من المتعبِ أن يجتمع الاثنان
عقلُ باحثٍ ، وقلب كاتب
أشعر بعقلي ، وأتألم في صدري
والأتعبُ أن تكون عربيا مسلما
في هذا التاريخ من التاريخ
فأصرخ بصمت
فكيف لو صرخت بصوت
هذا الصوت في داخلي يتكلم
أصمتهُ لكنه لا يصمت
لا أحبسه
ولم اسطع ، ولن أفعل
أحاول أن أنسى
أبحث عن طفل معه ألعب ، لأصير مثله لا أعْقِل
لكن الطفل يكبر
وأنا معه أكبر
وحرارة صدري تكبر
لا استطيعُ أنْ أعقلَ مالا يعقل
حاولتُ أن أخدعَ نفسي
جعلت في نفسي إعلاما غربيا
فازداد غيظي
قلتُ لأجرب إعلاما عربيا
فحبست نفسي
كنت مع نفسي صادقا
وهل رأيت إعلاما صادقا ؟!
ربما ، فعقلك ليس كعقلي
فلا ثمة خطأ
لا عندك ولا عندي
إنني أفكر بصدري
وأشعر بعقلي
هل أنت شَبهي ؟
أصرخُ بصمت
وهذا الصراخ يوجعني
يصكُ الصوت في صدري
وتحبسه أضلعي
فتتألم أضلعي وتهتز
فأرجع إلى سالف عهدي
أصرخُ بصمت
وأصرخُ بلا صوت ، وهذا الذي أتعبني
لأن الصوت الصامت رجَّـًا يرجني
أخشى بألا تتحملني أضلعي
فتنكسر
ويخرج الصمت
ويُسمَعَ الصمت
فيجيء السجانُ ويحبسني
أنا في حبس
وأنا من يحبسني
أفرزُ الكلام مع الناس
هذا يضر ، هذا يخل بالأمن ، هذا إفساد ، هذا ترفيه ، هذا رقص
هذا حرام ، الشيخ ، الحبس ، الصبر ، الخوف ، التطبيع ، الصمت …
هذه معايير الكلمات التي تفرزني
فأصمت
إنني أفكر بصدري ، وأشعر بعقلي
وهذا يؤلمني !
حبسُ الطائرِ في القفص أكرههُ
وحبس الحيوانِ للسيركِ حتى لو أطعمته ،
أرفضهُ
دعهُ، أطلقه، هو أحسنُ منك في تدبير طعامه وأمره
هذا في الطير والحيوان لحبسه، أنا رفضتُهُ
جعلت السماء الواسعة للطائر ، قفصا
وجعلت الفيلَ والأسدَ ، للبشرِ سيركا
أردتَ أن تأنسنَ الحيوان !
فما بالكَ عاملتَ الإنسان حيوانا ؟!
فكيف شعوري لحبسك للبشر ظلما ؟!
هل صدرك يشعر ؟!
هل في صدرك قلب ينبض ؟!
هل قلبك حجر ٌ؟
في لحظتك هذه
الآن
إنسانٌ مظلوم في الحبس
وطفل محروم من الأب
وزوج بلا زوج
وأم بلا ابن
وأب محزون على ولد
وأنا مثلهم حزين على من أحزن
لا يفارقني ذكراه
صبح وليل
وشمس وقمر
وبحر وبر
إنني أفكر بصدري ، وأشعر بعقلي
ضجيج في صدري يؤلمني
حبستهُ خمسةَ عشر عاما
عشرين عاما
ثم ماذا ؟
ما الذي بحبسِ العالم والشيخ والطبيب والمهندس المظلوم
يجدي ؟!
أرجوك أخبرني
لمَ الحديث معك ذو سجون
لم الحياة بوجودك : صمتٌ وخوف
قالتِ العربُ في أمثالها: ” الحديث ذو شجون “
وهو معك ، ذو شجون وسجون وعنف وخسف!
أنت تفرح وتمرح
وذاك محبوسٌ خلف القضبانِ
اللهم ربنا
يا من ترفعُ له الأيدي
رقِّقْ علينا قلبَ السَّجانِ
ووسِّعْ علينا وعليهم وعليه ضيق القضبان
الحياة ضيق وبلاء
فكيف إذا صارت خلف حديد
لو لونتَ القضبان بالذهبِ
ولو زينتَ الجدران باللؤلو والمرجان
هل سيصير الحبس قصرا ؟!
ولو زرعتَ فيه الوردَ والأشجار
هل سيصير السجن منتزها ؟!
من هذا امتلأ الصدر كمدا
فهل أشجاك الذي أشجاني
وهل أبكاكَ ما أبكاني !