المحرر

ملخص شامل حول سجن صيدنايا (2011-2024): حقائق موثقة وتحليل عميق

مقدمة

سجن صيدنايا، المعروف بسمعته المرعبة، أصبح رمزًا للمعاناة والوحشية في سوريا منذ بداية الأزمة في عام 2011. تشير الإحصائيات والوثائق إلى أن هذا السجن لم يكن مجرد مكان للاعتقال، بل تحول إلى مسرح لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل الممنهج، والإخفاء القسري، والمتاجرة بالأعضاء البشرية. فيما يلي استعراض تفصيلي للمعلومات المتوفرة حول هذا السجن وما يحيط به من شبهات وحقائق مرعبة.

الإحصائيات: أرقام تعكس مأساة إنسانية

  1. عدد المعتقلين:
    • دخل سجن صيدنايا منذ عام 2011 وحتى عام 2024 قرابة 367 ألف معتقل.
  2. عدد المفرج عنهم:
    • خرج فقط 2500 معتقل، أغلبهم من النساء والأطفال.
  3. عدد المفقودين:
    • ما زال مصير 364,500 معتقل مجهولًا حتى اليوم.

نظام المراقبة المتطور: دلالات وشبهات

  1. تقنيات المراقبة:
    • وثائق وفواتير تشير إلى تركيب منظومة مراقبة من الأغلى عالميًا.
    • هذه المنظومة تتميز بدقة عالية وبث حي عبر الإنترنت، مما يثير التساؤلات حول استخدامها.
  2. الشبكة التكنولوجية:
    • عدد كبير من الكاميرات بأعلى تكلفة، بالإضافة إلى سيرفرات ضخمة قادرة على استيعاب تحميل أفلام العالم بأسره.
    • التساؤلات تتزايد حول الغرض الحقيقي من هذا الاستثمار الضخم في المراقبة.

شهادات ووثائق تدعم الشكوك حول السجون السرية

  1. الأرقام المسجلة:
    • آخر سجين تم تسجيل دخوله هو محمد علي جمعة من حمص، قبل تسعة أيام من إعداد هذا التقرير.
    • تحليل الأرقام المسجلة يكشف أن هناك فجوة كبيرة تُقدّر بـ367 ألف رقم بين عام 2011 وآخر دخول مسجل.
  2. السجون السرية:
    • الأدلة تشير إلى وجود سجون سرية مرتبطة بشكل مباشر بسجن صيدنايا، حيث يتم نقل المعتقلين إليها.

الشبكة القذرة: بيع الأعضاء البشرية

  1. المستشفيات المتورطة:
    • هناك شبهات قوية حول تورط مستشفيي المواساة والـ601 في دمشق بعمليات بيع الأعضاء.
    • الوثائق والشهادات تربط هذه العمليات بإدارة السجن.
  2. الضحايا:
    • أغلب الضحايا من المعتقلين الذين لم يتم توثيق خروجهم، مما يزيد من احتمالية تصفيتهم لأغراض المتاجرة بأعضائهم.

الخاتمة: ضرورة المحاسبة والشفافية

تُظهر هذه المعلومات أن سجن صيدنايا ليس مجرد معتقل، بل هو محور شبكة معقدة من الانتهاكات تشمل الإخفاء القسري، والقتل، والمتاجرة بالأعضاء البشرية. إن عدم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم سيؤدي إلى طمس الحقيقة وإفلات الجناة من العقاب.

توصيات

  1. فتح تحقيق دولي:
    • ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
  2. الضغط على الحكومة السورية:
    • من خلال العقوبات والمطالبات الدولية للكشف عن مصير المعتقلين.
  3. توثيق الشهادات:
    • تشجيع الناجين وأهالي الضحايا على تقديم شهاداتهم لضمان عدم طمس الأدلة.
  4. حماية الشهود:
    • توفير الحماية اللازمة للموظفين السابقين في السجن ممن قد يمتلكون معلومات حاسمة حول الجرائم.

نداء أخير

إن مأساة سجن صيدنايا ليست مجرد أرقام أو حقائق على الورق، بل هي قصص معاناة إنسانية يجب أن تكون محفزًا للعالم أجمع للتحرك. إذا لم يتم تسليط الضوء على هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، فإن التاريخ سيحمل وصمة عار على جبين الإنسانية. السجون السرية، المدافن الجماعية، والمتاجرة بالأعضاء ليست إلا قمة الجبل الجليدي لما يحدث خلف الأسوار. يجب أن تتحد الجهود لإنهاء هذا الكابوس وكشف الحقيقة كاملة.

حبل المشنقة في صيدنايا: رمز الظلم والقهر في معتقلات الأسد

في أعماق التاريخ المعاصر لسوريا، يبرز معتقل صيدنايا كسجن يحمل في طياته قصصاً تقشعر لها الأبدان، وشهادات تحكي عن أفظع الجرائم الإنسانية التي ارتُكبت في حق معتقلين عزل، كانت جريمتهم الوحيدة في كثير من الأحيان أنهم طالبوا بالحرية أو أبدوا رأياً مغايراً لما تريده السلطات. وفي هذا المكان المشؤوم، يقف “حبل المشنقة” كرمز للرعب والتعذيب والظلم الذي لا يزال شاهداً على مأساة لا يمكن نسيانها.

صيدنايا: معقل الظلم والإبادة

يقع سجن صيدنايا العسكري على مشارف العاصمة دمشق، وقد تحول منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 إلى واحد من أكثر المعتقلات رعباً في العالم. أُطلق عليه “المسلخ البشري”، ليس فقط بسبب أساليب التعذيب الوحشية التي تُمارس فيه، بل أيضاً بسبب عمليات الإعدام الجماعية التي نفذت بحق آلاف المعتقلين. تشير تقارير حقوقية موثقة إلى أن آلاف الأرواح أُزهقت تحت أيدي النظام السوري في هذا المعتقل، حيث كان حبل المشنقة أداة الموت الرئيسية.

حبل المشنقة: أداة القتل الممنهج

لم يكن حبل المشنقة في صيدنايا مجرد وسيلة لإعدام المعتقلين، بل كان جزءاً من آلة الموت التي استخدمها النظام السوري لترهيب معارضيه وكسر إرادتهم. كان المعتقلون يُقتادون ليلاً من زنازينهم، معصوبي الأعين، لا يعلمون أن لحظاتهم الأخيرة قد حانت. وعند الوصول إلى “غرف الإعدام”، كان القضاة العسكريون يصدرون أحكاماً بالإعدام خلال دقائق، دون أي محاكمة عادلة، لينتهي الأمر بحياة المعتقل على حبل مشنقة لا يعرف الرحمة.

قصص من الظلام

وراء كل حبل مشنقة في صيدنايا، توجد قصة إنسانية مأساوية. هناك من كان طالباً جامعياً، وهناك من كان طبيباً أو مدرساً، بل حتى أطفالاً وشيوخاً لم يسلموا من بطش النظام. تُروى شهادات عن أمهات فقدن أبناءهن دون أن يعرفن مصيرهم لسنوات، وعن أسر عاشت سنوات طويلة في انتظار عودة مفقوديها الذين كانوا قد رحلوا بلا عودة.

الآثار النفسية والاجتماعية

لم تقتصر آثار هذه الجرائم على الضحايا فقط، بل امتدت إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم. تحولت صيدنايا إلى رمز للظلم الذي دمر النسيج الاجتماعي في سوريا، حيث باتت عائلات الضحايا تحمل أعباء الفقدان والصدمة. الأطفال الذين نشأوا دون آباء، والنساء اللواتي فقدن أزواجهن، والمجتمعات التي فقدت شبابها، كلها تعيش تحت وطأة هذا الحزن الذي خلفته المشنقة.

المطالبة بالعدالة والمحاسبة

رغم مرور السنوات، لا تزال مشاهد الظلم في صيدنايا عالقة في ذاكرة الناجين وأهالي الضحايا. تُطالب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. وقد دعت الأمم المتحدة والعديد من الجهات الحقوقية إلى فتح تحقيقات مستقلة في الجرائم التي وقعت في صيدنايا، بما في ذلك الإعدامات الجماعية باستخدام حبل المشنقة.

نحو أمل جديد

على الرغم من السواد الذي يلف قصص صيدنايا، يظل الأمل قائماً في تحقيق العدالة يوماً ما. فكل قصة مأساوية هي شهادة حية على وحشية النظام، وكل صوت يطالب بالحرية والعدالة يمثل خطوة نحو إنهاء هذا الظلم.

ختاماً، يبقى حبل المشنقة في صيدنايا شاهداً على حقبة سوداء في تاريخ سوريا، لكنه في الوقت ذاته رمز للصمود والأمل في أن تشرق شمس العدالة يوماً ما، لتعيد للضحايا حقوقهم وللمجتمع كرامته المهدورة.

أدب السجون: صوت المعاناة والإنسانية بين الجدران القاسية في فرع فلسطين

أدب السجون هو نوع أدبي فريد ينقل تجارب المعتقلين في مواجهة الاستبداد والتعذيب، وهو مرآة للمعاناة الإنسانية التي تنشأ في الزنازين المغلقة، حيث يحاول الإنسان التشبث بكرامته وإنسانيته رغم القهر. بين تلك الجدران الباردة والقاسية، وُلدت قصص صمود وتحدٍّ، حملت في طياتها تجارب إنسانية عميقة تعبّر عن أحوال من عاشوا في ظروف لا تحتمل، ليصبح هذا الأدب شهادة تاريخية ناطقة بآلام الشعوب ومآسيها.

فرع فلسطين بدمشق: أيقونة الظلم والقسوة

من بين السجون والمعتقلات التي اشتهرت بسوء السمعة في التاريخ الحديث، يبرز اسم فرع فلسطين في دمشق كواحد من أسوأ الأماكن التي عرفها المعتقلون. عُرف هذا المكان بكونه مركزًا للتعذيب الجسدي والنفسي، حيث يقضي المعتقلون أيامهم في عزلة قسرية ومعاناة مستمرة. لكن وسط هذا الجحيم، كانت هناك محاولات مستميتة للتشبث بمعاني الإنسانية، حتى في أبسط صورها.

في فرع فلسطين، لم يكن التعذيب هو العنصر الوحيد المهيمن؛ بل كانت العزلة النفسية والحرمان من التواصل مع العالم الخارجي جزءًا من سياسة كسر الإرادة. ومع ذلك، لم يخلُ المكان من مظاهر التضامن والصمود، حيث حاول المعتقلون مد يد العون لبعضهم البعض في مواجهة الألم. ومن أبرز صور هذا التضامن كانت محاولاتهم مساعدة بعضهم البعض في تحديد القبلة للصلاة.

الجدران شاهدة على الصمود

رغم القيود والظروف القاسية، وجد المعتقلون طرقًا للتواصل والتآزر. أحد أبرز هذه الطرق كان الكتابة على الجدران، حيث نقشوا إشارات تساعد الآخرين في تحديد مكان القبلة. كانت هذه الكتابات أكثر من مجرد دليل؛ بل كانت رمزًا للأمل والانتماء إلى قوة روحية تمنحهم الصبر والثبات. في الزنازين التي لم تعرف النوافذ ولا الضوء، كانت هذه النقوش بمثابة صوت خفي يحمل رسالة: “لسنا وحدنا، الله معنا.”

الكتابة على الجدران في فرع فلسطين لم تكن مجرد فعل عابر، بل كانت تعبيرًا عن مقاومة صامتة في وجه آلة القمع. حملت تلك الجدران أسماء، تواريخ، أدعية، وحتى قصصًا قصيرة تختصر حياة بأكملها. لقد تحولت الزنازين إلى دفاتر يوميات صامتة تنقل للأجيال القادمة ما عجزت الكلمات عن وصفه.

أدب السجون: توثيق للتجربة الإنسانية

ما يميز أدب السجون هو قدرته على نقل التجارب الفردية والجماعية داخل السجون إلى العالم الخارجي. إنه أدب يولد من رحم المعاناة، لكنه يفيض بالمشاعر العميقة والدروس الإنسانية. في هذا السياق، تبرز شهادات المعتقلين في فرع فلسطين وغيرها من المعتقلات كأحد أركان هذا الأدب، حيث ينقلون من خلالها تجاربهم في الصمود أمام الاستبداد.

من خلال هذه الكتابات، يُبرز أدب السجون قيمًا سامية مثل الصبر، الأمل، التضامن، والإيمان. كما يكشف بشاعة الأنظمة القمعية التي تحاول تدمير إنسانية المعتقلين، ولكنه يظهر أيضًا كيف يمكن للإنسان أن يجد النور في أحلك الظروف.

دروس من داخل الجدران

تجربة المعتقلين في فرع فلسطين تحمل العديد من الدروس التي يمكن استخلاصها:

  1. التضامن قوة لا تقهر: رغم محاولات تفريق المعتقلين وعزلهم، وجدوا طرقًا للتواصل ودعم بعضهم البعض، ما أظهر أهمية الوحدة في مواجهة القمع.
  2. الإيمان كملاذ: في ظل غياب كل مقومات الحياة الكريمة، كان الإيمان قوة دافعة ساعدت المعتقلين على البقاء متماسكين.
  3. الذاكرة والتوثيق: الكتابة على الجدران ليست مجرد فعل للتعبير، بل هي وسيلة لتوثيق التجربة وضمان عدم نسيانها.
  4. الكرامة لا تُهزم: رغم محاولات الإذلال، حافظ المعتقلون على كرامتهم وإنسانيتهم من خلال أبسط الأفعال التي تؤكد وجودهم وهويتهم.

ختامًا: أدب السجون كرسالة إنسانية خالدة

أدب السجون ليس مجرد نقل لحكايات المعاناة؛ بل هو دعوة للتفكير في القيم الإنسانية وفي الظلم الذي يمكن أن يمارسه الإنسان ضد أخيه الإنسان. تجربة فرع فلسطين بدمشق هي مثال صارخ على قسوة الأنظمة القمعية، لكنها أيضًا شهادة على قوة الروح البشرية التي ترفض الانكسار.

هذا الأدب يدعونا إلى التأمل في معنى الحرية، العدالة، والكرامة، ويحثنا على عدم نسيان أولئك الذين عاشوا تحت وطأة الاستبداد. إنه أدب يحفر عميقًا في الوجدان، ليبقى شاهدًا على قدرة الإنسان على الصمود مهما بلغت المحن.

في فرع فلسطين بدمشق سيئ الذكر والسمعة من شدة تعذيب المعتقلين في اقبيته والخوف كانوا يرسمون على الجدران مكان القبلة لارشاد بعضهم لاتجاه الصلاة …

الأمن العسكري 215 – تفسخ الجثث قبل الموت وقبل الدفن

عبدالرحمن الخطيب

الأمن العسكري 215 – تفسخ الجثث قبل الموت وقبل الدفن

ستة أيام كفيلة أن تقتلك في فرع الأمن العسكري 215 ولو لم تعذب بضربة كرباج.
المعتقلون يحشرون في زنزانات لا تتسع لربع عددهم فيصبحون كما المخلل
أكواما من الأيدي والأرجل والرؤوس. بعض المعتقلين لا يستطيعون
لمس الأرض من كثرة الأجساد تحتهم وفوقهم وعن يمينهم ويسارهم.
المعتقلون على هذه الوضعية أيام وأيام وأيام، يأكلون ويبولون ويتبرزون كليا أو جزئيا
ويتعرقون وينزفون وجراحهم تتقيح وتتفسخ وتتعفن وهم على هذه الحالة
الأرض تحتهم تتلقى كل هذه الأشياء وتتلقى معها مزق اللحم الفاسد
والمهترئ الذي يصبح مع مرور الزمن كالشمع الدافئ، يكشط ويجرف
بسهولة شديدة وآلام مبرحة مخلفاً حفراً في جسد المعتقل كاشفة عن العظام .
هذا الخليط العجيب من السوائل والمواد يتكوم فوق الأرض فيحرقها
وينصهر معها ويتصلب ويصبح جزءاً منها.
بسبب هذا التزاحم الغريب تتشكل عقدة من البشر لا يمكن حلها،عقدة
خلاياها هؤلاء المعتقلون المصابون بكل ما ذكرناه من جروح وأمراض وآفات
ومع ذلك تجبر هذه العقدة -بكل ما فيها من معتقلين لا يستطيعون الوقوف
على أقدامهم أو نصب جذوعهم أو شارفوا على الموت- تجبر على الانفكاك
ويجبر هؤلاء المعتقلون تحت ضرب السياط والقضبان البلاستيكية وعصي الخشب
على الوقوف كل بضع دقائق إما لتوزيع الطعام
(المكون من رغيف خبز فوقه بعض اللبن الرائب) أو لإحصاء المعتقلين
(حيث يقوم الشاويشية بضغط المعتقلين إلى الخلف بعد أن يقفوا
ليخلقوا مساحة مترين من الفراغ ليبدؤوا بعدّ المعتقلين واحدا واحدا
وغالبا ما يفشلون في إحصائهم بسبب استحالة عدهم على هذه الحالة).
تمر الأيام على المعتقل في هذه الظروف وهو لا يجد موطئ قدم
(بكل ما تعنيه هذه الكلمة فعلا من معنى) تتخلل هذه الكتلة البشرية
وعندما يجد موطئ قدم، يستمر واقفا فيه على هذه الحالة لساعات
طوال أو ليالٍ ينام خلالها المعتقل أحياناً وهو واقف فيسقط
فوق أكوام المعتقلين ثم يعود لحالته واقفاً.
بعض المعتقلين لا يحتملون قلة النوم هذه فيتوفون على هذه الحالة
(وقد شاعت طريقة الموت هذه في الفرع واصطلح عليها المعتقلون
عبارة “فَصَل” فيقولون عمن مات على هذه الحالة :إنه فَصَل).
بعض من يسقط من الإرهاق (أي بعض من يفصل) ينام لبعض الوقت
نوماً عميقاً يصحو بعده ليجده الآخرون منفصم الشخصية أو مجنوناً أو مهلوساً .
يومياً تتساقط جثث الموتى في المهجع،إما لقلة النوم أو اختناقاً
أو فتكاً بالأمراض, تسحب هذه الجثث كالسجاد العتيق
من قبل “الشاويشية” وبعض المعتقلين ،وتكوم في الممر
(الذي يتميز عن باقي المهجع بالانخفاض البسيط لحرارته عن حرارة
باقي المهجع التي قد تصل إلى الأربعين في أحد أيام الشتاء القارس!)
هذا التلوث المذكور أعلاه جزء من التلوث الحاصل في المعتقل
فالجزء الآخر من التلوث هو الضجيج.
الضجيج الذي هو عبارة عن خليط عجيب من أنين المحتضرين
وصراخ الجرحى، واستغاثات المشبوحين أو المعذبين، وصيحات المتشاجرين
وآهات المصابين الذين يتعرضون لركلات ودعسات المارين
من فوق أجسادهم إما للخروج إلى التحقيق أو للتعذيب .
ما يحصل في هذا الفرع (وكل فرع) لا يتصوره عقل ولا يستطيع تحمله إنسان

مازن حمادة: شاهد على الجحيم السوري وأيقونة الخيانة والخذلان

مازن حمادة: الشاهد الذي صمت تحت التعذيب في مسالخ الأسد”

مازن حمادة، اسم يحمل في طياته مزيجاً من الألم والبطولة، قصة إنسان سوري عاش فصولاً مأساوية تجسد عمق الجراح التي خلفها نظام الأسد. من شاب يعاني في أقبية الاعتقال إلى لاجئ في أوروبا ينقل شهاداته للعالم، ثم إلى ضحية جديدة في دائرة الموت التي لا تنتهي في سوريا.
الفصل الأول: البداية المأساوية

ولد مازن حمادة في مدينة دير الزور، مدينة نُكبت بحرب شاملة منذ اندلاع الثورة السورية. كان كغيره من الشباب السوريين، يحمل آمالاً بحياة كريمة ومستقبل أفضل، لكن آلة القمع التي حصدت الأرواح وسحقت الحريات كانت له بالمرصاد.

اعتُقل مازن في بدايات الثورة عام 2012، وذاق ويلات التعذيب في أقبية المخابرات السورية، حيث شاهد بعينيه مشاهد من الجحيم الذي لا يمكن وصفه. كانت شهادته عن الانتهاكات والتعذيب وسوء المعاملة بمثابة صرخة مدوية للعالم، توثق جرائم لا يمكن للعقل الإنساني أن يستوعبها.
الهروب إلى أوروبا وشهادة الحقيقة

بعد سنوات من الاعتقال والنجاة بأعجوبة، نجح مازن في الفرار إلى أوروبا، حيث ظن أنه ابتعد أخيراً عن قبضة الجلاد. هناك، استعاد بعضاً من حريته المفقودة، وأصبح شاهداً رئيسياً على أهوال المعتقلات السورية. قام بجولات إعلامية وقدم شهادات مؤثرة عن مسالخ النظام، كاشفاً للعالم عن الجرائم المروعة التي تُرتكب خلف الجدران الصامتة.

كان من المقرر أن يمثل مازن كشاهد أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، ليكون صوتاً لآلاف المعتقلين الذين فقدوا حياتهم تحت التعذيب أو لا يزالون مختفين في دهاليز المعتقلات. لكن القدر كان يحمل له مصيراً آخر.
العودة المميتة إلى سوريا

في خضم هذه الأحداث، تواصل مع مازن أحد أشهر لاعبي كرة القدم السوريين، عمر السومة، الذي كان يُعرف بمواقفه المناهضة للنظام. قدم له السومة ضمانات مفادها أن العودة إلى سوريا ستكون آمنة، مدعياً أنه بفضل علاقته بالأسد سيُفرَج عن أقارب مازن المعتقلين. تحت وطأة الحنين إلى الوطن والوعود الزائفة، صدق مازن هذه الرواية وعاد إلى سوريا في خطوة ستُثبت لاحقاً أنها قاتلة.
الاعتقال من جديد

ما إن وصل مازن إلى الأراضي السورية حتى وقع في فخ النظام مجدداً. تم اعتقاله فور عودته، ومنذ ذلك الحين اختفت أخباره عن العالم الخارجي. سنوات من الصمت المطبق مرت، حيث لا أحد يعلم مصيره، حتى تسربت أنباء عن وفاته في مشفى حرستا العسكري تحت التعذيب.
الخاتمة: شهادة الدم

مازن حمادة، الذي كان يحمل صوتاً للحقيقة، انتهى كغيره من آلاف السوريين ضحية للوحشية المطلقة. موته تحت التعذيب هو تذكير للعالم بأن النظام السوري لا يتردد في استخدام أشد الوسائل وحشية لإسكات معارضيه.

قصة مازن ليست مجرد قصة فردية، بل هي شهادة على معاناة أمة بأكملها. وهي دعوة للتذكير بأن العدالة ما زالت بعيدة المنال، وأن المجتمع الدولي، رغم معرفته بالحقائق، لم يتحرك بما يكفي لوقف هذه المأساة المستمرة.
رسالة إلى العالم

قصة مازن حمادة، بما تحمله من أبعاد إنسانية وسياسية، تطالبنا جميعاً بعدم نسيان ضحايا الحرب في سوريا. إنها دعوة لعدم السماح للجناة بالإفلات من العقاب، وإبقاء جذوة المطالبة بالحرية والعدالة مشتعلة، مهما طال الزمن.

مازن رحل، لكن قضيته ستبقى شاهدة على الظلم، ولن تتوقف صرخاته عن المطالبة بالحق، حتى بعد أن خنقها التعذيب.

خليج غوانتانامو

تنفس الناس الصعداء، وعادوا من مخيمات اللجوء إلى المدن والبلدات المهدمة والقرى الخاوية في أفغانستان، ليعيدوا بناء ما دمرته الحرب، وخربته آلة الغزو الروسي الشرير.
واستعادت حكومة المجاهدين الأمن والاستقرار، وضربت على أيدي العابثين واللصوص وقطاع الطرق، ومنعت زراعة المخدرات وتجارتها في المناطق التي سيطرت عليها، وقضت على الفساد الإداري والخلقي الذي رافق الحرب، ولم يجد العائدون إلى البلاد سوى الفقر والبطالة والأمراض المستعصية بسبب استخدام اليورانيوم المشع في الغارات.
قررت بعض المنظمات السرية منازلة الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، فشنت أربع طائرات مخطوفة في الحادي عشر من أيلول 2001 هجمات استهدفت اثنتان منهما مركز التجارة العالمية بنيويورك، والثالثة مبنى البنتاغون بواشنطن، وتحطمت الرابعة في بنسلفانيا.


أخذت إدارة الرئيس جورج بوش الابن تبحث عن كبش فداء، وقامت بناءً على تقارير كاذبة، بحملة تفتيش واسعة استهدفت مواقع محتملة لتنظيم القاعدة، بحثاً عن أدلة لوجود أسلحة دمار شامل كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية، لتبرير احتلالها وألحقت الغارات على مطار كابل دماراً شديداً، واستهدفت الضربات الجوية العنيفة الكهوف والأنفاق وراء قمم الجبال، وصُور الهجوم الأمريكي على أنه عمل من أعمال الدفاع عن النفس، وازداد الطلب على أعضاء طالبان بعد انهيار دولتهم، وصار الحكم في كثير من المناطق لطالبان في الليل، ولقوات الحكومة المتحصنة بالنهار، وأصبح الحصول على مكافأة سخيّة في متناول يد من يسلم أعضاء بارزين لسلطة الاحتلال الأمريكي، أو يدلي بمعلومات تفيد في القبض عليهم.
وتكدس الأسرى في السجون والقلاع الحكومية حتى ضاقت على رحبها، وجرت عمليات نقل جماعيّة من مراكز  الاعتقال إلى غوانتانامو، حيث صدرت الأوامر بإنشاء معتقل جديد لاحتجاز ألفي رجل من مقاتلي طالبان والقاعدة الخطرين.
صوّرنا معاناة المعتقلين من أهوال السجون، وما ذاقوه من ألوان التعذيب النفسي والجسدي وسوء المعاملة، وتركنا أبطال الرواية يتحاورون مع بعضهم، ومع سجانيهم، وكنّا في هذه الرواية شهوداً على انتهاكات حقوق الإنسان، وغياب العدالة، ليس في غوانتانامو  وحدها.
يقول المؤلّف: ليس من الضروري أن يدخل الروائي سجن غوانتانامو ليكتب نصّاً أدبيّاً، يصف فيه السجن الرهيب الذي لا يمكن أن يكون هناك سجن في العالم بهذه القسوة.
لأنّ ما توصّل إليه الكاتب من معلومات خطيرة، ومشاهد مثيرة من خلال متابعته لهذه القضيّة، جعله يقف مشدوهاً أمام الأقفاص البشريّة، يرصد بألم وحسرة أفانين القهر والتعذيب على أيدي زبانية السجن وعملائه.
أمّا أبطال الرواية فرجال في مقتبل العمر، مثقّفون وأطبّاء ومحامون وتجّار، يحلمون بعالم إسلامي متحرّر من الهيمنة الأجنبيّة، جمعتهم أقدارهم وراء البحار، خرجوا على هذا العالم الموبوء بفوبيا الإسلام، ليروي من بقي حيّاً للأجيال حكاية ما جرى في بلاد الأحرار الشجعان خلال الحقبة السوفييتيّة، ويصف معاناة الأفغاني المتهم بالتخلّف وزرع المخدّرات، وما حلّ بشقيقه العربي بعد تقسيم بلاده، وانتزاع بقعة غالية من أرضه، واتهامه بالتطرّف والتعطّش للدماء
رجال خلف القضبان، تنتزع منهم المعلومات تحت التعذيب، تنظر إليهم إدارة السجن على أنّهم كنز من المعلومات، يجب المحافظة عليه داخل الأسوار، وآخرون يخشون الإفراج عنهم خشية تسليمهم إلى بلدانهم الأصليّة، لا يدرون سبب اعتقالهم، ولكنّهم واثقون بعدالة قضيتهم، وأنّ الله لن يتخلّى عنهم.
جاءت هذه الرواية دعوة لإغلاق سجن غوانتانامو، وعودة الضحايا إلى أسرهم بعد هذا العناء، وإنهاء مشاعر العداء بين الشعوب، وصرخة في وجه الأنظمة التي تمارس الإرهاب وتتهم به شعوبها.
وأخيراً نرجو أن تكون روايتنا الثالثة “خليج غوانتانامو” تعبيراً عن ضمائركم الحرّة.
وصدرت هذه الرواية ولا يزال جرح أفغانستان وغوانتانامو  ينزف، والناس في شغل عنها بما هو أدهى وأمرّ.
صدرت الرواية عن دار جهينة بعمان في 278 صفحة، بغلاف جذّاب أنيق صمّمه الفنان عثمان شاهين. 
نرجو أن تنال هذه الرواية الإنسانيّة إعجابكم، وأن تلقى القبول عند النقاد وأهل الأدب.

الحديث ذو سجون حلمي صابر

من المتعبِ أن يجتمع الاثنان

عقلُ باحثٍ ، وقلب كاتب

أشعر بعقلي ، وأتألم في صدري

والأتعبُ أن تكون عربيا مسلما

في هذا التاريخ من التاريخ

فأصرخ بصمت

فكيف لو صرخت بصوت

هذا الصوت في داخلي يتكلم

أصمتهُ لكنه لا يصمت

لا أحبسه

ولم اسطع ، ولن أفعل

أحاول أن أنسى

أبحث عن طفل معه ألعب ، لأصير مثله لا أعْقِل

لكن الطفل يكبر

وأنا معه أكبر

وحرارة صدري تكبر

لا استطيعُ أنْ أعقلَ مالا يعقل

حاولتُ أن أخدعَ نفسي

جعلت في نفسي إعلاما غربيا

فازداد غيظي

قلتُ لأجرب إعلاما عربيا

فحبست نفسي

كنت مع نفسي صادقا

وهل رأيت إعلاما صادقا ؟!

ربما ، فعقلك ليس كعقلي

فلا ثمة خطأ

لا عندك ولا عندي

إنني أفكر بصدري

وأشعر بعقلي

هل أنت شَبهي ؟

أصرخُ بصمت

وهذا الصراخ يوجعني

يصكُ الصوت في صدري

وتحبسه أضلعي

فتتألم أضلعي وتهتز

فأرجع إلى سالف عهدي

أصرخُ بصمت

وأصرخُ بلا صوت ، وهذا الذي أتعبني

لأن الصوت الصامت رجَّـًا يرجني 

أخشى بألا تتحملني أضلعي

فتنكسر

ويخرج الصمت

ويُسمَعَ الصمت

فيجيء السجانُ ويحبسني

أنا في حبس

وأنا من يحبسني

أفرزُ الكلام مع الناس

هذا يضر ، هذا يخل بالأمن ، هذا إفساد ، هذا ترفيه ، هذا رقص

هذا حرام ، الشيخ ، الحبس ، الصبر ، الخوف ، التطبيع ، الصمت …

هذه معايير الكلمات التي تفرزني

فأصمت

إنني أفكر بصدري ، وأشعر بعقلي

وهذا يؤلمني !

حبسُ الطائرِ في القفص أكرههُ

وحبس الحيوانِ للسيركِ حتى لو أطعمته ،

أرفضهُ

دعهُ، أطلقه، هو أحسنُ منك في تدبير طعامه وأمره

هذا في الطير والحيوان لحبسه، أنا رفضتُهُ

جعلت السماء الواسعة للطائر ، قفصا

وجعلت الفيلَ والأسدَ ، للبشرِ سيركا

أردتَ أن تأنسنَ الحيوان !

فما بالكَ عاملتَ الإنسان حيوانا ؟!  

فكيف شعوري لحبسك للبشر ظلما ؟!

هل صدرك يشعر ؟!

هل في صدرك قلب ينبض ؟!

هل قلبك حجر ٌ؟

في لحظتك هذه

الآن

إنسانٌ مظلوم في الحبس

وطفل محروم من الأب

وزوج بلا زوج

وأم بلا ابن

وأب محزون على ولد

وأنا مثلهم حزين على من أحزن

لا يفارقني ذكراه

صبح وليل

وشمس وقمر

وبحر وبر

إنني أفكر بصدري ، وأشعر بعقلي

ضجيج في صدري يؤلمني

حبستهُ خمسةَ عشر عاما

عشرين عاما

ثم ماذا ؟

ما الذي بحبسِ العالم والشيخ والطبيب والمهندس المظلوم 

يجدي ؟!

أرجوك أخبرني

لمَ الحديث معك ذو سجون

لم الحياة بوجودك : صمتٌ وخوف

قالتِ العربُ في أمثالها: ” الحديث ذو شجون “

وهو معك ، ذو شجون وسجون وعنف وخسف!

أنت تفرح وتمرح

وذاك محبوسٌ خلف القضبانِ

اللهم ربنا

يا من ترفعُ له الأيدي

رقِّقْ علينا قلبَ السَّجانِ

ووسِّعْ علينا وعليهم وعليه ضيق القضبان

الحياة ضيق وبلاء

فكيف إذا صارت خلف حديد

لو لونتَ القضبان بالذهبِ 

ولو زينتَ الجدران باللؤلو والمرجان

هل سيصير الحبس قصرا ؟!

ولو زرعتَ فيه الوردَ والأشجار

هل سيصير السجن منتزها ؟!

من هذا امتلأ الصدر كمدا

فهل أشجاك الذي أشجاني

وهل أبكاكَ ما أبكاني !

كتاب “النذير.. الخروج إلى الجهاد” الأسير فهد عبد الله صوالحي

كتاب “النذير.. الخروج إلى الجهاد” الذي صدر في العام 2023 عن “مؤسسة مهجة القدس”، من تأليف الأسير الكاتب فهد عبد الله صوالحي في 328 صفحة.

يروي فيه ولادة مقاوم: الطفل فهد؛ طفل لاجئ  من مخيم بلاطة “منتصف الثمانينيات”، وهو “أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية”، يجمع الحجارة، ويشارك في “لعبة” رشق الحجارة التي تواجه سلاح المستوطنين، التي تتطوّر إلى الزجاجة الحارقة (المولوتوف)، وكيف كبر يصبح اللاجئ إلى مقاومًا شرسًا، وشجاعًا، يقاتل من أجل حرية شعبه.

ثم إلى الاعتقال وزمن السجن الثقيل البطيء، كما صوّر رحلة العذاب التي يمرّ بها الأسير في تنقلّه من سجن إلى آخر، في “البوسطة”، وهي رحلة تعرّف على الوطن السليب ومعالمه وجغرافيّته.

وينهي فهد قائلاً بصريح العبارة:

“الأخبار واضحة. رح نروّح من البوابة ومش رح ننجبر لحفر نفق جديد، إن شاء الله”.

والأسير الكاتب فهد صوالحي (43 عامًا)، سكان مخيم بلاطة في مدينة نابلس، اعتقل عام 2003، بعد محاصرة جيش الاحتلال المبنى الذي كان يتواجد فيه، ويقضي حكمًا بالسجن مدى الحياة (7 مؤبدات و50 عامًا).