adminis

مذكرات معتقل اسلامي -منبر الزنزانة 7-9

منبر الزنزانة (7)

هنالك حقيقة أخرى يشير إليها أحد التعقيبات القرآنية على قصة الأخدود في قوله تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}…

حقيقة ينبغي أن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل.

إن المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة وليست شيئا آخر على الإطلاق، وإن خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان، ولا يسخطون منهم إلا العقيدة

إنها ليست معركة سياسية ولا معركة اقتصادية، ولا معركة عنصرية… ولو كانت شيئا من هذا لسهل وقفها، وسهل حل إشكالها، ولكنها في صميمها معركة عقيدة – إما كفر وإما إيمان… اما جاهلية وإما إسلام!

ولقد كان كبار المشركين يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم المال والحكم والمتاع في مقابل شيء واحد، أن يدع معركة العقيدة وأن يدهن في هذا الأمر! ولو أجابهم – حاشاه – إلى شيء مما أرادوا ما بقيت بينهم وبينه معركة على الإطلاق!

إنها قضية عقيدة ومعركة عقيدة… وهذا ما يجب أن يستيقنه المؤمنون حيثما واجهوا عدوا لهم، فإنه لا يعاديهم لشيء إلا لهذه العقيدة؛ {إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}، ويخلصوا له وحده الطاعة والخضوع!

وقد يحاول أعداء المؤمنين أن يرفعوا للمعركة راية غير راية العقيدة، راية اقتصادية أو سياسية أو عنصرية، كي يموهوا على المؤمنين حقيقة المعركة، ويطفئوا في أرواحهم شعلة العقيدة، فمن واجب المؤمنين ألا يخدعوا، ومن واجبهم أن يدركوا أن هذا تمويه لغرض مبيت، وأن الذي يغير راية المعركة إنما يريد أن يخدعهم عن سلاح النصر الحقيقي فيها، النصر في أية صورة من الصور، سواء جاء في صورة الانطلاق الروحي كما وقع للمؤمنين في حادث الأخدود، أو في صورة الهيمنة – الناشئة من الانطلاق الروحي – كما حدث للجيل الأول من المسلمين.

ونحن نشهد نموذجا من تمويه الراية في محاولة الصليبية العالمية اليوم أن تخدعنا عن حقيقة المعركة، وأن تزور التاريخ، فتزعم لنا أن الحروب الصليبية كانت ستارا للاستعمار… كلا… انما كان الاستعمار الذي جاء متأخرا هو الستار للروح الصليبية التي لم تعد قادرة على السفور كما كانت في القرون الوسطى! والتي تحطمت على صخرة العقيدة بقيادة مسلمين من شتى العناصر، وفيهم صلاح الدين الكردي، وتوران شاه المملوكي، العناصر التي نسيت قوميتها وذكرت عقيدتها فانتصرت تحت راية العقيدة!

{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}.

وصدق الله العظيم، وكذب المموهون الخادعون!

منبر الزنزانة (8)

كتب الشيخ رفاعى سرور (رحمه الله فى كتابه أصحاب الأخدود

اذ يقول

إنه حديث المستضعفين.. ودرس الذين عاشوا الدعوة في أيام الآلام والعذاب

–( فعلى رأسه ملك مبدأه السحر وسلطانه القهر.. فلابد أن المنهج وهم وأن القيادة قهر وأن الفكر خرافة والواقع ضياع وعندئذ يكون الإنسان إما متكبراً لا يعجبه إلا نفسه أو مقهوراً لا يشعر بنفسه…).

(والذي يجعلنا نفهم ذلك من البداية هو أن الحكم في أي واقع هو المحصلة النهائية لكل الأبعاد الاجتماعية. كما أنه الصورة الجامعة للتقاليد والإطار المحدد للأخلاق فكيف يكون هذا المجتمع ومحصلة أبعاده وصورة تقاليده وإطار أخلاقه… القهر والسحر؟

وهذه ضرورة الحكم الظالم لأن الحكم بكل أشكاله سيطرة على الواقع الإنساني فإما أن يكون الحكم سليماً فيقوم على بناء كيان الإنسان وصيانته وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه عاقلاً عالماً قوياً. وهذا هو الحكم الإسلامي الذي يرعى الفرد ويقويه، وإما أن يكون الحكم جاهلياً فيقوم على تفتيت كيان الفرد وتشتيت كيان المجتمع لأن الحكم الجاهلي لايريد إلا السيطرة دائماً ولو إلى الدمار وفي هذه الحالة يكون من مصلحة الحاكم أن يكون الإنسان الذي يواليه غبياً جاهلاً ضعيفاً.

والسحر باعتباره توهم وكذب يحقق أغراض الحاكم الظالم، وأي منهج ليس من عند الله يخضع لـه الناس يحقق نتائج السحر وليس هناك فارق بينهما إلا في الشكل والاسم فالمهم ألا يكون في المجتمع قوة عاقلة أو عقل قوي وهذا ما يتحقق بالسحر وبأي منهج بشري مهما كان لأن أي منهج غير إسلامي يتفق في خصائصه مع السحر. إذ أن السحر تخيل بتأثير عامل الخوف وباستغلال حالة الجهل وأي منهج يتخيل الإنسان أنه سليم بتأثير الإرهاب الذي يُفرض به المنهج من خلال الجهل والضعف يحقق نتائج السحر …)

( وبذلك نفهم أن العداء بين الدعاة إلى الحق وبين حكام الباطل أمر بدهي مفروض من البداية وبمجرد التفكير في غاية الدعوة والنظر إلى واقع الناس ….).

(وعلى هذا فإن أي دعوة إلى الحق – تظهر في الواقع الباطل توجيهاً نظرياً أو فكرياً مجرداً لا يتضمن تقدير مواجهة هذا الباطل في قوته وسلطانه ستكون قتيلة بسنن الوجود وتُلفظ من واقع الناس.. كالجنين الذي يلفظه الرحم وهو غير مخلَّق. فالدعوة إلى جميع الناس.. حاكمين ومحكومين لأن الدعوة دعوة للحق فلو كانت للمحكومين دون الحاكمين لأصبحت فكراً خاضعاً لمن يحكم بالباطل ولو كانت للحاكمين دون المحكومين لأصبحت وسيلة من وسائل هذا الحكم الباطل…).

–( ويجب ألا يمنع الاستضعاف ضرورة المواجهة بين الدعوة والحكم الظالم وليس في تلك المواجهة دون اعتبار للإمكانيات المادية – أي تهور، ولهذا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن سيد الشهداء من يقوم إلى حاكم ظالم يأمره وينهاه، وهو يعلم أنه سيقتله فقال: (سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام ظالم فأمره ونهاه فقتله)  لأنه أكد مايؤكده الشهداء بقتالهم الكافرين أصحاب القوة والسلطان ويزيد عليهم أن الشهداء كانوا يقاتلون باحتمال النصر أو الشهادة وهو يواجه باحتمال واحد وهو الشهاد…)ة.

(فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب).

(وتلمح من النص أن الغلام كان على إصرار في القعود إلى الراهب لأنه كان يقعد إليه كلما أتى الساحر، رغم أن الساحر كان يضربه كلما تأخر عنه.

وهذا الضرب يمثل بالنسية للغلام بلاءاً وامتحاناً إذا راعينا أنه غلام صغير.

ولكن الله تبارك وتعالى يريد أن يتربى هذا الغلام – من البداية – تربية حقيقية كاملة ويريد أن يكون ارتباطه بالدعوة متفقاً مع طبيعتها لأن هذا الغلام سيكون منطلقاً أساسياً لتلك الدعوة، وسيكون دليل الناس إليها.

لذا كان لابد من أن يكون شخصية متكاملة بمعنى التكامل الشخصي للدعاة والذي لا يتحقق ولا يتم إلا بالاستعداد للبلاء والصبر عليه عندما يقع.

فطبيعة التلقي لهذا الدين هي التي تحدد طبيعة اعتناقه والالتزام به والدعوة إليه، والذين يتلقون هذا الدين على أنه بلاء، هم الذين يبقون إلى النهاية، وأخذ هذا الدين بقوة هو ضمان الاستمرار عليه.

وبذلك أراد الله تبارك وتعالى أن يتفق تكوين هذا الغلام مع طبيعة الدعوة وأن لا تشذ شخصيته عن تكاليفها فابتلاه الله في لحظات التكوين ووقت النمو وفترة التربية فصدق وصبر.

— (فاهتز الجبل فسقطوا هم وعاد هو سالماً… وجاء يمشي إلى الملك).

(وسبب عودته إلى الملك هو سبب طلبه للنجاة من أصحاب الملك فوق الجبل وهو أن الدعوة لم تتم، وليست الحياة هدفاً يحرص عليه الدعاة إلا من خلال كونها ضرورة من ضرورات الدعوة سواء أكان تحقيق هذه الضرورة يتطلب الحرص على الحياة أو الحرص على الموت.

منبر الزنزانة (9)

والذين يفسرون مصلحة الدعوة بالحرص على حياة الدعاة فحسب هم أصحاب التصور الناقص الذي لايعدو أن يكون فلسفة للجبن أو للارتداد عن سبيل الله.

والذين يندفعون إلى الموت برغبتهم النفسية دون اعتبار لمصلحة الدعوة إنما يبددون بذلك الاندفاع والتهور طاقة الدعوة وإمكانياتها.

وكما أن مصلحة الدعوة هي الحد الفاصل بين الجبن والشجاعة. فهي أيضاً الحد الفاصل بين الشجاعة والتهور، فالجبن هو عدم الاستعداد للتضحية، والتهور هو التضحية بلاضرورة أومنفعة، والشجاعة هي التضحية الضرورية النافعة، وعلى هذا لم يكن طلب الغلام للنجاة جبناً ولم تكن عودته إلى الملك تهوراً بل كان في كلا الموقفين شجاعاً حكيما)ً.

(جاء يمشي إلى الملك).

لم تؤثر محنته على منهجه..

لم يحدث التصرف الذي غالباً مايتصرفه بعض الدعاة بعد أن يعيشوا مرحلة من مراحل الخطر.. يخرجون من هذا الخطر وقد قرروا تفاديه في كل مواقفهم.. ويصبح هذا القرار أساساً في تحديد تصور جديد ومنهج جديد.

لم يفعل الغلام ذلك بل عاد متمسكاً بمنهجه بصورة كاملة ودقيقة.. عاد إلى نفس النقطة التي كان عليها.. نفس الموقف الذي كان فيه.. موقف المواجهة مع الملك.. فقد تحقق للغلام إمكانية تلك المواجهة فلا يجوز التراجع ولا حتى التأجيل.

— .. ويحاول الملك قتله مرة ثانية..

(فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال لـه الملك: ماذا فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله)..

إن اختيار الملك لأسلوب القذف بالغلام في وسط البحر بعد محاولة القذف به من فوق الجبل يعتبر نموذجاً لطبيعة تطور المواجهة الجاهلية المادية البحتة في مواجهة دعوة قائمة بقدر الله وحده.

تلك المادية البحتة التى أعمت أصحابها عن قدر الله السافر فوق ذروة الجبل حيث اهتز الجبل فسقطوا هم وعاد هو سالماً.

والتي أودت بأصحابها إلى اتباع الأساليب التافهة الناتجة عن النظر القاصر في المسافة اليابسة بين الجبل والقصر.

كيف لو كانت بحراً.

وكما اهتز الجبل فسقطوا .

انكفأت السفينة فغرقوا.

وعاد هو سالماً..

أحداث ناشئة بطبيعة واحدة، ناشئة عن إرادة إلهية غالبة بتمام الدعوة.

أدرك الغلام هذه الحقيقة.. فجاء يمشي إلى الملك.

ويقين الغلام بعجز الملك عن قتله وإن كان موقفاً خاصاً إلا أنه تضمن حقيقة اعتقادية مطلقة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس في حديثه: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) .

ولن تكون الحركة صحيحة إلا إذا تحقق في ضمير كل داعية هذا الاطمئنان الذي كان عند الغلام.

— وقد كانت هذه الحقيقة القدرية الأخيرة التي تتحدد بها العلاقة السبب والنتيجة. سبقها عدة حقائق.

ففي القصة النتيجة التي تتحقق بعكس مقصود البشر من السبب فنفس الغلام الذي أراد البشر أن يكون داعية للضلال. يريد الله أن يكون داعية للحق، وفي نفس طريق الغلام إلى الساحر يلتقي بالراهب ويجلس إليه ويسمع منه ويعجبه كلامه.

وفي القصة النتيجة الهائلة بالسبب البسيط.. مثلما قتل الغلام الدابة التي كانت تسد على الناس الطريق بحجر صغير.

وهو المعنى المتحقق كذلك بهزيمة الملك ووقوع ما كان يحذره بسبب هذا الغلام الصغير.

وفي القصة المختلفة بالسبب الواحد وذلك عندما كان الغلام وأصحاب الملك فوق الجبل فرجف بهم الجبل وجاء إلى الملك وكذلك عندما كان الغلام وأصحاب الملك في السفينة فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك.

ومن مجموع هذه الحقائق نفهم من سورة البروج قول الله سبحانه : {فعال لما يريد} [البروج: 16].

لأن هذه الآية هي حقيقة كل الحقائق.

ولقد كان آخر ما قاله الغلام هو أمره للملك بأن يقول: (بسم الله رب الغلام) وبهذه الكلمة فتح الغلام للناس باب الإيمان. فقد كانوا يعرفونه محباً لهم وساعياً لمنفعتهم ومداوياً لأدوائهم وما بقي إلا أن يعرف الناس أن للغلام رباً هداه إلى محبتهم وأذن لـه بشفائهم.

باسمه تحقق عجز الملك وباسمه سيموت الغلام راغباً من أجل إيمانهم وهنا نشعر بمدى القهر الذي انتهى إليه الملك. فبعد أن كان يدعي الربوبية ويعذب ويقتل من لا يدَّعيها لـه، يقول في النهاية بنفسه.. (باسم الله رب الغلام).

ولذلك لم يكن الغلام خائفاً من أن تنعكس رؤية الناس لـه وهو يموت خوفاً من الملك بعد قهره بهذا الموقف.

كما أن الغلام لم يكن خائفاً لأنه استطاع أن ينشئ تعاطفاًكاملاً لـه في نفوس هؤلاء الناس بسلوكه معهم قبل ذلك وبموقف الموت ذاته حيث تحدد الفارق بينه كغلام صغير مصلوب على جذع شجرة وبين الملك الظالم.

وعندما انتهى الخوف من الملك المقهور وبدأ التعاطف مع الغلام الداعية بدأ الناس في الإحساس الصحيح بالموقف.

غلام صغير يحب الناس ويقدم بهم المنافع والخير.. يموت برغبته من أجلهم.. بعد أن أثبت عجز الملك وضعفه من أجل أن يؤمنوا بالله رب الغلام.

واستجاب الناس.. فاندفعوا من كل مكان بلا خوف يرددون نداءات الإيمان (آمنا برب الغلام).. (آمنا برب الغلام).

ففي لحظة الانطلاق من قيود الوهم والجهل..

وفي لحظة العزة بعد القهر والذل..

وفي لحظة القوة بعد الوهن والضعف.. يؤمن الناس.

(فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله وقع بك حذرك).

وتغيرت ملامح المجتمع وأنهت الجماهير ادعاء الحاكم الكاذب فجاء إلى الملك من يقسم لـه بالله على هزيمته وعجزه ويقول له: (قد والله وقع بك حذرك).

(فأمر بالأخاديد في أفوه السكك فخدت وأضرم فيها النيران).

ورغم هذا لم يتوقف اندفاع الناس من كل طريق وفي كل السكك وواصلوا الاندفاع حتى أخاديد النيران.

وواصل الملك مواجهة الجماهير المندفعة فقال: (من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أوقيل لـه اقتحم) ليقاوم كل إنسان بنفسه حب البقاء في نفسه فيكون أقل مقدار للضعف كافياً وسبباً للارتداد وقد كانت هذه الفكرة آخر ما أفرزته رأس هذا الملك المهزوم من سموم المكر. ولكن الإيمان أبطل أثرها، وعالجت قوة الاندفاع الأصيل إلى الموت أثر أي ضعف كان كامناً في النفوس.

ويلتقط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهداً لمعالجة الإيمان لإحساس التعلق بالحياة فيه (جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: ياأمه، اصبري إنك على الحق).

جاءت الأم بولدها متمسكة به إلى النهاية لم تفصلها أهوال الأحداث عنه حتى جاءت إلى حافة الأخدود واشتعلت مشاعر الأمومة وكراهية الموت فيها فترددت أن تقع بابنها ولكن الطفل يطفئ في إحساس أمه لهيب النار ذات الوقود لتلقي بنفسها وتنجو من الضعف والتقاعس، وكان حديث هذا الصبي هو آخر كلمات القصة عند حافة الأخدود. قصة الانتصار للحق.

وتبقى مشاهد العذاب وأخاديد النيران بشررها المتطاير ولهيبها ترتفع ألسنته بأجساد المؤمنين الطاهرة. ويبقى أثر تلك النار في قلب كل مؤمن استضعافاً في الأرض وجاهلية في الحياة ترتفع ألسنتها كلما استشهد شهيد في سبيل تلك الدعوة من أجل التمكين لها في الأرض وهذه الحياة.

وفي ذلك جاء قول الله تعالى: {والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على مايفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} [ البروج

مذكرات معتقل اسلامي -منبر الزنزانة 5-6

منبر الزنزانة (5)

هناك إشعاع آخر تطلقه قصة أصحاب الأخدود وسورة البروج حول طبيعة الدعوة إلى الله، وموقف الداعية أمام كل احتمال.

لقد شهد تاريخ الدعوة إلى الله نماذج منوعة من نهايات في الأرض مختلفة للدعوات

شهد مصارع قوم نوح، وقوم هود، وقوم شعيب، وقوم لوط، ونجاة الفئة المؤمنة القليلة العدد، مجرد النجاة، ولم يذكر القرآن للناجين دورا بعد ذلك في الأرض والحياة، وهذه النماذج تقرر أن الله سبحانه وتعالى يريد أحيانا أن يعجل للمكذبين الطغاة بقسط من العذاب في الدنيا، أما الجزاء الأوفى فهو مرصود لهم هناك.

وشهد تاريخ الدعوة مصرع فرعون وجنوده، ونجاة موسى وقومه، مع التمكين للقوم في الأرض فترة كانوا فيها أصلح ما كانوا في تاريخهم، وإن لم يرتقوا قط إلى الاستقامة الكاملة، وإلى إقامة دين الله في الأرض منهجا للحياة شاملا… وهذا نموذج غير النماذج الأولى.

وشهد تاريخ الدعوة كذلك مصرع المشركين الذين استعصوا على الهدى والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وانتصار المؤمنين انتصارا كاملا، مع انتصار العقيدة في نفوسهم انتصارا عجيبا، وتم للمرة الوحيدة في تاريخ البشرية أن أقيم منهج الله مهيمنا على الحياة في صورة لم تعرفها البشرية قط، من قبل ولا من بعد.

وشهد – كما رأينا – نموذج أصحاب الأخدود

وشهد نماذج أخرى أقل ظهورا في سجل التاريخ الإيماني في القديم والحديث، وما يزال يشهد نماذج تتراوح بين هذه النهايات التي حفظها على مدار القرون.

ولم يكن بد من النموذج الذي يمثله حادث الأخدود، إلى جانب النماذج الأخرى، ألقريب منها والبعيد

لم يكن بد من هذا النموذج الذي لا ينجو فيه المؤمنون، ولا يؤخذ فيه الكافرون! ذلك ليستقر في حس المؤمنين – أصحاب دعوة الله – أنهم قد يدعون إلى نهاية كهذه النهاية في طريقهم إلى الله، وأن ليس لهم من الأمر شيء، إنما أمرهم وأمر العقيدة إلى الله!

إن عليهم أن يؤدوا واجبهم، ثم يذهبوا، وواجبهم أن يختاروا الله، وأن يؤثروا العقيدة على الحياة، وأن يستعلوا بالإيمان على الفتنة وأن يصدقوا الله في العمل والنية، ثم يفعل الله بهم وبأعدائهم، كما يفعل بدعوته ودينه ما يشاء، وينتهي بهم إلى نهاية من تلك النهايات التي عرفها تاريخ الإيمان، أو إلى غيرها مما يعلمه هو ويراه.

إنهم أجراء عند الله، أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا، عملوا وقبضوا الأجر المعلوم! وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، فذلك شأن صاحب الأمر لا شأن الأجير!

وهم يقبضون الدفعة الأولى طمأنينة في القلب، ورفعة في الشعور، وجمالا في التصور، وانطلاقا من الأوهاق والجواذب، وتحررا من الخوف والقلق، في كل حال من الأحوال.

وهم يقبضون الدفعة الثانية ثناء في الملأ الأعلى وذكرا وكرامة، وهم بعد في هذه الأرض الصغيرة.

ثم هم يقبضون الدفعة الكبرى في الآخرة حسابا يسيرا ونعيما كبيرا.

ومع كل دفعة ما هو أكبر منها جميعا، رضوان الله، وانهم مختارون ليكونوا أداة لقدره وستارا لقدرته، يفعل بهم في الأرض ما يشاء.

منبر الزنزانة (6)

وهكذا انتهت التربية القرآنية بالفئة المختارة من المسلمين في الصدر الأول إلى هذا التطور، الذي أطلقهم من أمر ذواتهم وشخوصهم، فأخرجوا أنفسهم من الأمر البتة، وعملوا أجراء عند صاحب الأمر ورضوا خيرة الله على أي وضع وعلى أي حال.

وكانت التربية النبوية تتمشى مع التوجيهات القرآنية، وتوجه القلوب والأنظار إلى الجنة، وإلى الصبر على الدور المختار حتى يأذن الله بما يشاء في الدنيا والآخرة سواء.

كان صلى الله عليه وسلم يرى عمارا وأمه وأباه رضي الله عنهم يعذبون العذاب الشديد في مكة، فما يزيد على أن يقول: “صبرا آل ياسر، موعدكم الجنة“…

وعن خباب بن الأرث رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد برده في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ أو تدعو لنا؟ فقال: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يبعده ذلك عن دينه، والله ليتممن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، فلا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون” [أخرجه البخاري].

* * *

إن لله حكمة وراء كل وضع ووراء كل حال، ومدبر هذا الكون كله، المطلع على أوله وآخره، المنسق لأحداثه وروابطه، هو الذي يعرف الحكمة المكونة في غيبه المستور، الحكمة التي تتفق مع مشيئته في خط السير الطويل.

وفي بعض الأحيان يكشف لنا – بعد أجيال وقرون – عن حكمة حادث لم يكن معاصروه يدركون حكمته، ولعلهم كانوا يسألون لماذا؟ لماذا يا رب يقع هذا؟ وهذا السؤال نفسه هو الجهل الذي يتوقاه المؤمن، لأنه يعرف ابتداء أن هناك حكمة وراء كل قدر، ولأن سعة المجال في تصوره، وبعد المدى في الزمان والمكان والقيم والموازين تغنيه عن التفكير ابتداء في مثل هذا السؤال، فيسير مع دورة القدر في استسلام واطمئنان

لقد كان القرآن ينشئ قلوبا يعدها لحمل الأمانة، وهذه القلوب كان يجب أن تكون من الصلابة والقوة والتجرد بحيث لا تتطلع – وهي تبذل كل شيء، وتحتمل كل شيء – إلى شيء في هذه الأرض، ولا تنظر إلا إلى الآخرة، ولا ترجو إلا رضوان الله، قلوبا مستعدة لقطع رحلة الأرض كلها في نصب وشقاء وحرمان وعذاب وتضحية حتى الموت، بلا جزاء في هذه الأرض قريب، ولو كان هذا الجزاء هو انتصار الدعوة، وغلبة الإسلام وظهور المسلمين، بل لو كان هذا الجزاء هو هلاك الظالمين بأخذهم أخذ عزيز مقتدر كما فعل بالمكذبين الأولين!

حتى إذا وجدت هذه القلوب، التي تعلم أن ليس أمامها في رحلة الأرض إلا أن تعطي بلا مقابل – أي مقابل – وأن تنتظر الآخرة وحدها موعدا للفصل بين الحق والباطل، حتى إذا وجدت هذه القلوب، وعلم الله منها صدق نيتها على ما بايعت وعاهدت، آتاها النصر في الأرض، وائتمنها عليه، لا لنفسها، ولكن لتقوم بأمانة المنهج الإلهي وهي أهل لأداء الأمانة منذ كانت لم توعد بشيء من المغنم في الدنيا تتقاضاه، ولم تتطلع إلى شئ من الغنم في الأرض تعطاه، وقد تجردت لله حقا يوم كانت لا تعلم لها جزاء إلا رضاه.

وكل الآيات التي ذكر فيها النصر، وذكر فيها المغانم، وذكر فيها أخذ المشركين في الأرض بأيدي المؤمنين نزلت في المدينة… بعد ذلك… وبعد أن أصبحت هذه الأمور خارج برنامج المؤمن وانتظاره وتطلعه، وجاء النصر ذاته لأن مشيئة الله اقتضت أن تكون لهذا المنهج واقعية في الحياة الإنسانية، تقرره في صورة عملية محددة تراها الأجيال… فلم يكن جزاء على التعب والنصب والتضحية والآلام، إنما كان قدرا من قدر الله تكمن وراءه حكمة نحاول رؤيتها الآن!

وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله، في كل أرض وفي كل جيل، فهي كفيلة بأن تريهم معالم الطريق واضحة بلا غبش، وأن تثبت خطى الذين يريدون أن يقطعوا الطريق إلى نهايته، كيفما كانت هذه النهاية، ثم يكون قدر الله بدعوته وبهم ما يكون، فلا يتلفتون في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء، وبالعرق والدماء، إلى نصر أو غلبة، أو فيصل بين الحق والباطل في هذه الأرض… ولكن إذا كان الله يريد أن يصنع بهم شيئا من هذا لدعوته ولدينه فسيتم ما يريده الله… لا جزاء على الآلام والتضحيات… لا، فالأرض ليست دار جزاء… وإنما تحقيقا لقدر الله في أمر دعوته ومنهجه على أيدي ناس من عباده يختارهم ليمضي بهم من الأمر ما يشاء، وحسبهم هذا الاختيار الكريم، الذي تهون إلى جانبه وتصغر هذه الحياة، وكل ما يقع في رحلة الأرض من سراء أو ضراء.

مذكرات معتقل اسلامي -منبر الزنزانة 3-4

منبر الزنزانة (3)

إن الحياة وسائر ما يلابسها من لذائذ وآلام، ومن متاع وحرمان… ليست هي القيمة الكبرى في الميزان… وليست هي السلعة التي تقرر حساب الربح والخسارة، والنصر ليس مقصورا على الغلبة الظاهرة، فهذه صورة واحدة من صور النصر الكثيرة.

إن القيمة الكبرى في ميزان الله هي قيمة العقيدة، وإن السلعة الرائجة في سوق الله هي سلعة الإيمان، وإن النصر في أرفع صوره هو انتصار الروح على المادة، وانتصار العقيدة على الألم، وانتصار الإيمان على الفتنة… وفي هذا الحادث انتصرت أرواح المؤمنين على الخوف والألم، وانتصرت على جواذب الأرض والحياة، وانتصرت على الفتنة انتصارا يشرف الجنس البشري كله في جميع الأعصار… وهذا هو الانتصار…

إن الناس جميعا يموتون، وتختلف الأسباب، ولكن الناس جميعا لا ينتصرون هذا الانتصار، ولا يرتفعون هذا الارتفاع، ولا يتحررون هذا التحرر، ولا ينطلقون هذا الانطلاق إلى هذه الآفاق… انما هو اختيار الله وتكريمه لفئة كريمة من عباده لتشارك الناس في الموت، وتنفرد دون الناس في المجد، المجد في الملأ الأعلى، وفي دنيا الناس أيضا، أذا نحن وضعنا في الحساب نظرة الأجيال بعد الأجيال!

لقد كان في استطاعة المؤمنين أن ينجوا بحياتهم في مقابل الهزيمة لإيمانهم، ولكن كم كانوا يخسرون هم أنفسهم؟ وكم كانت البشرية كلها تخسر؟ كم كانوا يخسرون وهم يقتلون هذا المعنى الكبير، معنى زهادة الحياة بلا عقيدة، وبشاعتها بلا حرية، وانحطاطها حين يسيطر الطغاة على الأرواح بعد سيطرتهم على الأجساد؟

إنه معنى كريم جدا، ومعنى كبير جدا، هذا الذي ربحوه وهم بعد في الأرض، ربحوه وهم يجدون مس النار، فتحرق أجسادهم الفانية، وينتصر هذا المعنى الكريم الذي تزكيه النار!

ثم إن مجال المعركة ليس هو الأرض وحدها، وليس هو الحياة الدنيا وحدها، وشهود المعركة ليسوا هم الناس في جيل من الأجيال، أن الملأ الأعلى يشارك في أحداث الأرض ويشهدها ويشهد عليها، ويزنها بميزان غير ميزان الأرض في جيل من أجيالها، وغير ميزان الأرض في أجيالها جميعا، والملأ الأعلى يضم من الأرواح الكريمة أضعاف أضعاف ما تضم الأرض من الناس… وما من شك أن ثناء الملأ الأعلى وتكريمه أكبر وأرجح في أي ميزان من رأي أهل الأرض وتقديرهم على الإطلاق!

وبعد ذلك كله هناك الآخرة، وهي المجال الأصيل الذي يلحق به مجال الأرض، ولا ينفصل عنه، لا في الحقيقة الواقعة، ولا في حس المؤمن بهذه الحقيقة.

فالمعركة إذن لم تنته، وخاتمتها الحقيقية لم تجيء بعد، والحكم عليها بالجزء الذي عرض منها على الأرض حكم غير صحيح، لأنه حكم على الشطر الصغير منها والشطر الزهيد.

* * *

النظرة الأولى هي النظرة القصيرة المدى الضيقة المجال التي تعن للإنسان العجول، والنظرة الثانية الشاملة البعيدة المدى هي التي يروض القرآن المؤمنين عليها، لأنها تمثل الحقيقة التي يقوم عليها التصور الإيماني الصحيح.

ومن ثم وعد الله للمؤمنين جزاء على الإيمان والطاعة، والصبر على الابتلاء، والانتصار على فتن الحياة… هو طمأنينة القلب: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب} [الرعد: 28].

وهو الرضوان والود من الرحمن: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} [مريم: 96].

وهو الذكر في الملأ الأعلى:

منبر الزنزانة (4)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد” [أخرجه الترمذي].

وقال صلى الله عليه وسلم: “يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، فإن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا، وإن اقترب إلي ذرعا اقتربت منه باعا، وإن أتاني مشيا يمشي أتيته هرولة” [أخرجه الشيخان].

وهو اشتغال الملأ الأعلى بأمر المؤمنين في الأرض: {الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} [غافر: 7].

وهو الحياة عند الله للشهداء: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [آل عمران: 169 – 171].

كما كان وعده المتكرر بأخذ المكذبين والطغاة والمجرمين في الآخرة والإملاء لهم في الأرض والإمهال إلى حين… وإن كان أحيانا قد أخذ بعضهم في الدنيا… ولكن التركيز كله على الآخرة في الجزء الأخير: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} [آل عمران: 196 – 197].

{ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء} [إبراهيم: 42 – 43].

{فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون، يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} [المعارج: 42 – 44].

وهكذا اتصلت حياة الناس بحياة الملأ الأعلى، واتصلت الدنيا بالآخرة، ولم تعد الأرض وحدها هي مجال المعركة بين الخير والشر، والحق والباطل، والإيمان والطغيان، ولم تعد الحياة الدنيا هي خاتمة المطاف، ولا موعد الفصل في هذا الصراع… كما أن الحياة وكل ما يتعلق بها من لذائد وآلام ومتاع وحرمان، لم تعد هي القيمة العليا في الميزان.

انفسح المجال في المكان، وانفسح المجال في الزمان، وانفسح المجال في القيم والموازين، واتسعت آفاق النفس المؤمنة، وكبرت اهتماماتها، فصغرت الأرض وما عليها، والحياة الدنيا وما يتعلق بها، وكبر المؤمن بمقدار ما رأى وما عرف من الآفاق والحيوات، وكانت قصة أصحاب الأخدود في القمة في إنشاء هذا التصور الإيماني الواسع الشامل الكبير الكريم.

مذكرات معتقل اسلامي -منبر الزنزانة 1-2

مذكرات معتقل اسلامي

(1)

منبر الزنزانة !!

استيقظت من نومى فتوضئت وارتديت قميصى الاسلامى الابيض ومسحت يدى بزجاجة العطر وخللت بها لحيتى ومشيت 3 خطوات لاصعد المنبر والمصلون يفترشون الارض من حولى والموذن يتاهب ليرفع اذان صلاة الجمعة استجمع نقاط الخطبة فى قلبى صعدت درجات المنبر الثلاثة البطانية الاولى ثم الثانية ثم الثالثة لارتفع عن الارض بمقدار ثلاث بطاطين مطوية يرفع المؤذن اذان الجمعة والمصلون يجلسون امامى على الارض الوجوه مضيئة متوضئة ولكن مهلا ليس هذا فحسب فهناك طيف ابتسامه موحدة تعلوا وجوههم جميعا ابتسامة عجيبة لم ارها فى حياتى من قبل ابتسامه تلقى العديد من التعبيرات وتسكب جملة من المشاعر ابتسامة ثقه و رضا و رسوخ وعلم و ذكاء وبصيرة ابتسامة حب واخاء لا تصدر الا عن قلوب نقية وتقية قلوب لا تعرف الشرّ او الخبث والاهم انها لا تعرف السلبية تلك السلبية التى هى العامل المشترك والشريك الاساسى فى كل شرور ومظالم العالم الانسانى فمع كل ظالم يظلم او طاغية يطغى كان هناك شريكا خفيا قاعدا سلبيا يجلس يشاهد عذابات الانسانية ولا تتحرك له ارداة لدفع الظلم عن المظلومين ونصرة لهؤلاء المستضعفين خلت الوجوه التى طالعتها امامى من هذه الملامح السلبية وحلت محلها ملامح احسبها ربانية وتذكرت قول الله تعالى

وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)

العجيب فى الامر ان موضوع الخطبة التى حضرتها كان وثيق الصلة بما تشع به هذه الوجوه انه حديث شريف وسورة قرانية تحكى قصة غلام وقرية استحقوا ان يخلد التاريخ ذكرهم والشريعة عبرهم والقران وصفهم فلا عجب انه غلام الاخدود واصحاب الاخدود وقصة الصراع بين الحق والباطل والاسلام والكفر فى صورة نموذجية تتكرر فى كل زمان ومكان بمضمون ثابت مطّرد تختلف التفاصيل والاشخاص والاسماء والبلدان والازمان والقصة هى هى والدرس هو هو وكان موضوع الخطبة مطابقا لمكان الخطبة وموضع المنبر اذ كان المنبر (منبر الزنزانة)

سورة البروج

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)

عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال

« كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان لـه ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلامًا أعلمه السحر، فبعث إليه غلامَا يعلمه. فكان في طريقه، إذا سلك، راهبٌ فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه. فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه.. فشكى ذلك إلى الراهب. فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة. قد حبست الناس فقال: اليوم أعلم: الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس. فرماها فقتلها. ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره، فقال لـه الراهب: أي بني! أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدلَّ عليَّ. وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة. فقال: ما ههنا لك أجمع، إن أنت شفيتني. فقال إني لا أشفي أحداً. إنما يشفي الله (تعالى) فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك.فآمن بالله تعالى فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال لـه الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: أولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام. فجيء بالغلام فقال لـه الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل؟.. قال: إني لا أشفي أحداً. إنما يشفي الله (تعالى) فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار فوضع في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه ثم جيء بجليس الملك فقيل لـه: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع شقاه. ثم جيء بالغلام فقيل لـه : ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته. فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل. فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك فقال لـه الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله (تعالى) فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور فتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك فقال لـه الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله (تعالى). فقال للملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به! فقال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ثم خذ سهماً من كنانتي ثم ضع السهم في كبد القوس وقل: بسم الله رب الغلام. ثم ارمني. فإنك إن فعلت ذلك قتلتني. فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذع. ثم أخذ سهماً من كنانته. ثم وضع السهم في كبد القوس ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه فوضع يده في موضع السهم فمات. فقال الناس: آمنا برب الغلام ثلاثاً فأُتيَ الملك فقيل لـه: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد، والله! وقع بك حذرك. قد آمن الناس فأمر بالأخاديد في أفواه السكك فَخُدَّت وأُضرم (فيها) النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل لـه: اقتحم.. ففعلوا حتى جاءت امرأة معها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها فقال لها الغلام: ياأمه! اصبري فإنك على الحق ». (رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي

منبر الزنزانة (2)

وانطلقت اسرد منه الدروس والعبر التى استقيتها قبل اعتقالى من اروع من صنف

مصنفا فى شرح هذا الحديث انه الكاتب الاسلامى الراحل رفاعى سرور رحمه الله
وكذلك  صاحب الظلال سيد قطب رحمه الله

وفى ظلال الايه والحديث كتب سيد قطب رحمه الله

إن قصة أصحاب الأخدود – كما وردت في سورة البروج – حقيقة بأن يتأملها المؤمنون الداعون إلى الله في كل أرض وفي كل جيل، فالقرآن بإيرادها في هذا الأسلوب مع مقدمتها والتعقيبات عليها، والتقريرات والتوجيهات المصاحبة لها… كان يخط بها خطوطا عميقة في تصور طبيعة الدعوة إلى الله، ودور البشر فيها، واحتمالاتها المتوقعة في مجالها الواسع – وهو أوسع رقعة من الأرض، وأبعد مدى من الحياة الدنيا – وكان يرسم للمؤمنين معالم الطريق، ويعد نفوسهم لتلقي أي من هذه الاحتمالات التي يجري بها القدر المرسوم، وفق الحكمة المكنونة في غيب الله المستور.

إنها قصة فئة آمنت بربها، واستعلنت حقيقة إيمانها، ثم تعرضت للفتنة من أعداء جبارين بطاشين مستهترين بحق “الإنسان” في حرية الاعتقاد بالحق والإيمان بالله العزيز الحميد، وبكرامة الإنسان عند الله عن أن يكون لعبة يتسلى بها الطغاة بآلام تعذيبها، ويتلهون بمنظرها في أثناء التعذيب بالحريق!

وقد ارتفع الإيمان بهذه القلوب على الفتنة، وانتصرت فيها العقيدة على الحياة، فلم ترضخ لتهديد الجبارين الطغاة، ولم تفتن عن دينها، وهي تحرق بالنار حتى تموت.

لقد تحررت هذه القلوب من عبوديتها للحياة، فلم يستذلها حب البقاء وهي تعاين الموت بهذه الطريقة البشعة، وانطلقت من قيود الأرض وجواذبها جميعا، وارتفعت على ذواتها بانتصار العقيدة على الحياة فيها.

وفي مقابل هذه القلوب المؤمنة الخيرة الرفيقة الكريمة كانت هناك جبلات جاحدة شريرة مجرمة لئيمة، وجلس أصحاب هذه الجبلات على النار، يشهدون كيف يتعذب المؤمنون ويتألمون، جلسوا يتلهون بمنظر الحياة تأكلها النار، والأناسي الكرام يتحولون وقودا وترابا، وكلما ألقي فتى أو فتاة، صبية أو عجوز، طفل أو شيخ، من المؤمنين الخيرين الكرام في النار، ارتفعت النشوة الخسيسة في نفوس الطغاة، وعربد السعار المجنون بالدماء والأشلاء!

هذا هو الحادث البشع الذي انتكست فيه جبلات الطغاة وارتكست في هذه الحمأة، فراحت تلتذ مشهد التعذيب المروع العنيف، بهذه الخساسة التي لم يرتكس فيها وحش قط، فالوحش يفترس ليقتات، لا ليلتذ آلام الفريسة في لؤم وخسة!

وهو ذاته الحادث الذي ارتفعت فيه أرواح المؤمنين وتحررت وانطلقت إلى ذلك الأوج السامي الرفيع، الذي تشرف به البشرية في جميع الأجيال والعصور.

في حساب الأرض يبدو أن الطغيان قد انتصر على الإيمان، وإن هذا الإيمان الذي بلغ الذروة العالية، في نفوس الفئة الخيرة الكريمة الثابتة المستعلية… لم يكن له وزن ولا حساب في المعركة التي دارت بين الإيمان والطغيان!

ولا تذكر الروايات التي وردت في هذا الحادث، كما لا تذكر النصوص القرآنية، أن الله قد أخذ أولئك الطغاة في الأرض بجريمتهم البشعة، كما أخذ قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وقوم لوط، أو كما أخذ فرعون وجنوده أخذ عزيز مقتدر.

ففي حساب الأرض تبدو هذه الخاتمة اسيفة أليمة!

أفهكذا ينتهي الأمر، وتذهب الفئة المؤمنة التي ارتفعت إلى ذروة الإيمان؟ تذهب مع آلامها الفاجعة في الأخدود؟ بينما تذهب الفئة الباغية، التي ارتكست إلى هذه الحمأة، ناجية؟

حساب الأرض يحيك في الصدر شيء أمام هذه الخاتمة الأسيفة!

ولكن القرآن يعلم المؤمنين شيئا آخر، ويكشف لهم عن حقيقة أخرى، ويبصرهم بطبيعة القيم التي يزنون بها، وبمجال المعركة التي يخوضونها.

الشيخ شعيب أرقيبة 18 سنة في غيابات السجون المغربية

 سلسلة جيل اصحاب الأخدود

1

  الشيخ  شعيب أرقيبة  18 سنة في غيابات السجون المغربية

  اما آن لهذا الليل ان ينجلي ؟؟؟

 1-2

بقلم زكرياء بوغرارة

 مشرف موقع ادب السجون

شبكة وا اسلاماه

تجسد  قضية اعتقال الشيخ شعيب أرقيبة  مثالا صارخا  عن الانتهاكات التي  حدثت قبيل   احداث الدار البيضاء التي خبطت خبط  عشواء   وهي تروم استئصال   أجيال  كثيرة من دعاة وشيوخ وشباب التيار الإسلامي  فقد  صاحبت  تلك المحنة  ظروف  متعددة متشابكة كثيرة التعقيد… 

ساهمت في تكريس تلك الانتهاكات الجسيمة

   مرحلة قاتمة  نعرفها عن كثب   فقد عشناها وتجرعنا غصصها الحرار  سنوات مديدة…

  تجسد  الانتهاك من لحظة اعتقاله  التي لم تكن تقوم على اتهامات   قوية    ترقى لدليل   أو ادانة  لهذا فقد  تم التحقيق معه ثم اودع في سجن   عكاشة  كان هذا قبل   ان تحدث العاصة   في 16 ماي 2003م

  مكث  الرجل المبتلى  وسط  طوفان هائل من السجناء الجنائيين   فترة موجعة عانى فيها المرارت جميعها وظل صابرا محتسبا… ثم لما هبت ريح احداث الدار البيضاء  العاصفة بدى لمن يهمهم الامر ان يعاد التحقيق معه  وتقديمه بمحضر جديد   وقدحكى لنا عن تفاصيل تلك المعاناة   ونحن في السجون بل  ادق تفاصيلها  و من  عذبوه وباشروا  تعذيبه  ونتف لحيته…   وكان في طليعتهم مسؤول امني  كبير  احيل على التقاعد 

  نتفت  لحيته نتفا  وظل يعاني من  ذلك  زمنا .. 

لا يفوت   احد قابل  الشيخ شعيب أرقيبة في تلك الفترة   ومن اللحظة الأولى لمقابلته ان لحيته العظيمة  المنتوفة   قد  تعرضت لنتف ….  شديد…  فقد  كان  النتف واضحا في وجهه  ولازمه زمنا….

   ثم عندما بدى لمن يهمهم الأمر محاكمته  بعد  احداث الدار البيضاء بزمن  جمّع  مع أربعة معتقلين  في مجموعة واحدة لا  اتصال بين افرادها فقد  كان  مع الشيخ حسن الكتاني  ومحمد  رفيقي اللذان كانا يتابعان في ملف واحد..  ثم انضاف لهما داوود  الخملي الذي كان يتهم بتزعمه  تيار التكفير   والهجرة   يومها.. وكان الشيخ شعيب ارقية رابعهما……

  ومن علم طريقة تكوين المجموعات وتقديمها لقاضي التحقيق   ثم للمحاكمة يدرك ما نعنيه وما نرمي لمقاربته

 انعقدت المحاكمة وبعد جلسات عديدة انتهت بإدانة داوود الخملي  ب30  سنة نافذة  ثم بإدانة الشيخ حسن الكتاني وعبد الوهاب رفيقي  ب20  وكان نصيب الشيخ شعيب أرقيبة يومها من  مجزرة الاحكام 30 سنة سجنا نافذة

    لا  يغفل متابع عن حقيقية   واحدة لاتغيب   مفادها ان السواد  الاعظم ممن حوكموا   قبل دخول قانون الاستئناف من الدرجة الثانية  حيز التنفيظ  قدتم رفض  طلبات النقض والابرام للجميع الانزرا يسيرا..  

اذ  كانت لمن يهمهم الامر فيها مأرب أخرى ….

وقد حدثني اخ   اعتقل  نزرا يسيرا  قابلته في بداية الاعتقال وكان يعمل في   محكمة الدار البيضاء   عن تفاصيل   وسر تسريع المحاكمات لتنتهي   بدخول اكتوبر 2003م

وهو  الشيء الذي يفسر  العجلة   التي كانت ترمي لتفويت الاستفادة من حق الاستئناف من الدرجة الثانية على السواد الاعظم ممن حوكموا في شهري غشت  وشتنبر …. من معتقلي احداث الدار البيضاء2003م…

  لكن بعد  زمن  يسير بقدرة  قادر   تم قبول   النقض والابرام لداوود الخملي الذي رفض التوقيع  عليه..  واصر إصرارا شديدا على الرفض  بل  انهم حملوه للمحكمة حملا  وقهروه قهرا بالقوة للحضور  في الجلسات  ثم لما حضر للمحكمة لتعاد  محاكمته  – وتلك   كانت امنية   عزيزة وغالية لدى   جل المعتقلين يومها – الا انه  اصر على   التصريح  بما يعتقده بل بلغنا انه بلغ ذروة الصراحة في إعلانه ذلك  ثم كانت  المفاجأة بتخفيض الحكم من 30 سنة الى 3 سنوات فقط  وكان الخملي يومها على وشك  مغاذرة السجن الا ان القاضي سأله عن رأيه في   من لم يحكم بما انزل الله     في محاولة اخيرة  منه  لانهاء الجلسة بتراجع  طفيف عن مواقفه ولو بالصمت وعدم الاجابةفلم يتردد ان يعلن كفر   كل حاكم لايحكم بما انزل الله  بل وسمى ثلاثة منهم في المغرب…..

  فأصبحت الثلاثة سنوات خمس سنوات قضاها ثم خرج ……

 كانت تلك قصة   خروج  من    وسمه الاعلام المغربي  طيلة شهور بانه منظر التيار التكفيري  في المغرب على الاطلاق…..

  بينما   تم قبول ملف النقض والابرام للكتاني وصاحبه يومها  لكن  المحاكمة انتهت بتأييد  الحكم  20 سنة ولم يلبثا الا شهورا فاطلق سراحهما معا في عفو ملكي شامل…..

ليخرج من وسمهما الاعلام نفسه بمنظري التيار السلفي الجهادي

  بينما ظل الشيخ شعيب أرقيبة  في الأغلال والاثقال يقضي حكما بالسجن 30 سنة.. 

في ظروف قهرية بالغة السوء والتضييق……..

  30 سنة   على كبر وضر وشيبة

30 سنة على   تضييق وقهر ومعاناة وتغريب

30 سنة   غير منقوصة   اذ لم يستفد من اي عفو جزئي مر على ملفات المعتقلين الاسلاميين مع ان  ملفه  من اظهر الملفات التي بها اختلالات جمة ظاهرة

 30 سنة سجنا بعد  تحقيقات ضارية اشرف فيها على تعذيبه مسؤول كبير     فقد  سرد لنا قصة تعذيبه بحذافيرها  ونحن في السجن المركزي -نعرض عن تفاصيلها ونحن في   موطن  التعريف بقضيته والمطالبة باطلاق سراحه………

 30 سنة  قضى منها 18 سنة   تقريا كلها في عزلة ومنفردة ضيقة لاتكاد تبين  كانت  في متنهى السوء طيلة تواجده في السجن المركزي القنيطرة   مع تضييق شديد  وابتلاء جم داخل السجن لا يحصى بأسه الا من   رأى بأم عينه..  وخبر عن كثب مدى الضر الذي لحقه ……

 وصل حد الاعتداء عليه .. مرات كثيرة

30سنة  سجنا يقضيها   في سجون ومعتقلات المغرب التي قال عن بأسها وزير العدل الاسبق

عبد المجيد بوزوبع في حوار تلفزي

  {ان  مجرد قضاء السجين خمسة سنوات في السجون المغربية كافية للردع }

ثم اضاف  وهو يهز رأسه

 { خمس سنوات    وفي سجون المغرب مدة هائلة جدا }

  فما بالك بمن قضى فيها 18 سنة وهو على عتبة  74 سنة

  هي ذي  صرخة غايتها البلاغ

تنكش وجعا دام سنوات مديدة

 في الحلقة القادمة تفاصيل اكثر   عن محاكمة الاعلام للمعتقلين قبل عرضهم على القضاء وماذا قالت منظمة حقوق الانسان…..

  يتبع …….

الطريق إلى المبادره..(1)

الطريق إلى المبادره..(1)

صفحات غير مطوية من السجون المصرية يرويها

في حلقات شاهد عيان

بقلم / وائل ذهب

__________________

كان أول لقاء لى بالضابط الذى اعتقلنى لعنه الله عام 2001 أثناء حصولى على إفراج قضائى قادماً من سجن دمنهور إلى مبنى إدارة أمن الدوله بلاظوغلى وكنا يومها لا نعلم إلى أين سيجددون لنا الإعتقال في  المره القادمه ،  لاظوغلى مكان  لا يُحتمل فى معيشته وكل المعتقلون  الذين يمرون من هناك يتمنون   أن لايطول وقت المكوث به   ويفضلون الرجوع سريعاً إلى السجن بسبب إكتظاظ العدد بالمعتقلين سواء الآتون من السجون أم من المقبوض عليهم مجدداً 

أكثر شىء يؤلمك هو بعض سلوكيات المقبوض عليهم حديثاً و قدرأينا الفرق بيننا وبينهم  هائلا كان فرق شاسعا فمعظمهم لم يكونوا تربية ابتلاءات ويميلون إلى حظوظ النفس والأنانيه إلا من رحم الله

ورأينا أثر تربية السجون فينا وفيهم …..

فلقد خلت الساحه الدعويه من معظم علماء الحق ومدارس التربيه الحركيه والفكريه فى مواجهة أنظمة الحكم، كان أمناء الشرطه يفرقون بيننا وبينهم فى المعامله فبرغم من أننا معتقلون لسنين لكنهم يعلمون شراستنا الفكريه ومدى تحملنا وصبرنا عليهم وكان  لنا معهم جولات ونزالات وقمنا فيها بمرمغة أنوفهم فى التراب

  اما نحن فكنا فى نظرهم يائسين من الحياه فلم نعد نبقى على شىء،  كانت معاملتهم لنا وكأن لسان حالهم  يقول دعنا نتحملهم حتى يغوروا على سجونهم  هكذا كانت بتدو من من تحت أضراسهم

 كان أقلنا إعتقالاً وقتها ست سنوات متتاليه وبعضنا زاد عن العشره فكان يوجد القليل من الإحترام لنا ، كان أصعب شىء هو دخول دورة المياه العدد أحياناً يزيد عن المائه وللأسف كانت بالحجز

وتظل محشورا بين  تلك  الجموع تتحمل الوقت حتى يأتي دورك ، والشىء الإيجابي الوحيد فيها هو معرفة الأخبار عن مايدور بالخارج ولقيا إخواننا من بقية السجون لأيام فتأنس بهم الانفس  و كنا تتسامر معهم حتى يأتى يوم الترحيله صباحاً ومطلوب منك  يومها أن تتجهز فى خمس دقائق لرحله قد تستغرق 16 ساعه سفر بسيارة ترحيلات قذره (متكلبش) مع عسكرى ويدك تكاد أن تنقطع مع كل فرمله أو مطب تتنفس فيها رائحة العرق وفضلات بشريه لجنائيين سبق ترحيلهم..

مكوثك  هناك لا يزيد عن 3 أيام يتم عمل فيش مميكن جديد لك دون علمك بأنك خرجت وأُعيد إعتقالك بسبب نشاطك المتطرف وخطورتك الأمنيه 🤔

أراد الضابط رؤيتى وإلى أى مدى وصلت معنوياتى ونفسيتى ومعى أخ من إخوة طلائع الفتح قضية الشهيد حسام حسن وكان محكوماً عليه بخمس سنوات وقضاها وأُعيد إعتقاله ،تم استدعاءنا فى الواحده ليلاً ،صعدنا إلى الطابق الثانى جلسنا فى طرقه كبيره معصوبى العينين ووجهنا للحائط ، ثم فوجئنا بركله منه فى ظهورنا فقلنا له حسبنا الله ونعم الوكيل فيك فأخذ يسب ويلعن وينهال علينا بيده ولم نتوقف عن الدعاء عليه وكسر هيبته فى عقر داره، وقتها كانت العزيمه قويه لأقصى حد ونعلم أن مايفعله حلاوة روح قبل تفعيل المبادره لأنه يعلم أن هذا سينفذه رغم أنفه بالتوقف عن إجرامه، استدعى الأخ أولاً قبلى وسمعت الأخ يسبه فى مكتبه، وإخوة حسام حسن رحمه الله كانوا يتسمون بالشراسه واستعلاءهم بدينهم فاستلهمت منه روح النزال مع هذا النجس إذا ماجاء دورى، وقد حدث بالفعل، إراد كسرى فى السب والطعن فى شيوخ الجماعه الاسلاميه فلم يُفلح فعرض على أن أعمل مرشداً أمنيا وفشل أيضاً ، فكان آخر مافى جعبته هو أننى سأمكث فى السجن ولن أخرج مادام حيّا فتحديته وقلت له بل لو زادت السنين أكثر من هذا أضعافاً مضاعفا فسأخرج فى الوقت الذى قدره الله لى رغم أنفك وأنف أى أحد، وأن من اعتقل خمسا لن تفرق معه عشراً، ثم سبنى وأمر بخروجى وإنزالى والحمد لله فلم يأخذ من عزيمتى ورأيته صغيراً قزماً لا يمتلك من أمره شيئاً ومايفعله ماهو إلا ترهات كان يعيش فيها وهم الجاه والقوه والبطش وكل هذا سيزول عنه قريباً لأن المبادره جاءت من قادته ولا يملك لهم سوى السمع والطاعه والإنقياد ككلب الحراسه، وفى الصباح عُدت إلى سجن دمنهور لتبدأ بعدها تفعيل المبادره بشكل حقيقى وتكون التهدئه منهم رغم أنوفهم فلم يكن فى خيالهم ولو مجرد حلم أن تتوقف الجماعه الاسلاميه عن استهدافهم وبث الرعب فيهم ليل نهار.

الضابط هو المقدم (ش…ر)

(يتبع)

يامعشر الأبطال لن ننسى العهد للأسرى في عتمات السجون

يامعشر الأبطال لن ننسى العهد

هذا خطاب للاسـارى اننــا * يامعشرالابطال لن ننسى العهد
قسماّبرب الكون هذاعهدنـــا * انابوجه الكفر اسوارا وســد


يامعشر الابطال انتم مجدنــا * سطرتم الامجاد في قيـد الوغد
وجباهكم لاتنحني الا لمـــن * برء البرايا دون عون من احـد


صبراّ اسود الغاب عند الممتحن * وتذكروا يوسف وماذا قد وجـد
وتذكروا الجنات عند مليكنـا * وتذكروا الاّيات توعد من اعـد


ياأمة الإسلام هـــذا دربنـا * ماضون فيه وإن خذلنا لن نعد
حتى يكون النصر فيه حليفنا * أوقتلةٌ في الدرب أجر المجتهـد


تحييه دوما في الجنـان معززا * هذا الطريق مهيئاّ للمستــعد
وصلاتنا وسلامنا لنبينــــا * والآل والصحب الكرامُ ومن بعد


قد سارفي هدي النبي مجاهـدآ * يرجوا من الرحمـن اجرآللابد

مقتطفات من قصيدة شارك بها الأخ خالد الكندي أثابه الله

أدب السجون في فلسطين

عندما يبوح الأسير بمعاناته وهواجس الأسير كفاح طافش .. صدر كتاب”هواجس أسير” للكاتب الأسير الفلسطيني كفاح طافش عام 2013 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس

صدر كتاب”هواجس أسير” للكاتب الأسير الفلسطيني كفاح طافش عام 2013 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ويقع في 240 صفحة من الحجم المتوسط.

أدب السجون في فلسطين

اسرى

الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثماني، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشاعر الشعبي عوض النابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال” وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، وعناق الأصابع لعادل وزوز”، و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي، ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2011 صدر كتاب(الف يوم في زنزانة العزل الانفرادي) للنائب مروان البرغوثي وكتاب”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السجن” لعصمت منصور، وفي العام 2013 صدرت رواية(برد الصيف) لجميل السلحوت، كما صدر سابقا أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون أيضا. ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن.

وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.

كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر

وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب(القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر)

أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة ، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث : نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أما في الأدب الحديث فنذكر : ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي).

كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط ، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلونيرودا، والروائي الروسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسجون موجودة والتعذيب موجود في كل الدول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

أمّا بخصوص كتاب”هواجس أسير” للكاتب الفلسطينيّ الأسير كفاح طافش من جنين والمحكوم ثماني سنوات والذي نحن بصدده الآن.

عنوان الكتاب:

في اللغة:هجس الأمر في صدره:خطر بباله

والهَجْسُ:الصوت الخفيّ يُسمع ولا يُفهم. وكلّ ما يدور في النفس من الأحاديث والأفكار.

سيجد القارئ لهذا الكتاب أنه أمام نمط جديد من الكتابة عن الأسْرِ والأسرى، فهو لا يقدّس ظاهرة الأسر ولا الأسرى، بل يتعامل معها كما هي، فهو يخاطب الرئيس الراحل ياسر عرفات قائلا:”هناك الكثير من أبناء شعبك الموجودين في السجن حثالة هذا المجتمع بل أرذلة”ص12  وهو يؤكد على أن” سيبقى السجن مكانا مجتمعيا يحمل في ثناياه آلاف البشر من الفئات كلّها”ص12

فعن أيّ مجتمع في السجن يتكلم الكاتب الأسير؟ وماذا يريد من ذلك؟ إنه يطرق بابا لم يطرقه غيره كتابة من قبل، وهو هالة”التقديس” التي يرسمها البعض لمن يدخلون سجون الاحتلال، ولا يمكن أن تبقى ثقافة التقديس هذه “ان السارق حين يسجن يبقى سارقا، والمنحرف أخلاقيا وجنسيا كذلك والعميل أيضا والكذاب…وكلّ هذه هذه الأنواع من البشر لن تتغير لمجرد رخصة الوطن التي يصكّها الاحتلال لمجرد اعتقال أحدهم”ص12 . وقد يتساءل المرء عمّا يريده الكاتب من كتابه هذا؟ وهو يجيب على ذلك بقوله”قرأت في إحدى الروايات”أننا نكتب الحدث لكي ننساه ونحذفه من ذاكرتنا” وهي محاولة لاخراج السجن من داخلي إذا ألقيه بعيدا بعد أن أضاع الكثير من البراءة والعفّة لديّ”ص10 وهو يريد أيضا أن يقدّم واقع السجن للإنسان الذي لم يعش التجربة، ولهذا فهو يطرح عدّة أسئلة على نفسه عندما شرع في الكتابة حول الموضوع ومنها: ” كيف يمكن أن أقدّم هذا الواقع لإنسان لم يعشه؟ كيف أستطيع أن أتجاوز أسطرة الحياة هنا؟ كيف سيقتنع الناس هناك أن السّجن ليس مكانا مقدّسا والناس هنا ليسوا أنبياء؟ كيف أستطيع منع وقوع الصّدمة التي هزت كياني حين دخلت السّجن لغيري؟”ص9 ، وهو في فلسفته الواقعية للحياة في السجون ينفي صحّة مقولة “السّجن للرّجال” ويتساءل:”من قال هذا؟ آه! أريد أن أتعرف اليه بكل كذبه وادعائه لأقف أمامه بعاهاتي وأواجهه بالحقيقة:أنا هنا وأنا أشكّ برجولتي”ص11 وهو هنا يفرق بين الرجولة والذكورة فيقول:”إن كان مفهوم الرّجولة كما يريدون فحولتك وقدرتك الجنسية، فلا أعتقد أن السّجن يمسّها بشكل عام، فأنت هنا تصاب بجوع جنسي لدرجة التوحش” ص11.. ومن وسط المعاناة يرى الكاتب الأسير “فالرجولة أن تحافظ على إنسانيتك أكثر من أيّ شيء آخر! وهنا من يستطيع؟”ص11.

والكاتب كان موفقا جدا باختيار عنوان كتابه”هواجس أسير” فهو يبوح بكلّ ما يدور في نفسه من أحاديث وأفكار يتهيب كثيرون من البوح بها، لأنها تتناقض مع الفكر السائد والمغلوط حول تقديس الأسرى، فظاهرة الأسْرِ ليست مجالا للفخر، بمقدار ما هي استلاب لإنسانية الأسير، وهذا الأسير هو انسان من لحم ودم، وليس أسطورة خرافية، وبالتالي فإنه يمرّ بحالات ضعف كما يمرّ بها غيره ممّن لم يعانوا من مرارة الأسر، والأسير الذي سلب المحتلون حريته، واحتجزوه خلف جدران صمّاء، يعيش مع أحبائه في الخارج بأحلام اليقظة، فهو يتذكّر الزوجة أو الفتاة التي يحب، ويجلد ذاته كثيرا لبعده القسري عنها، كم يتذكّر والديه وأطفاله إن كان أبا، أو أشقاءه وأبناء أقاربه الأطفال، يتذكر بحنين بالغ مداعباته لهم قبل وقوعه في الأسر، ويسرح بأحلامه وخيالاته حول نموّ هؤلاء الأطفال وكيف تتطوّر لغتهم؟ وكيف تطول قاماتهم؟ وينقل له الأهل الزائرون أحاديث بعض الأطفال من الأقربين عن ذكرياتهم معه، مما يشعل نار الشوق الجارف لهم، لكن الشوق للزوجة أو لفتاة الأحلام يأخذ منحى آخر، فيؤجّج غريزة الجنس بشكل”وحشيّ” كما وصفها الكاتب الأسير، وهو لا يرى ضيرا في الحديث عنها لأنها جزء هام من احتياجات الانسان، وهو ينفي ما يعتقده البعض بأن المناضل:”لا يضعف ولا يحب ولا يبحث عن لذّاته وحاجاته البشرية، فله وظيفة فقط واحدة”النضال”ص27. ويؤكد هو “أنا هنا الأنثى سؤالي الدائم،حيرتي الملحّة يوميّا أبحث عنها في عيون الأمل……………..فهي فاكهة العمر ومستقبلي”ص27.

فالانسان بطبعه وما فُطر عليه يميل الى نصفه الآخر ويعشقه ويشتهيه،  وبما أنّ الأسرى محرومون من رؤية الجنس الآخر، فهم لا يرون في الزيارة-إن أتيحت- إلّا الأمّ والشقيقة والزوجة والبنات للمتزوجين منهم، والأسير عندما يرى زوجته تؤجّج نار الشّهوة في جسده لكنه يطوي آلامه ومعاناته، وهذا وضع انساني يحاول البعض الهروب منه، وفي الحركة الأسيرة كانت محاولات وتجارب لمعالجة هذه القضيّة، مثل منع الأسرى من ممارسة العادة السّريّة، ومراقبة الأسير عندما يدخل الحمّام لقضاء حاجته كي لا يستغلّها فرصة لممارسة هذه العادة، لكنها  أثبتت فشلها، خصوصا بعد انكشاف بعض عمليات اللّواط بين الأسرى، وفي حادثة ما ضبط العشرات يمارسون الّلواط مع شاذ جنسيا تعرض للاغتصاب عنوة من أحد أقاربه قبل الأسر، فأصيب بالشّذوذ، فأطلقوا على تلك العمليّة” القطار” لكثرة من اصطفوا خلفه لممارسة الجنس معه، كما تمّ قبل ذلك تحرّش بعض كبار السّن –مّمن أمضوا سنوات طويلة خلف القضبان- ببعض الأشبال، وجرى التكتّم على ذلك، الى أن انفضحت الأمور، فتمّ التراجع عن قرار “منع ممارسة العادة السّريّة” بل جرى التندر بها والسماح لمن يريد ذلك بممارستها.

وقد تطرق الكاتب الأسير أيضا الى ظاهرة العملاء داخل السجون والذين اصطلح الفلسطينيون على تسميتهم بـ “العصافير”، خصوصا في مرحلة التحقيق، وكيف يتم استعمالهم للايقاع بالأسرى بطرق مختلفة ليعترفوا بما يدينهم أمام المحاكم، وهم يتلوّنون بطرق مختلفة فتارة يمثلون دور المؤمنين المتقين، وتارة دور القادة المناضلين الحريصين على المعتقل، ويريدون معرفة ما لديه من علاقات تنظيمية وغيرها ليرسلوها الى زملائهم خارج السجن بدعوى أخذ الاحتياطات، وتارة يأتون بشخص كبير السّنّ ليمثل دور الأب الحاني على المعتقل كي يطمئن لهم ويدلي لهم بما لديه من معلومات أخفاها عن المحققين…الخ، والكاتب الأسير في كتابه هذا  يطرح تجربته الاعتقالية وما تعرض له من “العصافير”.

اللغة والأسلوب: لغة الكاتب جميلة بليغة فيها صور بلاغيّة متعدّدة، وفيها فلسفة وفكر، والسّرد عنده مشوّق رغم مرارة المضمون.

الخلاصة:  يركّز الكاتب على إنسانيّة الأسير فهو انسان في مختلف الظروف، له شهواته ورغباته وطموحاته وأحلامه، وفيه مكامن للقوّة وللضّعف وللصمود وللانهيار وغيرها. وهو في المحصلة ليس قدّيسا ولا انسانا مثاليا.ِ

***********

الحرية لبشرى الطويل

الحرية لبشرى الطويل

إسراء الشيخ

لم أستطع أن أغمض عيني دون أكتب لكم عن الصحفية الأسيرة “بشرى الطويل” ..

بشرى لم تلتق والدها منذ تسع سنوات سوى مدة 53 يوم بسبب الاعتقالات المتكررة التي تواجهها هي ووالدها ،حتى والدتها واجهت الاعتقال التعسفي ..

منذ عام 2011 بدأت رحلتها مع الاعتقالات ،حينها كانت في الثامنة عشرة من عمرها ،فاعتقلت لأول مرة وخرجت في صفقة وفاء الأحرار ، لكن لم يقف الأمر عند هذا الحد ،حيث تكررت اعتقالاتها “الإدارية” أربعة مرات بعد ذلك كان آخرها منذ سبعة أشهر ، والاعتقال الإداري هو أسلوب ورثه الاحتلال من الانتداب البريطاني يسمح له بالاعتقال لمدة أشهر دون محاكمة أو توجيه لائحة اتهام واضحة بحجة أن ملف المعتقل سري ويقوموا بتجديد مدة الاعتقال ..

بشرى موجودة حاليا في سجن “الدامون” الاسرائيلي والمعروف بسوء معاملته للأسيرات،هنالك أكثر من تقرير تجدونه يكشف حقائق عنه ،حتى صحيفة الاندبندنت البريطانية كتبت عنه ..

وعلى فكرة ،تم اعتقال والدها “جمال الطويل” أيضا منذ أيام قليلة..

بما أنكم شاهدتكم قدرة مواقع التواصل في فضح دولة الاحتلال و الضغط عليها على المستوى الدولي ، ما رأيكم بتفعيل هاشتاق:

#الحرية_لبشرى_الطويل

#FreeBushraalTawil

#الصحافة_ليست_جريمة