أرشيف سنة: 2024

رواية الإخوة كارامازوف: دراما فلسفية تحاكي الحياة والروح

تتجلى رواية “الإخوة كارامازوف” كنجمة ساطعة في سماء الأدب العالمي، تنير دروب الفكر والروح بتأمّلاتها العميقة وصراعاتها الإنسانية المعقدة. فهي ليست مجرد قصة، بل هي عالم متكامل يتجلى فيه النزاع بين الخير والشر، وبين الإيمان والشكّ، وبين الحرية والقدر.

تُعَدّ الرواية لدوستويفسكي تحفة أدبية تجمع بين الفلسفة والرواية الروسية الكلاسيكية، حيث تخلط بين الدراما العائلية والنزاعات الأخلاقية والدينية ببراعة فائقة. ففي قلب الرواية، نلتقي بعائلة كارامازوف، حيث يتصارع أبناؤها ويتقاتلون في حلقاتٍ من الصراعات الداخلية والخارجية، ترسم لوحة معقدة للإنسان وتجاربه.

في محور القصة يقف الأب الشرير، فوديمير كارامازوف، الذي يمثل الشر والفساد في أبهى صورها، فهو رمز للانحراف والتفكك الأخلاقي، وتجسيد للطموح الذي يتخذ من النفاق والمكر طريقاً لتحقيق مآربه الشخصية. وفي مقابله يبرز ابناه، الأخوة ديمتري وإيفان، اللذان يمثلان تناقضات الإنسان وصراعاته الداخلية بين العاطفة والعقل، وبين الإيمان والشكّ.

تتناول الرواية مجموعة واسعة من المواضيع الفلسفية والأخلاقية، بدءاً من تساؤلات حول الله والإيمان وصولاً إلى الحرية والإرادة الحرة ومعنى الحياة. وتتركز الرواية على الصراع بين القوى النفسية المتنافرة داخل كل شخصية، مما يجعلها تتفاعل بشكل عميق مع القارئ وتثير فيه تساؤلات مهمة حول طبيعة الإنسان وغايته في هذا العالم.

بوجود شخصيات متنوعة وعمق فلسفي يثير الفضول، تأسر رواية “الإخوة كارامازوف” قلوب القراء وعقولهم، وتبقى حتى اليوم مصدر إلهام للكتّاب والفلاسفة والمفكرين. إنها تحفة أدبية لا تضاهى، تنمو بمرور الزمن وتترك أثراً عميقاً في كل من يغوص في أعماقها

عظمة رواية الإخوة كارامازوف: فن وفلسفة دوستويفسكي في أوجّ التأثير

تعتبر رواية “الإخوة كارامازوف” من أبرز تحف الأدب العالمي، وهي التحفة الأخيرة التي قدّمها الكاتب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي. صدرت الرواية في عام 1880، لكنها استمرت في إشعار تأثيرها العميق على العديد من العقول البارزة في مجالات الفلسفة والأدب.

بمجرد نظرة إلى الأسماء التي أثّرت بها هذه الرواية الرائعة، نجد أن الفيلسوف الشهير مارتن هايدغر وصفها بأنها القمة العليا لجميع الأعمال الأدبية، وظلت كذلك حتى نهاية حياة العبقري آلبرت آينشتاين. وكما قال فرويد، كانت “أروع رواية كتبت على الإطلاق”. إن هذه الكلمات تلخص الإعجاب الشديد الذي أبداه العظماء تجاه عمل دوستويفسكي.

الفيلسوف نيتشه والكاتب فرانز كافكا أيضًا لم يمتنعوا عن التعبير عن إعجابهم العميق برواية الإخوة كارامازوف. كان كافكا يعتبر نفسه ودوستويفسكي “أقارب الدم” بسبب التأثير الذي كانت له هذه الرواية على أعماله الخاصة.

تتناول الرواية قصة عائلة كارامازوف، حيث يظهر الأب كشخص مسرف في الشرب وشرير يسخر من النبلاء. يُظهر تقديمه الشامل للأبناء في الصغر، حيث يهملهم دون قصد، وهذا يعكس حالة الانحلال والغياب التي يعيشها. يتعامل ابنه الأكبر ديميتري مع هذه الوضعية بشكل عاطفي، ويتورط في صراعات مع والده حول المال والحب.

تسلط الرواية الضوء بعمق على قضايا أخلاقية وفلسفية معقدة، مثل الإيمان والشك، والحرية الإرادية، والدين. يقدم دوستويفسكي دراما روحية تعبر عن الصراعات الأخلاقية والنفسية، ويتناول قضايا لاهوتية حول أصل الشر وطبيعة الحرية. يظهر في الرواية تفرد دوستويفسكي في قدرته على استكشاف أعماق النفس البشرية وتجلياتها الفلسفية.

باختصار، تظل رواية الإخوة كارامازوف تحفة أدبية تتربع على عرش الأعمال الأدبية العالمية، حيث يمزج دوستويفسكي ببراعة بين الأسلوب الأدبي الرائع والعمق الفلسفي الذي يثير التفكير والتأمل في مسائل حياتنا ووجودنا

سجن كوبر / قسم الإعدام عبدالرؤوف أبوزيد

الهاتف ” الجوال ” ممنوع في السجن و يعاقب من يوجد بحوزته ، لكن للسجناء طرقهم الخاصة في إدخال مايريدون ، رغم التشدد في التفتيش و المراقبة .. اذكر في ايامنا الأولى كانت عقوبة الهاتف ” الجلد 25 و الحبس في الإنفرادي لمدة شهر مع المنع من الزيارة “

لكن مع مرور السنوات بدا التخفيف على سجناء الاعدام في التفتيش ، حتى من يجدوا معه هاتف يصادروه فقط بدون عقوبة ..

***

كنا نعاني كثيرا في إخفاء الهواتف ، نسبة لضيق المكان و قلة الأغراض التي يمكن ان نخفي فيها ما نريد .. أحيانا كنا نحفر نصف متر بحجم الهاتف و ندفنه ، أو نضعه في وسط الخبز أو ” حافظة المياه ” السجناء لا تعجزهم الحيلة في الإبتكار ، ربما للفراغ الذي يعيشونه ، فكلما إكتشف الحراس شيئا مباشرة يلجأوا لحيلة اخرى .. لا انسى تلك الشجرة التي تتوسط الزنازين ، و يتسابق إليها السجناء يتسلقونها رغم السلاسل في أقدامهم ، في ثوان معدودات يخفون فيها الهواتف ، و لكن بمجرد دخول العساكر للتفتيش يختارون ” أصغرهم حجما ” فيصعد و يلتقط الهواتف من بين اغصانها ، كانما يلتقط اطايب الثمر !

و السجناء ينظرون كل يرى هاتفه تم اخذه ، لا يستطيع ان ينطق بكلمة !

****

طرائف إخفاء الهواتف كثيرة جدا .. أذكر احد السجناء في زنزانة مجاورة لي ” قارب الستين من عمره ” كان شديد الخوف من التفتيش ، إن سمع عنه و لو بالمزاح يرتفع ضغطه و تتحرك بطنه ! احيانا يبيعه بأقل سعر ، او يرميه في مكب ” النفايات ” !

في إحدى المرات أخبرنا احد الحراس ليلا ، بان صباح الغد سيكون تفتيش كبير ، كانت ابواب الزنازين مغلقة ، و إخفاء الهاتف شبه مستحيل ، إلتفت صاحبنا يمينا و شمالا لم يجد ملجأ ، قام بإخرج ” الشريحة ” و قال لسجين آخر معه في نفس الزنزانة ” يا فلان خذ هذا الهاتف هدية مني ، و اعطاه اياه مخافة ان يجدوه عنده ! “

****

في رأس كل سجين أسئلة ، كانت تدور بلا إجابات .. من الذي إخترع السجون ؟ كيف إهتدى لهذه الفكرة ، بقبر الأحياء في هكذا مكان ؟ !

كان الجميع يتساءلون و يتداولون قصة فيما بينهم ، اقرب ما تكون إلى خرافة ، كانهم يعبرون بها عن بؤس واقعهم ، يقولون : ان ” الخواجة ” الذي قام ببناء السجن و عليه سمي السجن ” كوبر ” بعد ان فرغ من بناء الزنازين ، جاء بكلب و حبسه لثلاثة أيام في احدى الزنازين ، و لم يعطه جرعة ماء و لا شيء ليأكله ؛ و بعد اليوم الثالث و ضع أمام الباب الكثير من اللحم و فتح له الباب ، و لكن الكلب و بمجرد فتح الباب هرب و ترك اللحم ، نسي جوعه ! عندها ضحك ” الخواجة ” و قال هذا الذي أريده !

سجن كوبر / قسم الإعدام :

ما استفدته في قسم الإعدام ، لا اظنني كنت ساجده في اي مكان آخر في هذه الدنيا ، و إن كرهته نفسي في باديء الأمر ، إلا انني اعده محض فضل من الله عزوجل ..

و مع انني ما كنت اخالط إلا قلة منهم ، إلا انني كنت اعرف تفاصيل قضاياهم ، فقد كانوا يثقون في ، و يشاركوني خفايا اسرارهم ، و كم كان فيها من العظات و العبر !

فمن هؤلاء الذين ينظر إليهم الناس ، على انهم قتلة و بلا رحمة او خلق ، تعلمت و رايت الكثير :

رايت الصدق في التوبة ، و الندم و الإنكسار لله .. رأيت الجد و الإجتهاد في العبادة ، ففيهم من يحتقر المرء نفسه أمامهم .. رايت الصبر على قسوة السجن و السجان ، و هجر الاهل و الخلان .. و رايت البذل و الصدقة ، و إن كان احدهم معدما لا يملك شيئا .. رايت الشجاعة في مواجهة الموت ، و الرضا بقضاء الله و قدره ..

و بصدق حين تعلم بتفاصيل جرائم البعض ، يزداد عجبك كيف تغير هؤلاء ؟ و كيف ارتكبوا جرائمهم و هم بهذه السكينة و الهدوء ؟

**

من عرفتهم في ذلك المكان ، لم ينجو منهم إلا القليل ، غالبيتهم تم إعدامهم ، لا ابالغ إن قلت كانوا بالمئات ، او أكثر .. لم يكن ينقضي أسبوعا إلا و نفقد شخصين او ثلاثة ، و في بعض الأحيان يتم إعدام خمسة اشخاص ، في يوم واحد ، بل عشرة اشخاص ذات يوم ، فيهم اب و إثنين من ابناءه !

لقد كان الموت كأنه مزحة ، نودع احدنا في الصباح ، و قبل العصر يأتينا نعيه !

****

و للسجانة طقوسهم في تنفيذ الإعدام ، ففي الصباح و مع اول شروق الشمس ، كانوا يرسلون قصاصة ورق صغيرة من مكتب المدير ، فيها اسماء من يريدون إعدامهم ، يدخل الحارس إلى القسم حاملا الورقة ، و بمجرد ان يراه الجميع يدركون ان هناك تنفيذ ” قبل التنفيذ لا يتم اخبار احد ” يطوف العسكري بين الزنازين باحثا عمن يريده ، بمجرد ان يشير عليه يفهم السجين انهم يريدونه ، ياخذ ملابسه و يغتسل في عجل ، و ياخذ مصحفه ” و مصلايه و مسبحه ” ثم يودع إخوانه ويعانقهم ، و يطلب منهم العفو و الدعاء ، و في تلك اللحظات يسود المكان صمت رهيب ، لا يقطعه إلا تكبير البعض و ترديدهم عبارات التثبيت و الدعاء ، ثم ياخذونه و يغلقون الباب ، بينما يعكف اخوانه بالاتصال لأهله ، و حثهم للقيام بعمل التاجيل ، يقضون بقية يومهم في الإتصالات مع المحامي و الدعاء ، إلى ان يرجع أخاهم ، و إن نفد امر الله ، يعزي بعضهم بعضا ، لكأن الجميع اهله و عشيرته ..

الصورة في سجن بورسودان 2019

الحياة الثالثة ما بين الدنيا والاخرة,

الحياة الثالثة
ةما بين الدنيا واآلخر

الأسير فهمي عيد رمضان مشاهرة من مواليد عام 1979، سكان مدينة القدس، اعتقل بتاريخ 4/9/2002، وحكم عليه بالسجن 20 مؤبداً بتهمة المشاركة في عملية جيلو الاستشهادية التي أوقعت 19 قتيلاً صهيونياً .

تحميل الكتاب

 مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي

عرض كتاب

“خفقات رغم الرحيل .. مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي”

عوني فارس

عنوان الكتاب: خفقات رغم الرحيل مواقف حية من حياة الشيخ الشهيد يوسف السركجي

المؤلف: أمجد السايح

الناشر: وزارة الثقافة، غزة.

تاريخ النشر: 2021

عدد الصفحات: 227

تصاعد الاهتمام بالتأريخ للانتفاضة الثانية بعد سنوات قليلة من انتهائها، ووثَّقت العديد من الكتب سِيَرَ بعض رجالها، وأبرزت صنيعهم، وتحدثت عن مآلاتهم، وكان للأسرى في سجون الاحتلال دور مركزي في هذا الجهد، حيث سجَّلوا مساهماتهم فيها مع رفقاء دربهم من الأسرى والشهداء، ونُشر خلال الفترة السابقة عدد من كتبهم منها: درب الأشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين لسليم حجة، ومهندسو الموت لمحمد عرمان، وأمير الظل مهندس على الطريق لعبد الله البرغوثي، وأوار النار لثائر حماد، والصفعة لسامر الأطرش، ومن صفحات العز[1]، وهذا النوع من الكتب يعلي من صوت الفاعلين في الميدان، ويحكي روايتهم للأحداث، وغالباً ما يكون بعيداً عن عقد المقارنات بين الروايات، ولا يسعى لترجيح رواية على أخرى، ولا تمحيص المصادر المختلفة، ويكون ممزوجاً بشحناتٍ عاطفيةٍ واضحة، وكتاب خفقات رغم الرحيل مواقف حيَّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُركجي، لمؤلفه الأسير أمجد السايح، الذي نقدِّم عرضاً له في هذا المقال، واحد من هذه الكتب.

قصة الكتاب ومحتواه

هذا الكتاب مشروع قديم، أراد منه السايح التوثيق لسيرة حياة الشيخ الشهيد من الميلاد إلى الاستشهاد مع التركيز على دوره في مقاومة الاحتلال، وقد عكف على كتابته داخل سجن جلبوع قرب مدينة بيسان المحتلة في ظروف استثنائية، وأنهى أولى مسوداته عام 2008، لكنَّ إدارة السجن الغاشمة صادرتها، ثم جرت محاولة أخرى لإعداد مسودة جديدة بعد ثلاث سنوات برفقة الأسير حسام بدران، في ذات السجن، لكنَّ إطلاق سراح الأخير في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، حال دون إتمامها، إلى أن تجدَّدت المحاولة بعد سنوات، وبتشجيع من الأسرى خصوصاً أمير السُّركجي ابن أخت الشيخ الشهيد، الأمر الذي فتح المجال لأن يرى الكتاب النور عام 2021. 

جاء الكتاب في مئتين وسبعة وعشرين صفحة، وتضمن مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وثلاثة ملاحق، وحوى شهادات مهمة عن الشيخ الشهيد، رواها قادة وكوادر من حركة حماس كانوا فاعلين في الانتفاضة الثانية من الشهداء منهم: جمال منصور، ومهند الطاهر، ونسيم أبو الروس، وفهيم دوابشة، ومحمد الحنبلي، ونصر عصيدة، وبسام السايح، بالإضافة إلى شهادات لمجموعة من كبار الأسرى والأسرى المحررين منهم جمال أبو الهيجا، ومحمد جمال النتشة، وسليم حجة، وعثمان بلال، ومعاذ بلال، ومحمد صبحة، ورأفت ناصيف وآخرين، وتزين الكتاب بقصائد ترثي السُّركجي منها قصيدة للشاعر الأسير أحمد التلفيتي.

تناول الفصل الأول مولد الشيخ الشهيد ونشأته، وركَّز على نشاطه الدعوي والسياسي، وجهده العلمي، وعلاقاته العائلية والاجتماعية، وبحث الفصل الثاني صفاته وشمائله، ووثق صوراً لوفائه، وجوده، وصبره، وحزمه، وعلو همته، وكشف الفصل الثالث عن سيرته في المقاومة منذ مشاركته في فعالياتها  قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى إلى ارتقائه شهيداً في الانتفاضة الثانية، وسجَّل الفصل الرابع شهاداتٍ حوله لثمانية عشر من معارفه ورفقاء دربه في العمل الدعوي والمقاومة والأَسَر، وعرض الملحق الأول وصاياه لأمه وأبيه وإخوته وأخواته وزوجه وأولاده ولحركة حماس ولكتائب القسام، وضم الملحق الثاني سير ذاتية مختصرة لخمسة وعشرين من كبار القساميين ممن عايشوا الشيخ الشهيد وعملوا معه، ونُشر في الملحق الثالث أربعين صورة تحكي جوانب من سيرة حياته منذ الطفولة حتى استشهاده، وفيها بعض من الصور لرفقاء دربه في المقاومة والاستشهاد.

 سيرة دعوية وجهادية مكثَّفة

ولد الشيخ يوسف خالد عبد المجيد السُّركْجي في مدينة نابلس في الثلاثين من أيار/ مايو عام 1961، لأب نابلسي وأم مقدسية، وهو بِكْرُ والديه، وله ثلاثة إخوة وخمس أخوات. عايش سقوط نابلس بيد الغزاة الصهاينة طفلاً، ودرس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارس نابلس، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي من مدرسة قدري طوقان عام 1979، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية في مدينة عَمَّان عام 1983، ودرجة الماجستير في الفقه والتشريع من كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح في نابلس عام 1997. عمل بعد تخرجه إماماً وخطيباً في مسجد بلدة عصيرة القبلية حتى عام 1987، ثم إماماً وخطيباً في عدة مساجد في نابلس مثل مسجد الحاجة عفيفة، ومسجد خالد بن الوليد، ومسجد السلام. تزوج من السيدة ميسر محمد جابر، ورُزق منها بطارق ومعاذ وشهد وصفاء.  

تعدَّدت مشاركات السُّركجي الدعوية والوطنية منذ التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين قبيل دخوله الجامعة الأردنية، فكان ضم قيادات العمل الطلابي الإخواني في الجامعة، وضاعف نشاطه منذ عودته إلى فلسطين، حتى أصبح المسؤول الأول عن العمل التربوي والدعوي والطلابي في نابلس في تسعينيات القرن العشرين. انضم لحركة حماس فور تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ فعالياتها في محافظة نابلس، وتولى مسؤولية المكتب الإداري لنابلس لسنوات طويلة، وكان شخصاً مركزياً في أي تشكيل تنظيمي حمساوي في شمالي الضفة الغربية، والتحق بكتائب القسام، وكان جزءاً من قيادتها في الضفة الغربية. لاقى في مسيرة حياته الكفاحية الكثير من الأذى؛ إذ اعتقله الاحتلال للمرة الأولى عام 1988، وقضى في سجونه قرابة الثماني سنوات، وأُبعد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، وتعرض لتحقيق شديد من قبل الاحتلال عند اعتقاله عام 1995، وأصيب إثر ذلك بالفشل الكلوي، وعاش بعدها بكلْيَة واحدة، وأُبعد إلى قطاع غزة لفترة قصيرة، واعتقلته أجهزة أمن السلطة عدة مرات منذ عام 1997، وتعرض للتحقيق القاسي، وأمضى من عمره في سجونها أربع سنوات، وطارده الاحتلال، وحاصره في شقة سكنية تحصَّن فيها في شارع عصيرة الشمالية في نابلس في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2002، واغتاله مع ثلاثة من القساميين هم: نسيم أبو الروس، وجاسر سمارو، وكريم مفارجة.

السُّركجي شيخ المقاومين وفقيههم

يُمثِّل السُّركجي نموذجاً لجيل من الإسلاميين الفلسطينيين الذين عاشوا عصر تحولات الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة على طريق تبني مشروع وطني تحرري، أصبحت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” رأس حربته، وقد ساهم هذا الجيل بشكل أساسي في تمركز الثقل الأساسي للمقاومة الفلسطينية المسلحة في الأرض المحتلة، ويبدو أن السُّركجي الذي وهب نفسه للعمل الدعوي والتربوي والتنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين، كان من المتعطشين لهذا المشروع، إذ يذكر الكتاب أنه بدأ في التدرب على عمل زجاجات المولوتوف والوسائل القتالية الأخرى قبل عام 1987، وكانت الانتفاضة الأولى البداية الحقيقية لنشاطه ضد الاحتلال، حين كان مشرفاً على العمل الميداني في نابلس وقراها، فكان يخطط للفعاليات، ويشارك في تنفيذها، ويتصدر المسيرات، ويعمم البيانات، ويشحذ الهمم، ويتابع قضايا الأسرى والجرحى والمحتاجين، في الوقت الذي كان يطَّلع فيه برئاسة جهاز الدعوة الذي يشرف على البرامج التربوية والدعوية والاجتماعية.

يؤرخ الكتاب لبداية نشاطه في العمل العسكري المقاوم أواسط عام 1988، حيث ساهم وقتها في تشكيل أولى المجموعات العسكرية لحركة حماس في الضفة الغربية، والتي قامت بزرع العبوات الناسفة في طريق قوات الاحتلال والمستوطنين، ويُظهر حرصه منذ فترة مبكِّرة على التدرب على السلاح، وكيف كان الإبعاد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، فرصته الذهبية لتحقيق رغبته تلك، ثم جاءت القفزة النوعية في مشواره المقاوم حين التحق بكتائب القسام عام 1995[2]، وآوى المطاردين، وأخذ على عاتقه منذ تلك المرحلة الجانب التوعوي لدى المقاومين القساميين فكان يمدهم بالنشرات، وأصبح معروفاً أكثر بكونه فقيههم الذي يفتيهم.

 بنى أبو خالد، وهذه كنيته في مرحلة تسعينيات القرن العشرين، علاقات قوية مع القسامِيَيْن فهيم دوابشة وعبد الناصر عيسى، في الوقت الذي راكم خبرته في تصنيع المتفجرات، واستخدام الأسلحة الرشاشة، وكان له الفضل في جمع القساميين محمود أبو هنود وخليل الشريف ومعاذ بلال، وتقديم الدعم المالي والمعنوي لهم، وتوفير الرعاية المطلوبة لخلية “شهداء من أجل الأسرى” التي ظهرت إلى النور عام 1997، وقامت بتنفيذ عدة عمليات منها: عملية “محانيه يهودا” في تموز/ يوليو عام 1997، وعملية “بني يهودا” في أيلول/ سبتمبر عام 1997.

ثم بدأت مرحلة أخرى في مشوار الشيخ في المقاومة، حين خرج من سجن جنيد في نابلس إثر قصف الاحتلال للسجن في نيسان عام 2001، وكانت نابلس تضم في حينه عشرين من قادة وكوادر القسام. تولى “والدنا”، وهذه كنيته في تلك المرحلة، موقعاً متقدماً في صفوف كتائب القسام في شمالي الضفة الغربية، وعاش حياة المطاردة، وأصبح أباً روحياً لجموع المطاردين، الذين انقسموا إلى مجموعات عمل متخصصة، وانهمك في متابعة “هذه المجموعات بشكل مباشر”، وكان ” يناقش معهم التفاصيل” وهو “صاحب الكلمة الأخيرة، والذي يُظهر له الجميع السمع والطاعة” (ص79).

الشيخ السُّركجي.. أفكار ومواقف

رصد الكتاب مجموعة من الأفكار والمواقف التي تبناها الشيخ الشهيد، منها أنَّه كان يعارض وقف حركة حماس للعمل العسكري في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وفقاً لرواية معاذ بلال[3]، وكان يؤمن بضرورة إيجاد المقاوم الواعي المتسلح بالفهم والعمل، ويحث الحركة على تطبيق فكرة أسر جنود الاحتلال من أجل إطلاق سراح الأسرى، ويصرُّ على تلقي المزيد من التدريبات على مختلف الأسلحة، خشية حدوث أي نقصٍ في الكوادر المتدربة، وهو صاحب فكرة تسجيل وصايا الاستشهاديين بالفيديو، حرصاً منه على توثيق العمل وتسجيل التاريخ، وكان من الداعين إلى قيام التنظيم بتوفير كل شيء للمقاومين المطاردين، على أن يتفرغوا للعمل، في حين كانت الآلية المعمول بها في حينه تقوم على توفير التنظيم المال فقط، ويتولى المقاومون المطاردون مهام الإيواء، والتخطيط، والإعداد، وشراء السلاح، والتدريب، والتنفيذ.

خاتمة

كتاب خفقات رغم الرحيل مهمٌ في موضوعه، وواضح في أفكاره، وسلسل في لغته، وخطوة رائدة في الاتجاه الصحيح، وهو، دون مبالغة، من النوع الآسر الذي يُقرأ دفعةً واحدةً، وقد حجز مكانه في المصادر المعتبرة التي تتناول شخوص المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة، ولأن كل عمل لا يكتمل، والكمال لله وحده، فقد غاب عن الكاتب الحس النقدي، ونحت نصه متأثراً بشخص الشيخ الشهيد، الأمر الذي حرمه من تقديم أي مراجعة نقدية رصينة، من شأنها أن تفيد جموع القراء من المهتمين والباحثين والأجيال الشابة، مع الإشارة إلى أن المراجعة لا تنتقص من دور الشيخ الشهيد، ولا مكانته، وما قدَّمه من تضحيات، وهي عنصر ضروري في النصوص خصوصاً التي تتناول تجارب المقاومة ورجالها، وقد صدر قبل هذا الكتاب بعض الكتب التي احتوت مراجعات مفيدة مثل كتابي درب الأشواك ومن صفحات العز. رحم الله الشيخ يوسف السُّركجي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وعجَّل بالفرج للمؤلف وجموع الأسرى الأبطال.  

[1]  كتاب من صفحات العز بدون مؤلف.

[2] تحدث سليم حجة في كتابه درب الأشواك عن علاقة للسُّركجي بالقائد يحيى عياش، وإنَّه اعتقل لدى الاحتلال عام 1995 على خلفية ذلك، وهذا يعني بأنَّه ربما انضم للكتائب قبل هذا التاريخ. للمزيد من التفاصيل، انظر: حجة، سليم، درب الاشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين، بيروت، شركة فؤاد البعينو للتجليد، 2015، ص235.

[3] قد يظهر تعارض في كلام معاذ بلال الوارد في صفحة 73، مع رواية الشيخ حسن يوسف المنشورة في الكتاب صفحة 110، والتي يذكر فيها بأن السُّركجي كان من مؤيدي تكوين حزب الخلاص، خصوصاً وأنَّه كان متداولاً وقتها أن تأييد حزب الخلاص غالباً ما يعني القبول بالدعوة إلى تجميد العمل المسلح.

فلسطين العاشقة والمعشوق الاسير عبد الله البرغوتي

فلسطين العاشقة والمعشوق

رواية فلسطين العاشقة والمعشوق – عبد الله غالب البرغوثي فلسطين العاشقة والمعشوق ، العشق والمأساة محامية فلسطينية اسمها فلسطين فصنع منها زعترة برية أحبت الأرض والطين ، وعشقت فارساً ، غضنفراً مقاوما

هذا الكتاب من تأليف عبد الله البرغوثي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبه

ا

رائد السعدي: أمّي «مريم الفلسطينية»

رائد السعدي، حكاية الصبر الفلسطيني الذي تجلّى في حكاية لا تزال تنسج فصولها على وقع احتلال يعادي الإنسانية. وعلى الرغم من أن الأسير الرهينة رائد السعدي، الذي دخل قبل أيام عامه الـ 34 في الأسر، يروي سيرته تحت عنوان «أمي مريم الفلسطينية» التي صدرت مطلع العام الجاري. إلا أن تلك السيرة التي كتبها في محبسه لا تعطيه حقه، لأنه الراوي المضحي بكامل سنوات شبابه، ففي نهاية هذا الشهر يطوي 33 عاماً في الأسر.ويعلل الأسير رائد أسباب الكتابة، بأن هذه التجربة «إعلان لتحطيم كل القيود والحدود الوهمية التي أرهقتنا، لأكتب وأوثق تجربتي، كما حدثت على مدار اثنين وثلاثين عاماً». كان من الممكن أن تنتهي حكاية رائد مع الأسر، مع قيام السلطة الفلسطينية، فضمن الاتفاقيات الموقعة، أقرت دولة الاحتلال بإطلاق سراح كل الأسرى الموجودين في سجونها ومعتقلاتها، إلا أنها ماطلت في إخراج بعضهم، وبعد مرور أكثر من ربع قرن من الاتفاق لا يزال حوالى 30 أسيراً يرفض الاحتلال إطلاق سراحهم.

وما بين رواية رائد وفلسطين، تحضر الأم التي حملت كل العبء وتحملت كل الآلام، في مسيرة تجاوزت أكثر من ألفي عام، فهي خزان الذكريات الذي لا ينضب وهي مشعل الأرض المقدسة، من مريم الفلسطينية أم المسيح إلى مريم نابلس والقدس وغزة، إلى أم رائد التي فارقت الحياة قبل سنوات وهي على أمل اللقاء به، ففي هذه اللحظة يقول رائد «طلبت من أخي أن يضع جهاز الاتصال بالقرب من أمي، أودعها، طلبت منها مسامحتي لغيابي عنها كل هذه السنين».
يتنقل رائد في سيرته بين المريميات، يمر عليهن واحدة واحدة، يقطف من كل بستان وجع مريمنا الأولى، ويحفر على صخر ذاكرتنا أسماءهن، كي لا ننسى. في سيرته، «أمي مريم الفلسطينية» يخصّص رائد مكاناً لهن يحضن فيه وجعه، ويحمل صبره وإيمانه زاداً للصمود في بئر يوسف الحالي الذي لا قاع له ولا نهاية، ينتظر بعض السيارة، لتفتح السيرة على فصل جديد، فعلى «الأرض ما يستحق الحياة».
في الأسر، يعني نقيض الحرية، الزمن، الأحداث، والوجوه، والأشخاص، تتكرر، ويبقى العقل وما يحتوي شاهداً على ملحمة فلسطينية لم يشهد تاريخ الإنسانية جمعاء مثيلاً لها. فهذا الاحتلال السادي من رأسه حتى أخمص قدميه يعتاش على قهر أهل الأرض، يمارس توحشه، ويختبئ خلف روايته التلمودية، ليبرر ساديته، ففي عام 2014، وفي خضم مفاوضات كانت تجري بين السلطة وحكومة بنيامين نتنياهو، لم يفرج الاحتلال عن الدفعة الرابعة والأخيرة، بعد أن تعهد بالإفراج عن 104 أسرى من ما قبل أوسلو، أفرج عن 74 منهم، ثم أقفل الباب على البقية من إخوة رائد.
يقترب أكثر وهو يحاول أن يخترق الجدران، الذاكرة وحدها قادرة أن تهزم واقع الزيف الذي يبنيه الاحتلال، وكل أسير يدرك ذلك، فكل فلسطيني لديه حكاية مع الاحتلال، لكن الأسرى لديهم حكايتهم الخاصة، ولكل منهم طريقته في التعبير عنها، تجتمع فصولها لترسم لوحة من الألم والمعاناة، كل بمقدار، تحت الاحتلال، أنت في الأسر، في مدينتك تحت حظر التجول، أنت في الأسر، في معتقلاته، أنت في الأسر، داخل المعتقل مراتب، في زنزانة التعذيب أو زنزانة العزل الانفرادي، وكثرت الحكايات كثيراً، فمنذ عام 1967 عايش تجربة الأسر في معتقلات الاحتلال، أكثر من نصف مليون فلسطيني أغلبهم من الشباب، لأيام ولأشهر ولسنوات.

الذاكرة وحدها قادرة أن تهزم واقع الزيف الذي يبنيه الاحتلال، وكل أسير يدرك ذلك


رائد، كما يروي، بدأ مسيرته النضالية الكفاحية عام 1985 بعد الانضمام للعمل المسلّح السري، حيث انخرط في صفوف حركة «فتح»: «التحقت بالفعل المقاوم عن طريق قيادي فلسطيني أسير محرر اسمه أبو علي شاهين». قاد خليته التي نفذت عدة عمليات عسكرية استهدفت المستوطنين، لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد سنوات قليلة، اندلعت انتفاضة الحجارة، انخرط فيها ليتمّم سيرته الأولى في تجربة علنية، ويتحول بعد أشهر قليلة إلى مطارد من قوات الاحتلال، التي بدأت رحلة البحث عنه، سنتان ورائد في حاضنته الشعبية يعيش ويتنقل وينام، كل ليلة في بيت من بيوت قريته سيلة الحارثية، لم تمنعه المطاردة من قيادة النشاطات الشعبية التي شارك بها الجميع، لكن نموذج إعلان الحارثية منطقة فلسطينية محررة، واستخدام سماعات المساجد كأداة تواصل بين الجميع، تماماً كما الإذاعة في لحظة الحرب، كانت التجربة الخاصة والإبداعية التي لعب رائد دوراً أساسياً في تشكيلها، وأنا ابن قريته، شاهد على ذلك مع من تبقى من أبناء جيلي.
سنتان ورائد في رحلة المطاردة التي عجز فيها الاحتلال من الوصول إليه، تمنع رائد من محاولة العيش وأن يبقى قريباً من العائلة، التي تحمّلت عبء عشرات الاقتحامات لمنزلهم، واعتقال الإخوة والوالد للضغط عليه لتسليم نفسه، حيث يشير رائد إلى ثبات الوالد، ورفضه الإفراج عنه مقابل أن يسلم ابنه نفسه للاحتلال. ويضيف: «أرسل لي من داخل السجن أن لا أوافق على تسليم نفسي». ما أعظم موقف الرجل، وقد قرأت له مقابلة صحافية قبل أشهر وهو يتحدث عن آخر أمنياته، وهي أن يخرج ابنه رائد من الأسر، ليحتضنه ويضمه، بعد أن فقد بصره قبل سنوات، فيما يمضي يعقوب الفلسطيني منتظراً ريح يوسف لعل البصر يرتد إليه.
في الأسر يريد الاحتلال أن يتوقف الزمن عند الأسير، عبر تحويل آدميته وإنسانيته إلى مجرد لحظة عابرة، ومهمة الأسرى على الدوام، وفي صراعهم اليومي المفتوح مع السجان أن يبقى حضوره الإنساني، ففي السجن ينهي الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة، ويتخرج، ويبدأ بالدراسات العليا، يشارك الأهل والأقارب أفراحهم وأتراحهم، عبر الاتصال بالهواتف النقالة المهربة إلى السجن، وقد زاد الإبداع عند الأسرى في السنوات الأخيرة، بالنطف المهربة التي أحيت الحياة مجدداً، وصار للأسرى أبناء وهم خلف القضبان.
إن إطالة أمد الأسر، له فلسفة خاصة لدى العقل الاحتلالي، فهو لا يعاقب الأسير فقط، بوضعه في السجن داخل الأسوار، بل يطال الأهل عبر سلسلة من العقوبات التي لا تنتهي، خاصة أثناء زيارة الأسير والتي أصبحت في السنوات الأخيرة نادرة. وقد تكون العقوبة بحق الأسير، وقد تكون أيضاً بحق الأهل، عبر ما يسمى المنع الأمني، حيث تحرم الأم من زيارة ابنها تحت هذا البند. يروي رائد قصة حدثت مع الأسير أيهم كممجي، عندما منع الاحتلال أمه من زيارة أيهم، واشترطوا عليها أن تطلب منه، كتابة استرحام، كي تتمكن من زيارته، ولم تكن تدرك أم أيهم أهداف الطلب، وبعد أن بيّن لها أيهم أن الطلب رسالة اعتذار عما فعل، قالت لأيهم عبر الهاتف «بغضب عليك إذا فعلت ذلك»، هذا موقف مريم مرة أخرى يتجلى. وبعد سنوات من وفاة والدة أيهم، تمكن من التحرر من سجن جلبوع، قبل أن تتمكن سلطات الاحتلال من اعتقاله وإعادته إلى السجن. أيهم يقول في إحدى لقاءاته مع والده أنه حقق أمنياته أثناء التحرر من الأسر، باستثناء أمنية واحدة، وهي عدم تمكنه من زيارة قبر والدته.
تمتد الفلسفة الاحتلالية، لترسم لكل الشباب الفلسطيني صورة المحتل الحقيقية، لمنعهم من السير على طريق من سبقوهم من الأسرى، وعلى الرغم من كل ممارسات الاحتلال طوال سنوات وجوده على الأرض الفلسطينية، بقي الأسير يمثل صورة البطل والقدوة وعنوان الوجود وجدوى المقاومة في ذهن كل شباب فلسطين.
رائد في «أمي مريم الفلسطينية» يحفر على كل الوجع، ويمضي، لكنه يعزي نفسه بمواقف كثيرة جعلته قادراً على الصمود، وعلى رأس تلك المواقف يروي رائد في سيرته الذاتية (روايته)، كيف أرسلوا رسالة إلى الشهيد فتحي الشقاقي، رسالة نقدية وقوية طالت حتى شخص الشهيد فتحي، ليأتيهم رد الشقاقي على الرسالة، طالباً منهم الصبر والصمود خاتماً رسالته بالقول «لا والله حتى تروا دمي على صدري». يشير رائد إلى مدى تأثير تلك الرسالة عليه حتى يومنا الراهن، فالقائد الشقاقي كان عند قسمه، وهذا هو القائد التاريخي الذي يختار وينحاز لخيار الشعب، ليلتحق بقافلة الشهداء.

تحميل كتاب المقدسي وشياطين الهيكل المزعوم 

تحميل كتاب المقدسي وشياطين الهيكل المزعوم 

الكاتب عبد الله البرغوثي

رواية للأسير عبد الله غالب البرغوثي المحكوم بأطول حكم في تاريخ البشرية ب67 مؤبداً..

هذا الكتاب من تأليف عبد الله البرغوثي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها

كتاب الحافلات تحترق

بكتابه “الحافلات تحترق” الأسير حسن سلامة 48 مؤبدًا يكشِف أسرار عمليات “الثأر المُقدّس” لاغتيال المُهندس عيّاش: 46 قتيلاً وعشرات الجرحى.. الاحتلال رفض إطلاقه بصفقة شاليط والسلطة اعتقلته!

الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:

أصدر الأسير حسن سلامة، (52 عامًا) من مدينة خان يونس بقطاع غزّة، منفّذ عمليات الثأر للمهندس يحيى عيّاش، الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيليّ، أصدر كتابه (حافلات تحترق) مطلع الشهر الجاري كانون الثاني (يناير) الجاري، وفيه كشف للمرّة الاولى عن أسرار عمليات “الثأر المقدس” وكواليس عمل كتائب عزّ الدّين القسّام، الجناح العسكريّ لحركة المقاومة الإسلاميّة (حماس).

 وجاء في الكتاب: “خرجت بأمر من أبو خالد محمد الضيف، وبدأنا العملَ وخطونا خطوتِنا الأولى بإشرافِ ومساعدةِ ثلة من القادة، أمثال الشهيد عدنان الغول، والشهيدِ سهيل أبو نحل، والقائد محمد السنوار، وغيرهم الكثير، وسرنا متوكلين على الله في طريق محفوفة بالمخاطر، لا نمتلك سوى قليل من المتفجرات، ومبلغ من الدولارات لا يتجاوز الألف دولار دين”.

ad

 أطلقت كتائب القسّام وعدها إثر اغتيال الاحتلال للقائد عيّاش عبر تفخيخ هاتف محمول في غزّة بأن الرّد “سيكون مؤلمًا وسريعًا”، وبدأت بتشكيل الخلايا العسكرية أشرف عليها مباشر القائد العام للكتائب محمد الضيف الذي تولى أيضًا مسؤولية تأمين التمويل المالي اللازم لتنفيذ العمليات، فيما تكلّف أشخاص آخرون بمهمات نقل المواد المتفجرة من غزّة الى الضفّة الغربية، وكان ذلك يتطلّب مراحل الرصد الليلي والاستطلاع المتواصل وتجاوز إجراءات الاحتلال الأمنية والسياج الفاصل.

 وكان سلامة، وفق ما أكّده موقع (الخنادق) قد طلب أنْ يكون أحد الاستشهاديين الذين سينفذون العمليات الاستشهادية ردًّا على اغتيال عيّاش، إلّا أن قيادة كتائب القسّام أوكلت الى سلامة مهمة التخطيط والاشراف الميداني على سلسلة عمليات الرّد.

 واستطاع سلامة تنفيذ 3 عمليات أدت الى مقتل 46 اسرائيليًا وإصابة العشرات، وذلك بعد 40 يومًا فقط من استشهاد العيّاش، وقد أسس سلامة لها “مجموعة القدس” التي ضمّت الشباب الاستشهاديين.

 العملية الأولى، استهدف الاستشهادي مجدي أبو وردة مكان تجمّع الجنود لانتظار الحافلات التي تنقلهم الى الثكنات العسكرية، في القدس المحتلة بتاريخ 25 /2/ 1996.

 العملية الثانية، جاءت بعد ساعات فقط من الأولى، اذ استهدف الاستشهادي إبراهيم السراحنة حافلة تنقل الجنود الى مواقع خدمتهم العسكرية، في القدس أيضًا.

العملية الثالثة، نفذها الاستشهادي رائد الشغنوبي بعد حوالي الأسبوع من العمليتين السابقتين وفي المكان نفسه التي نفّذت فيه العملية الثانية.

 ولد حسن سلامة يوم 9 آب (أغسطس) 1971 في خانيونس في قطاع غزّة. كان من أوائل الذين شاركوا في فعاليات الانتفاضة الأولى عام 1987 ملتحقًا بحماس، وقد تدرّج فيها الى أنْ انخرط في الصفوف العسكرية في كتائب القسّام.  انضم سلامة إلى وحدة (الصاعقة الإسلامية) في حركة حماس، والتي كانت تختص بملاحقة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال في قطاع غزّة، وكان مسؤولاً عن مجموعتها في خانيونس.

كما عمل مباشرةً مع محمد الضيف، وفي تلك الفترة توطدت علاقته بالمهندس عيّاش، وقد كان سلامة المسؤول عن التخطيط لعملية الاستشهادي معاوية روكة التي طالت موقعًا عسكريًا للاحتلال في خانيونس ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين صفوف الجنود.

عاد الاحتلال الى مطاردته، فخرج من فلسطين المحتلّة مستغلاً هذه الفترة في التدريبات العسكرية في عدّة دول منها سوريّة وإيران، ثمّ عاد الى غزّة بموجب مقررات (اتفاق أوسلو) لكنّ السلطة الفلسطينية اعتقلت سلامة لمدّة 6 شهور.

بعد عامين، انتقل سلامة الى الضفة الغربية المحتلّة حيث تابع عمله العسكريّ انطلاقًا من مدينة الخليل، فشارك في تشكيل مجموعات جهادية تابعة لكتائب القسّام. واستمر الاحتلال بمطاردته، وبتاريخ 1996/5/17 نصب الجيش حاجزًا مفاجئًا في الخليل، تمكن الشهيد من اكتشاف الحاجز ومحاولة الهرب، لكن الجنود أطلقوا النار فأصيب وتمّ اعتقاله.

حكم عليه الاحتلال بالمؤبد 48 مرّةً، بعد عاميْن على اعتقاله، وضعه الاحتلال في عزل انفرادي استمرّ 13 سنة، ولم ينتهِ إلّا بعد أنْ خاض الأسير سلامة معركة الإضراب عام 2012، وقد رفض الاحتلال إطلاق سراحه خلال صفقة التبادل عام 2011 والمعروفة إسرائيليًا بصفقة شاليط.