الأمن العسكري 215 – تفسخ الجثث قبل الموت وقبل الدفن

عبدالرحمن الخطيب

الأمن العسكري 215 – تفسخ الجثث قبل الموت وقبل الدفن

ستة أيام كفيلة أن تقتلك في فرع الأمن العسكري 215 ولو لم تعذب بضربة كرباج.
المعتقلون يحشرون في زنزانات لا تتسع لربع عددهم فيصبحون كما المخلل
أكواما من الأيدي والأرجل والرؤوس. بعض المعتقلين لا يستطيعون
لمس الأرض من كثرة الأجساد تحتهم وفوقهم وعن يمينهم ويسارهم.
المعتقلون على هذه الوضعية أيام وأيام وأيام، يأكلون ويبولون ويتبرزون كليا أو جزئيا
ويتعرقون وينزفون وجراحهم تتقيح وتتفسخ وتتعفن وهم على هذه الحالة
الأرض تحتهم تتلقى كل هذه الأشياء وتتلقى معها مزق اللحم الفاسد
والمهترئ الذي يصبح مع مرور الزمن كالشمع الدافئ، يكشط ويجرف
بسهولة شديدة وآلام مبرحة مخلفاً حفراً في جسد المعتقل كاشفة عن العظام .
هذا الخليط العجيب من السوائل والمواد يتكوم فوق الأرض فيحرقها
وينصهر معها ويتصلب ويصبح جزءاً منها.
بسبب هذا التزاحم الغريب تتشكل عقدة من البشر لا يمكن حلها،عقدة
خلاياها هؤلاء المعتقلون المصابون بكل ما ذكرناه من جروح وأمراض وآفات
ومع ذلك تجبر هذه العقدة -بكل ما فيها من معتقلين لا يستطيعون الوقوف
على أقدامهم أو نصب جذوعهم أو شارفوا على الموت- تجبر على الانفكاك
ويجبر هؤلاء المعتقلون تحت ضرب السياط والقضبان البلاستيكية وعصي الخشب
على الوقوف كل بضع دقائق إما لتوزيع الطعام
(المكون من رغيف خبز فوقه بعض اللبن الرائب) أو لإحصاء المعتقلين
(حيث يقوم الشاويشية بضغط المعتقلين إلى الخلف بعد أن يقفوا
ليخلقوا مساحة مترين من الفراغ ليبدؤوا بعدّ المعتقلين واحدا واحدا
وغالبا ما يفشلون في إحصائهم بسبب استحالة عدهم على هذه الحالة).
تمر الأيام على المعتقل في هذه الظروف وهو لا يجد موطئ قدم
(بكل ما تعنيه هذه الكلمة فعلا من معنى) تتخلل هذه الكتلة البشرية
وعندما يجد موطئ قدم، يستمر واقفا فيه على هذه الحالة لساعات
طوال أو ليالٍ ينام خلالها المعتقل أحياناً وهو واقف فيسقط
فوق أكوام المعتقلين ثم يعود لحالته واقفاً.
بعض المعتقلين لا يحتملون قلة النوم هذه فيتوفون على هذه الحالة
(وقد شاعت طريقة الموت هذه في الفرع واصطلح عليها المعتقلون
عبارة “فَصَل” فيقولون عمن مات على هذه الحالة :إنه فَصَل).
بعض من يسقط من الإرهاق (أي بعض من يفصل) ينام لبعض الوقت
نوماً عميقاً يصحو بعده ليجده الآخرون منفصم الشخصية أو مجنوناً أو مهلوساً .
يومياً تتساقط جثث الموتى في المهجع،إما لقلة النوم أو اختناقاً
أو فتكاً بالأمراض, تسحب هذه الجثث كالسجاد العتيق
من قبل “الشاويشية” وبعض المعتقلين ،وتكوم في الممر
(الذي يتميز عن باقي المهجع بالانخفاض البسيط لحرارته عن حرارة
باقي المهجع التي قد تصل إلى الأربعين في أحد أيام الشتاء القارس!)
هذا التلوث المذكور أعلاه جزء من التلوث الحاصل في المعتقل
فالجزء الآخر من التلوث هو الضجيج.
الضجيج الذي هو عبارة عن خليط عجيب من أنين المحتضرين
وصراخ الجرحى، واستغاثات المشبوحين أو المعذبين، وصيحات المتشاجرين
وآهات المصابين الذين يتعرضون لركلات ودعسات المارين
من فوق أجسادهم إما للخروج إلى التحقيق أو للتعذيب .
ما يحصل في هذا الفرع (وكل فرع) لا يتصوره عقل ولا يستطيع تحمله إنسان

عن المحرر

شاهد أيضاً

رسائل من خلف القضبان: بماذا تخبرنا قصاصات أوراق المعتقلين؟

لؤي هشام كثيرًا ما اختبرت سعاد إحساس القلق والخوف عندما كان زوجها محبوسًا احتياطيًا قبل الإفراج …

أحمد سحنوني ضحية تعذيب رهيب في السجون الفرنسية

في أول خروج إعلامي له كشف المعتقل السابق أحمد اليعقوبي السحنوني المزدمج الجنسية فرنسي من …

عبد العزيز البوخليفي: قضية الاعتقال الطويلة والنداء الإنساني

خاص في ظلام الزنزانة وصوت السجانين الذين يعترضون على قيودهم، تستمر قصة الاعتقال الطويل لعبد …

احمد حو مذكرات عائد من المشرحة

اصداء وزوابع مذكرات عائد من المشرحة

رسالة مف رسالة مفتوحة الى السيد عبد الاله بنكيران بعد ردكم الغريب على مذكراتي “عائد …

سجن كوبر / قسم الإعدام عبدالرؤوف أبوزيد

الهاتف ” الجوال ” ممنوع في السجن و يعاقب من يوجد بحوزته ، لكن للسجناء …

محمد مشبال.. تجربة الاعتقال والتعذيب

تجربة الاعتقال والتحقيق والتعذيب محمد الأمين مشبال الذي اعتقل بتهمة الانتماء لمنظمة سرية تهدف القضاء …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *