بقلم محمد الشطبي
معتقل سياسي سابق
الحبسيات
يقول “كريستيان جاريت” إن الحياة خلف القضبان، إذا طالت مدتها وزادت قسوتها، قد تؤدي إلى تغيير شخصية السجناء على نحو تعيق إعادة إدماجهم في المجتمع بعد إطلاق سراحهم.
تخيل أنك حكم عليك بالعيش لسنوات في مكان لا تتاح لك فيه مساحة من الخصوصية، تعيش فيه الخوف والتوجس الدائمين، ولا تختار فيه جليسك ولا مأكلك ولا ملبسك، ولا حتى الوجهة ولا متى تنام وتستيقظ… تشعر على الدوام أنك محاط بالمخاطر والشكوك، وقلما تجد من يترفق بك، أو يربت على كتفك. وتعيش معزولا عن أهلك عمن تحب وعن أصدقائك عن بيئتك الطبيعية.
بعد سنوات من العيش في هكذا مناخ، وفجأة تجد نفسك في عالم ( الحرية) محملا بأطنان من المخلفات والرواسب التي يستغربها محيطك و قد تبدو لهم بسببها إنسانا غير سوي تختلف عنهم جذريا, تحتاج في أحسن حال عند ألطفهم لنظرة عطف ومعاملة تليق بوضعك النفسي…
رواسب مابعد المرحلة السجنية ومخلفاتها على المحبوس غريبة أحيانا. سأتحدث عن إحداها مما لم أستطع التخلص منه ليومي هذا رغم مابدلته من جهد، لا أعرف هل أنا المخطئ (لمعقد) أم الآخرون؟؟!!
كلمة سجن تعني باختصار حرمان، في السجن قد تشتهي بيضة أحيانا أو تفاحة ولا تجدها، في السجن ليس كل شيء متاح، قد تجد سلكا تافها أو خيطا أو قطعة بلاستيك أو مسمارا صغيرا أو أي شيء تافه فتدسه وتخبأه في عيونك حتى لا تطاله يد زوار التفتيشات المباغثة.وقد يحصل أن تشتري ذاك التافه الذي لا يساوي فلسا بأضعاف ثمنه ألف ضعف. أو قد تخاطر لنزعه من مكان أو مرفق ما وقد تستمر عملية نزعه تلك الشهور الطوال والمشقة والخوف والترقب الشديد…
و ( مرگد) السجين _ وهو مخبأ أشياءه الثمينة الممنوعة عنه_ تجد فيه أشياء غريبة يستحيل أن يكتنزها إنسان عادي سوي.
هذه العادة أو سمها فوبيا إن شئت، لازمتني حتى بعد خروجي لدرجة صرت أرى الناس معها كلهم مبدرون حمقى لايعرفون قيمة النعمة. ولا شك أنهم يبادلونني نفس المشاعر بدورهم، فيرونني شحيحا بخيلا أحمقا مستعد لينزل من مركبه ليلتقط مسمارا ويضعه في جيبه ليضيفه ( للخردة) التي يجمع كأي ( بوعار ) ناكش للقمامة. أعجز ولا أجد كيف أفسر لهم أنها أشياء قد نحتاجها (لدواير الزمان) في أية لحظة ولا نجدها، كما يعجزون عن إقناعي مثلا لماذا يجمعون قطع الخبز البائت ويرمونها ليستعيضوا عنها بخبز اليوم هكذا ببساطة، ولماذا يبالغون ويسرفون في إعداد أنواع الأطعمة والأشربة التي أحس بحزن شديد عليها حين يبقى أكثرها على المائدة دون أن يلتفت لها أحد. لدرجة أنني طلبت مرارا من عامل المطعم أن يلف لي مابقي منها لآخذه معي _ رغم أني لن آكله لاحقاً _أمام إحراج واستغراب من دعوني للوجبة، المهم أن لايبقى أثر لما أعتقد أنه إسراف وتبدير، ولا أستطيع تبرير صنيعي لهم. أفعله وكفى…!!!
حاولت البحث عن هذا في النت فوجدت مايطلق عليه باضطراب بالاكتناز القهري Compulsive Hoarding
يعرفونه على أنه مرض نفسي يجعلك تجمع الأشياء دون مبرر. أحاول جاهدا أن أحلل مبرراتي هل هي فعلا واهية، أم أن المشكل هو الآخرون على حد تعبير جون بول سارتر _ ملطفا_