adminis

تحميل كتاب أدب السجون في فلسطين.. دراسة للباحثة والشاعرة ايمان مصاروة

كانت مؤسسة “أنصار الضاد” في أم الفحم بادارة الباحث محمد عدنان جبارين، أصدرت للكاتبة والشاعرة والباحثة النصراوية المعروفة ايمان مصاروة دراسة هامة عن ” أدب السجون في فلسطين ” – الشعر والنثر، بجزئين . وهي دراسة أدبية شاملة تلقي الضوء على أدب السجون

بمنهجية أدبية وتاريخية هي الأشمل بموضوعها وموضوعيتها، عبر دراسة للخصائص المميزة لهذا الأدب، والعوامل التي ساهمت في خصوصيته الفنية.

واعترف أنني فوجئت بالبحث غير المسبوق، بالعرض والاستنتاجات والاعتماد على الحقائق الموضوعية والمراجع العديدة، ما يجعله مرجعًا عامًا لا غنى عنه في دراسة الأدب الاعتقالي.

وكما كتبت ايمان مصاروة في الاستهلال أن أدب السجون هو ذلك الأدب الانساني الذي ولد في رحم المعاناة والقهر في غياهب السجون وخلف البوابات السوداء، وفي الأدب الفلسطيني الذي ترعرع ونما تحت الاحتلال الاسرائيلي، وهناك عدد كبير من الكتابات الشعرية والنثرية والصور القلمية، التي تروي تجربة الأسر والاعتقال السياسي.

وتتناول مصاروة في كتابيها مفهوم أدب السجون، وتتوقف عند تاريخ هذا الأدب منذ العصر الجاهلي، وتذكر أهم الشعراء والأدباءالذين وقعوا في الأسر في العصر الجاهلي والأموي والعباسي والأندلسي.

وتتحدث بعد ذلك عن تجربة الاعتقال والتعذيب الذي يتعرض له السجين، وعن مراحل تشكل أدب المعتقلات في فلسطين، وعن معاناة الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات وزنازين الاحتلال،، وعن تطور الابداع لدى المعتقلين وتعدد أنواعه، وتتطرق لأهم كتب واصدارات الأسرى الفلسطينيين.

وغني عن القول أن دراسة ايمان مصاروة عن أدب الاعتقال في فلسطين- في الشعر والنثر – هي دراسة بحثية ومنجز هام يتميز بالجدية والشمولية، وجديرة بالقراءة والاهتمام.

وبدوري أحيي الصديقة الشاعرة والباحثة المميزة ايمان مصاروة، واثمن عاليًا جهودها في مجالي الشعر والبحث، أقول لها الف عافية على ابحاثها وسعيها الدؤوب في تقديم ما هو هادف وجاد ومميز للمشهد الثقافي، وللحياة الأدبية والمكتبة الفلسطينية والعربية. ودمت يا ايمان مبدعة متألقة تحظى بالتقدير والاحترام لدى الاوساط الثقافية والأدبية في الوطن والخارج.

كتب: شاكر فريد حسن

تحميل كتاب ادب السجون في فلسطين

خمس دقائق وحسب” تسع سنوات في سجون سورية الحلقة الخامسة

محاولة الإنتحار

ومضت الأيام . .وبدأت هالة تتحسن شيئا فشيئا حتى رجعت لطبيعتها بعد حوالى ثمانية أشهر من المعاناة، وعندما كنا نحدثها عن حالتها فيما بعد كانت تقول إنها ما أحست بأي شيء بعد ما كانت على طريق اللاذقية – دمشق . . وما عادت وعت شيئا . . وأما قصتها كما قصتها علينا بعد ذلك وسبب صدمته فكانت كالتالي : كانت هالة طالبة من أسرة متدينة تدرس في كلية العلوم في مدينتها باللاذقية، وكان لها ابن خال في صفه العاشر أو الحادي عشر يعتمد عليها بعض المرات في حل وظائفه وفهم دروس الرياضيات التي تستعصي عليه ، والذي يبدوأن هذا الشاب كان مرتبطا مع مجموعة من الشباب اعتقل أحدهم فدل عليه فاعتقلوه . . وأثناء التيحقيق معه كان السؤال التقليدي لهذا الشاب الصغير: من الذي يدرسك ويعلمك ؟ وكان القصد من السؤال الوصول إلى مسؤوله التنظيمي ،لكن الفتى لبراءته ذكر لهم اسم هالة لأنها تدرسه الرياضيات والفيزياء بالفعل ! فأحضروها إلى التحقيق فكبلوا أيديها وأرجلها . . ثم مزقوا عنها ملابسها . . ومع التعذيب الوحشي حاول رئيس الفرع الذي يحقق معها وعنصران أو ثلاثة اخرون معه الإعتداء عليها . . ثم ألقوها وحيدة في غرفة مهجورة تصفر الريح فيها فتجعلها تنتفض . . ويعركها البرد القارس فترتجف . . والعناصر تروح وتجيء خارج المكان فتوقع مع الرعب الذي يلف الأجواء ويلفها . .والعدوان الذي استهدف أشرف ما في حياتها . . ومن كثرة ما أخذوها وأعادوها إلى التحقيق . . تتوقع أنهم فى كل لحظه سيدخلون عليها ليعتدوا من جديد وفى وسط دوامه الذعر هذه وجدت هالة قطعة زجاج أو حديد صدئة في الغرفة ظنت أنها حبل النجاة . .وقامت وهي لا تكاد تعي فقطعت بها شريانها لتنهي المأساة . . وظلت تنزف وهم لا يشعرون بهاحتى حان وقت التحقيق معها من جديد فوجدوها على آخر نفس . . فأسعفوها ونقلوها إلى دمشق . . وبينما هي في الطريق بدأت تصحو من غيبوبتها فوجدت ابن خالتهاخلفها في السيارة مع عددآخرمن أصدقائه الأيام . تعرفهم جميعا، . ” . ” ” ووجدت نفسها البنت الوحيدة بينهم فظنت أنهم يقتادونهم وإياها إلى الإعدام، فأصابتها صدمة نفسية أفقدتها القدرة على الكلام ولم تعد تستوعب بسببها ما الذي يدور،وبعد شهر من المبيت في المنفردده لم يكفوا فيه عن تعذيبها والتحقيق معها وصلت الينا على هذه الحال


أولادى حارقين قلبى

واستمر الحال من سيء إلى أسوأ،واستمر مهجعنا الذي غص حتى الثماله يستقبل المزيد من النزيلات الجدد كانت أم محمود حليمه التاليه فى الترتيب بعد دفعة الحاجه رياض وأم محمود هذه سيده قرويه عمرها35 عاما من قرية حريتان قرب حلب ، وزوجها صباب بيتون من قرية أخرى اسمها حيان . . وهى من الفلاحات الذكيات والواعيات جدا فلا يظنها المرء إلا دارسة ومتعلمة .

والذي يبدوأن زوجها بنى في بيته مخبأ للملاحقين من أبناء منطقته وآواهم فيه ثم أكتشف المخابرات الأمر فأمسكوا به ولكنهم لم يكتشفوا مكان القاعده فكمن عناصر منهم في البيت بوجود أم محمود وأولادها الخمسة ، فلما طال مكوثهم خرج الشباب الملاحقون من المخبأ واشتبكوا مع رجال المخابرات الموجودين فقتلوهم وفروا فلم يعد لهذه المرأه المسكينه بد من الهرب فحملت من استطاعت حمله من الأطفال وسحبت البقيه فى منتصف ليله مثلجه واتجهت الى بيت اهلها فى القريه المجاوره وليس ثمه من وسيلة للنجاة إلا المسير . . ويبدوأن الخابرات اكتشفوا ما حدث خلال ذلك ، فلما لم يجدوها في البيت تتبعوها إلى بيت أهلها وألقوا القبض عليها هناك ، واتهموها بأنها كانت على معرفة بالقاعدة وأنها تسترت عليها وساعدت على قتل العناصر . . فنقلوها إلى الأمن السياسي بحلب وهناك أذاقوها أشد العذاب حتى كسرت يدها وظلت طوال سجنها لا تستطيع أن تحركها بشكل طبيعي ، كما كسروا عظمة أنفها أيضا . . وبعد شهرين أو ثلاثة أتوا بها إلى كفر سوسة وأعادوا التحقيق معها من جديد فنكرت معرفتها بأي شيء ، وقالت أن زوجها بنى البيت ولم تكن موجودة .

وغالب الظن أنهم أعدموا الزوج في تدمر ، فيما بقي الأطفال الخمسة وهم بين 4 و 9 سنوات من العمر مع أبويها العجوزين ، فكان ذلك أكثر ما يؤلمها ويؤرقة ها باستمرار . . فلا تفتأ المسكينة تردد : – أولادي حارقين قلبي من جوه . . وتدمع عيناها دون أن تبكي كباقي النساء . . ولم يفرج عن أم محمود إلا عام 84 من قطنا .


جواسيس وعميلا ت. ورهينات !

ومن شركاء المهجع أيضا نزلت علينا ذات يوم امرأتان شقيقتان مسيحيتان من حلب متهمتان بالتجسس لصالح إسرائيل . . الصغرى اسمها جورجيت ويسمونها مارييت أحيانا عمرها 35 سنة ومتزوجة من علوي من القرداحة اسمه زهير كان هو زعيم الشبكة ، وأختها أم جورج في الستينات من العمر وزوجها علوي أيضا وهو مساعد في الشرطة .

وعلى الرغم من الفترة الطويلة التي أمضتها الأختان معنا في المهجع نفسه إلا أننا لم نستطع الإلمام بحقيقة القصة التي وراءهما لحرصهما وتكتمهما الشديد ، ولأن القصة كما بلغتنا بعض أطرافها معقدة جدا .

ولقد أحضروا الأختين في البداية مع زوج مارييت ، وعلى أثر ذلك اعتقل عدد كبير من الشبكة . . وكانوا في البداية يأخذون جورجيت كل يوم إلى التعذيب فيضج الفرع كله من صراخها ولاتعود الا على آخر نفس ، وكانت عائشة تجلس فتمسد لها أرجلها المزرقة بالماء الساخن وتربط لها الجراح وتشد الكدمات بشاشيات البنات ، وتظل تعمل لها “المساج بكل طيب خاطر ، حتى إذا هدأت الآلام عليها انتفضت كالجنية ومضت تلعب الورق مع الشيوعيات الأخريات . . وتستغرق في اللعب بكل عقلها وكأن شيئا لم يكن ! وعندما سألتها الحاجة مديحة مرة : -كيف كنت تصيحين من قليل والآن ربحت ؟ أجابتها : أنا أربح من الطرفين ! وبينما لم تكن الأختان تتكلمان الكثير عن وضعهما في البداية إلا أن أم جورج بدأت عندما اجتمعنا ثانية في قطنا تتكلم عن شقيقتها جورجيت وتتهمها بأنها كانت سبب وقوعها وتدعو عليها أن يحرقها الله في قبرها ! وكانوا قبل نقلنا إلى قطنا قد أتوا ونقلوا الأختين إلى سجن المزة فأعدموا جورجيت بعدما أمسكوا بقية الشبكة وأعادوا أختها إلى قطنا لنلتقيها ثانية هناك ، وهناك سمعنا أيضا نبأ إعدام زوجها من راديو صوت لبنان .

ومن السجينات اللاتي شاركننا المهجع من غير الإتجاه الذي صنفونا عليه كانت أختان أيضا من أرمن حلب من تنظيم معارض موال للعراق أتوا بهما مع بدايات عام 82 الأخت الكبرى اسمها كاميليا والصغرى جميلة ، وكانت هذه حاملا عند اعتقالهما اخر 81 أثناء عودتهما من العراق ولكنهما لم تكونا تتكلمان عن قصتهما ولم تعذبا ، وعاشتا مثلما عشنا وبقيتا إلى أن نقلنا إلى قطنا ، وخرجتا بعد نقلنا .

كذلك أحضروا وبشكل عابر سيدة من حمص من بيت النشواني اعتقلوها رهينة عن زوجها الذي هرب وأتوا بها إلى كفر سوسة ، ولكن هذه السيدة لم تبق كثيرا لأن لها ابن عم رائد في مخابرات اللاذقية سارع في التوسط للإفراج عنها .


العلاج الصحى . . شتائم!

كانت ظروف السجن وافتقاد أولويات الإحتياجات الصحية والغذائية سببا لإصابة الكثيرات منا بأمراض وعلل متعددة . . لكن الحسرة لم تكن بالإصابة قدر ما كانت من طريقة العلاج التخصصي لدى إدارة السجن ومسئوليه . . فبعدما أصابتني كأكثر النزيلات “زنطارية” في بداية قدومي وتخلصت ظاهر الأمر منها لم ألبث أن بدأت أحس آلاما في معدتي تتزايد باستمرار . . واشتد الألم والأعراض علي حتى صرت أستفرغ دما ولا أكاد أستسيغ تناول أي طعام . . وسرعان ما شخصت عائشة حالتي بالقرحة . . وصارت وباقي البنات يحاولن تخير غذاء صحي مناسب لي من هذا الذي كان ينالنا منهم . . لكن الأمر ازداد سوءا بانعدام الغذاء الصحي وتراكم الإنفعالات والحسرات . . ووصلت آلامي مرحلة متقدمة ، فقدمنا طلبا للمقدم نشرح فيه حالتي ونطلب فيه غذاء يناسب المرض . . فاستدعاني متكرما ببعض من وقته الثمين ، كل ما قدمه لي وقتها أن أسمعني محاضرة مطولة حافلة بالشتائم عن أخي “المجرم ” . . ثم أعادني أسوأ حالا مما أتيت ! ولقد شاعت بيننا كذلك إصابات فقر الدم وتسوس الأسنان ، وذات مرة اشتد على أم شيماء النخر في ضرسها فسألتهم أن يعطوها مسكنا فلم يجيبوا طلبها ، لكنها استمرت مع تعاظم الألم في الإلحاح ، وصارت البنات تلح في السؤال معها وقد كادت تموت بالفعل من الألم ، وأخيرا أخذوها إلي طبيب لم تدر من هو أو أين كان إ! فلقد قيدوها وعصبوا عينيها ونقلوها بالسيارة المخصصة لنقل المساجين إليه ، وهناك ومن غير مخدر خلع هذا الطبيب لها الضرس وأجرى لها في جلسة واحدة جراحة في فكها الذي أصابه الإلتهاب ووصل التسوس فيه إلى العظم ، فعادت بألم أشد ومعاناة استمرت معها لفترة غير قليلة .

كذلك أصيبت كثير من البنات بنقص في الكلس تسبب لرغداء بدوخة مزمنة ، حتى أنها عندما أرادت أن تنهض من التواليت ذات مرة لم تستطع فسقطت على الأرض وارتطم رأسها بالجدار وأسرعت البنات فحملنها من مكانها حملا . . ومن حينها بدأنا نأكل قشر البيض الذي نحصل عليه . . ندقه ليصبح ناعما كالطحين ونستفه ! وكذلك بدأنا نفعل بقشر البطاطا إذا وصلتنا ! ومع مرور الأيام بدأ بعض العناصر يسمحون لنا في أحيان نادرة باستخدام غلاية كهربائية لتسخين بعض الماء ، وكان بعضهم يمن علينا ببقايا الشاي الذي شربوه فنسخنه من جديد ونشربه ، وفي فترة لاحقة استطعنا أن نستعير منهم “البابور” لطهي الطعام أو تسخينه ، فكنا إذا حصلنا على بقايا الفروج المخصص لنا فتتناه ولوحناه على النار بلا أية إضافات على الأغلب .

وكانوا يأتون بفروج واحد للمهجع كل أسبوع فيستل العناصر منه القطع اللذيذة ويرسلون البقايا لنا ، فنتوزعه وقد بلغنا 14 سجينة اخر الأمر بأن نفرطه كله ونفتته كالخيطان ونضع عليه بعض البهار ونتوزعه بالملعقة ، فتنال واحدتنا نصف ملعقة منه تفردها على الخبز وتلفه بغطاء اخر من الخبز وتتناوله ملتذة وهي تجهد في تخيل أن ما تمضغه الان لحم دجاج بالفعل !


عقوبات حسب المزاج !

وعلى الرغم من سوء حالنا وشدة معاناتنا إلا أن حياة السجناء الشباب بالمقارنة معنا كانت جحيعا بالفعل . . ففي الوقت الذي كنا نكاد نختنق من ضيق المكان حينما بدأ عددنا في المهجع يزيد على بضعة عشر امرأة كانوا يحشرون حوالي الخمسين من الشباب في المهجع الواحد فلا يجدون حتى النفس الكافي أثناء النهار ، واذا ناموا لا يملكوا لضيق المكان إلا أن يرفعوا أرجلهم على الجدار ويتناوبون برغم ذلك النوم ! وكان هناك عنصر يتجول أمام المهاجع باستمرار ، فإذا سمع أدنى حركة من داخل المهجع ضرب الباب الحديدي بالكابل الذي معه وصرخ فيهم ليخرسوا . . ويظل يذهب ويجيء في الليل و الطاقات مفتوحة عليهم ، فإذا شاهد أحدا يتمتم أو يتقلب فالعقوبة حسب ما يقتضيه مزاجه وهواه ليلتها . . أبسطها السباب والشتيمة وغالبها الفلق في منتصف الليل ! وكان كل عنصر يتحكم فيهم حسب مزاجه : ناموا الآن . . أفيقوا الان . . الآن طعام . . أو موعد “الخط ” . . وفي اخر الأمر لم تعد تفرق مع الشباب فصاروا يقفوا ويصلوا جماعة ويجهروا بها حتى يصل صلاتهم وتكبيراتهم إلينا . .

لدرجة أن الحاجة كانت تقتدي بهم بعض الأحيان ! فإذا سمعهم العناصر نالوا نصيبهم برضا وتسليم وإلا مرت بسلام ! وأذكر أن واحدا من المهجع المجاور لنا عاد ذات مرة بعدما أخرجوهم إلى “الخط ” وطلب الخروج ثانية للحمام ، فكان الجواب الأول شتائم مقذعة ، لكن الشاب كان كما يبدو محتاجا للذهاب بالفعل فعاد يرجو العنصر ويسأله الإذن من جديد ، فجاءه ذاك وأخرجه مع أبشع المسبات والشتائم واقتاده أمام مهجعنا وجعل يضربه ويضربه ولا يتوقف ، وفي آخر الأمر دقت الحاجة الباب تقول له : إي خيوإيش عمل ؟ إي والله ما كفر ! بدو يطلع على الحمام . . إي حضرت جنابك بتطلع في اليوم عشرين مرة ! أليس بني ادم أيضا ! وأما خروج الشباب للإغتسال فكان عذابا آخر .

كانوا يخرجون سكان المهجع مجموعة بعد أخرى ، فكان إذا ضرب على الباب بالكابل أو بالعصا ضربتين وخاصة ياسين فمعناه أن يكون الجميع جاهزين في الخارج ! فكان المساكين يدخلون بثيابهم ولا يكادون يفتحون الدوش عليهم حتى تحين إشارة الإنتهاء . . وأظن بعضهم لم يكن يتحمم تفضيلا منه السلامة على النظافة ! كذلك كانت الحلاقة إحدى عذابات الشباب الدورية التي لا بد منها . . فكان العنصر الموكل بذلك يتربع هو على الكرسي ليمر الشباب واحدا بعد الآخر بين يديه راكعين على ركبهم ، فيتناول رأس الواحد منهم وكأنه دابة بين يديه ويمر بالآلة عليه لا يبالي جرح له خدا أو شج له رأسا أو أصاب عينا . . والشاب المسكين لا يجد فرصة للتأوه أو التشكي لأنه إن فعل ضوعف له العذاب وخص بفلقة أو لسعة كبل هو في غنى عنها ! وأما نحن فقد عفينا من الحلاقة ولله الحمد ، ولكن انعدام النظافة وقلة الماء جعل شعورنا التي طالت مشكلة وعبئا علينا ، خاصة وأن صغر السخان لم يكن يتيح لأكثر من واحدة بالإستحمام كل يوم ، وصعوبة الغسيل مع قلة الملابس كان يضطرنا للبقاء فيها فترات طويلة . . وكثيرا ما كانت واحدتنا تضطر إلى انتظار ثيابها لتجف فتلبسها ثانية . . وحتى تجف كنا ننشرها على حبل مطاط أخرجناه من إحدى قطع الملابس التي معنا ، لكن صغر الغرفة وكثرة نزلائها كان يكثف الأ نفاس على رطوبة الثوب فتبدأ القطرات المتكثفة تنقط فوقنا ، وليس لنا من حيلة حيالها إلا الصبر والإحتساب !


الدم … والقمل … والسل !

ومن برامج السجن الدورية كان التفتيش على أمن المهجع كل أسبوع ! كان ابراهيم يأتي في نوبته فيتفقد النافذة التي في الجدار فيهز قضبانها الحديدية ويتأكد أن أحدا لم يمسها بسوء ، فتصيح به الحاجة دون أن تتمكن من ضبط نفسها: ماذا يمكن أن يحدث في رأيك ؟ هل يمكننا نحن النساء أن نخلعه مثلا ! فيجيبها ببرود : إنها الأوامر . . وينبغي أن أنفذها ! لكن ذلك لم يكن الإزعاج “الوقائي ” الوحيد . . فيوم تعقيم البطانيات – حفاظا على الصحة العامة كما يفترض – كان يوم عذاب شنيع آخر لنا ! فقد كانوا يجمعون بطانيات المهاجع كلها ولا ندري بماذا يجمعونها ثم يعيدونها رطبة إلينا ورائحتها تعم السجن كله حتى نكاد ختنق بالفعل منها . . لكن الأمر كان أشد رهبة وأسوأ وقعا حينما تنتشر الأوبئة والأمراض أو الحشرات ! فبعد شهرين تقريبا من دخولنا السجن انتشر القمل بين السجناء دون أن يصيبنا هذه المرة ، لكنهم دخلوا مهجعنا ورشوا المبيد ونحن فيه بالطبع فقط على سبيل الإحتياط ، فصرنا نتقيؤ كلنا ولا نكاد نقوى على التنفس لساعات ! ومع ذلك وجدنا بلاءنا أخف مما نزل بالشباب الذين كانوا ينادونهم واحدا بعد الآخر إلى طاقة المهجع أو الزنزانة ويأمرونهم أن يمدوا رؤوسهم منها ليغرقوا الرأس كله بالمبيد وبعد سنة تقريبا واشتداد العذاب وانعدام أبسط الإحتياجات الغذائية والصحية انتشر السل هذه المرة بين المساجين المساكين ، فكنا نحسهم من صوت سعالهم في جوف الليل أو نراهم عند خروجهم إلى “الخط ” يعكز بعضهم بعضا أو يحملون من شارف منهم على النهاية حملا إلى الحمام .

وأذكر أنني كان دوري مساء أحد الأيام لرمي القمامة كالعادة في المطبخ ، وكان ابراهيم قد فتح الباب لي وسبقني إلى المطبخ ، فوجدته وبيده سكين يقول لي من غيرسبب : -والله هذه حلال تدخل بقلبك ! لكنني لم أرد ودخلت بالقمامة لأرميها ، فلما أصبحت في الداخل وجدت حسين قادما دون أن يراني وبيده طاسة الطعام مملوءة بالدم يقول له : سيدي مات ! فقال له ابراهيم : إلى جهنم . . أغلق عليه باب المنفردة الآن لنرى ماذا نفعل .

فلما عدت إلى مهجعنا نظرت بعد قليل من شق الطاقة فوجدتهم يحملون أحد الشباب ميتا بالفعل وينقلونه من المنفردة حيث كان ، وحكيت ما جرى للبنات فقالت الحاجة أنها رأتهم ينقلونه بالأمس من المهجع إلى المنفردة ويكاد من ضعفه يحملونه حملا . . ولم يلبث أن حضر أحد العناصر فجعلت الحاجة تستدرجه كعادتها وسألته عن هذا الشاب الذي مات . . فأجابها اخر الأمرأنه مات ميتة طبيعية . . بمرض السل !


الشياه والجزار !

وإذا كانت صور المرض ومشاهد أيام انتشار الأوبئة مؤلمة لا ريب فإن مما لا يمكن نسيانه مشاهد الذين ماتوا تحت التعذيب أو أولئك الذين كان الموت أكثر راحة لهم ربما من العذاب ! فذات ليلة أطفأوا الأ نوار فجأة وأغلقوا الطاقات ولن يبق منيرا إلا ضوء الممر الذي مكننا أن نراهم يحملون جثة شاب يلبس طقما وكرافة ويرمونها في المنفردة . . ولم تفلح الحاجة ولا أحد سواها هذه المرة في معرفة ما حدث ، لكن الأرجح أنه مات ليلتها تحت التعذيب . وفي مرة غيرها رأيناهم وقد أحضروا أحد القرويين وقد عروه من ثيابه كلها ووقفت مجموعة من العناصر في أول الممر ومجموعة غيرهم في آخره وجعلوا يلسعونه بادئ الأمر بالكابلات والخيزران ويأمرونه بالجري بينهم جيئة وذهابا ويحملونه أن يضع يديه فوق رأسه ، وكان الأمر له أن يسرع مرة وأن يبطىء أخرى . . وهكذا حتى أنهكوه . . ثم اقتادوه – ونحن نتابع ما يجري من خلال شق الطاقة أو من تتبع الصوت – إلى الحمامات ، فكانوا يفتحون الماء البارد عليه لوهلة ثم يحولونه إلى الساخن مرة . . والمسكين بين يديهم لا حول له ولا قوة يصيح ويولول كالشاة بين يدي الجزار!


عملية تجميل وهستيريا !

وتزامنا مع أحداث حماة – التي لم نعلم عنها بالطبع وقتذاك – ازدادت عمليات التعذيب في الفرع حتى صرنا نحن الذين نسمع الأصوات فقط نستجير من هولها . . إلى درجة أن الحاجة مديحة قالت لهم آخر الأمر ترجوهم أن ينقلونا إلى مهجع آخر بعيد بعض الشيء عن غرفة التعذيب لأننا لم نعد نحتمل ! وبمقدار ما كان التعذيب يشتد كان عدد الضحايا في ازدياد . . وكثيرا ما صرنا نراهم يسحبون الشاب محطما أو ميتا فيلفونه بالبطانيات ويأخذونه إلى حيث لم نكن نعلم . . ولا أزال أذكر كيف أخرجوا أحد هؤلاء المساكين من غرفة التعذيب وألقوه أمام باب مهجعنا ليفسحوا مكانا لغيره حتى يتذوق الأهوال . . فجعل هذا المسكين وقد تدلى لسانه والدم يغطي جسده كله يسألهم جرعة ماء ولا من مجيب . . فلما طال به الأمر أرقنا له من تحت الباب بعض الماء فجعل يلعقه بلسانه لعقا من على الأرض .

ولقد تسببت وحشية التعذيب في إصابة عدد غير قليل من السجناء بالإنهيارات العصبية والهستيريا . . وأذكر أن واحدا من هؤلاء كان نزيل المهجع الذي يجاورنا ، فكنا نسمعه ينخرط في نوبة ضحك مفاجئة حتى لا يكاد يتوقف ، أو ينشج بالبكاء فيعم الحزن المهجع كله وهو على هذه الحال لأيام .

ولقد أتى العناصر مرة إلينا وسألونا إن كان لدينا حبا مهدئا – وكانت الحاجة مديحة تستخدمه أحيانا لعلاج رجفة أصابتها بسبب تعذيب الكهرباء – فسألته كعادتها بين المزاح والجد: وماذا هناك؟ من هستر منكم ؟ فقال لها : هناك واحد بعيد عنك معه هستيريا بكاء حتى أقلق لنا نومنا ببكائه ! وفي مرة أخرى أصابت شابا اخر هستيريا الضحك حتى كأنما فقد عقله ، فرأيتهم من شق الطاقة أخرجونه إلى الممر وخلعوا عنه ثيابه وأجلسوه على الدرج وجعلوا كلما هدأ أزوه ليضحك فينفجرون بضحكاتهم الفاجرة لا يراعون قيمة لإنسانية أو حرمة لضعف ولا مرض .

ومن المشاهد التي لا تنسى أيضا ليلة تفجير الآمرية الجوية بدمشق عندما قرعوا علينا الباب وسألونا إن كان لدينا قلم كحل أو أصبع حمرة . . قالت له الحاجة مستغربة : – وهل ترانا جايين من عرس أبوي ! من أين لنا بالكحل والحمرة في هذا المكان ! قال العنصر: لعل وعسى . . ثم مضى . . ولم يلبثوا أن أخرجوا شابا من زنزانته وأجلسوه قريبا من باب مهجعنا ، فرأينا آثار التعذيب تملؤ وجهه وجسده . . ورأيناهم وقد كبلوه من يديه ورجليه بالكرسي . . التفوا حوله يحاولون إخفاء ما أمكن من آثار التعذيب عن وجهه وعمل “مكياج ” له . . وبوسائلها الخاصة أيضا فهمت الحاجة مديحة بعدها أن الآمرية قد ضربت وقتها ، وأنهم أرادوا أن يخرجوه في تلك الليلة ليعترف بشيء يريدونه على التلفزيون !


تبييض السجون !

وتتعدد عذابات السجن وتتنوع . . لكن عذابات الجسد كانت على شدتها تندمل ولو بعد حين ، أما عذاب الروح وقلق النفوس فلم يكن من السهل التخلص منه . . وكان طبيعيا مقابل انعدام حريتنا وطول معاناتنا أن نتلهف للفرج كل حين ، ونتعلق بالأمل ولو كان قشة ، ويبدو أن حال الناس في هذا المقام مختلف . . وقدراتهم على الإحتمال تتفاوت . . تماما مثلما كانت قدرة العناصر والضباط على اللعب على هذا الوتر فائقة ! ولعل أكثر من برع في هذا أبو رامي رئيس إحدى النوبات . . وأكثر من وقع ضحية لاحتياله وكذبه الحاجتان . . فطالما كان يعدهما بدنو العفو واقتراب يوم الإفراج فتصدقانه وتمضيان معه ، فإذا تكشف كذبه عاد ونسج لهما كذبة جديدة سخرية بهما وتسرية عن نفسه المريضة ! وكان قد أخبر الحاجة رياض يوما أنه إذا قال لها عبارة “دقي البابور” فهي الإشارة . . وأتى مرة يتمشى بجانب المهجع فالقى هذه الكلمة ومضى . . وسرعان ما نهضت الحاجة تدق الباب وتستفسر عنه وتسأل وهو لا يجيب . . وتعاود فترسل وراءه فلا يأتي ، وانقضت الساعات وهي على أعصابها تترقب حتى عاد ثانية فقال لها : – غدا الساعة 12 بكل تأكيد ، ولكن قبل أن تخرجوا أتيت لك بكمية من الصوف وأريدك أن تغزليها لي كنزة قبل خروجكم .

فوافقت المسكينة على الفور وجلست والحاجة مديحة تعملان فيها طوال الليل ، فما طلع الصباح حتى كانتا قد أتمتاها ! فلما استلمها أحضر كمية أخرى من الصوف وقال لهما : -أريد كنزة أخرى بلا أكمام هذه المرة . . وموعدنا قبل الثانية عشرة . . فجلست المسكينتان تغزلان فيها حتى أتمتاها أيضا وأرسلتاها إليه . . ثم جمعتا أغراضهما وهيأتا أشياءهما وجلستا تنتظران . . ومرت الساعة الثانية عشر . . وحل المساء . . وانتصف الليل . . ولم يظهر أبو رامي ولا جاء العفو فأدركتا اللعبه وجعلت الحاجه رياض تدعو عليه وتشكيه الى الله و المسكينه تكاد من غيظها ان تموت وتكررت اللعبه ولكن اللوعه والمعاناه التى كنا فيها كانت تجعلنا نأمل حتى بالوهم وذات مرهقالوا لنا الشىء نفسه فتجهزنا جميعا وجلسنا ننتظر الساعه الثانيه عشرخلف الباب لكن الموعد مر وفات ومضى اليوم كله وانقضى الليل ولم يأتى الفرج فاذا سألنا قالوا :تأخر الموعد لساعات فقط لأنهم يشتغلون لكم بالاوراق وجاء ظهر اليوم الثانى دون نتيجه فلما عاودنا السؤال فاجأنا احد العناصر يقول: خلاص ليس هناك خروج الإخوان ضربوا أمريه الطيران بدمشق وألغيت الطلعه وأنتم هنا الان بسبب جريمه الإخوان وكلما فعلوا شيئا فستدفون الثمن ولقد كان من المضحكات المبكيات فى قصه وعود الافراج الكاذبه الحديث الذى سرى عن (تبييض السجون) فاندفعت لحاجه رياض تسأل بلهفه :متى؟ فأجابها بعد يومين وكان كل الذى دار فى الخاطر ان التبييض يعنى الاخلاء والعفو العام ولكننا لم نجدهم بعد يومين الا وقد أتوا بجرادل الدهان وصبغوا ممرات السجن كلها بالابيض ليغطوا ما تلطخت به من دماء السجناء وجنايات السجانين فقالت لهم الحاجه بمراره:هل هذا تبييض السجون عندكم ؟ أجاب :نعم ها نحن فعلا قد بيضناها فكانت مناسبه جديده جددت فيها الحاجه رياض الاحزان لايام تاليه وهى تندب وتبكى فبكينا وتحرك فينا الاحزان واللوعه والجراح


المحكمه الميدانيه

كانت قرابه ثمانيه شهور على اعتقالنا قد انقضت حينما نادوا فجأه أول ما نادوا على رغداء خ ولمى ع وجاء العنصر فأخذهما معا ظنا بادىء الامر أنها زياره لكن ساعه تلتها ساعه اخرى مرتا دون أن نسمع لهما حسا ولم يلبث العناصر ان اتوا بعد قليل وأخذوا واحده ثالثه ورابعه وعندما وصلوا الى السابعه ولم يعد اى منهن قلنا لها:اذا أنزلوك وكانت زياره فقط فتصنعى السعال ،واذا كانت غير ذلك فلا تفعلى شيئا وسنفهم ان الامر مختلف فلما أنزلوها من الطابق العلوى الى القبو ثانيه ساقوها الى غرفه اخرى لكننا شعرنا بقدومها وتنصتنا جيدا ننتظر اشارتها فلم تسعل ولم تفعل شيئا فتأكد لن أن هناك شيئا ما وبعد ما مرت ساعه أخرى وجدناهم فجأه وقد أحضروهن جميعا مصفرات الوجوه باديات الاضطراب ومن شفاههن المرتعشه سمعنا لاول مره عباره (المحكمه الميدانيه)! كانت المحكمه برئاسه النقيب سليمان حبيب وهو ضابط من القرداحه كث الشعر هزيل الجسم قصير القامه لايكاد يظهر من وراء الطاوله ومعه اربعه ضباط آخرون كانوا يعيدون قراءة ملف كل واحده من البنات عليها ويسردون ما ألصق بها من تهم واعترافات ويسألونها ان كانت تقر بما تسمع ام لا ثم ما كانالا ان توقع وتمضى !لم يكن هناك تعذيب وقتها ولكن التهديدات لم تنعدم فعلى سبيل المثال وعندما نفت ماجده الاتهامات وقالت بأن اعترافاتها اخذت كلها تحت التعذيب قال لها النقيب حبيب:اذا لم تقولى الصدق فسأرميك من الشباك وأحكم عليك بالاعدام وأحرمك شمه النفس! ثم لم يلبث المقدم ناصف ان أرسل ورائها فى اليوم التالى وقال لها :انت قلت فى المحكمه بالامس أنهم عذبوك من هذا الذى عذبك ؟ هل ضربك أحد ؟ هل اذاك أحد حقا؟ فقالت له بارتباك وهي تعلم أنه عذبها بنفسه وأذاقها طعم السياط والخيزران بيديه : نعم . قال لها مزمجرا : من ؟ من عذبك ؟ قالت وقد تملكها الخوف والإضطراب : لا أعرف . . فقال لها بدهاء :لا، لم يعذبك أحد ولم يمسك أحد، عندنا هنا ممنوع أن يلمس أحد أحدا أبدا ولكنك غير صحيانة ! الظاهر أنك كنت خايفة جدا . . وليش حتى تخافي ؟ ! ولم تكن التهديدات بأقل إيلاما من عبارات السخرية وبذاءة اللسان لدى أعضاء المحكمة ورئيسها كلهم ، فعندما نفت ماجدة أمامهم الإتهامات الملفقة عن علاقتها بخالد الشيخ (أحد المعتقلين ) صاح فيها رئيس المحكمة : هل من الضروري أن أحكي لك ماذا قال خالد الشيخ عن لون رجليك ! فانفجر الضباط الأربعة بالضحك الفاجر وأخذوا يتندرون عليها ويهزأون بها والمسكينة تنتحب بحرقة حتى كادت أن تصاب بانهيار . .كذلك عادت الحاجة رياض من هذه المحكمة وهي تندب وتبكي ، فلما سألناها عم حدث قالت أنه صاح فيها : أنت لازم ما تخرجي من السجن وتبقي فيه مثل أهل الكهف . . فكانت تبكي من طيب قلبها وتقول للحاجة مديحة : أبوي يا حجة . . بكرة انت بتطلعي وأبقى أنا هنا أسند الحيطان ! وأما هالة المسكينة فكانت لا تزال مريضة وقتها لا تعي ما حولها ورغم ذلك قرروا أن يأخذوها إلى المحكمة كالأخريات ، فكانوا يسحبونها كالدابة سحبا لتعود دائما متسخة الثياب معفرة بالطين الذي كان يملأ الدرج والممرات أيامها في فصل الشتاء .

تحميل كتاب -تازمامارت -الزنزانة رقم 10

يعتبر كتاب «تازمامارت: الزنزانة رقم 10» أحد أبرز المؤلفات المغربية التي حققت رواجا قل نظيره في تاريخ المنشورات المغربية، إن لم يكن أولها من حيث المبيعات. لقد استطاع هذا الكتاب أن يحطم الرقم القياسي من حيث المبيعات، حيث بلغت مبيعاته 45 ألف نسخة خلال سنتين فقط، منذ صدوره سنة 2001، في نسخته الفرنسية، كما أكد ذلك ناشره بشر بناني، صاحب منشورات طارق، في حوارات صحافية سابقة.

ويعود الفضل في تحقيق هذا الرقم القياسي إلى موضوع الكتاب. ذلك أن الكتاب يحكي مسار أحد المعتقلين على خلفية الانقلاب الشهير، الذي قاده ضباط مدرسة أهرمومو العسكرية ضد الملك الحسن الثاني في الصخيرات في يوليوز 1971. وليس هذا المعتقل سوى الكاتب نفسه: أحمد المرزوقي، إذ يعتبر شهادة عن تجربة اعتقاله، التي استمرت لمدة 18 سنة داخل أقبية سجن تازمامارات، وتحديدا في زنزانته العاشرة، التي اختارها الكاتب عنوانا لكتابه المثير.

في هذا السياق، يقول مؤلف الكتاب أحمد المرزوقي، إن رواج الكتاب الواسع بين القراء المغاربة مرده إلى حب المعرفة لدى هؤلاء، وفضولهم لمعرفة الحقيقة، حيث يشير إلى أنهم رغبوا في معرفة ما كان يخفيه النظام عبر التعتيم الكبير الذي مارسه نظام الحكم وما أعقب ذلك من تداعيات سنوات الجمر، خاصة داخل معتقل تازمامارت الرهيب، الذي يفوق واقع أي خيال، حسب تعبير المرزوقي.

يعود المرزوقي هنا، إلى ذكر بعض الحيثيات التي دفعته إلى تأليف الكتاب، حيث يشير إلى أن الإشاعات التي أطلقها جهاز النظام المخزني عبر قنواته الخاصة، كانت تروم ترهيب الناس، وخاصة مسؤولي الجيش الذي انقلب على الملك. كما يشير إلى أن القناة الثانية رفضت أن تبث، ضمن برنامجها «زاوية كبرى»، بعض اللقطات الصادمة، التي تصف رحلة مصورة إلى تازمامارت رفقة مجموعة من ضحايا هذا السجن الرهيب.

هكذا عندما صدر كتابه «تازمامارت: الزنزانة رقم 10»، وكذا كتاب محمد الرايس «من الصخيرات إلى تازمامارت»، بالإضافة إلى كتب أخرى، تبين أن المغاربة متعطشون إلى معرفة تاريخ بلادهم الحقيقي. إذ يشير المرزوقي أن هذا الإقبال تلقائي وغريزي، لأن القراء عبروا عن رغبة في معرفة ما حدث، وفي كشف المغالطات، التي تكتنف هذه المرحلة من تاريخ المغرب، وكذا في إظهار الحقيقة المغيبة حتى الآن.

من جانب آخر، يكشف المرزوقي أن أسلوب الكتاب البسيط ساهم أيضا في انتشاره، حيث يقول إنه ألف الكتاب بلغة واضحة في متناول الجميع. كما يعتبر أن موضوعيته شكلت سببا آخر في رواجه، حينما جعل من موضوع الكتاب حكاية لمحنة جميع من عاشوا عذابات تازمامارت، لا حكايته وحده. يقول: «لم أتحدث عن نفسي، ولم أقدم نفسي كمركز للعالم، بل حاولت أن أكون صحافيا داخل السجن. لم أتحدث عن نفسي إلا عند الضرورة. لقد تناولت محنة الجميع». وحاول أيضا التدقيق في تفاصيل هذه المحنة حتى يقدم رؤية شمولية إلى تجربة الاعتقال التعسفي.

ويشرح الناشر بشر بناني، إقبال القراء المغاربة على هذا الكتاب في اقتباس أوردته جريدة «أوجوردوي لوماروك» بالقول: «يتعلق الأمر بتجربة استثنائية. إنها تجربة شخص يمضي حوالي عشرين سنة داخل زنزانة للموت البطيء، لكنه يخرج منها حيا. إذ يحكي هذا الشخص واقع معيشه داخل هذه الزنزانة.» ويزيد بناني في شرح هذا الإقبال بالقول إن «المغاربة يبحثون عن الحقيقة».

كما نقرأ من خلال التقديم، الذي يورده موقع «مكتبة العالم»، أن الكاتب يحكي الواقع المزري، الذي عاشه أحمد المرزوقي داخل تازمامارت، ويروي بتفصيل دقيق سنواته الثمانية عشرة في هذا المعتقل، وكذا أوضاعه المرعبة. كما يشير هذا التقديم إلى أن الكتاب يروي أيضا وفاة زملائه السجناء، الواحد تلو الآخر، ويصف الكتاب بأنه صادم في وصفه، لكنه يعتبر أنه حقق بذلك رقما قياسيا في تاريخ مبيعات الكتب في المغرب.

من جهة أخرى، كتبت الكاتبة والصحافية الفرنسية «نانسي دوليم»، في صحيفة «لوموند دبلوماتيك» الفرنسية/ عدد فبراير 2001، أن الكتاب يصف الحياة داخل سجن رهيب ضم بين أسواره «58 عسكريا شاركوا في هجومين على الملك الحسن الثاني- بطريقة ثانوية، لأن المسؤولين الأساسيين قتلوا». وتضيف أن أحمد المرزوقي، صاحب الكتاب الذائع الصيت الذي قضى أزيد من 6550 ليلة في قبو مظلم، كان واحدا من الناجين الثمانية والعشرين.

لكل هذه العوامل، استطاع كتاب «تازمامارت: الزنزانة رقم 10» أن يسجل اسم مؤلفه كصاحب أعلى المبيعات في تاريخ الكتب في المغرب إلى حد الساعة، وأن يلقى تعاطفا منقطع النظير في المغرب وأوربا على الخصوص. فرغم أن المرزوقي لم يكن يتوقع هذا الإقبال غير المسبوق، إلا أنه كان متيقنا من أنه سيُقرأ، «لأني كتبته بحرارة». ورغم أن مبيعاته تراجعت خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ترجمته إلى العربية أحيته من جديد. كما لعبت إعادة نشره في لبنان السنة الماضية في إثارة النقاش ثانية حول قضيته الأساسية: الاعتقال التعسفي.

حملة واسعة للإفراج عن الداعية الشيخ خالد الراشد

خاص شبكة وا إسلاماه

  الشيخ خالد الراشد  قضى 15 سنة في سجون السعودية لانتصاره لرسول الله  العام 2006م  وعلى  الرغم من  انتهاء محكوميته التي قضاها كاملة لايزال رهنن الغعتقال بشكل تعسفي ..

  وكان حساب “معتقلي الرأي”   قد  اطلق حملة تطالب بالإفراج عن الداعية السعودي الشهير “الشيخ خالد الراشد”،  لأنه لا يزال رهن الاعتقال التعسفي رغم انتهاء محكوميته وقضائه أكثر من 15 عاما داخل سجون آل سعود.

اعتقل الشيخ خالد الراشد عام 2005، بسبب خطبته الشهيرة بعنوان “يا أمة محمد” والتي انتصر فيها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحْتجّ فيها على الرسوم المسيئة للنبي.

وطالب بإلغاء سفارة الدنمارك، إلا أن الحكومة السعودية حاكمته بالسجن لمدة 15 سنة وذلك في سبتمبر 2005 وانتهت مدة حكمه إلا أن السلطات السعودية لم تفرج عنه بعد.

ودشن حساب “معتقلي الرأي” على حملة تطالب بالإفراج عن الداعية السعودي عبر صفحته الرسمية بتويتر.

نشر الحساب صورة لخالد الراشد، وعلق عليها بالقول:” انتهت محكوميته الجائرة (بالسجن 15 سنة) ولا يزال رهن الاعتقال التعسفي”.

وطالب الحساب النشطاء والحقوقيين بالمشاركة في هذه الحملة والضغط على السلطات السعودية، عبر التغريد على وسم “الشيخ_خالد_الراشد”.

وتفاعل النشطاء بشكل كبير مع الحملة وطالبوا بإطلاق سراح الداعية الشهير خالد الراشد.

  وكانت زوجته قد    غردت من خلال  حسابها على تويتر   قائلة {لمن يسأل عن الشيخ خالد الراشد هو بخير وعافية والحمد لله. في عبادة انتظار الفرج بالصبر وهوقريب بإذن الله فيا رب بلغنا نحن في شعبان وله درس سابق بعنوان #عذرا_رمضان                  اللهم بلغنا رمضان وأقر عيوننا بخبر ننتظره منذ زمان آمين}  نسال الله ان يقر عينها و اعين كل المسلمين  بإطلاق سراحه  أنه ولي ذلك  والقادر عليه …..

تحرير

فن القتل السياسي والفساد ونهاية العالم.. أفلام وثائقية لا تنسى

يتناول وثائقي "فن القتل السياسي" جريمة اغتيال رجل دين هزت غواتيمالا (مواقع التواصل)
يتناول وثائقي “فن القتل السياسي” جريمة اغتيال رجل دين هزت غواتيمالا (مواقع التواصل)

ما إن نسمع كلمة “فيلم وثائقي” حتى يقفز إلى أذهاننا هذا المزيج المعتاد المكون من الراوي، وأحاديث الخبراء والشهود التي تتخلل لقطات أرشيفية مصورة، ربما نكون قد شاهدناها من قبل في نشرات الأخبار.

لكن هذه الأفلام الثلاثة التي تُعد من أهم وأخطر وثائقيات عام 2020، تقدم وثيقة مؤلمة عن معاناة العالم من هوس الحرب والقتل والفساد، من خلال إعادة إحياء أحداث حقيقية مثيرة للجدل بتقنية جديدة وشكل قوي ومؤثر.

“نهاية العالم 45” (Apocalypse ’45)

ساعة و43 دقيقة من التجريب الجريء للمخرج الأميركي إريك نيلسون، في 14 أغسطس/آب الماضي، بمناسبة الذكرى 75 ليوم VJ، وهو يوم النصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945. بصوت إتسي ناكاجاوا، الذي كان في عمر 15 عاما عندما أسقطت القنبلة على هيروشيما.

ألقى فيه نظرة على الأشهر الأخيرة من الحرب، عبر سرد منسوج من شهادات 24 من قدامى المحاربين، وهم يحكون تلك الأحداث التي عاشوها، حيث “لا يوجد فرح، ولا سحر في قتل شخص ما”. في لقطات ملونة للنهاية المروعة للحرب تم استعادتها من الأرشيف الوطني الأميركي، ولم يسبق للجمهور مشاهدتها من قبل، بعد معالجتها رقميا بتقنية 4K، لتصبح كأنها حدثت اليوم.

يبدأ الفيلم بمشاهد مرعبة لتدمير الأسطول الأميركي، تم تصويرها عقب هجوم بيرل هاربور. بدت وكأنها جاءت لجعل المشاهد يقبل بفكرة أنه لم يكن ثمة مفر من اللجوء للقنبلة الذرية.

لتتوالى المشاهد التي تم التقاطها من قبل المصورين الذين كانوا يرافقون القوات تلك الفترة. كمعركة مانيلا، وعمليات القصف الجوي، حيث أدى قصف طوكيو إلى حرق 100 ألف شخص في ليلة واحدة. وكذلك المذبحة التي كانت في انتظار القوات الأميركية في جزيرتي أيو جيما وأوكيناوا اليابانيتين، وطيارو الكاميكازي الذين قتلت مهامهم الانتحارية الآلاف. وصولا إلى مشاهد اختبارات القنبلة الذرية، وما تلاها من آثارها المدمرة، التي تم تصويرها في نفس الموقع بعد 7 أشهر.

يقدم الفيلم لقطات مهولة دون حذف، لجثث متفحمة ومشوهة، وامرأة يابانية تقفز من ارتفاع حتى الموت هربا من الأسر، ولصور الناجين من تفجيرات هيروشيما وناغازاكي كأنهم أشباح مشوهة.

“فن القتل السياسي”

فيلم “فن القتل السياسي” (The Art of Political Murder) تشويق سياسي واقعي، عُرض في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استوحاه المخرج البريطاني بول تايلور، من كتاب بنفس العنوان للصحفي الأميركي فرانسيسكو غولدمان، تناول فيه جريمة اغتيال رجل دين هزت بلده الأصلي غواتيمالا.

لنتابع، على مدار ساعة و29 دقيقة، تحقيقا معقدا ومعمقا في جريمة اغتيال الأسقف خوان غيراردي (75 عاما) في مدينة غواتيمالا في 26 أبريل/نيسان 1998. بعد يومين من نشره اتهامات مباشرة لمسؤولين ارتكبوا فظائع إبان الحرب الأهلية التي انتهت عام 1996، وأودت بحياة 200 ألف شخص في 4 عقود، وكان الجيش الغواتيمالي مسؤولا عن 93% منها، وفقا للأمم المتحدة. اعلان

وذلك بناء على شهادات مروعة عن حالات تعذيب ومجازر قام بها الجيش، ونجح فريق غيراردي المعاون من الحقوقيين والقانونيين في الحصول عليها، وفصّلها في تقرير صاعق من 4 مجلدات.

كما اهتم تايلور بتسليط الضوء على فريق المحققين الشباب الذين قرروا التصدي بشكل بطولي للتحقيق في الجريمة، متحدين كافة أشكال الترهيب التي مورست بحقهم، بدءا من التنصت عليهم وتعرض منازل بعضهم للهجوم بالقنابل اليدوية، ومرورا بوفاة شهود في ظروف غامضة، ثم قتل شقيق أحدهم بعد تعذيبه وتقطيع أطرافه.

جاء الفيلم مليئا بالتقلبات والمفاجآت المذهلة، من خلال نفاذه إلى عمق العالم الداخلي والخارجي للجناة والضحايا والناجين، عبر مقابلات مع كل من له صلة بالقضية، بمن فيهم مؤلف الكتاب، وشاهد العيان الذي غيرت شهادته المفاجئة في المحاكمة مسار الأحداث. ونهاية المطاف أدين 3 ضباط ورجل دين بقتل غيراردي لأنه “كان ينادي بالعدالة في بلد غابت فيه العدالة”.

“جماعية” (Collective)

لن يترك لك هذا الفيلم الوثائقي المذهل أي لحظة يمكنك فيها أن تأخذ نفسا هادئا. فمع أن الأمر يبدو وكأنه مشهد من كابوس، فإن القصة وتوابعها حقيقية لدرجة يصعب تصديقها.

الفيلم الذي عُرض في 20 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وهو نفس الشهر الذي اهتزت فيه رومانيا على وقع احتجاجات جماهيرية أشعلت النار في فساد الحكومة، وأدت إلى استقالة رئيس الوزراء.

سلط فيه المخرج ألكسندر ناناو الضوء على معركة الصحافة مع قوى الظلام التي واجهتها، أثناء كفاحها لفضح عمليات احتيال وفساد عميق وممنهج في مجال الرعاية الصحية، أدت إلى مقتل ضحايا أبرياء.

حيث يبدأ المخرج في التنقل عبر الأحداث الأساسية بسلاسة، حتى يوضح صورة متماسكة للمخاطر التي تحيط بأبطالها. وتتوالى أحداث الفيلم حول تبعات حريق مروع بملهى كوليكتيف الليلي في بوخارست عام 2015، وأسفر عن مقتل 64 شخصا. قضى 27 منهم على الفور، أما الباقون فلم يموتوا بسبب إصاباتهم، ولا بسبب تعطل مخارج الحريق، ولكنهم ماتوا من عدوى المستشفيات.

فقد أظهر تحقيق شديد الصعوبة قاده أحد الصحفيين، بعد أن صور سرا مقطع فيديو لديدان تتلوى في جرح مريض، أن المطهر الذي تم توفيره لمستشفيات الدولة كان عديم الفائدة بسبب تخفيفه سرا. ليكشف أن مجمع الأدوية الحكومي مجرد جزء من الفساد الخبيث وعمل العصابات الجماعية على نطاق واسع في رومانيا. وهو الفساد الذي تجسد في الاتصالات المرعبة التي تلقاها الصحفيون من أجهزة المخابرات، تطالبهم بتوخي الحذر من أجل عائلاتهم.

المصدر : الجزيرة

حوار مع الشاعر الأديب د عبد الحق الهواس{أدب السجون عابر للحدود}

شبكة وا اسلاماه  في حوار

مع الشاعر الأديب د  عبد الحق  الهواس                                 الجزء الثاني

حاوره :زكرياء بوغرارة

الدكتور  عبد الحق هواس أستاذ جامعي من سوريا  أديب وشاعر   اشتغل زمنا مديدا  في البحث الاكاديمي   تخصص  دقيق   في الادب العربي  في مرحلة ما قبل الاسلام وهو حاصل على دكتوراه في اللغة العربية وأدابها  درس في عدة جامعات عربية في العراق والسعودية  وليبيا  واليمن

  عضو اتحاد كتاب العرب  ورابطة الادب الاسلامي وأحد مؤسسي رابطة أدباء الشام    وهو من الادباء   المعنيين بالأدب الإسلامي وقضاياه

    شاعر   فذ  له العديد من القصائد  التي تحمل النفس الإسلامي    وقضايا   الأمة الإسلامية

  كتب الشعر  والقصة   وصنف الدراسات الادبية المميزة

صدر لأديبنا

مدلولات أسماء النساء في القصيدة العربيةوالمعلقات –

الرواية والتسمية

اللوحة الضائعة في معلقة طرفة بن العبد

    قامة ادبية عالية  كان لنا معه هذا الحوار الذي  رحب به مشكورا  في تواضع جم  حلقنا معه في   سماء الأدب الإسلامي وقضاياه  المعاصرة

الحوا ر   في  جزئين الاول عن الادب الإسلامي وبعض  شجونه

  وهذا الجزء الثاني ننكش  فيه  بعض ما   نحمله  على كاهلها من أسئلة عن أدب السجون …

فإلى الحوار …

س1 بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

بالطبع يتصدر الشعر المشهد في النتاج الإسلامي لسرعة تأثيره ، لكن بقية الأجناس لها حضور واضح مع قلة النتاج المسرحي لموقف الأدباء من المسرح . وليس الحكم للكم وإنما للكيف في تألقه .

س2 نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

لكل أديب محاولاته للبحث عن الذات المبدعة وميولها قبل أن تستقر على نوع منها تجد نفسها فيه ، ولكنه أياً كان هذا اللون لابد للأديب أن يكون له حظ من النقد بقطع النظر أن النقد موهبة يصقلها العلم وتنميها الثقافة . كي يرى في نوع أكثر حضورا من غيره.

س3 كأديب  له   باع طويل في رحاب الادب واجناسه ومتابعة   كافة أنماط  الفن الروائي اود  ان اسألكم عن ادب السجون  الى أي مدى   يمكن ان   ان نصنفه  ضمن الادب الإنساني  في   فن الرواية   والشعر؟؟؟

  وما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات

أدب السجون من أكثر الفنون تعبيراً عن الواقع المؤلم ، ونتاج تجربة حيوية عاش تفاصيلها السجين بصدق ،ونقلها إلى كل الشعوب المقهورة والمتطلعة للحرية وكرامة الإنسان ، فهو أدب عابر للحدود وتأثيره إنساني شمولي يوحد المتلقين في مشاعر إنسانية صادقة ، كما هو لدى عبد الرحمن منيف وأيمن العتوم . وفي الربيع العربي أزهر هذا الأدب ويبشر بثمار يانعة رغم القمع المتوحش .

س4 كتب الكثير من الادباء الذين  يحملون  الهم الإسلامي والفكرة الإسلامية    الروايات والشعر   المصنف ضمن ادب السجون بل  لعل   الدكتور نجيب الكيلاني كان  أطول نفسا في هذا ومن المعاصرين ايمن العتوم

  ما رؤيتكم  النقذية  فيما  يحمله  هذا الادب  وهل يمكن ان نصنفه بالادب الإسلامي….؟؟؟

أدب السجون أثراه الأدباء المسلمون ، وأدخلوه في الأدب الإسلامي كتجربة إنسانية تضاف إلى الأدب الإسلامي ، لكنه ليس خاصاً بالأدب الإسلامي ، وإن كانت أثاره ومعاناة أدبائه وتطلعهم للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية تدخل في مفاهيم الإسلام ونظرته للحياة فيكون معين الإسلام ثرا لكل أديب .

س5 ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية     من خلال تجربة ادب السجون في سوريا الشام ؟؟؟

أثر أدب السجون كبير في رسم الواقع الهمجي للأنظمة المجرمة وفضح أساليبها المتوحشة ، لكن طول المدة التي يقضيها السجين المسلم ،وربما يفقد حياته داخل السجن في بعض الدول تحد من تأثيره المواكب للحدث في حينه، فيصبح أدباً للأجيال الصاعدة كوثيقة تؤرخ همجية الاستبداد ووحشيته.

س6 برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب ؟؟؟؟

العلمانيون لا يتعرضون للتعذيب الوحشي داخل السجون في كثير من الأحيان كما يتعرض له الإسلاميون ، ومدة سجنهم أقصر ؛ مما يتيح لهم الفرصة للكتابة أكثر من غيرهم .

س7 كيف نستفيد من تراثنا العظيم  في مجال الادب الروائي ؟  والرواية التاريخية؟؟

  بالاستفادة من الثرات  في التاريخ  والادب؟؟؟

تاريخنا حافل بالعبر والحوادث والمواقف العظيمة ، وهو تراث غني لمن أراد أن ينهل من عذباً صافيا ، والرواية التاريخية تجد مكانها من خلال التوثيق والتشويق والغاية ، وتاريخنا الأدبي حافل بالمؤلفات الأصيلة ، ويحتاج إلى من يكتب بروحية ذلك التاريخ ويخرجه بصورة عصرية جميلة .

س8 برأيكم كيف يمكن للادب الإسلامي   خدمة القضايا المعاصرة لامتنا؟؟  مثل الأقليات  و كيف لهذا الادب ان يساير     كبرى القضايا التي تشغل العالم  -كنت سمعت ذات يوم المفكر الفلسطيني   منير شفيق في المؤتمر الأول لرابطة الادب الإسلامي بالمغرب  يقول ان  الادب الإسلامي  لم  يستطع ان  يوظف  قضية مثل الايذز في عمل روائي   وكمثال     في    راهننا   كورونا  هل للادب الإسلامي   القدرة على تناول   مثل هذه القضايا  من خلال وجهة نظركم؟؟؟

لا يوجد ما هو عصي على الأديب إن هو أحس تناول الموضوع بصورة أدبية فنية لا بصورة وعظية مباشرة ، وموضوع الأقليات فرية اختلقها أعداء الأمة واشتغلوا عليها زمنا طويلا رغم أن تاريخ التعايش السلمي في مجتمعاتنا الإسلامية يفند هذه الفرية ويفضحها بجلاء … وموضوع الكورونا ينبغي أن يحرص فيه الأديب المسلم على إظهار موقف الإسلام من البلاء ويعالجه بروحية الإنسان المؤمن الشجاع الواثق من رحمة الله ، والحريص على إيجاد الدواء بصورة علمية وأنه يعمل على أن يكون للإنسانية ، وإظهار الرحمة والسلام التي ينادي بها الإسلام ورسالته ، وتأمين حق الحياة للجميع وأن الدولة الإسلامية تكفل حق المريض والمحتاج ومسؤولة عن سلامة مواطنيها دون تفريق .

س9 بعد   مسيرتكم المباركة في خدمة الادب والنقذ   والشعر  هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية ،  وما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات.

مهما كتب الأديب لن يرضى عن عمله ؛ لأن  نفسه دوما تحدثه أن يجود بما هو أفضل ، فعمل الإنسان بطبعه دون طموحه ، وهذا دافع ممتاز للبحث والإبداع والنظر إلى المثال العالي ، فالإبداع لايقف عند حدود مرسومة ومقاييس محددة، فكل إبداع مهما كان في داخله إبداع في دورة لا تنتهي .

رسائل من خلف القضبان

بماذا تخبرنا قصاصات أوراق المعتقلين؟

1

أحب أطمنكم أنا الحمد لله بخير وصحتي تحسنت من فضل الله ولا ينقصني إلا رؤياكم. أنا لسة في مستشفى ليمان طرة لسة ماروحتش الاستقبال. خلي بالك من صحتك أنتي الأم والأب وصحتك تهمني.

كان القلق يستبد بسعاد* بعد أن مرت عدة أشهر دون أن تتلقى أي رسالة من زوجها الذي كان معتقلًا في سجن العقرب شديد الحراسة محرومًا من حقه في الزيارات لأكثر من سنة، عندما تلقت من زوجة معتقل آخر عبر واتساب رسالة مكتوبة بخط اليد من زوجها، هدّأت قليلًا من مخاوفها.

تقول سعاد التي أمضى زوجها نحو سنتين من سنوات اعتقاله الأربع في سجن العقرب إنها كانت تنتظر دومًا الرسائل التي تصل منه للاطمئنان عليه ومعرفة أخباره، وتلبية ما قد يحتاج إليه من أشياء تسمح إدارة السجن بإدخالها من حين إلى آخر، بعد أن حرمتها من رؤيته حتى من خلف عازل زجاجي، منذ أكثر من سنة.

وتضيف للمنصة “أمضى زوجي ما يقارب أربع سنوات كان أغلبها في سجن العقرب فيما كانت الفترات الأخرى في مستشفى ليمان طرة بعدما أعياه المرض في كثير من الأحيان نتيجة الظروف القاسية في السجن سيئ السمعة”.

بالنسبة لمن هم خارج السجن، فإن الرسائل الخطيّة باتت نوعًا من الذكريات أو النوستالجيا التي نستحضرها في لحظات الحنين إلى سنوات مضت. لكن الحال يختلف كثيرًا بالنسبة لعائلات السجناء والمحبوسين والمعتقلين، فالرسائل هنا قد تكون وسيلة التواصل الوحيدة مع ذويهم، خاصة في ظل تكرار حرمان كثير من نزلاء السجون من حقهم في الزيارة.

بحسب لائحة السجون المصرية، فإن من حق أي سجين أن يتمتع بزيارة مرة على الأقل كل شهر، وعادة ما تؤكد الحكومة أن قطاع السجون في وزارة الداخلية يتعامل مع جميع المحبوسين، وفقًا لما تنص عليه القوانين ومبادئ حقوق الإنسان. ولكن الواقع على الأرض مغاير تمامًا.

رسالة من زوج سعاد يخبرها فيها على أحواله

كثيرًا ما اختبرت سعاد إحساس القلق والخوف عندما كان زوجها محبوسًا احتياطيًا قبل الإفراج عنه العام الماضي، وكثيرًا ما كانت رسالة قصيرة من سطرين أو ثلاثة؛ سببًا كافيًا لتبديد بعض القلق وإزالة بعض المخاوف، ومتنفسًا يمنحها بعض القوة حتى موعد الرسالة التالية.

تتفاوت الفترات بين الرسالة والأخرى، فتواجد زوجها في العقرب يعني مدة أطول من الانتظار والقلق، أما نقله إلى المستشفى فيجعل الحال أفضل قليلًا، من ناحية استقبالها للرسائل أو الحصول على حق الزيارة.

رسالة أخرى من زوج سعاد عن مستجدات وضعه الصحي وحالته النفسية

لكن كيف تحصل على على تلك الرسائل؟ توضح سعاد أن “هناك عدة طرق، فمثلًا عندما كان زوجي ممنوعًا من الزيارة، كان يعطي رسائله إلى أحد زملائه غير الممنوعين منها، الذي يبلغها لذويه أثناء الزيارة وهم بدورهم ينقلوها لي إما بشكل شفهي أو من خلال تصويرها وإرسالها عبر واتساب”.

وتتابع “أو من خلال انتهاز أي فرصة كان يتواجد فيها خارج السجن كحضور جلسات تجديد الحبس أو إجراء كشف صحي في المستشفى، لإعطاء رسائله ورسائل باقي المعتقلين إلى المحامين، الذين يتكفلون بإيصالها إلى أصحابها”.

مستجدات يشرحها الزوج لزوجته، وهو يحاول تخفيف العبء

ومع “الحرمان القاسي من تلقي المحتجزين زيارات عائلية”، بحسب وصف منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته العام الماضي، اكتسبت هذه الرسائل أهمية أكبر.

أخبارك ايه يا أعظم أم ربنا يطمني على صحتك ويخليكي لينا وما يحرمناش من عطفك وحنيتك علينا ويا رب تكوني راضية عليه وعلى اخواتي.

أنا لسة في الليمان ما روحتش الاستقبال.

1) يا ترى إتصلتي بـ(***) زي ما قلتلك وعرفتيها مين هيتصل بيها وتقوله إيه – أكدي عليها بالله عليكي.

2) إتصلتي بالناس ووصلتي الرسايل اللي بعتها معاك

جزاك الله خيرا، سلميلي على اخواتي.. في حفظ الله وأمنه.

يطمئن السجين على والدته ويشير إلى رسائل أخرى لإيصالها لأسر معتقلين

كلمات قليلة تحكي الكثير من القصص

حصلت المنصة على عدد من رسائل السجناء إلى ذويهم. رسائل تخبرنا كيف يمكن أن تتحول بعض الأشياء العادية إلى ضرورة ملحة، وكيف تتعاظم بعض التفاصيل الإنسانية مع فقد الحرية؛ فأيًا كان سبب تواجد السجين خلف القضبان، يبقى إنسانًا يتمنى بعض الأمور البسيطة؛ أكلة يشتاق لها أو دواءً يحتاج إليه، أو رسالة إلى الأحباب الذين غابوا ولم تغب ذكرياتهم.

زوجتي العزيزة الغالية؛ تحية طيبة وبعد

أنا الحمد لله بخير، يوم الإثنين ذهبت إلى كبير أطباء الطب الشرعي بجوار محكمة زينهم تقريبًا المسئول عن العفو الصحي، ولما أطلعته على الورق اللي معايا قرأه واعتذر أنه لن يأخذ به لأنه لم يوجه له بصورة رسمية، وبناء عليه كتب خطابا رسميا يطلب فيه ملفي الطبي ويكون فيه كل الأشعة والتحاليل وأن يجروا لي أشعة مقطعية حديثة على الصدر والقولون وأن يحضروني ثانية إليه ومعي كافة التحاليل والأشعة المطلوبة ليُقدِّر الحالة جيدًا وذكر في هذا الخطاب رقم ملفي الذي ذكرته لك في معهد الأورام بالمنيل الجامعي، أنا الآن في مستشفى ليمان طرة.

معتقل آخر بمستشفى ليمان طرة يكشف لزوجته جديد ملفه الطبي

رسائل من طرة شديد الحراسة أو سجن تحقيق طرة أو مستشفى ليمان طرة، وعنبر المعتقلين بقصر العيني، وغيرها من السجون. رسائل لا تعرف أصحابها أو اتهاماتهم أو مدة حبسهم، فتحاول أن تستشف القصص من بين تلك الكلمات القليلة.

زوجتي الحبيبة الغالية السلام عليكم ورحمة ربنا وبركاته.

اليوم الثلاثاء الساعة 1 ظهرًا الحمد لله أنا بخير وبصحة جيدة. الحمد لله غسلت وأنا بخير وبالنسبة لموضوع الروچيتا ده مش هينفع هذا لأنه لا يوجد روچيتات في المستشفى فأرجو أخذ روچيتا من الدكتور اللي هتروحي له غدًا بإذن الله. وأنا مش عاوز طلبات ولا أكل خاص تمامًا ولا أي شيء استودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع.

معتقل يخبر زوجته بجديد وضعه الصحي، ويخفف عنها عبء الطلبات

حميمية يقتلها الخوف

يمنحنا إبراهيم أحمد وهو نجل أحد المحكوم عليهم بالسجن المؤبد في إحدى القضايا، مزيدًا من التفاصيل المتعلقة بكيفية الحصول على الرسائل.

واحدة من ضمن رسائل لوالد إبراهيم بشأن ما يحتاج إليه

يوضح إبراهيم أكثر في حديثه مع المنصة “نحصل على الرسائل مثلًا عن طريق واتساب. فيه جروبات (مجموعات) لكل سجن خاص بأسر المعتقلين فيه، وأيضا نرسل أجوبتنا أو رسائلنا لمعرفة أخباره من خلال بعض الأسر الأخرى ممن نعرفها جيدًا ويتواجد ذويهم مع والدي في نفس المكان”.

السلام عليكم/ أمي/ أنا بخير والحمد لله لسة ما عملتش العملية ولو عايزين تزوروني تعالوا في أي وقت واعملوا حسابكم في 200 جـ وزجاجة برفان العود وهاتوا قلم جاف 7 ملم وقلم سنون 7 ملم وقصافة ومكنة حلاقة وشبشب بلاستيك مقاس 45 وكتاب فن الحوار والاتصال لـ د/ إبراهيم الفقي وسلامي بكل الأمل.

معتقل يؤكد لوالدته عدم خضوعه لعملية جراحية، ويطلب منها زيارته

خلال الآونة الماضية ومنذ انتقال والده إلى سجن ليمان طرة أصبحت الزيارات أكثر سهولة وتحدث بشكل طبيعي، ولكنه يشير إلى أن الوضع يختلف من سجن إلى آخر، فقبلها ولمدة ست سنوات تنقل فيها والده بين ثلاثة سجون هي القناطر ووادي النطرون والاستقبال، اختلفت المعاملة بحسب السجن.

الزيارة القادمة الأحد 19 مارس فلا تأتوا الأحد القادم ضروري لأنه من المحتمل أن أخرج للعملية الأحد.

معتقل يخبر أسرته بتغيير موعد الزيارة

يشرح أكثر “كان سجن ليمان 430 بوادي النطرون الأسوأ من بين السجون الأخرى إذ أنه شديد الحراسة وذهب والدي إليه بتذكرة (شديد الخطورة)، كان بيكون فيه ترخيم (تشديد) خلال الزيارات ويجلس أمناء شرطة معنا، إضافة إلى قصر مدة الزيارة، ومنع العديد من الأشياء من الدخول”.

أخوك. إلى اختي الحبيبة وحشني جدًا انتي عملة ايه و(***) و(***) و(***) معلش أنا عاوز 2 علبة كشري زي اللي جه قبل كدة علشان الناس طالبينوا مني عشان هو حلو أوي.. أخوك المخلص لكي وابنك.

معتقل يطلب من شقيقته إحضار المزيد من الكشري الذي نال استحسان زملائه

وفقًا لإبراهيم، فإن إدخال طلبات السجناء أثناء الزيارة لا يخضع لقواعد محددة، وأنه “ساعات لا يُسمح بدخول أشياء رغم أنها أشياء عادية كشامبو أو فرشة أسنان، أما ماكينة الحلاقة فلا تدخل في أغلب الأوقات، فيما قد تدخل أشياء أخرى مُنعت في وقت سابق كالورق للدراسة مثلا، ثم يمنعونه مرة أخرى رغم تقديمنا ما يثبت أنه لدراسة ماجستير. لا يوجد وضع ثابت بل أهواء تتحكم في ذلك”.

أمي الحبيبة يارب تكوني بخير حال.

هاتي الحاجات دي في الزيارة الجاية.

1) غسول للفم “غرغرة” لسيترين zero.

2) فرشاة حلاقة+ ملقاط + علبة سلاكة أسنان من الصيدلية.

3) 2 صابونة كبريت+ 3 صابون لوكس كبيرة.

4) شبشب مقاس 44 زي اللي عندك بالضبط

5) سالفيكس ماس للثة.

6) ليفة استحمام + علبة سويتال سكر.

مجموعة من الطلبات التي يحتاج إليها معتقل 

تظهر الحاجة الماسة للرسائل بعدما باتت في كثير من الأحيان وسيطًا أكثر أريحية في تبادل الحديث والطلبات. يوضح إبراهيم أن بعض الرسائل من والده أثرت فيه ويتذكر جيدًا ما جاء فيها، لكنه فضّل عدم الخوض في تفاصيلها لأنها “حاجات شخصية وأسرية نُفضّل أن تكون لنا نحن فقط”.

وحشتوني جدًّا وسلامي لأهلي وأولادي وأنا منتظركم قريبًا في الزيارة وحاولوا تعملوا تصريح نيابة وتأتوا بسرعة وأحتاج إلى الأشياء الآتية: 6 فطير مشلتت. 6 فطيرة النوع الثاني. صنية كيك أو معمر. مقشرة بطاطس. بصل. وعايز 150 جنيه.

رسالة من معتقل لأسرته بشأن بعض احتياجاته

مع ذلك فإن أغلب الرسائل التي حصلت عليها المنصة تُظهر استخدام أسلوب مباشر وواضح دون الكثير من البلاغة أو الأدبيات، ولهذا أسبابه.

إلى زوجتي الحبيبة أم (***)

أنا عاوز 2 شنطة زيارة جديد وعاوز كوب جديد يكون جيدًا وهاتي الساعة معاكي ضروري الزيارة القادمة يوم الخميس علشان صاحبها عاوزها سلامي لـ (***) و(***) وسلام خاص لـ (***) نور عيني ولب القلب.

ملحوظة: متجيبيش أكل معاكي

أب معتقل يرسل تحياته الحارة إلى زوجته وأبنائه

حميمية يغيّبها الخوف

تتسبب الرقابة الأمنية في الخوف من إظهار المشاعر أو الحكي عن تفاصيل الحياة الخاصة، حسبما أوضح للمنصة معتقل سابق رفض ذكر اسمه قائلًا: “ساعات بنبقى عارفين أن الرسايل دي ممكن تقع في إيدين أمين أو شاويش ممكن يستغلها لابتزازنا مثلا أو في إبلاغ رؤسائه، وساعتها هنقع في مشكلة أكبر”.


زوجتي الحبيبة وحشتيني أنت و(***) و(***).

أخباركم إيه والله العظيم مفتقدكم جدًا جدًا ونفسي أشوفكم قوي.. عارف طبعًا إنه غصب عنك علشان الجامعة والمدارس.. الله يكون في عونك ربنا يجزيكي خير على تعبك وصبرك وثباتك، ربنا ما يحرمني منك ولا من نور عينيا.

أحب أطمنكم أنا الحمد لله بخير وصحتي تحسنت من فضل الله ولا ينقصني إلا رؤياكم. أنا لسة في مستشفى ليمان طرة لسة ماروحتش الاستقبال.

خلي بالك من صحتك أنتي الأم والأب وصحتك تهمنا سلميلي على الحاج (***) والحاج (***) والحاجة (***) وقولي لعمو (***) عيب عليك اسأل عليا لأنك وحشه كتير ربنا يخليك ليه وما يحرمنا من وجودك دايما، وبقولك فرجه قريب ولما اطلع هجيلك لو في الدور 17 وعايز أعرف (***) جاب الفلوس ولا لأ ولو بعتهم كام أشوف وشك بخير.

في حفظ الله وأمنه.

معتقل يخبر زوجته وأولاده باشتياقه لرؤيتهم ويطمئنهم على صحته من مستشفى الليمان

لكن رغم ذلك لم يحاول البعض منع نفسه من إظهار القليل مما يحس به ببساطة. فهنا معتقل ينهال على زوجته بكلمات الحب، وآخر ينادي زوجته بـ “جميلتي”، و”حبيبتي”، بينما يتحدث ثالث عن انتظار اللقاء “بشوق المحب لمحبه”.

زوجتي الحبيبة السلام عليكم وحشتيني كتير منتظرك بكرة بشوق الحبيب لمحبه.

شوية حاجات بسيطة متنسهاش: – عدد 3 ميتاديرم – كريم حساسية للوجه- مصحف صغير – لو أمكن راديو جيب ويا ريت يكون شحن ولو بحجارة هاتي حجارة معاكِ – عدد 2 ماكينة حلاقة- كتاب من كتب السيراميك اللي عندنا.

معتقل ينتظر زوجته بـ”شوق المحب لمحبه”

جميلتي أم (***) السلام عليكم؛

– ضروري جدا متجبوش أكل بس هاتي الكيكة والكنافةبتاعة بسبوسة.

– هاتي راديو لأني ملقيتوش هنا وبيقولوا موجود في المحلات أمام السجن أو من إسكندريةزي ما أم أحمد كانت بتقول وهاتي معاه سماعات بدون مايك.

– سكر دايت علشان آخده العقرب.

بعض الطلبات والاحتياجات التي أرسل معتقل لذويه في طلبها

تُظهر أغلب الرسائل السابقة اكتفاء المعتقلين بالإبلاغ عن حالتهم واحتياجاتهم، لكن بالتأكيد الرسائل المكتوبة لا تتوقف عند هذا الحد، فنحو قبل شهر كشف عن أوضاع سجناء العقرب المتأزمة “عبر رسائل مسربة تمت كتابتها بوسائل بدائية على مدار سبعة أشهر في محاولة لنقل معاناتهم”، وهي ضمن تسريبات للمعتقلين بين الحين والآخر.

وفي شهادة بعض المعتقلين في التقرير وصفوا هيئة السجن والزنازين التي يتم احتجازهم بها “سور كبير تحيطه أبراج حراسة وداخل هذا السور 4 عنابر كل عنبر على شكل حرف (H) كل ضلع من أضلاعه يسمى وينج وكل وينج به 21 غرفة + غرفة الشاويش + حمام + مطبخ + غرفة أخرى وتحت كل (H) بدروم بطوله وعرضه تجري فيه مواسير الصرف وهو ممتلئ على آخره بمياه الصرف وتعيش فيه الفئران بكثافة، وهو مرتع للبعوض، وأحيانا تخرج منه الثعابين”.

أختي الحبيبة (***)

ألف سلامة لك.

شفاك الله وعافاك.

كنت أتمنى أن أكون بجوارك في هذا الوقت، ولكن إرادة الله غالبة.

ربنا يجمعنا قريبا.

معتقل يعتذر لشقيقته على عدم تواجده إلى جانبها أثناء مرضها

وأضاف التقرير أنه هناك زنازين في العقرب تم تصميمها لتكون أكثر سوءا من مثيلاتها؛ التأديب والعزل والإعدام والعنصر، وهي زنازين ضيقة للغاية حوائطها مطلية باللون الأسود القاتم، لا إضاءة بها مطلقا، لا مياه، لا شمس، لا تهوية، لا مراوح أو شفاطات حتى الفتحة الموجودة بالباب (النظارة) لاستلام التعيين (طعام السجن) تُغلق بقفل من الحديد من الخارج ولا تفتح إلا لإدخال التعيين.

أنا الحمد لله كويس والزيارة كانت جميلة جدا وسلميلي على ماما كتير.. وماتنسيش تاخدي الحاجة من أم (***) وكمان تديها 100 جنيه توصلها لمصطفى وهو هيوصلها لـ (***) ف غرفة (9).. وكلمي د/ (***) خليها تسأل د/ (***) عمل ايه في موضوع الفلتر مع المباحث؟

معتقل يطلب من عائلته تأمين بعض احتياجاته

وأوضح التقرير أن معتقلي العقرب محرومون من التريض منذ الرابع من أبريل/ نيسان 2017 وهو ما أدى لانتشار الإصابة بالربو والجرب والسل بين المعتقلين.

يتوافق ذلك مع إحدى الرسائل التي حصلنا عليها ويطالب فيها المعتقل أهله بغلي ملابسه بسبب الجرب.

وحشتوني جدا.

– أرجو الطعن على قرار حبسي 45 يوما من المحامين.

– أرجو غلي الهدوم والليفة أيضًا لأني مصاب بالجرب آسف لإزعاجكم وشكرا.

معتقل يخبر أسرته بإصابته بالجرب

ومع اقتراب الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير، تفرض السلطات -كعادتها مع كل ذكرى- تضييقًا واسعًا على السجناء، وتتوسع في منع الزيارات. حينها، ستكون ورقة صغيرة بكلمات يصعب تبينها، الوسيلة الوحيدة لإدخال بعض الطمأنينة على قلوب حنّت فرضخت لأقل القليل مما يفرضه الواقع.


* جميع الأسماء في هذا التقرير هي أسماء مستعارة لحماية المصادر.

المصدر :المنصة

من سجين إلى أمه

أبيات مؤثرة من أسير إلى أمه
* من أبي محمد المقدسي ( الأردن) إلى أمه الباكية الحزينة *

هذه أبـيـات مؤثرة على لسان أبي محمد المقدسي قالهاعندما زارته والدته في سجن سواقة في الاردن وهي ابيات جميلة جدا لا تزيد المجاهدين إلا اصرارا على مواصلة طريق الجهاد والمجاهدين .
يقول ابو محمد:
هذا تجديد لأبيات عزيزة، كنت قد كتبتها لوالدتي الحبيبة من قبل في حبسي الأول، جددتها لها يوم زارتني بدموعها في عيد الأضحى من هذه السنة 1420هـ

لا تـبكني أمـاه وابـك بلوعة ديـناً جـريحاً ما عليه بــواكيا
ما كنت يومـا رغم حبسي جاثيا فـلأجل ربـي أسـتطيب عذابيا
أمـاه إن خـط القـضاء منيتي بـدم تحـرر فـاصبري لمصـابيا
لله قـد قدمت روحـي راغبـا ثـمنـا ليبقى أصـل ديـني عاليا
وقحـمت أسـباب المنايا حاملا بيـدي لنـصرة دعـوتي أكفـانيا
فالمـوت لا يـريع نفسـاً حرةً قهـرت خطوباً قـد عصفن عواتيا

والقيد ليس بمـوهن لي هـمتي والسجن ليـس بمحبطٍ آمــاليا [1]
يا أمّ لا تبـكي لحبسي دمعـةً وابكي لـدينٍ ما علـيه بواكيـا


فالسجن خير من حيـاة مذلـةٍ وأنا لـربي قـد نذرت حياتيـا
أنا لست أركعُ رغبةً في لقمـةٍ أو أشتكي سـوطاً يُعربد عاتيـا
فالسجن ليس بضائري إن ضمّني والقيد ليـس معجـلاً أكفانيـا
والسجن ليس بحابسٍ لي دعـوتي والقيد ليـس بمطفـئ أنواريـا
أنا هـاهنا حر برغم سلاسـلي ورنينها يشـجي ربوع فؤاديـا
أنا هـاهنـا عزّي هنا حريـتي فالعز قيدي والشموخ جراحيـا

[سأقول للسجن الذي قد ضمني ] اشدد قيودك لا تفـك وثاقيـا
أنا هـاهنا حـر ودون قيودنـا شـعبٌ يُطأطئ للخيانة جاثيـا
يا سجن إنّي قد عشقتُ سلاسلي هذي السلاسل والقيود سلاحيا
يا سـجن إنـّي قد ألفتُ زنازني هـذي الزنازن والظلامُ ردائيـا


أنا في قيودك شامـخٌ في عـزتي والحرُ يخنع خلف سورك راضيـا
قد حددوا عيشي على قضبانـهم وبظـلِ قيدك مولدي ووفاتيـا
وعلى جدارك قد خططت ملاحمي حفراً بظفري والـمداد دمائيـا
بدمي خططت براءتي من كفرهم ولأجل ذا ضـاقت عليّ بلاديـا
يا أمّ مـالك تذرفـين الدمع لا لا تفعلي أفديـك أمـاً حانيـة
يا أمّ لا تبكـي لقيدي واصبري فالفجـر يشرق عن قريبٍ آتيـا

والكفر مندحـرٌ بإثْر جيوشهم والنور من ديني يُشـعشع زاهيـا
والحـقّ منتصرٌ برغم سجونـهم والقيد منكسـرٌ وديـني عاليـا

أبو محمدالمقدسي – رمضان 1417- سجن سواقة في الاردن

لأسد الله في كوبا – معتقل غوانتانامو

لأُســدِ الله

لأسد الغاب في كوبا السلام *** وإن عز التزاور والكلام
ليوث حينما وثبوا تنادت *** كلاب الغاب و انجفل النعام
تطوف بها الغداة بكل ذعر *** وتحرسها الرواح فلا تنام
تخاف تواثبا منها فتدني *** مشاعلها إذا جن الظلام
وما ضر الكريم إذا علاه *** لحسن صنيعة منه اللئام
ألا أيها الأحباب عذراً *** فقد طاشت بجعبتي السهام
نرى للمسلمين بكل أرض *** مجازر مالهم فيها قوام
نرى في قدسنا قرداً دعياً *** يئن بثقله الحرم الحرام
يغني بالسلام وإن منه *** ومن غلوائه يشكو السلام
نرى مالا يطاق إذا تمطي *** بأعراض القوارير الطغام
وسالت دمعة في خد طفل *** جريح لم يجاوزه الفطام
وشيخ مبعد تعبت خطاه *** ويطويه مع الألم الحمام
هنا قدم وذاك دم مراق *** وتلك يد تحيط بها عظام
وشيء من بقايا شبه دار *** وأنقاض وأبيات حطام
أخي إن لم تقم لله فيهم *** فحسبك فتية لله قاموا
فقالوا : ربنا إنا برئنا *** وقد خذلتهم العرب الكرام
وإنا ربنا لما سمعنا *** صريخ الدين حق الانتقام
سل الأفغان والشيشان عنهم *** سل البوشناق كيف بها أقاموا
وسل يوم الكريهة كيف كانت *** بسالتهم وقد ثار الرغام
وجلل صارخاً للحرب فيهم *** صبيٌ لم يناهزه احتلام
وسلها عن عدوهم المفدى *** وقد لاقتهم الأسد العظام
على أعقابهم نكصت وولت *** جحافلهم يعرقلها الزحام
أيا أحبابنا عذراً فإنا *** ليرهبنا الشباب إذا استقاموا
أيا أحبابنا عذراً فإنا *** يهدهدنا التغزل والغرام
يلفعنا إذا نصحوا انخذال *** ويصفعنا إذا نمسي انهزام
تعلمنا المذلة كيف ننسى *** وكيف نجيب إن وقع الملام
أيا آسادنا في القلب نارٌ *** يزيد لحبكم فيها الضرام
لكم منا الدعاء بظهر غيب *** من الأبرار ما صلوا وصاموا
لكم منا اللسان وكل حبر *** إذا ما لف في الغمد الحسام
لأسد الله في كوبا السلام *** وقل لهم إذا عثر السلام
بكم نشدوا فحيوا كل شدو *** مع الأسراب تنقله الحمام
بكم نسموا فحيو كل قطر *** على الوجنات ينزله الغمام

مبارك بن عبد الله المحيميد
2 – 8 – 1423هـ

علي أحمد باكثير أول من أدخل شخصية جحا إلى المسرح

الباحث أحمد إبراهيم الشريف يؤكد أن الأعمال المسرحية للكاتب علي أحمد باكثير تحفل بتقنيات جمالية وإقناعية سعى من خلالها لتقديم أفكاره مستخدما في ذلك بلاغة متنوعة.

التاريخ مادة مسرحية هامة

انطلاقا من فكرة أنه كي نفهم واقعنا المعاصر وجب علينا فهم الماضي القريب، وذلك عن طريق معرفة الأدبيات التي ناقشت أزمات وقضايا لا تزال مستمرة أو لا يزال صداها موجودا، وقع اختيار الباحث أحمد إبراهيم الشريف على الخطاب المسرحي في مسرح الكاتب والشاعر المصري علي أحمد باكثير ليكون محور أطروحته “بلاغة الخطاب في مسرح علي أحمد باكثير”.

في أطروحته لنيل الدكتوراه بعنوان “بلاغة الخطاب في مسرح علي أحمد باكثير”، يرى الباحث أحمد إبراهيم الشريف أن المطلع على الجانب الإبداعي عند باكثير سيجده واعيا تماما بما يقوله في خطابه محملا نصوصه رسائل ترصد الارتباك الذي أصاب الشخصية العربية في فترة خطيرة من تاريخ العالم عاصر فيها حربين عالميتين وسقطت فيها فلسطين في يد الصهاينة.

ويقول الشريف “كان خطاب باكثير مشغولا بما يحدث حوله في مجتمعه وفي العالم أيضا -انعكاس ما يحدث في العالم على مجتمعه الإسلامي والعربي- محاولا الإجابة عن أسئلة جوهرية تتعلق بالهوية والوضع الراهن لجمهوره وقرائه، وقد كشف عن رأيه من خلال أقنعة مسرحية ومن خلال الهدف الذي سعت إليه الأعمال المسرحية.

عرب أم فراعنة

يؤكد الشريف في أطروحته أن خطاب باكثير جاء متنوعا غنيا؛ فقد استمد مصادره من ثقافة عالمية وثقافة عربية؛ وظهر لديه التوظيف التاريخي والديني والاجتماعي والسياسي، وقرأنا في مسرحه نصوصا تراجيدية وأخرى كوميدية وبينهما الملهاة تسخر من الذات والآخر، وفهمنا معه الإسقاط السياسي والخطابات المضمرة والمعلنة وغير ذلك من التقنيات التي جعلت خطابه متسعا يتحدث عن الله والكون والإنسان، خاصة الإنسان العربي.

ويوضح أنه استعان لتحليل الخطاب عند باكثير بالمنهج الوصفي وأداتُه التحليل بما يطرحه من توقف عند جماليات العمل الفني ووسائل قوته وضعفه وما تبثه السيمولوجية من أيقونات وإشارات ورموز، في محاولة للتعرف على الرسائل التي يود النص أن يرسلها، على أن يضعها في سياقها التاريخي والاجتماعي، والتعرف على مرجعية الخطاب ومصادره، واستفاد مما تقول به “التداولية” ولم يستبعد آليات الدرس الحِجاجي أو النقد الثقافي.

علي أحمد باكثير قدم خطابا غنيا مستفيدا من الثقافة العالمية والثقافة العربية ومن التاريخ والدين والسياسة
علي أحمد باكثير قدم خطابا غنيا مستفيدا من الثقافة العالمية والثقافة العربية ومن التاريخ والدين والسياسة

ويضيف الشريف أن خطاب باكثير كشف أن جيله على كل المستويات، حتى على مستوى السرد متمثلا في نجيب محفوظ ، كان يعاني أزمة في أصل الهوية، فالاحتلال الذي كان يفرض كلمته على الجميع دفع المصريين ليتساءلوا هل نحن عرب أم فراعنة؟ ولأن باكثير عربي يمني عاش في مصر ومات فيها فقد انتسب إلى العروبة وحاول في خطابه أن يثبت ذلك.

وسعى الباحث إلى تحقيق عدد من الأهداف الفنية من خلال الدراسة التي جاءت في مقدمة وتمهيد تناول مسرح باكثير وعرج على المسرح العربي قبله وبعده، ثم ثلاثة أبواب هي “سياقات خطاب علي أحمد باكثير وأقنعته”، و”بلاغة الخطاب القيمي في مسرح علي أحمد باكثير”، و”بلاغة الخطاب الإقناعي في مسرح على أحمد باكثير”.

وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف تعامل الباحث مع مسرحيات باكثير من زاويتين؛ الأولى باعتبارها خطابا جماليا، والثانية باعتبارها وثيقة.

ويؤكد الشريف أن الأعمال المسرحية لباكثير بصفتها نصا أدبيا تحفل بتقنيات جمالية وإقناعية لا ينقص منها عدم تقديم بعضها على خشبة المسرح ـالذي كان سيضيف إليها بالتأكيدـ لكن باكثير كان حريصا على اكتمال النص كتابيا ـمن وجهة نظرهـ وعدم المراهنة على العروض.

ويقول إنه تبين بالدراسة أن خطاب باكثير كان مدركا أن المسرح هو فن المواجهة، وأنه في حالة عرضه على الخشبة يصبح تأثيره في الجمهور كبيرا، لذا أنتج نحو أربعين عملا مسرحيا، وسعى من خلالها لتقديم أفكاره ثم عمل على إقناع الجمهور بما جاء في هذه المسرحيات من أفكار مستخدما في ذلك بلاغة متنوعة. وقد غلب على خطاب باكثير توظيف التراث وإعادة إنتاجه مرة ثانية ـمتجاوزا فكرة السرد أو الحكيـ بوصفه استعارة كبرى لها دور جديد في الظروف الراهنة، ومانحا لنا فرصة جديدة لمساءلة هذه الشخصيات أو للتعلم منها.

إبداع الضرورة

يلفت الشريف إلى أن خطاب باكثير في مسرحه تحرك من فكرة أن غرضه الأساسي هو التواصل، لذا فهم قيمة الحوار في المسرحيات، الذي جاء في أوقات كثيرة مؤديا لهدفه ومقدما للشخصيات وصانعا للصراع، كما حرص باكثير في مواضع كثيرة أن يكون حواره جماليا فيحمل قيمة فنية لا تقلل من كونه حاملا رسائل ما.

ونظرا إلى طبيعة المسرح التي تمنع ظهوره بشكل شخصي على الخشبة أو أن يكتب شيئا مباشرا على لسانه، لجأ باكثير إلى حيلة القناع الفنية؛ حيث اختار من خلال شخصيات أعماله المسرحية بعض الشخصيات وحمَّلها رسائله، وجعل بعضها حججا تدافع عما يريد باكثير قوله، ومن هنا تعاملنا مع باكثير بصفته بطلا مضمرا في النصوص واستطعنا التعرف على أفكاره وشكلنا منها خطابه وحددنا قيمه التي يدافع عنها.

ويشير الباحث إلى أن خطاب باكثير استعان بحجج مرجعية جاء على رأسها القرآن الكريم والكتب المقدسة، وصنع من هذه الحجج إطارا من القداسة أحاطت بالنصوص المسرحية وأفكارها، وأضفت الكثير من المصداقية على الرسائل الظاهرة والمضمرة في الأعمال المسرحية.

باكثير لديه التوظيف التاريخي والديني والاجتماعي والسياسي
باكثير لديه التوظيف التاريخي والديني والاجتماعي والسياسي

ويلاحظ الشريف في دراسته أن خطاب باكثير اهتم باللغة العربية الفصحى وسيطرت على أعماله جميعا، لكننا في الوقت نفسه لم نعدم وجود ألفاظ من اللهجة العامية، خاصة في المسرحيات الاجتماعية وفي المسرحيات المتأخرة بعد ممارسة طويلة مع المسرح فلم يعد يخشى أن يُتهم بأنه “يقلل” من الفصحى أو غير ذلك، لكن هذه الخروجات عن الفصحى كانت قليلة وجاءت معظمها على ألسنة النساء كما ذكرنا، كذلك ظهرت بعض الألفاظ التراثية الصعبة غير المناسبة للشخصيات ولا لطبيعتها، لكنها كانت قليلة.

وقد عمل الخطاب على حماية نصِّه من الملل بطرق شتى منها صناعة الإيقاع عن طريق الإنشاد، فبث في مسرحياته أغنيات وصاغ هتافات وضعها على ألسنة المجاميع كي يعلو صوتها فتثير الحماس في قاعة العرض.

ويشدد الشريف على أن البلاغة في خطاب باكثير حجة في حد ذاتها، يستخدمها مؤكدا بها الهوية العربية والخصوصية الشرقية، لذا كان للمجاز بأشكاله المتنوعة دور كبير في تشكيل خطابه معتمدا على استعارات كبرى مثل استعادة الأحداث والشخصيات التاريخية وقيامها بأدوار جديدة -فيها وعي مختلف عن زمنها- كذلك الاستعارة الجزئية داخل العمل بما يضفي حركة إضافية على الشخصيات والجمادات داخل العمل المسرحي، إضافة إلى أن طبيعة المسرح اقتضت وجود أنواع مختلفة من البلاغة منها “بلاغة الجسد” وحركته من خلال الإشارات المسرحية.

ويتابع “كان لتقنية الاستفهام دور في تقديم خطاب علي أحمد باكثير، فالسؤال يعمل على اتساع دائرة التأثير لأنه عادة يتجاوز النص الأدبي أو العرض المسرحي إلى جمهور القراء والمشاهدين، كما أنه ـعلى مستوى الكتابةـ يكشف عما في داخل النفوس من شغف بالمعرفة أو مشاعر غضب”.

ويبين الباحث أن خطاب باكثير قدّم صورة مختلفة لشخصية “جحا” التراثية، وبعيدا عن كون باكثير أول من قدمه في المسرح، فهو أيضا قدمه مغايرا للصورة الذهنية التي شكلتها الحكايات الشعبية، فجعل منه رجل ثورة يقود الشعب ضد المحتل الأجنبي، وجعله يعاني في سبيل قضيته الكثير ومن ذلك أنه أدخله السجن، لكنه لم يفقده حسه الساخر أبدا. بل إن باكثير حرص على تقديم نص فني مثقف، وقد حقق له كل من الشعر والقصص التراثية والأمثال الشعبية ذلك، ومقصده من ذلك إظهار شخصيته في العمل الأدبي، إضافة إلى تأكيد الهوية العربية.

أحمد إبراهيم الشريف تعامل مع مسرحيات باكثير من زاويتين؛ الأولى باعتبارها خطابا جماليا، والثانية باعتبارها وثيقة

ويلفت إلى أن باكثير حاول إعادة تفسير النبوءات وفعل ذلك في مسرحية “مأساة أوديب” فجعلها “مؤامرة” من المعبد ضد بيت الحاكم، وهذا التفكير العقلاني يحسب للخطاب، لأنه سيبعث رسالة لجمهوره أن بعض ما يوحى إليه بأنه غيبيات ليس كذلك بل هناك يد تديره وعقل يدبره. كما أن خطابه تحرك في رصده لقيمه التي يدافع عنها، والتي أطلق عليها الباحث دائرة الذات من باب الدفاع عن الهوية، ومن ذلك مفهوم الشعب الذي تتطور صورته من الشعب المقهور إلى الشعب المتحقق، ولا يخفى لدارس الخطاب التنبه إلى تأثير الظروف الخارجية “ثورة 1952” على هذا التصور الفني، فما قبل هذا التاريخ كان الشعب في معاناة كبرى، كان مجرد “كورس” يردد ما يقال أمامه، وبعد هذا التاريخ نجد شعبا واعيا بدوره وبأهميته.

ويكشف الشريف أن خطاب باكثير كان أول من أشار إلى أزمة فلسطين في مسرحية كبرى، وذلك في مسرحيته “شيلوك الجديد ـ 1944”، وقد تطورت طريقة تعامل باكثير مع العدو الصهيوني في هذه المسألة؛ في البداية كان يرى جيش الاحتلال مجرد عصابات قادمة من مجاهل أوروبا، وكان لديه إحساس بأنه يمكن القضاء عليها بسهولة، لكن بعد ذلك اختلفت اللهجة وصار يطالب العرب بالتضامن، واضطر في معالجاته المسرحية أن يعترف بوجود إسرائيل -بالطبع لم يخرجها من دائرة العدو- وأن يبحث عن حلول أخرى للقضاء عليها بعيدا عن إلقائها في البحر.

ويخلص الشريف إلى القول إنه “يمكن في النهاية وصف ما قدمه علي أحمد باكثير بأنه إبداع الضرورة؛ بمعنى أن المجتمعين العربي والمصري كانا في حاجة حقيقية لكاتب يخوض في هذه القضايا ويناقش هذه الأفكار ويستعيد التاريخ والتراث ويبحث عن الهوية والخصوصية، فقد كانت الأوضاع في العالم مرتبكة أكثر مما يجب، فهناك دول تصعد وأخرى تسقط، ودول تتحرر وأخرى تدخل في العبودية من جديد، وهناك فلسطين تخسر كل شيء، وهنا كان يجب لكاتب ما أن يرفض كل ذلك وأن يصرخ ـ حتى لو كان الصوت مرتفعا قليلاـ في وجه الصامتين طالبا منهم أن يتنبهوا أكثر وأن يقبضوا على قيمهم في ذلك الزمن المتحول.

محمد الحمامصي

العرب