مروان حديد (ت 1976م) ، قائد أول ثورة إسلامية مسلحة في سوريا ضد حزب البعث والطائفة النصيرية الحاكمة .
في مواجهة سياسات القمع الوحشي الممنهج، ظهرت حركة معارضة مسلحة بقيادة مروان حديد الذي انشق عن جماعة الإخوان المسلمين وتبنّى العمل المسلح الاسلامي ، وأطلقت هذه المجموعة على نفسها اسم “الطليعة المقاتلة”، وبدأت في تنفيذ سلسلة من الاغتيالاتو العمل الفدائي ضد رموز النظام النصيري .
وبلغ التصعيد ذروته في عملية مدرسة المدفعية في الراموسة بحلب بقيادة إبراهيم اليوسف وعدنان عقلة ، حيث قتل 250 ضابط نصيري من أصل 270 كانوا متواجدين بالمدرسة..
لم تكن السلطة البعثية الغاشمة بغافلة أو متغافلة عن تحركاته ونشاطه بل كان همها الوحيد أن تلاحقه وتراقبه في كل مكان وزمان، ومروان هو مروان لم يتوانَ لحظة واحدة عن الاستمرار في الطريق الذي نذر له روحه وحياته ودائماً ما كانَ يُردد كلمته المشهورة المقتبسة من الحديث الشريف: (لموتٌ في طاعة الله خيرٌ من حياةٍ في معصيته)، وكانت أحاديثه كلها تدورُ حول الصبر والمصابرة ومقارعة الأعداء، وأنّ من كانوا قبلنا يؤتى بأحدهم فيمشَّطُ بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ويوضع المنشار على مفرق رأسه حتى يكون نصفين ما يصدهم ذلك عن دينهم، وكان يبشِّرُ بالنصر ويعتقدُ أن النصرَ مع الإيمان، ويستشهد بالآية الكريمة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، أي بالممكن منها حتى ولو كانت عصا فقط فالله تكفَّلَ بالنصر إذا صدق العبدُ ربَّه .
اعتقلت المخابرات الجوية مروان حديد في 30 حزيران سنة 1975 بعد أن قضى عدة سنوات يتنقل في الخفاء هرباً منها .
ولم يكن هناك محاكمةٌ سريةٌ أو علنيةٌ لمروان وإنما كان التحقيق المعروف لدى رجال المباحث والمختصين بشئون التعذيب والتصفية الجسدية، ومروان قويُّ البنية والشكيمة، صعبَ المنال لا يبالي أن يقاوم حتى لو كانت يديه في القيود فاتبعوا معه أسلوباً جديداً في التعذيب النفسي والجسدي، أما النفسي فكانوا يُسمعونَه أصواتاً كصوت زوجته وهي تعذب وكأنما يُرادَ اغتصابها حتى أنهكوه .
تعرض مروان للتعذيب بالأضواء المبُهِرة وكان أعظمَ وأَشدَّ تعذيبا على نفسه، وإن أخسَّ ما اتبعوه معه من وسائل قذرة واستطاعوا أن يكبلوا به قواه ويحدوا من مقاومته هو كشف قُبُلِهِ ودبُرِه، ومروان معروف بشدة حيائه وخجله فإذا دخلوا عليه الزنزانة انكمش على نفسه ليتستر عورته التي أرادوا كشفها وأراد الله سترها، ويستغلوا هذه الحالة ليكيلوا له صنوف التعذيب، بهذه الطريقة تمكنوا من السيطرة على مروان وإلا ليكيل لهم الكلمة بكلمة والصاع بصاعين، ثم قطعوا عنه الطعام وأجاعوه حتى خارت قواه، وأحياناً كانوا يقدمون له الطعام بعد أن يمزجوه أمام ناظريه بالأقذار، فصار يأبى أن يأكل من هذا الطعام القذر .
مروان صاحب الطول الفارع والجسد الممتلئ والقبضة الحديدية ينقُلُ عنه أحد الذين شاهدوه أخيراً وهو بحالة هو فيها أقرب إلى الهيكل العظمي منه إلى الجسد العادي، ويقول مروان لهذا بعد أن سقاه لبناً بيده فتقيأه لأن معدته لم تعد تحتملُ حتى اللبن، وكان يغيب عن الوعي لفترات متقطعة ويصحو، وبعد أن صحا قليلاً من غيبوبته قال لهذا الأخ : (انقل عنّي وقل للناس أن هؤلاء الكلاب «ويعني بهم المحققين» أنهم لم يحصلوا مني على كلمة واحدة تُشفى بها صدورهم).
ثم بعد ذلك ساءت حالته الصحية إلى درجة يئست السلطة منه فأرادت أن تُخفي جريمتها، فنقلوا مروان إلى مستشفى حرستا العسكري وطلب أسد منهم أن يأتوا بأخيه الدبلوماسي كنعان ليكون كما أراد الأشرار شاهداً من أهله أنه كان مضرباً عن الطعام، وأنه حالته تردت بسبب امتناعه عن الطعام، ومروان قد أعياه الجوع وأضناه الجهد وهبط ضغطه، فكان أخوه يتوسل إليه أن يأكل ويشرب فيرفض لكثرة ما رأى من تلويث الطعام والماء بالبول والغائط وقد أخبره مروان بذلك، ومع ذلك وافق مروان على طلب أخيه بأن يأكل بشرط، فقال : – يا أخي أشرب وآكل بشرطين، أحدهما أن يكون الماء من حماه والثاني تعدني أن تصلي ، وكان كنعان لا يُصلّي .
– فقال له أخوه كنعان : كُلْ وأُصَلّي .. وأكل مروان وشرب ماء حماة، ووفّى كنعان بوعده وصار مصلياً عابداً لله بعدما رأى ما رأى من حال أخيه .
وبدأت صحة مروان في التحسن، وبدأ ضغطه يعود إلى الوضع الطبيعي، وعاد إلى الحديث مع أهله الذين استبشروا خيراً .
وفي مساء أحد الأيام عاد إليه أهله ليجدوه يجود بروحه الطاهرة وقد أشار إليهم بإصبعه إلى رقبته وأنه قد أعطي حقنة في عنقه، وإذ بالأجهزة الطبية تشير إلى أن ضغطه أخذ يهبط من جديد وأن حالته صارت تسوء وتسوء، ثم فاضت روحه طاهرة زكيه إلى بارئها لتلتقي مع ركب الشهداء باذن الله الذين سبقوه ويستبشرون بقدومه كما هو يستبشر بقدوم إخوانه من خلفه ولا حول ولا قوة إلا بالله .
لقد توفى في سجن المزة العسكري في شهر 6/1976
استشهد مروان باذن الله ولم يُسمح لأهله بدفنه في حماة، فدُفِنَ في دمشق في مقبرة الباب الصغير تحت حراسة الأمن المشددة التي أحاطت بالمكان، وبعد دفنه بقيت الحراسة على القبر شهوراً حيث كانوا يعتقلون كل من يزور القبر .
المراجع :
1. **”الثورة الإسلامية المسلحة في سوريا”**
للمؤلف: عدنان سعد الدين.
2. **”الصراع على الإسلام في سوريا”** للمؤلف: حازم صاغية.
3. **”الطليعة المقاتلة في سوريا: مذكرات أيمن الشربجي”**
4. **”حماة مأساة العصر”** للمؤلف: بسام جعارة.
