الشيخ حسن محمد قائد
| كنت يوما في زيارة لأسرة أحد الأخوة الأسرى ـ وما أكثرهم ـ فلفت انتباهي ابنه وهو يطوف في فناء البيت ويتنقل يمنة ويسرة فلا يكاد يقر له قرار ، تأملت في محياه ، فلمحت الكآبة والأسى مرسومة عليه ، ويكاد ينطق سائلا : أين أبي ؟ فتملكني شعورٌ عجيبٌ وهاجت في خاطري مشاعرُ متوالية ، فتمثلتُ حاله وهو يحكي مأساته ، ويبث شجونه ، ويخاطب خواطره ، فكانت هذه الكلمات المنظومة ، والعبارات المرسومة ، يحكيها لنا بلسان حاله ، لما عجز عنها مقاله |
| وبـين جوانحي تحيـا الهمـوم | أبي قـد مزقت قلبي الكلـوم |
| كـأني مـن تنكرهـم يتيـمُ | تراني في الـورى أمشي كئيبـاً |
| بـه تُجلى عن النفس الغيـومُ | أقـول ألا أرى منكم خليـلا |
| لعمري حـلَّ بي خطبٌ جسيمُ | ولكن من يُجيب ؟ ومن أنادي |
| نظرتُ إذا بهـا حـولي تحـومُ | تطـاردني نـواظرهـم وأنى |
| ولكن _ يـا أبي _ من ذا أروم | أروح وأغتدي في كـل يـومٍ |
| فظـن النـاسُ بي أني سقيـمُ | كساني الحزنُ ثوبـا فوق ثوبٍ |
| حُنُوَّ أبي فصـرتُ كمن يهيـم | ومـا بي علـةٌ إلا افتقـادي |
| فمنهـا ترتـوي عينٌ سَجـومُ | تفيض الذكريـاتُ على فؤادي |
| وأذكركم إذا بـدت النجـومُ | فأذكركم أبي في كل صبـحٍ |
| أحـاط بنـوره ليـلٌ بهيـمُ | لقـد طال الغيـاب أبي فقلبي |
| وعيدي دونكـم لا يستقيـم | يمر العيـدُ تلـوَ العيـد فينـا |
| وعيـدٌ تلتقي فيـه الغمـوم | فعيدُ النـاس أفراحٌ وعيـدي |
| وقـد هدت جوانبَهـا السقومُ | أرى أمي الرؤوفة في اكتئـابٍ |
| تَفجَّرَ في الحشـا منـه الحميمُ | طوت في صدرهـا بثاً وشجواً |
| ولا تُخفي فصـبري لا يـدومُ | أسائلهـا أيـا أمـاه قُــولي |
| يذوب لشأنهـا القلبُ السليمُ | فَسُحَّتْ من مآقيهـا دمـوعٌ |
| ألـوم النفـسَ أم مَن ذا ألوم | أيـا أمـاه إني لسـتُ أدري |
| على خـدّيَّ همَّـارٌ طَحـوم | أعـدتُ سؤالهـا والدمعُ مني |
| أسـيرٌ عاقـه طـاغ غشـوم | أمـات أبي ؟ فقالت : لا ولكن |
| أكَون أبي يصـلي أو يصـوم؟ | بـأي جريـرة أسروه قـولي |
| وقـد آذاه في ذاك الخصـومُ؟ | ألم يـك داعيـا للحق جهـراً |
| يُنـيرُ طريقَـه نـورٌ عميـمُ؟ | ألم يـك سالكـا نهجـا سوياً |
| إلى التوحيـد بالحسـنى يقوم؟ | ألم يـك داعيـا في كـل حينٍ |
| ويبنيهـا وقـد عفت الرسومُ؟ | ألم يـك يبعث الآمـالَ فينـا |
| جـنى حـتى يكبلـه اللئيـمُ؟ | أليـس أبِي أبَـى ذلاًّ فمـاذا |
| ويَطربُ حين يلقـاه العـديم؟ | ألم يـكُ يُطعـم المسكينَ دوما |
| غَـدَا في بحر أمتنـا يعــومُ | يكـادُ يذوبُ من كمدٍ إذا ما |
| فمـاذا يبتغي منـه الظلـومُ؟ | أصـار أبي أسيراً دون ذنـبٍ؟ |
| يقـود جيوشَـه ذاك الرجيمُ | ألا تبـاً لطغيـانٍ تمــادى |
| يُبـدِّدُ شمـلَ أحزاني الصَّروم | فصبرا يـا أبي عمّـا قريـبٍ |
| ولا يـُخزي أعادينـا النؤوم | فقـد ولىّ زمان النـوم عنـا |
| رضـوا عيشـاً يحف به النعيم | فـإن المجـدَ لا يبنيـه قـومٌ |
| تمنت بُعْـدَ شأوهـمُ النجـومُ | ولكـن يبلغُ الأمجـاد قـومٌ |
| قريبـا يحكم الشرعُ الحكيـمُ | ويـا أمـاه صبراً إن يومــاً |
أدب السجون الوجه والواجهة قصة الضحية والجلاد







