المحرر

 مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي

عرض كتاب

“خفقات رغم الرحيل .. مواقف حيّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُّركْجي”

عوني فارس

عنوان الكتاب: خفقات رغم الرحيل مواقف حية من حياة الشيخ الشهيد يوسف السركجي

المؤلف: أمجد السايح

الناشر: وزارة الثقافة، غزة.

تاريخ النشر: 2021

عدد الصفحات: 227

تصاعد الاهتمام بالتأريخ للانتفاضة الثانية بعد سنوات قليلة من انتهائها، ووثَّقت العديد من الكتب سِيَرَ بعض رجالها، وأبرزت صنيعهم، وتحدثت عن مآلاتهم، وكان للأسرى في سجون الاحتلال دور مركزي في هذا الجهد، حيث سجَّلوا مساهماتهم فيها مع رفقاء دربهم من الأسرى والشهداء، ونُشر خلال الفترة السابقة عدد من كتبهم منها: درب الأشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين لسليم حجة، ومهندسو الموت لمحمد عرمان، وأمير الظل مهندس على الطريق لعبد الله البرغوثي، وأوار النار لثائر حماد، والصفعة لسامر الأطرش، ومن صفحات العز[1]، وهذا النوع من الكتب يعلي من صوت الفاعلين في الميدان، ويحكي روايتهم للأحداث، وغالباً ما يكون بعيداً عن عقد المقارنات بين الروايات، ولا يسعى لترجيح رواية على أخرى، ولا تمحيص المصادر المختلفة، ويكون ممزوجاً بشحناتٍ عاطفيةٍ واضحة، وكتاب خفقات رغم الرحيل مواقف حيَّة من حياة الشيخ الشهيد يوسف السُركجي، لمؤلفه الأسير أمجد السايح، الذي نقدِّم عرضاً له في هذا المقال، واحد من هذه الكتب.

قصة الكتاب ومحتواه

هذا الكتاب مشروع قديم، أراد منه السايح التوثيق لسيرة حياة الشيخ الشهيد من الميلاد إلى الاستشهاد مع التركيز على دوره في مقاومة الاحتلال، وقد عكف على كتابته داخل سجن جلبوع قرب مدينة بيسان المحتلة في ظروف استثنائية، وأنهى أولى مسوداته عام 2008، لكنَّ إدارة السجن الغاشمة صادرتها، ثم جرت محاولة أخرى لإعداد مسودة جديدة بعد ثلاث سنوات برفقة الأسير حسام بدران، في ذات السجن، لكنَّ إطلاق سراح الأخير في صفقة وفاء الأحرار عام 2011، حال دون إتمامها، إلى أن تجدَّدت المحاولة بعد سنوات، وبتشجيع من الأسرى خصوصاً أمير السُّركجي ابن أخت الشيخ الشهيد، الأمر الذي فتح المجال لأن يرى الكتاب النور عام 2021. 

جاء الكتاب في مئتين وسبعة وعشرين صفحة، وتضمن مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وثلاثة ملاحق، وحوى شهادات مهمة عن الشيخ الشهيد، رواها قادة وكوادر من حركة حماس كانوا فاعلين في الانتفاضة الثانية من الشهداء منهم: جمال منصور، ومهند الطاهر، ونسيم أبو الروس، وفهيم دوابشة، ومحمد الحنبلي، ونصر عصيدة، وبسام السايح، بالإضافة إلى شهادات لمجموعة من كبار الأسرى والأسرى المحررين منهم جمال أبو الهيجا، ومحمد جمال النتشة، وسليم حجة، وعثمان بلال، ومعاذ بلال، ومحمد صبحة، ورأفت ناصيف وآخرين، وتزين الكتاب بقصائد ترثي السُّركجي منها قصيدة للشاعر الأسير أحمد التلفيتي.

تناول الفصل الأول مولد الشيخ الشهيد ونشأته، وركَّز على نشاطه الدعوي والسياسي، وجهده العلمي، وعلاقاته العائلية والاجتماعية، وبحث الفصل الثاني صفاته وشمائله، ووثق صوراً لوفائه، وجوده، وصبره، وحزمه، وعلو همته، وكشف الفصل الثالث عن سيرته في المقاومة منذ مشاركته في فعالياتها  قبيل اندلاع الانتفاضة الأولى إلى ارتقائه شهيداً في الانتفاضة الثانية، وسجَّل الفصل الرابع شهاداتٍ حوله لثمانية عشر من معارفه ورفقاء دربه في العمل الدعوي والمقاومة والأَسَر، وعرض الملحق الأول وصاياه لأمه وأبيه وإخوته وأخواته وزوجه وأولاده ولحركة حماس ولكتائب القسام، وضم الملحق الثاني سير ذاتية مختصرة لخمسة وعشرين من كبار القساميين ممن عايشوا الشيخ الشهيد وعملوا معه، ونُشر في الملحق الثالث أربعين صورة تحكي جوانب من سيرة حياته منذ الطفولة حتى استشهاده، وفيها بعض من الصور لرفقاء دربه في المقاومة والاستشهاد.

 سيرة دعوية وجهادية مكثَّفة

ولد الشيخ يوسف خالد عبد المجيد السُّركْجي في مدينة نابلس في الثلاثين من أيار/ مايو عام 1961، لأب نابلسي وأم مقدسية، وهو بِكْرُ والديه، وله ثلاثة إخوة وخمس أخوات. عايش سقوط نابلس بيد الغزاة الصهاينة طفلاً، ودرس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارس نابلس، وحصل على الثانوية العامة في الفرع العلمي من مدرسة قدري طوقان عام 1979، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية في مدينة عَمَّان عام 1983، ودرجة الماجستير في الفقه والتشريع من كلية الدراسات العليا في جامعة النجاح في نابلس عام 1997. عمل بعد تخرجه إماماً وخطيباً في مسجد بلدة عصيرة القبلية حتى عام 1987، ثم إماماً وخطيباً في عدة مساجد في نابلس مثل مسجد الحاجة عفيفة، ومسجد خالد بن الوليد، ومسجد السلام. تزوج من السيدة ميسر محمد جابر، ورُزق منها بطارق ومعاذ وشهد وصفاء.  

تعدَّدت مشاركات السُّركجي الدعوية والوطنية منذ التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين قبيل دخوله الجامعة الأردنية، فكان ضم قيادات العمل الطلابي الإخواني في الجامعة، وضاعف نشاطه منذ عودته إلى فلسطين، حتى أصبح المسؤول الأول عن العمل التربوي والدعوي والطلابي في نابلس في تسعينيات القرن العشرين. انضم لحركة حماس فور تأسيسها، وشارك في تخطيط وتنفيذ فعالياتها في محافظة نابلس، وتولى مسؤولية المكتب الإداري لنابلس لسنوات طويلة، وكان شخصاً مركزياً في أي تشكيل تنظيمي حمساوي في شمالي الضفة الغربية، والتحق بكتائب القسام، وكان جزءاً من قيادتها في الضفة الغربية. لاقى في مسيرة حياته الكفاحية الكثير من الأذى؛ إذ اعتقله الاحتلال للمرة الأولى عام 1988، وقضى في سجونه قرابة الثماني سنوات، وأُبعد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، وتعرض لتحقيق شديد من قبل الاحتلال عند اعتقاله عام 1995، وأصيب إثر ذلك بالفشل الكلوي، وعاش بعدها بكلْيَة واحدة، وأُبعد إلى قطاع غزة لفترة قصيرة، واعتقلته أجهزة أمن السلطة عدة مرات منذ عام 1997، وتعرض للتحقيق القاسي، وأمضى من عمره في سجونها أربع سنوات، وطارده الاحتلال، وحاصره في شقة سكنية تحصَّن فيها في شارع عصيرة الشمالية في نابلس في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2002، واغتاله مع ثلاثة من القساميين هم: نسيم أبو الروس، وجاسر سمارو، وكريم مفارجة.

السُّركجي شيخ المقاومين وفقيههم

يُمثِّل السُّركجي نموذجاً لجيل من الإسلاميين الفلسطينيين الذين عاشوا عصر تحولات الحركة الإسلامية في الأرض المحتلة على طريق تبني مشروع وطني تحرري، أصبحت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” رأس حربته، وقد ساهم هذا الجيل بشكل أساسي في تمركز الثقل الأساسي للمقاومة الفلسطينية المسلحة في الأرض المحتلة، ويبدو أن السُّركجي الذي وهب نفسه للعمل الدعوي والتربوي والتنظيمي داخل جماعة الإخوان المسلمين، كان من المتعطشين لهذا المشروع، إذ يذكر الكتاب أنه بدأ في التدرب على عمل زجاجات المولوتوف والوسائل القتالية الأخرى قبل عام 1987، وكانت الانتفاضة الأولى البداية الحقيقية لنشاطه ضد الاحتلال، حين كان مشرفاً على العمل الميداني في نابلس وقراها، فكان يخطط للفعاليات، ويشارك في تنفيذها، ويتصدر المسيرات، ويعمم البيانات، ويشحذ الهمم، ويتابع قضايا الأسرى والجرحى والمحتاجين، في الوقت الذي كان يطَّلع فيه برئاسة جهاز الدعوة الذي يشرف على البرامج التربوية والدعوية والاجتماعية.

يؤرخ الكتاب لبداية نشاطه في العمل العسكري المقاوم أواسط عام 1988، حيث ساهم وقتها في تشكيل أولى المجموعات العسكرية لحركة حماس في الضفة الغربية، والتي قامت بزرع العبوات الناسفة في طريق قوات الاحتلال والمستوطنين، ويُظهر حرصه منذ فترة مبكِّرة على التدرب على السلاح، وكيف كان الإبعاد إلى مرج الزهور في جنوب لبنان أواخر عام 1992، فرصته الذهبية لتحقيق رغبته تلك، ثم جاءت القفزة النوعية في مشواره المقاوم حين التحق بكتائب القسام عام 1995[2]، وآوى المطاردين، وأخذ على عاتقه منذ تلك المرحلة الجانب التوعوي لدى المقاومين القساميين فكان يمدهم بالنشرات، وأصبح معروفاً أكثر بكونه فقيههم الذي يفتيهم.

 بنى أبو خالد، وهذه كنيته في مرحلة تسعينيات القرن العشرين، علاقات قوية مع القسامِيَيْن فهيم دوابشة وعبد الناصر عيسى، في الوقت الذي راكم خبرته في تصنيع المتفجرات، واستخدام الأسلحة الرشاشة، وكان له الفضل في جمع القساميين محمود أبو هنود وخليل الشريف ومعاذ بلال، وتقديم الدعم المالي والمعنوي لهم، وتوفير الرعاية المطلوبة لخلية “شهداء من أجل الأسرى” التي ظهرت إلى النور عام 1997، وقامت بتنفيذ عدة عمليات منها: عملية “محانيه يهودا” في تموز/ يوليو عام 1997، وعملية “بني يهودا” في أيلول/ سبتمبر عام 1997.

ثم بدأت مرحلة أخرى في مشوار الشيخ في المقاومة، حين خرج من سجن جنيد في نابلس إثر قصف الاحتلال للسجن في نيسان عام 2001، وكانت نابلس تضم في حينه عشرين من قادة وكوادر القسام. تولى “والدنا”، وهذه كنيته في تلك المرحلة، موقعاً متقدماً في صفوف كتائب القسام في شمالي الضفة الغربية، وعاش حياة المطاردة، وأصبح أباً روحياً لجموع المطاردين، الذين انقسموا إلى مجموعات عمل متخصصة، وانهمك في متابعة “هذه المجموعات بشكل مباشر”، وكان ” يناقش معهم التفاصيل” وهو “صاحب الكلمة الأخيرة، والذي يُظهر له الجميع السمع والطاعة” (ص79).

الشيخ السُّركجي.. أفكار ومواقف

رصد الكتاب مجموعة من الأفكار والمواقف التي تبناها الشيخ الشهيد، منها أنَّه كان يعارض وقف حركة حماس للعمل العسكري في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وفقاً لرواية معاذ بلال[3]، وكان يؤمن بضرورة إيجاد المقاوم الواعي المتسلح بالفهم والعمل، ويحث الحركة على تطبيق فكرة أسر جنود الاحتلال من أجل إطلاق سراح الأسرى، ويصرُّ على تلقي المزيد من التدريبات على مختلف الأسلحة، خشية حدوث أي نقصٍ في الكوادر المتدربة، وهو صاحب فكرة تسجيل وصايا الاستشهاديين بالفيديو، حرصاً منه على توثيق العمل وتسجيل التاريخ، وكان من الداعين إلى قيام التنظيم بتوفير كل شيء للمقاومين المطاردين، على أن يتفرغوا للعمل، في حين كانت الآلية المعمول بها في حينه تقوم على توفير التنظيم المال فقط، ويتولى المقاومون المطاردون مهام الإيواء، والتخطيط، والإعداد، وشراء السلاح، والتدريب، والتنفيذ.

خاتمة

كتاب خفقات رغم الرحيل مهمٌ في موضوعه، وواضح في أفكاره، وسلسل في لغته، وخطوة رائدة في الاتجاه الصحيح، وهو، دون مبالغة، من النوع الآسر الذي يُقرأ دفعةً واحدةً، وقد حجز مكانه في المصادر المعتبرة التي تتناول شخوص المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة، ولأن كل عمل لا يكتمل، والكمال لله وحده، فقد غاب عن الكاتب الحس النقدي، ونحت نصه متأثراً بشخص الشيخ الشهيد، الأمر الذي حرمه من تقديم أي مراجعة نقدية رصينة، من شأنها أن تفيد جموع القراء من المهتمين والباحثين والأجيال الشابة، مع الإشارة إلى أن المراجعة لا تنتقص من دور الشيخ الشهيد، ولا مكانته، وما قدَّمه من تضحيات، وهي عنصر ضروري في النصوص خصوصاً التي تتناول تجارب المقاومة ورجالها، وقد صدر قبل هذا الكتاب بعض الكتب التي احتوت مراجعات مفيدة مثل كتابي درب الأشواك ومن صفحات العز. رحم الله الشيخ يوسف السُّركجي وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، وعجَّل بالفرج للمؤلف وجموع الأسرى الأبطال.  

[1]  كتاب من صفحات العز بدون مؤلف.

[2] تحدث سليم حجة في كتابه درب الأشواك عن علاقة للسُّركجي بالقائد يحيى عياش، وإنَّه اعتقل لدى الاحتلال عام 1995 على خلفية ذلك، وهذا يعني بأنَّه ربما انضم للكتائب قبل هذا التاريخ. للمزيد من التفاصيل، انظر: حجة، سليم، درب الاشواك صفحات من تاريخ المقاومة في فلسطين، بيروت، شركة فؤاد البعينو للتجليد، 2015، ص235.

[3] قد يظهر تعارض في كلام معاذ بلال الوارد في صفحة 73، مع رواية الشيخ حسن يوسف المنشورة في الكتاب صفحة 110، والتي يذكر فيها بأن السُّركجي كان من مؤيدي تكوين حزب الخلاص، خصوصاً وأنَّه كان متداولاً وقتها أن تأييد حزب الخلاص غالباً ما يعني القبول بالدعوة إلى تجميد العمل المسلح.

فلسطين العاشقة والمعشوق الاسير عبد الله البرغوتي

فلسطين العاشقة والمعشوق

رواية فلسطين العاشقة والمعشوق – عبد الله غالب البرغوثي فلسطين العاشقة والمعشوق ، العشق والمأساة محامية فلسطينية اسمها فلسطين فصنع منها زعترة برية أحبت الأرض والطين ، وعشقت فارساً ، غضنفراً مقاوما

هذا الكتاب من تأليف عبد الله البرغوثي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبه

ا

رائد السعدي: أمّي «مريم الفلسطينية»

رائد السعدي، حكاية الصبر الفلسطيني الذي تجلّى في حكاية لا تزال تنسج فصولها على وقع احتلال يعادي الإنسانية. وعلى الرغم من أن الأسير الرهينة رائد السعدي، الذي دخل قبل أيام عامه الـ 34 في الأسر، يروي سيرته تحت عنوان «أمي مريم الفلسطينية» التي صدرت مطلع العام الجاري. إلا أن تلك السيرة التي كتبها في محبسه لا تعطيه حقه، لأنه الراوي المضحي بكامل سنوات شبابه، ففي نهاية هذا الشهر يطوي 33 عاماً في الأسر.ويعلل الأسير رائد أسباب الكتابة، بأن هذه التجربة «إعلان لتحطيم كل القيود والحدود الوهمية التي أرهقتنا، لأكتب وأوثق تجربتي، كما حدثت على مدار اثنين وثلاثين عاماً». كان من الممكن أن تنتهي حكاية رائد مع الأسر، مع قيام السلطة الفلسطينية، فضمن الاتفاقيات الموقعة، أقرت دولة الاحتلال بإطلاق سراح كل الأسرى الموجودين في سجونها ومعتقلاتها، إلا أنها ماطلت في إخراج بعضهم، وبعد مرور أكثر من ربع قرن من الاتفاق لا يزال حوالى 30 أسيراً يرفض الاحتلال إطلاق سراحهم.

وما بين رواية رائد وفلسطين، تحضر الأم التي حملت كل العبء وتحملت كل الآلام، في مسيرة تجاوزت أكثر من ألفي عام، فهي خزان الذكريات الذي لا ينضب وهي مشعل الأرض المقدسة، من مريم الفلسطينية أم المسيح إلى مريم نابلس والقدس وغزة، إلى أم رائد التي فارقت الحياة قبل سنوات وهي على أمل اللقاء به، ففي هذه اللحظة يقول رائد «طلبت من أخي أن يضع جهاز الاتصال بالقرب من أمي، أودعها، طلبت منها مسامحتي لغيابي عنها كل هذه السنين».
يتنقل رائد في سيرته بين المريميات، يمر عليهن واحدة واحدة، يقطف من كل بستان وجع مريمنا الأولى، ويحفر على صخر ذاكرتنا أسماءهن، كي لا ننسى. في سيرته، «أمي مريم الفلسطينية» يخصّص رائد مكاناً لهن يحضن فيه وجعه، ويحمل صبره وإيمانه زاداً للصمود في بئر يوسف الحالي الذي لا قاع له ولا نهاية، ينتظر بعض السيارة، لتفتح السيرة على فصل جديد، فعلى «الأرض ما يستحق الحياة».
في الأسر، يعني نقيض الحرية، الزمن، الأحداث، والوجوه، والأشخاص، تتكرر، ويبقى العقل وما يحتوي شاهداً على ملحمة فلسطينية لم يشهد تاريخ الإنسانية جمعاء مثيلاً لها. فهذا الاحتلال السادي من رأسه حتى أخمص قدميه يعتاش على قهر أهل الأرض، يمارس توحشه، ويختبئ خلف روايته التلمودية، ليبرر ساديته، ففي عام 2014، وفي خضم مفاوضات كانت تجري بين السلطة وحكومة بنيامين نتنياهو، لم يفرج الاحتلال عن الدفعة الرابعة والأخيرة، بعد أن تعهد بالإفراج عن 104 أسرى من ما قبل أوسلو، أفرج عن 74 منهم، ثم أقفل الباب على البقية من إخوة رائد.
يقترب أكثر وهو يحاول أن يخترق الجدران، الذاكرة وحدها قادرة أن تهزم واقع الزيف الذي يبنيه الاحتلال، وكل أسير يدرك ذلك، فكل فلسطيني لديه حكاية مع الاحتلال، لكن الأسرى لديهم حكايتهم الخاصة، ولكل منهم طريقته في التعبير عنها، تجتمع فصولها لترسم لوحة من الألم والمعاناة، كل بمقدار، تحت الاحتلال، أنت في الأسر، في مدينتك تحت حظر التجول، أنت في الأسر، في معتقلاته، أنت في الأسر، داخل المعتقل مراتب، في زنزانة التعذيب أو زنزانة العزل الانفرادي، وكثرت الحكايات كثيراً، فمنذ عام 1967 عايش تجربة الأسر في معتقلات الاحتلال، أكثر من نصف مليون فلسطيني أغلبهم من الشباب، لأيام ولأشهر ولسنوات.

الذاكرة وحدها قادرة أن تهزم واقع الزيف الذي يبنيه الاحتلال، وكل أسير يدرك ذلك


رائد، كما يروي، بدأ مسيرته النضالية الكفاحية عام 1985 بعد الانضمام للعمل المسلّح السري، حيث انخرط في صفوف حركة «فتح»: «التحقت بالفعل المقاوم عن طريق قيادي فلسطيني أسير محرر اسمه أبو علي شاهين». قاد خليته التي نفذت عدة عمليات عسكرية استهدفت المستوطنين، لم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد سنوات قليلة، اندلعت انتفاضة الحجارة، انخرط فيها ليتمّم سيرته الأولى في تجربة علنية، ويتحول بعد أشهر قليلة إلى مطارد من قوات الاحتلال، التي بدأت رحلة البحث عنه، سنتان ورائد في حاضنته الشعبية يعيش ويتنقل وينام، كل ليلة في بيت من بيوت قريته سيلة الحارثية، لم تمنعه المطاردة من قيادة النشاطات الشعبية التي شارك بها الجميع، لكن نموذج إعلان الحارثية منطقة فلسطينية محررة، واستخدام سماعات المساجد كأداة تواصل بين الجميع، تماماً كما الإذاعة في لحظة الحرب، كانت التجربة الخاصة والإبداعية التي لعب رائد دوراً أساسياً في تشكيلها، وأنا ابن قريته، شاهد على ذلك مع من تبقى من أبناء جيلي.
سنتان ورائد في رحلة المطاردة التي عجز فيها الاحتلال من الوصول إليه، تمنع رائد من محاولة العيش وأن يبقى قريباً من العائلة، التي تحمّلت عبء عشرات الاقتحامات لمنزلهم، واعتقال الإخوة والوالد للضغط عليه لتسليم نفسه، حيث يشير رائد إلى ثبات الوالد، ورفضه الإفراج عنه مقابل أن يسلم ابنه نفسه للاحتلال. ويضيف: «أرسل لي من داخل السجن أن لا أوافق على تسليم نفسي». ما أعظم موقف الرجل، وقد قرأت له مقابلة صحافية قبل أشهر وهو يتحدث عن آخر أمنياته، وهي أن يخرج ابنه رائد من الأسر، ليحتضنه ويضمه، بعد أن فقد بصره قبل سنوات، فيما يمضي يعقوب الفلسطيني منتظراً ريح يوسف لعل البصر يرتد إليه.
في الأسر يريد الاحتلال أن يتوقف الزمن عند الأسير، عبر تحويل آدميته وإنسانيته إلى مجرد لحظة عابرة، ومهمة الأسرى على الدوام، وفي صراعهم اليومي المفتوح مع السجان أن يبقى حضوره الإنساني، ففي السجن ينهي الثانوية العامة ويلتحق بالجامعة، ويتخرج، ويبدأ بالدراسات العليا، يشارك الأهل والأقارب أفراحهم وأتراحهم، عبر الاتصال بالهواتف النقالة المهربة إلى السجن، وقد زاد الإبداع عند الأسرى في السنوات الأخيرة، بالنطف المهربة التي أحيت الحياة مجدداً، وصار للأسرى أبناء وهم خلف القضبان.
إن إطالة أمد الأسر، له فلسفة خاصة لدى العقل الاحتلالي، فهو لا يعاقب الأسير فقط، بوضعه في السجن داخل الأسوار، بل يطال الأهل عبر سلسلة من العقوبات التي لا تنتهي، خاصة أثناء زيارة الأسير والتي أصبحت في السنوات الأخيرة نادرة. وقد تكون العقوبة بحق الأسير، وقد تكون أيضاً بحق الأهل، عبر ما يسمى المنع الأمني، حيث تحرم الأم من زيارة ابنها تحت هذا البند. يروي رائد قصة حدثت مع الأسير أيهم كممجي، عندما منع الاحتلال أمه من زيارة أيهم، واشترطوا عليها أن تطلب منه، كتابة استرحام، كي تتمكن من زيارته، ولم تكن تدرك أم أيهم أهداف الطلب، وبعد أن بيّن لها أيهم أن الطلب رسالة اعتذار عما فعل، قالت لأيهم عبر الهاتف «بغضب عليك إذا فعلت ذلك»، هذا موقف مريم مرة أخرى يتجلى. وبعد سنوات من وفاة والدة أيهم، تمكن من التحرر من سجن جلبوع، قبل أن تتمكن سلطات الاحتلال من اعتقاله وإعادته إلى السجن. أيهم يقول في إحدى لقاءاته مع والده أنه حقق أمنياته أثناء التحرر من الأسر، باستثناء أمنية واحدة، وهي عدم تمكنه من زيارة قبر والدته.
تمتد الفلسفة الاحتلالية، لترسم لكل الشباب الفلسطيني صورة المحتل الحقيقية، لمنعهم من السير على طريق من سبقوهم من الأسرى، وعلى الرغم من كل ممارسات الاحتلال طوال سنوات وجوده على الأرض الفلسطينية، بقي الأسير يمثل صورة البطل والقدوة وعنوان الوجود وجدوى المقاومة في ذهن كل شباب فلسطين.
رائد في «أمي مريم الفلسطينية» يحفر على كل الوجع، ويمضي، لكنه يعزي نفسه بمواقف كثيرة جعلته قادراً على الصمود، وعلى رأس تلك المواقف يروي رائد في سيرته الذاتية (روايته)، كيف أرسلوا رسالة إلى الشهيد فتحي الشقاقي، رسالة نقدية وقوية طالت حتى شخص الشهيد فتحي، ليأتيهم رد الشقاقي على الرسالة، طالباً منهم الصبر والصمود خاتماً رسالته بالقول «لا والله حتى تروا دمي على صدري». يشير رائد إلى مدى تأثير تلك الرسالة عليه حتى يومنا الراهن، فالقائد الشقاقي كان عند قسمه، وهذا هو القائد التاريخي الذي يختار وينحاز لخيار الشعب، ليلتحق بقافلة الشهداء.

تحميل كتاب المقدسي وشياطين الهيكل المزعوم 

تحميل كتاب المقدسي وشياطين الهيكل المزعوم 

الكاتب عبد الله البرغوثي

رواية للأسير عبد الله غالب البرغوثي المحكوم بأطول حكم في تاريخ البشرية ب67 مؤبداً..

هذا الكتاب من تأليف عبد الله البرغوثي و حقوق الكتاب محفوظة لصاحبها

كتاب الحافلات تحترق

بكتابه “الحافلات تحترق” الأسير حسن سلامة 48 مؤبدًا يكشِف أسرار عمليات “الثأر المُقدّس” لاغتيال المُهندس عيّاش: 46 قتيلاً وعشرات الجرحى.. الاحتلال رفض إطلاقه بصفقة شاليط والسلطة اعتقلته!

الناصرة – “رأي اليوم” – من زهير أندراوس:

أصدر الأسير حسن سلامة، (52 عامًا) من مدينة خان يونس بقطاع غزّة، منفّذ عمليات الثأر للمهندس يحيى عيّاش، الذي اغتاله الاحتلال الإسرائيليّ، أصدر كتابه (حافلات تحترق) مطلع الشهر الجاري كانون الثاني (يناير) الجاري، وفيه كشف للمرّة الاولى عن أسرار عمليات “الثأر المقدس” وكواليس عمل كتائب عزّ الدّين القسّام، الجناح العسكريّ لحركة المقاومة الإسلاميّة (حماس).

 وجاء في الكتاب: “خرجت بأمر من أبو خالد محمد الضيف، وبدأنا العملَ وخطونا خطوتِنا الأولى بإشرافِ ومساعدةِ ثلة من القادة، أمثال الشهيد عدنان الغول، والشهيدِ سهيل أبو نحل، والقائد محمد السنوار، وغيرهم الكثير، وسرنا متوكلين على الله في طريق محفوفة بالمخاطر، لا نمتلك سوى قليل من المتفجرات، ومبلغ من الدولارات لا يتجاوز الألف دولار دين”.

ad

 أطلقت كتائب القسّام وعدها إثر اغتيال الاحتلال للقائد عيّاش عبر تفخيخ هاتف محمول في غزّة بأن الرّد “سيكون مؤلمًا وسريعًا”، وبدأت بتشكيل الخلايا العسكرية أشرف عليها مباشر القائد العام للكتائب محمد الضيف الذي تولى أيضًا مسؤولية تأمين التمويل المالي اللازم لتنفيذ العمليات، فيما تكلّف أشخاص آخرون بمهمات نقل المواد المتفجرة من غزّة الى الضفّة الغربية، وكان ذلك يتطلّب مراحل الرصد الليلي والاستطلاع المتواصل وتجاوز إجراءات الاحتلال الأمنية والسياج الفاصل.

 وكان سلامة، وفق ما أكّده موقع (الخنادق) قد طلب أنْ يكون أحد الاستشهاديين الذين سينفذون العمليات الاستشهادية ردًّا على اغتيال عيّاش، إلّا أن قيادة كتائب القسّام أوكلت الى سلامة مهمة التخطيط والاشراف الميداني على سلسلة عمليات الرّد.

 واستطاع سلامة تنفيذ 3 عمليات أدت الى مقتل 46 اسرائيليًا وإصابة العشرات، وذلك بعد 40 يومًا فقط من استشهاد العيّاش، وقد أسس سلامة لها “مجموعة القدس” التي ضمّت الشباب الاستشهاديين.

 العملية الأولى، استهدف الاستشهادي مجدي أبو وردة مكان تجمّع الجنود لانتظار الحافلات التي تنقلهم الى الثكنات العسكرية، في القدس المحتلة بتاريخ 25 /2/ 1996.

 العملية الثانية، جاءت بعد ساعات فقط من الأولى، اذ استهدف الاستشهادي إبراهيم السراحنة حافلة تنقل الجنود الى مواقع خدمتهم العسكرية، في القدس أيضًا.

العملية الثالثة، نفذها الاستشهادي رائد الشغنوبي بعد حوالي الأسبوع من العمليتين السابقتين وفي المكان نفسه التي نفّذت فيه العملية الثانية.

 ولد حسن سلامة يوم 9 آب (أغسطس) 1971 في خانيونس في قطاع غزّة. كان من أوائل الذين شاركوا في فعاليات الانتفاضة الأولى عام 1987 ملتحقًا بحماس، وقد تدرّج فيها الى أنْ انخرط في الصفوف العسكرية في كتائب القسّام.  انضم سلامة إلى وحدة (الصاعقة الإسلامية) في حركة حماس، والتي كانت تختص بملاحقة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال في قطاع غزّة، وكان مسؤولاً عن مجموعتها في خانيونس.

كما عمل مباشرةً مع محمد الضيف، وفي تلك الفترة توطدت علاقته بالمهندس عيّاش، وقد كان سلامة المسؤول عن التخطيط لعملية الاستشهادي معاوية روكة التي طالت موقعًا عسكريًا للاحتلال في خانيونس ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين صفوف الجنود.

عاد الاحتلال الى مطاردته، فخرج من فلسطين المحتلّة مستغلاً هذه الفترة في التدريبات العسكرية في عدّة دول منها سوريّة وإيران، ثمّ عاد الى غزّة بموجب مقررات (اتفاق أوسلو) لكنّ السلطة الفلسطينية اعتقلت سلامة لمدّة 6 شهور.

بعد عامين، انتقل سلامة الى الضفة الغربية المحتلّة حيث تابع عمله العسكريّ انطلاقًا من مدينة الخليل، فشارك في تشكيل مجموعات جهادية تابعة لكتائب القسّام. واستمر الاحتلال بمطاردته، وبتاريخ 1996/5/17 نصب الجيش حاجزًا مفاجئًا في الخليل، تمكن الشهيد من اكتشاف الحاجز ومحاولة الهرب، لكن الجنود أطلقوا النار فأصيب وتمّ اعتقاله.

حكم عليه الاحتلال بالمؤبد 48 مرّةً، بعد عاميْن على اعتقاله، وضعه الاحتلال في عزل انفرادي استمرّ 13 سنة، ولم ينتهِ إلّا بعد أنْ خاض الأسير سلامة معركة الإضراب عام 2012، وقد رفض الاحتلال إطلاق سراحه خلال صفقة التبادل عام 2011 والمعروفة إسرائيليًا بصفقة شاليط.

السعودية تعتقل رئيس مجلس علماء أهل السنة لانتقاذه خذلان غزة

السلطات السعودية تعتقل فضيلة الشيخ / #عبدالله_الاهدل نائب رئيس مجلس علماء أهل السنة في حضرموت وعضو مؤسس لرابطة علماء العالم الاسلامي . تم الاعتقال اليوم في #مكة المكرمة وذلك بسبب كلمات كتبها حول حرب غزة ودور حكام العرب والقمة الفاشلة .

محمد مشبال.. تجربة الاعتقال والتعذيب

تجربة الاعتقال والتحقيق والتعذيب

محمد الأمين مشبال الذي اعتقل بتهمة الانتماء لمنظمة سرية تهدف القضاء على النظام الملكي القائم وإقامة بديل عنه جمهورية شعبية ماركسية لينينية.

تجربة الاعتقال والتحقيق والتعذيب
– الأوضاع في السجن

undefined

محمد الأمين مشبال- معتقل سياسي: كثيرا ما كنت داخل السجن أحلم بأنني غادرت السجن ويوقظني داخل الحلم صوت ويقول لي لا أنت تحلم، أنت في السجن وما بعد السجن كثيرا ما أحلم بأنني في السجن وبأنني مطارد من طرف الأجهزة الأمنية وبأنني أخضع للتعذيب وللتحقيق ولا أفهم لماذا لم أخرج من السجن وآخرون خرجوا هذه الكوابيس لا تنتهي.كنت أسير في الشمس الباردة عندما أمطرني حميد الدوكالي بوابل من الأسئلة كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ ثم مضيت بجسدي على طريق رمادي أو رصاصي اللون في قلب مدينة فاس، كنت أفكر في الغد أكثر مما يجب وقد حوّل ذلك حياتي إلى قلق مستمر، انزويت قليلا أمام جذع شجرة نخيل ممتدة أطرافها العليا إلى السماء وعندما هممت أن ألتفت خطوت خطوتين وسمعت وطء أقدام قريبة مني أحدهما طويل بدين حاد النظرات والآخر قصير أحمر الخدين قوى العضلات، أثاراني بخطواتهم المتثاقلة والتفاتاتهم العميقة إلى عيناي، حاولت أن أتجاهلهما لكن صوتا حادا تطلع إليّ متسائلا عن عنوان أحد الشوارع فأجبته بأني لا أعرفه بينما كنت مقتنعا بأنهما يريدان التثبت من ملامحي، حاولت أن أتابع سيري فإذا بأحدهما يمد يده بسرعة نحوي تراجعت خطوة وقاومت قليلا لكن الرجل الآخر كان قد وضع الأصفاد في معصمي وأحسست أنها بداية النهاية وأن الشمس المشعة توشك أن تغرب إلى الأبد وأن تهجر عيناي الحالمتين، حاولت أن أستدير بوجهي إلى الوراء لأتابع حميد وهو يجري هاربا من الجحيم لكن يد خشنة أرجعتني إلى الأمام ثم سمعت صوتا مشحونا بالاستفزاز والسخرية يقول لقد وقعت، كنت أطل من النافذة بعينين غارقتين تكسوهما أشباح الكآبة والهلع، اعتراني ذهول وشعور عارم بالخوف من المصير المجهول ومن التعذيب والطرقات مثقلة بالشمس والسيارات والبيوت والدكاكين والمقاهي والمارة، أما أنا فقد غمرت الظلمة أرجاء جسدي ودقات قلبي تتسارع وتخفق كالبركان، ظللت أتابع الطرقات والمقاهي بعيناي وأودعها بذهول الذي رافقني منذ أن وضع القيد في يدي، الذاكرة تحمل الأشياء الكثير من الاعتقال، فالاعتقال كان قد استغرق فترة زمنية طويلة، لقد امتد من شهر فبراير 1976 إلى غاية 19 نوفمبر 1986 أي ما يناهز 11 سنة وهذه المرحلة كانت مرحلة طويلة وفيها تقلبات كثيرة كما رويتها في الكتاب، بدأت بالاختطاف ومرحلة التحقيق والتعذيب. كانت محاكمة 1973 كانت فتحت.. استعملها اليسار الذي حُكِم ولا الرفاق آنذاك كمنبر لطرح مواقفهم فكانت محاكمة 1976.. 1977 تسير في اتجاه مسبق، رُسم لها خطوط التشدد وإن كان بالمقابل أكان توجه داخل معتقلين سياسيين آنذاك لتكون تشدد من طرف الآخر بإثارة قضية الصحراء المغربية وطرح من زاوية طرح آنذاك السيرفاتي مسألة الجمهورية الصحراوية وطرح قضية الصحراء في المحاكمة مما خلق ملابسات كثيرة، على أية حال السجن ثم المراجعة، التجربة، الصراعات ما بين رفاق ما بين الأمس وهو أمر ليس.. لم يكن أمرا سهلا لا من الناحية الفكرية أو من الناحية الإنسانية خصوصا بأن يجد الإنسان نفسه في وضعية التي طرحها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر حين قال إن الجحيم هو الآخر، وقفت السيارة أمام بناية كبيرة عرفت أنها مخفر الشرطة، كانت جموع الناس كثيرة اختلط فيها الصغير بالكبير والرجل بالمرأة وكان القناصان يدفعاني بشدة حتى كدت أتعثر في حافة درج الرصيف، دخلنا بابا كبيرا ثم عبرنا ممرا ضيقا باتجاه أحد المكاتب، فتح سائق السيارة الباب ودفعني من كتفي حتى ارتطمت بالحائط الأيسر من الغرفة، أقعدني على كرسي من دون متكأ وبقيت متصلبا للحظات أتأمل لافتة صغيرة وُضعت على المكتب تحمل اسم تاشفين، لابد أنه اسم المحقق الذي سيشرف على التعذيب لكن مهما يكن فلابد أن أصمد وأراوغ وأفرغ من كلمة إلى كلمة حتى يمضي الوقت سريعا، ينبغي أن تكون كلمة لا منقوشة داخل كل خلية من جسمي المناضل، أحسست وأنا أنتظر المحقق بتوتر يسري في أوصالي وتساءلت في كل ثانية ماذا أفعل؟ عندما بلغت عامي السابع عشر بدأت نسمات سياسية طفيفة تطل على حياتي كان لأخي عبد المؤمن دور رئيسي في توجيهي وإيقاظ نوع من الوعي السياسي لديّ، جاءت سنة 1972 لتضعني في تيار حركة التلاميذ فقد شهدت تطوان مثل باقي المدن المغربية الأخرى اضطرابات ومظاهرات للاحتجاج على مشروع إصلاح البكالوريا والمطالبة بمنح الحق النقابي للتلاميذ، شاركت بدور التلاميذ في المظاهرات أو التجمعات الحماسية التي انعقدت بثانوية القاضي بن العربي، لفت انتباهي حين ذاك تدخلات تلميذ بقسم البكالوريا يدعى عبد الباري الطيار كان يوظف تعابير ماركسية ثورية في خطبه وفي خضم كل هذا لم نكن نعرف هدفنا بوضوح بل لم نكن نعرف ماذا نرغب في الوصول إليه، ما اسمك؟ أجبته بصوت خافت محمد الأمين مشبال، تابع حديثه بزهو وفخامة متعالية وقد ثبّت عينيه في عيني، مع مَن كنت تعمل في هذه السنوات؟ هززت رأسي وقلت لا أعلم، لكنه اندفع دفعة واحدة وتحول الهدوء في المكتب إلى عاصفة من الصدى المتفجر، صرخ في وجهي محتدا وهو يحدق إليّ متفرسا عندما أسألك أجب أو.. لمحت في نظراته تهديدا ووعيدا بالشر لكنه عاد إلى سخريته وهدوئه وأردف تحسب نفسك ذكيا سوف تتكلم، اعلم جيدا أنك ستتكلم كالآخرين أين تسكن؟ أجبته بنبرة مكتشفة هادئة عند خالتي.

والدة محمد الأمين مشبال: كان يدرس في مدينة العرائش قبل أن ننتقل إلى تطوان وهو في سن الثانية عشرة كنت أرسله ليدرس بالمدرسة بينما هو كان يمارس السياسة الفوضى لم أكن أعلم شيئا كان يصطحب بعض زملائه اثنان أو ثلاثة إلى المنزل وقت الظهيرة وعندما أسأله مَن هم؟ يقول لي إنهم زملاؤه في الفصل، كنت أصدقه، كنت أقدم لهم الحريرة المغربية أو القهوة أو الشاي، اجتاز امتحان الباكالوريا بنجاح وقررنا إرساله إلى مدينة فاس كي يكمل تعليمه وسافر بصحبة والده إلى فاس حيث تقيم أختي وأخي، عندما أخبرهم زوجي بأن الأمين سيكمل تعليمه في فاس، رحبا بالأمر وفي انتظار تدبير شقة له أقام مؤقتا عند خالته، ذات يوم اقتادته الشرطة إلى بيت خالته.. تخونني الذاكرة في كثير من التفاصيل.. كان يتصبب عرقا، طرقوا الباب بشدة وسألوا ابنة أختي أين غرفته؟ قالت هاهي، دخلوا الغرفة وفتشوا كل شبر فيها، كان يموت عطشا كان في الـ 18 من العمر فقط وطلب من ابنة خالته أن تحضر له ماء، جلبت له ابنة أختي نزهة كأسا من الماء لكنه لم يكد يشرب الجرعة الأولى حتى أزاح عنه أحد رجال الشرطة الكأس، قالت له ابنة أختي دعه يشبع قال كفاه وأخذ منه الكأس، لم يخبرني أحد بما جرى كتموا الأمر عني وأنا كنت هنا في تطوان.


التعذيب لا يمكن أن يُنسى لأنه بالنسبة لي  كان قاسيا وموجعا ومؤلما، بحيث يجعلك  حين تتأمل الزمن تجد الثانية من التعذيب أو الدقيقة ودون أدنى مبالغة تساوي سنة ضوئية

محمد الأمين مشبال: التعذيب لا يمكن أن يُنسى لأنه بالنسبة لي تعذيب كان قاسيا، يعني التعذيب لم يكن مجرد لم يقتصر فقط على الجانب لنقل الجانب التعذيبي الذي وصفته في الكتاب يعني الفلقة أو الطائرة والشيفون من أجل الاختناق يعني التعذيب الجسدي الذي كان قاسيا وموجعا ومؤلما والتعذيب يجعلك من بعدها حين تتأمل التعذيب تجد أن مفهوم الزمن يختلف ثانية من التعذيب أو دقيقة تحت التعذيب وبدون أدنى مبالغة تساوي سنة ضوئية. ما بعد التعذيب الجسدي هناك التعذيب النفسي، أنت تخرج وتستنشق الهواء وأن تتجول حلما بعيد المنال أن تعيش الحب بشكل طبيعي وعادي، مسألة مستحيلة، كل هذه الأشياء تؤدي إلى تعذيب نفسي لا يقل قساوة عن التعذيب الجسدي ويصبح الحلم ومع مرور السنين يصبح الحلم بمغادرة السجن وبالحورية يصبح شيئا شبه مستحيلا.

والدة محمد الأمين مشبال: مرت ستة أشهر دون أن نعرف مكانه أو حتى إن كان على قيد الحياة، والده كان رجلا عجوزا ومع ذلك ظل يبحث عنه ويربي الأمل في معرفة مكانه، أخوه الذي كان يعمل أستاذا هو أيضا بحث ولم يجد له أثرا إلى اليوم الذي ظهر فيه فجأة.. نسيت تفاصيل كثيرة لأن المدة كانت طويلة.. عندما ظهر قدم للمحاكمة أذكر أن المحكمة كانت مطوقة برجال الشرطة داخل وخارج المحكمة وعلى السلالم وكأن القضية كبيرة وكل ما في الأمر فتى في 18 من العمر، كان الولوج إلى المحكمة أمرا شاقا ومؤلما، كنت أطلب أن أرى وجهه وما أن يراني ويرى الدموع تنهمر من عيني حتى يشيح بوجهه عني ويختفي، كان رجال الشرطة هكذا أمامنا وهكذا المحامون ونحن هنا وهم هناك كان يراني فيشيح بوجهه فتشتعل النار في قلبي.

محمد الأمين مشبال: شرع الرئيس في النطق بالأحكام، سجن مؤبد لخمسة رفاق وبعض الآخر تراوحت أحكامهم ما بين ثلاثين وعشرين وعشر وخمس سنوات، سادت القاعة كلها لحظة ذهول مخيفة، أما أنا فقد سمرتني الصدمة في موضعي وشردتني، عشرون سنة إضافة إلى سنتين لإهانة الهيئة القضائية في بئر بارد مغلق تحده الأشواك، لم أعد أرى أمامي إلا النهاية المأساوية وانقلب الأمل المتبقي في ذهني إلى حزن ذابل مغمور، شعرت بثقل جسدي لأول مرة وتردد صوتا بداخلي جياش الأصداء وكنت وحدي أمضي في ذهول أتأمل الأشياء من حولي مكسور القلب والعينين وهاهي الوجوه تعاند الدموع المنجرفة وتعالت الكلمات الغربية الممتزجة.. الواقع أمامي شاحبا وصارت تطوان كالفردوس المفقود.

والدة محمد الأمين مشبال: عشرون عاما كانت صدمة قاسية بالنسبة لي تعرض زوجي لحادث وكسرت رجله على أثره كان عليّ أن أترك له طعامه جاهزا لأنه مريض بالسكر كنت أطلب من الناس اصطحابي إلى السجن كي أزوره الرجل مريض والابن مريض فلقد تكبد ابني حكما أكبر من سنه كنت امرأة عاجزة عن فعل أي شيء لم يكن بيدي ما أفعله، ما تركته لي أمي من مال وذهب بعد وفاتها كنت مستعدة لبذله لأجله لم أكن لأستخسر فيه أي شيء لو طلبوا هذه سأقدمها في سبيل أن يستعيد حريته الحمد لله كل شيء انقضى.


التهمة التي حوكمنا من أجلها كانت الانتماء لمنظمة سرية تُدعى إلى الأمام بهدف القضاء على النظام الملكي القائم وإقامة بديل عنه جمهورية شعبية ماركسية لينينية وذلك عن طريق العنف كإستراتيجية ثورية للتغيير

محمد الأمين مشبال: التهمة التي حوكمنا من أجلها هي كما ورد في محضر يعني قرار الإحالة هي كانت الانتماء لمنظمة سرية تُدعى إلى الأمام بهدف القضاء على النظام الملكي القائم وإقامة بديل عنه جمهورية شعبية ماركسية لينينية وذلك عن طريق العنف كاستراتيجية ثورية للتغيير، هذه هي التهمة التي من أجلها اعتقلنا وحوكمنا، كانت لنا تصورات وهي تصورات تستمد مشروعيتها من جهة الاحتقان السياسي اللي كان يعيش في المغرب آنذاك من حيث كان هناك صراع ما بين القوى المعارضة؛ اتحاد وطني، القوات الشعبية وحزب استقلال بدرجة أقل مع النظام وخروج المغرب من الفترة الأفقية هي التي كانت تعرف التشدد وقمع شديد وهدر للحريات العامة، إذاً كان هذا المناخ السياسي الداخلي وتشدد وبمقابل كان هناك مناخ عالمي كان المناخ العالمي يعزز هذا النموذج وهذا الطرح الاشتراكي أو الماركسي اللينيني كان يعززه ويعطيه كل الموضوعية من هنا انبثقت مجموعات صغيرة ماركسية لينينية صغيرة أساسا عمادها الطلبة ومثقفون والأساتذة وحاولت طرحت على نفسها أنها ستقوم بتغيير المجتمع، أنها ستقوم ببناء حزب يطلق عليه حزب العمال وستقود العمال والجيش من الفلاحين تحت راية حمراء نحو الثورة الشعبية.

[موجز الأنباء]

الأوضاع في السجن

محمد الأمين مشبال: بعد جئنا معتقل دارمولي، شريف خلعنا ملابسنا وارتدينا قميص وسروال كاكيين وأخذ كل منا رقمه وكان رقمي 25 ثم صففنا الحجاج صفا واحدا وأداروا وجوهنا إلى الحائط ومررنا ببطء والكرباج يهوي على رؤوسنا وظهورنا وأيدينا ننحني ونختبئ كل واحد منا في الآخر ويتمايل فيرتطم بالحائط ثم يعود لضربات ولسع السياط وُضع كل أربعة أو خمسة في زنزانة لم أرها لكن إحساسي بقتامة يبدو واضحا مرأى العين منعونا من الكلام منعا باتا شحب وجهي وصرت هزيل البنية خائر القوى أعانق ذكرياتي وأجول بخاطري في تطوان أتذكر أمي وأبي وكل العائلة التي ما ظننت يوما أني سأفارقها كل هذا الوقت، كان سجن القميطرة المركزي رهيبا وشامخا ساحة عارية متسعة وبناء ضخم ممتد ورق مرتصف متلاصق داخل البناية الضخمة يوجد ممر فسيح طويل يتوسط صفين من الزنازين خطوناه بهمومنا الثقيلة فارتج فيه صدى أحذيتنا وتسرب في الحائط ذهننا يتبع خطواتنا البطيئة.

مشارك أول: كان النشاط محدودا مظاهرات بين الفينة والأخرى منشورات لا تغني من جوع لأنها كانت تصاغ باللغة العربية وتوزع لكن هل كانت تصل إلى الناس؟ هل كانوا يقرؤونها ومع نسبة الأمية الموجودة في البلد الله أعلم وإذا قرؤوها ما مدى تأثيرها؟ مَن كان سيستفيد منها؟ إذا فقط رجال الشرطة لأنهم كانوا يأخذون المنشور ويبحثون عن مصدره، في عام 1974 بدأت الاعتقالات في طنجة على إثر توزيع منشور كان بعض الطلبة قد ذكروا اسمي لرجال الشرطة فجاؤوا إلى تطوان بحثا عني لم يكن لديهم من المعلومات عني غير الاسم وأنني طالب لذا اعتقلوا خمسة أو عشرة أشخاص يحملون الاسم نفسه من بينهم أولاد عمي وأصدقاء لهم الذين وجدوه في طريقهم اعتقلوه أما أنا فاستطعت الإفلات من قبضتهم بعد أن لذت بالفرار في 1974 في اتجاه الدار البيضاء عشت هناك حياة جديدة اسم جديد هيئة جديدة بطاقة، هوية جديدة، أهل الحي الذي كنت أسكنه كانوا يعتبروني أستاذا، قضيت عاما ونصف في فراغ مطلق، تصوروا أن شابا في العشرين من العمر يعيش فراغا مطلقا والسبب أن رفاقنا في التنظيم سامحهم الله مارسوا علينا نوعا من الكذب لأنني عندما تحولت إلى محترف ثوري تخليت عن حياتي الرسمية وعن أسرتي التي كانت في حاجة لي، تخليت عن مستقبلي واحترفت الثورة، ذهبت إلى الدار البيضاء على أساس أن المنظمة حسب ما كانت تدعيه في منشوراتها متجذرة في الطبقة العاملة وعولت إذاً على الاشتغال ضمن الطبقة العامة أو في المجال التلاميذي أو الطلابي لكني لم أجد إلا الفراغ القاتل، كنت أقضي ستة أيام في الأسبوع معتكفا في البيت أو أجوب في شوارع الدار البيضاء إلى أن أصبحت لدي صعوبات حتى في الحديث مع الناس لأنني لم أكن أخالطهم إلى أن بدأت الاعتقالات، يمكن أن أقول بأن عددا كبيرا من رفاقنا وهذا الأمر أثير في عدد من النقاشات الثنائية داخل السجن عاشوا لحظة اعتقالهم قد لا يفصحوا عن هذا يوما، هذا أمر يخصهم عاشوا لحظة اعتقالهم على قساوتها كلحظة خلاص، مصطلحات الآن عن حقوق الإنسان أمر ضروري وإيجابي ويجب أن تكون لكنها اليوم تحققت بفضل تطورات المجتمع المغربي برمته، الآن أصبح من الصعب أن تتخيل أن تقدم السلطة على اختطاف شخص ما وما وصلنا إليه حاليا هو نتيجة لوعي كل الأطراف بتجاوزاتها وأخطائها وإيجابياتها.

مشارك ثاني: عندما كنت في سيارة الاعتقال وجاءني رجال الأمن كنت وأنا ذاهب إلى السجن كنت أتصور بأن الشارع سينتفض، العالم كله سينتفض، غدا ستقع ثورة، العالم كله سينتفض معي وأنا كنت آنذاك في عمر ثماني عشر سنة داخل السجن وكنت في السيارة أمضي إلى الناس من قلب السيارة وأعتقد أن الناس سيتحركون والشارع التطواني سيتحرك سينادي بإطلاق سراح فلان وفلان وفلان، النظام ظلمنا ظلم كبير جدا، كيف يعقل ثلاث سنوات العمل السياسي تحكم على 12 سنة سجنا هذا هو الظلم الكبير اللي كنا حاسينه أنه ثلاث أعمال أولا السن مبكر يمكن يقولوا علينا يمارس العمل السياسي بشكل مبكر داخل قطاع تلاميذي محدود، إمكانياته محدودة على مستوى التغيير يحاكم 12 سنة سجنا، أنا أعتبر أن الخطأ الكبير الذي وقعت فيه منظمة الأمام أو الحركة الماركسية هو مسألة الصحراء، أعتقد أن الخطأ الكبير اللي سقطت فيه إحنا لحد هذا الوقت لم نكن واعيين به كل الوعي، أعتقد أن الخطأ الكبير لأنه هو الخطأ الاستراتيجي اللي بنيت به القاعدة الأساسية أنهم كانوا يعتقدوا بأنهم من الصحراء سيتم تغيير المغرب، هذا كان خطأ كبير وكبير جدا، كيف يعقل داخل وهذا الشيء اللي الحقيقة والتاريخ كيف يعقل أنه أكثر من 90% من المعتقل شباب عمرهم أكثرهم بين 18 وعشرين سنة حتى 21 سنة قائد من القادة الكبار يأتي المحكمة يقول عاشت الصحراء عاشت بوليساريو عاشت دوح، الحال اللي إحنا ما تصورناش إن داخل بالعكس كان سؤالنا إن هو ينقض الشباب ويدفع المحكمة حتى جاء لواء آخر ليمشوا في اتجاه اللي أراده لأنه كأن نحن نحاكم داخل المحكمة على مسألة الصحراء، بالعكس نحن لم نحاكم فقط على مسألة الصحراء بل نتحاكم على أفكارنا السياسية، على توجهنا، على الفكر الماركسي اللي آنذاك ولكن لم نحاكم فقط على مسألة الصحراء بل قادة جاؤوا لنا أو القائد أو أحد القضاة جاء قال المسألة كأنها مسألة الصحراء هي الموضوع الأساسي وتوثق الاتهام الأساسي لهذا يبين نقط الاتهام والخيانة الوطنية لدولة داخل المحكمة بشكل واضح واللي كان المحكمة تشتغل في هذا الاتجاه بتهمة الخيانة الوطنية.

محمد الأمين مشبال: الأيام الأولى من شهر أبريل 1977 تواصلت برسالة من ابنة أختي هدى أخبرتني فيها بوفاة عبد الحليم حافظ، خفق قلبي وأحسست بعيني تتسعان وأنا أتابع الكلمات بذهول ثبت وجهي في الحائط المقابل لي وكظمت ما تبقى في نفسي من الغبطة شعرت بالصدمة تكاد تأكلني، أدرت وجهي بيمنة ويسر وتمتمت كل ما هو جميل يسير نحو النهاية، مَن سيغني بعدك للحياة يا عندليب؟ وداعا يا ساحر الحياة والفن، وداعا يا مَن علمني كيف أحب. كانت القراءة وسيلة تخلصني من الملل وحلاً ينعش تفكيري لكن إدارة السجن منعتنا من قراءة الكتب ذات الطابع السياسي خصوصا الكتب التي تتجه الوجه الماركسية اللينينية، لذلك عمدنا إلى قراءة الروايات والكتب الأدبية والمجلة ذات الموضوعات المتنوعة في هذا الصيف وصلنا نبأ زيارة أنور السادات إلى إسرائيل، أحسست بمرارة تعتريني وسألت نفسي بامتعاض ما هو الثمن؟ لم نتفق مع مبادرة السادات، قد رأينا أن تسوية مصر لمشاكلها مع إسرائيل بمعزل عن سوريا والفلسطينيين سيضعف قدرة العرب على المواجهة. الشون جميلة بجبالها، ريح ريفية تطفح في كل ناحية من نواحيها، قمم عالية يتبعثر فوقها الثلج، هذا ما تراءى لي وأنا أطل من الطابق العلوي للسجن بعيني الساهمتين لم يكن سجن الشون مثل باقي السجون التي ضمتني من قبل، سجن صغير أشبه بمنزل في الأرياف نظيف وبارد لكنه دافئ بإحساس تراني وأنا أدخله مقيد اليدين، بلغ عددنا حوالي أربعين معتقلا وُزعنا في غرف ثلاث شاسعة المساحة، واصلنا إضرابنا عن الطعام في الشون رغم تشتيتنا المفاجئ وفي مساء يوم 17 من الإضراب فوجئنا بزيارة بن ذكري والفاكهاني وهما رفيقان من لجنة المفاوضات أخبرونا بأن وفدا برلمانيا اجتمع بالسرفاتي وطلب منه أن يتدخل ليقنع باقي الرفاق بتوقيف الإضراب عن الطعام لأن عواقبه الصحية ستكون وخيمة ولأنه لن يكون مجديا سياسيا، قَبِل السرفاتي العقد وكانت هذه المرة الوحيدة التي يتصرفوا فيها بحكمة وطلب من الوفد أن يجتمع بأعضاء لجنة المفاوضات وفعلا تمكن السرفاتي من إقناع أغلبية أعضاء لجنة المفاوضات موضحا لهم أن هذا الإضراب الجديد هو انتحار فقط، فقامت لجنة المفاوضات بإقناع الرفاق بضرورة توقيف الإضراب دون أن تعترف بخطأ تحليلها السياسي ومنطلقاتها لخوض غماره وبعد مناقشات صاخبة وافقت الأغلبية على قرار توقيف الإضراب أما الأقلية التي كنت من ضمنها فقد عارضت هذا القرار ورأت أن لجنة المفاوضات لم تأت بتحليل أو معطيات جديدة تستدعيه. في شهر أبريل من السنة نفسها جاء قرار وزارة العدل بإرجاعنا إلى السجن المركزي بالقميطرة أشعر بالغبطة عندما علمت بعودتنا إلى القميطرة كانت ألفتي بالشون غمرت إحساسي الحزين وبعثت فيه قليلا من الهدوء والسكينة كنت أرى فيها صور من تطوان وفي كل لحظة من لحظات الزمن المر أحس بنبضها العليل في عروقي الدفينة، سقط الليل فخيم الصمت القاتل على حي أليب ولجت زنزانتي تمددت فوق الفراش وتأملت بياض السقف شيئا أقوى مني كان يدفعني إلى التفكير والشرود. رحت أعيد شريط أحداث اليوم المرير الذي ودعت فيه عشرات الأصدقاء ضاقت بي الجدران وببياضها الذي مقتني بنظرات فاجرة فعبث بالسواد ورمى بي إلى المجهول شعرت بقطرات دموع تنزلق ببطء على خدي تتبعها أخرى حائرة تلمع تحت أشعة المصباح الشاحب ثم اجتاحتني نوبة بكاء حادة لم أعرفها من قبل رغم كل الظروف القاسية التي مررت بها منذ اليوم الأول لاعتقالي، بكيت ذات يوم على حظي السيئ في عفو سنة 1980 وها أنا ذا أبكي ثانية، كنت واعيا أن قطار الحرية لا يصفر إلا مرة واحدة كل أربع أو خمس سنوات ومَن فاته فعليه أن ينتظر ابتسم المدير في هدوء وتمتم بكلمات مضيئة هنيئا لكم لقد صدر في حقكم العفو الملكي، نظرت إلى رفاقي من حولي في ذهول، فتحت فمي شاردا وحاولت أن أقول شيئا لكني صمت،امتلكتني رغبة في أمور عديدة طالما انتظرت هذا اليوم بدم الشوق والصمت الجريح وانبعث من أعماقي صوت هائج صرخ في وجهي ماذا تنتظر؟ إذاً عانق أصدقاءك وامرح كالمجنون مثلما حلمت دائما فالحرية أجمل ما في هذه الحياة ودعت غرفتي وخطوت بثقلي في الممر يرافقني صدى حذائي اختلطت في ذهني صورة تطوان والعائلة والبحر وأنا أتمعن المكان بعين حرة فغمر نفسي إحساس حزين عبرت السيارة باب السجن الكبير ومازالت أنظر إلى بنائه المرتفع ابتعدت السيارة قليلا وكان السجن مازال يبدو كبيرا لكنه بدأ يصغر ثم يغيب حتى اختفى عن الأنظار وأنا في السجن كنت أحلم بالحرية وأن يبدأ الإنسان صفحة جديدة وأن يلحق بالزمن الهارب.

بعد تعرضه للتعذيب.. متهم بالمشاركة بهجمات 11 سبتمبر يُعتبر غير أهل للمحاكمة

بعد تعرضه للتعذيب.. متهم بالمشاركة بهجمات 11 سبتمبر يُعتبر غير أهل للمحاكمة

أفادت نيويورك تايمز بأن المحكمة العسكرية الأمريكية بغوانتانامو لن تستطيع محاكمة رمزي بن الشيبة المتهم في اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بسبب تبعات تعذيبه التي جعلته غير مؤهل للتواصل مع فريق دفاعه لإصابته باضطراب ما بعد الصدمة واضطراب التوهّم.

ارتأت المحكمة العسكرية الأمريكية في غوانتانامو الخميس أنها لن تحاكم رمزي بن الشيبة، أحد متهمي اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، بسبب التبعات النفسية لتعذيبه خلال اعتقاله، حسب نيويورك تايمز.

وكان من المقرر مثول بن الشيبة اليمني البالغ 51 عاماً مع أربعة متهمين آخرين في محاكمة يواجهون فيها عقوبة الإعدام، لكن القاضي العسكري الكولونيل ماثيو ماكول اعتبر أن وضعه النفسي يمنعه الدفاع عن نفسه، وفق التقرير الصحفي.

واعتبر الأطباء النفسيون العسكريون أن حالته تجعله “غير قادر على فهم طبيعة المحاكمة بحقّه وعلى التعاون بمنطقية” مع فريق دفاعه، وصنفوا إصابته باضطراب ما بعد الصدمة واضطراب التوهّم.

ويشكو بن الشيبة منذ سنوات من أن “قوى خفية تعذّبه، فتجعل زنزانته وسريره يرتجّان وتلسع أعضاءه التناسلية وتحرمه النوم”.

وأكّد محاميه أن موكله تعرض للتعذيب بأيدي عناصر من CIA، وأصيب باختلال نفسي نتيجة ما تطلق عليه CIA “تقنيات الاستجواب المشددة”، وهي تتضمن الحرمان من النوم والإيهام بالغرق والضرب.

كان من المقرر أن يمثل بن الشيبة الجمعة في جلسة تمهيدية قبل المحاكمة، مع خالد شيخ محمد، العقل المدبر لاعتداءات 11 سبتمبر، وثلاثة متهمين آخرين، جميعهم معتقلون منذ أكثر من 15 عاماً في غوانتانامو دون محاكمتهم حتى الآن.

TRT عربي – وكالات

رواية (العنكبوت)

الاخ جمال شعيرات ـ صاحب رواية (العنكبوت) ورواية( سطوة الفرار) الرواية التي تندرج في إطار إنتاجات الروايات والمذكرات السجنية كما يروي الكتاب لتجربة السجن برج الرومي من حيث كأخطر السجون في العالم العربي فلا يضاهييه سجن أبو غريب ولا سجن غوانتناموا … في كوبا إنها درا قة كما يسميها القاص البشير الخلفي كستار يحجب الحقيقة كما يروي لأيام سجنية خارج الاسوار وذلك إبان سنوات الجمر .إبان حكم الدكتاتور في سنوات العذاب ويشترك في تجربته أي جمال شعيرات مع إخوانه وهم احباب الله ومع البرائة الشهيدة بحضور روايته ” العنكبوت ” التي مثلت إضافة لمكتبة أدب السجون …
موعدكم اليوم عبر قناة الزيتونة في حلقة خاصة بأدب السجون للمناضل والكاتب جمال شعيرات.