أرشيف سنة: 2022

مناقشة هادئة مع من بيده الملفات الخاصة مجموعة أطلس إسني نموذجا ؟؟؟؟ الجزء الأول بقلم زكرياء بوغرارة

مناقشة هادئة مع من بيده الملفات الخاصة

مجموعة أطلس إسني نموذجا

28 سنة سجنا … الى أين ؟؟؟؟

الجزء الأول

بقلم زكرياء بوغرارة

+++++++++++++

لاتزال ملفات مجموعة معتقلي أطلس أسني معلّقة منذ عقود.. وكان جديرا بمن يهمهم الأمر على الأقل حلحلت الملفات بإخراج المعتقلين من ظلمات الإعدامات والمؤبدات عقب وفاة الحسن الثاني … إذ تحسب هذه الملفات على مرحلة حكمه التي شهدت الكثير من الإعتقالات والسجون والمعتقلات سرية وعلانية لم يجد بعد انكشاف هول إنتهاكاتها غضاضة في تدشين منعطف العفو عن معظمهم سنوات قبل رحيله سواء بفعل الضغط الحقوفي الذي لاحق مرحلة ما سمي بسنوات الجمر والرصاص أو افتضاح المعتقلات السرية التي كانت رائجة في عهده..

لكن شيئا من هذا لم يحدث وتم إستثناء هذه المجموعة المعروفة إعلاميا من أي عفو .. أسوة بالملفات المماثلة لهم التي شمل عناصرها العفو على دفعات وفترات…

منعطفات ومحطات

عام 1999 وعند وفاة الحسن الثاني ومع بداية العهد الجديد تم اصدار عفو عن عدد من المعتقلين الإسلاميين ممن تم إستثناؤهم في عفو 1994م

وكان من ضمنهم بعض من ذوي المحكوميات بالاعدام

وظل الاستثناء … معمولا به إذ تم الإبقاء على مجموعات أخرى في السجون….

عام 2004م ومع انطلاق -ماسمي حينها- بالإنصاف والمصالحة تم اطلاق سراح معظم من تم استثناؤهم عامي 94 و99 من المعتقلين الإسلاميين و بقي الاستثناء شاملا لمجموعة معتقلي العدل والإحسان ومجموعة اطلس اسني الأقدم على الإطلاق في السجون المغربية

وفتحت أبواب السجون لمن تبقى من المجموعات الإسلامية ومجموعة حسن إغيري { التيار الرسالي}

وظل بعض معتقلي حركة المجاهدين -لايتجاوز- عددهم وقتها الاثنين او الثلاثة .. من بينهم الأخ عبد الوهاب النابت الذي خرج من السجن تقريبا بعد إتمام مدة محكوميته…..بعد أن قضى 18 سنة من أصل 20سنة

الواجهة الجديدة

مع بداية فتح السجون لاستقبال التيار السلفي الجهادي عقب تفجيرات الدار البيضاء 2003م تم إغلاق ملف مجموعة أطلس إسني تماما وأعيد ترحيلهم من عزلتهم في سجن سلا إلى حي الإعدام بالسجن المركزي القنيطرة

وبعد أن فتح باب العفو لمعتقلي السلفية الجهادية من العام 2005م الى مشارف العام الحالي … لم يستفد معتقلو مجموعة اطلس إسني إلا في عفو جزئي أنهى محكوميات الإعدام ليظل حالهم كما هو في متاهة السجن التي لا يكاد يبين له أفق محدد أو نهاية محتملة …..

إنها الحقيقة وليست مبالغة فمما لاشك فيه أن المعتقلين رضوان حمادي وسعيد إستيفان أيت يدر من مجموعة أطلس أسني هما الآن الأقدم على الإطلاق ضمن المعتقلين الإسلاميين والسياسيين في المغرب..

وهما أيضا الأكثر حظا في التعذيب الذي طالهما أثناء مرحلة الاعتقال والاستنطاق في أجواء مشحونة للغاية العام 1994م يكفي التأمل في الصور المنشورة لهما في تلك المرحلة للوقوف على ذلم و لإدراك مدى ما أصابهما من التعذيب الرهيب …

ثم في مرحلة السجن نالهما الحظ الأوفر والأكبر والأقسى على الإطلاق من العنت والتعذيب المادي والجسدي والعزل والتغريب وانعدام الزيارة والإنقطاع عن الأهل ….

غربة في المكان واللسان

وقد ظلا في السجون 28 سنة دونما غطاء حقوقي يواكب معاناتهما سواء من المنظمات الحقوقية في الداخل أوالخارج علمانية وإسلامية…

انتهاكات

بعيد إعتقالهما ومحاكمتهما في ظروف الاستثناء في التسعينيات من القرن الماضي تم ترحيلهما معا إلى السجن المركزي القنيطرة ولحي الإعدام على وجه التحديد بينما كان المعتقلون الإسلاميون في حي -دال- بالسجن المركزي القنيطرة الشاسع والقليل العدد اذ كان يتواجد فيه أقل من عشرين معتقلا

ولعدم إلحاقهما بمهاجع المعتقلين الإسلاميين قصص وغصص واعتبارات واصطفافات وحسابات

وقد ظلا سنوات يخوضان إضرابات طاحنة من اجل تحقيق مطلب الالحاق بمهاجع المعتقلين الإسلاميين بلا جدوى

أما غربة اللسان فهما لايتقنان العربية ولغتهمات الحوارية هي الفرنسية – ففي فرنسا كانت الولادة والنشأة- وازادهما البعد عن الاهل انقطاعهما بالعالم خارج السجن كان من نتائجه تراكم غبار النسيان على قضيتهم مافتئ أن تحول غبار النسيان إلى كثبان من رمال انهالت عليهما معا فدفنتهما وهما احياء…..

رحم الله القائل عن مثل حالهما في عتمات السجون

خَرَجنا مِنَ الدُنيا وَنَحنُ مِنَ اَهلِها

خَرَجنا مِنَ الدُنيا وَنَحنُ مِنَ اَهلِها

فَلَسنا مِنَ الأَمواتِ فيها وَلا الأَحيا

إِذا دَخَلَ السَجّانُ يَوماً لِحاجَةٍ

عَجِبنا وَقُلنا جاءَ هَذا مِنَ الدُنيا

وَنَفرَحُ بِالرُؤيا فَجُلُّ حَديثِنا

إِذا نَحنُ أَصبَحنا الحَديثُ عَنِ الرُؤيا

فَإِن حَسُنَت كانَت بَطيئاً مَجيئُها

وَإِن قَبُحَت لَم تَنتَظِر وَأَتَت سَعيا

محطات سجنية

بعد سنتين تقريبا من مكوثهما في حي الاعدم بالسجن المركزي تم إختلاق حادثة نشرت الصحف في التسعينيات من القرن الماضي بعض شذراتها التي كانت تبدو أوهن وأهون من بيت العنكبوت ومفادها أنهما حاولا القيام بعملية فرار من السجن المركزي العتيد ولحسابات سجنية تم ترحيلهما معا إلى السجن المحلي الزاكي بسلا في عزلة دامت قرابة 14 سنة حسب ما ما تسرب عنهما … وقتذاك

عزلة شاملة كاملة لأزيد من عقد لم ترفع إلا بعد سنوات من اعتقالات 16ماي ..2003م اضطرت فيها إدارة السجون لفك زنار الحصار والعزل عنهما واعادتهما سويا لحي الإعدام بالسجن المركزي القنيطرة …..

ولم يختلف الوضع في شيء الا في أسماء الأمكنة .. اما العزل فظلت جداراته عالية هائلة في الضخامة

يتبع ….

جدران العزلة مع سن قلم”.. لماذا يجب أن نقرأ في أدب السجون؟

لا نعرف تحديدا متى ظهر مفهوم السجن في تاريخ البشر، لكن يبدو وكأنه أينما ظهرت الحضارة الإنسانية ظهرت معها مفاهيم السجن والحرمان من الحرية بوصفها عقوبة. أقدم الإشارات التي وصلتنا عن عقوبة السجن تعود للحضارة الفرعونية وبلاد ما وراء النهرين، وكانت السجون في ذلك الوقت تقبع تحت الأرض، حيث يقضي المذنبون عقوباتهم حتى تنتهي حياتهم بالعبودية أو الإعدام.

ويبدو أن انتزاع الحرية وانقباض الظلمة على الروح في السجون قد ارتبط برغبة دائمة في التسجيل والتدوين والحكي، حيث يتسرَّب الزمن في السجن، وتتبدَّى الأيام متشابهة بلا فارق، لتصبح الكتابة وكأنها الوسيلة الأخيرة للتشبُّث بالزمن ومقاومة العزلة. وفي أحيان أخرى تصبح وسيلة لفضح ما يجري من انتهاكات غير إنسانية خلف جدران بُنيت كي ينسى العالم مَن احتُجِزوا خلفها، لتصبح الكتابة محاولة أخيرة لمقاومة النسيان.

ولعل واحدا من أوائل الكتب التي يمكن إدراجها تحت مظلة أدب السجون هو كتاب “عزاء الفلسفة”، الذي كتبه السياسي والمفكر أنيكيوس بوئثيوس خلال فترة السجن التي سبقت تنفيذ حكم إعدامه عام 524م، وقد ترجم الكتاب إلى العربية عادل مصطفى.

كان أنيكيوس مانليوس سيڤيرينوس بوئثيوس واحدا من أهم رجال الحكم في إيطاليا، تقلَّد الكثير من المناصب، فعمل رئيسا لمستشاري البلاط، وكبير مسؤولي المحكمة، وقائد حرس القصر، وقنصلا وعضوا في مجلس الشيوخ. لكن سطوع نجمه لم يدُم، إذ سُجن عام 523م بتهمة الخيانة بأمر من الملك ثيودوريك الكبير، وفي الأشهر القليلة التي قضاها خلف القضبان بانتظار لحظة إعدامه خطَّ كتابه الأشهر على الإطلاق “عزاء الفلسفة” الذي كان واحدا من أهم الأعمال في العصور الوسطى، وقد تناول فيه العديد من المسائل الفلسفية التي شغلت الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، حيث يصف ظهور امرأة جليلة في سجنه، ما نلبث أن ندرك أنها تُمثِّل تجسيدا للفلسفة التي تأتي لزيارته ومواساته. ومن خلال هذا التجسُّد يستعرض العديد من التساؤلات والأفكار والمسائل الفلسفية الكبرى.

عرف الأدب عموما، وفي جميع الثقافات واللغات تقريبا، كتابات يمكن إدراجها تحت بند أدب السجون، لكن المنطقة العربية تشهد غزارة في هذا النوع، في ظل أنظمة سلطوية تُحكِم قبضتها على رقاب الجميع، ومع احتشاد السجون العربية في مختلف الأزمنة بالمعارضين للسلطة نتج عن ذلك غزارة الأعمال الأدبية التي تتناول تجربة السجن. ولا تنتمي تلك الأعمال للعصر الحديث فقط، بل يمكننا إيجاد العديد من الإشارات للسجن والأسر حتى في نصوص صادرة في مختلف عصور الدولة الإسلامية. ربما يكون أحد أهم الأعمال الأدبية وأولها التي تناولت تجربة السجن في القرن الأخير هي رواية “وراء القضبان” للكاتب والسياسي المصري ومؤسس حزب “مصر الفتاة” أحمد حسين التي صدرت عام 1949.

“سيطول الانتظار أيها المسافر، ستموت قبل أن تسمع الكلمات التي تنتظرها، شاطئ المتوسط الشرقي لا يلد إلا المسوخ والجراء… وأنت تنتظر الخيول والسيوف! سيظل ذاك الشاطئ يقذف كل يوم عشرات الجراء، مئات الجراء، وحتى لو وصلت أعدادهم إلى الآلاف فستظل جراء تعوي في السراديب أو تموت في المزابل لأنها تريد ذلك”.

(عبد الرحمن منيف)

دعنا الآن نبدأ في عرض مجموعة من أهم الأعمال في أدب السجون، ولنبدأ برواية يعتبرها الكثيرون الرواية العربية المؤسِّسة لأدب السجون. نُشرت رواية “شرق المتوسط” في السبعينيات، وتناول فيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس في سجن لم يُحدَّد موقعه، لكننا نفهم من السياق أنه يقع في دولة عربية في “شرق المتوسط”، لتتسع المأساة شاملة كل سجون الشرق الأوسط تقريبا.

طالب جامعي شاب، من بين آلاف الطلبة العرب الذين قبعوا ولا يزالون حتى اليوم خلف قضبان السجون العربية، يتعرَّض للسجن والتعذيب على مدار 5 خمس سنوات تحطَّمت فيها روحه. لكن السجن الحقيقي في رواية منيف لم يكن سجن الجدران قدر ما كان سجن لحظة الضعف التي نالت منه وحرَّرته من سجن الجسد، لتُسقطه إلى الأبد في سجن ضميره.

التعليق من السقف، إطفاء السجائر في الجسد وموت الأم تحت ضربات الجنود، سلسلة من الأحداث الموجعة المُصمَّمة لكسر الروح والإرادة، التي تنتهي باللحظة التي يوقِّع فيها على ورقة الاعتراف وخيانة مبادئه، أخرج هذا التوقيع جسده من خلف أسوار السجن، لكنه حبس روحه للأبد في سجن طويل ومُمتد لا ينتهي إلا بالموت.

تلك العتمة الباهرة

تلك العتمة الباهرة

الرواية مُستلهَمة من التجربة الواقعية لعزيز بنبين، الذي اعتُقل لمدة عشرين عاما قضى منها ثمانية عشر عاما في سجن تزمامرت المغربي الواقع على ارتفاع 2000 متر فوق منحدرات جبال أطلس، بعد اتهامه وزملائه بمحاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني عام 1971.

على لسان عزيز بنبين، يصف الروائي الطاهر بن جلون زنزانة سجن تزمامرت بأنها أشبه بقبر، طولها 3 أمتار وعرضها متر ونصف، ويتراوح ارتفاع السقف بين 150-160 سنتيمترا بحيث لا يتمكَّن السجين من الوقوف مُنتصبا داخلها، ويروي كيف يقضي السجين اليوم داخلها يأكل ويشرب ويقضي حاجته ولا يرى الضوء أبدا.

يصف الكاتب الأهوال التي تعرَّض لها المساجين، المرض والطعام غير الآدمي، والعقارب التي يتعمَّد مأمور السجن نشرها للتخلُّص من المساجين وقتلهم واحدا تلو الآخر. وقد سُجن في هذه القضية ثمانية وعشرون شخصا دخلوا إلى السجن ولم يخرج منهم أحياء سوى أربعة فقط، يصف الكاتب كذلك كيف أصبح موت أحدهم ودفنه هو فرصته الوحيدة للخروج إلى الشمس.

تأتي واحدة من أكثر اللحظات إيلاما بعد خروج الراوي من السجن عندما أتت لحظة تمكَّن فيها للمرة الأولى بعد مرور 20 عاما من رؤية وجهه في المرآة، فيقول: “وللمرة الأولى منذ ثمانية عشر عاما أقفُ قبالة صورتي، أغمضت عيني، أحسست بالخوف. خفت من عينيّ الزائغتين، من تلك النظرة التي أفلتت بمشقة من الموت، من ذلك الوجه الذي شاخ وفقد سيماء إنسانيته”.

القوقعة: يوميات متلصص

القوقعة يوميات متلصص

الرواية تدور حول شاب درس السينما في فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقِل في المطار ليقضى ثلاثة عشر عاما من عمره في سجن تدمر الصحراوي الذي اشتهر بفداحة وسائل التعذيب خلف جدرانه، وذلك بتهمة العمل مع جماعة إسلامية رغم كونه شابا مسيحيا. تعرض الرواية تفاصيل التعذيب في سجون النظام السوري في ذلك الوقت، ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.

يروي البطل كيف انحبس في عزلة مضاعفة بعد أن عرف زملاؤه في السجن أنه مسيحي، فتجنَّبوه داخل المعتقل، معتقدين أنه جاسوس للنظام أو ﻹدارة السجن، وهو ما يجعله ينسحب إلى داخل قوقعة داخلية، ويتلصَّص من داخلها على ما يدور حوله، لكن المؤلم أن هذه القوقعة تبدو وكأنها التصقت به حتى بعد خروجه من السجن، حيث لم يستطع استعادة تواصله مع الآخرين ومع العالم خارج سجنه، لتُفرَض عليه عزلة لا تنتهي أبدا داخل قوقعته، يسترق من خلفها النظر إلى العالم دون أن يشتبك معه. يُذكر أن الكاتب قد تعرَّض لتجربة الاعتقال بالفعل عند عودته من الخارج على خلفية تقرير كتبه أحد زملائه في فرنسا، وقد أشار إلى أن الرواية مزيج بين تجربته الشخصية وتجربة أحد أصدقائه.

أعمال صنع الله إبراهيم

تعرَّض الكاتب صنع الله إبراهيم للسجن في عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، حيث حُكم عليه بالسجن سبع سنوات على خلفية اتهامه بالانتماء للحزب الشيوعي، وذلك ضمن حملة اعتقالات واسعة جرت في أواخر الخمسينيات وشملت العديد من وجوه النخبة الفكرية في ذلك الوقت، ومن بينهم عبد الحكيم قاسم، ويوسف إدريس، وشهدي عطية، وسامي خشبة، ومحمود أمين العالم، ولويس عوض، وغيرهم، وقد سجَّل أغلبهم تجربته في السجن، ما أثمر غزارة في الإنتاج الأدبي الذي يتتبع تجربة السجون المصرية في تلك الفترة.

يصف الكاتب المصري صنع الله إبراهيم السجن بأنه جامعته، وقد ظهر تأثير تجربة السجن جليا في العديد من أعماله الأدبية، بداية من روايته الأولى “تلك الرائحة”، ومرورا برواية “شرف”، وحتى كتابه “يوميات الواحات”.

تلك الرائحة و قصص أخرى لصنع الله إبراهيم

في مقدمة هذه الأعمال المجموعة القصصية الشهيرة “تلك الرائحة وقصص أخرى”، نُشرت المجموعة عام 1966، وصودرت في العام نفسه، وصدرت منها طبعات أخرى ناقصة، بعدما حُذفت منها بعض المقاطع، ولم تنشر كاملة مرة أخرى حتى عام 1986، أي بعد مرور نحو 20 عاما على النشر الأول. كان صنع الله إبراهيم قد أعاد اكتشاف نفسه في السجن، حيث اعتاد تسجيل يومياته وممارسة الترجمة والكتابة، وهو ما استمر في فعله بعد الخروج من السجن. تضم المجموعة أيضا قصص “الثعبان” و”أرسين لوبين” و”أغاني المساء” التي خطَّها الكاتب في سجن المحاريق في الواحات الخارجية عندما كان معتقلا.

تدور القصة الرئيسية التي حملت المجموعة عنوانها “تلك الرائحة” حول يوميات الكاتب بعد خروجه من السجن حينما كان خاضعا للرقابة القضائية التي تستلزم وجوده في المنزل من غروب الشمس حتى شروقها، وقد جاء فيها قوله: “لماذا يتعيَّن علينا عندما نكتب ألا نتحدَّث إلا عن جمال الزهور وروعة عبقها بينما الخراء يملأ الشوارع ومياه الصرف تغطي الأرض، والجميع يشمون الرائحة النتنة ويشتكون منها؟”.

شرف

شرف لصنع الله ابراهيم

الرواية المنشورة عام 1997 لا تدور أحداثها هذه المرة حول السجون السياسية، فبطلها أشرف، أو “شرف” كما اعتادت أمه تدليله، يُسجَن بسبب دفاعه عن نفسه ضد محاولة أحد السائحين الأجانب انتهاكه جنسيا. يدخل شرف إلى السجن وتبدأ الرواية في تسليط الضوء على أوضاع السجون الجنائية، وما يحدث فيها. كما يتناول الكاتب صنع الله إبراهيم بأسلوبه التوثيقي الأثير الجرائم التي ترتكبها شركات الأدوية تجاه شعوب دول العالم الثالث، وكيف تتحكَّم في رؤوس أموال الدول وتُحوِّل مواطنيها إلى حقول تجارب، وهي حقائق يكشفها عبر مذكرات سجين آخر هو الدكتور رمزي. وعلى الرغم من أن تهمة البطل هنا ليست سياسية، فإن السجون يبدو وكأنها تتشابه بشكل أو آخر في البؤس الذي تنزله بأصحابها.

يوميات الواحات

يوميات الواحة صنع الله ابراهيم

في عام 2003، طلبت إحدى المجلات من الكاتب صنع الله إبراهيم الكتابة عن العوامل التي ساهمت في تكوينه الأدبي، فقرَّر اختيار بعض اليوميات التي كان يكتبها في السجن لنشرها في المجلة، ومن هنا جاءت فكرة إعادة تجميع اليوميات ونشرها، حيث وجد الكاتب أنها قد تكون مفيدة في إلقاء الضوء على أحداث تلك الفترة، وكذلك على ظروف تكوينه بوصفه كاتبا، وهو ما حدث بالفعل حيث نُشرت “يوميات الواحات” عام 2005.

في القسم الأول من الكتاب الذي حمل عنوان “مدخل”، استعرض الكاتب أحداث نشأته وعلاقته بأسرته وبدايات اهتمامه بالقضايا السياسية والعمل السياسي المنظم بعد التحاقه بتنظيم “حدتو”، وهي الأحرف الأولى من “الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني”، أما الجزء الثاني فهو اليوميات التي كتبها خلال فترة اعتقاله في سجن الواحات، وقد كُتبت هذه اليوميات في شذرات على أوراق لف السجائر، وخُبِّئت وهُرِّبت خارج السجن، ومن خلالها تمكَّن القارئ من التعرُّف إلى بواكير تكوين صنع الله إبراهيم، وكيف استطاع استكشاف هويته كاتبا خلال فترة السجن، حيث بدأ في كتابة فصول من روايات لم تُنشر، وقصص قصيرة، وترجمة بعض الأعمال الأدبية والنقدية، إضافة إلى تسجيله أعمال التعذيب الوحشية التي تعرَّض لها المعتقلون السياسيون في ذلك الوقت، وكيف أدَّت إحدى حوادث التعذيب إلى مقتل المناضل البارز في ذلك الوقت “شهدي عطية”.

بعد العديد من المواجهات بين المعتقلين وإدارة السجن ورضوخ الإدارة لبعض متطلباتهم، تحسَّنت الأمور بعض الشيء، فسُمِح بدخول الكتب والجرائد وعمل ما يشبه المسرح، وقد قرَّر المعتقلون إقامة معرض للكتب الصادرة داخل السجن، وشارك صنع الله إبراهيم بترجمة جانب من مذكرات الشاعر الروسي يفتوشنكو، إضافة إلى مساهمته مع عبد العظيم أنيس في ترجمة دراسة عن همنغواي.

مذكراتي في سجن النساء

مذكراتي في سجن النسا نوال السعداوي

“لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات، لكنه قد يموت من الانتظار، الانتظار يُحوِّل الزمن إلى اللا زمن، والشيء إلى اللا شيء، والمعنى إلى اللا معنى”.

(نوال السعداوي)

في السادس من سبتمبر/أيلول عام 1981، أُلقي القبض على الطبيبة المصرية الراحلة نوال السعداوي، حيث اقتحمت قوات الأمن منزلها واقتادتها إلى سجن القناطر لتلتقي بمجموعة كبيرة من الناشطات اللاتي أُلقي القبض عليهن في موجة اعتقالات واسعة عقب ما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في الشهور الأخيرة من حكمه.

صوَّرت الكاتبة واقع السجن، وكيف تدبَّرت أمرها بين جدرانه كي تقاوم ظروف الحبس السيئة، وكيف كانت تكتب داخل السجن على أوراق المحارم الورقية أو أوراق لف السجائر، ولم تتوقف السعداوي عند تسليط الضوء على تجربة السجن السياسي، لكنها تُسلِّط الضوء أيضا على قصص بعض السجينات من غير السياسيات.

حرز مكمكم

حرز مكمكم أحمد ناجي

هذا الكتاب يختلف تماما عن أدب السجون المعروف، فطبقا للكاتب أحمد ناجي فإن “غالبية كتابات أدب السجون العربية سُجن أصحابها بسبب نشاطهم السياسي، وبالتالي فالسجن هنا استمرار للنضال السياسي. إنه يحافظ على عقله من الجنون، وعلى روحه من التعفُّن من أجل مستقبل أفضل يصنعه مع حزبه أو جماعته حينما يخرج”.

في عام 2016، فجَّر الحكم على الكاتب المصري أحمد ناجي بالسجن لمدة عامين موجات واسعة من الغضب في الأوساط الأدبية والصحفية، وجاءت تهمة أحمد ناجي “خدش الحياء العام” بسبب نشر فصل من روايته “استخدام الحياة” في جريدة أخبار الأدب المصرية. قضى أحمد ناجي عاما في السجن قبل أن تُوقف محكمة النقض الحكم ويُفرج عنه، لتُعاد محاكمته ويُعاقب بالغرامة.

يختلف الكتاب بالفعل عن جميع كتب أدب السجون، فهو يُركِّز على التجربة الذاتية للكاتب، دون تحميلها أي مضامين سياسية أو أيديولوجية، التهمة هنا هي اللغة، يقبض الكاتب على لغته، ويلاعبها ويشتبك معها ومع أفكار مختلفة ومتنوعة حول القراءة والكتابة داخل السجن، التي تتخذ أبعادا أخرى عنها خارج السجن.

فكما يصفها ناجي، تصبح القراءة والكتابة بمنزلة طوق نجاة للجميع، حتى هؤلاء الذين لم يلقوا لها بالا قبل دخول السجن، كونها واحدة من الوسائل النادرة لتزجية الوقت الثقيل خلف الأسوار. يُسجِّل الكاتب أيضا أحلامه وشذرات يومية عن تجربة السجن وعلاقته بالمسجونين، ووسائل النجاة التي اتخذها للبقاء والنجاة خلف الجدران.

تصف هذه الروايات، بأقلام مختلفة، ومن زوايا متباينة، طبيعة الحياة داخل السجن، وما تفعله الأسوار بنفوس القابعين في الظلام داخلها، وكيف تظل تحبس أنفسهم حتى بعد خروجهم إلى عالم النور. هي تخبرنا أيضا، بأوضح الطرق الممكنة، أن السجن هو أقسى العقوبات التي تفتَّقت عنها قريحة البشر، وأنه ما من بريء يستحق أن تُسلب روحه في ذلك العالم المظلم من أجل رأي مخالف أو كلمة حق، أو لحظة خالصة من التمرُّد على الطغيان والظلم.

المصدر : الجزيرة

كلمة في تأبين المعتقل الإسلامي السابق احمد شهيد بعد رحيله بقلم عبد الله العماري

كلمة في تأبين المعتقل الإسلامي السابق أحمد شهيد بعد رحيله

بقلم الأستاذ :عبد الله العماري

توفي أخونا ورفيقنا في محنة سجون زمن الجمر، أحمد شهيد، لا بل أقول إنه لم يمت، إنه استشهد وارتقى إلى الرفيق الأعلى يشكو لربه المنتقم الجبار ظلم العباد، يشكو لربه حكمين ظالمين بالإعدام مرتين، يشكو لربه ربع قرن من الاعتقال السياسي والتطواف على سجون المغرب، بدء بالمعتقل السري درب م الشريف، ومرورا بزنازن الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة.

عبد الله العماري

ومرض السرطان الخبيث الذي داهمه فجأة، وعطل جهازه الهضمي، و حرمه نعمة الأكل ثمانين يوما، ثمانون يوما عاشها الشهيد يتضور من عذابات الجوع والأرق والألم، السرطان الخبيث الذي دمر أحشاءه كان نتيجة حتمية لعشرات الإضرابات عن الطعام التي خاضها الشهيد طيلة ال 25 سنة في السجون وهو يقاتل بأمعاءه الفارغة من أجل كرامتة كرامة المعتقل السياسي ومن أجل حقوقه المشروعة حقوق المعتقل السياسي، والسرطان الخبيث الذي فتت كبده وطواياه كان نتيجة طبيعية لمئات من المصادمات والمواجهات التي كان ينافح فيها الشهيد بغيظه ضد أهواء السجان والجلاد.

ألم يكن هذا الترحال العمري القاسي بأهواله طريقا إلى تلك الميتة المعذبة، ميتة الإستشهاد.

ليس هذا فحسب، بل إن الشهيد استشهد مرتين، في المرة الثانية قتله الضمير الميت لمتعهدي مهنة الضمير، مهنة الطب .

نعم إن الموت قضاء وقدر وأجل مسمى وكتاب إلهي لا استئخار فيه ولا استقدام، ولكن الطب ذي الضمير الحي والرسالة السامية وظيفته أن ينقذ بني البشر من العذاب ومن الخطر الداهم المقدور عليه.

هذا الطب وأهله ورجاله، ياسادة كرام، كانوا يرون الشهيد يتعذب جوعا، ويستغيث بهم أن يغلبوه على هذا الجوع، ويخلصوه من هذا العجز والتعطل الذي اعترى جهازه الهضمي، فلم يعد يقبل مضغة طعام واحدة، وكانوا في البداية يعدونه بقدرتهم على ذلك، ويعدونه بإجراء عملية على معدته، ثم بعد ذلك بدأ مسلسل الكذب والتسويف ثم التعذيب النفسي بالإعراض والتخلي دون جواب مقنع، والشهيد يتقطع يوما بيوم من الداخل، دون أن يستطيع ويطيق رشفة شيء ولو مرة واحدة سوى رشفات مرتجفة من الماء باستثقال ومرارة، ومرت أيام ماقبل رمضان، ثم رمضان بطوله ثم شوال بعرضه، وبقي الشهيد عاضا على جوعه وآلامه بأسنانه، وبقي متعهدوه من أهل الطب سادرون في نعيم غفلتهم وإعراضهم عن فعل شيء للإنقاذ أو النصح بشيء للإسعاف، فهل يعجز الطب عن هكذا أزمات ، ثم ياللبشاعة يخضعونه للعلاج الكيماوي وهم يعلمون أن الرجل لايأكل ولا يطعم ومن ثم فلا طاقة له على الكيماوي، ولا مناعة له.

ليس ذلك فحسب، بل إن أيوب الشهيد صاح ملء السماء، لقد حمل آخر ماتبقى معه من جهد، وجمع آخر ماتبقى منه من أعصاب ومن كلمات متضعضعة بالكاد ينطقها، وربط الاتصالات الهاتفية من هنا وهناك، ونظم لقاء مصورا في قناة بلانكا بريس، كان من أعماقه يريد أن يرسل صرخة مرموزة ولو خافتة ومبهمة إلى من يهمه الأمر من رفاقه الحقوقيين، المناضلين السياسيين سابقا، في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، كي يبادروا إلى فعل شيء يضمن العناية الطبية، ولكن هذا المنتدى، والشهيد عضو من أعضاءه، صم آذانه كأن لم يسمع، وأعمى أعينه كأن لم يرى، ولم ينبس حتى بكلمة إنسانية فضلا عن كلمة عزاء، فما أيتم الإنسانية وماأكذب شعآرات النضال في زمن البهتان والنكران.

والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويالهذا المجلس، الذي أسس زمن رجال المصالحة والإنصاف، وتأسست معه الوظيفة الكبرى له: رعاية ضحايا الانتهاكات الجسيمة، فقد كان الشهيد يستصرخه من خلال ماصوره من برنامج، ولكن لا حياة لمن تنادي، بالرغم من أن بنزكري وحرزني والرويسي والوديع كانوا جميعا من رعاة ومتعهدي الشهيد في الدفاع عنه حتئ الإفراج عنه سنة 2008.

رحمك الله أخي الشهيد وألحقك بالأنبياء والشهداء والصالحين،وبكت عليك السماء والأرض لما تغافلتك أعين اللئام، وأبدلك الله الملأ الأعظم الأكرم خيرا مما في الأرض جميعا، وعوضك الله بعمر السجون خلودا في الفردوس الأعلى، وجعل الثمانين يوما من عذاب الجوع والألم والأنين والأرق وعذاب ذوي الضمير الميت، جعلها لك طهارة وشفاعة وقربات عند من له الفضل والعدل والعفو. أمين.

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

 بقلم زكرياء بوغرارة

 مشرف موقع ادب السجون

إنها الأخوة في الله حين تزهر وتونع وتورق وتثمر أعظم نعمة من الباري سبحانه وتعالى جل وعلا..يقول حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلمأخلاءُ الرخاءِ همُ كثيرٌ * وَلكنْ في البَلاءِ هُمُ قَلِيلُفلا يغرركَ خلة ُ من تؤاخي * فما لك عندَ نائبَة خليلُوكُلُّ أخٍ يقولُ : أنا وَفيٌّ * ولكنْ ليسَ يفعَلُ ما يَقُولُسوى خلّ لهُ حسبٌ ودينٌ * فذاكَ لما يقولُ هو الفعولُانها الاخوة الصادقة .. ولاتبرز في مكان بروزها في المحن والبلاءات

شدني الشوق لرجل عرفته في السجن كان كلما فتحت ابواب منفرداتنا ونحن في عزلة السجن المركزي القنيطرة الا وهرول نحو منفردتي مبتسما باشّا ينتظر الحارس لفتح قبوي تفتح الباب فيعانقني بود كأنما كانت بيننا غيبة السنوات وليس الساعات ويجرني من يدي في رفق وحب الى منفردته لأتناول معه الغداء أو أحتسي الشاي ونتبادل سويا اطراف حديث ذو شجون .. عرفته في كل حالاته رقيق القلب لازلت اذكر يوم وصلنا خبر غير مؤكد عن وفاة الشيخ محمد الفزازي الأب وجدته حزينا يكفكف دمعه مكثت ارقبه وهو يمنع دمعه حتى هوت دمعات وقال لي لقد كان اخي وصاحب ودي…. واثنى عليه جميل الثناءوذات يوم دخلت منفردته ووجدته يمسح دمعه فسألته فكتم عني ولم ازل ألحّ عليه حتى قال لي يا ولدي جائني الاخ فلان … واخبرني عن حال زوجته وأبناءه بعد قدومه من الزيارة فبكيت لما اصاب المسلمات من الضيق …

وان أمكث اذكر ذكرياتي معه ما كففت لكنها الذكرى …انه الشيخ شيبة الحمد شعيب أرقيبة.. ما سرني شيء في هذا العيد مثل خبر الافراج عنه بعد قرابةالعشرين سنة من السجون والمعتقلات كانت تغص بالابتلاءات الثقيلة… اتصلت به اليوم مهنئا له.. فلم أجد تلك العاطفة الاخوية الا في قمة وهجها وذلك اللسان الحلو الطيب يقطر حلاوة وطلاوة لاتمل وجدته رغم كرور سنوات الابتلاء حاضر الذهن .. عميق الثبات صادق المشاعر حاتمي الكرم… ودودا طيبا خلوقا نعمت بتواصلي معه شيئا يسيرا من الزمنفلله أنت ايها الشيخ المبارك الصابر المحتسب… كنت تقول لنا ونحن في السجن سأخرج عندما يأذن الله ويعفو … وكان خروجه من السجن فضلا ومنة من الله تعالى ….. من حيث لايدري…فقدت بصرك في العتمات وتقدم بك العمر فيه فبشراك بما قدمت من غير منّ بل بصبر وقرة عين…ان احيا ماحييت فلن انساك وان تقول لي ذات يوم في حديث دار بينناأَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاما تذوقت معانيها الرائقة الا في تلك العتمة….آن ل ايها الشيح ان ترتاح بعد طول رحلة الى الله كانت بداياتها مزهرة ونهاياتها مثمرة.. ليست نهايات بل بدايات جديدة مع الله تعالى اطال الله في عمرك وبارك في ذريتك وعقبك ..وجعل ما قدمته من نفسك وما اصابك من بلاءات في السجون في مزيان حسناتكقال الإمام إبن القيم رحمه الله :” كُلَّ مُصِيبَةٍ دُونَ مُصِيبَةِ الدِّينِ فَهَيِّنَةٌ ، وَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ نِعْمَةٌ ، وَالْمُصِيبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُصِيبَةُ الدِّينِ” .[ مدارج السالكين – ٣٠٦/١ ]بتلك العزمة التي لم تزل متوهجة عرفتك ولاتزال …..

بدايات أدب السجون تحت أعواد المشانق..يوليوس فوتشيك

رائد الحواري
يعتبر هذا الكتاب من أوائل الأعمال الأدبية الإنسانية التي تحدثت عن الاعتقال السياسي عالميا، وقد أخذ في الانتشار عندما عملت الأحزاب الشيوعية العربية والعالمية على تدريسه لأعضائها، وبدون شك أنه كتاب يستحق التوقف عنده، لما فيه من مواقف إنسانية قبل أن تكون حزبية، ومن هنا تكمن أهمية الكتاب، فهو يتجاوز مكان الأحداث جمهورية التشيك ليصل إلى كل إنسان يواجه ويحارب الاحتلال والحرب والقهر.

هناك هدف لأي الكتاب وهدف كتاب “تحت أعواد المشانق” يتمثل في هذه المسألة: ” أريد أن يعرف كل الناس أن ليس هناك أبطلا مجهولين قد صنعوا التاريخ، كانوا بشرا، لهم اسماء ووجوه، ورغبات وآمال، … أريد ان يكون كل هؤلاء قريبين منكم دائما كأناس عرفتموهم جيدا، كأعضاء في أسرتكم، كأنهم أنتم ذاتكم” ص55، تأكيد رائع على إنسانية الشهداء الذي قدموا حياتهم في سبيل حريتنا نحن، في سبيل خلاصنا من ظلم المحتل، وعندما نقوم بهذا الوفاء فأن مردوده/انعكاسه يكون لنا نحن قبل أن يكون للشهداء، لأننا من خلال هذا الوفاء نؤكد على تواصلنا الوطني والقومي والإنساني.
في حالة الاحتلال يفقد العدو كل القيم الإنسانية ويتعامل مع الشعب الخاضع له بل صلافة وعنجهية، فيعمل على اعتقال للأشخاص الوطنيين غير المتفقين معه، من هنا يطال هذا الاعتقال المقاومة الوطنية والسياسية لقوات الاحتلال، فيتم اعتقال كل من لا يكون/يدعم القوات المحتلة، من هنا سيطال أي معارض أو غير متفق مع نهج القوات الغازية، يلخص لنا “يوليوس فوتشيك” عقلية القوات المحتلة بهذه العبارة: “إذا كان العدو قويا ومتوحشا فهو لا يجيد سوى التدمير” ص73، وكأن الكاتب من خلال هذه الفقرة يريدنا أن لا نتوقع من المحتل سوى الخراب والتدمير والقتل، من هنا علينا مواجهته، فلا سبيل للعيش معه أو تحت حرابه.
من المشاهد الإنسانية التي تجعل الكتاب عالمي هذا الموقف: “وحدها زوجتي لم تعرف عني شيئا، كانت وحيدة في زنزانة في الطابق الأسفل، على بعد ثلاث أو أربع زنزانات مني، تعيش فريسة القلق واليأس” ص34، تأكيد من الكاتب على العلاقة الإنسانية التي تجمعه بزوجته، فهو يحمل همها ويتألم لألمها، متجاهلا ما يمر فيه من عذاب جسدي ونفسي.
وهناك مشهد يبين لنا تشبث هؤلاء المعتقلين في الحياة، فهم عشاقها ولم يخلقوا ليموتوا بطريقة غير طبيعية/غير إنسانية، من خلال اعدامهم لأنهم يرفضون ويقاومون المحتل: “لا حياة بدون أغان، كما لا حياة دون شمس، ونحن هنا، بحاجة إلى الغناء أكثر من غيرنا بمرتين، لأن الشمس لا تصل إلينا” ص35، هل يعقل ان يفكر إنسان يخضع لأشرس أنواع التعذيب وينتظر تنفيذ حكم الاعدام بالغناء والشمس؟ بالتأكيد المقصود من وراء هذا المشهد هو اصرار وتشبث الإنسان بالحياة، بالحياة البهية وليس تلك القاسية، وأيضا يقدمنا هذا الكلام من ضرورة تجاوز الألم والقهر والانتقال إلى الحياة وما فيها من هناء، فنحن وجدنا فيها للفرح وليس للشقاء.
من اشكال تجاوز السجن وما فيه من ألم هذا القول: “المساجين والوحشة، لفظتان لا تنفصلان، وهذا خطأ فادح، فالسجين ليس وحده، لأن السجن هو مجموعة كبيرة لا يمكن أن تنتزع منها العزلة الاقسى شخصا أن لم يقص نفسه هو ذاته، وأخوة المضطهدين هنا هي عرضة لضغط يكثفها، يقسها، ويجعلها أيضا أرهف حسا، فهي تحترق الجدران التي تحيا، تتكلم، وتكتب الرسائل، وتعانق زنزانات نفس الرواق المرتبطة بهموم مشتركة” ص49، وكأن الكاتب يؤكد على ضرورة التمسك بالحياة، رغم وقع السجن، فهو يعتبر الحياة أهم وأرقى وضرورة للإنسان، من هنا نجده يقدم هذه الرؤية للحياة متجاوزا الجدران والألم.

أيام في جوار غرفة الاعدام

بقلم أحمد ناصف

بقلم أحمد ناصف

في سجن الاستئناف كنت نزيلاً فترة الامتحانات بجوار غرفة مقصلة الإعدام. سجن الاستئناف يجتمع فيه تنفيذ إعدامات عدة سجون من حول القاهرة. المقصلة يفصلها عني حائط، يمر من أمام باب غرفتي المساقون إلى الموت كل أحد وثلاثاء، عند شروق الشمس، بالبذلة الحمراء والشوال الأسود على رؤوسهم وأيديهم مربوطة من ظهورهم. ليلة الإعدامات يكون هناك نشاط بالطابق مختلف، مسح أرض العنبر بالماء والصابون، بخور يشعل، وشيخ من الأزهر، وسباب وشتائم، وصراخ من الدور الثاني من الأعلى من طابق زنازين الإعدامات،

ومنهم من يتلو القرآن بصوت مفجوع، ومنهم من يجن ويتألم مزلزلاً الأرض، من الموت الذي يموته كل لحظة وهو ينتظر دور المقصلة عليه… في الطابق الأسفل منه مباشرة. المقصلة لا بد من تحقيق تشغيلها، وتجربتها عدة مرات ليلة الإعدام وسط الطقوس. حين تفتح للتجربة وتهوي البوابة يحدث صوت صرير، وقصل، وارتطام جبل من الحديد بآخر، صوت تخرج له الروح فزعاً، وينفطر القلب هلعاً، وتجحظ العين رعباً. هذا الصوت هو نذير يوم أسود على زنازين الإعدام وعلي أنا أيضاً. المساقون إذا هلعوا من الموت وهم على باب المقصلة فإنهم يهرعون على الباب المجاور (باب حجرتي أنا) يطلبون الفرار من الموت، الفتحة التي في الباب رأيت منها رعباً لا يوصف، وكم من مُساق إلى الموت ألقى برعبه كله عليَّ من فتحة الباب: «أنا مش عاوز أموووت». فأموت أنا قبله يدخلون به سحباً وجراً ودفعاً وقرآن يتلى، وتلقين شهادة… وتفتح المقصلة، وينفجر القلب من مكانه من الصوت والصرير والاصطدام، يا ربي في صباح يوم أعدموا ثمانية. يدخل على أقدامه، يخرج جثة، يضعونها جانباً أمام عيني إن نظرت أنا من فتحة بابي. يدخل الثاني والثالث والمقصلة والارتطام والصرير والصراخ والهلع أمامي، والمبنى يهتز، وصراخ من زنازين الإعدام، وقرآن يتلى، وجثث تُرتب جوار بعضها جنباً إلى جنب، والرابع، والخامس، وأفزع للصلاة، وأرفع من السجود، وأجد عيناً من فتحة بابي تجحظ فيَّ، فأنسلخ روحاً من جسد وأصرخ، أحدهم لم يضعوا على رأسه الشوال الأسود، يحدق فيّ، يا ويلي!! ولا أشعر بالصلاة فأرتعش من نظري إليه. ماذا عليَّ أن أقول له؟! كيف أتكلم ونظراته جمَّدتني رعباً. حتى سحبوه من أمامي وسكن المكان قليلاً… ثم وقع الارتطام. الموت هناك أهون من الانتظار.

توصية أميركية بالإفراج عن سعودي معتقل في غوانتانامو

أوصت السلطات الأميركية بالإفراج عن معتقل في سجن غوانتانامو العسكري يشتبه في أنه حاول المشاركة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول وتسليمه للسعودية، وفقاً لوثائق نُشرت الجمعة.

وارتأت لجنة المراجعات في غوانتانامو أن اعتقال السعودي محمد القحطاني “لم يعد ضرورياً” لحماية أمن الولايات المتحدة من “تهديد خطر”. واتُّهم القحطاني بأنه الخاطف العشرون الذي كان يفترض أن يشارك في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وأعلنت اللجنة أنه “مؤهل للنقل”، وأوصت بمشاركته في “برنامج إعادة تأهيل” في مركز يستقبل جهاديين سابقين في السعودية لهذه الغاية.

وقالت اللجنة إنها أخذت بالاعتبار “حالة المعتقل النفسية السيئة” و”الدعم الأسري الذي قد يحظى به” و”نوعية” الرعاية التي سيتلقاها في بلاده. كذلك، أوصت باتخاذ إجراءات أمنية بشأنه، بما في ذلك المراقبة وفرض قيود على السفر. وكان محمد القحطاني من أوائل السجناء الذين نُقلوا إلى غوانتانامو في يناير/كانون الثاني 2002.
تقارير دولية
عد عكسي لإغلاق معتقل غوانتنامو: نهاية مؤجلة لحقبة سوداء

وقد وُثِّق التعذيب الذي تعرض له على نطاق واسع. وكان قد وُضع خصوصاً في الحبس الانفرادي لفترة طويلة، وحُرم النوم وتعرّض للإهانة بسبب ديانته. واعترفت سوزان كروفورد، القاضية العسكرية التي ترأست المحاكم الخاصة بغوانتانامو في عام 2009 بأن “القحطاني تعرض للتعذيب”.

وقالت كروفورد: “لهذا السبب” لم يُحَل هذا الملف على المحاكم الخاصة بالمعتقلين في السجن العسكري.

وكان محمد القحطاني قد وصل إلى مطار أورلاندو بولاية فلوريدا في 4 أغسطس/آب2001، لكن سلوكه لفت انتباه ضابط الهجرة الذي ظن أنه كان ينوي البقاء في الولايات المتحدة بصورة غير قانونية، ولم يُسمَح له بدخول الولايات المتحدة ورُحِّل إلى دبي.

وكشف التحقيق في هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي أودت بحياة 3000 شخص، ضلوعه واعتُقل في أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2001. ووافقت الولايات المتحدة الشهر الماضي على إطلاق سراح خمسة معتقلين.

وينتظر عشرة معتقلين، بينهم العقل المدبر المفترض لهذه الهجمات، خالد شيخ محمد، صدور الحكم في حقهم من قبل لجنة عسكرية. وأنشئ مركز الاعتقال هذا قبل 20 عاماً، في إطار “الحرب على الإرهاب”.

(فرانس برس)

الأسير المحرر أحمد الغول يروي تفاصيل مروعة عن تعذيبه لدى الأجهزة الأمنية: يعاملون العملاء باحترام

جنين – خاص قدس الإخبارية: بعد أكثر من 50 يومًا من اعتقاله لدى اللجنة الأمنية في نابلس، أفرجت الأجهزة الأمنية عن الأسير المحرر أحمد الغول من مخيم جنين، والذي اعتقل في نوفمبر ٢٠٢١ خلال “حملة أمنية” نفذتها السلطة الفلسطينية داخل محافظة جنين ومخيمها. 

خلال فترة اعتقاله، يروي الأسير المحرر الغول عن تعرضه للضرب الشديد والشبح والتقييد، ويضيف: “وضعوا على رأسي “كيس خيش” خلال اعتقالي ونقلي من سجن الجنيد إلى اللجنة الأمنية في نابلس، وسحبوا منّي البطانية والفراش في بعض الليالي، وتركوني في البرد الشديد خلال ساعات الليل، كما حاولوا حرماني من النوم، وتعمدوا سب الذات الإلهية أمامي”.

 ويتابع الغول في حديث خاص لـ “شبكة قدس”: “بينما كنت أتعرض للتعذيب والضرب، كنت أشاهد بعض العملاء الذين نعرفهم جيدًا في جنين وهم يعامَلون أحسن معاملة”، مشيرًا إلى أن التحقيق معه تمحور حول علاقته بحركة الجهاد الإسلامي.  

وردًا على تصريحات محافظ محافظة جنين أكرم الرجوب بأن الحملة الأمنية في جنين لم تستهدف مناضلين بل “زعران” وخارجين عن القانون، يعقّب الأسير المحرر: “أقول للرجوب بأننا نحن من حمينا المخيم، وسهرنا الليالي ونحن نحميه من قوات الاحتلال، ولا يحق للرجوب الذي تم جلبه لهذه المدينة كمحافظ لها وهو ليس ابنها أن يعيب على أهلها نضالهم.”

ويستكمل الغول حديثه:” يقولون إنهم يريدون حماية مخيم جنين وأننا خارجون عن القانون، أوجه سؤالي للأجهزة الأمنية أين كانت الأجهزة الأمنية حين اعتقلني جيش الاحتلال أنا وزوج أختي في شهر فبراير ٢٠٢١، حين انهالوا علينا بالضرب على باب بيتنا قبل اعتقالنا؟، إذا كانت الأجهزة الأمنية تريد مقاومة الاحتلال في مخيم جنين دعوها تأتي، ونحن سنجلس ونراقبهم حينها”.

ومن الجدير بالذكر، أن مدينة جنين شهدت حملة أمنية واسعة، وصفها رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، بأن “الجيش كان على وشك تنفيذ عملية عسكرية واسعة في جنين قبل شهور لكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية نفذت المهمة بطلب من إسرائيل”

رواية”عناق الأصابع”

صدرت رواية”عناق الأصابع”للأديب المقدسي عادل سالم عام 2010عن دار شمس للنشر والتوزيع في القاهرة…..تقع الرواية التي صمم غلافها اسلام الشماع في 365 صفحة من الحجم المتوسط.

مدخل: “أدب السجون” والكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وقبل عام صدرت رواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وقبل أشهر صدرت”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، وفي العام 2011 صدرت رواية “سجن السجن” لعصمت منصور، و”ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي” للقائد مروان البرغوثي، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضاً ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد )  وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب(القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر)
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أما في الأدب الحديث فنذكر : ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي)  وقد يكون آخر إصدار هو رواية (ما لا ترونه – لسليم عبد القادر).

عنوان الرواية: “عناق الأصابع” عنوان رواية عادل سالم عنوان مباشر وفاضح للمحتل الاسرائيلي، الذي يحرم الأسرى وذويهم حتى من المصافحة والعناق اثناء الزيارة، وللتذكير فان قوانين الاحتلال بخصوص زيارات الأسرى شهدت تطورات سلبية متوالية ضمن سياسة القمع المستمرة، فقبل شهر نيسان 1969 كان الأسرى يصافحون زائريهم ويجلسون قبالتهم على طاولة واحدة، يتناولون وجبة طعام مشتركة يحضرها الزائرون معهم من الخارج، وكان يسمح للزائرين بادخال سلة فواكه للأسير قد يصل وزنها الى خمسة عشر كيلو غرام، ومنذ ذلك التاريخ منعوا ادخال وجبة الطعام، ومنذ منتصف  سبعينات القرن الماضي منعوا لقاء الأسرى بزائريهم، ومنعوا المصافحة بينهم إلا من خلال شباك حديدية لا تسمح إلا بدخول الأصابع كل إصبع على حدة، فأصبحت المصافحة بالأصابع فقط، فلا يستطيع الأسير حتى احتضان طفله الرضيع، ولا يستطيع والدا الأسير احتضان ابنهم، كما منعوا ادخال الفواكه.

وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي أيضا أصبحت الزيارة من خلف زجاج مقوى وعبر سماعة هاتف تفتح بين الأسير وزائريه، يرون بعضهم البعض من خلال الزجاج الفاصل، ويتحدثون عبر الهاتف، ومنذ منتصف تسعينات القرن الماضي أيضا، لم يعد يسمح بزيارة الأسير إلا لأقربائه من الدرجة الأولى مثل(الوالدين والأبناء والأخوة والأخوات والزوجة فقط) وفي المراحل كلها فان الزيارة لثلاثة أشخاص فقط، ومرة كل أسبوعين في الظروف العادية، وهناك ظروف قد تمنع زيارة السجناء كافة في سجن ما لمدة شهور، أو تمنع الزيارة كليا لأسرى العزل الانفرادي.

وواضح أن عادل سالم قد استوحى عنوان روايته من مرحلة سلام الأصابع عبر الشباك الحديدية الفاصلة.

زمن الرواية: تمتد الرواية في فترة زمنية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف التسعينات.

مكان الرواية: تدور أحداث الرواية في مدينة القدس العربية المحتلة، وفي سجون الاحتلال التي يحتجز بها الأسرى ومنها” الرملة، عسقلان، نفحة وشطة”.

الرواية تسجيلية: الرواية التي بين أيدينا رواية تسجيلية واقعية، لا خيال فيها، وحتى الأسماء الواردة في الرواية هي أسماء حقيقية في غالبيتها العظمى، وما يدور في السجون المغلقة على الأسرى  من إضراب عن الطعام، وسقوط شهداء ومرضى، ونضالات لتحقيق مكاسب، وتعذيب من قبل السجانين، وتحقيق الأسرى مع بعض المتساقطين، واعدام بعضهم، وخلافات عقائدية بين الأسرى أنفسهم، هي حوادث حقيقية وواقعية حتى النخاع، وبالأسماء الحقيقية لشخوصها…حتى أن الكاتب سجل التاريخ الحقيقي للحوادث مثل اضراب سجن نفحة الشهير في تموز 1980 والذي استمر لثلاثة وثلاثين يوما، سقط فيه الى قمة المجد الشهيدان باسم حلاوة وعلي الجعفري، وما تبع ذلك من استشهاد القائد عمر القاسم، واسحق موسى المراغي”أبو جمال”….وكذلك صفقة تبادل الأسرى عام 1985، وصفقة تحرير أسرى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية، واستثناء بعض المناضلين من أمثال عمر القاسم وغيره، كلها أمور حدثت على أرض الواقع.

شروط فنية: يبدو أن تركيز الكاتب على السرد التسجيلي لما يدور في أقبية السجون، ومعاناة الأسرى وذويهم، قد أوقعه في كتابة التقارير الصحفية، والحكاية أكثر من كتابة الرواية، وهذا ما يطغى على أسلوب النص السردي.

المرأة: ظهر في الرواية أن الكاتب ركز على الدور التحرري للمرأة الفلسطينية، فخولة شاهين كتبت عقد زواجها على علي النجار المحكوم مدى الحياة، وانتظرته حتى تحرر في صفقة بعد ثمان وعشرين سنة، ومع ذلك فقد استشهد يوم حفلة عرسهما دون أن تزف اليه، وكانت راضية بقدرها.

ورحاب شقيقة علي سافرت الى موسكو طلبا للعلم وهناك أحبت شابا روسيا وتزوجته، وأنجبت منه طفلا، ثم تطلقت منه، وعادت الى القدس تاركة ابنها في حضانة والده، وعملت في مجال الصحافة وتزوجت زميلا لها، بعد أن كاشفته بزواجها الأول، ولم يعترض على ذلك، وأنجبت منه، ولما عرض عليها طليقها الروسي أن تأخذ ابنها منه ليكون في رعايتها بعد أن قرر الهجرة الى أمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، عارض زوجها الفلسطيني ذلك، لكنها تحدته وسافرت لاحتضان ابنها، بعد أن انكشف سرها لعائلتها التي تقبلت ذلك على مضض،  ليتبين لاحقا أنها سافرت وإياه للعمل في ألمانيا، ولتعود الى القدس للمشاركة في زفاف شقيقها علي الذي تحرر من السجن، لكنه يستشهد يوم زفافه وقبل أن تراه.

ونضال الأمهات والزوجات في زيارة أبنائهن وأزواجهن، ومشاركتهن في الاعتصامات والتظاهرات التضامنية مع الأسرى كلها أمور كان لها نصيب بيّن في الرواية.

وماذا بعد: تشكل هذه الرواية إضافة نوعية للمكتبة العربية عن معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والكتابة عنها لا يغني عن قراءتها، فالتجربة النضالية للأسرى فيها الكثير مما يحتاج الى الكتابة والنشر والتعميم.

20-12-2011

(ورقة مقدمة لندوة اليوم السابع الدورية الأسبوعية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس)

الشيخ محود شعبان يخوض إضرابا عن الطعام و رسالة مسربة تكشف انتهاكات يتعرض لها

-مصر

  من الإيذاء الذي يطال الشيخ  محمود  شعبان في المعتقلات المصرية السباب المذقع وقذر البراز في وجهه

  رسالة الشيخ محمود شعبان  كشفت عن ممارسات   حقيرة لضابط في السجن

 قال لأحد السجناء: “لما تبقى مع ربنا بتاعك ابقى خليه يرن عليّ”

  حسب منظمة “نحن نسجل” فإن الدكتور الأزهري محمود شعبان، والمعتقل للمرة الثانية منذ عام 2019 يخوض إضراباً مفتوحاً عن الطعام حتى حصوله على حقه في الحرية.

وكشفت  المنظمة رسالة مسربة حصلت عليها  وتحققت من صحتها، عن تعرض الدكتور محمود شعبان للعديد من الانتهاكات  داخل السجون المصرية

تضمنت: الإيذاء الجسدي والنفسي عبر الضرب وإلقاء البراز على وجهه والسباب بأفظع الألفاظ.

 هذا   وقد كشفت الرسالة أيضاً عن معلومات صادمة، منها ممارسة ضابط يُدعى “عصام الألفي” العديد من الانتهاكات بحق المعتقلين، منها قوله لأحد السجناء: “لما تبقى مع ربنا بتاعك ابقى خليه يرن عليّ”

يذكر أن المعتقل “محمود شعبان” اعتُقل للمرة الأولى عام 2014 بعد لقاء تلفزيوني مع المذيع وائل الإبراشي، ليقضي عامين من الحبس الاحتياطي، قبل الإفراج عنه ثم إعادة اعتقاله للمرة الثانية في شهر مايو عام 2019، ومنذ ذلك الحين وهو قيد الحبس مع تدويره على ذمة قضية جديدة.