adminis

حوار مع أحد الناجين من السجن السري الشهير
”فرع فلسطين” بسوريا


يسرنا أن نقدم للأمة الإسلامية هذا الحوار مع أحد الإخوة الأسرى السابقين بالسجن السري الشهير المسمى ” فرع فلسطين ” هذا السجن الذي يسام فيه أهل الإسلام نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً أشد العذاب منذ استيلاء الزنادقة النصيريين بتعاون مع الفرنسيين والبريطانيين المحتلين على بلاد الشام المباركة أعادها الله دار إسلام وسنة.


وقد حمَّل الإخوة الأسرى هناك أخانا الذي أجرينا معه هذا الحوار حين خروجه من الفرع وموعد ترحيله نحو بلده أمانة ألحوا عليه إلحاحاً شديداً واستحلفوه بالله أن يبلغها للأمة الإسلامية عامة ولمجاهديها بصفة خاصة ورغم ظروف الأخ – تقبل الله منه- فإنه لم يهدأ له بال ولم يقر له قرار حتى يوفي بوعده الذي وعد به إخوانه وعاهد ربه على الوفاء به . وها هو اليوم يوفي بوعده ويبر يمينه نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منه ويحفظه ويرعاه وأن يفرج كرب كل مكروب من أمة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كما نطلب من إخواننا المسلمين في كل مكان ومن كل من يطلع على هذا الحوار أن لا يدَّخر جهداً في القيام بأي عمل يمكن أن يساعد به إخوانه الأسرى في سوريا المكلومة بحراب النصيرية البعثيين الزنادقة عليهم من الله ما يستحقون وأن يسعى إلى إيصاله لمن يعنيه الأمر للمسلمين عامة وللمجاهدين وقادتهم خاصة .


بارك الله في الأخ المحاور وفي الأخ الأسير الذي أجري معه الحوار وفي كل من عمل على تبليغه ونشره ولا تنسوهم من دعائكم.




سؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي نريد نبذة مختصرة عنكم وعن سبب سفركم إلى سوريا ؟؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, أشكرك أخي على هذه الإلتفاتة المباركة الطيبة وأود قبل إجابتي على أسئلتكم أن أخبركم وأخبر كل مسلم ومسلمة أن ما سأذكره هنا هو مجرد صورة مصغرة ولا يعد إلا كنقطة ماء في محيط كبير لما يكابده ويعانيه إخوانكم المسلمون الموحدون في سوريا النصيرية البعثية التي يرفع نظامها المجرم في العلن شعار الممانعة والمقاومة ومشاكسة أمريكا ودويلة يهود ومشروعهما التوسعي أما في الخفاء فهذا النظام الإجرامي لا يختلف عن بقية الأنظمة العميلة, بل ربما تجاوز بعضها, خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 وإعلان الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين.


فتعاونهم الإستخباراتي مع أمريكا لم يعد يخفى على أحد. وأتمنى أن أوفق في تأدية الأمانة والوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي وعاهدت به إخواني المحتجزين هناك الذين منهم من لم ير نور الشمس منذ سنوات عديدة وقد نخرت أجسادهم الأمراض والعلل, وهي رسالة للمسلمين عامة ولأهل الشام والمجاهدين بصفة خاصة . فأتمنى وأسأل الله أن أوفق في نقل ولو جزء من الصورة الحقيقية كما أسأل الله أن يوصلها لأهلها والله من وراء القصد.


أعود لسؤالك : أنا شاب موحد لله تعالى فتحت عيني على مآسي أمتي المسلمة ومذابحها في كل مكان دون غيرها من الأمم والملل فكنت أتابع الأخبار التي تزيدني ألما وأسى وأسفا وأتجرع بها المرارة في كل يوم ولم أكن أملك سوى الدعاء.


إلى أن جاءت أحداث محرقة غزة التي زادت من اهتمامي وتفكيري بجدية في التكليف الملقى على عاتق كل مسلم اتجاه ما يجري وفي كيفية أداء هذا التكليف العيني لنصرة الأمة المستضعفة. بدأت المشاركة في بعض المواقع والمنتديات الإسلامية الجهادية والتعرف على بعض الشباب عبر الشبكة ممن يقاسمونني نفس الهموم, فعرفت ولله الحمد الكثير وتعلمت الكثير في ظرف وجيز من الزمن خاصة في أمور الجهاد ووجوبه وفقهه وأمور الهجرة وغيرها …


منذ ذلك الحين وأنا في بحث دائم عن طريق يوصلني إلى أرض الجهاد والإعداد والهجرة والنصرة وكان همي الوحيد هو اللحاق بركب الشهداء وقافلتهم المباركة التي لا تتوقف بفضل الله, إلى أن تعرفت على بعض الشباب الذين وفق الله بعضهم لهذا الأمر . فكنا كلما سافر أحدهم ترك بريداً إلكترونياً وهاتفاً للذي يليه ليلحق به. فجاء دوري, جهزت المال وتركت التجارة الدنيوية لعلي أظفر بما هو أعلى . توكلت على الله فتيسرت لي ظروف السفر بعدما درست كل مراحلها بشكل دقيق وواضح ثم توكلت على الله وانطلقت في سفري.


باختصار شديد وحتى لا أطيل في هذه التفاصيل الغير مهمة. وصلت تركيا وتوجهت منها براً نحو سوريا بعدما أمرني (المنسق) بذلك وهو سوري ظل معي على اتصال دائم منذ نزولي بتركيا إلى حين وصولي سوريا حيث سألتقيه لأول مرة بعد أن تواعدنا. خلال هذا اللقاء كان معه شخص آخر بقي في السيارة ولم ينزل منها نزل فقط (المنسق) وسبحان الله حين سلم علي أول مرة ببرود ولا مبالاة ارتبت في أمره ولم يطمئن قلبي له أبداً, فقلت مع نفسي ربما هذا من الأمنيات والحذر فلا بأس ركبت معهما السيارة فلمحت بجانب السائق مسدسا فأخذه بسرعة وبطريقة غريبة ثم نظر إلي ليختبر ردة فعلي فتصرفت بشكل عادي. في الطريق إلى دمشق شرعت أناقشهما بعض الأحداث وتبين لي من أول الحديث أنهما في الحقيقة لا يعرفان شيئا عن الجهاد والمجاهدين لكن من خبثه اشترط علي أن لا أسأله عن شيء من باب الأمنيات,فكنت كلما انتابتني الشكوك قلت لعله من تشويش الشيطان ووسوسته لصدي عن هذه العبادة العظيمة ولقلة تجربتي . ثم سلمت أمري إلى الله عز وجل، وصلنا بعدها دمشق فأخذني إلى فندق كان يعرفه مسبقا فحجزت غرفة .


ومن الملاحظات وللفائدة فقط , فهناك فرق كبير بين مسئولي الفنادق في تركيا وفنادق سوريا. ففي سوريا هناك كثرة الأسئلة وكثرة علامات التعجب والاستفسارات والملاحظات وغيرها تحس كأنك في مجتمع مخابراتي بامتياز.


كان هذا( المنسق) يتصل بي باستمرار للاطمئنان علي ويسألني عن الأجواء وفي كل مرة كنت أستعجله وأسأله عن موعد السفر لدخول العراق فيُسَوِّفُ تحت دعاوى عدة.


أما الفندق الذي أنزلني فيه فكان يقع وسط سوق شعبي مزدحم بالناس يصعب عليك فيه تحديد من يراقبك. بقيت بضعة أيام لم أره حتى أصررت على اللقاء به، وطلبت منه موعد السفر إلى حيث أريد، لكنه برر عدم استطاعة الدخول إلى العراق بسبب بعض الظروف الصعبة في الطريق وغير ذلك…


في هذه الفترة وقع لي حادث غريب أسرده للإخوة للعظة والفائدة والحيطة والحذر : في يوم من الأيام خرجت من هذا الفندق للمشي فاستوقفني صاحب محل لبيع الملابس. سألني هل أنت من البلد الفلاني؟؟؟ أنا أحبكم وزبائني كثر من أبناء بلدكم وعندي بضاعة ستعجبك وهذا محلي وعندي محل في بلادكم يبيع المنتجات السورية أجبته أنني لا أحتاج ملابس وليس معي مال لشرائها . فألح علي إلحاحاً عجيباً قال تعال معي تأخذ فكرة فقط عن المحل ربما مرة أخرى تحتاج الشراء والتسوق من عندنا فبضاعتنا رخيصة وممتازة. كان إلحاحه شديدًا كإلحاح التجار عامة وأكثر , المهم دخلت معه المحل فيه درج صعدناه فوجدت عشرة أشخاص أمرني بالجلوس لا يظهر عليهم أنهم لصوص قالوا لي إذا أردت أن تخرج من هنا فضع ما معك من مال ولا تحاول المقاومة فأخذوا ما كان معي حينها أزيد من ألفي أورو أمروني بالخروج وعدم الإلتفات لأني مراقب توجهت مباشرة للفندق وجمعت أغراضي وانتقلت لفندق آخر.وقد علمت فيما بعد أن كثير من الشباب المهاجرين خاصة من أهل الجزيرة العربية قد تعرضوا للسرقة والنصب من قبل العصابات وأحيانا من قبل المخابرات السورية وهو ما حدث معي شخصياً .


بعد حلولي بالفندق الجديد اتصلت ب ( المنسق) فأخبرني أن الأمور جاهزة وميسرة وما هي إلا نصف ساعة ويكون عندي لننتقل صوب الحدود العراقية للدخول. استلقيت على ظهري متأملا فيما جرى معي وبينما أنا كذلك داهمت عناصر مسلحة بالرشاشات والمسدسات غرفة الفندق بعد فتحها بمفتاح احتياطي من عند صاحب الفندق كانوا حوالي 13 شخصا ألقوني على الأرض وقيدوا يداي خلف ظهري بقوة حتى دخل القيد في اللحم ووصل العظم حاولت الاستفسار عن الوضع فكان جوابهم ضربي بأخمص الرشاش على رأسي وكامل جسمي.


أخذوا الجواز ومبلغ ألف أورو كان بقي معي والهاتف وكل الملابس والأغراض في باب الفندق وجدنا سيارة أخرى بها 8 أفراد أيضا مسلحين بالرشاشات سلموني لهم وانطلقوا بي بعدما أغمضوا عيني بقماش.


سؤال : أين أخذوك بعد هذا ؟؟؟


توجهوا بي مباشرة إلى سجن سري يسمى فرع فلسطين وهو عبارة عن بناية تقع على طريق المطار مكونة من سبع طوابق كل طابق يختص بالتحقيق في قضايا معينة: الإسلام – الأسلحة التهريب – التزوير- قضايا سياسية – مخالفات الجيش- الأجانب …. وسمي بهذا الاسم حسب ما علمت لأنه كان فرعاً أمنياً مخصص للقضايا الفلسطينية منذ عهد الهالك المجرم حافظ الأسد وقد أعيد ترميمه في سنة 2006 وهو جحيم للمسلمين ووبال على الفلسطينيين .


هذا المعتقل العسكري له قانون خاص مع الأجانب الذين لا تسأل عنهم حكومات بلدانهم ولا تتدخل سفاراتها لتسلمهم وترحيلهم مثل أهل أفغانستان وغيرها كأهل المخيمات الفلسطينية وهم كثر وأعدادهم هائلة. فهؤلاء بعد أن يقضوا في المنفردات أو المهاجع أكثر من أربع أو خمس سنوات، تعقد لهم مسرحية وهي عبارة عن محاكمة عرفية داخل المبنى ويستمعون فيها لأقوال المتهم ثم يأخذونه إلى سجن من سجون سوريا يبقى فيه إلى أن يشاء الله دون وقت محدد.


أول ما أدخلوني هناك بدأ التعذيب الشديد في مكاتب التحقيق بالطابق الرابع من البناية سألوني عن سبب مجيئي لسوريا فقلت لهم أنا تاجر وجئت للتسوق والبحث عن بضائع جديدة وطبعا هم كانوا يعرفون سبب مجيئي لأن (المنسق المزعوم) لم يكن سوى مخبراً يعمل معهم وقد ربط الاتصال بي بعدما اعتقلوا أحد الإخوة قبلي ووجدوا معه بريدي وكان يتصل بي على أنه من طرف الأخ وأن الأخير قد دخل العراق وهذا من قلة التجربة والإفراط في الثقة … عذبوني بشكل لا أستطيع وصفه حتى أغمي علي عدة مرات وركزوا ضربي على أذناي حتى قلت لهم أن بي كسر سابق في رقبتي لعلهم يتركون ضرب الأذن لكن المجرم كان يمسك برقبتي ويلويها بعنف متعمداً كسرها وإيلامي وكذلك رفعوني عار من الملابس وكبلوا يدي ورجلي إلى حديدة طويلة وشرعوا في جلدي بالسياط وصعقي بالكهرباء إلى أن اعترفت لهم بالحقيقة وأن سبب دخولي سوريا هو رغبتي في الانضمام للمجاهدين في العراق ثم بعد التحقيق أمروا بي إلى المنفردة.


وهناك سيبدأ عذاب من نوع وألوان مختلفة .فحين ينزلونك تحت الأرض للمنفردة يعطونك رقماً عوض الاسم وهناك كل شيء ممنوع : الكلام، الجهر بالصلاة، الدعاء وحتى تلاوة القرآن والوضوء ممنوع، يمكنك فقط التيمم وأخطر شيء هناك أن يسمعك تقرأ القرآن أو تدعو الله أو تناجيه . سيتهمونك بأنك تدعو عليهم ويخرجونك للتعذيب الشديد الفظيع والتعذيب هناك بالسياط والركل واللكم وكل الوسائل الممكنة والمتوفرة لديهم وحين يرون السوط لم يعد ينفع يعذبونك بألوان أخرى منها أن تضل واقفاً مكبل اليدين إلى الخلف ووجهك باتجاه الجدار لأزيد من 24 ساعة وحين تحاول الجلوس أو السقوط يجلدونك بالسوط وهناك شخص سوري رأيته أوقف 36 ساعة إلى أن انفجرت الدماء من قدميه
وأيضا التكبيل للخلف داخل الزنزانة ولكم أن تتخيلوا شخصاً يقيد لأزيد من أربعين يوماً في زنزانة انفرادية ولا يستطيع حتى حك جلده وطرد الحشرات والقمل عنه. وحين يسمعون الإخوة يتكلمون مثلا ولم يعترفوا على المتكلم يعذبون الجميع في الممر تعذيباً شديداً . هذا والله العظيم مجرد جزء يسير مما يحدث للإخوة هناك …والله المستعان .


أول مرة دخلت “الانفرادية” في اليوم الأول نادوا على رقمي للمرحاض خرجت بشكل عادي فإذا بالسجان يركلني ويقول باللهجة السورية ( على السارع يا كور) أي بسرعة يا كلب لم أكن أفهم شيئا حينها لأني جديد فبقيت على هذه الحال لأسبوع كل يوم ضرب وسب وإهانة حين الخروج للمرحاض إلى أن اكتشفت ما يجب علي فعله.


سؤال : ممكن تصف لنا هذا السجن ؟؟؟



عدد الزنازين الانفرادية ويسمونها المنفردات هو 38 منفردة طولها متران وعرضها متر ونصف , وعدد المهاجع 19 مهجع طول كل واحد منها تقريباً عشرة أمتار وعرضه متر ونصف وكل مهجع يضم ما بين أربعين وخمسين سجيناً ولكم أن تتخيلوا هذا العدد من الناس في مسافة بعرض متر ونصف وطول عشرة أمتار، إنه الجحيم الدنيوي بعينه وكل هذا في مكان تحت عمق الأرض ب5 أمتار.


الطابق الأول فيه غرف التحقيق ومكتب المدير المجرم ويكنونه ( أبو حمزة) وبه منفردات قضايا سياسية خاصة .


الثاني والثالث لم نعرف ماذا يجري فيهما. أما الرابع فهو المخصص للتحقيق في قضايا الإسلاميين يرأسه ضابط من أخبث من رأيت أو سمعت عنهم في حياتي وأظنه كبيرهم في هذا القسم لأنني لاحظت الحراسة المشددة على مكتبه والتبجيل الذي يكنونه له, والمعلومة الوحيدة التي عرفتها عن هذا المجرم هي أنه كان مسئولا عن تعذيب أهل السنة في المعتقلات اللبنانية ثم مساعده وله مكتب مجاور واسمه منير وهذا أيضا من كبار مجرميها بلغ به الإجرام أنه إذا رأى على الأسير قميصاً أو في قدمه حذاءًا من نوع جيد أمره بنزعه ولبسه أمامه وأرسله حاف أو عار إلى زنزانته وقد أخذ مني شخصياً حذائي وقال لي الأولى أن تمشي حافياً والاستهزاء من طبعه وعادته وسمعته يقول عن نقاب زوجاتنا أنه قمامة من الأزبال …


عدد المراحيض ستة و3 حمامات الخروج للمرحاض من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء ماؤه جد بارد وللمرحاض هناك قصص وآلام ومعاناة لا أستطيع وصفها خاصة للمرضى المصابين بالإسهال أو السكري أو المعدة وغيرها من الأمراض التي يحتاج صاحبها التردد على المرحاض لمرات متعددة.


مدة المرحاض لا تتجاوز 30 ثانية وهذا يعود لمزاج الحارس وخبثه فما تكاد تنزع سراويلك حتى تسمع شتمه وسبه وأوامره لك بالخروج فهناك دخول المرحاض يصير عندك كابوساً حقيقياً تخطط له وتستعد وتتعوذ وتدعو أن يسلمك الله من السياط والجلد وأن توفق لقضاء حاجتك وملئ قارورتك من الماء …


وطريقة الخروج من المنفردة إلى المرحاض لها طقوسها الخاصة فعليك أن تخرج وأنت منحني على صفة الركوع ووجهك في الأرض لا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تنطق ولو بكلمة أو حرف حين تسمع رقمك والأمر بانتهاء الثواني المخصصة للخلاء عليك أن تخرج يدك من نافذة المرحاض وتعود لمنفردتك كما غادرتها . أما إذا نودي عليك ولم تسمع رقمك كأن تكون نائماً مثلا فإنك ستأخذ من السياط لمدة أسبوع كامل عند كل ذهاب وعودة للخلاء وكل مجرم من المجرمين حين ينهي دوامه يوصي بك من يتسلم الدور والسوط من بعده تظل على هذه الحال على مدار الأسبوع إلى أن يرجع الدور للمجرم الأول الذي وقع المشكل معه في فترة دوامه .


بالنسبة للحمام فهو الآخر حسب مزاج السجان مرة في الشهرين أو الشهر ومدته أيضا بمزاجه , وفي أحسن مزاج وأحسن حال فهي لا تتعدى 5 دقائق تقضي فيها حاجتك البيولوجية وتغسل فيها جسدك الوسخ . ومفروض عليك أن تخرج للحمام من منفردتك بلباس داخلي فقط كي يفتشها المساعد ويسرق ملابسك ودوائك وكل شيء. أذكر أنه في يوم من الأيام نادى المجرم على السجين ليخرج من الخلاء وكان قد دخل لتوه وهو سجين جديد فرد على السجان : مهلا هل تظنني سأبيت هنا سأطلع حين أنتهي من قضاء حاجتي. وأقسم بالله أنني رأيت السجان من شق الباب يفرك يديه فرحا وسعادة من رد السجين لأنه وجد طريقا لتعذيبه كما يشاء. وهو ما كان, فقد تفننوا في تعذيبه بل وجعلوه يبيت ليلته في المرحاض عار من الثياب.


أما ما حدث معي شخصياً في موضوع المرحاض هذا فبعد مرور 4 أشهر على دخولي ذلك المكان كاد القمل والوسخ والعفن أن يقتلني وكنت لا أنام الليل من شدة الحك والألم حتى تورم جسدي وكلما حككت جلدي نزعت يدي والدماء تغطي أظافري فقررت في يوم من الأيام أن أستغل دوري لقضاء حاجتي وأستحم في المرحاض وليكن ما يكون. وهو ما كان دخلت وبدأت أغسل رأسي من القمل ونصف جسمي الأعلى فناداني المجرم للخروج فقلت له أنني جد متسخ وأحتاج فقط دقيقة لأغسل بعض القمل حينها جن جنونه وشرع يصرخ ويلعن ويسب, وحينها خرجت . فقال لي غسلت وسخك ؟؟


أجبته نعم شيئا ما فقط . فأمرني بالتمرغ عاريا في ماء معقد معلك أسود اللون رائحته لا تطاق أبدا وشكله مثل العسل ينزل ويتسرب من أسفل سلال الأزبال المتراكمة في زاوية من زوايا المراحيض . امتنعت في البداية ورفضت الأوامر وعندها نادى أصحابه فانهالوا علي جميعا بالكرابيج وأنا عار الجسد إلى أن امتثلت وتمرغت على بطني وظهري كما أمروا, ثم نهضت حاملا قنينة الماء الذي أشربه فأفسحوا لي الطريق هاربين من رائحة جسدي وحين دخولي المنفردة غسلت أعلى جسمي بقنينة الشرب وبقيت أتكبد عناء العطش مدة 24 ساعة وطبعا هذا المجرم أخبر من يليه في الدوام وكنت أعذب عند كل خروج ورجوع من الخلاء مدة أسبوع …


لكن سبحان الله رغم هذا فإن تلك الثواني المعدودة كانت فيها رحمة من الله لعباده ففيها يتبادل الإخوة الملابس وبعض حبوب الدواء والحاجات البسيطة التي تعتبر هناك شيئا ذا قيمة كبيرة ,لأن المراحيض مفتوحة من فوق لا سقف لها ولا يفصلك عن أخيك في جانبك إلا جدار….ولا يمر يوم دون جلد الإخوة وتعذيبهم حين الذهاب بهم أو العودة للمرحاض حتى أن البعض كانوا حين المناداة عليهم برقمهم يمتنعون عن الخروج بدعوى أن ليس لهم رغبة مع أنهم يتقطعون من الألم والحاجة إلى التبول أو التبرز أكرمكم الله….


سؤال : وماذا عن المهاجع ؟؟؟


المهاجع كما ذكرت لكم آنفا هي غرف جماعية طولها عشرة أمتار وتتسع فقط لعشرين شخصاً لكنهم يحشرون فيها حتى الخمسين وفيها مرحاض واحد بداخلها لا يتوقف 24 على 24 ساعة لكثرة النزلاء وقانونهم هو منع الكلام ومنع رفع الصوت حتى بتلاوة القرآن أو الصلاة والدعاء كذلك ممنوع , وفي إحدى الليالي سمعناهم يعذبون أحد الإخوة في ثلث الليل الأخير ويقولون له من الذي كان يقوم معك الليل؟؟؟


أما طعامهم هناك فهو لا يكفي حتى عشرة من الناس يجوعونهم عمداً حتى يضطرونهم للشراء من مدخراتهم في الأمانات وهذه تعتبر فرصة للسجانين للنهب والسرقة فأنت توقع على ورقة مشترياتك ولا تعرف على ماذا توقع حتى ينفذ المال في رمشة عين وهناك بالمهاجع دعاء السجناء هو أن يأتي من عنده مبلغ محترم من المال حتى يقتاتون شيئا فأول ما يسألك عنه السجناء هو هل معك مال في الأمانات؟؟ أما طريقة نومهم فهي بالدور, يصطف البعض منهم على جنب واحد دون حراك أو تقلب ويقف الثلث الباقي فلما تنتهي المدة ينام من كانوا واقفين, مثل صلاة الخوف ويمكننا تسمية القياس عليه وتسميته بنوم الخوف وهو كذلك بل أشد.


أما الفراش فبطانية واحدة على الأرض دون غطاء بل بعضهم ليس معه بطانية أصلاً ومنهم من انتهى التحقيق معهم منذ عامين وأزيد ولم يحالوا على المحاكم ولا على السجون فاضطروا مرة لخوض إضراب عن الطعام لم يتجاوز 12 ساعة حتى ذاقوا كل أشكال العذاب ما اضطرهم لفك الإضراب والتوقف عنه .


وهذا التعذيب تم برئاسة المجرم كبير الجلادين واسمه سليمان وهو رقم 1 في التعذيب وهذا المجرم نصيري الديانة عمره حوالي 36 سنة وطوله حوالي186 بشرته بيضاء.


بالنسبة للتنظيف هناك في “فرع فلسطين” فالمكلف به هم السجناء من الجنود السوريين أصحاب المخالفات ينظفون المبنى كاملا في ظرف وجيز والضرب والركل على ظهورهم والسب والشتم عدا المنفردات والمهاجع فنزلاؤها هم من يتكلفون بتنظيفها بقليل من الماء فقط لا صابون ولا أي مواد أخرى للتنظيف .


وأنا أول ما أدخلوني المنفردة الشخصية وجدت فيها ثلاث بطانيات أظنها من عهد الحرب العالمية الأولى ثقيلة بالقمل والعفن والأرض كذلك معفنة والسقف تعشعش فيه الحشرات بأنواعها أما الباب فمغطى بالصراصير ففزعت من هول المكان ووحشته وتساءلت طويلا هل سبق لأحد أن سكن هذا المكان؟؟ ثم علمت فيما بعد أنها كانت تسكن من طرف سجين ضل مكبل اليدين لمدة جد طويلة . حاولت طويلا تنظيف المكان مستغلا قنينتي الماء والتبول لكن بلا فائدة .


سؤال : وماذا عن السجانين ومعاملتهم للسجناء ؟؟؟


عدد مجموعات السجانين ثلاثة، كل مجموعة تتكون من خمسة أفراد اثنين للمنفردات وثلاثة للمهاجع. هؤلاء القوم لعنة الله عليهم مهما تفننت واجتهدت في انتقاء العبارات لوصف إجرامهم وخبثهم وكفرهم فلن أوفي ولن أوفق. وأذكر منهم :
المسمى رمضان : نلقبه بالضفدع من مدينة حماه ديانته (سني) وهذا يطلقه الإخوة على المنتسبين زوراً لأهل السنة عمره حوالي 40 سنة طوله تقريبا 180سنتم بنيته قوية لون بشرته أبيض مع احمرار وجهه حين غضبه وعيناه خضراوان بلون الزيتون صوته خشن لا تكاد تعرف ما يقوله .


المسمى هاني : يلقبونه (جويعه) لأنه كان ينقص لنا كمية الطعام رغم قلته. طوله حوالي 184 سنتم بنيته كذلك قوية لون عينيه بني كثير الحركة مثل القرد وهو جديد في وظيفته هوايته المفضلة صفع الإخوة على وجوههم وآذانهم ويجتهد الخبيث في كشف وتوريط الإخوة ليبلغ أسياده كي ينال قربهم ورضاهم .


أبو سليم : دينه نصيري ( قرد) قصير حوالي 160 سنتم 37 سنه لونه أشقر من صفاته أنه يحب التعذيب والاستهزاء بشكل كبير ويتلذذ بهذا مع السجين مهما كان مستواه العلمي والثقافي والاجتماعي خاصة المثقفين تجده يتفنن في التنكيل بهم وينادي المهندس بالحمار والدكتور بالكلب وهكذا.. وهذا الخبيث يحسب نفسه شيئا وأنه أبو المعارف يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء وهو في الحقيقة أجهل من حمار أبي جهل لا يعرف ولا يفقه شيئا ومن جرائمه سرقة دواء الإخوة المرضى ومن قصصه أن أخاً مصاباً بعدة أمراض منها السكري والقلب وغيرهما كان يأخذ دواءً متنوعاً وكثيراً حين لمح هذا المجرم علب الأدوية قال للأخ ساخراً : عندك صيدلية فشرع يسأله عن كل دواء وما يصلح له وهذا الأخ كان يحقن الأنسولين فرأى المجرم الطريقة التي يحقن بها الأخ نفسه. قال له هذه الطريقة بطيئة وتأخرنا يا حمار, من علمك إياها ؟؟ قال الأخ : إنه الطبيب . فأجابه إنه حمار مثلك وفي الغد سرق له نصف الدواء.


ومنها أيضا أنه مرة أراد أن يسرقنا بالجملة فجاء بخطة قال لنا سأسمح لكم بالحمام لخمس دقائق واشترط علينا أن نخرج عراة إلا من التبان الداخلي فقط وأن لا نحمل معنا شيئا سوى الصابونة وقنينة الماء وهذه كانت منه خطة ليفتش كل شيء ويسرق كل ما يجد لكن بعض الإخوة فطنوا لخطته وخرجوا بالمأزر يخبئون تحته دواءهم وأغراضهم القليلة فلم يسلموا من الجلد والضرب بقسوة بالغة من المجرم وحين رجوعنا للزنزانة وجدنا الملابس والفراش مبعثر ووجدت أن المجرم قد سرق سروالي .


لمن المشتكى ولمن الملجأ ومع من نتكلم هناك . ليس لنا سوى الله والتوسل إليه ورفع أكف الدعاء له …
ومرارا هذا المجرم كان يأمرنا أن نخرج في وضع ركوع من زنازيننا حتى المرحاض وهو يسخر ويضحك ويستهزئ وحسبنا الله ونعم الوكيل.


صادق : 37 سنة طوله 180 سنتم بنيته قوية لكن أصابه الله بمرض الربو وهو مجرم حقود لا يرحم على أقل وأتفه شيء يعذب الأخ ينقص من وقت المرحاض ويتجسس على الشباب وهم في زنازينهم وهو حافي القدمين حتى لا تسمع خشخشة نعله خصوصا إذا سمع الأخ يدعو الله ويذكره ولو في أنفاسه همساً فيخرجه ويقول له أنت تدعو علينا ويجلده ويضربه بطريقة لا تتصور والمجرم من هواياته التي يكثر منها البصق على وجوه الشباب بدون أي ذنب. مرة أحد الإخوة خرج من المرحاض فرأى قطعة خبز مرمية فأماطها فقال له المجرم أنتم تسفكون الدماء وتميطون الخبز عن الطريق. لم يرد عليه الأخ لكنه لم يسلم من الجلد والتعذيب. ومن خصائصه أنه حين يأتي أخ جديد لا يعرف كيف يتصرف ويكون بطيء الحركة من التعذيب والصدمة يعذبه المجرم ويقول له يجب عليك أن تستيقظ فيأمره أن يستحم بقنينة الماء دون خلع ملابسه ويدخل زنزانته على تلك الحالة في أيام شديدة البرد.


أبو سمراء :40 عام تقريبا طوله 156 سنتم بدين الجسم أحمر اللون هذا المجرم يريد فقط أن يمر دوامه بسلام و دون مشاكل وهذه نعمة من الله على الإخوة فهم يتنفسون الصعداء عند حضوره وصديقه في الدوام أبو محمد شأنه شأن أبو سمراء لا يفترقان عقلية واحدة تفكير واحد حتى العمر والطول والشكل..


سؤال : ذكرت حالات مرضية هل يمكن أن تحدثنا عن بعضها بشيء من التفصيل وعن العلاج والتطبيب هناك في فرع فلسطين؟؟؟


بالنسبة لهذا الأمر فإنني سأتحدث عن نفسي أولا فأذني لحد الساعة لا أسمع بها من كثرة الصفع عليها وحدث فيها تعفن خطير ولست الوحيد من يعاني هذا فكل السجناء هناك يعانون من تعفن الأذن الذي يسبب آلاماً فظيعة في كل الرأس ويحرم من النوم وسأحكي فقط عن الممر الذي كنت أنزل فيه وهو يتكون من ست منفردات من بين 48 منفردة .


في إحدى المنفردات كان طالب علم سوري من أبناء مدينة اللاذقية السورية والذي على جانبي الآخر هو أخ من قادة المجاهدين في مدينة الموصل اسمه أبو محمد الزوبيلي كل الشباب هناك مصابون بالحساسية الجلدية (الجرب) وشقيقة الرأس بسبب كثرة الصراخ الذي لا يتوقف هناك ليل نهار وبسبب الوحشية والهمجية وكذلك من الأرق والإرهاق وتعفن جراح التعذيب وأوجاع الأسنان وآلام المعدة لسوء التغدية والأمعاء واللوزتين والعنق وأمراض الصدر الخطيرة والزكام المستمر فلا يخلو يوم ولا ساعة ولا لحظة من الأنين والألم .
أما القمل هناك فلا أستطيع وصفه ووصف المعاناة بسببه فهذه الحشرة الصغيرة لم أعرف حقيقتها إلا هناك فوالله إن البطانية يزيد وزنها ويتضاعف من كثرة القمل الساكن فيها وكنت أعري ساقي وأكشط بأظافري وفي كل كشطة أنزع 15 حتى 20 قملة وقد غزا جسدي ومص دمي وكاد يصيبني بالجنون وفي إحدى الليالي كنت أصرخ بأعلى صوتي من الألم وشدة الحك بسبب الحساسية الجلدية التي تسبب لي فيها ولا من ينقذ أو يجيب فقد فتحوا البوابة وأخرجوني للتعذيب حتى لا أنادي وأصرخ مرة أخرى وكلما طالبت العلاج سخروا وقالوا لي هذا عادي ليس بك شيء غدا ستكون في أحسن حال ولم أتوصل طيلة الشهور التي بقيت هناك ولو بحبة دواء أسبرين كان أحد جيران زنزانتي كنيته أبو محمد فلسطيني الأصل وأمه سورية يقطن مع أهله في مدينة دمشق تهمته المشاركة في عملية تفجير هذا السجن الخبيث “فرع فلسطين” التي حدثت سنة 2008 وشقيقه هو البطل المجاهد أبو صالح استشهد في بلاد الرافدين سنة 2007 بعدما أرق الأمريكان وكلابهم . هذا الأخ لا يتوقفون عن تعذيبه ما نزل عليه من العذاب لو نزل على جبل لهده وزنزانته الانفرادية تقع في أول الممر وهو أول واحد يتعرض منا للخطر لأنه يكون في الحراسة عندما نريد أن نكلم بعضنا البعض وبسبب التعذيب الفظيع فإن هذا الأخ قد أصيب بعدة أمراض مستعصية وخطيرة مرة في أيام البرد الشديد اكتشفه المجرم المسمى رمضان وهو يسمع سورة قرآنية من جاره ليحفظها ( وهذه هي طريقة الحفظ هناك إضافة لما هو مكتوب على الجدران من كتاب الله) فما أن يأتوا بأخ جديد وتسمح الظروف حتى يسارع الإخوة لسؤاله عما يحفظه من القرآن حتى نأخذه منه سماعا فتسمع الأخ من آخر الممر ينادي بصوت هامس يا إخوة اسألوه هل يحفظ سورة كذا اسألوه عن سورة كذا وكذا ؟؟؟ هذا الأخ الفلسطيني بعدما كشفه المجرم هو وصديقه كانت الساعة الثانية بعد الزوال تقريبا فتركهما حتى منتصف الليل ثم أخرجهما عراة بدون ملابس والبرد جد قارس حينها إلى الحمام وشرع يصب عليهما الماء المثلج ويجلدهما بالكرباج حتى كادت أطرافهم تتجمد من البرد وعند عودتهما إلى الزنزانة لم يستطع الأخ الثاني أن يتوقف عن البكاء فأمره المجرم بالسكوت فلم يستطع فأخذ ملابسه فبللها بالماء ثم رماها إليه وأغلق عليه باب الزنزانة كأن شيئا لم يقع والأخ الفلسطيني رغم شجاعته وصلابته وثباته فقد أصيب بسبب التعذيب بعدة أمراض منها الربو الذي يخنقه حتى تكاد أنفاسه تنقطع ولا من يهتم لحاله بل يسخرون منه ويقولون عنه أنه يمثل فقط حتى سمعنا اختناقه وآلامه في ليلة من الليالي فلا ندري أين أخذوه وهل فارق الحياة أم ماذا جرى له ؟؟؟ نفس الشيء مع صديقه وهو رجل كبير السن ونحيف الجسم كنا نقول بعد كل ليلة لا ننام بسبب أنينه وعذابه بسبب آلام قرحة المعدة أنها آخر ليلة له في هذه الحياة لكن لا من يهتم له. الطبيب المجرم السارق عندهم له حقيبة فيها بعض المسكنات الرخيصة ولا يعطيها إلا لمن تجاوز الأربع والخمس سنوات في ذلك المكان .


كل السجناء يعانون الأمراض هناك وآثار ذلك رأيتها حين ترحيلي ففي مطار دولة عربية توقفت بها الطائرة للتغيير (ترانزيت) لم أعد أتحمل الوقوف من تعب السفر فقدموا لي بعض الإسعافات الأولية حين ذاك عرفت أن وزني قد أصبح 49 بعدما كان 76 كيلو غرام فذهل الجميع من هذا الأمر حتى سمعت مسئولا أمنياً في هذا المطار يقول لصاحبه هؤلاء النصيرية كلاب وأنجس من اليهود بعدما علم من أين قدمت . الإنسان يموت هناك كالحشرة لا يساوي شيئا .ولا حول ولا قوة إلا بالله .


المجرم هاني : لا يرتاح ويشغل باله ووقته في توريط الإخوة واكتشاف طرق جديدة لتعذيبهم والتضييق عليهم أكثر ومن خبثه أنه إذا سمع سجينان يتكلمان يعذبهما وجيرانهما لأنهم لم يبلغوا عنهم حتى الذي كان نائم ساعتها يعذبه . وكذلك ما يختص به هذا المجرم هو أنه يوزع الفطور في منتصف الليل وهو الوحيد الذي يفعل هذا الأمر فحين يكون الإخوة في نوم وسبات يشرع في السب والصراخ لتوزيع الطعام وإفزاعهم وإيقاظهم من النوم .وفي الصباح لا تأخذ شيئا حتى الساعة الثانية بعد الظهر وهي وجبة الغداء.


المجرم : أسعد هو نائب المدير وأحيانا يقوم بدور السجان هذا هو الذي عذبني في الأسبوع الأول حين رفضت إخباره عمن كان يتكلم مع صاحبه من جيراني . عمره 42 سنة وطوله 180 سنتم دينه نصيري ( قرد) بدين الجسم خفيف الشعر من الأمام.


المجرم : حسين رئيس مجموعة سجانين ، 20 سنة عمل وتعذيب للموحدين عمره 48 تقريبا بدين الجسم قصير القامة أصلع الشعر صوته خشن , هذا المجرم لا يفارقه السوط كأنه مغروس في يده ملتصق بها لا ينزعه أبدا .


المجرم علي: عمره حوالي 32 سنة وطوله 176 دينه سنتم نصيري (قرد) قوي البنية هوايته تشديد المراقبة عند المرحاض وتعذيب الشباب هناك . أسنانه متضررة بشكل كبير بسبب التدخين يضرب ويسب دين الإخوة عند المرحاض بدون سبب , وأذكر أنه عذب أخا حتى كاد يموت بسبب إضرابه عن الأكل.


سؤال : ما نوعية الطعام هناك ؟؟؟


الجواب : حين اعتقلوني لم أذق الطعام لمدة ثلاثة أيام وطريقته هي كالتالي : في الصباح يوزعون كأس صغير ليس له من الشاي إلا الاسم فقط وخمس حبات زيتون طعمه شديد المرارة وملعقة صغيرة من المربى يصيح المجرم بسخرية ( خرج كوبك تأخذ لحسه) وببيضة في الأسبوع وثلاث رغائف رقيقة كل 24 ساعة حين تتركها لمدة خمس دقائق فقط تصبح مثل صفيحة قصدير، أما وجبة الغداء فهي حبة بطاطس واحدة صغيرة وحبة طماطم صغيرة وكوب صغير من البرغل هذا هو نظام التغذية هناك وكما سبق وقلت: كل الأسرى هناك وبدون مبالغة ، وأؤكد الكل مصاب بأمراض المعدة والأمعاء المختلفة.


سؤال : ما هي الجنسيات المتواجدة هناك ؟؟؟


تجتمع في “فرع فلسطين” كل الجنسيات العربية وغيرها وخاصة الفلسطينية لأن الفلسطيني على الخصوص لا أحد يطالب به لا حكومة عباس ولا حكومة هنية، فالفلسطينيون يبقون هناك إلى أن يشاء الله ومنهم من زال موجوداً هناك منذ 5 سنوات وكذلك الحال من قبل مع اللبنانيين والسعوديين فمنهم من لم يتمكن من إخبار سفارة بلاده أو أسرته إلا عن طريق سجين مسفر أو حارس برشوة كبيرة، وإلا فسيظل هناك ولا يسأل عنه أحد كالإخوة العراقيين والأفغان والفلسطينيين طبعاً. وكذلك هناك إخوة مهاجرون من الأردن واليمن وتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان وغيرها من البلاد الأخرى .


سؤال : أذكر لنا قصصا بقيت عالقة في ذاكرتك ولن تنساها؟؟؟


كثيرة والله ومما يحضرني الآن قصة شخص فلسطيني ينتمي للحركة الشعبية لتحرير فلسطين لم نعرف مخالفته ماهي . ألقوه في الانفرادية ولضعف إيمانه أول يوم بدأ ينشد الأشعار والأناشيد العلمانية ويتغنى بحركته وثورتها واسترجاع القدس وغير ذلك … بعد أيام صار يصرخ ويستغيث بالمخلوق من قادة فصيله وينادي بأسمائهم ضل هكذا ونحن ننصحه ونحاول التخفيف عنه حتى صار يصيح بالعامية اللهجة الشامية ( حطخ خرجوني من هون حطخ … حطخ ….) يعني سأجن سأجن كان يصيح هكذا ليل نهار لأزيد من شهر حتى جن جنونه وأخرجوه وملابسه قذرة تمتلئ بالبراز والبول ورائحته جد منتنة ولا ندري أين أخذوه بعدها .


ومرة أخذوني للتحقيق وسمعت صوت امرأة تبكي وتنتحب وتصيح أخرجوني من هنا أخرجوني ويجيبها المحقق ستخرجين بعد أسبوعين اسكتي وهو يسبها وعلمت أن هناك نساء ينجبن أي يضعن مواليدهن في الزنازين وأزواجهن معهن في نفس السجن ولا يسمح لهم برؤية أولادهم. فهنا حين يتهم الشخص يعتقلون كامل أسرته . وقد حكي أن أخاً قد اعتقلت زوجته معه وأنجبت هناك بعد شهر من أسرهما ولم يسمحوا له برؤية ابنه حتى كان يصرخ ويذكر قصص كفار قريش وكيف كانوا يتعاملون مع الأسير والنساء والأطفال وكان بجواره جاسوس يكتب على الجدار كل ما يتلفظ به الأخ ولما سمع المحقق بهذا الأمر سمحوا له برؤية ابنه في مكتب المحقق لدقائق فقط مع العلم أن هذا السجن لا توجد فيه موظفات، فكل الموظفين ذكور.


وكذلك بلغني هناك أن الشيخ أبو مصعب السوري – فك الله أسره – قد مرَّ من هناك بعدما سلمته أمريكا للنصيريين وهذا بعد عناء طويل وتنقل مستمر في السجون السرية الأمريكية وقد بقي هناك إلى أن جاءت قضية فتح الإسلام وبعد اعتقال الشيخ شاكر العبسي –فك الله أسره – وقيام الإخوة بعملية استشهادية على هذا السجن تم ترحيل الشيخين لمكان مجهول وهناك قادة ومشايخ آخرون لا أذكر أسماءهم في سجون النصيرية.


وهناك أخ شاب مرة جاؤوا به وكنا نناديه ولا يسمعنا لأنهم أخذوه بعد اعتقاله لغرفة مظلمة وعذبوه عذابا فظيعا حتى سال الدم من أذنيه وثقبت طبلتها وحين أدخلوه المنفردة لم يكن يعرف الشهر ولا اليوم هذا ولا حتى أوقات الصلاة من شدة العذاب وجسده وملابسه ممتلئة بالبول والغائط وعمر هذا الشاب لا يتجاوز العشرين سنة وكانت تهمته هي الانتماء لفتح الإسلام وقد جلدوه حتى تمزق جلد ظهره ونزف دماً وأيضا أرغم على الوقوف 32 ساعة حتى انفجرت قدماه دماً ونزعت أظافرها وبقي المسكين لأسابيع مقيد اليدين للخلف ومغمض العينين وكل يوم يذوق فيه العذاب ولا أدري هل مات أم لا يزال على قيد الحياة.


وهناك أيضا شاب أفغاني عمره 19سنة اعتقلوه وهو في طريقه للعراق لنصرة إخوانه ومنذ 2005 وهو هناك في عزلة انفرادية وسبحان الله هذا الأخ ثباته غريب ونادر فهو لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمتين اثنين : “إن الفرج قريب” وكلما حاولنا التواصل معه لا يعرف إجابة سوى هاتين الكلمتين وثباته وتحمله ما شاء الله نسأل الله أن يعجل فرجه, وقد حولوه مرة للمهجع وهي أمنية كل أسير في الانفرادية هناك على ما فيها من زحام وعذاب لكنه يهون أمام الانفرادي لكنه طالب الرجوع للعزلة وسط ذهول واستغراب الجميع وهذا بسبب بعض المنكرات الموجودة في المهاجع لأنها تضم كل القضايا كالتدخين والكلام القبيح وغيره ….


السائل : هل من كلمة أخيرة قبل ختم هذا الحوار؟؟؟


كلمتي للمسلمين في كل مكان عامة ولعلمائهم ومجاهديهم طليعة الأمة بصفة خاصة . هذه رسالة من إخوانكم في سجون النصيرية كُلفت أمانة تبليغها لكم، فانظروا ما أنتم فاعلون



اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت …اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت… اللهم فاشهد




اغتيال إرث عبد الرحمن منيف

بيروت
نوال العلي

“هل عبد الرحمن منيف لا أحد؟”، تطرح زوجته سعاد قوادري، على حسابها في “فيسبوك”، هذا السؤال المؤلم، مستنكرة “لكونه لا يحمل جنسية أي بلد، هل هو لا أحد؟”. نفهم من قراءة ثلاثة إعلانات صادمة كتبتها قوادري أن تساؤلها يأتي إثر تعرّض مكتبة صاحب “مدن الملح” للسرقة والتشويه والإتلاف بصور مختلفة.

وهي تقف الآن وقد أُسقط في يدها لتعرف إن كان منيف (1933 – 2004)، الذي عاش غريب بلادٍ، فيما صارت كتبه موطناً للقرّاء، سيجد من يدافع عن مكتبته الـ”غنية بكتبها القديمة والتي تتجاوز الخمسة عشر ألف كتاب، بينها الموسوعات والقواميس والحوليّات والدوريات… والتي تعود لبداية القرن، بما تضم من تراث عربي أصيل وكتب عن حضارة المنطقة، وكتب تعتبر بحد ذاتها وثائق نادرة، والطبعات الأولى لكتب لم يُعَد طبعها”، وفق وصفها.

تتّهم قوادري، بشكل صريح، أمين سر الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، حمزة برقاوي، وابنه سامي، بـ”تدمير وإتلاف وتشويه” المكتبة. وروت في التفاصيل، مبادرتها باستضافة الابن سامي برقاوي إثر تعرّض بيته في منطقة حرستا في ريف دمشق للقصف، كنوع من تقديم المأوى والمساعدة.

“حاولت استرجاع المنهوبات بوساطات قبل نشر القضية”

تقول قوادري: “ارتكبت الخطأ الكبير الذي سيؤلمني ما حييت، العمل الذي تسبب في ضياع ونهب تراث عبد الرحمن منيف ومكتبته، الخطأ المريع الذي لن يمحى من ذاكرتي وكياني. إنني بدافع إنساني استضفت في هذا البيت ابن العائلة التي كنت أظن أنه يستحق المساعدة عندما تعرض بيته للإصابة في المواجهات […] أقام سامي حمزة برقاوي مع زوجته رندة عبد الكريم، في حين أساء الأمانة […] اشتركت عائلة حمزة برقاوي وزوجته ماجدة شاكر بالسطو على المكتبة وكامل تراث الروائي عبد الرحمن منيف”.

وفي اتصال مع “العربي الجديد”، تروي قوادري التفاصيل: “كنت أستعد للسفر لزيارة أبنائي في أميركا ودبي، حين تعرّض منزل سامي للقصف، وهم أصدقاء لنا، فقلت لا بأس أن يجلسوا في البيت لحين عودتي، من دون أي مقابل بالطبع”.

وتبيّن أنها كانت قد وضعت المخطوطات المهمة والثمينة في خزنة، لكن برقاوي طلب منها المفاتيح قبل أن تغادر بحجّة أن الأمن قد يمرّ في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، أو قد يتعرض المكان لأي شيء ومن الأفضل أن تظل المفاتيح معه، وهنا تبكّت نفسها معتبرة أن الأمر كان ضرباً من الغباء منها.

وتخبر قوادري “العربي الجديد”: “عدت بعد قرابة تسعة أشهر. كان كل شيء مهملاً، واعتقدت أن حالة المكتبة التي يرثى لها نتيجة الإهمال فقط. كنت ممتعضة جداً، ولأن الوقت كان شتاءً لم أقم بترتيبها. البيت كبير ومرّ وقت قبل أن أبدأ بترتيبها واكتشاف ما حدث”.

وفي تفاصيل إعلانها على “فيسبوك”، تستهجن كيف استطاع برقاوي تصوير محتويات المكتبة الضخمة. وعن ذلك، تقول لـ”العربي الجديد”: “لقد عرفت أن هذا الأمر مكلف جداً، لذلك لا أعتقد أنه جهد أفراد”، مضيفة: “لقد تأكدت أن البرقاوي من قام بذلك، لأن اسمه كان مكتوباً على من أرسل له الكتب لإعادة التغليف بعد إتلافها، وقد نسي أن يزيل اسمه. كما أنني كنت أضع في بداية كل يوميات عدد صفحاتها، وقد وجدت أن كثيراً من الدفاتر التي كانت في خمسين صفحة أصبحت ثلاثين، وأنا قلقة الآن لأنه اجتزأ من يوميات منيف مخافة أن يقوم بالتشويه فيها بالزيادة عليها مثلاً”.

 

ليس هذا فقط، بل إنه “انتهك الحقوق الفكرية لكتبه ورواياته الخاصة، فصوّر وتصرف كما يحلو له للمتاجرة. يخلع الغلاف غير مبالٍ بما يتعرض له، ويفتح ملازم ويصوّر ثم يعيد لمّه بطريقة بدائية”، مضيفةً أنه قام بـ”وضع صور مشوهة مكان النسخ الأصلية لبعض الكتب وأخذ الأصل. فتركت مكتبة عبد الرحمن حزينة قذرة ومشوّهة”.

أما الرسائل بين منيف وأصدقائه والتي كانت قوادري قد فرزتها وأعدتها للنشر، فقد سرقت هي الأخرى، إضافة إلى يومياته الخاصة التي كانت نشرت بعضاً منها وكانت ستنشر ما تبقى على التوالي، وكذلك “سرقت أوراقه الخاصة وكل المدونات، وتخطيطات ورسوم عائدة له ولبعض رسامين كبار رسموا على دفاتره أحياناً. والمريع سرقة مخطوطات لم تنشر بعد”. وبدايات لروايات، كما أضافت لنا، لم يكملها منيف.

لكن لماذا انتظرت قوادري كل هذه الشهور حتى تعلن ما حدث؟ تجيب بأنها أرسلت وساطات من المثقفين والأصدقاء بهدف تسوية الأمر، ولكن برقاوي الابن أنكر وزعم أنها اخترعت الأمر كلّه، ثم قيل لها “إن الأمر لا يستأهل كل هذا”. وعن اللجوء إلى القضاء، تبيّن “لقد تحدثت إلى محام فعلاً وقال لي إن سرقة مكتبة والشأن الثقافي برمته في ظل ظروف الحرب الآن هو أمر مهمّش، ولا يعتقد أن اللجوء إلى القضاء سيكون مجدياً”.

“العربي الجديد” اتصلت بسامي برقاوي الذي قال “ليس لدينا ما نقوله سوى أن ما ورد في بيان القوادري محض افتراء وأكاذيب وعار من الصحة”. وأضاف “لقد أقمت في منزلها تسعة شهور بطلب منها بحكم العلاقة التي تربط العائلتين والتي تمتد ﻷكثر من 50 عاماً والتي فسرت موقفها لاحقاً بأنه بدافع من الشفقة”.

ولدى السؤال عن تفسيره لهذا “الافتراء” إذا كانت تربط العائلتين صداقة عميقة إلى هذا الحد، أجاب برقاوي: “لا ندري من هي الجهة التي دفعتها لذلك” مستنكراً: “هل يعقل بأن سرقة كبيرة بهذا الحجم تكتشف بعد سنة كاملة (غادر برقاوي المنزل في 4/3/2014)، سنة كاملة كفيلة بأن تلفق ما تريد. هي تتكلم عن سرقة وإتلاف ما يزيد عن 15000 كتاب، من يتعرض لسرقة من هذا النوع لا يمكنه الانتظار يوماً واحداً، سيتصرف بسرعة باللجوء إلى القضاء. ما لجأت إليه منذ البداية هو الرغبة في التشهير واﻹساءة؛ بدأت بي وانتهت بوالدي وعائلتي. نحن كعائلة لا ندري السبب الحقيقي، التفسير الوحيد أنها تود بناء مجد لها من خلال اسم زوجها على حساب سمعة اﻷخرين”.

المصدر:العربي الجديد

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

  ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الجزء الأول

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

أدب السجون الوجه والواجهة

ملخص حول رواية” سراب بري “

تتناول الرواية حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد ، في جزءين و38 فصلا .
كما تتناول بعض لمحات من أحداث الربيع العربي، الذي مزّق سطوة الطغاة، رغم فداحة الخراب وعظمة التضحيات..
تدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال . دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة ، والمجتمع الذي تتناوله .
عامر عبدالله ، كاتب وصحافي ، يتم اعتقاله من الشارع ، وسط النهار، لأسباب سياسية ، ليتعرض بعدها لشتى أنواع التعذيب والقهر ، على يد المحققين ، ثم يخضع لمحاكمة صورية غير عادلة ، ليجد نفسه وسط المجرمين الجنائيين كعقوبة مضاعفة ، يقضيها في عذابات الحرمان من الحرية والأسرة والعدالة ..وغيرها . إضافة إلى أساليب القهر المادية والمعنوية ، التي يستخدمها السجان ، مثل الانتهاكات البشعة لآدمية السجين ، وحالات القهر والاغتصاب والجنون ، التي يتعرضون لها في المعتقلات والسجون .
يظل عامر عبدالله الشخصية المحورية ، وفي كل فصل ثمة شخصيات يضيفها إلى الحدث الروائي ، لتسرد صورة من الحياة المرّة والمهينة التي يعيشها السجين ، في ظل القهر والاستبداد من جهة ، والجهل والمرض والرذيلة من جهة ثانية .
يرى المؤلف هذا العمل ، شهادة حية على تجربة عاشها خلف القضبان ، كتبها داخل الأسوار ، ونجح في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية خاصة سوريا وليبيا..

   إلى الحوار……….

1
ماذا يمثل أدب السجون لكم؟؟
ثمة مسألتان في هذا السياق، أجد من المهم الإشارة إليهما في معرض إبداء رأيي، أو وجهة نظري حيال أدب السجون، وما يمكن ان يمثله بالنسبة إليّ، أو بمعنى آخر، كيف أنظر إليه.
من الناحية الإبداعية، فإن أدب السجون هو واحد من اشكال التعبير ، ويمكن ان يكون منتميا إلى احد الأجناس الادبية السائدة، من رواية، او نص شعري، نثر، او مذكرات، وغير ذلك، وقد يكون مزيجاً بين جنسين أدبيين أو أكثر، تبعاً لأسلوب الكاتب، وضرورات الكتابة احيانا. وبالتالي، فإن النظرة إليه، تأخذ جانباً نقدياً ومعرفيا متصلاً بالقيمة الأدبية والجمالية للنص الأدبي، أياً كان جنسه، وأسلوبه، وصيغته، وموضوعه. متخيّلاً كان أم واقعياً.
يحيلنا ذلك، الى المسألة الثانية، والمتصلة بمحتوى الكتابة وجوهرها. فأدب السجون يعدّ اليوم – في العالم العربي – من الموضوعات الرئيسة التي ينشغل بها عدد من الكتّاب المهتمين ، او الذين لديهم إبداعات في هذا المجال الأدبي، وهم قلّة، غير ان لكتاباتهم تأثيراً مهماً في الحياة الثقافية العربية. ويغطي هذا الاتجاه الأدبي، او يهتم بجانب مهم القضايا الجوهرية المتصلة بالنضال السياسي والاجتماعي من أجل الحريات والحقوق، في مجتمعاتنا العربية، التي تعاني من سطوة الإستبداد، والحرمان من الحريات، ومصادرة الحقوق.
يكشف أدب السجون عن المعاناة الإنسانية الكبيرة، التي يتعرض لها المعتقلون، عبر ممارسات السلطة الوحشية، في القمع، ونشر الخوف والرعب في المجتمع، كما يكشف عن تجارب حيّة او حقيقية، عاشها الكاتب، أو عاشها أبطال عمله الأدبي، كالرواية مثلا.
ما ينبغي الإشارة إليه، إلى أن ادب السجون، هو تجربة إبداعية، فيها من الواقع، ومن الصدق في استعادة التجربة وتصوّرها، وانعكاس الألم، ونقل لحقيقة الأحداث، ما يتفوق على أي متخيل، يمكن للمرء ان يتصوره، لشدّة اتصاله بنقل وقائع الألم الى حيز التعبير الأدبي، وهذه مسألة ينبغى الإلتفات إليها، في دراسة أدب السجون، ومقاربته نقدياً.


2


كروائي ابدع في الكتابة عن ادب السجون ماذا اردت ان تقدم من خلال روايتكم الموسومة سراب بري كأديب ومعتقل سياسي سابق؟؟؟
بلا شك، أردت أن أقدم تجربتي في الإعتقال والسجن، كمساهمة مني ككاتب وصحافي عاش تلك التجربة المرّة، وتأسيساً على اهمية دور الكاتب في أن يكشف الممارسات السلطوية الممنهجة في قمع المجتمعات، وفي قهرها، وفي محاولة إذلالها، بسبب التعبير عن رأي ثقافي او فكري، او بسبب موقفٍ أو انتماء سياسي، هو حقٌ أصيل لكل فرد في المجتمع. ساهمت كثير من الأعمال الأدبية روائية ام سيرية، ام شعرية، في رصد أوجه الألم والمعاناة التي يعيشها المعتقل، وأسرته، ومجتمعه المحلي الصغير. وهو ما يُعدّ مهمة امام الكاتب في الانحياز للناس، والتزامه بقضية الحريات، وفي تعرية الأنظمة القمعية وأدوات استبدادها.


من هنا، فإن روايتي ” سراب بري ” والتي كتبتُ فيها جزءاً يسيراً من تجربتي، وهي تتناول حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد. وتدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال، دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة، والمجتمع الذي تتناوله .


هذا العمل – بالنسبة لي – هو شهادة حية على تجربة عشتها خلف القضبان ، كتبتها داخل الأسوار ، ونجحت في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، دون استثناء، وهي جميعها تتشابه في ذلك، وتتعاون في تبادل خبرات القمع والقهر والتعذيب.


3


بعيد ثورات الربيع العربي.. كثر الحديث عن نهاية ادب السجون وبداية
ادب الحرية ولكن لم يدم التفاؤل طويلا اذ شهدنا ولادة جديدة لادب السجون ربما لا تزال صفحاته لم تكتب بعد أو انها ماتزال حبيسة المعتقلات والسجون
برأيكم هل يمكن لادب السجون ان ينتهي ومتى وكيف
الأدب، هو حالة مستمرة بصورة عامة، طالما ان الحياة فوق هذه الأرض قائمة، وأدب السجون هو أحد صور الإبداع الأدبي. أفهم المقصد من سؤالك، عما إذا كنا سنشهد يوماً نتوقف فيه عن الكتابة في الموضوعات السجنية، وان نحتفي بالحرية ، على سبيل الأمل. لا أعتقد اننا سنشهد يوماً كهذا، طالما هناك معتقل رأي واحد على وجه الأرض. خاصة بالنسبة لنا في العالم العربي. وطالما هناك آلام واوجاع نجمت عن ذلك، وأن هناك فاشيون مستبدون. الكتابة هي شكل من أشكال النضال من اجل الحرية، ومن أجل التذكير الدائم بأولئك الذين ما يزالون وراء الأسوار، يتعرضون للتعذيب، والحرمان، ويستشهدون تحت التعذيب، دون ان يعلم بهم أحد، حتى ذوويهم.


الربيع العربي، انبثق من قلب معاناة الشعوب، من اوجاعها، ومن توقها وعطشها التاريخي الى الحرية. سوف يبقى بشارة امل وخير في تاريخنا، وسوف تخلده الأعمال الأدبية. ومن وجهة نظري، سوف تشهد الرواية العربية، والإبداع العربي، مزيدا من الكتابة في استلهام قضية الحرية. صحيح أن الربيع العربي، تم الانقلاب عليه، وتطويقة، غير ان ما تغير، قد تغير، لم يعد مكاناً للخوف، تطور الوعي الجمعي بأهمية الحرية، سوف يبقى دلالة للمضي قدماً. لن تتمكن اعتى ديكتاتوريات القمع ان تعود الى تكميم الأفواه ومنع حرية التعبير. لقد تجاوزنا ذلك، ضحى شبابنا بأرواحهم من أجل ذلكن ومن اجل المستقبل.
الكتابة هي واحدة من ادوات الوعي، والنهوض به، سوى انه يعزز الذائقة الجمالية، لكنه أيضاً يغذي توقنا الدائم للتعبير عما نشعر بهن وعما نريده. وعن رأينا في كل شئ من حولنا.
النهوض الثوري محاصر، والكتّاب مضطهدون بصورة او بأخرى، والكتابة تتعرض للخنق أيضاً، عبر رقابة وسائل الإعلام، وعبر منع النشر، أو الحدّ منه، وعبر منع توزيع الكتب، ومنها كتب أدب السجون، بشكل خاص.
ما يزال هناك الكثير والكثير، لم يدوّن بعد في ادب السجون. لم اكتب انا سوى الشئ اليسير، ماتزال جروحي عميقة، واتطلع لكتابة ما استطيع في ادب السجون. لكل سجين رأي، قصة ورواية، يجب أن تنقل الى الناس. يجب ان يتعرف المجتمع الى القتلة، السجانون والى قادتهم السياسيين والأمنيين، الذين يرتكبون جرائم فظيعة بحق الإنسانية.


4


هل نحن بالفعل في منعطف أقسى من كافة ما مر في منعطفات السجون التي أبرزت لنا كل ما تزخر به مكتبة الأدب مما كتب في ادب السجون ؟؟؟؟
عالمنا العربي، لديه تاريخ غني، في السجون والمعتقلات السياسية، وفي مايجري داخل أقبيتها وزنزاناتها، خاصة في القرن العشرين، الى اليوم في العشرية الثالثة من القرن الواحد والعشرين. لدينا رصيد كبير من كتب أدب السجون، خاصة في الرواية، والتي تناولت السجن السياسي، بسبب الاحتلال الأجنبي، في مصر، حيث تعد رواية ” وراء القضبان” اول رواية عربية في ادب السجون صدرت عام 1949 للكاتب أحمد حسين. وكذلك الروايات التي تناولت العسف والاضطهاد والاحتلال، والأسر في فلسطين.
لكن الجزء الاكبر من ادب السجون، يتناول تجربة الاعتقال والقمع والقهر من قبل الأنظمة الوطنية، خاصة بعد الاستقلال. وتعد العراق وسوريا والمغرب، اكبر وأهم منتج لأدب السجون اليوم.


5
ما الفروق في رأيكم بين ادب السجون في الماضي والحاضر مع العلم ان ادب السجون حسب ما عبرتم كان من زمن سحيق بل في صدر الإسلام وضربتم مثلا بسجن الحطيئة وما جرى من قصته مع عمر بن الخطاب
ما يعلق بالذاكرة الجماعية ان اتصل الحديث عن ادب السيجون هو القمع والقهر والتعذيب
كيف ترى ادب السجون في العهد الإسلامي الأول وما تلاه في العصور الاموية والعباسية، وواقعنا الراهن…؟؟؟
تاريخياً، يُعدّ كتاب ” عزاء الفلسفة ” للمفكر الإيطالي أنيكيوس بوئيثيوس ، من أقدم الكتب المعروفة في أدب السجون، كتب داخل السجن، قبل ان يُعدم مؤلفه عام 524 م.
أما فيما يتصل بالعهد الإسلامي، لم أجد في الحقيقة، ما يمكن اعتباره أدب سجون، وفق حدود اطلاعي ومعرفتي. لكننا نتذكر قصائد الشاعر أبي فراس الحمداني في الأسر، وهي ماتعرف بالروميات، وأهمها ” أراك عصيّ الدمع “.
غير انه يتوجب الإشارة، الى حوادث كثيرة في العهد الإسلامي، إبان الدولتين الاموية، والعباسية، وبصورة خاصة الأخيرة، بشأن ما يمكن تسميته – وفقاً لمصطلحات اليوم – باضطهاد المفكرين والكتّاب، والفلاسفة، خاصة اولئك الذين اختلفت آراؤهم مع خلفاء المسلمين، والولاة ، او اصحاب المذاهب، في قضايا مختلفة، مثال ابن رشد والمعري، والطبري، وجابر بن حيّان، وابن جبير، وغيرهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يتعرض أحد منهم الى السجن بصورة مباشرة، ومن تمّ سجنه، قتل، وبالتالي لم يتمكن من كتابة المحنة التي مرّ بها.
إلاّ ان القرن العشرين، شهد انتقالاً مهما،ً لجهة اضطهاد الكتّاب والمفكرين، في العالم الإسلامي ( العربي خاصة) ، وتمت ملاحقتهم من دول الإحتلال، ثم لاحقاً من الدول الوطنية المستبدة، وبذلك، ظهر ادب السجون في المنطقة العربية، وتعاظمت محنة الكتّاب والمفكرين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، الذين تعرضوا للملاحقة الامنية والاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية، وبدأ أدب السجون بالنمو بصورة كبيرة.
في واقعنا الراهن، يُعتبر أدب السجون، واحدة من أهم ملامح الإبداع الأدبي العربي. وقد أبدع كتّاب عرب كثيرون روايات، ونصوص أدبية مهمة في أدب السجون، قلّ نظيره في العالم المعاصر اليوم، في دول أخرى من العالم. لقد أنتجت التجارب المريرة والقاسية، أدباً عظيماً، هو أدب السجون.

يتبع في الجزء الثاني

مناقشة هادئة مع من بيده الملفات الخاصة مجموعة أطلس إسني نموذجا ؟؟؟؟ الجزء الأول بقلم زكرياء بوغرارة

مناقشة هادئة مع من بيده الملفات الخاصة

مجموعة أطلس إسني نموذجا

28 سنة سجنا … الى أين ؟؟؟؟

الجزء الأول

بقلم زكرياء بوغرارة

+++++++++++++

لاتزال ملفات مجموعة معتقلي أطلس أسني معلّقة منذ عقود.. وكان جديرا بمن يهمهم الأمر على الأقل حلحلت الملفات بإخراج المعتقلين من ظلمات الإعدامات والمؤبدات عقب وفاة الحسن الثاني … إذ تحسب هذه الملفات على مرحلة حكمه التي شهدت الكثير من الإعتقالات والسجون والمعتقلات سرية وعلانية لم يجد بعد انكشاف هول إنتهاكاتها غضاضة في تدشين منعطف العفو عن معظمهم سنوات قبل رحيله سواء بفعل الضغط الحقوفي الذي لاحق مرحلة ما سمي بسنوات الجمر والرصاص أو افتضاح المعتقلات السرية التي كانت رائجة في عهده..

لكن شيئا من هذا لم يحدث وتم إستثناء هذه المجموعة المعروفة إعلاميا من أي عفو .. أسوة بالملفات المماثلة لهم التي شمل عناصرها العفو على دفعات وفترات…

منعطفات ومحطات

عام 1999 وعند وفاة الحسن الثاني ومع بداية العهد الجديد تم اصدار عفو عن عدد من المعتقلين الإسلاميين ممن تم إستثناؤهم في عفو 1994م

وكان من ضمنهم بعض من ذوي المحكوميات بالاعدام

وظل الاستثناء … معمولا به إذ تم الإبقاء على مجموعات أخرى في السجون….

عام 2004م ومع انطلاق -ماسمي حينها- بالإنصاف والمصالحة تم اطلاق سراح معظم من تم استثناؤهم عامي 94 و99 من المعتقلين الإسلاميين و بقي الاستثناء شاملا لمجموعة معتقلي العدل والإحسان ومجموعة اطلس اسني الأقدم على الإطلاق في السجون المغربية

وفتحت أبواب السجون لمن تبقى من المجموعات الإسلامية ومجموعة حسن إغيري { التيار الرسالي}

وظل بعض معتقلي حركة المجاهدين -لايتجاوز- عددهم وقتها الاثنين او الثلاثة .. من بينهم الأخ عبد الوهاب النابت الذي خرج من السجن تقريبا بعد إتمام مدة محكوميته…..بعد أن قضى 18 سنة من أصل 20سنة

الواجهة الجديدة

مع بداية فتح السجون لاستقبال التيار السلفي الجهادي عقب تفجيرات الدار البيضاء 2003م تم إغلاق ملف مجموعة أطلس إسني تماما وأعيد ترحيلهم من عزلتهم في سجن سلا إلى حي الإعدام بالسجن المركزي القنيطرة

وبعد أن فتح باب العفو لمعتقلي السلفية الجهادية من العام 2005م الى مشارف العام الحالي … لم يستفد معتقلو مجموعة اطلس إسني إلا في عفو جزئي أنهى محكوميات الإعدام ليظل حالهم كما هو في متاهة السجن التي لا يكاد يبين له أفق محدد أو نهاية محتملة …..

إنها الحقيقة وليست مبالغة فمما لاشك فيه أن المعتقلين رضوان حمادي وسعيد إستيفان أيت يدر من مجموعة أطلس أسني هما الآن الأقدم على الإطلاق ضمن المعتقلين الإسلاميين والسياسيين في المغرب..

وهما أيضا الأكثر حظا في التعذيب الذي طالهما أثناء مرحلة الاعتقال والاستنطاق في أجواء مشحونة للغاية العام 1994م يكفي التأمل في الصور المنشورة لهما في تلك المرحلة للوقوف على ذلم و لإدراك مدى ما أصابهما من التعذيب الرهيب …

ثم في مرحلة السجن نالهما الحظ الأوفر والأكبر والأقسى على الإطلاق من العنت والتعذيب المادي والجسدي والعزل والتغريب وانعدام الزيارة والإنقطاع عن الأهل ….

غربة في المكان واللسان

وقد ظلا في السجون 28 سنة دونما غطاء حقوقي يواكب معاناتهما سواء من المنظمات الحقوقية في الداخل أوالخارج علمانية وإسلامية…

انتهاكات

بعيد إعتقالهما ومحاكمتهما في ظروف الاستثناء في التسعينيات من القرن الماضي تم ترحيلهما معا إلى السجن المركزي القنيطرة ولحي الإعدام على وجه التحديد بينما كان المعتقلون الإسلاميون في حي -دال- بالسجن المركزي القنيطرة الشاسع والقليل العدد اذ كان يتواجد فيه أقل من عشرين معتقلا

ولعدم إلحاقهما بمهاجع المعتقلين الإسلاميين قصص وغصص واعتبارات واصطفافات وحسابات

وقد ظلا سنوات يخوضان إضرابات طاحنة من اجل تحقيق مطلب الالحاق بمهاجع المعتقلين الإسلاميين بلا جدوى

أما غربة اللسان فهما لايتقنان العربية ولغتهمات الحوارية هي الفرنسية – ففي فرنسا كانت الولادة والنشأة- وازادهما البعد عن الاهل انقطاعهما بالعالم خارج السجن كان من نتائجه تراكم غبار النسيان على قضيتهم مافتئ أن تحول غبار النسيان إلى كثبان من رمال انهالت عليهما معا فدفنتهما وهما احياء…..

رحم الله القائل عن مثل حالهما في عتمات السجون

خَرَجنا مِنَ الدُنيا وَنَحنُ مِنَ اَهلِها

خَرَجنا مِنَ الدُنيا وَنَحنُ مِنَ اَهلِها

فَلَسنا مِنَ الأَمواتِ فيها وَلا الأَحيا

إِذا دَخَلَ السَجّانُ يَوماً لِحاجَةٍ

عَجِبنا وَقُلنا جاءَ هَذا مِنَ الدُنيا

وَنَفرَحُ بِالرُؤيا فَجُلُّ حَديثِنا

إِذا نَحنُ أَصبَحنا الحَديثُ عَنِ الرُؤيا

فَإِن حَسُنَت كانَت بَطيئاً مَجيئُها

وَإِن قَبُحَت لَم تَنتَظِر وَأَتَت سَعيا

محطات سجنية

بعد سنتين تقريبا من مكوثهما في حي الاعدم بالسجن المركزي تم إختلاق حادثة نشرت الصحف في التسعينيات من القرن الماضي بعض شذراتها التي كانت تبدو أوهن وأهون من بيت العنكبوت ومفادها أنهما حاولا القيام بعملية فرار من السجن المركزي العتيد ولحسابات سجنية تم ترحيلهما معا إلى السجن المحلي الزاكي بسلا في عزلة دامت قرابة 14 سنة حسب ما ما تسرب عنهما … وقتذاك

عزلة شاملة كاملة لأزيد من عقد لم ترفع إلا بعد سنوات من اعتقالات 16ماي ..2003م اضطرت فيها إدارة السجون لفك زنار الحصار والعزل عنهما واعادتهما سويا لحي الإعدام بالسجن المركزي القنيطرة …..

ولم يختلف الوضع في شيء الا في أسماء الأمكنة .. اما العزل فظلت جداراته عالية هائلة في الضخامة

يتبع ….

جدران العزلة مع سن قلم”.. لماذا يجب أن نقرأ في أدب السجون؟

لا نعرف تحديدا متى ظهر مفهوم السجن في تاريخ البشر، لكن يبدو وكأنه أينما ظهرت الحضارة الإنسانية ظهرت معها مفاهيم السجن والحرمان من الحرية بوصفها عقوبة. أقدم الإشارات التي وصلتنا عن عقوبة السجن تعود للحضارة الفرعونية وبلاد ما وراء النهرين، وكانت السجون في ذلك الوقت تقبع تحت الأرض، حيث يقضي المذنبون عقوباتهم حتى تنتهي حياتهم بالعبودية أو الإعدام.

ويبدو أن انتزاع الحرية وانقباض الظلمة على الروح في السجون قد ارتبط برغبة دائمة في التسجيل والتدوين والحكي، حيث يتسرَّب الزمن في السجن، وتتبدَّى الأيام متشابهة بلا فارق، لتصبح الكتابة وكأنها الوسيلة الأخيرة للتشبُّث بالزمن ومقاومة العزلة. وفي أحيان أخرى تصبح وسيلة لفضح ما يجري من انتهاكات غير إنسانية خلف جدران بُنيت كي ينسى العالم مَن احتُجِزوا خلفها، لتصبح الكتابة محاولة أخيرة لمقاومة النسيان.

ولعل واحدا من أوائل الكتب التي يمكن إدراجها تحت مظلة أدب السجون هو كتاب “عزاء الفلسفة”، الذي كتبه السياسي والمفكر أنيكيوس بوئثيوس خلال فترة السجن التي سبقت تنفيذ حكم إعدامه عام 524م، وقد ترجم الكتاب إلى العربية عادل مصطفى.

كان أنيكيوس مانليوس سيڤيرينوس بوئثيوس واحدا من أهم رجال الحكم في إيطاليا، تقلَّد الكثير من المناصب، فعمل رئيسا لمستشاري البلاط، وكبير مسؤولي المحكمة، وقائد حرس القصر، وقنصلا وعضوا في مجلس الشيوخ. لكن سطوع نجمه لم يدُم، إذ سُجن عام 523م بتهمة الخيانة بأمر من الملك ثيودوريك الكبير، وفي الأشهر القليلة التي قضاها خلف القضبان بانتظار لحظة إعدامه خطَّ كتابه الأشهر على الإطلاق “عزاء الفلسفة” الذي كان واحدا من أهم الأعمال في العصور الوسطى، وقد تناول فيه العديد من المسائل الفلسفية التي شغلت الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، حيث يصف ظهور امرأة جليلة في سجنه، ما نلبث أن ندرك أنها تُمثِّل تجسيدا للفلسفة التي تأتي لزيارته ومواساته. ومن خلال هذا التجسُّد يستعرض العديد من التساؤلات والأفكار والمسائل الفلسفية الكبرى.

عرف الأدب عموما، وفي جميع الثقافات واللغات تقريبا، كتابات يمكن إدراجها تحت بند أدب السجون، لكن المنطقة العربية تشهد غزارة في هذا النوع، في ظل أنظمة سلطوية تُحكِم قبضتها على رقاب الجميع، ومع احتشاد السجون العربية في مختلف الأزمنة بالمعارضين للسلطة نتج عن ذلك غزارة الأعمال الأدبية التي تتناول تجربة السجن. ولا تنتمي تلك الأعمال للعصر الحديث فقط، بل يمكننا إيجاد العديد من الإشارات للسجن والأسر حتى في نصوص صادرة في مختلف عصور الدولة الإسلامية. ربما يكون أحد أهم الأعمال الأدبية وأولها التي تناولت تجربة السجن في القرن الأخير هي رواية “وراء القضبان” للكاتب والسياسي المصري ومؤسس حزب “مصر الفتاة” أحمد حسين التي صدرت عام 1949.

“سيطول الانتظار أيها المسافر، ستموت قبل أن تسمع الكلمات التي تنتظرها، شاطئ المتوسط الشرقي لا يلد إلا المسوخ والجراء… وأنت تنتظر الخيول والسيوف! سيظل ذاك الشاطئ يقذف كل يوم عشرات الجراء، مئات الجراء، وحتى لو وصلت أعدادهم إلى الآلاف فستظل جراء تعوي في السراديب أو تموت في المزابل لأنها تريد ذلك”.

(عبد الرحمن منيف)

دعنا الآن نبدأ في عرض مجموعة من أهم الأعمال في أدب السجون، ولنبدأ برواية يعتبرها الكثيرون الرواية العربية المؤسِّسة لأدب السجون. نُشرت رواية “شرق المتوسط” في السبعينيات، وتناول فيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس في سجن لم يُحدَّد موقعه، لكننا نفهم من السياق أنه يقع في دولة عربية في “شرق المتوسط”، لتتسع المأساة شاملة كل سجون الشرق الأوسط تقريبا.

طالب جامعي شاب، من بين آلاف الطلبة العرب الذين قبعوا ولا يزالون حتى اليوم خلف قضبان السجون العربية، يتعرَّض للسجن والتعذيب على مدار 5 خمس سنوات تحطَّمت فيها روحه. لكن السجن الحقيقي في رواية منيف لم يكن سجن الجدران قدر ما كان سجن لحظة الضعف التي نالت منه وحرَّرته من سجن الجسد، لتُسقطه إلى الأبد في سجن ضميره.

التعليق من السقف، إطفاء السجائر في الجسد وموت الأم تحت ضربات الجنود، سلسلة من الأحداث الموجعة المُصمَّمة لكسر الروح والإرادة، التي تنتهي باللحظة التي يوقِّع فيها على ورقة الاعتراف وخيانة مبادئه، أخرج هذا التوقيع جسده من خلف أسوار السجن، لكنه حبس روحه للأبد في سجن طويل ومُمتد لا ينتهي إلا بالموت.

تلك العتمة الباهرة

تلك العتمة الباهرة

الرواية مُستلهَمة من التجربة الواقعية لعزيز بنبين، الذي اعتُقل لمدة عشرين عاما قضى منها ثمانية عشر عاما في سجن تزمامرت المغربي الواقع على ارتفاع 2000 متر فوق منحدرات جبال أطلس، بعد اتهامه وزملائه بمحاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني عام 1971.

على لسان عزيز بنبين، يصف الروائي الطاهر بن جلون زنزانة سجن تزمامرت بأنها أشبه بقبر، طولها 3 أمتار وعرضها متر ونصف، ويتراوح ارتفاع السقف بين 150-160 سنتيمترا بحيث لا يتمكَّن السجين من الوقوف مُنتصبا داخلها، ويروي كيف يقضي السجين اليوم داخلها يأكل ويشرب ويقضي حاجته ولا يرى الضوء أبدا.

يصف الكاتب الأهوال التي تعرَّض لها المساجين، المرض والطعام غير الآدمي، والعقارب التي يتعمَّد مأمور السجن نشرها للتخلُّص من المساجين وقتلهم واحدا تلو الآخر. وقد سُجن في هذه القضية ثمانية وعشرون شخصا دخلوا إلى السجن ولم يخرج منهم أحياء سوى أربعة فقط، يصف الكاتب كذلك كيف أصبح موت أحدهم ودفنه هو فرصته الوحيدة للخروج إلى الشمس.

تأتي واحدة من أكثر اللحظات إيلاما بعد خروج الراوي من السجن عندما أتت لحظة تمكَّن فيها للمرة الأولى بعد مرور 20 عاما من رؤية وجهه في المرآة، فيقول: “وللمرة الأولى منذ ثمانية عشر عاما أقفُ قبالة صورتي، أغمضت عيني، أحسست بالخوف. خفت من عينيّ الزائغتين، من تلك النظرة التي أفلتت بمشقة من الموت، من ذلك الوجه الذي شاخ وفقد سيماء إنسانيته”.

القوقعة: يوميات متلصص

القوقعة يوميات متلصص

الرواية تدور حول شاب درس السينما في فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقِل في المطار ليقضى ثلاثة عشر عاما من عمره في سجن تدمر الصحراوي الذي اشتهر بفداحة وسائل التعذيب خلف جدرانه، وذلك بتهمة العمل مع جماعة إسلامية رغم كونه شابا مسيحيا. تعرض الرواية تفاصيل التعذيب في سجون النظام السوري في ذلك الوقت، ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.

يروي البطل كيف انحبس في عزلة مضاعفة بعد أن عرف زملاؤه في السجن أنه مسيحي، فتجنَّبوه داخل المعتقل، معتقدين أنه جاسوس للنظام أو ﻹدارة السجن، وهو ما يجعله ينسحب إلى داخل قوقعة داخلية، ويتلصَّص من داخلها على ما يدور حوله، لكن المؤلم أن هذه القوقعة تبدو وكأنها التصقت به حتى بعد خروجه من السجن، حيث لم يستطع استعادة تواصله مع الآخرين ومع العالم خارج سجنه، لتُفرَض عليه عزلة لا تنتهي أبدا داخل قوقعته، يسترق من خلفها النظر إلى العالم دون أن يشتبك معه. يُذكر أن الكاتب قد تعرَّض لتجربة الاعتقال بالفعل عند عودته من الخارج على خلفية تقرير كتبه أحد زملائه في فرنسا، وقد أشار إلى أن الرواية مزيج بين تجربته الشخصية وتجربة أحد أصدقائه.

أعمال صنع الله إبراهيم

تعرَّض الكاتب صنع الله إبراهيم للسجن في عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، حيث حُكم عليه بالسجن سبع سنوات على خلفية اتهامه بالانتماء للحزب الشيوعي، وذلك ضمن حملة اعتقالات واسعة جرت في أواخر الخمسينيات وشملت العديد من وجوه النخبة الفكرية في ذلك الوقت، ومن بينهم عبد الحكيم قاسم، ويوسف إدريس، وشهدي عطية، وسامي خشبة، ومحمود أمين العالم، ولويس عوض، وغيرهم، وقد سجَّل أغلبهم تجربته في السجن، ما أثمر غزارة في الإنتاج الأدبي الذي يتتبع تجربة السجون المصرية في تلك الفترة.

يصف الكاتب المصري صنع الله إبراهيم السجن بأنه جامعته، وقد ظهر تأثير تجربة السجن جليا في العديد من أعماله الأدبية، بداية من روايته الأولى “تلك الرائحة”، ومرورا برواية “شرف”، وحتى كتابه “يوميات الواحات”.

تلك الرائحة و قصص أخرى لصنع الله إبراهيم

في مقدمة هذه الأعمال المجموعة القصصية الشهيرة “تلك الرائحة وقصص أخرى”، نُشرت المجموعة عام 1966، وصودرت في العام نفسه، وصدرت منها طبعات أخرى ناقصة، بعدما حُذفت منها بعض المقاطع، ولم تنشر كاملة مرة أخرى حتى عام 1986، أي بعد مرور نحو 20 عاما على النشر الأول. كان صنع الله إبراهيم قد أعاد اكتشاف نفسه في السجن، حيث اعتاد تسجيل يومياته وممارسة الترجمة والكتابة، وهو ما استمر في فعله بعد الخروج من السجن. تضم المجموعة أيضا قصص “الثعبان” و”أرسين لوبين” و”أغاني المساء” التي خطَّها الكاتب في سجن المحاريق في الواحات الخارجية عندما كان معتقلا.

تدور القصة الرئيسية التي حملت المجموعة عنوانها “تلك الرائحة” حول يوميات الكاتب بعد خروجه من السجن حينما كان خاضعا للرقابة القضائية التي تستلزم وجوده في المنزل من غروب الشمس حتى شروقها، وقد جاء فيها قوله: “لماذا يتعيَّن علينا عندما نكتب ألا نتحدَّث إلا عن جمال الزهور وروعة عبقها بينما الخراء يملأ الشوارع ومياه الصرف تغطي الأرض، والجميع يشمون الرائحة النتنة ويشتكون منها؟”.

شرف

شرف لصنع الله ابراهيم

الرواية المنشورة عام 1997 لا تدور أحداثها هذه المرة حول السجون السياسية، فبطلها أشرف، أو “شرف” كما اعتادت أمه تدليله، يُسجَن بسبب دفاعه عن نفسه ضد محاولة أحد السائحين الأجانب انتهاكه جنسيا. يدخل شرف إلى السجن وتبدأ الرواية في تسليط الضوء على أوضاع السجون الجنائية، وما يحدث فيها. كما يتناول الكاتب صنع الله إبراهيم بأسلوبه التوثيقي الأثير الجرائم التي ترتكبها شركات الأدوية تجاه شعوب دول العالم الثالث، وكيف تتحكَّم في رؤوس أموال الدول وتُحوِّل مواطنيها إلى حقول تجارب، وهي حقائق يكشفها عبر مذكرات سجين آخر هو الدكتور رمزي. وعلى الرغم من أن تهمة البطل هنا ليست سياسية، فإن السجون يبدو وكأنها تتشابه بشكل أو آخر في البؤس الذي تنزله بأصحابها.

يوميات الواحات

يوميات الواحة صنع الله ابراهيم

في عام 2003، طلبت إحدى المجلات من الكاتب صنع الله إبراهيم الكتابة عن العوامل التي ساهمت في تكوينه الأدبي، فقرَّر اختيار بعض اليوميات التي كان يكتبها في السجن لنشرها في المجلة، ومن هنا جاءت فكرة إعادة تجميع اليوميات ونشرها، حيث وجد الكاتب أنها قد تكون مفيدة في إلقاء الضوء على أحداث تلك الفترة، وكذلك على ظروف تكوينه بوصفه كاتبا، وهو ما حدث بالفعل حيث نُشرت “يوميات الواحات” عام 2005.

في القسم الأول من الكتاب الذي حمل عنوان “مدخل”، استعرض الكاتب أحداث نشأته وعلاقته بأسرته وبدايات اهتمامه بالقضايا السياسية والعمل السياسي المنظم بعد التحاقه بتنظيم “حدتو”، وهي الأحرف الأولى من “الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني”، أما الجزء الثاني فهو اليوميات التي كتبها خلال فترة اعتقاله في سجن الواحات، وقد كُتبت هذه اليوميات في شذرات على أوراق لف السجائر، وخُبِّئت وهُرِّبت خارج السجن، ومن خلالها تمكَّن القارئ من التعرُّف إلى بواكير تكوين صنع الله إبراهيم، وكيف استطاع استكشاف هويته كاتبا خلال فترة السجن، حيث بدأ في كتابة فصول من روايات لم تُنشر، وقصص قصيرة، وترجمة بعض الأعمال الأدبية والنقدية، إضافة إلى تسجيله أعمال التعذيب الوحشية التي تعرَّض لها المعتقلون السياسيون في ذلك الوقت، وكيف أدَّت إحدى حوادث التعذيب إلى مقتل المناضل البارز في ذلك الوقت “شهدي عطية”.

بعد العديد من المواجهات بين المعتقلين وإدارة السجن ورضوخ الإدارة لبعض متطلباتهم، تحسَّنت الأمور بعض الشيء، فسُمِح بدخول الكتب والجرائد وعمل ما يشبه المسرح، وقد قرَّر المعتقلون إقامة معرض للكتب الصادرة داخل السجن، وشارك صنع الله إبراهيم بترجمة جانب من مذكرات الشاعر الروسي يفتوشنكو، إضافة إلى مساهمته مع عبد العظيم أنيس في ترجمة دراسة عن همنغواي.

مذكراتي في سجن النساء

مذكراتي في سجن النسا نوال السعداوي

“لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات، لكنه قد يموت من الانتظار، الانتظار يُحوِّل الزمن إلى اللا زمن، والشيء إلى اللا شيء، والمعنى إلى اللا معنى”.

(نوال السعداوي)

في السادس من سبتمبر/أيلول عام 1981، أُلقي القبض على الطبيبة المصرية الراحلة نوال السعداوي، حيث اقتحمت قوات الأمن منزلها واقتادتها إلى سجن القناطر لتلتقي بمجموعة كبيرة من الناشطات اللاتي أُلقي القبض عليهن في موجة اعتقالات واسعة عقب ما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في الشهور الأخيرة من حكمه.

صوَّرت الكاتبة واقع السجن، وكيف تدبَّرت أمرها بين جدرانه كي تقاوم ظروف الحبس السيئة، وكيف كانت تكتب داخل السجن على أوراق المحارم الورقية أو أوراق لف السجائر، ولم تتوقف السعداوي عند تسليط الضوء على تجربة السجن السياسي، لكنها تُسلِّط الضوء أيضا على قصص بعض السجينات من غير السياسيات.

حرز مكمكم

حرز مكمكم أحمد ناجي

هذا الكتاب يختلف تماما عن أدب السجون المعروف، فطبقا للكاتب أحمد ناجي فإن “غالبية كتابات أدب السجون العربية سُجن أصحابها بسبب نشاطهم السياسي، وبالتالي فالسجن هنا استمرار للنضال السياسي. إنه يحافظ على عقله من الجنون، وعلى روحه من التعفُّن من أجل مستقبل أفضل يصنعه مع حزبه أو جماعته حينما يخرج”.

في عام 2016، فجَّر الحكم على الكاتب المصري أحمد ناجي بالسجن لمدة عامين موجات واسعة من الغضب في الأوساط الأدبية والصحفية، وجاءت تهمة أحمد ناجي “خدش الحياء العام” بسبب نشر فصل من روايته “استخدام الحياة” في جريدة أخبار الأدب المصرية. قضى أحمد ناجي عاما في السجن قبل أن تُوقف محكمة النقض الحكم ويُفرج عنه، لتُعاد محاكمته ويُعاقب بالغرامة.

يختلف الكتاب بالفعل عن جميع كتب أدب السجون، فهو يُركِّز على التجربة الذاتية للكاتب، دون تحميلها أي مضامين سياسية أو أيديولوجية، التهمة هنا هي اللغة، يقبض الكاتب على لغته، ويلاعبها ويشتبك معها ومع أفكار مختلفة ومتنوعة حول القراءة والكتابة داخل السجن، التي تتخذ أبعادا أخرى عنها خارج السجن.

فكما يصفها ناجي، تصبح القراءة والكتابة بمنزلة طوق نجاة للجميع، حتى هؤلاء الذين لم يلقوا لها بالا قبل دخول السجن، كونها واحدة من الوسائل النادرة لتزجية الوقت الثقيل خلف الأسوار. يُسجِّل الكاتب أيضا أحلامه وشذرات يومية عن تجربة السجن وعلاقته بالمسجونين، ووسائل النجاة التي اتخذها للبقاء والنجاة خلف الجدران.

تصف هذه الروايات، بأقلام مختلفة، ومن زوايا متباينة، طبيعة الحياة داخل السجن، وما تفعله الأسوار بنفوس القابعين في الظلام داخلها، وكيف تظل تحبس أنفسهم حتى بعد خروجهم إلى عالم النور. هي تخبرنا أيضا، بأوضح الطرق الممكنة، أن السجن هو أقسى العقوبات التي تفتَّقت عنها قريحة البشر، وأنه ما من بريء يستحق أن تُسلب روحه في ذلك العالم المظلم من أجل رأي مخالف أو كلمة حق، أو لحظة خالصة من التمرُّد على الطغيان والظلم.

المصدر : الجزيرة

كلمة في تأبين المعتقل الإسلامي السابق احمد شهيد بعد رحيله بقلم عبد الله العماري

كلمة في تأبين المعتقل الإسلامي السابق أحمد شهيد بعد رحيله

بقلم الأستاذ :عبد الله العماري

توفي أخونا ورفيقنا في محنة سجون زمن الجمر، أحمد شهيد، لا بل أقول إنه لم يمت، إنه استشهد وارتقى إلى الرفيق الأعلى يشكو لربه المنتقم الجبار ظلم العباد، يشكو لربه حكمين ظالمين بالإعدام مرتين، يشكو لربه ربع قرن من الاعتقال السياسي والتطواف على سجون المغرب، بدء بالمعتقل السري درب م الشريف، ومرورا بزنازن الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة.

عبد الله العماري

ومرض السرطان الخبيث الذي داهمه فجأة، وعطل جهازه الهضمي، و حرمه نعمة الأكل ثمانين يوما، ثمانون يوما عاشها الشهيد يتضور من عذابات الجوع والأرق والألم، السرطان الخبيث الذي دمر أحشاءه كان نتيجة حتمية لعشرات الإضرابات عن الطعام التي خاضها الشهيد طيلة ال 25 سنة في السجون وهو يقاتل بأمعاءه الفارغة من أجل كرامتة كرامة المعتقل السياسي ومن أجل حقوقه المشروعة حقوق المعتقل السياسي، والسرطان الخبيث الذي فتت كبده وطواياه كان نتيجة طبيعية لمئات من المصادمات والمواجهات التي كان ينافح فيها الشهيد بغيظه ضد أهواء السجان والجلاد.

ألم يكن هذا الترحال العمري القاسي بأهواله طريقا إلى تلك الميتة المعذبة، ميتة الإستشهاد.

ليس هذا فحسب، بل إن الشهيد استشهد مرتين، في المرة الثانية قتله الضمير الميت لمتعهدي مهنة الضمير، مهنة الطب .

نعم إن الموت قضاء وقدر وأجل مسمى وكتاب إلهي لا استئخار فيه ولا استقدام، ولكن الطب ذي الضمير الحي والرسالة السامية وظيفته أن ينقذ بني البشر من العذاب ومن الخطر الداهم المقدور عليه.

هذا الطب وأهله ورجاله، ياسادة كرام، كانوا يرون الشهيد يتعذب جوعا، ويستغيث بهم أن يغلبوه على هذا الجوع، ويخلصوه من هذا العجز والتعطل الذي اعترى جهازه الهضمي، فلم يعد يقبل مضغة طعام واحدة، وكانوا في البداية يعدونه بقدرتهم على ذلك، ويعدونه بإجراء عملية على معدته، ثم بعد ذلك بدأ مسلسل الكذب والتسويف ثم التعذيب النفسي بالإعراض والتخلي دون جواب مقنع، والشهيد يتقطع يوما بيوم من الداخل، دون أن يستطيع ويطيق رشفة شيء ولو مرة واحدة سوى رشفات مرتجفة من الماء باستثقال ومرارة، ومرت أيام ماقبل رمضان، ثم رمضان بطوله ثم شوال بعرضه، وبقي الشهيد عاضا على جوعه وآلامه بأسنانه، وبقي متعهدوه من أهل الطب سادرون في نعيم غفلتهم وإعراضهم عن فعل شيء للإنقاذ أو النصح بشيء للإسعاف، فهل يعجز الطب عن هكذا أزمات ، ثم ياللبشاعة يخضعونه للعلاج الكيماوي وهم يعلمون أن الرجل لايأكل ولا يطعم ومن ثم فلا طاقة له على الكيماوي، ولا مناعة له.

ليس ذلك فحسب، بل إن أيوب الشهيد صاح ملء السماء، لقد حمل آخر ماتبقى معه من جهد، وجمع آخر ماتبقى منه من أعصاب ومن كلمات متضعضعة بالكاد ينطقها، وربط الاتصالات الهاتفية من هنا وهناك، ونظم لقاء مصورا في قناة بلانكا بريس، كان من أعماقه يريد أن يرسل صرخة مرموزة ولو خافتة ومبهمة إلى من يهمه الأمر من رفاقه الحقوقيين، المناضلين السياسيين سابقا، في المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، كي يبادروا إلى فعل شيء يضمن العناية الطبية، ولكن هذا المنتدى، والشهيد عضو من أعضاءه، صم آذانه كأن لم يسمع، وأعمى أعينه كأن لم يرى، ولم ينبس حتى بكلمة إنسانية فضلا عن كلمة عزاء، فما أيتم الإنسانية وماأكذب شعآرات النضال في زمن البهتان والنكران.

والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ويالهذا المجلس، الذي أسس زمن رجال المصالحة والإنصاف، وتأسست معه الوظيفة الكبرى له: رعاية ضحايا الانتهاكات الجسيمة، فقد كان الشهيد يستصرخه من خلال ماصوره من برنامج، ولكن لا حياة لمن تنادي، بالرغم من أن بنزكري وحرزني والرويسي والوديع كانوا جميعا من رعاة ومتعهدي الشهيد في الدفاع عنه حتئ الإفراج عنه سنة 2008.

رحمك الله أخي الشهيد وألحقك بالأنبياء والشهداء والصالحين،وبكت عليك السماء والأرض لما تغافلتك أعين اللئام، وأبدلك الله الملأ الأعظم الأكرم خيرا مما في الأرض جميعا، وعوضك الله بعمر السجون خلودا في الفردوس الأعلى، وجعل الثمانين يوما من عذاب الجوع والألم والأنين والأرق وعذاب ذوي الضمير الميت، جعلها لك طهارة وشفاعة وقربات عند من له الفضل والعدل والعفو. أمين.

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

 بقلم زكرياء بوغرارة

 مشرف موقع ادب السجون

إنها الأخوة في الله حين تزهر وتونع وتورق وتثمر أعظم نعمة من الباري سبحانه وتعالى جل وعلا..يقول حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلمأخلاءُ الرخاءِ همُ كثيرٌ * وَلكنْ في البَلاءِ هُمُ قَلِيلُفلا يغرركَ خلة ُ من تؤاخي * فما لك عندَ نائبَة خليلُوكُلُّ أخٍ يقولُ : أنا وَفيٌّ * ولكنْ ليسَ يفعَلُ ما يَقُولُسوى خلّ لهُ حسبٌ ودينٌ * فذاكَ لما يقولُ هو الفعولُانها الاخوة الصادقة .. ولاتبرز في مكان بروزها في المحن والبلاءات

شدني الشوق لرجل عرفته في السجن كان كلما فتحت ابواب منفرداتنا ونحن في عزلة السجن المركزي القنيطرة الا وهرول نحو منفردتي مبتسما باشّا ينتظر الحارس لفتح قبوي تفتح الباب فيعانقني بود كأنما كانت بيننا غيبة السنوات وليس الساعات ويجرني من يدي في رفق وحب الى منفردته لأتناول معه الغداء أو أحتسي الشاي ونتبادل سويا اطراف حديث ذو شجون .. عرفته في كل حالاته رقيق القلب لازلت اذكر يوم وصلنا خبر غير مؤكد عن وفاة الشيخ محمد الفزازي الأب وجدته حزينا يكفكف دمعه مكثت ارقبه وهو يمنع دمعه حتى هوت دمعات وقال لي لقد كان اخي وصاحب ودي…. واثنى عليه جميل الثناءوذات يوم دخلت منفردته ووجدته يمسح دمعه فسألته فكتم عني ولم ازل ألحّ عليه حتى قال لي يا ولدي جائني الاخ فلان … واخبرني عن حال زوجته وأبناءه بعد قدومه من الزيارة فبكيت لما اصاب المسلمات من الضيق …

وان أمكث اذكر ذكرياتي معه ما كففت لكنها الذكرى …انه الشيخ شيبة الحمد شعيب أرقيبة.. ما سرني شيء في هذا العيد مثل خبر الافراج عنه بعد قرابةالعشرين سنة من السجون والمعتقلات كانت تغص بالابتلاءات الثقيلة… اتصلت به اليوم مهنئا له.. فلم أجد تلك العاطفة الاخوية الا في قمة وهجها وذلك اللسان الحلو الطيب يقطر حلاوة وطلاوة لاتمل وجدته رغم كرور سنوات الابتلاء حاضر الذهن .. عميق الثبات صادق المشاعر حاتمي الكرم… ودودا طيبا خلوقا نعمت بتواصلي معه شيئا يسيرا من الزمنفلله أنت ايها الشيخ المبارك الصابر المحتسب… كنت تقول لنا ونحن في السجن سأخرج عندما يأذن الله ويعفو … وكان خروجه من السجن فضلا ومنة من الله تعالى ….. من حيث لايدري…فقدت بصرك في العتمات وتقدم بك العمر فيه فبشراك بما قدمت من غير منّ بل بصبر وقرة عين…ان احيا ماحييت فلن انساك وان تقول لي ذات يوم في حديث دار بينناأَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاما تذوقت معانيها الرائقة الا في تلك العتمة….آن ل ايها الشيح ان ترتاح بعد طول رحلة الى الله كانت بداياتها مزهرة ونهاياتها مثمرة.. ليست نهايات بل بدايات جديدة مع الله تعالى اطال الله في عمرك وبارك في ذريتك وعقبك ..وجعل ما قدمته من نفسك وما اصابك من بلاءات في السجون في مزيان حسناتكقال الإمام إبن القيم رحمه الله :” كُلَّ مُصِيبَةٍ دُونَ مُصِيبَةِ الدِّينِ فَهَيِّنَةٌ ، وَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ نِعْمَةٌ ، وَالْمُصِيبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُصِيبَةُ الدِّينِ” .[ مدارج السالكين – ٣٠٦/١ ]بتلك العزمة التي لم تزل متوهجة عرفتك ولاتزال …..

بدايات أدب السجون تحت أعواد المشانق..يوليوس فوتشيك

رائد الحواري
يعتبر هذا الكتاب من أوائل الأعمال الأدبية الإنسانية التي تحدثت عن الاعتقال السياسي عالميا، وقد أخذ في الانتشار عندما عملت الأحزاب الشيوعية العربية والعالمية على تدريسه لأعضائها، وبدون شك أنه كتاب يستحق التوقف عنده، لما فيه من مواقف إنسانية قبل أن تكون حزبية، ومن هنا تكمن أهمية الكتاب، فهو يتجاوز مكان الأحداث جمهورية التشيك ليصل إلى كل إنسان يواجه ويحارب الاحتلال والحرب والقهر.

هناك هدف لأي الكتاب وهدف كتاب “تحت أعواد المشانق” يتمثل في هذه المسألة: ” أريد أن يعرف كل الناس أن ليس هناك أبطلا مجهولين قد صنعوا التاريخ، كانوا بشرا، لهم اسماء ووجوه، ورغبات وآمال، … أريد ان يكون كل هؤلاء قريبين منكم دائما كأناس عرفتموهم جيدا، كأعضاء في أسرتكم، كأنهم أنتم ذاتكم” ص55، تأكيد رائع على إنسانية الشهداء الذي قدموا حياتهم في سبيل حريتنا نحن، في سبيل خلاصنا من ظلم المحتل، وعندما نقوم بهذا الوفاء فأن مردوده/انعكاسه يكون لنا نحن قبل أن يكون للشهداء، لأننا من خلال هذا الوفاء نؤكد على تواصلنا الوطني والقومي والإنساني.
في حالة الاحتلال يفقد العدو كل القيم الإنسانية ويتعامل مع الشعب الخاضع له بل صلافة وعنجهية، فيعمل على اعتقال للأشخاص الوطنيين غير المتفقين معه، من هنا يطال هذا الاعتقال المقاومة الوطنية والسياسية لقوات الاحتلال، فيتم اعتقال كل من لا يكون/يدعم القوات المحتلة، من هنا سيطال أي معارض أو غير متفق مع نهج القوات الغازية، يلخص لنا “يوليوس فوتشيك” عقلية القوات المحتلة بهذه العبارة: “إذا كان العدو قويا ومتوحشا فهو لا يجيد سوى التدمير” ص73، وكأن الكاتب من خلال هذه الفقرة يريدنا أن لا نتوقع من المحتل سوى الخراب والتدمير والقتل، من هنا علينا مواجهته، فلا سبيل للعيش معه أو تحت حرابه.
من المشاهد الإنسانية التي تجعل الكتاب عالمي هذا الموقف: “وحدها زوجتي لم تعرف عني شيئا، كانت وحيدة في زنزانة في الطابق الأسفل، على بعد ثلاث أو أربع زنزانات مني، تعيش فريسة القلق واليأس” ص34، تأكيد من الكاتب على العلاقة الإنسانية التي تجمعه بزوجته، فهو يحمل همها ويتألم لألمها، متجاهلا ما يمر فيه من عذاب جسدي ونفسي.
وهناك مشهد يبين لنا تشبث هؤلاء المعتقلين في الحياة، فهم عشاقها ولم يخلقوا ليموتوا بطريقة غير طبيعية/غير إنسانية، من خلال اعدامهم لأنهم يرفضون ويقاومون المحتل: “لا حياة بدون أغان، كما لا حياة دون شمس، ونحن هنا، بحاجة إلى الغناء أكثر من غيرنا بمرتين، لأن الشمس لا تصل إلينا” ص35، هل يعقل ان يفكر إنسان يخضع لأشرس أنواع التعذيب وينتظر تنفيذ حكم الاعدام بالغناء والشمس؟ بالتأكيد المقصود من وراء هذا المشهد هو اصرار وتشبث الإنسان بالحياة، بالحياة البهية وليس تلك القاسية، وأيضا يقدمنا هذا الكلام من ضرورة تجاوز الألم والقهر والانتقال إلى الحياة وما فيها من هناء، فنحن وجدنا فيها للفرح وليس للشقاء.
من اشكال تجاوز السجن وما فيه من ألم هذا القول: “المساجين والوحشة، لفظتان لا تنفصلان، وهذا خطأ فادح، فالسجين ليس وحده، لأن السجن هو مجموعة كبيرة لا يمكن أن تنتزع منها العزلة الاقسى شخصا أن لم يقص نفسه هو ذاته، وأخوة المضطهدين هنا هي عرضة لضغط يكثفها، يقسها، ويجعلها أيضا أرهف حسا، فهي تحترق الجدران التي تحيا، تتكلم، وتكتب الرسائل، وتعانق زنزانات نفس الرواق المرتبطة بهموم مشتركة” ص49، وكأن الكاتب يؤكد على ضرورة التمسك بالحياة، رغم وقع السجن، فهو يعتبر الحياة أهم وأرقى وضرورة للإنسان، من هنا نجده يقدم هذه الرؤية للحياة متجاوزا الجدران والألم.

أيام في جوار غرفة الاعدام

بقلم أحمد ناصف

بقلم أحمد ناصف

في سجن الاستئناف كنت نزيلاً فترة الامتحانات بجوار غرفة مقصلة الإعدام. سجن الاستئناف يجتمع فيه تنفيذ إعدامات عدة سجون من حول القاهرة. المقصلة يفصلها عني حائط، يمر من أمام باب غرفتي المساقون إلى الموت كل أحد وثلاثاء، عند شروق الشمس، بالبذلة الحمراء والشوال الأسود على رؤوسهم وأيديهم مربوطة من ظهورهم. ليلة الإعدامات يكون هناك نشاط بالطابق مختلف، مسح أرض العنبر بالماء والصابون، بخور يشعل، وشيخ من الأزهر، وسباب وشتائم، وصراخ من الدور الثاني من الأعلى من طابق زنازين الإعدامات،

ومنهم من يتلو القرآن بصوت مفجوع، ومنهم من يجن ويتألم مزلزلاً الأرض، من الموت الذي يموته كل لحظة وهو ينتظر دور المقصلة عليه… في الطابق الأسفل منه مباشرة. المقصلة لا بد من تحقيق تشغيلها، وتجربتها عدة مرات ليلة الإعدام وسط الطقوس. حين تفتح للتجربة وتهوي البوابة يحدث صوت صرير، وقصل، وارتطام جبل من الحديد بآخر، صوت تخرج له الروح فزعاً، وينفطر القلب هلعاً، وتجحظ العين رعباً. هذا الصوت هو نذير يوم أسود على زنازين الإعدام وعلي أنا أيضاً. المساقون إذا هلعوا من الموت وهم على باب المقصلة فإنهم يهرعون على الباب المجاور (باب حجرتي أنا) يطلبون الفرار من الموت، الفتحة التي في الباب رأيت منها رعباً لا يوصف، وكم من مُساق إلى الموت ألقى برعبه كله عليَّ من فتحة الباب: «أنا مش عاوز أموووت». فأموت أنا قبله يدخلون به سحباً وجراً ودفعاً وقرآن يتلى، وتلقين شهادة… وتفتح المقصلة، وينفجر القلب من مكانه من الصوت والصرير والاصطدام، يا ربي في صباح يوم أعدموا ثمانية. يدخل على أقدامه، يخرج جثة، يضعونها جانباً أمام عيني إن نظرت أنا من فتحة بابي. يدخل الثاني والثالث والمقصلة والارتطام والصرير والصراخ والهلع أمامي، والمبنى يهتز، وصراخ من زنازين الإعدام، وقرآن يتلى، وجثث تُرتب جوار بعضها جنباً إلى جنب، والرابع، والخامس، وأفزع للصلاة، وأرفع من السجود، وأجد عيناً من فتحة بابي تجحظ فيَّ، فأنسلخ روحاً من جسد وأصرخ، أحدهم لم يضعوا على رأسه الشوال الأسود، يحدق فيّ، يا ويلي!! ولا أشعر بالصلاة فأرتعش من نظري إليه. ماذا عليَّ أن أقول له؟! كيف أتكلم ونظراته جمَّدتني رعباً. حتى سحبوه من أمامي وسكن المكان قليلاً… ثم وقع الارتطام. الموت هناك أهون من الانتظار.

توصية أميركية بالإفراج عن سعودي معتقل في غوانتانامو

أوصت السلطات الأميركية بالإفراج عن معتقل في سجن غوانتانامو العسكري يشتبه في أنه حاول المشاركة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول وتسليمه للسعودية، وفقاً لوثائق نُشرت الجمعة.

وارتأت لجنة المراجعات في غوانتانامو أن اعتقال السعودي محمد القحطاني “لم يعد ضرورياً” لحماية أمن الولايات المتحدة من “تهديد خطر”. واتُّهم القحطاني بأنه الخاطف العشرون الذي كان يفترض أن يشارك في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.

وأعلنت اللجنة أنه “مؤهل للنقل”، وأوصت بمشاركته في “برنامج إعادة تأهيل” في مركز يستقبل جهاديين سابقين في السعودية لهذه الغاية.

وقالت اللجنة إنها أخذت بالاعتبار “حالة المعتقل النفسية السيئة” و”الدعم الأسري الذي قد يحظى به” و”نوعية” الرعاية التي سيتلقاها في بلاده. كذلك، أوصت باتخاذ إجراءات أمنية بشأنه، بما في ذلك المراقبة وفرض قيود على السفر. وكان محمد القحطاني من أوائل السجناء الذين نُقلوا إلى غوانتانامو في يناير/كانون الثاني 2002.
تقارير دولية
عد عكسي لإغلاق معتقل غوانتنامو: نهاية مؤجلة لحقبة سوداء

وقد وُثِّق التعذيب الذي تعرض له على نطاق واسع. وكان قد وُضع خصوصاً في الحبس الانفرادي لفترة طويلة، وحُرم النوم وتعرّض للإهانة بسبب ديانته. واعترفت سوزان كروفورد، القاضية العسكرية التي ترأست المحاكم الخاصة بغوانتانامو في عام 2009 بأن “القحطاني تعرض للتعذيب”.

وقالت كروفورد: “لهذا السبب” لم يُحَل هذا الملف على المحاكم الخاصة بالمعتقلين في السجن العسكري.

وكان محمد القحطاني قد وصل إلى مطار أورلاندو بولاية فلوريدا في 4 أغسطس/آب2001، لكن سلوكه لفت انتباه ضابط الهجرة الذي ظن أنه كان ينوي البقاء في الولايات المتحدة بصورة غير قانونية، ولم يُسمَح له بدخول الولايات المتحدة ورُحِّل إلى دبي.

وكشف التحقيق في هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي أودت بحياة 3000 شخص، ضلوعه واعتُقل في أفغانستان في ديسمبر/كانون الأول 2001. ووافقت الولايات المتحدة الشهر الماضي على إطلاق سراح خمسة معتقلين.

وينتظر عشرة معتقلين، بينهم العقل المدبر المفترض لهذه الهجمات، خالد شيخ محمد، صدور الحكم في حقهم من قبل لجنة عسكرية. وأنشئ مركز الاعتقال هذا قبل 20 عاماً، في إطار “الحرب على الإرهاب”.

(فرانس برس)