على أحد. وأتمنى أن أوفق في تأدية الأمانة والوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي وعاهدت به إخواني المحتجزين هناك الذين منهم من لم ير نور الشمس منذ سنوات عديدة وقد نخرت أجسادهم الأمراض والعلل, وهي رسالة للمسلمين عامة ولأهل الشام والمجاهدين بصفة خاصة . فأتمنى وأسأل الله أن أوفق في نقل ولو جزء من الصورة الحقيقية كما أسأل الله أن يوصلها لأهلها والله من وراء القصد.


أعود لسؤالك : أنا شاب موحد لله تعالى فتحت عيني على مآسي أمتي المسلمة ومذابحها في كل مكان دون غيرها من الأمم والملل فكنت أتابع الأخبار التي تزيدني ألما وأسى وأسفا وأتجرع بها المرارة في كل يوم ولم أكن أملك سوى الدعاء.


إلى أن جاءت أحداث محرقة غزة التي زادت من اهتمامي وتفكيري بجدية في التكليف الملقى على عاتق كل مسلم اتجاه ما يجري وفي كيفية أداء هذا التكليف العيني لنصرة الأمة المستضعفة. بدأت المشاركة في بعض المواقع والمنتديات الإسلامية الجهادية والتعرف على بعض الشباب عبر الشبكة ممن يقاسمونني نفس الهموم, فعرفت ولله الحمد الكثير وتعلمت الكثير في ظرف وجيز من الزمن خاصة في أمور الجهاد ووجوبه وفقهه وأمور الهجرة وغيرها …


منذ ذلك الحين وأنا في بحث دائم عن طريق يوصلني إلى أرض الجهاد والإعداد والهجرة والنصرة وكان همي الوحيد هو اللحاق بركب الشهداء وقافلتهم المباركة التي لا تتوقف بفضل الله, إلى أن تعرفت على بعض الشباب الذين وفق الله بعضهم لهذا الأمر . فكنا كلما سافر أحدهم ترك بريداً إلكترونياً وهاتفاً للذي يليه ليلحق به. فجاء دوري, جهزت المال وتركت التجارة الدنيوية لعلي أظفر بما هو أعلى . توكلت على الله فتيسرت لي ظروف السفر بعدما درست كل مراحلها بشكل دقيق وواضح ثم توكلت على الله وانطلقت في سفري.


باختصار شديد وحتى لا أطيل في هذه التفاصيل الغير مهمة. وصلت تركيا وتوجهت منها براً نحو سوريا بعدما أمرني (المنسق) بذلك وهو سوري ظل معي على اتصال دائم منذ نزولي بتركيا إلى حين وصولي سوريا حيث سألتقيه لأول مرة بعد أن تواعدنا. خلال هذا اللقاء كان معه شخص آخر بقي في السيارة ولم ينزل منها نزل فقط (المنسق) وسبحان الله حين سلم علي أول مرة ببرود ولا مبالاة ارتبت في أمره ولم يطمئن قلبي له أبداً, فقلت مع نفسي ربما هذا من الأمنيات والحذر فلا بأس ركبت معهما السيارة فلمحت بجانب السائق مسدسا فأخذه بسرعة وبطريقة غريبة ثم نظر إلي ليختبر ردة فعلي فتصرفت بشكل عادي. في الطريق إلى دمشق شرعت أناقشهما بعض الأحداث وتبين لي من أول الحديث أنهما في الحقيقة لا يعرفان شيئا عن الجهاد والمجاهدين لكن من خبثه اشترط علي أن لا أسأله عن شيء من باب الأمنيات,فكنت كلما انتابتني الشكوك قلت لعله من تشويش الشيطان ووسوسته لصدي عن هذه العبادة العظيمة ولقلة تجربتي . ثم سلمت أمري إلى الله عز وجل، وصلنا بعدها دمشق فأخذني إلى فندق كان يعرفه مسبقا فحجزت غرفة .


ومن الملاحظات وللفائدة فقط , فهناك فرق كبير بين مسئولي الفنادق في تركيا وفنادق سوريا. ففي سوريا هناك كثرة الأسئلة وكثرة علامات التعجب والاستفسارات والملاحظات وغيرها تحس كأنك في مجتمع مخابراتي بامتياز.


كان هذا( المنسق) يتصل بي باستمرار للاطمئنان علي ويسألني عن الأجواء وفي كل مرة كنت أستعجله وأسأله عن موعد السفر لدخول العراق فيُسَوِّفُ تحت دعاوى عدة.


أما الفندق الذي أنزلني فيه فكان يقع وسط سوق شعبي مزدحم بالناس يصعب عليك فيه تحديد من يراقبك. بقيت بضعة أيام لم أره حتى أصررت على اللقاء به، وطلبت منه موعد السفر إلى حيث أريد، لكنه برر عدم استطاعة الدخول إلى العراق بسبب بعض الظروف الصعبة في الطريق وغير ذلك…


في هذه الفترة وقع لي حادث غريب أسرده للإخوة للعظة والفائدة والحيطة والحذر : في يوم من الأيام خرجت من هذا الفندق للمشي فاستوقفني صاحب محل لبيع الملابس. سألني هل أنت من البلد الفلاني؟؟؟ أنا أحبكم وزبائني كثر من أبناء بلدكم وعندي بضاعة ستعجبك وهذا محلي وعندي محل في بلادكم يبيع المنتجات السورية أجبته أنني لا أحتاج ملابس وليس معي مال لشرائها . فألح علي إلحاحاً عجيباً قال تعال معي تأخذ فكرة فقط عن المحل ربما مرة أخرى تحتاج الشراء والتسوق من عندنا فبضاعتنا رخيصة وممتازة. كان إلحاحه شديدًا كإلحاح التجار عامة وأكثر , المهم دخلت معه المحل فيه درج صعدناه فوجدت عشرة أشخاص أمرني بالجلوس لا يظهر عليهم أنهم لصوص قالوا لي إذا أردت أن تخرج من هنا فضع ما معك من مال ولا تحاول المقاومة فأخذوا ما كان معي حينها أزيد من ألفي أورو أمروني بالخروج وعدم الإلتفات لأني مراقب توجهت مباشرة للفندق وجمعت أغراضي وانتقلت لفندق آخر.وقد علمت فيما بعد أن كثير من الشباب المهاجرين خاصة من أهل الجزيرة العربية قد تعرضوا للسرقة والنصب من قبل العصابات وأحيانا من قبل المخابرات السورية وهو ما حدث معي شخصياً .


بعد حلولي بالفندق الجديد اتصلت ب ( المنسق) فأخبرني أن الأمور جاهزة وميسرة وما هي إلا نصف ساعة ويكون عندي لننتقل صوب الحدود العراقية للدخول. استلقيت على ظهري متأملا فيما جرى معي وبينما أنا كذلك داهمت عناصر مسلحة بالرشاشات والمسدسات غرفة الفندق بعد فتحها بمفتاح احتياطي من عند صاحب الفندق كانوا حوالي 13 شخصا ألقوني على الأرض وقيدوا يداي خلف ظهري بقوة حتى دخل القيد في اللحم ووصل العظم حاولت الاستفسار عن الوضع فكان جوابهم ضربي بأخمص الرشاش على رأسي وكامل جسمي.


أخذوا الجواز ومبلغ ألف أورو كان بقي معي والهاتف وكل الملابس والأغراض في باب الفندق وجدنا سيارة أخرى بها 8 أفراد أيضا مسلحين بالرشاشات سلموني لهم وانطلقوا بي بعدما أغمضوا عيني بقماش.


سؤال : أين أخذوك بعد هذا ؟؟؟


توجهوا بي مباشرة إلى سجن سري يسمى فرع فلسطين وهو عبارة عن بناية تقع على طريق المطار مكونة من سبع طوابق كل طابق يختص بالتحقيق في قضايا معينة: الإسلام – الأسلحة التهريب – التزوير- قضايا سياسية – مخالفات الجيش- الأجانب …. وسمي بهذا الاسم حسب ما علمت لأنه كان فرعاً أمنياً مخصص للقضايا الفلسطينية منذ عهد الهالك المجرم حافظ الأسد وقد أعيد ترميمه في سنة 2006 وهو جحيم للمسلمين ووبال على الفلسطينيين .


هذا المعتقل العسكري له قانون خاص مع الأجانب الذين لا تسأل عنهم حكومات بلدانهم ولا تتدخل سفاراتها لتسلمهم وترحيلهم مثل أهل أفغانستان وغيرها كأهل المخيمات الفلسطينية وهم كثر وأعدادهم هائلة. فهؤلاء بعد أن يقضوا في المنفردات أو المهاجع أكثر من أربع أو خمس سنوات، تعقد لهم مسرحية وهي عبارة عن محاكمة عرفية داخل المبنى ويستمعون فيها لأقوال المتهم ثم يأخذونه إلى سجن من سجون سوريا يبقى فيه إلى أن يشاء الله دون وقت محدد.


أول ما أدخلوني هناك بدأ التعذيب الشديد في مكاتب التحقيق بالطابق الرابع من البناية سألوني عن سبب مجيئي لسوريا فقلت لهم أنا تاجر وجئت للتسوق والبحث عن بضائع جديدة وطبعا هم كانوا يعرفون سبب مجيئي لأن (المنسق المزعوم) لم يكن سوى مخبراً يعمل معهم وقد ربط الاتصال بي بعدما اعتقلوا أحد الإخوة قبلي ووجدوا معه بريدي وكان يتصل بي على أنه من طرف الأخ وأن الأخير قد دخل العراق وهذا من قلة التجربة والإفراط في الثقة … عذبوني بشكل لا أستطيع وصفه حتى أغمي علي عدة مرات وركزوا ضربي على أذناي حتى قلت لهم أن بي كسر سابق في رقبتي لعلهم يتركون ضرب الأذن لكن المجرم كان يمسك برقبتي ويلويها بعنف متعمداً كسرها وإيلامي وكذلك رفعوني عار من الملابس وكبلوا يدي ورجلي إلى حديدة طويلة وشرعوا في جلدي بالسياط وصعقي بالكهرباء إلى أن اعترفت لهم بالحقيقة وأن سبب دخولي سوريا هو رغبتي في الانضمام للمجاهدين في العراق ثم بعد التحقيق أمروا بي إلى المنفردة.


وهناك سيبدأ عذاب من نوع وألوان مختلفة .فحين ينزلونك تحت الأرض للمنفردة يعطونك رقماً عوض الاسم وهناك كل شيء ممنوع : الكلام، الجهر بالصلاة، الدعاء وحتى تلاوة القرآن والوضوء ممنوع، يمكنك فقط التيمم وأخطر شيء هناك أن يسمعك تقرأ القرآن أو تدعو الله أو تناجيه . سيتهمونك بأنك تدعو عليهم ويخرجونك للتعذيب الشديد الفظيع والتعذيب هناك بالسياط والركل واللكم وكل الوسائل الممكنة والمتوفرة لديهم وحين يرون السوط لم يعد ينفع يعذبونك بألوان أخرى منها أن تضل واقفاً مكبل اليدين إلى الخلف ووجهك باتجاه الجدار لأزيد من 24 ساعة وحين تحاول الجلوس أو السقوط يجلدونك بالسوط وهناك شخص سوري رأيته أوقف 36 ساعة إلى أن انفجرت الدماء من قدميه
وأيضا التكبيل للخلف داخل الزنزانة ولكم أن تتخيلوا شخصاً يقيد لأزيد من أربعين يوماً في زنزانة انفرادية ولا يستطيع حتى حك جلده وطرد الحشرات والقمل عنه. وحين يسمعون الإخوة يتكلمون مثلا ولم يعترفوا على المتكلم يعذبون الجميع في الممر تعذيباً شديداً . هذا والله العظيم مجرد جزء يسير مما يحدث للإخوة هناك …والله المستعان .


أول مرة دخلت “الانفرادية” في اليوم الأول نادوا على رقمي للمرحاض خرجت بشكل عادي فإذا بالسجان يركلني ويقول باللهجة السورية ( على السارع يا كور) أي بسرعة يا كلب لم أكن أفهم شيئا حينها لأني جديد فبقيت على هذه الحال لأسبوع كل يوم ضرب وسب وإهانة حين الخروج للمرحاض إلى أن اكتشفت ما يجب علي فعله.


سؤال : ممكن تصف لنا هذا السجن ؟؟؟



عدد الزنازين الانفرادية ويسمونها المنفردات هو 38 منفردة طولها متران وعرضها متر ونصف , وعدد المهاجع 19 مهجع طول كل واحد منها تقريباً عشرة أمتار وعرضه متر ونصف وكل مهجع يضم ما بين أربعين وخمسين سجيناً ولكم أن تتخيلوا هذا العدد من الناس في مسافة بعرض متر ونصف وطول عشرة أمتار، إنه الجحيم الدنيوي بعينه وكل هذا في مكان تحت عمق الأرض ب5 أمتار.


الطابق الأول فيه غرف التحقيق ومكتب المدير المجرم ويكنونه ( أبو حمزة) وبه منفردات قضايا سياسية خاصة .


الثاني والثالث لم نعرف ماذا يجري فيهما. أما الرابع فهو المخصص للتحقيق في قضايا الإسلاميين يرأسه ضابط من أخبث من رأيت أو سمعت عنهم في حياتي وأظنه كبيرهم في هذا القسم لأنني لاحظت الحراسة المشددة على مكتبه والتبجيل الذي يكنونه له, والمعلومة الوحيدة التي عرفتها عن هذا المجرم هي أنه كان مسئولا عن تعذيب أهل السنة في المعتقلات اللبنانية ثم مساعده وله مكتب مجاور واسمه منير وهذا أيضا من كبار مجرميها بلغ به الإجرام أنه إذا رأى على الأسير قميصاً أو في قدمه حذاءًا من نوع جيد أمره بنزعه ولبسه أمامه وأرسله حاف أو عار إلى زنزانته وقد أخذ مني شخصياً حذائي وقال لي الأولى أن تمشي حافياً والاستهزاء من طبعه وعادته وسمعته يقول عن نقاب زوجاتنا أنه قمامة من الأزبال …


عدد المراحيض ستة و3 حمامات الخروج للمرحاض من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء ماؤه جد بارد وللمرحاض هناك قصص وآلام ومعاناة لا أستطيع وصفها خاصة للمرضى المصابين بالإسهال أو السكري أو المعدة وغيرها من الأمراض التي يحتاج صاحبها التردد على المرحاض لمرات متعددة.


مدة المرحاض لا تتجاوز 30 ثانية وهذا يعود لمزاج الحارس وخبثه فما تكاد تنزع سراويلك حتى تسمع شتمه وسبه وأوامره لك بالخروج فهناك دخول المرحاض يصير عندك كابوساً حقيقياً تخطط له وتستعد وتتعوذ وتدعو أن يسلمك الله من السياط والجلد وأن توفق لقضاء حاجتك وملئ قارورتك من الماء …


وطريقة الخروج من المنفردة إلى المرحاض لها طقوسها الخاصة فعليك أن تخرج وأنت منحني على صفة الركوع ووجهك في الأرض لا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تنطق ولو بكلمة أو حرف حين تسمع رقمك والأمر بانتهاء الثواني المخصصة للخلاء عليك أن تخرج يدك من نافذة المرحاض وتعود لمنفردتك كما غادرتها . أما إذا نودي عليك ولم تسمع رقمك كأن تكون نائماً مثلا فإنك ستأخذ من السياط لمدة أسبوع كامل عند كل ذهاب وعودة للخلاء وكل مجرم من المجرمين حين ينهي دوامه يوصي بك من يتسلم الدور والسوط من بعده تظل على هذه الحال على مدار الأسبوع إلى أن يرجع الدور للمجرم الأول الذي وقع المشكل معه في فترة دوامه .


بالنسبة للحمام فهو الآخر حسب مزاج السجان مرة في الشهرين أو الشهر ومدته أيضا بمزاجه , وفي أحسن مزاج وأحسن حال فهي لا تتعدى 5 دقائق تقضي فيها حاجتك البيولوجية وتغسل فيها جسدك الوسخ . ومفروض عليك أن تخرج للحمام من منفردتك بلباس داخلي فقط كي يفتشها المساعد ويسرق ملابسك ودوائك وكل شيء. أذكر أنه في يوم من الأيام نادى المجرم على السجين ليخرج من الخلاء وكان قد دخل لتوه وهو سجين جديد فرد على السجان : مهلا هل تظنني سأبيت هنا سأطلع حين أنتهي من قضاء حاجتي. وأقسم بالله أنني رأيت السجان من شق الباب يفرك يديه فرحا وسعادة من رد السجين لأنه وجد طريقا لتعذيبه كما يشاء. وهو ما كان, فقد تفننوا في تعذيبه بل وجعلوه يبيت ليلته في المرحاض عار من الثياب.


أما ما حدث معي شخصياً في موضوع المرحاض هذا فبعد مرور 4 أشهر على دخولي ذلك المكان كاد القمل والوسخ والعفن أن يقتلني وكنت لا أنام الليل من شدة الحك والألم حتى تورم جسدي وكلما حككت جلدي نزعت يدي والدماء تغطي أظافري فقررت في يوم من الأيام أن أستغل دوري لقضاء حاجتي وأستحم في المرحاض وليكن ما يكون. وهو ما كان دخلت وبدأت أغسل رأسي من القمل ونصف جسمي الأعلى فناداني المجرم للخروج فقلت له أنني جد متسخ وأحتاج فقط دقيقة لأغسل بعض القمل حينها جن جنونه وشرع يصرخ ويلعن ويسب, وحينها خرجت . فقال لي غسلت وسخك ؟؟


أجبته نعم شيئا ما فقط . فأمرني بالتمرغ عاريا في ماء معقد معلك أسود اللون رائحته لا تطاق أبدا وشكله مثل العسل ينزل ويتسرب من أسفل سلال الأزبال المتراكمة في زاوية من زوايا المراحيض . امتنعت في البداية ورفضت الأوامر وعندها نادى أصحابه فانهالوا علي جميعا بالكرابيج وأنا عار الجسد إلى أن امتثلت وتمرغت على بطني وظهري كما أمروا, ثم نهضت حاملا قنينة الماء الذي أشربه فأفسحوا لي الطريق هاربين من رائحة جسدي وحين دخولي المنفردة غسلت أعلى جسمي بقنينة الشرب وبقيت أتكبد عناء العطش مدة 24 ساعة وطبعا هذا المجرم أخبر من يليه في الدوام وكنت أعذب عند كل خروج ورجوع من الخلاء مدة أسبوع …


لكن سبحان الله رغم هذا فإن تلك الثواني المعدودة كانت فيها رحمة من الله لعباده ففيها يتبادل الإخوة الملابس وبعض حبوب الدواء والحاجات البسيطة التي تعتبر هناك شيئا ذا قيمة كبيرة ,لأن المراحيض مفتوحة من فوق لا سقف لها ولا يفصلك عن أخيك في جانبك إلا جدار….ولا يمر يوم دون جلد الإخوة وتعذيبهم حين الذهاب بهم أو العودة للمرحاض حتى أن البعض كانوا حين المناداة عليهم برقمهم يمتنعون عن الخروج بدعوى أن ليس لهم رغبة مع أنهم يتقطعون من الألم والحاجة إلى التبول أو التبرز أكرمكم الله….


سؤال : وماذا عن المهاجع ؟؟؟


المهاجع كما ذكرت لكم آنفا هي غرف جماعية طولها عشرة أمتار وتتسع فقط لعشرين شخصاً لكنهم يحشرون فيها حتى الخمسين وفيها مرحاض واحد بداخلها لا يتوقف 24 على 24 ساعة لكثرة النزلاء وقانونهم هو منع الكلام ومنع رفع الصوت حتى بتلاوة القرآن أو الصلاة والدعاء كذلك ممنوع , وفي إحدى الليالي سمعناهم يعذبون أحد الإخوة في ثلث الليل الأخير ويقولون له من الذي كان يقوم معك الليل؟؟؟


أما طعامهم هناك فهو لا يكفي حتى عشرة من الناس يجوعونهم عمداً حتى يضطرونهم للشراء من مدخراتهم في الأمانات وهذه تعتبر فرصة للسجانين للنهب والسرقة فأنت توقع على ورقة مشترياتك ولا تعرف على ماذا توقع حتى ينفذ المال في رمشة عين وهناك بالمهاجع دعاء السجناء هو أن يأتي من عنده مبلغ محترم من المال حتى يقتاتون شيئا فأول ما يسألك عنه السجناء هو هل معك مال في الأمانات؟؟ أما طريقة نومهم فهي بالدور, يصطف البعض منهم على جنب واحد دون حراك أو تقلب ويقف الثلث الباقي فلما تنتهي المدة ينام من كانوا واقفين, مثل صلاة الخوف ويمكننا تسمية القياس عليه وتسميته بنوم الخوف وهو كذلك بل أشد.


أما الفراش فبطانية واحدة على الأرض دون غطاء بل بعضهم ليس معه بطانية أصلاً ومنهم من انتهى التحقيق معهم منذ عامين وأزيد ولم يحالوا على المحاكم ولا على السجون فاضطروا مرة لخوض إضراب عن الطعام لم يتجاوز 12 ساعة حتى ذاقوا كل أشكال العذاب ما اضطرهم لفك الإضراب والتوقف عنه .


وهذا التعذيب تم برئاسة المجرم كبير الجلادين واسمه سليمان وهو رقم 1 في التعذيب وهذا المجرم نصيري الديانة عمره حوالي 36 سنة وطوله حوالي186 بشرته بيضاء.


بالنسبة للتنظيف هناك في “فرع فلسطين” فالمكلف به هم السجناء من الجنود السوريين أصحاب المخالفات ينظفون المبنى كاملا في ظرف وجيز والضرب والركل على ظهورهم والسب والشتم عدا المنفردات والمهاجع فنزلاؤها هم من يتكلفون بتنظيفها بقليل من الماء فقط لا صابون ولا أي مواد أخرى للتنظيف .


وأنا أول ما أدخلوني المنفردة الشخصية وجدت فيها ثلاث بطانيات أظنها من عهد الحرب العالمية الأولى ثقيلة بالقمل والعفن والأرض كذلك معفنة والسقف تعشعش فيه الحشرات بأنواعها أما الباب فمغطى بالصراصير ففزعت من هول المكان ووحشته وتساءلت طويلا هل سبق لأحد أن سكن هذا المكان؟؟ ثم علمت فيما بعد أنها كانت تسكن من طرف سجين ضل مكبل اليدين لمدة جد طويلة . حاولت طويلا تنظيف المكان مستغلا قنينتي الماء والتبول لكن بلا فائدة .


سؤال : وماذا عن السجانين ومعاملتهم للسجناء ؟؟؟


عدد مجموعات السجانين ثلاثة، كل مجموعة تتكون من خمسة أفراد اثنين للمنفردات وثلاثة للمهاجع. هؤلاء القوم لعنة الله عليهم مهما تفننت واجتهدت في انتقاء العبارات لوصف إجرامهم وخبثهم وكفرهم فلن أوفي ولن أوفق. وأذكر منهم :
المسمى رمضان : نلقبه بالضفدع من مدينة حماه ديانته (سني) وهذا يطلقه الإخوة على المنتسبين زوراً لأهل السنة عمره حوالي 40 سنة طوله تقريبا 180سنتم بنيته قوية لون بشرته أبيض مع احمرار وجهه حين غضبه وعيناه خضراوان بلون الزيتون صوته خشن لا تكاد تعرف ما يقوله .


المسمى هاني : يلقبونه (جويعه) لأنه كان ينقص لنا كمية الطعام رغم قلته. طوله حوالي 184 سنتم بنيته كذلك قوية لون عينيه بني كثير الحركة مثل القرد وهو جديد في وظيفته هوايته المفضلة صفع الإخوة على وجوههم وآذانهم ويجتهد الخبيث في كشف وتوريط الإخوة ليبلغ أسياده كي ينال قربهم ورضاهم .


أبو سليم : دينه نصيري ( قرد) قصير حوالي 160 سنتم 37 سنه لونه أشقر من صفاته أنه يحب التعذيب والاستهزاء بشكل كبير ويتلذذ بهذا مع السجين مهما كان مستواه العلمي والثقافي والاجتماعي خاصة المثقفين تجده يتفنن في التنكيل بهم وينادي المهندس بالحمار والدكتور بالكلب وهكذا.. وهذا الخبيث يحسب نفسه شيئا وأنه أبو المعارف يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء وهو في الحقيقة أجهل من حمار أبي جهل لا يعرف ولا يفقه شيئا ومن جرائمه سرقة دواء الإخوة المرضى ومن قصصه أن أخاً مصاباً بعدة أمراض منها السكري والقلب وغيرهما كان يأخذ دواءً متنوعاً وكثيراً حين لمح هذا المجرم علب الأدوية قال للأخ ساخراً : عندك صيدلية فشرع يسأله عن كل دواء وما يصلح له وهذا الأخ كان يحقن الأنسولين فرأى المجرم الطريقة التي يحقن بها الأخ نفسه. قال له هذه الطريقة بطيئة وتأخرنا يا حمار, من علمك إياها ؟؟ قال الأخ : إنه الطبيب . فأجابه إنه حمار مثلك وفي الغد سرق له نصف الدواء.


ومنها أيضا أنه مرة أراد أن يسرقنا بالجملة فجاء بخطة قال لنا سأسمح لكم بالحمام لخمس دقائق واشترط علينا أن نخرج عراة إلا من التبان الداخلي فقط وأن لا نحمل معنا شيئا سوى الصابونة وقنينة الماء وهذه كانت منه خطة ليفتش كل شيء ويسرق كل ما يجد لكن بعض الإخوة فطنوا لخطته وخرجوا بالمأزر يخبئون تحته دواءهم وأغراضهم القليلة فلم يسلموا من الجلد والضرب بقسوة بالغة من المجرم وحين رجوعنا للزنزانة وجدنا الملابس والفراش مبعثر ووجدت أن المجرم قد سرق سروالي .


لمن المشتكى ولمن الملجأ ومع من نتكلم هناك . ليس لنا سوى الله والتوسل إليه ورفع أكف الدعاء له …
ومرارا هذا المجرم كان يأمرنا أن نخرج في وضع ركوع من زنازيننا حتى المرحاض وهو يسخر ويضحك ويستهزئ وحسبنا الله ونعم الوكيل.


صادق : 37 سنة طوله 180 سنتم بنيته قوية لكن أصابه الله بمرض الربو وهو مجرم حقود لا يرحم على أقل وأتفه شيء يعذب الأخ ينقص من وقت المرحاض ويتجسس على الشباب وهم في زنازينهم وهو حافي القدمين حتى لا تسمع خشخشة نعله خصوصا إذا سمع الأخ يدعو الله ويذكره ولو في أنفاسه همساً فيخرجه ويقول له أنت تدعو علينا ويجلده ويضربه بطريقة لا تتصور والمجرم من هواياته التي يكثر منها البصق على وجوه الشباب بدون أي ذنب. مرة أحد الإخوة خرج من المرحاض فرأى قطعة خبز مرمية فأماطها فقال له المجرم أنتم تسفكون الدماء وتميطون الخبز عن الطريق. لم يرد عليه الأخ لكنه لم يسلم من الجلد والتعذيب. ومن خصائصه أنه حين يأتي أخ جديد لا يعرف كيف يتصرف ويكون بطيء الحركة من التعذيب والصدمة يعذبه المجرم ويقول له يجب عليك أن تستيقظ فيأمره أن يستحم بقنينة الماء دون خلع ملابسه ويدخل زنزانته على تلك الحالة في أيام شديدة البرد.


أبو سمراء :40 عام تقريبا طوله 156 سنتم بدين الجسم أحمر اللون هذا المجرم يريد فقط أن يمر دوامه بسلام و دون مشاكل وهذه نعمة من الله على الإخوة فهم يتنفسون الصعداء عند حضوره وصديقه في الدوام أبو محمد شأنه شأن أبو سمراء لا يفترقان عقلية واحدة تفكير واحد حتى العمر والطول والشكل..


سؤال : ذكرت حالات مرضية هل يمكن أن تحدثنا عن بعضها بشيء من التفصيل وعن العلاج والتطبيب هناك في فرع فلسطين؟؟؟


بالنسبة لهذا الأمر فإنني سأتحدث عن نفسي أولا فأذني لحد الساعة لا أسمع بها من كثرة الصفع عليها وحدث فيها تعفن خطير ولست الوحيد من يعاني هذا فكل السجناء هناك يعانون من تعفن الأذن الذي يسبب آلاماً فظيعة في كل الرأس ويحرم من النوم وسأحكي فقط عن الممر الذي كنت أنزل فيه وهو يتكون من ست منفردات من بين 48 منفردة .


في إحدى المنفردات كان طالب علم سوري من أبناء مدينة اللاذقية السورية والذي على جانبي الآخر هو أخ من قادة المجاهدين في مدينة الموصل اسمه أبو محمد الزوبيلي كل الشباب هناك مصابون بالحساسية الجلدية (الجرب) وشقيقة الرأس بسبب كثرة الصراخ الذي لا يتوقف هناك ليل نهار وبسبب الوحشية والهمجية وكذلك من الأرق والإرهاق وتعفن جراح التعذيب وأوجاع الأسنان وآلام المعدة لسوء التغدية والأمعاء واللوزتين والعنق وأمراض الصدر الخطيرة والزكام المستمر فلا يخلو يوم ولا ساعة ولا لحظة من الأنين والألم .
أما القمل هناك فلا أستطيع وصفه ووصف المعاناة بسببه فهذه الحشرة الصغيرة لم أعرف حقيقتها إلا هناك فوالله إن البطانية يزيد وزنها ويتضاعف من كثرة القمل الساكن فيها وكنت أعري ساقي وأكشط بأظافري وفي كل كشطة أنزع 15 حتى 20 قملة وقد غزا جسدي ومص دمي وكاد يصيبني بالجنون وفي إحدى الليالي كنت أصرخ بأعلى صوتي من الألم وشدة الحك بسبب الحساسية الجلدية التي تسبب لي فيها ولا من ينقذ أو يجيب فقد فتحوا البوابة وأخرجوني للتعذيب حتى لا أنادي وأصرخ مرة أخرى وكلما طالبت العلاج سخروا وقالوا لي هذا عادي ليس بك شيء غدا ستكون في أحسن حال ولم أتوصل طيلة الشهور التي بقيت هناك ولو بحبة دواء أسبرين كان أحد جيران زنزانتي كنيته أبو محمد فلسطيني الأصل وأمه سورية يقطن مع أهله في مدينة دمشق تهمته المشاركة في عملية تفجير هذا السجن الخبيث “فرع فلسطين” التي حدثت سنة 2008 وشقيقه هو البطل المجاهد أبو صالح استشهد في بلاد الرافدين سنة 2007 بعدما أرق الأمريكان وكلابهم . هذا الأخ لا يتوقفون عن تعذيبه ما نزل عليه من العذاب لو نزل على جبل لهده وزنزانته الانفرادية تقع في أول الممر وهو أول واحد يتعرض منا للخطر لأنه يكون في الحراسة عندما نريد أن نكلم بعضنا البعض وبسبب التعذيب الفظيع فإن هذا الأخ قد أصيب بعدة أمراض مستعصية وخطيرة مرة في أيام البرد الشديد اكتشفه المجرم المسمى رمضان وهو يسمع سورة قرآنية من جاره ليحفظها ( وهذه هي طريقة الحفظ هناك إضافة لما هو مكتوب على الجدران من كتاب الله) فما أن يأتوا بأخ جديد وتسمح الظروف حتى يسارع الإخوة لسؤاله عما يحفظه من القرآن حتى نأخذه منه سماعا فتسمع الأخ من آخر الممر ينادي بصوت هامس يا إخوة اسألوه هل يحفظ سورة كذا اسألوه عن سورة كذا وكذا ؟؟؟ هذا الأخ الفلسطيني بعدما كشفه المجرم هو وصديقه كانت الساعة الثانية بعد الزوال تقريبا فتركهما حتى منتصف الليل ثم أخرجهما عراة بدون ملابس والبرد جد قارس حينها إلى الحمام وشرع يصب عليهما الماء المثلج ويجلدهما بالكرباج حتى كادت أطرافهم تتجمد من البرد وعند عودتهما إلى الزنزانة لم يستطع الأخ الثاني أن يتوقف عن البكاء فأمره المجرم بالسكوت فلم يستطع فأخذ ملابسه فبللها بالماء ثم رماها إليه وأغلق عليه باب الزنزانة كأن شيئا لم يقع والأخ الفلسطيني رغم شجاعته وصلابته وثباته فقد أصيب بسبب التعذيب بعدة أمراض منها الربو الذي يخنقه حتى تكاد أنفاسه تنقطع ولا من يهتم لحاله بل يسخرون منه ويقولون عنه أنه يمثل فقط حتى سمعنا اختناقه وآلامه في ليلة من الليالي فلا ندري أين أخذوه وهل فارق الحياة أم ماذا جرى له ؟؟؟ نفس الشيء مع صديقه وهو رجل كبير السن ونحيف الجسم كنا نقول بعد كل ليلة لا ننام بسبب أنينه وعذابه بسبب آلام قرحة المعدة أنها آخر ليلة له في هذه الحياة لكن لا من يهتم له. الطبيب المجرم السارق عندهم له حقيبة فيها بعض المسكنات الرخيصة ولا يعطيها إلا لمن تجاوز الأربع والخمس سنوات في ذلك المكان .


كل السجناء يعانون الأمراض هناك وآثار ذلك رأيتها حين ترحيلي ففي مطار دولة عربية توقفت بها الطائرة للتغيير (ترانزيت) لم أعد أتحمل الوقوف من تعب السفر فقدموا لي بعض الإسعافات الأولية حين ذاك عرفت أن وزني قد أصبح 49 بعدما كان 76 كيلو غرام فذهل الجميع من هذا الأمر حتى سمعت مسئولا أمنياً في هذا المطار يقول لصاحبه هؤلاء النصيرية كلاب وأنجس من اليهود بعدما علم من أين قدمت . الإنسان يموت هناك كالحشرة لا يساوي شيئا .ولا حول ولا قوة إلا بالله .


المجرم هاني : لا يرتاح ويشغل باله ووقته في توريط الإخوة واكتشاف طرق جديدة لتعذيبهم والتضييق عليهم أكثر ومن خبثه أنه إذا سمع سجينان يتكلمان يعذبهما وجيرانهما لأنهم لم يبلغوا عنهم حتى الذي كان نائم ساعتها يعذبه . وكذلك ما يختص به هذا المجرم هو أنه يوزع الفطور في منتصف الليل وهو الوحيد الذي يفعل هذا الأمر فحين يكون الإخوة في نوم وسبات يشرع في السب والصراخ لتوزيع الطعام وإفزاعهم وإيقاظهم من النوم .وفي الصباح لا تأخذ شيئا حتى الساعة الثانية بعد الظهر وهي وجبة الغداء.


المجرم : أسعد هو نائب المدير وأحيانا يقوم بدور السجان هذا هو الذي عذبني في الأسبوع الأول حين رفضت إخباره عمن كان يتكلم مع صاحبه من جيراني . عمره 42 سنة وطوله 180 سنتم دينه نصيري ( قرد) بدين الجسم خفيف الشعر من الأمام.


المجرم : حسين رئيس مجموعة سجانين ، 20 سنة عمل وتعذيب للموحدين عمره 48 تقريبا بدين الجسم قصير القامة أصلع الشعر صوته خشن , هذا المجرم لا يفارقه السوط كأنه مغروس في يده ملتصق بها لا ينزعه أبدا .


المجرم علي: عمره حوالي 32 سنة وطوله 176 دينه سنتم نصيري (قرد) قوي البنية هوايته تشديد المراقبة عند المرحاض وتعذيب الشباب هناك . أسنانه متضررة بشكل كبير بسبب التدخين يضرب ويسب دين الإخوة عند المرحاض بدون سبب , وأذكر أنه عذب أخا حتى كاد يموت بسبب إضرابه عن الأكل.


سؤال : ما نوعية الطعام هناك ؟؟؟


الجواب : حين اعتقلوني لم أذق الطعام لمدة ثلاثة أيام وطريقته هي كالتالي : في الصباح يوزعون كأس صغير ليس له من الشاي إلا الاسم فقط وخمس حبات زيتون طعمه شديد المرارة وملعقة صغيرة من المربى يصيح المجرم بسخرية ( خرج كوبك تأخذ لحسه) وببيضة في الأسبوع وثلاث رغائف رقيقة كل 24 ساعة حين تتركها لمدة خمس دقائق فقط تصبح مثل صفيحة قصدير، أما وجبة الغداء فهي حبة بطاطس واحدة صغيرة وحبة طماطم صغيرة وكوب صغير من البرغل هذا هو نظام التغذية هناك وكما سبق وقلت: كل الأسرى هناك وبدون مبالغة ، وأؤكد الكل مصاب بأمراض المعدة والأمعاء المختلفة.


سؤال : ما هي الجنسيات المتواجدة هناك ؟؟؟


تجتمع في “فرع فلسطين” كل الجنسيات العربية وغيرها وخاصة الفلسطينية لأن الفلسطيني على الخصوص لا أحد يطالب به لا حكومة عباس ولا حكومة هنية، فالفلسطينيون يبقون هناك إلى أن يشاء الله ومنهم من زال موجوداً هناك منذ 5 سنوات وكذلك الحال من قبل مع اللبنانيين والسعوديين فمنهم من لم يتمكن من إخبار سفارة بلاده أو أسرته إلا عن طريق سجين مسفر أو حارس برشوة كبيرة، وإلا فسيظل هناك ولا يسأل عنه أحد كالإخوة العراقيين والأفغان والفلسطينيين طبعاً. وكذلك هناك إخوة مهاجرون من الأردن واليمن وتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان وغيرها من البلاد الأخرى .


سؤال : أذكر لنا قصصا بقيت عالقة في ذاكرتك ولن تنساها؟؟؟


كثيرة والله ومما يحضرني الآن قصة شخص فلسطيني ينتمي للحركة الشعبية لتحرير فلسطين لم نعرف مخالفته ماهي . ألقوه في الانفرادية ولضعف إيمانه أول يوم بدأ ينشد الأشعار والأناشيد العلمانية ويتغنى بحركته وثورتها واسترجاع القدس وغير ذلك … بعد أيام صار يصرخ ويستغيث بالمخلوق من قادة فصيله وينادي بأسمائهم ضل هكذا ونحن ننصحه ونحاول التخفيف عنه حتى صار يصيح بالعامية اللهجة الشامية ( حطخ خرجوني من هون حطخ … حطخ ….) يعني سأجن سأجن كان يصيح هكذا ليل نهار لأزيد من شهر حتى جن جنونه وأخرجوه وملابسه قذرة تمتلئ بالبراز والبول ورائحته جد منتنة ولا ندري أين أخذوه بعدها .


ومرة أخذوني للتحقيق وسمعت صوت امرأة تبكي وتنتحب وتصيح أخرجوني من هنا أخرجوني ويجيبها المحقق ستخرجين بعد أسبوعين اسكتي وهو يسبها وعلمت أن هناك نساء ينجبن أي يضعن مواليدهن في الزنازين وأزواجهن معهن في نفس السجن ولا يسمح لهم برؤية أولادهم. فهنا حين يتهم الشخص يعتقلون كامل أسرته . وقد حكي أن أخاً قد اعتقلت زوجته معه وأنجبت هناك بعد شهر من أسرهما ولم يسمحوا له برؤية ابنه حتى كان يصرخ ويذكر قصص كفار قريش وكيف كانوا يتعاملون مع الأسير والنساء والأطفال وكان بجواره جاسوس يكتب على الجدار كل ما يتلفظ به الأخ ولما سمع المحقق بهذا الأمر سمحوا له برؤية ابنه في مكتب المحقق لدقائق فقط مع العلم أن هذا السجن لا توجد فيه موظفات، فكل الموظفين ذكور.


وكذلك بلغني هناك أن الشيخ أبو مصعب السوري – فك الله أسره – قد مرَّ من هناك بعدما سلمته أمريكا للنصيريين وهذا بعد عناء طويل وتنقل مستمر في السجون السرية الأمريكية وقد بقي هناك إلى أن جاءت قضية فتح الإسلام وبعد اعتقال الشيخ شاكر العبسي –فك الله أسره – وقيام الإخوة بعملية استشهادية على هذا السجن تم ترحيل الشيخين لمكان مجهول وهناك قادة ومشايخ آخرون لا أذكر أسماءهم في سجون النصيرية.


وهناك أخ شاب مرة جاؤوا به وكنا نناديه ولا يسمعنا لأنهم أخذوه بعد اعتقاله لغرفة مظلمة وعذبوه عذابا فظيعا حتى سال الدم من أذنيه وثقبت طبلتها وحين أدخلوه المنفردة لم يكن يعرف الشهر ولا اليوم هذا ولا حتى أوقات الصلاة من شدة العذاب وجسده وملابسه ممتلئة بالبول والغائط وعمر هذا الشاب لا يتجاوز العشرين سنة وكانت تهمته هي الانتماء لفتح الإسلام وقد جلدوه حتى تمزق جلد ظهره ونزف دماً وأيضا أرغم على الوقوف 32 ساعة حتى انفجرت قدماه دماً ونزعت أظافرها وبقي المسكين لأسابيع مقيد اليدين للخلف ومغمض العينين وكل يوم يذوق فيه العذاب ولا أدري هل مات أم لا يزال على قيد الحياة.


وهناك أيضا شاب أفغاني عمره 19سنة اعتقلوه وهو في طريقه للعراق لنصرة إخوانه ومنذ 2005 وهو هناك في عزلة انفرادية وسبحان الله هذا الأخ ثباته غريب ونادر فهو لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمتين اثنين : “إن الفرج قريب” وكلما حاولنا التواصل معه لا يعرف إجابة سوى هاتين الكلمتين وثباته وتحمله ما شاء الله نسأل الله أن يعجل فرجه, وقد حولوه مرة للمهجع وهي أمنية كل أسير في الانفرادية هناك على ما فيها من زحام وعذاب لكنه يهون أمام الانفرادي لكنه طالب الرجوع للعزلة وسط ذهول واستغراب الجميع وهذا بسبب بعض المنكرات الموجودة في المهاجع لأنها تضم كل القضايا كالتدخين والكلام القبيح وغيره ….


السائل : هل من كلمة أخيرة قبل ختم هذا الحوار؟؟؟


كلمتي للمسلمين في كل مكان عامة ولعلمائهم ومجاهديهم طليعة الأمة بصفة خاصة . هذه رسالة من إخوانكم في سجون النصيرية كُلفت أمانة تبليغها لكم، فانظروا ما أنتم فاعلون



اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت …اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت… اللهم فاشهد




اغتيال إرث عبد الرحمن منيف

بيروت
نوال العلي

“هل عبد الرحمن منيف لا أحد؟”، تطرح زوجته سعاد قوادري، على حسابها في “فيسبوك”، هذا السؤال المؤلم، مستنكرة “لكونه لا يحمل جنسية أي بلد، هل هو لا أحد؟”. نفهم من قراءة ثلاثة إعلانات صادمة كتبتها قوادري أن تساؤلها يأتي إثر تعرّض مكتبة صاحب “مدن الملح” للسرقة والتشويه والإتلاف بصور مختلفة.

وهي تقف الآن وقد أُسقط في يدها لتعرف إن كان منيف (1933 – 2004)، الذي عاش غريب بلادٍ، فيما صارت كتبه موطناً للقرّاء، سيجد من يدافع عن مكتبته الـ”غنية بكتبها القديمة والتي تتجاوز الخمسة عشر ألف كتاب، بينها الموسوعات والقواميس والحوليّات والدوريات… والتي تعود لبداية القرن، بما تضم من تراث عربي أصيل وكتب عن حضارة المنطقة، وكتب تعتبر بحد ذاتها وثائق نادرة، والطبعات الأولى لكتب لم يُعَد طبعها”، وفق وصفها.

تتّهم قوادري، بشكل صريح، أمين سر الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، حمزة برقاوي، وابنه سامي، بـ”تدمير وإتلاف وتشويه” المكتبة. وروت في التفاصيل، مبادرتها باستضافة الابن سامي برقاوي إثر تعرّض بيته في منطقة حرستا في ريف دمشق للقصف، كنوع من تقديم المأوى والمساعدة.

“حاولت استرجاع المنهوبات بوساطات قبل نشر القضية”

تقول قوادري: “ارتكبت الخطأ الكبير الذي سيؤلمني ما حييت، العمل الذي تسبب في ضياع ونهب تراث عبد الرحمن منيف ومكتبته، الخطأ المريع الذي لن يمحى من ذاكرتي وكياني. إنني بدافع إنساني استضفت في هذا البيت ابن العائلة التي كنت أظن أنه يستحق المساعدة عندما تعرض بيته للإصابة في المواجهات […] أقام سامي حمزة برقاوي مع زوجته رندة عبد الكريم، في حين أساء الأمانة […] اشتركت عائلة حمزة برقاوي وزوجته ماجدة شاكر بالسطو على المكتبة وكامل تراث الروائي عبد الرحمن منيف”.

وفي اتصال مع “العربي الجديد”، تروي قوادري التفاصيل: “كنت أستعد للسفر لزيارة أبنائي في أميركا ودبي، حين تعرّض منزل سامي للقصف، وهم أصدقاء لنا، فقلت لا بأس أن يجلسوا في البيت لحين عودتي، من دون أي مقابل بالطبع”.

وتبيّن أنها كانت قد وضعت المخطوطات المهمة والثمينة في خزنة، لكن برقاوي طلب منها المفاتيح قبل أن تغادر بحجّة أن الأمن قد يمرّ في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، أو قد يتعرض المكان لأي شيء ومن الأفضل أن تظل المفاتيح معه، وهنا تبكّت نفسها معتبرة أن الأمر كان ضرباً من الغباء منها.

وتخبر قوادري “العربي الجديد”: “عدت بعد قرابة تسعة أشهر. كان كل شيء مهملاً، واعتقدت أن حالة المكتبة التي يرثى لها نتيجة الإهمال فقط. كنت ممتعضة جداً، ولأن الوقت كان شتاءً لم أقم بترتيبها. البيت كبير ومرّ وقت قبل أن أبدأ بترتيبها واكتشاف ما حدث”.

وفي تفاصيل إعلانها على “فيسبوك”، تستهجن كيف استطاع برقاوي تصوير محتويات المكتبة الضخمة. وعن ذلك، تقول لـ”العربي الجديد”: “لقد عرفت أن هذا الأمر مكلف جداً، لذلك لا أعتقد أنه جهد أفراد”، مضيفة: “لقد تأكدت أن البرقاوي من قام بذلك، لأن اسمه كان مكتوباً على من أرسل له الكتب لإعادة التغليف بعد إتلافها، وقد نسي أن يزيل اسمه. كما أنني كنت أضع في بداية كل يوميات عدد صفحاتها، وقد وجدت أن كثيراً من الدفاتر التي كانت في خمسين صفحة أصبحت ثلاثين، وأنا قلقة الآن لأنه اجتزأ من يوميات منيف مخافة أن يقوم بالتشويه فيها بالزيادة عليها مثلاً”.

 

ليس هذا فقط، بل إنه “انتهك الحقوق الفكرية لكتبه ورواياته الخاصة، فصوّر وتصرف كما يحلو له للمتاجرة. يخلع الغلاف غير مبالٍ بما يتعرض له، ويفتح ملازم ويصوّر ثم يعيد لمّه بطريقة بدائية”، مضيفةً أنه قام بـ”وضع صور مشوهة مكان النسخ الأصلية لبعض الكتب وأخذ الأصل. فتركت مكتبة عبد الرحمن حزينة قذرة ومشوّهة”.

أما الرسائل بين منيف وأصدقائه والتي كانت قوادري قد فرزتها وأعدتها للنشر، فقد سرقت هي الأخرى، إضافة إلى يومياته الخاصة التي كانت نشرت بعضاً منها وكانت ستنشر ما تبقى على التوالي، وكذلك “سرقت أوراقه الخاصة وكل المدونات، وتخطيطات ورسوم عائدة له ولبعض رسامين كبار رسموا على دفاتره أحياناً. والمريع سرقة مخطوطات لم تنشر بعد”. وبدايات لروايات، كما أضافت لنا، لم يكملها منيف.

لكن لماذا انتظرت قوادري كل هذه الشهور حتى تعلن ما حدث؟ تجيب بأنها أرسلت وساطات من المثقفين والأصدقاء بهدف تسوية الأمر، ولكن برقاوي الابن أنكر وزعم أنها اخترعت الأمر كلّه، ثم قيل لها “إن الأمر لا يستأهل كل هذا”. وعن اللجوء إلى القضاء، تبيّن “لقد تحدثت إلى محام فعلاً وقال لي إن سرقة مكتبة والشأن الثقافي برمته في ظل ظروف الحرب الآن هو أمر مهمّش، ولا يعتقد أن اللجوء إلى القضاء سيكون مجدياً”.

“العربي الجديد” اتصلت بسامي برقاوي الذي قال “ليس لدينا ما نقوله سوى أن ما ورد في بيان القوادري محض افتراء وأكاذيب وعار من الصحة”. وأضاف “لقد أقمت في منزلها تسعة شهور بطلب منها بحكم العلاقة التي تربط العائلتين والتي تمتد ﻷكثر من 50 عاماً والتي فسرت موقفها لاحقاً بأنه بدافع من الشفقة”.

ولدى السؤال عن تفسيره لهذا “الافتراء” إذا كانت تربط العائلتين صداقة عميقة إلى هذا الحد، أجاب برقاوي: “لا ندري من هي الجهة التي دفعتها لذلك” مستنكراً: “هل يعقل بأن سرقة كبيرة بهذا الحجم تكتشف بعد سنة كاملة (غادر برقاوي المنزل في 4/3/2014)، سنة كاملة كفيلة بأن تلفق ما تريد. هي تتكلم عن سرقة وإتلاف ما يزيد عن 15000 كتاب، من يتعرض لسرقة من هذا النوع لا يمكنه الانتظار يوماً واحداً، سيتصرف بسرعة باللجوء إلى القضاء. ما لجأت إليه منذ البداية هو الرغبة في التشهير واﻹساءة؛ بدأت بي وانتهت بوالدي وعائلتي. نحن كعائلة لا ندري السبب الحقيقي، التفسير الوحيد أنها تود بناء مجد لها من خلال اسم زوجها على حساب سمعة اﻷخرين”.

المصدر:العربي الجديد

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

  ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الجزء الأول

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

أدب السجون الوجه والواجهة

ملخص حول رواية” سراب بري “

تتناول الرواية حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد ، في جزءين و38 فصلا .
كما تتناول بعض لمحات من أحداث الربيع العربي، الذي مزّق سطوة الطغاة، رغم فداحة الخراب وعظمة التضحيات..
تدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال . دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة ، والمجتمع الذي تتناوله .
عامر عبدالله ، كاتب وصحافي ، يتم اعتقاله من الشارع ، وسط النهار، لأسباب سياسية ، ليتعرض بعدها لشتى أنواع التعذيب والقهر ، على يد المحققين ، ثم يخضع لمحاكمة صورية غير عادلة ، ليجد نفسه وسط المجرمين الجنائيين كعقوبة مضاعفة ، يقضيها في عذابات الحرمان من الحرية والأسرة والعدالة ..وغيرها . إضافة إلى أساليب القهر المادية والمعنوية ، التي يستخدمها السجان ، مثل الانتهاكات البشعة لآدمية السجين ، وحالات القهر والاغتصاب والجنون ، التي يتعرضون لها في المعتقلات والسجون .
يظل عامر عبدالله الشخصية المحورية ، وفي كل فصل ثمة شخصيات يضيفها إلى الحدث الروائي ، لتسرد صورة من الحياة المرّة والمهينة التي يعيشها السجين ، في ظل القهر والاستبداد من جهة ، والجهل والمرض والرذيلة من جهة ثانية .
يرى المؤلف هذا العمل ، شهادة حية على تجربة عاشها خلف القضبان ، كتبها داخل الأسوار ، ونجح في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية خاصة سوريا وليبيا..

   إلى الحوار……….

1
ماذا يمثل أدب السجون لكم؟؟
ثمة مسألتان في هذا السياق، أجد من المهم الإشارة إليهما في معرض إبداء رأيي، أو وجهة نظري حيال أدب السجون، وما يمكن ان يمثله بالنسبة إليّ، أو بمعنى آخر، كيف أنظر إليه.
من الناحية الإبداعية، فإن أدب السجون هو واحد من اشكال التعبير ، ويمكن ان يكون منتميا إلى احد الأجناس الادبية السائدة، من رواية، او نص شعري، نثر، او مذكرات، وغير ذلك، وقد يكون مزيجاً بين جنسين أدبيين أو أكثر، تبعاً لأسلوب الكاتب، وضرورات الكتابة احيانا. وبالتالي، فإن النظرة إليه، تأخذ جانباً نقدياً ومعرفيا متصلاً بالقيمة الأدبية والجمالية للنص الأدبي، أياً كان جنسه، وأسلوبه، وصيغته، وموضوعه. متخيّلاً كان أم واقعياً.
يحيلنا ذلك، الى المسألة الثانية، والمتصلة بمحتوى الكتابة وجوهرها. فأدب السجون يعدّ اليوم – في العالم العربي – من الموضوعات الرئيسة التي ينشغل بها عدد من الكتّاب المهتمين ، او الذين لديهم إبداعات في هذا المجال الأدبي، وهم قلّة، غير ان لكتاباتهم تأثيراً مهماً في الحياة الثقافية العربية. ويغطي هذا الاتجاه الأدبي، او يهتم بجانب مهم القضايا الجوهرية المتصلة بالنضال السياسي والاجتماعي من أجل الحريات والحقوق، في مجتمعاتنا العربية، التي تعاني من سطوة الإستبداد، والحرمان من الحريات، ومصادرة الحقوق.
يكشف أدب السجون عن المعاناة الإنسانية الكبيرة، التي يتعرض لها المعتقلون، عبر ممارسات السلطة الوحشية، في القمع، ونشر الخوف والرعب في المجتمع، كما يكشف عن تجارب حيّة او حقيقية، عاشها الكاتب، أو عاشها أبطال عمله الأدبي، كالرواية مثلا.
ما ينبغي الإشارة إليه، إلى أن ادب السجون، هو تجربة إبداعية، فيها من الواقع، ومن الصدق في استعادة التجربة وتصوّرها، وانعكاس الألم، ونقل لحقيقة الأحداث، ما يتفوق على أي متخيل، يمكن للمرء ان يتصوره، لشدّة اتصاله بنقل وقائع الألم الى حيز التعبير الأدبي، وهذه مسألة ينبغى الإلتفات إليها، في دراسة أدب السجون، ومقاربته نقدياً.


2


كروائي ابدع في الكتابة عن ادب السجون ماذا اردت ان تقدم من خلال روايتكم الموسومة سراب بري كأديب ومعتقل سياسي سابق؟؟؟
بلا شك، أردت أن أقدم تجربتي في الإعتقال والسجن، كمساهمة مني ككاتب وصحافي عاش تلك التجربة المرّة، وتأسيساً على اهمية دور الكاتب في أن يكشف الممارسات السلطوية الممنهجة في قمع المجتمعات، وفي قهرها، وفي محاولة إذلالها، بسبب التعبير عن رأي ثقافي او فكري، او بسبب موقفٍ أو انتماء سياسي، هو حقٌ أصيل لكل فرد في المجتمع. ساهمت كثير من الأعمال الأدبية روائية ام سيرية، ام شعرية، في رصد أوجه الألم والمعاناة التي يعيشها المعتقل، وأسرته، ومجتمعه المحلي الصغير. وهو ما يُعدّ مهمة امام الكاتب في الانحياز للناس، والتزامه بقضية الحريات، وفي تعرية الأنظمة القمعية وأدوات استبدادها.


من هنا، فإن روايتي ” سراب بري ” والتي كتبتُ فيها جزءاً يسيراً من تجربتي، وهي تتناول حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد. وتدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال، دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة، والمجتمع الذي تتناوله .


هذا العمل – بالنسبة لي – هو شهادة حية على تجربة عشتها خلف القضبان ، كتبتها داخل الأسوار ، ونجحت في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، دون استثناء، وهي جميعها تتشابه في ذلك، وتتعاون في تبادل خبرات القمع والقهر والتعذيب.


3


بعيد ثورات الربيع العربي.. كثر الحديث عن نهاية ادب السجون وبداية
ادب الحرية ولكن لم يدم التفاؤل طويلا اذ شهدنا ولادة جديدة لادب السجون ربما لا تزال صفحاته لم تكتب بعد أو انها ماتزال حبيسة المعتقلات والسجون
برأيكم هل يمكن لادب السجون ان ينتهي ومتى وكيف
الأدب، هو حالة مستمرة بصورة عامة، طالما ان الحياة فوق هذه الأرض قائمة، وأدب السجون هو أحد صور الإبداع الأدبي. أفهم المقصد من سؤالك، عما إذا كنا سنشهد يوماً نتوقف فيه عن الكتابة في الموضوعات السجنية، وان نحتفي بالحرية ، على سبيل الأمل. لا أعتقد اننا سنشهد يوماً كهذا، طالما هناك معتقل رأي واحد على وجه الأرض. خاصة بالنسبة لنا في العالم العربي. وطالما هناك آلام واوجاع نجمت عن ذلك، وأن هناك فاشيون مستبدون. الكتابة هي شكل من أشكال النضال من اجل الحرية، ومن أجل التذكير الدائم بأولئك الذين ما يزالون وراء الأسوار، يتعرضون للتعذيب، والحرمان، ويستشهدون تحت التعذيب، دون ان يعلم بهم أحد، حتى ذوويهم.


الربيع العربي، انبثق من قلب معاناة الشعوب، من اوجاعها، ومن توقها وعطشها التاريخي الى الحرية. سوف يبقى بشارة امل وخير في تاريخنا، وسوف تخلده الأعمال الأدبية. ومن وجهة نظري، سوف تشهد الرواية العربية، والإبداع العربي، مزيدا من الكتابة في استلهام قضية الحرية. صحيح أن الربيع العربي، تم الانقلاب عليه، وتطويقة، غير ان ما تغير، قد تغير، لم يعد مكاناً للخوف، تطور الوعي الجمعي بأهمية الحرية، سوف يبقى دلالة للمضي قدماً. لن تتمكن اعتى ديكتاتوريات القمع ان تعود الى تكميم الأفواه ومنع حرية التعبير. لقد تجاوزنا ذلك، ضحى شبابنا بأرواحهم من أجل ذلكن ومن اجل المستقبل.
الكتابة هي واحدة من ادوات الوعي، والنهوض به، سوى انه يعزز الذائقة الجمالية، لكنه أيضاً يغذي توقنا الدائم للتعبير عما نشعر بهن وعما نريده. وعن رأينا في كل شئ من حولنا.
النهوض الثوري محاصر، والكتّاب مضطهدون بصورة او بأخرى، والكتابة تتعرض للخنق أيضاً، عبر رقابة وسائل الإعلام، وعبر منع النشر، أو الحدّ منه، وعبر منع توزيع الكتب، ومنها كتب أدب السجون، بشكل خاص.
ما يزال هناك الكثير والكثير، لم يدوّن بعد في ادب السجون. لم اكتب انا سوى الشئ اليسير، ماتزال جروحي عميقة، واتطلع لكتابة ما استطيع في ادب السجون. لكل سجين رأي، قصة ورواية، يجب أن تنقل الى الناس. يجب ان يتعرف المجتمع الى القتلة، السجانون والى قادتهم السياسيين والأمنيين، الذين يرتكبون جرائم فظيعة بحق الإنسانية.


4


هل نحن بالفعل في منعطف أقسى من كافة ما مر في منعطفات السجون التي أبرزت لنا كل ما تزخر به مكتبة الأدب مما كتب في ادب السجون ؟؟؟؟
عالمنا العربي، لديه تاريخ غني، في السجون والمعتقلات السياسية، وفي مايجري داخل أقبيتها وزنزاناتها، خاصة في القرن العشرين، الى اليوم في العشرية الثالثة من القرن الواحد والعشرين. لدينا رصيد كبير من كتب أدب السجون، خاصة في الرواية، والتي تناولت السجن السياسي، بسبب الاحتلال الأجنبي، في مصر، حيث تعد رواية ” وراء القضبان” اول رواية عربية في ادب السجون صدرت عام 1949 للكاتب أحمد حسين. وكذلك الروايات التي تناولت العسف والاضطهاد والاحتلال، والأسر في فلسطين.
لكن الجزء الاكبر من ادب السجون، يتناول تجربة الاعتقال والقمع والقهر من قبل الأنظمة الوطنية، خاصة بعد الاستقلال. وتعد العراق وسوريا والمغرب، اكبر وأهم منتج لأدب السجون اليوم.


5
ما الفروق في رأيكم بين ادب السجون في الماضي والحاضر مع العلم ان ادب السجون حسب ما عبرتم كان من زمن سحيق بل في صدر الإسلام وضربتم مثلا بسجن الحطيئة وما جرى من قصته مع عمر بن الخطاب
ما يعلق بالذاكرة الجماعية ان اتصل الحديث عن ادب السيجون هو القمع والقهر والتعذيب
كيف ترى ادب السجون في العهد الإسلامي الأول وما تلاه في العصور الاموية والعباسية، وواقعنا الراهن…؟؟؟
تاريخياً، يُعدّ كتاب ” عزاء الفلسفة ” للمفكر الإيطالي أنيكيوس بوئيثيوس ، من أقدم الكتب المعروفة في أدب السجون، كتب داخل السجن، قبل ان يُعدم مؤلفه عام 524 م.
أما فيما يتصل بالعهد الإسلامي، لم أجد في الحقيقة، ما يمكن اعتباره أدب سجون، وفق حدود اطلاعي ومعرفتي. لكننا نتذكر قصائد الشاعر أبي فراس الحمداني في الأسر، وهي ماتعرف بالروميات، وأهمها ” أراك عصيّ الدمع “.
غير انه يتوجب الإشارة، الى حوادث كثيرة في العهد الإسلامي، إبان الدولتين الاموية، والعباسية، وبصورة خاصة الأخيرة، بشأن ما يمكن تسميته – وفقاً لمصطلحات اليوم – باضطهاد المفكرين والكتّاب، والفلاسفة، خاصة اولئك الذين اختلفت آراؤهم مع خلفاء المسلمين، والولاة ، او اصحاب المذاهب، في قضايا مختلفة، مثال ابن رشد والمعري، والطبري، وجابر بن حيّان، وابن جبير، وغيرهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يتعرض أحد منهم الى السجن بصورة مباشرة، ومن تمّ سجنه، قتل، وبالتالي لم يتمكن من كتابة المحنة التي مرّ بها.
إلاّ ان القرن العشرين، شهد انتقالاً مهما،ً لجهة اضطهاد الكتّاب والمفكرين، في العالم الإسلامي ( العربي خاصة) ، وتمت ملاحقتهم من دول الإحتلال، ثم لاحقاً من الدول الوطنية المستبدة، وبذلك، ظهر ادب السجون في المنطقة العربية، وتعاظمت محنة الكتّاب والمفكرين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، الذين تعرضوا للملاحقة الامنية والاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية، وبدأ أدب السجون بالنمو بصورة كبيرة.
في واقعنا الراهن، يُعتبر أدب السجون، واحدة من أهم ملامح الإبداع الأدبي العربي. وقد أبدع كتّاب عرب كثيرون روايات، ونصوص أدبية مهمة في أدب السجون، قلّ نظيره في العالم المعاصر اليوم، في دول أخرى من العالم. لقد أنتجت التجارب المريرة والقاسية، أدباً عظيماً، هو أدب السجون.

يتبع في الجزء الثاني