أرشيف الوسم : ادب السجون

السردية الأدبية للتجربة السجنية في تونس: الذاتي والجمالي وسؤال الحقيقة

ينتهي السّجن في تعريفه الاصطلاحي إلى كونه “مؤسسة تنفيذ عقاب” بما يعني أنه إحدى الوسائل التي تعتمدها السلطة لممارسة جانب من العنف المنظم الذي تحتكر وحدها صلاحياته. بعيدا عن هذا التعريف، يظهر السجن في تصور علاقته بالسجين فضاء تثبيت على الأجساد حالات الانضباط والخضوع. تنتج السلطة به وداخله حكم القانون في سياق ممارسة قمعية. يستحيل هنا ما كان أداة الى سلطة أكبر من السلطة التي أنتجته كهيئة ليخدمها وتُحيلنا  المقاربة “المفهومية” للسّجن في بُعدها الإشكالي هذا إلى السؤال حول رسومه في ذّاكرة من كانوا داخله محكومين بقانونه.

تحضر سردية السّجن جانبا من حياتنا اليومية عبر بوابة أمثالنا الشعبية أو في التصنيفات الاجتماعية للسّجناء ولكنها سردية وصم اجتماعي لا تقدم صورة عن داخل السجن بقدر ما تحاكم من كان فيه. ويرسم الفن الشعبي صورا متعددة لذاكرة السّجن تكشف لحدّ ما عن نواميس الحياة اليومية لمساجين الحق العام داخله، ولكنها تخرج من محيط ذاكرته سريعا لحديث العاطفة. تكون في محامل أخرى نصوص السجناء السياسيين أكثر إلصاقا بذاكرة المكان تلازم في فصولها وقع أيامه على فكر وجسد من كتبها. تستحيل هنا الكتابة الإبداعية للسجناء السياسيين فعل رصد لارتدادات التّجربة السّجنية على نفس السّجين، كما هي إضاءة واعية على عوالم أخرى يحددها الزمان والمكان بكل ما فيهما من تفاصيل. فتكون في عمومها وثيقة تصلح أن تدرس في سياق مسارات العدالة الانتقالية للسؤال عن الحقيقة أولا وعن دور الذاكرة في علاجات جراح الماضي.

طوّرت الثورة وما ساد بفضلها من حريات عدد الأعمال الأدبية في شتى تنويعاتها الأجناسية من رواية ورواية سيرة ذاتية أو سيرة ذاتية روائية وسيرة ذاتية وتخييل ذاتي والتي تتخذ من السجن موضوعا لمتونها الحكائية. ويجيز هذا القول بكون “أدب السجون التونسي” بات يتميز بالثراء على حداثته وأن ثراءه يعود في جانب منه للحراك السياسي الذي يفرض دوما السؤال حول تاريخ الاستبداد.

يكون مدخل محاولتنا البحث عن الذاكرة كما العدالة في النص الأدبي تقديم قراءة خارجية للمشترك بين مختلف نصوصه لننتهي إلى قراءة خصوصية لنصوص نقدر أنها تصلح أن تكون عينة ممثلة لتنوعه سواء في بعده الإبداعي أو التاريخي.

1- المشترك في كتابات أدب السجون:

يظهر هذا المشترك في زمن النص كما يعاود الظهور في علاقة النص بالكاتب كما يفرض الوعاء الأدبي أن تكون التقنيات الإبداعية المتمثلة في التخيل مشتركا يقفز على الحاضر ليصل الماضي بالمستقبل.

الزمن في النص:

ترصد التّجربة السّجنية في النّص الروائي ثلاث محطات زمنية تبدو ظاهريا مستقلة عن بعضها البعض إلا أنّها في الحقيقة تتصل فيما بينها وهي:

أولا: فترة ما قبل الاعتقال، وتحوي ممارسات المناضل السياسي في معارضة السلطة الحاكمة.

ثانيا: فترة الاعتقال، وهي عمق التجربة السجنية إذ تكشف عن الوجه القمعي للنظام الاستبدادي وتعري ممارساته تحقيقا مع السّجناء وتعذيبا لهم معنويا وماديا.

ثالثا: فترة ما بعد الاعتقال وتمثل ظاهرا مرحلة استعادة السجين لحريته التي سلبها منه السجن واكتشافه أنه يحمل السجن داخله حيثما انتقل في الزمان والمكان. إذ يكتشف الراوي بمناسبته أنه خرج من سجن ضيق إلى سجن أوسع تتضخم فيه صور معاناته النفسية والجسدية.

العلاقة بالذات:

تستذكر النصوص على تعددها باعتبار ما توثق من أحداث، “التجربة” بتفاصيلها ويكون فيها انتماء الكاتب لنصه والبعد المتشنج لعلاقته بذاكرته سببا في طغيان سيرة الأنا على فهم الآخر وبما يجوز معه الحديث عن كونها نصوص ذاكرة سجنية نضالية توثّق لأشكال نضال السجين السياسي في مواجهة المستبدّ وفعل بحث عن ذاته في علاقتها بأبعادها الوجودية المتباينة. فالذّات هي صاحبة التّجربة وهي الأنا المتعددة فهي مدار الحكي وهي بؤرة السّرد والأحداث.

المحمل الإبداعي: التخيل أو التقنية الطاغية

يظهر التخيل والاستذكار من العلامات المميزة لمختلف نصوص أدب السجون. وتستجيب تلك التقنية السردية للانزياح في معناه اللغوي والجمالي والدلالي لتسم النّص بسمة الأدبية فضلا عن اقترانه بالمحسّنات اللغوية والبلاغية التي تجعل المتلقي يتأثّر لنفسية الكاتب وحالته. فالخيال المتولد يمارس تأثيره على الواقع المعطى فيتمثّله وينقله من دلالة إلى أخرى. ونلاحظ هنا أن جدلية التّعالق بين الميثاقين المرجعي والتخيلي تصنع تزاوجا متميزا بين صدقية الرواية وفعل المخيال الأدبي ثمرته وثيقة إبداعية فيها تسجيلات للحياة المنقضية في الزمان والمكان حرره الإبداع كما الذات من سطوة التاريخ وقوانينه. وتظهر هنا محاولة استكشاف لنصوص من هذه التجارب المناسبة الممكنة لبحث هذه الخصوصية.

2- سجن واحد ورواريات متعددة: الكتابة تحرر والتحرر إبداع والإبداع عدالة

يعدّ “نص برج الرومي أبواب الموت” لسمير ساسي الذي نشر سنة 2003 من النصوص المؤسسة لأدب السجون التونسي الناطق باللغة العربية، بما يفرض أن يكون ضمن العينة التي نقترح الوقوف عندها. فيما يظهر نص “الحبس كذّاب والحي يروّح: ورقات من دفاتر اليسار في الزّمن البورقيبي” لكاتبه فتحي بلحاج يحيي ونشر في 2011 من النصوص المتميزة لجهة أنه من النصوص القليلة التي توثق لتجربة “اليسار” في السجون واعتبارا لكونه من أول النصوص التي عملت على تجاوز الذاتي في الحديث عن المعاناة بحثا عن القيمة الإنسانية  الجامعة. ونقدر أيضا أن نص الثقب الأسود للشاعر عبد اللطيف العلوي الذي نشر سنة 2017 لا يمكن أن يغيب عن الرصد بالنظر لكون من صاغه يعرف كأديب قبل أن يكون سجينا سياسيا.

تمثل هذه النّصوص في المقام الأول الهوية السردية لكتّابها الذين ارتأوا أن يتقاسموا تجاربهم مع الآخر في عملية تطهّر من عبئها على ذواتهم ، وهي بالتالي  نوع من “العدالة الإبداعية  ” التّي تتحقّق داخل النّص بجعل هذه المعركة التي طرفاها الضحية والسّجان تنتصر سرديا.

بعيدا عن هذه السمة المشتركة يطرح السؤال كيف وقع تمثّل عدد من كتّاب الرواية التّونسية المعاصرة للتجربة السّجنية؟ كيف تمّت إعادة تشكيل التجربة السّجنية وتحويلها من تجربة نفس إلى تجربة نص؟ ما هي دوافع اختيارهم للكتابة الروائية السير ذاتية أو كتابة التّخييل الذّاتي؟

لا يسمح المجال لتعميق البحث عن جواب للتساؤل، لكن أهمية البحث تغري بتقديم ملاحظات حول النصوص على النحو الآتي:

فيما تعلق برواية “برج الرومي” لسمير ساسي:

كُتِبت برج الرومي زمن محنة السّجن حيث وظف كاتبها كل التّقنيات الأدبية والفنية معتمدا أسلوب التعمية كي لا يفقهها الجلاد فيصادرها. وقد أرادها منجزا أدبيا فنيّا في المقام الأول فضلا عن توظيفه للتعريف بقضية المحنة وتفاصيلها وتحسين القبيح وفظاعة التّعذيب في السّجون التّونسية. ووظف الكاتب في صياغته جملة من الإحالات الممكنة التي يؤشر انخراطها ضمن مشروع تنديدي بحجم المعاناة. وقد مثّلت مقاربة سردية سير ذاتية تعالق فيها المرجعان الواقعي والتّخييلي.

فيما تعلق برواية “الثّقب الأسود” لعبد اللطيف العلوي:

هي مقاربة روائية على قدر من الاختلاف عن نصّ المدونة الأول. فهذه السّردية منخرطة في حوارية داخلية تتخذ من مرجعية السّجن وسياقاته تعبيرا فنيا عن محنة التسعينات. وتشكّل السير الذاتية عوالم متباينة تجعل من الأنا مدارا ومدى في قوتها وهشاشتها وانتصاراتها وانكساراتها. يتجاوز الكاتب الكتابات التي اتّخذت من بيبلوغرافيا التعذيب ومراكمة الشهادات حول الذّات المعتقلة إلى مقاربة تتجاوز السجن إلى تجربة إنسانية أرحب تتوازى فيها التيمات وتتعالق فنجد حكاية عن الحب وأخرى عن الصداقة وثالثة عن المرأة ورابعة عن السجن وقمع السلطة وقتلها لمواطنيها واقعا ورمزا.

فيما تعلق بنص “الحبس كذّاب والحي يروح” لفتحي بلحاج يحيي:

هو مقاربة سير ذاتية أخرى منخرطة في حساسية إيديولوجية مختلفة ضمن مشروع تنديدي يشهر بممارسات النظام السياسي البورقيبي ضد المعارضة السياسية وتحديدا اليسار التونسي في ثمانينات القرن الماضي. فهي حوارية ذاتية أيضا تتجاوز مجال الذّات وفردانية تجربتها ومرجعيتها الفكرية إلى تجربة جماعية بمعناها المادي والفكري. وتكمن أهمية هذه الحوارية في انفتاحها على عالم السّجن من خلال ثقافته السّجنية وكيفية تمثّلها من الفرد ومعايشتها والتكيّف معها. حيث يبرز هذا النسق الثقافي الجديد بين وجوب التكيّف معه واختيارات الفرد التي يعيشها بين واقعه المرجعي وتوجهاته النضالية التي يدافع عنها.

تكشف هذه الإطلالة على أدب السجون أنه توثيق من نوع خاص “لتجربة الاستبداد”، فيها تجاوز للألم في منحى إبداعي، كما تبين أنه يصلح أن يكون عنوانا للمصالحة بين أنا الضحية وماضيها وبين القارئ الحر ومن كان سجينا. ويستدعي استثمار هذه النصوص في التأسيس لعدالة انتقالية لا ينتهي مسارها بفعل نهاية عهدة المؤسسات فعل حفر معرفي عليها يرصد الإبداع في ذات محاولته استقراء التاريخ. ويبحث في ذاكرة سلبية أليمة عن فكرة  إيجابية تحول دون تكرار الانتهاكات وترفع كل أشكال الرقابة على الكتابة لتحقيق “العدالة الإبداعية” التي يجب أن تتواصل وتتقدم في هذا الإطار. وقد تحقق الكتابة في ثناياها المساءلة والمصالحة فتقع معاقبة الجلاد داخل النص ويكون البحث عن الذات والهوية عبر مسار الكتابة لتحقيق التّطهر.

  • نشر هذا المقال في العدد 16 من مجلة المفكرة القانونية | تونس |.


 جيل دلوز المعرفة والسلطة مدخل لقراءة فوكو ترجمة سالم يفوت( ضمن الفصل الثاني) (راجع القسم الرابع الفصلان الاول والثاني للوقوف على الكيفية التي يفرض السّجن نفسه  مرحلة ثانية مرتبطة أوثق الارتباط بالقانون الجنائي من اجل انتاج الجنوح او تشكيل الجنوح موضوعا “

ص 223/249/251

يعد  نص ” كريستال”  أول ما كتب بأدب السجون التونسي عموما .  ويعد بالتالي  كاتبه جلبار النقاش  الأب المؤسس لتلك الكتابة .ذاك التأسيس الذي بين أنه لم يكن سبب قمعه بل كان قمعه وسجنه من دفعه له .  كتب جلبار حكايته  خلال محنة سجنة وكانت لفائف علب السجائر الورق الذي حفظ “النص”  الذي صاغه فسماه باسم علامتها التجارية . نشر كريستال ثمانينات القرن الماضي في صيغته الأصلية التي كانت باللغة الفرنسية ولكنه لم ينشر في ترجمة عربية إلا سنة 2018 .

       ساسي (سمير): رواية برج الرومي :أبواب الموت  ، منشورات كارم الشّريف، تونس ط1 2011   [3]

                العلوي (عبد اللطيف) : الثقب الاسود ، الثقافية للنشر و التوزيع ،تونس ط 1 2017  [4]

  بن الحاج يحيي (فتحي) : الحبس كذاب ….و الحي يروح “ورقات من دفاتر اليسار في الزمن البورقيبي ، تونس، كلمات عابرة  ،ط2 ،2009.

أدب السجون في فلسطين

الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثماني، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشاعر الشعبي عوض النابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال”  وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” لعزت الغزاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، وعناق الأصابع لعادل وزوز”،

 و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي،  ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2011 صدر”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السجن” لعصمت منصور، كما صدر أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون ايضا. ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن.

وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.

كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لاترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر

وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد )  وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب(القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر)

أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة ، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث : نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أما في الأدب الحديث فنذكر : ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي ) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي).

كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط ، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلونيرودا، والروائي الروسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسجون موجودة والتعذيب موجود في كل الدول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

جميل السلحوت

المصدر رابطة ادباء الشام

تحميل كتاب -تازمامارت -الزنزانة رقم 10

يعتبر كتاب «تازمامارت: الزنزانة رقم 10» أحد أبرز المؤلفات المغربية التي حققت رواجا قل نظيره في تاريخ المنشورات المغربية، إن لم يكن أولها من حيث المبيعات. لقد استطاع هذا الكتاب أن يحطم الرقم القياسي من حيث المبيعات، حيث بلغت مبيعاته 45 ألف نسخة خلال سنتين فقط، منذ صدوره سنة 2001، في نسخته الفرنسية، كما أكد ذلك ناشره بشر بناني، صاحب منشورات طارق، في حوارات صحافية سابقة.

ويعود الفضل في تحقيق هذا الرقم القياسي إلى موضوع الكتاب. ذلك أن الكتاب يحكي مسار أحد المعتقلين على خلفية الانقلاب الشهير، الذي قاده ضباط مدرسة أهرمومو العسكرية ضد الملك الحسن الثاني في الصخيرات في يوليوز 1971. وليس هذا المعتقل سوى الكاتب نفسه: أحمد المرزوقي، إذ يعتبر شهادة عن تجربة اعتقاله، التي استمرت لمدة 18 سنة داخل أقبية سجن تازمامارات، وتحديدا في زنزانته العاشرة، التي اختارها الكاتب عنوانا لكتابه المثير.

في هذا السياق، يقول مؤلف الكتاب أحمد المرزوقي، إن رواج الكتاب الواسع بين القراء المغاربة مرده إلى حب المعرفة لدى هؤلاء، وفضولهم لمعرفة الحقيقة، حيث يشير إلى أنهم رغبوا في معرفة ما كان يخفيه النظام عبر التعتيم الكبير الذي مارسه نظام الحكم وما أعقب ذلك من تداعيات سنوات الجمر، خاصة داخل معتقل تازمامارت الرهيب، الذي يفوق واقع أي خيال، حسب تعبير المرزوقي.

يعود المرزوقي هنا، إلى ذكر بعض الحيثيات التي دفعته إلى تأليف الكتاب، حيث يشير إلى أن الإشاعات التي أطلقها جهاز النظام المخزني عبر قنواته الخاصة، كانت تروم ترهيب الناس، وخاصة مسؤولي الجيش الذي انقلب على الملك. كما يشير إلى أن القناة الثانية رفضت أن تبث، ضمن برنامجها «زاوية كبرى»، بعض اللقطات الصادمة، التي تصف رحلة مصورة إلى تازمامارت رفقة مجموعة من ضحايا هذا السجن الرهيب.

هكذا عندما صدر كتابه «تازمامارت: الزنزانة رقم 10»، وكذا كتاب محمد الرايس «من الصخيرات إلى تازمامارت»، بالإضافة إلى كتب أخرى، تبين أن المغاربة متعطشون إلى معرفة تاريخ بلادهم الحقيقي. إذ يشير المرزوقي أن هذا الإقبال تلقائي وغريزي، لأن القراء عبروا عن رغبة في معرفة ما حدث، وفي كشف المغالطات، التي تكتنف هذه المرحلة من تاريخ المغرب، وكذا في إظهار الحقيقة المغيبة حتى الآن.

من جانب آخر، يكشف المرزوقي أن أسلوب الكتاب البسيط ساهم أيضا في انتشاره، حيث يقول إنه ألف الكتاب بلغة واضحة في متناول الجميع. كما يعتبر أن موضوعيته شكلت سببا آخر في رواجه، حينما جعل من موضوع الكتاب حكاية لمحنة جميع من عاشوا عذابات تازمامارت، لا حكايته وحده. يقول: «لم أتحدث عن نفسي، ولم أقدم نفسي كمركز للعالم، بل حاولت أن أكون صحافيا داخل السجن. لم أتحدث عن نفسي إلا عند الضرورة. لقد تناولت محنة الجميع». وحاول أيضا التدقيق في تفاصيل هذه المحنة حتى يقدم رؤية شمولية إلى تجربة الاعتقال التعسفي.

ويشرح الناشر بشر بناني، إقبال القراء المغاربة على هذا الكتاب في اقتباس أوردته جريدة «أوجوردوي لوماروك» بالقول: «يتعلق الأمر بتجربة استثنائية. إنها تجربة شخص يمضي حوالي عشرين سنة داخل زنزانة للموت البطيء، لكنه يخرج منها حيا. إذ يحكي هذا الشخص واقع معيشه داخل هذه الزنزانة.» ويزيد بناني في شرح هذا الإقبال بالقول إن «المغاربة يبحثون عن الحقيقة».

كما نقرأ من خلال التقديم، الذي يورده موقع «مكتبة العالم»، أن الكاتب يحكي الواقع المزري، الذي عاشه أحمد المرزوقي داخل تازمامارت، ويروي بتفصيل دقيق سنواته الثمانية عشرة في هذا المعتقل، وكذا أوضاعه المرعبة. كما يشير هذا التقديم إلى أن الكتاب يروي أيضا وفاة زملائه السجناء، الواحد تلو الآخر، ويصف الكتاب بأنه صادم في وصفه، لكنه يعتبر أنه حقق بذلك رقما قياسيا في تاريخ مبيعات الكتب في المغرب.

من جهة أخرى، كتبت الكاتبة والصحافية الفرنسية «نانسي دوليم»، في صحيفة «لوموند دبلوماتيك» الفرنسية/ عدد فبراير 2001، أن الكتاب يصف الحياة داخل سجن رهيب ضم بين أسواره «58 عسكريا شاركوا في هجومين على الملك الحسن الثاني- بطريقة ثانوية، لأن المسؤولين الأساسيين قتلوا». وتضيف أن أحمد المرزوقي، صاحب الكتاب الذائع الصيت الذي قضى أزيد من 6550 ليلة في قبو مظلم، كان واحدا من الناجين الثمانية والعشرين.

لكل هذه العوامل، استطاع كتاب «تازمامارت: الزنزانة رقم 10» أن يسجل اسم مؤلفه كصاحب أعلى المبيعات في تاريخ الكتب في المغرب إلى حد الساعة، وأن يلقى تعاطفا منقطع النظير في المغرب وأوربا على الخصوص. فرغم أن المرزوقي لم يكن يتوقع هذا الإقبال غير المسبوق، إلا أنه كان متيقنا من أنه سيُقرأ، «لأني كتبته بحرارة». ورغم أن مبيعاته تراجعت خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن ترجمته إلى العربية أحيته من جديد. كما لعبت إعادة نشره في لبنان السنة الماضية في إثارة النقاش ثانية حول قضيته الأساسية: الاعتقال التعسفي.

لأسد الله في كوبا – معتقل غوانتانامو

لأُســدِ الله

لأسد الغاب في كوبا السلام *** وإن عز التزاور والكلام
ليوث حينما وثبوا تنادت *** كلاب الغاب و انجفل النعام
تطوف بها الغداة بكل ذعر *** وتحرسها الرواح فلا تنام
تخاف تواثبا منها فتدني *** مشاعلها إذا جن الظلام
وما ضر الكريم إذا علاه *** لحسن صنيعة منه اللئام
ألا أيها الأحباب عذراً *** فقد طاشت بجعبتي السهام
نرى للمسلمين بكل أرض *** مجازر مالهم فيها قوام
نرى في قدسنا قرداً دعياً *** يئن بثقله الحرم الحرام
يغني بالسلام وإن منه *** ومن غلوائه يشكو السلام
نرى مالا يطاق إذا تمطي *** بأعراض القوارير الطغام
وسالت دمعة في خد طفل *** جريح لم يجاوزه الفطام
وشيخ مبعد تعبت خطاه *** ويطويه مع الألم الحمام
هنا قدم وذاك دم مراق *** وتلك يد تحيط بها عظام
وشيء من بقايا شبه دار *** وأنقاض وأبيات حطام
أخي إن لم تقم لله فيهم *** فحسبك فتية لله قاموا
فقالوا : ربنا إنا برئنا *** وقد خذلتهم العرب الكرام
وإنا ربنا لما سمعنا *** صريخ الدين حق الانتقام
سل الأفغان والشيشان عنهم *** سل البوشناق كيف بها أقاموا
وسل يوم الكريهة كيف كانت *** بسالتهم وقد ثار الرغام
وجلل صارخاً للحرب فيهم *** صبيٌ لم يناهزه احتلام
وسلها عن عدوهم المفدى *** وقد لاقتهم الأسد العظام
على أعقابهم نكصت وولت *** جحافلهم يعرقلها الزحام
أيا أحبابنا عذراً فإنا *** ليرهبنا الشباب إذا استقاموا
أيا أحبابنا عذراً فإنا *** يهدهدنا التغزل والغرام
يلفعنا إذا نصحوا انخذال *** ويصفعنا إذا نمسي انهزام
تعلمنا المذلة كيف ننسى *** وكيف نجيب إن وقع الملام
أيا آسادنا في القلب نارٌ *** يزيد لحبكم فيها الضرام
لكم منا الدعاء بظهر غيب *** من الأبرار ما صلوا وصاموا
لكم منا اللسان وكل حبر *** إذا ما لف في الغمد الحسام
لأسد الله في كوبا السلام *** وقل لهم إذا عثر السلام
بكم نشدوا فحيوا كل شدو *** مع الأسراب تنقله الحمام
بكم نسموا فحيو كل قطر *** على الوجنات ينزله الغمام

مبارك بن عبد الله المحيميد
2 – 8 – 1423هـ

أدب السجون في رواية (ما لا ترونه) محمد الحسناوي

أدب السجون مظلوم ، كما أن سجناء الرأي أنفسهم مظلومون ، فهل يأتي يوم ، ترفع فيه كل الظلامات عن البشر والأدب ؟ وهل ظلم أدب السجون من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان أو لنفسه التي لا ترتاح لحديث السجن – ولو كان عن الأبرياء والمظلومين – كما ترتاح لحديث الحب والغزل ؟ وهل من العدالة أو الكياسة والذوق الرفيع الارتياح للغزل وشعر الغزل ، والإعراض عن السجون وأدب السجون ؟ وإلى متى ينساق الإنسان وراء الغرائز ، انسياقاً أعمى ، مما يصرفه عن الأخلاق والمُثُل والعواطف الشريفة النظيفة ؟
أدب السجون موجود منذ وجد الأدب ووجدت السجون ، ويمكن أن نعدّ منها كتاب (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب )(1) و ( السجون وأثرها في شعر العرب –لأحمد ممتاز البزرة )(2) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) (3) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم  بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح )(4) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش )(5) وأحدث دراسة في ذلك كتاب ( القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر) (6)..
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة ، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث : نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أما في الأدب الحديث فنذكر : ( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي )(7) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) (8) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي)(9) وديوان ( تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري )(10) وكتاب ( عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي )(11)  ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي )(12)  وقد يكون آخر إصدار هو رواية (ما لا ترونه – لسليم عبد القادر ) وهي موضوع دراستنا في هذه المقالة .
عُرف سليم عبد القادر شاعراً سوريأ في ديوانيه ( القادمون الخضر )(13) و ( نعيم الروح )(14) وبأناشيده للأطفال التي أخرجتها (دار سنا) في أشرطة كاسيت وأشرطة فيديو ، فطبقت الآفاق . وأما (ما لا ترونه – الناشر بلا حدود – 2005م ) فهي روايته الثالثة بعد روايتيه (الأصدقاء الثلاثة ) ( و( ذبيح القدس )  ، وهي تحكي تجربة المؤلف نفسه بضمير الغائب من خلال الشخصية الأولى ( محمود النعيمي ) : طالب جامعي في كلية الهندسة من جامعة حلب في الثمانينيات من القرن المنصرم ، اعتقل من حرم الجامعة أمام زملائه وزميلاته في وضح النهار ، على حين اعتقل معظم زملائه من بيوتهم في جنح الظلام ، ولم تعرف أماكن اعتقالهم أو زيارتهم إلا بعد شهور من اختطافهم ، وتعذيبهم واستشهاد بعضهم تحت التعذيب ، من غير ذنب ارتكبوه إلا مخالفة الرأي للذين اغتصبوا السلطة .
أول درس سياسي في هذه الرواية – ولعله الهدف الأول منها – أن بطل الرواية محموداً كان قبل الاعتقال ضد العنف في معارضة النظام ، يؤمن بالحوار وبالعمل السلمي ، لكن طريقة الاعتقال ، بلا مذكرة قضائية ، وأشكال التحقيق المصحوبة بالتعذيب الرهيب ، نفسياً وجسمانياً ، مما وقع عليه وعلى إخوانه .. جعله ذلك كله يتحول إلى طلب العنف ، والتخلي عن النهج السلمي الذي كان يعتقده . فبعد شهور تستطيع أمه الوالهة أن تظفر بالموافقة على زيارته عن طريق أحد الأقارب الذي يعمل في أجهزة القمع ، بشرط أن تقنع ابنها المعتقل محموداً بالضغط على أخيه فخر الدين المتواري عن الأنظار ، بأن يسلم نفسه ويعترف على (إخوانه ) ثم يتم الإفراج عنه ، يقول الكاتب : ( نظر محمود في الوجوه التي ترقب ردّ فعله باهتمام ، وكان رئيس الفرع يجلس بعيداً في صدر المكتب يتشاغل ببعض الأوراق أمامه ، فسأل محمود : وأخي ؟ ما رأيه ؟
قالت الأم : إنه يرفض الاستسلام ؟
فأخذ نفساً عميقاً ، وقال : الحمد لله ..ثم التفت إلى  ذلك الرجل ليطلب منه طلباً استفزازياً مستحيلاً ، فقال: أخرجوني من هنا لأسلمكم أخي .
ولم يكترث فيما يكون لسخريته الغضوب من أثر ، وتابع الكلام وهو ينظر إلى أمه : إنهم كذابون ، مراوغون ، واحذروا أن يخدعوكم .. لقد عانيت من جراحهم أربعة شهور بلا علاج ، إنهم ألعن من الشياطين ألف مرة ..
فقالت : حتى المقدم علي ؟!
أجابها بغيظ : إنه أكذب من مسيلمة الكذاب … قولي لأخي وللشباب جميعاً ، ألا يستسلموا مهما تكن الظروف … أن يقاتلوا بالرصاص ، بالسكاكين ، بالعصي ، بالحجارة ، بالأظافر … بأي شيء … والذي يعجز عن ذلك فليرحل خارج البلاد لينجو من هذا الجحيم الكافر ، ولو كنت أعلم بأني سألقى هنا معشار ما لقيت ، لما تركتهم يستلمونني إلا جثة هامدة .
فقال الرجل : إذا كان الأمر كما تقول ، فأنا أنسحب ، وأنتم أحرار .
قال الرائد : انتهت الزيارة .
فقالت الأم : يا له من لقاء قصير ، بعد فراق طويل ) ( ما لا ترونه – ص 91- 92 ) ويبدو أن أخاه الشاب فخري سمع نصيحة أخيه ، فقاوم وقاتل حتى استشهد ( وحملت له الأخبار نبأ استشهاد أخيه فخر الدين ابن الثمانية عشر ربيعاً ، فتلقى أكبر صدمة في حياته بالصبر والتسليم ، واستشهد صديقه أيمن ، وهو أمر كان يتوقعه ، أما أبو اليسر فقد اعتقل بعد إصابات بالغة فقد فيها عينه وذراعيه ، وقضى في المنفردة بضعة شهور ، ثم حكم بالإعدام ونال ما يتمناه : الشهادة في سبيل الله ) ( ص 97 ) ..وبالمناسبة هذه الأسماء حقيقية ، وبقية الأسماء التي وردت في الرواية كاملة أو بالاسم الأول ، وفي ديوانه الأول ( القادمون الخضر ) قصيدة خاصة برثاء أخيه الشهيد فخر الدين ، وقصائد متعددة في رثاء الآخرين ، لكن المؤلف لما اتخذ اسم محمود في  الرواية ، تحدث عن بعده الأدبي من خلال شاعر اسمه (عبد القادر ) يطرب المعتقلين بأناشيده وبمزاحه الطريف للتخفيف من وطأة السجن ، والترويح عن النفوس المكدودة وبعث الأمل .
الدرس الثاني في هذه الرواية الجانب التوثيقي فيها لجانب من أحداث سورية في ثمانينيات القرن الماضي : أنواع التعذيب وأدواته .. أماكن الاعتقال ..أسماء الجلادين .. بذاءة التحقيق .. نتن النوايا المنكشفة .. حجم المأساة والضحايا ولا سيما جيل الشياب الجامعي المثقف .. المحاكم الأمنية الصورية ..  التجديف بالله تعالى وبالأنبياء والرسل .. الافتراء على العلماء  لتخذيل الشباب عن أساتذتهم والإيقاع بهم ..
الدرس الثالث هو تحليل نفسيات الجلادين الكبار والصغار ، الصغار منهم يتنافسون في الإيذاء الجسدي والنفسي ويتفنون في إرضاء الكبار ، ومن خلال رسم صورهم الجسدية وبذاءة لسانهم وقساوة نفوسهم وخلوهم من أي إحساس إنساني ، فهم وحوش في لبوس بشر أو عبيد ، وأما الكبار فيتفنون في حبك الاستدراج من خلال حبائل الترغيب والترهيب من جهة ، ومن خلال الافتراء أو الإيقاع بين المعتقلين من جهة ثانية  .
ومن قاع المأساة ، من صلب القساوة والوحشية والبذاءة والاستعباد تشرق نفوس إنسانية تعيد الثقة بأن الإنسان ليس وحشاَ محضاً ، بل هو من مادة وروح ، يظهر ذلك حتى في بعض الجلادين ، مثل الرقيب طاهر( بدءاً من الصفحات 104 ) ،  الذي تعاطف مع المعتقلين ، فأخذ يسهل لهم الانتفاع من دورات المياه ، ومن التواصل فيما بينهم ، ومن إحضار بعض الكتب والأوراق والأقلام والأخبار والرسائل ، وكل ذلك   ممنوع ، يعرّض صاحبه للمهالك ، فكيف إذا بلغ به الأمر أن يتواطأ مع المعتقلين على ترتيب عملية هرب جماعية من السجن ، ثم تأمين مخابيء لهم خارج السجن ؟ وقد حصل ذلك في الرواية ( ص109)  وفي الواقع على حدّ سواء .
أما الأطرف من ذلك فهو انقسام المعتقلين في البداية حول (نظافة ) الرقيب طاهر ، أي هناك من يشك بتصرفاته على احتمال أن يكون جاسوساً عليهم ، يستدرجهم للإيقاع بهم ، أو إنساناً موثوقاً يتعاطف   معهم ، وهذه واقعة مألوفة في صناعة القمع ، وفي تحطيم الثقة بين البشر المعتقلين لدرجة الشك ، فيمن يتعاطف معهم أو يريد تقديم خدمة لهم . فما أعظم جريمة القمع وسجون الرأي بحق الإنسان والبشرية جمعاء ، وهي جريمة ترتكب في السجن الصغير، كما ترتكب في الوطن كله حين يصبح سجناً كبيراً ، وقد صارت سورية للأسف كذلك ، فما من إنسان سوري أو أسرة سورية أو حزب سوري إلا انشق على نفسه طولاً أوعرضاً أو الاثنين معاً ، وكم يلزم من الجهود والأزمان للإصلاح الحقيقي ؟!
ومقابل شخصيات الجلادين تظهر شخصيات المعتقلين صغاراً وكباراً في الأعمار والمدارك والنفوس ، أفراداً وجماعات ، لم يظهر فيهم جاسوس واحد ، لكن سقط عدد منهم في الاعتراف على أنفسهم أو على إخوانهم من شدة التعذيب ، ومنهم محمود النعيمي (أي المؤلف نفسه )، وكان ذلك عبئاً آخر من آلام السجن أن يضطر السجين إلى أن يخون أخاه أو صديقه أو جاره أو زميله ، وأن يسلمه مضطراً لكابل الحديد ، والصعق الكهربائي ، والانحشار في الدولاب للضرب على الأرجل أو على القفا بالعصي ، أو حمل الدولاب ساعات طوالاً ، أو لإطفاء السكاير في المواضع الحساسة من الجسم ولا سيما الأعضاء التناسلية ، أو ما شابه مما يعف القلم عن ذكره .
وهذا غير السباب والشتائم من العيار الثقيل ، وغير الهواء المتعفن وضيق النفس ، والتناوب على شم الهواء من ثقب في أسفل الباب من قبو محروم من النوافذ والتهوية ، لدرجة التعرض للإغماء. ولقد تمنى محمود النعيمي الموت أكثر من مرة للخلاص من هذا الجحيم الذي لا يُطاق ، وتوسل للمحققين أن يريحوه بالموت فرفضوا ذلك (ص32و 35و 40 و43و ) ، لأن الغرض إيقاد الألم ، وتفريغ   الحقد ، وليس راحة الإنسان .  كانت المعادلة ( عدوّ مع عدو) لا (محقق مع متهم ) ، فتصور الثمار التي أنتجتها هذه الصناعة /العلاقة يقول : ( لقد انتهى كل شيء .. لقد اعترفت ، انتهيت .. سيأتون بإخوانك إلى هنا ، يقاسون العذاب والمرارة مثلما قاسيت أنت … أصحابك الذين يظنون بك خيراً ، يحسبون أنك لن تعترف .. وأنت في نظرهم شيء كبير ، وأنت الآن  شيء تافه .. لاشيء …. لكن ماذا أصنع ؟ لكل شيء حدود ، ولكل إنسان طاقة .. حتى الفولاذ ينكسر ويذوب ، كان الموت أسهل عليَّ . ولكن الموت لم يأتِ ، والرحمة كلمة لا وجود لها هنا ، وقد صبرت كما لم يصبر إنسان ، وقد أخَّرت اعترافاتي سبعة أيام ، وعلى أصحابي أن يدبروا أمورهم .. أن يهربوا .. أو يختفوا ، أو يغادروا البلد …و ليس من المعقول أن أذوب قطعة قطعة وهم يجلسون بلا حركة … ولكنهم يظنون بأني أموت ولا أعترف ) ( ص45) .
إن طبيعة التحقيق (جلاد .. معتقل ) تقتضي وفرة في الحوار وتنوعاً  بشكل مسّوغ ، والعزلة أو الانقطاع عن الآخرين تؤدي إلى النجوى أو (المنولوج) ، وذلك كله يعين على تحليل نفوس الشخصيات الظالمة والمظلومة على حد سواء ، وعلى الأخص الشخصية  الأولى ( ص 22 و25 و29و 31 و 37 و38 و 41 و 42 و 45 ).
محمود النعيمي شخصية مواطن مثالي أو عاشق للمثل العليا ، يظن الناس كلهم مثله ، ولم يخطر في باله أن يدخل سجناً ، وإذا دخل ، فهو يظن في نفسه المقدرة على إقناع الجلادين ببراءته ، وبعدالة الأفكار التي يؤمن بها ، وبقدسية ما هو مقدس عند البشر من دين أو خلق أو صدق أو رحمة ، فإذا هو يكتشف الجانب القذر من إنسان الغابة في الكبار والصغار ، بل في مؤسسات كاملة ، وهي خبرة نافعة للمواطنين العاديين ، ولكل مجتمع مبتلى بالطغيان ، حتى يكتسبوا المناعة ، وحتى تزول عن أعينهم الأغشية ، ولكي يأخذوا دورهم في الهم العام وفي عملية الإصلاح ، وبذلك يكون الطغيان جلب لنفسه الخطر ، وأسس لمحاربة نفسه وحشد من لم يحشد من المواطنين ضده وضد وجوده .
وهنا تجدر الإشارة إلى أن صمت الشارع أو الرأي العام طوال أربعة عقود من الانحرافات لا يعني إخراج المجتمع من السياسة ، بل يعني أن هناك تراكمات من المعاناة المضاعفة المحتقنة كالبركان الذي ينتظر لحظة الانفجار ، كما أن تطاول الزمن لا يعني النسيان بحال من الأحوال ، بل التخمر والتفاقم والمزيد من الغليان وتلاحم الآلام . فالثورة الفرنسية لم توجد أسبابها قبل يوم أو شهر أو سنة من انفجارها ، وكذلك ثورة العبيد في روما ، لكن وعي الجماهير المضطهدة فعل فعله حين اكتشف المواطن الفرد أن ألمه ألم جماعي ، وأن النقمة جماعية ، وأن الحراك الجماعي قابل للتحرك والتفجير ثم التغيير . وهذا قانون أو سنة من قوانين الاجتماع البشري ، لكن هل يقيم الجلادون أو الطغاة شأناً للقوانين أيّاً كانت ؟
يفسر هذا القانونَ العبثُ ولحظات الضحك التي يمرُّ بها مجتمع المعتقلين حين يأوون إلى النوم الساعة العاشرة مساء ، فلا ينضبطون بقرار اتخذوه في أحد المهاجع الجماعية ، يخرقه أحدهم بهمس أو نكتة ، فينفجر المهجع بصيحات التأييد أو المعارضة تنفيسا عما فيه من بلاء .
كما يفسره جانب السخرية اللاذعة في شخصية محمود النعيمي أيضاً ، يقول : ( القاضي : – هل من أقوال أخرى ؟
– نعم يا سيدي ، فإن كلامي لم ينتهِ بعد ، وكنت أودّ أن أقول ، بأنك أنت نفسك لو وضعوك في الفلق أو تحت لسع الكهرباء ، لاعترفت بأنك أخ لموشيه ديان .
– ضحك الجميع إلا القاضي ، فقد كان هو الآخر أعور …) (ص100) . وما السخرية إلا ضحك هادف يخفي وجعاً عميقاً .
              ويفسره أيضا الضحك غير الهادف إلا طلباً للترويح عن النفس ، والضحك للضحك في قاع الجحيم ، يقول : ( كان للشيخ مريد طريف طيب ، يدعى عبد السلام ، كان كلما شعر بدبيب الملل و احتدام الجدل ينقذ الموقف بقوله : إذاعة القرآن الكريم من سجن<السادات> تقدم لكم ما تيسر من كتاب الله من تلاوة شيخي محمد خير .. فيقرأ الشيخ ما تيسر ، حتى يجد الهدوء والراحة والسكينة مرتسمة في الوجوه . وقال عبد الكريم : عندي كنز لا ينفد من حكايات جدتي ، سأقص عليكم قصتين كل يوم ، نستعين بذلك على طرد الملل ، وجلب شيء من البهجة ) ( ص 76) والصفحات ( 66 و 74 و 75 و 1079 ) .
أما الروسم أي (الثيمة ) التي قام عليها بناء الرواية ، فهو التسلسل الزمني للأحداث والوقائع من البداية إلى النهاية ، وهو أخلق بالرواية التسجيلية . والذي بعث الحيوية في هذا البناء ثلاثة عوامل :
الأول تعدد الأمكنة والانتقال من سجن إلى سجن ومن تحقيق إلى آخر .
العامل الثاني شبيه بالأول وهو تنوع الشخصيات في الجلادين والمعتقلين .
العامل الثالث ، وهو أهمها ، ختام الرواية بترتيب عملية هرب جماعية ، يخطط لها وينفذها المعتقلون بتعاون مع السجان الرقيب (طاهر) ، وهي خاتمة تذكرنا بالقصص البوليسي وبروايات أغاثا غريستي ، خاتمة ملائمة لطبيعة الأحداث ، وللغة السجون القائمة على أحد الخيارات الثلاثة : دوام السجن لمعتقلي الرأي ، أو الموت صبراً ، أو الهرب لمن يتاح له الهرب ، وما أندر ذلك !! وحصول الهرب مؤشر على التفاؤل ، و على انتصار الخير على الشر بعد صراع مرّ ، وإعمال للفكر ، وتصميم  على النصر . وما ضاع حقّ وراءه  مطالب !!
                                                                               * كاتب سوري وعضو رابطة أدباء الشام
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
(1) – المجمع الثقافي – أبو ظبي1999م .
(2) – مؤسسة علوم القرآن – بيروت 1985 .
(3) – المؤسسة الجامعية – بيروت . 1995م .
(4) – رسالة دكتوراة – جامعة الجزائر 1413هـ = 1993م – محفوظة بمكتبة الأسد – دمشق .
(5) – رسالة دكتوراة – الجامعة اللبنانية 1997م .
(6) – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – وزارة الثقافة الأردنية – عمان – الأردن – ط1 = 2004م .
(7) – مكتبة المعارف – بيروت .
(8) – الأعمال الشعرية – المؤسسة العربية للدراسات – بيروت 1992م .
(9) – مكتبة الأقصى – عمان – الأردن 1968م .
(10) –  دار المنار – الزرقاء – الأردن – ط2 : 1405 = 1993م .
(11) – مكتبة الفلاح – الكويت 1998م .
(12) – دار الشفق – للطبع والنشر –بيروت – ط1 : 1994م .
(13) – مكتبة بيت المقدس .
(14) – مركز الراية للتنمية الفكرية – المملكة العربية السعودية – جدة – – ط1 : 1424هـ = 2003م.

قصيدة رائعةللاديبة المسلمة امينة قطب لزوجها السجين

لها ديوان باسم ( رسائل إلى شهيد ) نتمنى أن نراه في المكتبات قريباً

تلمس في شعرها تجسيد بكل صدق و إحساس و وصف للحركة الجهادية في الأمة في القرن الحالي و السابق و الآلام والصعوبات التي مرت بالأمة و التضحيات التي قدمت في سبيل هذا الدين

تقول لزوجها كمال :

هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا كانت اللقيا على أرض السراب؟!

ثم ولَّت وتلاشــــــــــــى ظلُّهــــــــا واستحالت ذكــــــــــرياتٍ للعذاب

هكذا يســــــــــــــأل قلبي كلمـــــــا طالت الأيام من بعــــــــــد الغياب

فإذا طيفــــــك يرنــــــو باســـــــمًا وكأني في استماع للجـــــــــــواب

هل تـــــــرانا نلتقـــــي أم أنهــــــــا كانت اللقيا على أرض السراب؟!

ثم ولَّت وتلاشــــــــــــى ظلُّهــــــــا واستحالت ذكــــــــــرياتٍ للعذاب

هكذا يســــــــــــــأل قلبي كلمـــــــا طالت الأيام من بعــــــــــد الغياب

فإذا طيفــــــك يرنــــــو باســـــــمًا وكأني في استماع للجـــــــــــواب

أولــــــم نمــــضِ على الدرب مـعًا كي يعــــود الخـير للأرض اليباب

فمضينا فـــــــــــي طريــــق شائك نتخلى فيـــــــــــه عن كل الرغاب

ودفنَّا الشــــــــــوق فـــــي أعماقنا ومضينا في رضــــــــاء واحتساب

قد تعاهـــــــــــدنا على الســير معًا ثم عاجلت مُجيبًا للذهــــــــــــــاب

حين نـــــــــــاداك ربٌّ منعـــــــــمٌ لحياة في جنـــــــــان ورحـــــــاب

ولقــــــــــــاء فـــي نعيــــم دائــــم بجنود الله مرحى بالصحــــــــــاب

قدَّموا الأرواح والعمـــــــر فـــــدا مستجيبين على غــير ارتيــــــــاب

فليعُد قلبك مـــــــن غفلاتـــــــــــه فلقاء الخلد في تلك الرحـــــــــــاب

أيها الراحل عذرًا في شكــــــــاتي فإلى طيفك أنَّات عتـــــــــــــــــاب

قد تركــــــت القلب يــــدمي مثقلاً تائهًا في الليل في عمق الضبــاب

وإذ أطـــــــــوي وحيدًا حائــــــرًا أقطع الدرب طويلاً في اكتئـــــاب

فإذ الليل خضـــــــــــمٌّ مـــــوحِشٌ تتلاقى فيه أمواج العـــــــــــــذاب

لم يعُــــــــد يبــق فـــــي ليلي سنًا قد توارت كـــــل أنــــوار الشهاب

غير أني سوف أمضي مثلمـــــــا كنت تلقـــاني في وجــــه الصعاب

سوف يمضي الرأس مرفوعًا فلا يرتضي ضعفًا بقـــول أو جــــواب

سوف تحذوني دماء عابقـــــــات قـــــــد أنارت كل فــــــجٍ للذهــــاب

وقالت :

شاقني صوتك الحبيبُ على الهاتف يدعو ألاّ يطول غـــــيابي

شاقني أن تقول لي: طال شوقي قد غدا البيتُ موحشاً كاليباب

شاقــني ذلك النـــــداء حـــــنوناً فلتعـــــــودي لعالم الأحــــباب

شاقــــني أن تقــــول: حُبك بعداً لا تعــيـــدي بواعث الأســباب

خمس دقائق وحسب” تسع سنوات في سجون سورية الحلقةالثانية

الفصل الثاني : كفر سوسة : رحلة خارج الزمن (يناير 1981 – أكتوبر 1982 )

كفر سوسة : رحله خارج الزمان

عبرت السيارات الثلاث بوابة السجن العامة مضيا نحو المبنى الرئيسي الذي انتصب أمامنا بطوابقه الثلاث ، والتفط السائق حوله بين ممرات ومداخل معقدة حتى بلغ بابا كهربائيا توقف بنا عنده ، واجتذبتنا الأيادي مرة أخرى فاقتادتنا عبر ساحة المبنى الداخلية إلى باب اخر تنزل خمس درجات منه إلى القبو المعتم ، فإذا هو عالم اخر من عوالم الرعب التي قطعناها خلال اليومين الماضيين عن غير ما اختيار .

مضت الأيدي القاسية عبر ممر القبو المظلم فالتفت بنا جهة اليسار وليس في طريقنا إلا الصمت والأ بواب الحديدية الكئيبة ووحشة المكان ، ولم يلبث أن قطع لهاثنا المتدفق صوت أجش أتانا من وسط العتمة ينادي : -منيرة! فما كدنا نلمح المنادي حتى بدت من الجهة المقابلة في اخر الممر فتاة مضفورة الشعر ترتدي “جلابية” شاعت موضتها وقتذاك ، وجعلت تتقدم نحونا متمايلة يوحي مظهرها أنها سجانة أو موظفة هناك . . فلما اقتربت ومن غير أن يلتفت إلينا قال لها أبو عادل رئيس نوبة السجانين وقتذاك : – هيا فتشيهن واحدة واحدة .

ودفع بي أول الجميع إلى غرفة علمنا بعدها أنها غرفة التحقيق والتعذيب ، ودخلت منيرة هذه ورائي وسألتني ؟ – ما اسمك ؟ قلت وقد بلغ التوتر بي مبلغا : وماذا تريدين من اسمي ؟ أحسست وقتها أن بامكاني أن أقتلها من شدة توتري بيدي . . لكنها قالت ببرود : -وليش معصبة؟ .

قلت : والله لا أدري ! ماذا تريدينني أن أفعل ؟ هل يمكن للإنسان أن يكون مبسوطا هنا ! أجابت بنفس برودها ورتابة صوتها : بس لا تعصبي . . أنا سجينة مثلك. قلت بحدة : لماذا تكذبين على ؟ شكلك هذا ليس كشكل السجينات .

قالت : والله العظيم أنا سجينة وقاعدة في مهجع مملوء بنسوان من الإخوان . لم أجرؤ أن أزيد معها وظننتها سجانة تريد أن تستدرجني في الكلام خاصة وأنها تتحدث بالقاف العلوية ، لكنها عادت وقالت لي : ما صدقتيني ؟ بكره بنلتقي بالمهجع وبذكرك .

أحسست لهجة صدق في حديثها فاستأنست بعض الشيء وسألتها دون أن أغادر الحذر : – ومن معك من الإخوان هناك ؟ قالت : هناك واحدة حاجة من حلب وأخرى اسمها أم شيماء و جلست تعد لي أسماء وألقاب لا أعرفها وأضافت : وأنا الشيوعية الوحيدة في المهجع والبقية كلهن من الإخوان فتشتني منيرة بعد ذلك ، وفعلت الشيء نفسه مع ماجدة وملك بالتتابع ، وكان العنصر في انتظاري حينما انتهت ، فأخذني وأصعدني ثانية من القبو ، واقتادني عبر سلالم وممرات عديدة إلى المبنى الجنوبي للفرع ، ليبدأ التحقيق معي حسب الأصول !


بين يدي الجلاد !

كان كل ما حولي يثير الفزع والإضطراب : هذا داخل وذاك خارج . . باب يقفل واخر من أين لا أدري يفتح . . وكل قادم أو عابر يحمل بيده جهاز لاسلكي أو كبلا أو أداة أخرى للتعذيب . . وفي البداية أدخلوني على مكتب رئيس الفرع ناصيف خير بك ، فأحسست وكأنني انتقلت إلى عالم اخر . . فالغرفة واسعة دافئة أنيقة التأثيث ، يمتد السجاد الفاخر على أرضهما بمهابة وقد توزعت عليه كنبات وثيرة ومكتبة ومكتب فاخر يحتل تمثال لرأس الرئيس الأسد ركنا منه ، بينما ينتصب في زاوية الغرفة القصوى تمثال برونزي آخر لرأس الرئيس بالحجم الطبيعي .

وأما المقدم ناصيف الذي كان منهمكا بمحادثة لاسلكية وقتها فلم يعرني أكثر من نظرة ازدراء بطرف عينه ، وأومأ للعنصر أن يعيدني إلى مكاني وأكمل حديثه . . ولم ألبث أن اقتادني ذاك ثانية إلى غرفة أخرى مقابل مكتب ناصيف ، فوجدت مجموعة أشخاص مجتمعين على شاب مقيد يعذبونه ويحققون معه ، وناصيف ممسك جهاز اللاسلكي بيده يتحدث فيه مرة ومع الشاب المسكين والعناصر مرة .

ولم يلبث أن أشار بيده إلى العنصر الذي أحضرني فجذبني ذاك من منكبي وأمرني أن أنتظر خارج الغرفة من جديد ، وأنا كالنائمة لا أكاد أقدر على متابعة المشاهد المتجددة والوجوه المتعاقبة والأصوات التي تختلط الشتائم فيها بالإستغاثات والآهات ! وسرعان ما عاد العنصر فأدخلني الغرفة ذاتها لأحضر تعذيب الشاب نفسه لعلي أخاف وأتكلم ما يريدون .

كانوا أربعة أو خمسة يشتركون في التعذيب أمامي بالكابل والعصي والخيزران والكهرباء : ناصيف خير بك رئيس الفرع ، والرائد عبد العزيز ثلجة وهو رجل ضخم الجثة بالغ الجلافة ، وعناصر آخرون كان أحدهم لم يبلغ العشرين بعد مجندا من درعا كما عرفت لاحقا ينادونه حسين ، ولم أعرف من كان ذاك الشاب ولماذا يعذبونه ، لكنه كان يصيح طوال التعذيب ويستغيث مناديا : – والله العظيم موأنا . . ثم اعترف اخر الأمر لا أدري ليتخلص من مزيد من العذاب أم لسبب اخر فأقرأنه قتل أحد الضباط . . وعندما اشتد التعذيب عليه وكاد صراخه يصيبني بالإنهيار التفت إلى العنصر معي وسألته : -لماذا أتيتم بي هنا ؟ قال بسخرية : لا أعرف . . إسأليهم.

قلت بانفعال : لا أريد أن أسألهم ولكن أنا ما عندي شيء لأعترف به ويضعوني في هذا الموقف فأتفرج على تعذيب الناس . ولم يزد العنصر عن أن هز كتفيه وابتسم متهكما وهو يقول : -لا أعرف . . لا علاقة لي بأي شيء هنا ! واستمر الضرب والتعذيب حوالي نصف الساعة أنهضوا الشاب بعدها مضرجا بالدماء والكدمات فكبلوا يديه ورجليه ، وفيما اقتادني العنصر وراءه لأكمل كما يبدو رؤية المشهد ، سحب الرائد ثلجة الشاب إلى رأس الدرج ، ثم ركله برجله بكل قسوة ، فتدحرج هاويا يئن ، ونادى على أحد ما هنالك لينزله إلى المنفردة في القبو أسفل المبنى ، وعاد فأمر العنصر ليدخلني إلى الغرفة مرة أخرى ، فأوقفني في زاويتها ، وجعل ناصيف وثلجة يتحدثان باللاسلكي لا أدري مع من ، ثم خرج الجميع فجأة ، ليعود الرائد ثلجة وحده ويغلق الباب كهربائيا بضغطة زر ، فاستوى الباب بالجدار حتى لم أعد أدري من أين دخل ولا أين كان هذا الباب . . ومن غير أن يلفظ أي كلمة أو يسألنى أي سؤال لم أحس إلا وصفعة مفاجئة تأتيني على حين غرة اصطدم رأسي من عزمها بالجدار وارتد ، وصارت الدنيا تدور كلها في ، وصرت أرى الرائد أمامي أربعة أشخاص معا ، وأرى رأسي أسفل مني ورجلاي فوق الرأس وفوقي ! لم يزد عن أن قال : – انظري . . إذا ما بدك تحكي ما بتعرفي ما الذي سيحصل لك .


بساط الريح !

خروج الرائد ثلجة برهة لم أكد أتمالك فيها نفسي حتى عاد مع ناصيف ورئيس الدورية التي أحضرتنا من البيت وشخص رابع لم أعرف من كان . وابتدرني ناصيف يقول : -وليك . . شو ما بدك تحكي ؟ ما بدك تقري وتدلينا فين أخوك ؟ قلت له :أخي ليس هنا . قال : إذا أين هو ؟

قلت : لا أعرف الظاهرأنه ذهب ليكمل دراسته . وواقع الأمر فإن أخي صفوان كان قد أخبر أمي عندما زارته في الأردن وقال لهما : إذا سألك أبي أين أنا فقولي له ذهب ليكمل دراسته في الباكستان .

تذكرت ذلك بمجرد أن سألني عنه ، ولم أكن أدري وقتها بأن أمي كانت معتقلة في نفس السجن معي ، وأنه سألها قبل دقائق عن أخي فأجابت الجواب نفسه ، والتقى كلامي مع كلامها في هذه النقطة ، الأمر الذي أعفاني من التعذيب على ذلك السؤال ، ولكنه سألني بلؤم : -أنت تعرفين بأن أخاك هنا ، وسوف تأخذيننا وتدليننا عليه ، أو على رفاقه والبيت الذي يجلسون فيه .

قلت : لا أعلم أي شيء من هذا . . فنادى على أحدهم وقال له : إذهب وأحضر لها بنطالا وأعطها إياه خليها تنستر وضعها على بساط الريح .

تقدم العنصر مني وطرحني على لوح من الخشب له أحزمة طوق بها رقبتي ورسغي وبطني وركبي ومشط رجلي ، ولما تأكد من تثبيتي رفع القسم السفلي من لوح الخشب فجأة فبات كالزاوية القائمة ، ووجدتني وأنا بين الدهشة والرعب مرفوعة الرجلين في الهواء وقد سقط الجلباب عنهما ولم يعد يغطيهما إلا الجوارب والسروال الشتوي الطويل ، ولا قدره لي على تحريك أي من مفاصل جسمي . . وبكل وقاحة صاح العنصر يقول : – انظر سيدي .. أرأيت ؟ قالت إنها ليست من الإخوان . . ولكن انظر كيف أنها منهم ومجهزة نفسها للفلقة ولا حاجة لها للبنطلون ! حاولت دفع أي من القيود الجلدية عن مفاصلي فما استطعت . . وقبل أن أحاول إعادة لوح الخشب إلى استقامته طلبا للستر كانوا قد علقوه من جنزير مثبت به إلى السقف ، وتقدم رئيس الدورية التي اعتقلنا وبيده خيزرانة طويلة رفيعة وسألنى بلهجة تهديد صريح : -شوما بدك تحكي ؟

قلت :ليس لدي أي شيء لأحكيه . في نفس الوقت كان الرائد ثلجة فوق رأسي يجهز مولدا كهربائيا مربع الشكل موصولا بالفيش وله يد يدار بها وملاقط قربها مني وأطبقها فجأة على أصابع يدي . . وفيما هوى ذاك بالخيزرانة على بطن رجلي أطلق هذا شحنة من الكهرباء سرت كالنار في بدنى ، فقال دون أن يلتفت لصرختي : -هه إلسه مابدك تحكي ؟ صرخت : قلت لكم ماعندي شيء للحكي .

قال ببرود : أرأيت كم كانت الكهرباء قوية؟ هذه أخف الموجود لدينا! قلت : حتى ولو كان ، هل أعترف بأشياء أنا لم أفعلها ! قال : لا . . أنت تكذبين وتخبين علينا . . بدك تقومي الآن تأخذينا وتدلينا على البيت الذي يسكن فيه أخوك ورفاقه والا فسنأخذك إلى تدمر ! وأقبل ثلجة هنا بصورة قربها من وجهى وسألنى : – هل تعرفين هذا الشاب ؟ قلت :لا. قال : كيف ؟ ألا تعرفين رفاق أخيك ؟ قلت :لا.

قال : لكن هذا رفيق أخيك الحميم . . هذا عبد الكريم رجب . . ألا تعرفينه ؟ قلت بحزم وقد تأكدت لي الوشاية الرخيصة التي حيكت لي : لا . . لا أعرفه . تبسم الرائد ثلجة ابتسامة صفراء وشرع يقرأ من مجموعة أوراق بين يديه بعين ، وعينه الأخرى تتاج انفعالات وجهي : – هبة الدباغ : منظمة مع الإخوان وتتعامل معهم . . اشترت لهم بيتا ، وتعطي دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق و . . صرخت بانفعال وأنا أسمع قائمة الإتهامات الكاذبة للمرة الألف : كذب . . كذب . . لا أعرف أي شيء تتحدث عنه .

دس الرائد ثلجة الأوراق بوجهي وهو يقول : -ألا تري ؟ هذا كله مكتوب هنا . . كله من اعترافات الرجب . . هو الذي تكلم عنك بهذا ، وهو من الإخوان مائة في المائة ويعرف عنك كل شيء ولا بدوأنك تعرفينه أيضا . . عدت إلى قولة كلا . . وعاد التعذيب من جديد ، وصار رئيس الدورية يضرب قدمي بكل عزمه ، حتى أصبحت الخيزرانة عندما تهوي عليهما تشق الهواء بصوت كالصفير ، وجاء عنصر آخر بخيزرانة ثانية وجعل يشارك معه الضرب ، فيما عاد عبد العزيز ثلجة فقبع فوق رأسي وجعل يكوي أصابعي بالكهرباء من جديد .

كان الألم أشد من أن يوصف . . وكنت في البداية أصيح : يا الله . . لكنني لم أعد أستطيع اخر الأمر أن أخرج صوتي ، فصرت ألوح برأسي فقط ولم أعد أحس بشيء . . ووجدتهم بعد عشر دقائق تقريبا من الضرب المتواصل يتوقفون فجأة ، ومع الشتائم والعبارات البذيئة طرق سمعي عبارة : – إلى تدمر! وسرعان ما انفكت القيود عن مفاصلي ، وسحبني عنصر من غرفة التعذيب عبر الممرات والسلالم ثانية إلى سيارة متوقفة عند الباب ، ففوجئت برفيقتي ماجدة قد سبقتني إليها بحراسة عنصر آخر . أركبانا معا ولكنني لم أجرؤأن أتحدث معها بشيء . . وانطلقت السيارة بحركة مسرحية إلى أن بلغت الباب الخارجي ، فسألنى من جديد : -لسه ما بدك تحكي ؟ أحسست وكأن أعصابي المشدودة تصيح كلها معي بصوت واحد : -ما عندي أي شيىء أحكيه . . أنا لا علاقة لي بأحد . . هل تريدون أن أكذب عليكم فقط ؟

هل تريدون ! توقفت السيارة ، ولم يلبث السائق أن عاد بنا إلى المبنى من جديد، وأعادوني مرة أخرى إلى التعذيب . . وعادت نفس الأسئلة والإتهامات تطرح علي ، لكن الضرب والتعذيب اشتد أكثر ، وزاد عدد المشاركين بتعذيبي حتى لم أعد أستطيع أن أعرف عدد من حولي أو عدد المحصي والخيزرانات التي تهوي على رجلي . . وبدأت أرى الغرفة كلها عصيا وخيزرانات . . والناس فيها من كثرة أسئلتهم كالضفادع تنق وتنق بصوت واحد غامض . . فلم أعد في النهاية أجيب على أحد ! وأتاني صوت الرائد ثلجة من جديد

يقول : – ها . . أنت إذا مسلحة . . انظروا إليها . . تدعي البراءة وتنفي أنها منظمة وهي ليست من الإخوان وحسب . . ولكنها مسلحة أيضا! أحسست أن تهمة أكبر تلفق لي هذه المرة فصرخت بعصبية : لا . .أنا لا علاقة لى بأحد . . وأنا لست مسلحة . قال : ولكن رفيقتك ماجدة هي التي قالت ذلك عنك .

قلت : لا تصدقها . . أحضرها لتقول ذلك أمامي . . ربما قالت ذلك من خوفها حتى تنجو من الضرب . قال : لا . . رفيقتك لا تكذب . . هى أصدق منك . . تكلمت عن كل شيء وما تعذبت ، وأنت أذا لم تتكلمي فستبقي تأكلي ضربا حتى تحكي .

وتقدم ثلجة من جديد نحوي وبيده بطارية كهرباء وضعها على فمي مباشرة وقال بلهجة التهديد : -الن تتكلمي ؟

قلت : ما عندي شيء أحكيه . . مهما وضعت لي الكهرباء أو أطعمتني ضربا فما عندي شيء أحكيه ولن أكذب على نفسي .

وهنا صاح ناصيف بضجر : – هيا أنهضها وأعطها ورقة لتكتب ما لديها من معلومات وسنرى بعدها . والتفت نحوي مهددا

يقول : -إذا لم تتحدثي بكل شيء هذه المرة فاعلمي أن لدينا عناصر الواحد منم كالوحش يسد الباب . وأضاف : – هل تعرفين ألشوايا الديرية كيف يكون شكلهم ؟ إذا لم تعترفي فسأدخلهم عليك وسنرى بعدها !


الموت راحة المؤمن !

أنهضوني عن “بساط الريح ” فوجدت نفسي مبللة من غير أن أشعر، وكنت كأنما أغمي علي أثناء التعذيب فدلقوا علي سطل ماء حتى أصحو . تلفت حولي كالسكرى فرأيت الغرفة خلت تقريبا من الناس ، وأدركت من خلال نافذة كانت فوق رأسي أن الدنيا قد أصبحت ليلا ، فقدرت أن ساعتين أو ثلاث انقضت علي وأنا في التعذيب ! وبينا أنا لا أزال أحاول استعادة توازني جاء أحد العناصر بورقة وقلم وجلس أمامي يقول : – انظري . . إذا حكيت فستساعدي نفسك ، وإلا فستطمسي أكثر مما أنت طامسة . قلت له : ماعندي أي شيء أحكيه . قال : لا أحد يأتون به إلى هنا وما عنده شيء . . ولا أحد يصل هنا إلا إذا كان مذنبا . قلت له : ولكن أنا ليس لدي أي شيء .

قال : أنت حرة . وأعطاني استمارة معلومات عامة عن دراستي ومدارسي ثم عن علاقتي بتنظيم الإخوان . . أجبت بما أعرف وأعطيت الورقة للعنصر فذهب بها ، ولم يلبث أن عاد الرائد ثلجة يلوح بها وملامح الغضب بادية على وجهه وهو يصرخ في : – هل هذه أجوبة تلك التي أجبت بها يا أخت ال . . . واندلقت كل الشتائم والعبارات البذيئة دفعة واحدة من لسانه وكأنها كانت تنتظر فرصتها للإفلات وفى آخر عبارة أطلقها سمعته

يقول :أنت تعرفين هذا البيت الذى يسكن فيه أخوك ورفاقه وبدك تدلينا عليه الآن لكن أنا أعرف لماذا لا تريدين ذلك . . تريدين أن تماطلى بالوقت حتى يهربوا اوسجل دون أن أرد عليه بعض الكلمات على الاوراق التى معه وخرج ولم يلبث أن عاد وقالو خرج ، ولم يلبث أن عاد وقال : – إذالم تتكلمي فسننزلك إلى القبو ،والقبو إذا نزلت إليه لا تخرجى منه حتى تموتى قلت له : أحسن. . الموت راحة المؤمن !

قال بغيظ :وتجيبين بكل وقاحة وكل عين يخرب بيتك الم تحسي كم أكلت من قتل ؟ ألا تفكري في أن ترحمى نفسك وتعترفى لتخلصى من هذا العذاب.

قلت له :لكن أنا ليس لدي أي شيء حتى أعترف به . . قلت لكم ماعندى شىء  : في تلك اللحظة دخل ناصيف خير بك من وسمعنى أقول ذلك جديد للرائد ثلجة ،فابتدرني بتكشيرة ونظرة مرعبة وقال والشتائم البذيئة تسبق كلماته- إذا الم تعترفي بكل شيء الان .. مباشرة . .فسوف أعريك من ثيابك صحت وقد هزني التهديد:لكن انا ما عندي شيء احكيه . قال بلهجة الأمر:إخلعي جلبابك .وقفت هنا ونظرت إليه والخوف الحقيقي يغمر قلبي لأول مرة . ل قال ألا تريدين أن تخلعيه؟ أنا سأخلعه لك. وتقدم مني فمد يده يريد أن يفك أزرار الجلباب فما وجد شيئا .

ففي تفصيلة ذلك الجلباب كانت الأزرار مخفية ، فحول يده وأنا أحاول مدافعته إلى رأسي لينزع حجابي فلم يستطع . . أمسكني من شعرى تحت الحجاب وكان طويلا وقتها وملفوفا للخلف أمسكني منه وبدأ يشده فينجذب رأسي كله من غير إرادة مني إليه ،ثم يعود ويخبطه بالجدار . .وسيل الشتائم البذيئة يرافق ذلك كله ،لكنه لم يتمكن رغم ذلك من نزع الحجاب لأن غطاء الصلاة كان قد نزل في أكمامي عندما لبست الجلباب فوقه ساعة الإعتقال . .

فصاح بي : وتقولي عن نفسك أنك لست من الإخوان وثيابك كلها ملتصقة ببدنك التصاقا والجلباب أزراره سرية ومخفية ومجهز اخر تجهيز! .

ومع استمرار صمتى وسيل الشتائم منه نادى أحدهم ليعطيه الكبل أو الخيزرانة ليجدد ضربي . . ووقتها كانت قدماي قد تورمتا من الضرب ولم يعد بإمكاني لبس الحذاء، فقال وهويتناول ماطلب :لا تريدين الكلام ؟ أنا سأريك ” وتقدم ليبدأ ضربي ، فركضت بعفوية منه والتجأت وراء الطاولة فركض ورائي . . وبدأت أركض وأدورحولها وهويركض ورائي ليمسك بى ويصيح : يخرب بيتك كل هذا التعذيب والضرب ولازال فيك روح لتنطي وتركضى ونادى الحاجب وقال له : أمسكها من عندك فلما تقدم العنصر وأمسكني صاح ناصيف فيه : خذها . . خذها تنقلع من وجهى . . خذها إلى المنفردة . . لا أريد أن أراها أكثر من ذلك. لم أصدق أن حفل التعذيب قد انتهى ولم أعي مامعنى أن أذهب الى المنفرده إلا عندما دفع العنصر حذائى الى وجذبنى خارج الغرفه وجعل يقودنى عبرالسلالم والممرات ثانية نزولا هذه المرة وهو يقول لى: لماذا؟ لماذا لم تتكلمي ؟ أما كان ذلك أفضل لك ؟ كنت على الأقل رأفت بحالك . . أنظري كيف انتفخ وجهك وازرقت يداك وتورمت رجلاك وأكلت قتل الدنيا حتى لم تعودي تستطيعين أن تلبسي حذائك .

قلت : ما عندي شيء أحكيه . وأضفت وقد فاض بي الأمر ولم أعد ألقي بالا لكلماتي : الله لا يعطيهم العافية هؤلاء الظلام . . لكنه وكأنما كان يؤدي دورا مرسوما لم يلتفت لعبارتي وأكمل يقول : لكن لو أنك كذبت عليهم كنت خلصت حالك.

قلت :- أنا لا أكذب وأعلم أن الذي يصدق هنا أو يكذب فنتيجته واحدة .

سألنى بدهاء: وكيف عرفت ذلك ؟

قلت : – لأنهم لم يصدقونني . . قلت لهم الحقيقة فلم يصدقوا فكيف سيفعلون إن أنا كذبت عليهم ! كنا قد وصلنا باب القبو أخيرا ، فوجدت حسين . . العنصر الذي كان يشارك قبل قليل في تعذيب الشاب في الأعلى يطل علينا بوجه مظلم وقد فتح فمه على ابتسامة سخرية تكشف سنا مقلوعة فى الوسط فكأنها نافذة في بيت خرب . . استقبلني وبيده كبل يتلوى مثلما تلوت كلمات الترحيب الساخر على فمه وهو يقول : -أهلا . . أهلا وسهلا . . والله نورت !


قن الدجاج !

أمسكني حسين من كتفي وأنزلني الدرجات الخمس إلى أسفل ، واقتادني من جديد عبر الممر المعتم إلى ثاني زنزانة منفردة في ممر آخر لا يكاد يبدو آخره ، وقال وهو يشير إلى الداخل -هذا مكانك . . غرفتك العامرة . . وان شاء الله نومة هنية ! أحسست بالنفور من الظلمة ووحشة المكان وكنت لا أزال متوترة الأعصاب جدا فقلت بلا وعي : – لا والله . . لا أدخلها أبدا ! قال وهو يدفعني إلى الزنزانة بغلظة : -إي بدك تدخلي بكسر رأسك .

التفت إلى أبواب الغرف الأخرى فلمحت صديقاتي زميلات السكن معي يطللن بوجوههن من طاقات الزنازين التي وزعوهن عليها ، فركضت نحوهن وأنا أصيح : فاطمة . . فلانة . . فجذبني بقوة وهو يقول : تعالي . . تعالي . . هل تظنين نفسك في فندق أو في زيارة ! وفجأة سمعت من آخر الزنازين (رقم 24 ) صوت أمي التي يبدو أنها سمعت صوتي أيضا فبدأت تدعو عليهم بصوت عال وتصيح : -هؤلاء حريمات تتقوون عليهن يا ظلام . . ما عندكم رحمة ! والله أنا طول عمري أسمع أنه لا رحمة في قلوبكم ولكنني أرى ذلك الآن بعيني ! بهرتني المفاجأة . . وركضت ثانية باتجاه مصدر الصوت وأنا أصيح بدوري : -أمي هنا ؟ الله يخرب بيتكم . . ماذا تفعلون بها ؟ إخوتي صغار وأبي مريض . . ولا حول جميعا لهم ولا قوة .

فناداني حسين وهو يقهقه بسخرية : -وما حاجتنا لأبيك وإخوتك ؟ نحن نريد أمك فقط ! وذهب فأغلق نوافذ المنفردات جميعا ثم عاد يدفعني إلى المنفردة وأنا أحاول المقاومة وأتكىء على زاوية الباب ، فقال لي مهددا : -إذا لم تدخلي الآن فسأحضر كل عناصر الفرع ليدخلوك.

قلت : المكان معتم جدا ! أجاب بسخرية : أنت الآن ستنورينه . . هيا ادخلي . نظرت فإذا بعلبتين من الصفيح في زاوية الزنزانة واحدة فيها خبيص من أرز أو برغل مع مرق وفي الثانية ماء . . قلت له : والله هذا مثل قن الدجاج . . وهذه والله مثل معاملة الحيوانات ! قال : هذا عشاؤك الليلة داذا كان لك نفس لتأكلي فكليه .

قلت وقد تملكني الغيظ : أنتم تعرفون أن الذي يدخل إليكم لا تعود له نفس ليأكل ! وهنا حضر عنصر اخر متقدم في السن كان يحسن معاملتي فيما بعد قدر المستطاع . . تقدم مني وقال بصوت منخفض : – يالله يا أختي ادخلي وتوكلي على الله ولا تتركي له مزيدا من الفرص ليسخر منك.

فدخلت المنفردة وصوت أمي لا يزال يبلغ مسمعي . . ثم لم يلبث صوتها أن غاب وسط قهقهات العناصر وصياحهم وهذرهم ، وعمت المكان رائحة الخمر وصيحات المجون احتفالا بليلة رأس السنة إ! فيما لفتني في وحدتي الظلمة ووحشة المكان فازدادت أعصابي توترا ولم أستطع حتى أن أغير جلستي ، خاصة وأنهم أخذوا ماجدة بعدي إلى التحقيق وكان من الممكن أنها تعذب في تلك الساعة مثلما كان محتملا أن تقول عني أي شيء . وبقيت على هذا الحال إلى ما بعد منتصف الليل ، حينما حضر أحد العناصر واقتادني إلى غرفة التحقيق من جديد .


لون الليمون !

في غرفة التحقيق وجدت الرائد ثلجة في انتظاري يستقبلني قائلا : – لست من الإخوان أليس كذلك ؟ ولم تقومي بأي عمل لهم ولا تريدين الإعتراف . . ولكن هناك من أرسله الله ليعترف عليك الليلة . هذه رفيقتك – يقصد ماجدة – قالت بأنك مسلحة وأنها رأت السلاخ معك بعينها .

قلت له بتحد : أحضرها لأفقأ لها عينها . . هيا أحضرها لتقول ذلك أمامى . قال : هي لا تكذب ،أنا قلت لك هي لا تكذب . . هي أصدق منك ، والدليل على كذبك لونك الذي أصبح أصفر مثل الليمون .

قلت له : لي ليلتان كاملتان لم أنم ولم آكل ولم أدخل الحمام مع القتل والتعذيب ولعيان القلب ، فكيف لا يصفر لوني ! هز برأسه وهو يمط شفتيه بلا معنى وصاح للحاجب كي يعيدني للمنفردة ، فعدت إلى جلستي القلقة ذاتها وعاد إلي التوتر والأرق ، حتى أنني لم أمد البطانيات خوف أن يأتي أحد العناصر فيفتح نافذة الباب أو يدخل علي وأنا نائمة . . وبينما أنا متكورة على نفسي وسط الزنزانة أرمق الصراصير في تلك الظلمة تتسلق الجدران حولي دونما اكتراث بالنزيل الجديد . . شق جدار السكون فجأة صوت مزلاج الباب الخارجي وصياح السجانين وتدافع أقدام تتخبط مهرولة فوق الدرجات وعلى الممر باتجاه منفردة قريبة .

أدركت بحدسي أن دفعة من المعتقلين الجدد قد وصلت ، وعلمت لاحقا أنهم ستة أو سبعة شباب بين الثانية عشرة والخامسة عشرة من العمر جمعوهم من مسجد واحد وحشروهم معا في هذه المنفردة التي لا تزيد بمساحتها عن متر بمتر ونصف ! والذي يبدو أن واحدا منهم أصابه إسهال من الخوف أو التعذيب فجعل يصيح طالبا الخروج إلى الحمام ، فلا يجيبه إلا صوت العناصر الغارقين في متعة الإحتفال برأس السنة : -سد حلقك ! لكن الفتى لم يكن يستطيع الصبر ، فيعيد الرجاء وينادي : -والله بطني بتوجعني . . يا عالم . . لم أعد أستطيع ضبط نفسي . . عندها جاءه عنصر منهم وفتح النافذة وتناوله بضربة بالكبل وهو يكرر-سد حلقك واخرس يا . . .

وسكت الفتى لبرهة يا حرام ، بدأنا نشم بعدها رائحة من زنزانتهم خنقتنا . . فعاد العنصر إليه يكفر ويلعن ويقول له : -فعلتها هنا يا ابن ال . . . وأخرجه إلى الممر وانهال عليه ضربا كالمجنون ، وتعالى صراخ أمي من منفردتها ثانية تدعو عليهم وتقول له : -يخرب بيتك . . مالك قلب بشر؟ سألك أن تخرجه فلم تفعل ففعلها تحته . .ماذا يفعل المسكين بنفسه ؟ وعاد الأمر بعد هذه المهزلة إلى ما يشبه الهدوء من جديد . . ومضت ساعات الليل المتبقية تمر علي أثقل من الجبال ، وعلى الرغم من أنني لم يطرق لي النوم جفنا ليلتها إلا أنني بدأت أفقد الإحساس بما حولي ، وأتخيل ربما من شدة البرد أن الثلج قد غطى المكان كله ، وأن العناصر تستعد لاقتحام الزنزانة علي ليسحبوني في هذا الثلج فيعروني ويعذبوني للمرة الأخيرة قبل أن يرشوني وأغادر الحياة ! لكن شيئا من ذلك لم يحدث ، ولم ألبث وقد دنا وقت الفجر أن أحسست بما يشبه الطرق الخافت على الجدار من الزنزانة الأخرى المجاورة حيث وضعوا ماجدة ، فعلمت أنها تنبهني إلى موعد الصلاة ، ولم نكن خلال الفترة السابقة من الإعتقال كلها قد تمكنا من الصلاة ، فتيممت وهممت أن أبدأ ، لكنني لم أستطع معرفة اتجاه القبلة فطرقت الباب ، ولم يلبث أن حضر حسين من جديد فسألته ، فقال بسخرية : – كيف وضعت رأسك على الفلقة فهذا اتجاه القبلة ! كررت عليه السؤال مع الرجاء ، فقال بتبرم : – أنا لا أصلي . . لا أعرف ، لكنني أشاهد الشباب في المنفردات يصلون بهدا الإتجاه .

فصليت إلى حيث أشار وظهري إلى الباب ، فكان قلبي ينتفض من الرعب طوال الصلاة خشية أن يفتح أحد العناصر علي فيراني وأنا أصلى! فيحدث ما لا تحمد عقباه ! وبالفعل . . وبينما أنا في صلاتي فتح السجان ابراهيم الطاقة ليعطيني الإفطار ، فلما رآني أصلي قال بما يشبه السخرية : -شو . . عم بتصلي ؟ فلم أجب ، ولكنني أحسست أن قلبي قد سقط بين يدي ، غير أن الله سلم ، ومضى إبراهيم فأكمل توزيم الفطور على الزنزانات الأخرى ثم عاد ففتح وسألنى باستهزاء : -خلصتي ؟ الله يتقبل ! هززت برأسي دون أن أجيب ، فاكتفى بدفع طبق الطعام إلي والذهاب . . ولم يكد يفعل حتى فتحت الطاقة من جديد وكان القادم هذه المرة أبو محمد . . الرجل الذي ترفق بي لأدخل الزنزانة ليلة الأمس ،

فسألني : – ألا تريدين الخروج إلى الحمام ؟ أشرت بالإيجاب ، فلما فتح باب المنفردة أطللت على الممر برأسي فما وجدت أحدا . .

سألته : – مالي لا أسمع صوتا هنا ؟ وهذه صديقتي ملك ألم تنزل من التحقيق ؟ قال : خرجوا . . كلهم خرجوا ، وما بقي إلا أنت ورفيقتك الثانية – يقصد ماجدة – . قلت بدهشة واضطراب : وأمي ؟ قال : أنت ورفيقتك وأمك فقط . . صفوكم ! أحسست أنها النهاية وأنها راحت علينا . . خرج الجميع وبقينا نحن . . إذا فهي النهاية! سألته وأنا أشهق بالبكاء : – ولماذا أخرجوهم ولم يخرجونا نحن ؟ أنا لم يثبت أي شيء علي . . أنا بريئة .

أطرق وهو يقول : والله لا أعلم . . إسأليهم ، أنا هنا مجرد موظف. ثم غير مجرى الحديث وقال : – أتريدين أن تأكلي .. ألست جائعة؟ أنا أحضرت فطوري الخاص معي : زبدة ومربى وأشياء أخرى . . أكلت منهم وزاد معي قطعة .

تذكرت وقتها أنني لم أكن قد أكلت شيئا إلى ذلك الوقت من قبل ، لكنني لم أشأ أن آكل طعام غيري أيضا ، فشكرته واعتذرت . . ثم لما اشتد علي الجوع في اليوم الثاني بدأت آكل القشرة الخارجية للصمون الذي يحضرونه لأن الداخل عجين كله . . وقطعة الجبن التي لا يحضرونها إلا نادرا بطبيعة الحال ، وعلى هذه الحال بقيت طوال فترة بياتي في المنفردة ثمانية أيام بالتمام والكمال !


“الخط “ورعاه البقر !

طلع صباح أول أيامي في سجن كفر سوسة وأنا لا أزال قابعة أترقب في زنزانتني المجهول بوجل ، وأطل على أحداث الأيام التي مضت مصدقة ومكذبة! تلفت أتأمل “مسكني ” الجديد فإذا به أشبه بالقبر منه إلى أي شيء اخر ، وعدا الصراصير التي كانت لا تزال تبحث بمجساتها المقرفة عن شيء رطب تقتات عليه لم أستطع في البداية أن أجد على الجدار القاتم شيء ، لكن تسرب بعض الضوء واعتياد عيناي على الظلمة جعلني أبصر خطوطا مميزة بعض الشيء وشعار “الله أكبر ولله الحمد” محفورة أكثر من مرة وحولها أسماء أشخاص عديدين مروا على هذا المكان التعس قبلي . . وكان ثمة نقش لمسجد كتب حوله “لا إله إلا الله محمد رسول الله ” وأسفل منه اسم الشخص الذي نقشه على الأغلب . . كذلك لمحت خريطة لفلسطين وتحتها عبارة “الله أكبر ولله الحمدا ا! لم تكن أكثر من ساعتين على صلاة الفجر قد مضتا حين بدأت دورة يوم جديد من أيام السجن تأخذ مجراها . . فكما الكلاب تفعل كان المحققون والجلادون والسجانون لا ينامون إلا إذا دنا الفجر ويستيقظون وقت الضحى! وسرعان ما بدأت الشتائم واللعنات وعبارات الكفر بالله تختلط بفرقعة الكبلات على ظهور السجناء يقتادونهم إلى الحمامات أو إلى “الخط ” بلغة السجن المتداولة .

كان (ياسين ) المجند العلوي المتطوع أحد أجهل خلق الله وأغباهم يتصدر لهذا العمل على الدوام ، فتراه يمسك بالكبل بيده ويتفرس في طابور المعتقلين المتجه نحو الحمامات لبرهة ، ثم لا يلبث أن ينقض على المساكين لطما ولسعا يسلخ جلودهم كالدواب . . والويل كل الويل لمن كان يجرؤ ويصيح من الألم . . فجزاء ذلك مضاعفة العذاب حتى لا يعيدها ثانية! وسرعان ما انطلق صوت أمي من زنزانتها تنادي عليه : يا ولدي . . هل تظن أنك لا تزال في الضيعة التي جئت منها وهؤلاء قطيع من البقر الذي كنت ترعاه ! ولم يكن ياسين ليرضى أن يقطع متعته الصباحية شيء فاستمر يجلد الشباب ويتلذذ في خلق هذا المشهد الرهيب . . وأمي تطرق الباب بأيديها وأرجلها وتبكي ألما عليهم وحسرة وليس من مجيب ! ولم تكد تنته هذه المأساة ويهدأ المكان بعض الوقت حتى كان موعد التحقيقات قد جاء ، وعاد صراخ المعذبين وصيحات العناصر وشتائم المحققين تقرع اذاننا وتذيب منا القلوب ، ثم وكما بدأت بلا مقدمات خفتت الأصوات من جديد ، ولم ألبث أن وجدت باب الزنزانة يفتح وأحد العناصر يدعوني للذهاب إلى الحمام ، فلما أصبحت هناك وحدي وبدأت الوضوء وكل ظني أنني قد أغلقت الباب بإحكام علي فوجئت بوالدتي أمامي ، فأدهشتها المفاجأة مثلما أدهشتني . . واندفعت من فورها تحيطني بذراعيها وتسألنى وهي بادية الإضطراب : – قتلوك ؟ عذ بوك ؟ قلت أريد أن أخفف المصاب عنها : لا . . أنا بخير . لكنني كنت وقتها أضع رجلي على الحوض وأغسلها للوضوء ، فأشارت مفجوعة إليها

تقول :ولكن ما هذا ؟ رجلك كلها زرقاء وأصابعك مزرقة أيضا ولا تكاد تظهر ! هل أذاك أحد؟ هل مسك أحد ؟

قلت من جديد : لا . . الحمد لله ما مسني أحد .

سألتني وكأننا في سباق مع الزمن : ولماذا أمسكوك إذا ؟

قلت : والله لا أعرف . . يريدون أخي صفوان ويريدونني أن أدلهم عليه .

فأخبرتني هنا أنها أجابت في التحقيق كما أجبت بأنه يدرس في الباكستان ، فشعرت بارتياح لتطابق كلامي مع كلامها ، ولكنني وجدتها تتركني وتخرج إلى الممر ندعو عليهم بأعلى صوتها ، فحضر حسين راكضا وهو يصيح بالعنصر الآخر : – كيف جعلتها تدخل والأخرى لا تزال هناك ؟ ألا تعلم أن اجتماع أكثر من شخص هناك ممنوع ؟ أجاب العنصر الذي أحضر أمي : لم يكن لي عالم بوجود أحد اخر . . لماذا أغلقت أنت باب المنفردة التي كانت فيها ولم تتركه مفتوحا لأعلم أنها لا تزال في الخارج ؟ واقتاد كلاهما والدتي وهي لا تكف عن إطلاق دعواتها عليهم ، ولم تتح لي رؤيتها ثانية إلا بعد أيام ، ولم تتح لي معرفة سبب وكيفية اعتقالها إلا حينما اجتمعنا في المهجع بعد انتهاء التحقيق . . فقصت علي – رحمها الله – ما جرى بالتفصيل .


الكمين !

كانت والدتي – علية الأمير – قادمة من حماة لتحضر لي بعض أغراض كنت قد نسيتها أثناء الإجازة هناك ، ولتكمل بعدها إلى الأردن حيث استقر أخي صفوان مع كثير من الشباب الملاحقين بتهمة معارضة الحكومة والإنضمام إلى تنظيم الإخوان . . ومع والدتي حضرت أسرة ال مرقة ترافقها لزيارة ابنهم المقيم في عمان لنفس السبب .

قالت والدتي – استيقظ أبوك ليلة اعتقالك على منام مزعج أولمه شرا أصاب أخاك صفوان ، فقال لي اذهبي وا نظري أحواله ، فمضيت يرافقني المرقة وقد اتفقنا على المبيت عندكم ليلتها والتحرك إلى عمان في اليوم التالي . ، ولما وصلنا قرب بيتكم في دمشق وبت على خطوات من مدخل البناية سمعت صوتا يأتيني ويقول برجاء ظاهر : يا خالتي ارجعي . . لا تدخلي ! كان أحد الجيران ينادي من جهة لا أراها ويحذرني من الصعود بعد أن تم اعتقالكم قبل ليلة ، ولكنني لم أرد وما ظننت النداء كان لي ، فما أن طرقنا الباب حتى استقبلتنا الرشاشات وأيادي جذبتنا إلى الداخل بغلظة ، ووجدنا أنفسنا بعد ساعة زمن في سجن كفرسوسة !


أحكم الأحكمين . .

كنت وأمي تحدثني عن اعتقالها لا أقل تأثرا وحزنا على حالها من تأثري وألمي على حال هؤلاء المساكين أسرة عمر مرقة الذين اعتقلوا معها ، فوالدتهم لم تكن قد أفاقت بعد من صدمة مقتل ابنها أيمن 18 سنة وأخته مجد 14 سنة حينما رشهما الخابرات في الشارع انتقاما من أهالي الملاحقين وحسب ! وكانت الأم حتى هذه الفترة فاقدة لتوازنها العقلي وقد نزعت حجابها وعصبت رأسها بعصابة تشد بها على الألم . . فلما وجدت نفسها قيد الإعتقال المفاجيء انهارت المسكينة . . وكنت وأنا في أول ليلة لي في المنفردة أسمع المحقق يصرخ في أذنها بأعلى صوته فيصل الصوت عندي وهي كالبلهاء لا تجيب . . وأما الزوج فكان أسوأ حالا وقد جاوز المسكين السبعين من عمره . . تجره والأم ابنتاهما اللتان اعتقلتا معهما وأغمي عليهما على باب المحقق ، فاضطرت والدتي أن تصفعهما لتفيقا ! وعندما لم يجدوا ما يهمهم من التحقيق مع هؤلاء البؤساء أرسلوهم للمبيت في القبو تلك الليلة ، لكن ولاغتصاص المكان ليلتها بالمعتقلين لم يجدوا مساحة يضعون العجوز فيها فتركوه بهرمه وشيخوخته ينام على أرض الممر أمام منفردتي ، فكنت أدعو الله أن يخفف عنهم المصائب التي تتوالى عليهم واحدة بعد الأخرى . . وأما والدتي فقد جابهتهم من البداية ما شاء الله بحزم . .

قال لها المحقق : -خبرينا عن ابنك المجرم . . أين هو؟ فقالت : أنا ماعندي ابن مجرم . . دير بالك ها !

قال لها : ماذا لديك إذا ؟ مجرم ومغرر بإخواته أيضا على طريق ا لإجرا م . قالت : أنا لا أعرف نفسي إلا أنني ربيت ابني من الجامع إلى البيت ومن البيت إلى الجامعة. فقال لها ساخرا : الله يعطيك العافية . . تعيشي وتربي ! إذا لا تريدي أن تحكي . . والتفت إلى أحد العناصر وقال له : ضعها على الفلقة .

فقالت له : كتر خيرك . . أنا في سن أمك وتضعني على الفلقة ؟ قال لها : ولكنك ما تكلمت . قالت : وماذا تريدني أن أقول ؟ لا الذي يصدق يسلك معكم ولا الذي يكذب ! فتركها – سبحان الله – ولم يعذبها . . وكانت لا أدري كيف تقوم طوال فترة اعتقالها فتشد معهم وتواجههم وتدعو عليهم وكانوا مع ذلك يراعونها من دون جميع السجينات والسجناء الآخرين . . وكانت لا تكاد تنام لا في الليل ولا في النهار ، وتراقب كل صغيرة تجري وكبيرة فلا يفوتها شيء ! وفي بداية اعتقالها في المنفردة كانت تنادي أبا عصام مدير السجن – وهومن درعا – وتسأله : – ماذا فعلت أنا . . ولماذا تعتقلونني ؟ فيجيبها : أنا لا علاقة لي بذلك .

فترد عليه وتقول : بل بيدك كل العلاقة . . أنا أريد أن أرفع كتابا لرئيس الفرع ، أعطني ورقة وقلما . فينهرها وهو يكرر عليها : -ممنوع . . لا تصل . . مخالفة للأوامر . . . فيصيبها القهر ويشتد بها الغيظ وتنادي داعية عليه : شكيتك لواحد أحد . . لأحكم الحاكمين . . وإن شاء الله تقعد قعدتي وما بتصبر صبري . وسبحان الله لم يمر شهر أو شهران حتى قتل هذا الرجل كما بلغنا حادث سيارة . . ودخل المقود في بطنه . . وسمعت أمي بموته قبل أن تموت


رهائن !

ولقد استمر الكمين من بعد اعتقال أمي ومرافقيها ، فاعتقلوا من زميلات السكن ومن الزائرات من غير أي تهمة أو علاقة أكثر من عشر أشخا ص : –

فاطمة : من قارة ،طالبة تسكن معنا . – سوسن س : خريجة طب أسنان من حلب كانت في سنة التدريب بعد التخرج وتسكن معنا .

أختين من ال جاموس إحداهما كانت تسمى منى فيما أذكر ، وهما طالبتا علوم من التل وتسكنان معنا أيضا . –

يسرى ح : وهي أردنية كانت تدرس في جامعة دمشق كلية العلوم الطبيعية وتسكن معنا ، وقد اعتقلوا والدتها أيضا التي كانت في زيارة لها أيام الإمتحان .

مها أ : طالبة طب في دمشق وهي فلسطينية لبنان ية . طالبة أخرى من اللاذقية من ال درويش . كذلك اعتقلوا غادة ع طالبة جامعة تسكن معنا كما اعتقلوا أخاها وصديقا له حضرا لزيارتها فاعتقلا معا . والذي حدث أنهم أخذوهم إلى التحقيق جميعا بعدما انتهوا مني ومن ماجدة واحدة بعد الأخرى ، فلما لم يجدوا فائدة من احتجازهم أطلقوهم . . لكنني ومن شدة تعبي وآلامي لم أحس ساعتها بما حدث رغم أنني كنت يقظة متنبهة طوال الليل


أمى والإضراب

لم ينته اليوم الثاني علي من غير تحقيق جديد . . كنت خلال ساعاتي التي مضت في السجن قد أدركت مجمل ما يدور حولي ، وتذوقت في أول قدومي أشد العذاب وأبشع التهديدات ، فلما نادوني للتحقيق من جديد لم يكن هناك ثمة جديد ! أعادوا طرح نفس الأسئلة وتوجيه نفس الإتهامات بنفس الطريقة ونفس الأسلوب . . وعلى مدار أسبوع كامل استمر البرنامج نفسه ، ولم يتغير فيه إلا طريقة الضرب بعض الشيء ! فمع الضرب بالخيزران والعصي أرادوا مرة أن يضعوني على الدولاب فلم يكن على مقاسي ، فصار المحقق يعوض عن ذلك بالضرب بالخيزرانة وأنا واقفة ، فطال بذلك كل جسدي ، وزاد من بقع الألم وآثار المعاناة ، ولكن شيئا في الأسئلة أو الإجابات لم يتغير ! أما في المنفردة فكانت المتغيرات مستمرة هناك . . والمشاهد المفجعة والحوادث المحزنة لم تتوقف : كانت استغاثات السجناء لا تكاد تكف ليلا أو نهارا . . والويل كل الويل لمن يضبطه العناصر وهو يصلي ! كانوا يمرون عليهم بلا ميعاد ، فإذا ضبطوا أحدهم من الطاقة يصلي أخرجوه فأوسعوه ضربا وتعذيبا بلا رحمة ، وأما الكفر بالله والشتائم البذيئة فكانت ديدنهم حتى عندما يتخاطبون فيما بينهم ، لكنهم لم يكونوا ولله الحمد يضربوننا نحن النساء على ذلك ، وكنا نتمكن من الصلاة حتى تحت مراقبتهم .

وكنت في بعض الأحيان أعطي ماجدة بعض الإشارات بالضرب على الجدار بيني وبينها ، واذا تأكدنا من خلو المكان من العناصر كنت أكلمها وتكلمني عبر الجدار ، وأذكر أن عنصرا أحس بنا مرة نتحدث في الليل فنهض بسرعة وأتى نحونا يصيح : -أنا أسمع صوتا . . من هذا الذي يتكلم ؟ وحتى لا تكون سببا في تعذيب أحد من الشباب قالت ماجدة بثقة : – أنا .

فسالها بغضب : مع من ؟ قالت : مع صديقتي . . أهو حرام؟ ومرت الحادثة ولله الحمد بسلام . وأما والدتي فلم تكن تدخر فرصة للإتصال بي إلا واغتنمتها . . حتى ولو كلفها ذلك الكثير .

كانت كلما أرادت أن تخرج إلى “الخط” توقفت عند زنزانتي وتعلقت بقفلها لا تريد أن تتزحزح حتى يفتحوا لها فتراني وتحدثني ولو كلمتين ، فإذا ملوا أحيانا من سحبها ومدافعتها فتحوا لها الطاقة وقالوا : – هيا شوفيها ولكن بلا كلمتين . . فترفض وتطلب أن يفتحوا الباب لها . . فيقولوا : ممنوع .

ولم تلبث في اليوم الثاني من اعتقالها وبعد خروج بقية البنات من دوننا أن أضربت عن الطعام وعن الخروج إلى الحمام وحتى عن النوم حتى تراني . . ولم أدر بذلك إلا عندما حضر أبو عادل رئيس النوبة يقول لي : -إذا التقيت أمك مرة ثانية فأعطيها دروسا في الدين . . قولي لها إن لجسدك عليك حقا . . ألم تدرسي ذلك في الشريعة؟ خليها تأكل .

قلت له : هي أم وأنت تعرف كيف يكون قلب الأم . . والحق معها . وفي اليوم الثاني ومع استمرارها بالإضراب أتى الأمر بالسماح لها أن تراني وأراها ، فجاء أبو عادل ثانية وأخذني إلى زنزانتها وهو يذكرني بحديث الأمس ، وقال وهو يدفعنى إليها : -مثلما اتفقنا . .قولي لها . . قلت له : ماذا أقول ؟ هي حرة . قال : ألا تريدين أن تساعدينا لتفك إضرابها ؟ قلت : ماذا يمكن أن أفعل . . ألا ترى وضعها ؟ الله يعينها ويساعدها .

فالتفت إليها بغيظ وسالها : هل رأيت ابنتك ؟ ولم تكن رفعت نظرها إلي طوال ذلك الوقت لتقهرهم . . فقالت : لا . فقال : إذا ماذا تريدين ؟ والله حيرتينا ! قالت : أنت تعرف ماذا أريد . . وحتى يأذن الله . . هو أحسن منكم جميعا وهو أحكم الحاكمين . . وهو قادر على أن يقصف رقابكم ! فلم يجد ما يفعله إلا أن يضحك بغباء ويقفل الزنزانة عليها ويعيدني أنا لزنزانتي من جديد ، لكن إضرابها كان – والله أعلم – سببا للتعجيل بإنهاء التحقيق معنا ونقلنا بعد ثمانية أيام قضيناها في المنفردة إلى المهجع ،لننضم هناك إلى بقية النساء المعتقلات .


إلى المهجع

لم نكن خلال الأيام الثمانية قد رأينا أيا من المعتقلات أو اتصلنا بهن باستثناء منيرة التي فتشتنا أول وصولنا ، لكنهن كن قد رأيننا من شق صغير في طاقة باب المهجع وعرفن بوجودنا كما أخبرننا لاحقا ، وذات مرة وأنا في طريقي إلى الحمام رأتني الحاجة مديحة إحداهن بجلبابي الأسود أعبر من أمام مهجعهن فدقت الباب تنادي أحدا من العناصر ، فلما جاءها حسين بادرته قائلة : -أريد أن أنفض البطانية . . افتح لي ! فأدخلني الحمام بسرعة ليخرجها ، فصارت تتحدث بصوت عال لنسمع صوتها ونعلم بوجود نساء وتصيح :فلانة . . هيا تعالي نظفي البطانية معي . . ثم مضت كعادتها تحاول استدراج حسين وسألته : – كأن هناك أحدا في الحمام . . أنا أسمع صوت نساء ! أجابها وقتذاك : لا . . لايوجد أحد . . لوأن هناك نساء لأتينا بهن إليكن .

لكنها استمرت تلح عليه حتى ضجر وسألها : -خبريني أنت . . ماذا على بطانيتك ؟ لك ساعة تنفضين فيها ! قالت : صرصور . . ووالله ماعرفنا وين راح ! قال لها : إي يالله ادخلي وخلصيني . . فعادت وهي تلم البطانية تسأله بصوت خافت : – هناك نسوان أليس كذلك ؟ فأجابها أخيرا : نعم . . وبكرة سيأتون إليكم فاطمئني . لكنها عادت تسأله : ألا تعرف من أين ؟ فأجابها : بكرة جايين لعندكم وستعرفي . . وتجلسوا تتحدثوا معا حتى تشبعوا حكي ! ثم أدخلها وأرجعني المنفردة ، لكنني كنت أسمعهما وأنظر بين حين واخر إليهما بدوري من شق باب الحمام ، فاستأنست بذلك بعض الشيء واطمأننت إلى أن هناك نساء غيرنا في هذا المكان الموحش . . وفي اليوم الثامن وبينما أنا في المنفردة جاء مدير السجن وأعطاني استمارة معلومات عامة عن الإسم وتاريخ الإعتقال وسببه وعدد الأيام التي أمضيت في المنفردة . . فأجبت بشكل عادي وكتبت أنني اتهمت بالإنتماء إلى تنظيم الإخوان ووقعت ، وبعد حوالي نصف الساعة حضر حسين وفتح الباب بسرعة وطلب مني القيام ، فسألته وقد ظننت أنها جولة أخرى من التحقيق والتعذيب والأ خذ والشد والإتهامات : – إلى أين ؟ إلى التحقيق ؟ قال :لا . قلت : إلى الإعدام ! قال : الان سترين .

قلت له : إذا كان الإعدام فسيكون أريح ! فأجابني ساخرا : لا . . لن نعدمك الان . قلت : واذا فمتى ؟ قال بلؤم : حتى تعترفي أنك منظمة .

قلت له : طيب . . هل تعدمونني فعلا إذا اعترفت ؟ قال : اعترفي أولا والأمر بعد ذلك بينك وبين رئيس التحقيق ! أخرجني من المنفردة وساقني عبر الممر إلى باب اخر كبير وأسود فقلت لنفسي : خلاص . . رحت فيها . . إلى التعذيب من جديد ! فلما فتح الباب ودفعني باتجاه الداخل مددت رأسي بحذر فرأيت المكان مليئا بالنساء وكلهن يضعن شاشيات صلاة بيض على رؤوسهن فارتحت قليلا وخطوت نحوهن سلمت ،ولكن الخوف كان لا يزال يتملكني ،فيما أغلق السجان الباب ورائي وعاد بعد هنيهة بأمي وماجدة فأدخلهما وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ،ومضى يعذبها على ومضى، وجعلنا في البداية نتلفت حذرات خشية أن يكون بين هؤلاء النسوة جاسوسة أو مخبرة ،ولم تلبث أمي أن انفجرت بالبكاء في اللحظة التي اندفعت أنا نحوها وعانقتها ، وكأنها أحست أنهم وضعونا في المهجع ولن يخرجونا منه إلى الأبد. . فجعلت تزدادبكاء وتدعو عليهم بحرقة وتجهر بالدعاء. . في تلك اللحظة تقدمت واحدة من النساء وهي تمد إليهايدها وتقول : ابوي . . لا تبكي ولا على بالك . . حطي إيديك ورجليك بمي باردة واقعدي .. ولاراحة لمؤمن إلابلقاء ربه ! كانت هذه هي الحاجة مديحة أ.أول من دخل السجن من النساء كانت الأيام التي أمضيناها معها أكثر من كافية لنسمع منها ومن بقيه السجينات حكاية اعتقالهن وقصص تعذيبهن ومآسيهن .


تعرية . . وتعذيب . . وقص اللسان!

كانت الحاجة مديحة في الأربعينيات من عمرها ، وهي امرأة معروفه في حلب تدرس النساء درو سافي الدين على الرغم من أنها تكاد تكون أمية لاتقرأ أوتكتب وكانت قد جعلت من بيتها قاعدة سكن فيها بعض الملاحقين ،وبينما كانت ذاهبة إلى موعد خارج البيت لتسليم رسالة ألقوا القبض عليها نتيجة فسادة من سامح كيلاني – عميل المخابرات الآخر وجاسوسهم داخل تنظيم الإخوان – وحملوها مباشرة إلى فرع مخابرات أمن الدولة ، وهناك ازدادت نقمة رئيس الفرع عمرحميدة عليها حينما استطاعت رغم التعذيب الشديد أن تراوغهم فترة كافية تمكن الشباب في بيتها من الهرب بعد مضي فترة أمان كانوا متفقين عليها فيما بينهم . . ونتيجة جرأتها وصلابة ردودها ازداد حميدة غيظا منها فختم لها حفلة التعذيب بأن قص لها طرف لسانها بالمقص . . وفقدت قطعة منه بالفعل ! ولقد قصت علينا أن حميدة عراها في البداية من ملابسها وعلقها إلى السقف من يديها المكبلتين خلف ظهرها ، ومضى يعذبها على هذه الحالة ويسمعها أقذع الشتائم وأبشع العبارات . . ثم أمر بإحضار أخيها الأصغر وعرضها عليه بهذه الحالة وساله :هل عرفتها؟ قال الولد بصدق : لا . . من هذه ! أجاب حميدة بتشفي : أختك مديحة . فأغمي على الولد فورا ولم يعد يحس بشيء ، وأعادوه إلى البيت وهو لا يزال في غيبوبته . . واستمرت حفلة التعذيب ساعات عديدة تأكدت بعدها أن الشباب غادروا البيت كما يفترض فدلتهم عليه ، ولما لم يجدوا هناك إلا آثارهم وحسب عاد حميدة غاضبا يقسم أنه سيقص لها هذا اللسان الذي كذب عليهم وخدعهم.

وقصه بالفعل ! لكنها ولله الحمد شفيت بسرعة وعاد اللسان فنما بشكل طبيعي ، بل إن مدير السجن المدني بدوما المقدم عماد وكان سيىء الخلق جدا قال لها بعد ذلك بسنوات : – قطعنا لك لسانك ليقل كلامك فلا أراه إلا ازداد طولا ! وبعد اعتقالها الذي كان قد مضى عليه نحو الشهر أتوا بها إلى كفر سوسة مرورا بسجن المسلمية بحلب مع مجموعة السجينات الأخريات : أم شيماء ، وزوجة عبد العزيز سيخ ، وعائشة ق . فيما أفرجوا عن عدد اخر من البنات والنساء كانت بينهن – فيما روين لنا – سناء . . . . . ، و . . . . . . وكانت تسكن مع الحاجة مديحة وتلازمها في بيتها ، ولذلك كانت تدعوها الحاجة ابنتها ، وزوجة عبد القادر حربلي ووالدتها من بيت القطان ، وسيدة أخرى وكانت عروسا في شهرها السادس وفي السادسة عشرة من عمرها ، أمسكوا زوجها نتيجة وشاية من سامح كيالي أيضا وجعلوا يعذبونه ليعترف بمكان القاعدة التي اتهم أنه يديرها ، فلما لم يفعل أحضروا الزوجة بأمر من حميدة أيضا واعتدوا عليها أمامه قبل أن يرسلوه إلى تدمر فيقتل لاحقا هناك في المجزرة الكبيرة التي جرت . . وأفرجوا عن المرأة وقد سقطت عنها كل الإتهامات !


وترك لها جوربان

تقدمت الحاجة مديحة تخفف عن أمي وعنا ، وتبعتها بقية البنات : أم شيماء ، وعائشة ق . ومن ورائهما كانت منيرة التي فتشتني أول دخولي تنظر وتبتسم ! وأما عائشة فهي طبيبة من حلب قامت بعلاج جريح من الشباب الملاحقين فبلغ النبأ المخابرات واعتقلوها من بيتها ، وقالت لهم وقتها إن أشخاصا أتوا إليها كأي طبيب وسألوها أن تعالج جريحا ففعلت ، ولم تسألهم عن هويتهم لأن مهمتها الإنسانية خدمة الناس لا التحقيق معهم ، لكن جوابها لم يرق لهم ، واعتقدوا أنها تداوي كل جرحى الملاحقين ومصابيهم ، وقد تولى التحقيق معها مصطفى التاجر أول الأمر فسألها في البداية : -أترضي أن تبقي بلا حجاب ؟

قالت : لا طبعا . . قال : فما رأيك إذا أن تبقي بلا جلباب ؟ فانتفضت تتطلع إلى مكان تلتجئ إليه ، لكن المجرم لم يترك لها فرصة وهجم عليها كالوحش يصفعها ويضربها وهو يمزق ثيابها قطعة بعد قطعة وهي مكبلة تقاوم بكل ما أوتيت من قوة دون أن تستطيع الدفع . . فلما مزق كل شيء ووصل إلى جواربها قال لها : -سأتركهم عليك حتى لا تبردي ! وأمر فمددوها على “بساط الريح ” ومر عليها بكافة أنواع التعذيب : الخيزران والعصي والكهرباء . . علاوة على نزع نظارتها الطبية وحرمانها من استعمالها فترة من الزمن . . ثم أتى دور عمر حميدة فأجلسها على كرسي وقد كبل أيديها وأرجلها من الخلف ببعضهم البعض وجعل يطفىء أعقاب السجاير فى اعف منطقه ببدنها ليطفىء بعضا من نيران حقده الاسود ويودعها الزنزانه من ثم بضعه ايام قبل ان تنقل مع بقيه المجموعه الى كفر سوسه


فنون التعذيب !

كانت إيمان ت . “أم شيماء” راجعة إلى بيتهم مع زوجها وابنتها الرضيعة شيماء وكانت في الشهور السبعة أو الثمانية من عمرها ، وعندما بلغوا مدخل البناية لاحظوا مؤشرات غير طبيعية في المنطقة ، فتقدمت ايمان ووضعت المفتاح في القفل لتفتح ، فيما كان الزوج والطفلة معه ينتظر أسفل الدرج ، فما أن فعلت حتى أحست كما روت من بعد صوت تلقيم السلاح من الداخل ، فأعطته إشارة سريعة بالهرب ، في الوقت الذي فتح عناصر المخابرات الباب بسرعة وأمسكوا بها وسحبوها إلى الداخل ، وفي إحدى غرف البيت دخل عليها رئيس الدورية يسألها عن زوجها وعن الشباب الذين كانوا معها في البيت لأ نهم دخلوه ولم يكن فيه أحد ، وهؤلاء جميعا أبلغ عنهم سامح كيالي ، فقالت إنها لا تعرف شيئا ولا تعرف أين ذهب زوجها ولا من كان معه ، فجعل يهددها بالإعتداء عليها إن لم تبلغه المعلومات فأصرت على الإنكار ، فنفذ تهديده بالفعل وحاول فعل ذلك ، لكنها قاومته بشدة وراحت تتصارع معه فأنجاها الله وألقى في قلبه الرعب فلم يتمكن منها كما أراد . . وبعد ذلك نقلوها إلى الفرع عند عمر حميدة الذي اتبع نفس الطريقة معها ، فشبحوها في السقف بأن كبلوا أيديها خلف ظهرها وعلقوها منهما مرفوعة عن الأرض فكأنما هي الذبيحة بين يدي الجزار ، وجعلوا يضربونها ويعذبونها وهي على هذه الحالة لا حول لها ولا قوة ، ثم وضعوا لها الكهرباء في صدرها والحليب يقطر منه زيادة في التعذيب والإهانة . . وبعد انتهاء التحقيق ومن غيرأن تدان المسكينة بشيء نقلوها إلى كفر سوسة مع عائشة والحاجة مديحة ، لنجتمع واياهن في هذا المهجع المقيت !


سحل القتلى

أما رابعة نزيلات المهجع وقتها فكانت أما من إدلب لأربعة أو خمسة أولاد من إدلب اسمها فوزية ح . هذه السيدة استشهد زوجها وهو يقاوم أثناء مداهمة قاعدتهم بحلب ، وقامت السلطة بعد مقتله بسحل جثته أمامها بالدبابة في شوارع المدينة ثم اقتادوها للسجن وعذبوها أشد العذاب .

وعلى الرغم من أنها لم تتحدث عن ذلك كثيرا وكانت من النوع الذي يؤثر الصمت إلا أننا بقينا نرى اثار التعذيب على أرجلها والزرقة مكان أظافرها المقلوعة إلى حين ، وبقيت فوزية في الشهور الأولى معتدة على زوجها لا تكاد تكلم أحدا وتسارع كلما فتحوا الباب أو الطاقة فتغطي رأسها بالبطانية وتدير وجهها إلى الجدار .

تحميل كتاب لأنهم قالوا لا

مذكرات سجنية

منشورات موقع أدب السجون

تقديم

 الأديب الناقد الأستاذ محمد الحسناوي

الأولــى في أدب السجون .. سورية

بقلم : محمد الحسناوي

                                 ( أدب لم يزل تحت الأرض ، ولم يخرج بعد إلى النور ،وهــــو         

                                  أدب السجون . هذا الأدب لم يزل أبطاله في الغياهب المختلفة

                                  ويتوقع أن يكون له شأن لو قيّض له من يجاهدون في سبيل

                                  جمعه وتدوينه . .. ولو كنتم تعلمون مقدار الخسارة ، التـــي

                                  سيمنى بها الأدب الإسلامي خاصة ، والفكر الإسلامي عامة ،

                                 لضياع أدب السجون ، لقاتلتم بأظفاركم وأسنانكم للحصـــــول

                                 عليه أو على بعضه. فليحرص كلّ كاتب على البحث عنــــــــه

                                  والوصول إلى مظانه ، والحصول عليه ، وتوثيقه . فهــــــــذا

                                  الأدب هو الوثيقة الحقيقية الوحيدة الباقية للتاريخ ، من حياة

                                  هذا التاريخ .  

                                           محب الدين داوود – موقع رابطة أدباء الشـــــــــام –

                                                                    كلمة الافتتاحيــــــــــــــــــــــــة )

                                ( سيرشحنا المستقبل كأصحاب أكبر تراث عالمــــــي في أدب

                                 السجون .

                                         فرج بيرقدار – مقابلة مع عادل محمود – موقع الرأي )

لعل القطر السوري يحوز قصب السبق في ميدان (أدب السجون )(1) فلا تكاد تنجو من هذا الشرف / العار أسرة سورية ـ بفضل أربعين عاماً من حكم الطواريء ومحكمة أمن الدولة الاستثنائية وزوار الليل الأشاوس والغيلان المتناسلة على رأس أربعة عشر جهازاً قمعياً سوفياتياً نازياً وحكومات تأكل المواطنين ، ثم يأكل بعضها بعضاً ، كما تأكل الهرة أولادها .

يشرفني ويسعدني في الوقت نفسه أن أخط كلمات في التقديم لأول إنتاج مهندس سوري حلبي من حيّ المشارقة ، تربى في (سجون الرأي) السورية ، بعد أن نذر نفسه في سبيل الله لخدمة الناس وحب الناس ونظافة اليد والقلب واللسان .

كان يميل إلى التدين منذ نعومة أظفاره ، ويتمنى أن يتخرج في كلية الشريعة ، لكن أستاذ العربية العليم بمقتضيات العرض والطلب في سوق الحياة أقنع أهله بتوجيه الفتى إلى الدراسة العلمية ، فصار إلى (كلية الهندسة ) ، ثم إلى سجون الرأي .

ما علاقة ( الهندسة) بسجون الرأي ؟

بل ما ذنب ثلاثة أرباع الشعب السوري ليستضافوا في سجون الرأي جماعات جماعات ، وربما راح بعضهم ضحايا المجازر الجماعية .

إن اختصاصي الأدبي يخولني أن أتلمس في حروف المؤلف (الرهيبة ) دقة المهندس وصدق العالم وإيجاز الخبير . أسلوب لا يمكن إلا أن تحترمه وتعجب به ، بصدق نبرته وتعبيره عن صاحبه وعن التجربة/المأساة التي يتحدث عنها . هناك من ابتكر تسمية (الأدب التسجيلي ) ، وأزعم أن صاحب هذا السفر الملتهب صنع لنفسه أسلوباً ( فوق التسجيلي ) : من حرص على الدقة والتواضع ونثر الانطباعات والتحريضات والانتقادات نجوماً فشموساً فصواريخ عابرة للأضلاع والوجدانات والمحيطات على حدّ سواء .

من غير ما اتفاق مسبق ولا تخطيط .. يذكرني أسلوب محمد عادل فارس الموجز المكثف تكثيف العطر والحكم والأمثال .. بأسلوب الدكتور مصطفى السباعي ـ في كتابه (هكذا علمتني  الحياة) . لغة برقيات نارية .. قصراً ودفئاً واستهدافاً . أقل الفروق بين الرجلين اللذين يسطران مذكراتهما أن الفارس اختص بزبانية السجون الذين هم أذرعة السلاطين ، على حين غلب على اهتمامات السباعي التنديد بعلماء السلاطين . إنهما  سجلا تجربتهما أدباً نابضاً ، سيذكره التاريخ الوجداني للإنسان وللأمم .

محمد عادل فارس مواطن شريف (نظيف ) ، لم يحمل سكيناً ولا عصا ، يُخطف من عمله مرة ومن فراشه مرة ، ويمدد على (مشرحة ) التحقيق أياماً وشهوراً وسنين ـ وتُغرز فيه سفافيد من خيزران أو حديد أو كهرباء وشتائم ، أشدّ لذعاً من النار والحديد والصرعات الكهربائية عالية التوتر حتى يملّ الزبانية الكبار والصغار من موجات التعذيب ، فإذا ملوا منه قذفوا به إلى كهوف الظلام والعفن والحيوانية . وإذا قال لهم : هذا مخالف للدستور الذي (خيّطتموه) على قياسكم ..ضحكوا وقالوا : وهل تصدقون ما نقوله لكم في الدستور ؟ وإذا قال لهم : إن أصدقائي الطلاب الذين أعلنوا عن رأيهم المكبوت على صفحات الجدران لا يستحقون كل هذا العذاب .. قالوا له : لا دور لك فعلاً ، ولكننا كنا نريد <ضربكم> منذ زمن بعيد ، وكنا ننتظر مناسبة ، فهذه كانت المناسبة.

إذن ليست هناك علاقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم ، كما في الشريعة السمحاء وفي المجتمعات المتحضرة ، بل بين اللص والمواطن ، بين قاتل ومقتول طوال أربعين عاماً ونيّف .

انظر إلى  بقايا (الفطرة)أو الخير التي ما زالت في نفوس بعض الجلادين ، التي أشار إليها الفارس أكثر من مرة . هل نتوقع من الضحية التي لاقت الأمرين من هذه الشرائح المفترسة أن تعترف لبعضها بمواقف خيرة ؟ قد تقول : هذه أمانة علمية ، حصلت للكاتب من الدرس ( الهندسي) الموضوعي . وقد تقول : بل هي جزء من تصور محمد عادل فارس للإنسان والكون والحياة وخالق الإنسان والكون والحياة ، ذلك التصور الإسلامي الذي يعتقد أن الإنسان مفطور على الخير ، لكن شياطين الإنس والجن تجتاله فتحرفه ( ولا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على أن تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى) ، فالإنسان بين النفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء ، فليختر . وصاحب الاختيار صاحب قرار ، وصاحب القرار خطير بخطورة القرار الذي يتخذه ، فإما جنة وإما نار ، إما سعادة وإما شقاء في الدنيا والآخرة . تلك أمانة عُرضت على السماوات والأرض فأبينَ أن يحملنها ، وحملها الإنسانُ إنه كانَ ظلوماً جهولاً .

يقول الفارس : ( كان السجن لي مدرسة عرفت فيها نفسي وعرفت شرائح مختلفة من البشر: من الإخوان ، ومن الإسلاميين الآخرين – وبخاصة أعضاء حزب التحرير – ومن الفلسطينيين – من فتح والجبهة الشعبية وغيرهما – ، ومن البعثيين الذين انشق عنهم حافظ ، أقصد اليمينيين جماعة أمين الحافظ ، واليساريين جماعة صلاح جديد …. فضلاً عن أفراد من هنا وهناك ، من التنظيمات الكردية ، ومن أصحاب انتماءات مختلفة ، ومن أناس غير سوريين : عراقيين وأردنيين وبريطانيين وكنديين وإسبانيين …) .

ما هذه المدرسة التي لم توفر مواطناً سورياً ولا عربياً ولا أجنبياً ؟؟

يقول الفارس أيضاً : ( الصفة العامة لمعظم ضباط المخابرات والمحققين الذين عرفتهم ، أنهم قليلو الذكاء ، ضعيفو الضمير ، محدودو الثقافة ، جفاة الطبع ،منحدرو الأخلاق … )

فلنتصور كيف يغدو هؤلاء الأغبياء الفاسدون حكاماً لسلالة أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وأبي فراس الحمداني .

يقول الفارس : ( دخلنا فرع المخابرات العامة هناك ، الذي يسمى <بناية العداس>أو<مدرسة نابلس>، إذ يقال : إن المبنى كان يملكه أحد الأثرياء من آل العدّاس ، وصادرته الدولة ، وجعلته مدرسة باسم ثانوية نابلس ـ ثم وجدت أن الأنفع للمجتمع أن يصير فرعاً للمخابرات ، فصار!!) .

أولاً : هل ترى معي أن تحولات هذا المبنى تعكس بشكل رمزي بسيط .. تحولات الوطن السوري بأسره من مجتمع مدني مسالم إلى سجن قمعي كبير ؟؟

ثانياً لننبش معاً بعض ما في هذه العبارات من منجزات تعبيرية تفصيلية :

يقول الفارس : ( دخلنا فرع المخابرات العامة.. ) ، والحقيقة أدخلونا مجبرين قهراً لدرجة الاستسلام والقول: نحن دخلنا…

يقول : ( يسمى …) ، والحقيقة كان يسمى …

يقول : ( وصادرته الدولة ..) ، لم يذكر سبب المصادرة ، كأن من الطبيعي أن الدولة تصادر الممتلكات الشخصية للمواطنين متى تشاء وكيف تشاء وبلا سبب قانوني….

ويقول : ( وجعلته مدرسة ) ، هذه مرحلة من مراحل (الجعل) …

ويقول : ( ثم وجدت أن من الأنفع للمجتمع أن يصير فرعاً للمخابرات ) هكذا بلا سندقانوني  .

ويقول : ( فصار!!) ، كأن الدولة (إله) أو حلت محل الإله ( تقول للشيء : كن فيكون ) ، وهذا هو جوهر الفساد في الأرض .. أن تحل الآلهة البشرية محل الإله الحقيقي العادل الرحمان الرحيم ، جبار السماوات والأرضين  . ودعك من سخرية ( الأنفع للمجتمع ) التي تعكس زيف الأقوال والشعارات الممضوغة صباح مساء . هكذا ببساطة أراحوك وأراحوا المجتمع والرقابة الشفافة والصحافة من التفكير والنقد ثم الحساب .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

  • – انظر على سبيل التمثيل لا الحصر : دواوين (وما أنت وحدك – رقصة جديدة – في ساحة القلب – حمامة مطلقة الجناحين – تقاسيم آسيوية – خيانات اللغة والصمت) لفرج بيرقدار، وديوان مروان حديد – ومجوعة أشعار(من ذكريات الماضي) لعلي صدر الدين البيانوني، وديوان (ترانيم على أسوار تدمر) ليحيى الحاج يحيى، وديوان (القادمون الخضر) وروايتَي (نقطة انتهى التحقيق- ما لا ترونه) لسليم عبد القادر، وديوان ( الظل والحرور) لعبد الله عيسى السلامة، وديوان(في غيابة الجب) وقصص (بين القصر والقلعة) ورواية (خطوات في  الليل) لمحمد الحسناوي، وقصص (الخطو الثقيل) (الوعر الأزرق) (النحنحات) لإبراهيم  صمؤيل، وقصص جميل حتمل، وقصص (آه .. يا وطني) (تقول الحكاية) ورواية (بدر الزمان) لفاضل السباعي، ورواية (الشرنقة) (سقط سهواً) لحسيبة عبد الرحمن، ورواية (الصلصال) (طفلة من السماء) لسمر يزبك، ورواية (الفقد) للؤي حسين، ورواية (غبار الطلع) لعماد شيحة، وكتاب (التحقيق) لمحمود ترجمان، و(كتاب الخوف) لحكم البابا، ورواية (عينك على السفينة) لميّ الحافظ، وكتاب (شاهد ومشهود) لمحمد سليم حماد، وكتاب (خمس دقائق) لهبة الدباغ، وكتاب(في القاع) لخالد فاضل، و رواية نشرت في جريدة النهار لهالا الحاج ، وكتاب (النداء الأخير للحرية) لحبيب عيسى، وشريط (ابن العم) لمحمد علي الأتاسي، وشريط (قطعة الحلوى) لهالة محمد.

                                                                * كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام

تحميل الكتاب

تحميل كتاب السجينة رواية مليكة أوفقير

نبذة عن رواية سماء قريبة من بيتنا نبذة عن رواية يوسف يا مريم نبذة عن رواية نهاية رجل شجاع نبذة رواية مثل إيكاروس مؤلف رواية السجينة يمكن القول بأن رواية السجينة كانت ثمرة جهود مزدوجة بين كاتبتين اثنتين، صاحبة القصة الأصلية الكاتبة المغربية مليكة أوفقير ابنة الجنرال أوفقير التي ولدت عام 1953م في مراكش، وسافرت إلى فرنسا مع عائلتها بعد خروجهم من السجن بخمس سنوات في عام 1996م والتقت هناك بالكاتبة التونسية الفرنسية ميشيل فيتوسي وقصَّت عليها قصتها كاملةً، فبدأتا بالكتابة في عام 1998م، وصاغت منها ميشيل رواية باللغة الفرنسية بعنوان السجينة نُشرت في عام 1999م، وقد ترجمت إلى العربية في العام التالي، وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على ملخص رواية السجينة مع إدراج بعض الاقتباسات منها.[١] ملخص رواية السجينة تعدُّ رواية السجينة إحدى الروايات الواقعية التي تروي سيرةً شخصيةً حول قصة حياة الفتاة المغربية مليكة أوفقير، فقد عاشت مليكة في القصر الملكي منذ نعومة أظفارها، ففي الخامسة من العمر ترعرعت مع أمينة ابنة الملك محمد الخامس بعد أن تبناها وتولى رعايتها فقد كانت ابنة الجنرال أوفقير، فعاست في القصر أجمل أيام حياتها،وبعد وفاة الملك محمد الخامس تبناها أيضًا الحسن الثاني وأكمل تربيتها إلى جانب أمينة، وفي عام 1969م خرجت مليكة من القصر الملكي لتلتحق بعائلتها، ولكن والدها الجنرال يقوم بمحاولة فاشلة لاغتيال للملك ينجو منها الحسن الثاني ويُقتل أوفقير نتيجة لذلك، وتتعرض عائلة مليكة للسجن تسعة عشر عامًا تقريبًا، فتقع العائلة ضحية خلافات ومشكلات سياسية رمت بها في سجن طويل جدًّا، ولم يتم الإفراج عن العائلة، إلا في عام 1991م لتتمكن بعد ذلك من الرحيل إلى فرنسا بعد خمس سنوات.[٢] وفي ملخص رواية السجينة لا بُدّ من القول إن الرواية تدور حول مشاعر عظيمة في قاموس المشاعر الإنسانية كالخوف والجوع والحنين واليتم وغير ذلك، فحاولت مليكة أن تصف حياتها في القصر الملكي وكيف يحيا الناس فيه ويمارسون أعيادهم واحتفالاتهم، وتناولت مغامراتها في صغرها وشعورها بالغربة بعيدًا عن أسرتها، وفي النهاية طرقت جدران المعاناة في السجن بكل ما أوتيت من قوة، سجن حرمهتا وحرم عائلتها من كل حرية أو خصوصية، فكانت تشعر مليكة بأنها تيتَّمت مرتين، مرةً عندما توفي والدها، ومرةً أخرى بعد أصبح من تبناها جلادًا قاسيًا.[٢] اقتباسات من رواية السجينة بعد المرور على ملخص رواية السجينة التي طغى الجانب المأساوي والمؤلم على معظمها بسبب الظلم الذي تعرضت له عائلة مليكة أوفقير، لا بدَّ للقارئ أن يلمس تلك الأوجاع في بعض كلمات الرواية وتعابيرها العميقة، وفيما يأتي بعض الاقتباسات من الرواية:[٣] كيف لأبي أن يحاول قتلَ من ربَّاني، وكيف للأخير الذي طالما كان لي أبًا آخر أن يتحول إلى جلَّاد. إني لأرثي لكلِّ هؤلاء البشر الذين يعيشون خارج قضبان السجن ولم تتسنَّ لهم الفرصة ليعرفوا القيمة الحقيقية للحياة. كانت حياتي الداخلية في السجن، أكثر ثراء ألف مرة من حياة الآخرين، وأفكاري أكثر كثافة من أفكارهم ألف مرة، كنت أشدَّ وعيًا من الناس الأحرار، تعلمت أن أفكر في معنى الحياة والموت. ما ذنب الصغار حتى يؤاخذوا بجريمة الكبار. كل شيء يمضي ويمرُّ إلا أن يكون عدوك جزءًا لا يتجزأ منك، وتلك هي المصيبة والهزيمة.

تحميل رواية السجينة

رواية القوقعة -الحلقة السادسة والاخيرة مصطفى خليفة

21حزيران

أخرجني السجان وهو يطلب مني أن أحمل كل أشيائي, صعدنا إلى فوق دون طماشة ودون قيود, أدخلني بالمراسيم المعتادة إلى غرفة ” الصوت الأجش ” الذي بادر بأن طلب مني الجلوس . تكلّمَ معي, أفهمني أنهم كانوا ينوون إطلاق سراحي, وأنهم يحترمون خالي الذي يتدخل لصالحي كثيراً لأنه إنسان جيد, إلا أن هناك جهات أمنية أخرى اعترضت على ذلك وطالبت بتسليمي إليها وأنهم مضطرون آسفين لتسليمي إليهم.

بعد ذلك بقي حوالي عشر دقائق أخرى يحاول أن يفهمني أمراً, وتبين لي أنه لا يريد أن يخوض فيه صراحة لذلك لجأ إلى التلميح, ما استطعت فهمه هو أنني يجب ألا أدلي بمعلومات لدى الجهة الأمنية الأخرى زيادة عما أدليته به هنا وذلك لأنني إذا أدليت بمعلومات جديدة سوف تظهر الجهة الأمنية الأخرى بمظهر الطرف الأقدر والأكثر نجاحاً, وأنني عندها سوف أَصِمُ “الصوت الأجش” وجماعته بوصمة الفشل.

24 حزيران

عند الجهة الأمنية الأخرى .

ثلاثة أيام تساوي ثلاث سنوات في السجن الصحراوي.

كان الضابط بانتظاري على باب غرفته, الغضب يقطر منه. فاجأني بلكمة على أنفي ألقتني على صدر العنصر الذي يقف خلفي, عدت لأقف معتدلاً, أمسكني الضابط من صدري وشدني إلى داخل الغرفة وهو يصفعني باليد الأخرى, في وسط الغرفة أمسكني من رقبتي.. من تفاحة آدم وأخذ يضغط عليها, أحسست بالاختناق, قال لي وهو يصّر على أسنانه:

– اركع ولا كلب ..

ركعت على ركبتي أفلت رقبتي وذهب إلى خلف المكتب , أمسك ورقة واقترب مني , أخذ يقرأ فقرات منها .. مع كل فقرة يضربني بأسفل حذائه على وجهي ..

-الصوت و الصورة .. ” رفسة على الخد ” .. الرسالة تظهر من عنوانها ” رفسة فوق الخد قليلاً ” .. صوت التيس ” ببوز حذائه، ضربة على جنبي ألقتني أرضاً ” .. ويتابع القراءة و الضرب !. ألقاني أرضاً , سحق فمي بحذائه ثم وضعه على رقبتي وضغطه , عجنني برجليه .. وفهمت منه أن ما قلته بحق ” السيد الرئيس ” يكفي بحد ذاته لشنقي من خصيتيّ !.

ثلاثة أيام لن أنساها, الجلد, الضرب, في الدولاب, على بساط الريح, التعذيب بالكهرباء.. أحس أنني سألفظ أنفاسي, أعجز عن التنفس, الطماشة على عيني.. لا أعرف متى يشغل الجهاز ومتى يوقفه, وأرقص.. أرقص تشنجاً وألماً.

في اليوم الثالث جاء دور الشبح . عندما سمعت الأمرَ بشبْحي لم أفهم ماذا يعني ذلك, لكن عندما ربطوا يديّ عالياً وجسدي كله مرفوع عن الأرض أكثر من نصف متر تذكرت صلب المسيح, دون أن أعي صرخت:

– يا يسوع .. يا محمد .. يا الله .

بعدما يقارب النصف ساعة أحسست أنني قد استنفذت كل طاقتي على التحمل .. أحسست بضعف هائل . سأعترف بما يريدون مني أن أعترف به , وليكن الإعدام ! الإعدام سوف يكون أرحم ! .. ولكن من أين أخترع لهم تنظيماً معادياً غير الإخوان المسلمين .. وبعد ذلك أنتسب إليه ؟ .

تذكرت المهجع , مئات الروايات عن الذين ضعفوا واعترفوا بأعمال لم يقترفوها ! .. اعترفوا بجرائم لم يسمعوا بها إلا من فم المحقق الذي يتهمهم بارتكابها!.. ماذا كانت نتيجة اعترافاتهم؟ .. البعض تم إعدامه, الآخرون يتعفنون في السجن.. الكثير منهم مات أو في طريقه إلى الموت!.. قوّيتُ عزيمت, أنا لم أعد كما كنت قبل اثني عشر عاماً, لقد صلّبتني التجربة , أخذت أقنع نفسي أنني رجل .. ورجل شجاع.. رجل شجاع قادر على التحمل !.. وتحملت.

2 حزيران

يداي خدرتان من أثر الشبح! .. أستعملهما بصعوبة, أحاول أن أُجري لهما بعض التمارين الرياضية, أجد صعوبة في تنظيف نفسي بعد انتهائي من قضاء حاجتي.

22 آب

عَرَضَ علي وبطريقة لزجة , كريهة جداً وتدعو للإقياء , أن يطلقوا سراحي ويعيدوني إلى باريس , هناك أنخرط في صفوف المعارضة مسلحاً بتاريخي “سجني الطويل” وأن أخدم وطني من خلال التقارير التي أرفعها للجهات الأمنية المسؤولة كاشفاً لهم عن أعداء الوطن .. من أبناء الوطن. رفضت , متعللاً .. مداوراً .. لبقاً.

وقف غاضباً , صفعني بلؤم , وبلهجة تقطر فشلاً وإحباطاً , قال:

– إنت واحد جحش ما بتعرف مصلحتك, راح تتعفن بالسجن.

وسلموني للجهة الأمنية الثالثة. عناصر أمن, سيارة, قيود، تنطلق السيارة شمالاً, نصل إلى الشارع الذي ينار بأضواءٍ برتقالية محمرة, وزنزانة جديدة.

1 ايلول

أنا هنا منذ عشرة أيام تقريباً, بعد الظهر وحتى حلول الظلام هي الفترة الوحيدة التي لا أسمع فيها الصراخ والبكاء.. والشتائم, وما عدا ذلك فالتحقيقات مستمرة على مدار الأربع والعشرين ساعة, هذا الفرع مشهور بين السجناء بقسوته.

في اليوم الرابع فتح السجان باب زنزانتي, سألني عن اسمي فأجبته .. قال :

– شوف .. “المعلم” طلبك , وانت أكيد سمعت بالمعلم , راح أعطيك نصيحة لوجه الله : شو ما سألك احكي بصدق وصراحة , لا تكون عنيد وتعمل نفسك بطل .. بهذا المحل ما في أبطال !.. كل الناس بتعرف المعلم , ومنشان تكون بالصورة .. مرة من المرات كان المعلم عم يحقق مع واحد أخرس .. أجبر الأخرس أنو يحكي !..

وأخذوني إلى عند المعلم. في غرفة الانتظار ذات الأثاث الفخم أمام غرفة “المعلم” أوقفوني أكثر من ربع ساعة, حركاتهم.. تراكضهم.. الحديث بصوت خافت.. كلها أمور تدخل الخوف والفزع إلى قلب الشخص الذي ينتظر.

أوقفني ” المعلم ” أمام مكتبه دون أن يكترث بي أيضاً أكثر من ربع ساعة , كان يتصرف وكأنه لا يراني , مشغول بقراءة بعض الأوراق والملفات والرد على الهواتف.

بعد ذلك تفرغ لي كلياً.. ولمدة أربعة أيام!!. منذ الصباح إلى ما بعد الظهر كتبت تاريخ حياتي ثلاث مرات!

غرفة المكتب عبارة عن قاعة فسيحة مؤثثة بشكل باذخ.

خلال وجودي في غرفته وبينما أكتب تاريخ حياتي, أجرى التحقيق مع ثلاثة أشخاص, كان يعذبهم أمامي , أحاول أن أركز انتباهي على ما أكتب .. وسط ضربات السياط والصراخ الإنساني, وينتهي الأمر في كل مرة باعتراف المعتقل.

كل ما في الغرفة متناسق, عداي والمعتقلين الآخرين بالثياب الرثة والمتجعدة, وكذلك الدولاب الأسود وأدوات التعذيب الأخرى.

بعد الظهر لم يبق في الغرفة غيري من المعتقلين, خرج ” المعلم ” من وراء مكتبه , جلس قربي , نظر إلي , قال :

– شوف .. كلمتين نظاف .. أحسن من جريدة وسخة.

بدأ من حيث انتهى الآخرون, خيرني بين شيئين:

– إما العذاب والعودة إلى السجن الصحراوي حيث سألقى الإعدام, أو..

– الاعتراف والعودة إلى فرنسا والعمل بين صفوف المعارضة كمخبر.

لم أختر, لكن نفيت أي علاقة لي مع أي تنظيم, ورفضت العودة إلى فرنسا.

جميع الوسائل التي لديه جربها , البعض منها كنت قد عرفته في الأماكن الأخرى , لكن هنا زادوا عليها باستخدام الكرسي الألماني الذي أحسست أنه قد كسر ظهري , علقوني كفرّوج , شبحوني على السلم …… وآخر شيء هددني باستعماله في آخر يوم .. أو آخر دقيقة من الأيام الأربعة التي استغرقها التعذيب .. أنه سيدخل قنينة كازوز في شرجي .. وبعد أن أحضروا له القنينة رن الهاتف , تكلم على الهاتف بغضب , خرج بعدها من الغرفة، قبل أن ينفذ تهديده.

أربعة أيام لم آكل, لم أنم ولا دقيقة واحدة, يتركونني بعد الظهر ثلاث أو أربع ساعات في الزنزانة, يداي مقيدتان, مربوطتان بجنزير معدني, الجنزير معلق إلى حلقة بالسقف, يشدونه بحيث بالكاد أقف على رؤوس أصابع القدمين, كنت أحس بالراحة عندما يفكون يدي ويأخذونني إلى الدولاب أو بساط الريح أو الكهرباء.. كل وسائل التعذيب أسهل من التعليق هذا.

– بقيت صامداً, لم أضعف مطلقاً هذه المرة, كنت دائماً أقول لنفسي إنها ساعات ألم مؤقتة ستزول … أتلهى بأفكار أخرى.

مضى الآن أربعة أيام على انتهاء التعذيب, شبعت نوماً, رغم أنني أنام وأنا جالس .

2 كانون الأول

قال كبيرهم :

– توكل على الله .. عــ السجن الجبلي .

انطلق الميكرو باص باتجاه الغرب بين الجبال , في مكان منعزل, بناء حديث ضخم, يتألف من أربعة طوابق, مئات النوافذ.. إنه السجن الجبلي.

نزلنا, أدخلوني لعند مدير السجن, سألني أسئلة كثيرة وعندما عرف أنني مسيحي نادى أحد رقباء الشرطة العسكرية, طلب منه أن يأخذني إلى جناح الشيوعيين.

بينما كان الشرطي منهمكاً بفتح باب الجناح كنت أنظر مشدوهاً إلى السجناء الذين يتمشون في ممر الجناح, يسيرون .. يتحدثون.. يضحكون.. صوتهم مرتفع, عيونهم مفتوحة, كل هذا والشرطي قريب منهم، وقف ثلاثة أو أربعة سجناء قبالة الباب ينظرون إلي, أدخلني الشرطي وأغلق الباب. – أهلاً رفيق, هل أنت رفيق؟.

– لا .. لست رفيقاً.

– أهلاً بك مهما كنت .. تفضل .. تفضل .

أدخلوني أول مهجع, وقالوا لي: قبل أن تجلس هل أنت بحاجة للدخول إلى الحمام, أجبتهم نعم, أدخلوني الحمام, صابون معطر , غيار جديد , بيجاما جديدة .

خرجت , جلست , حكيت لهم حكايتي .. رداً على أسئلتهم , تجمعت حولي حلقة من الناس يستمعون .

أحضر أحدهم صينية كبيرة عليها بيض مقلي , بندورة , جبن , زيت وزعتر ….

يا إلهي كما في البيت !… هل هذا سجن ؟.. سألتهم هذا السؤال , ضحكوا وأجأبوا :

– نعم سجن , لكنه سجن خمس نجوم .

يسألون, يستفسرون, يعلقون تعليقات ضاحكة, ورويت لهم كل شيء. “فرغت”, وشعرت بارتياح فائق.. عبرت عنه قائلاً لهم:

– هل هذه هي الجنة ؟.

31 كانون الأول

– هل فلان خالك ؟

– نعم خالي .

– لكن كيف لا يسعى لإخراجك من السجن وقد أصبح وزيراً ؟!.

خالي وزير ؟.. خبرٌ أصابني بالدوار!.

6 كانون الثاني

كان كل شيء يوحي بالبساطة والمحبة, لكن لم أستطع أن أكون صافياً, جبال من الحزن والكآبة تجثم على صدري.

هناك.. في السجن الصحراوي, في الليالي الموحشة الكئيبة, عندما تترسخ القناعات بأن لا خروج من هنا!.. عندما يتساوى الموت والحياة!.. وفي لحظات يصبح الموت أمنية!…. لم يكن لأكثر أحلامي وردية آنذاك أن تبلغ مطامحه الوضع الذي أنا فيه الآن!..

2 آذار

وأخيراً بدأت جهود خالي تؤتي ثمارها.

نظرت إلى نفسي بالمرآة.. وأحسست بالخوف, صلع في مقدمة الراس, الشعر أصبح ميالاً إلى اللون الأبيض, الشاربان متهدلان وقد أبيّضّ أكثر من نصفهما, العينان غائرتان تحيط بهما هالتان سوداوان, الألم والقهر والخوف والذل.. قد حفرت أخاديدَ عميقةً على الجبين وحول العينين!

اليوم حضر شرطي, صاح اسمي وقال لأبي وجيه رئيس الجناح:

– بلّغْ هذا .. عنده زيارة.

انشغل أكثر من عشرة أشخاص بمسألة تجهيزي وإعدادي للزيارة, حلاقة الذقن، تشذيب الشاربين, البنطال والقميص, الحذاء.

وكانت هذه هي المرة الأولى التي ألبس فيها حذاءً منذ حوالي /13/ عاماً, مثلما كانت المرة الأولى التي أرى فيها مرآة طوال نفس المدة.

بعد أن ألبسوني كما يلبسون العريس، مشيت إلى جانب السجان متوجساً، وصلنا إلى غرفة بابها مفتوح، يجلس فيها رجل كهل وامرأة شابة تحمل على صدرها طفلاً رضيعاً. دخلت .. واحتاج الأمر إلى عدة ثوان من التحديق حتى استطعت تبين ملامح أخي الأكبر !.. هو أيضاً لم يعرفني لأول وهلة “مضى تسعة عشر عاماً منذ أن رأيته آخر مرة”.

احتضنني وأجهشنا بالبكاء. تعانقنا, أبكي لوعة .. اشتياقاً , ألماً وفرحاً .. ارتياحاً.

ابتعد أخي قليلاً, مسح دموعه وناولني منديلاً ورقياً لأمسح دموعي , التفتُّ إلى حيث المرأة الشابة, كانت قد وضعت رضيعها على كرسي وجلست على آخر, تبكي وتنشج, نظرت إلى أخي مستفهماً, وبحركة من راسي سألته عنها, من تكون؟.

قال: ما عرفتها ؟ يا أخي هذه بنتي .. بنتي لينا .

– التفتّ إليها وكانت قد رفعت رأسها, احمرار البكاء يحيط ببؤبؤيها الأخضرين.

ألقت لينا نفسها بأحضاني , اعتصرتني واعتصرتها, لينا تجلس في حجري كما كانت تفعل وهي صغيرة , تمسح دموعي , تقبلني وتقبلني وهي تهمس :

– يا عمو.. يا عمو .. شو عاملين فيك .. يا عمو .. آخ يا عمو .. آخ .. والله العظيم أنا اشتقت لك كثير …

عندما ولدت لينا , أنا الذي اخترت لها هذا الاسم , ومنذ أن أصبح عمرها سنتين كانت لا تفارقني. عندما ذهبت إلى فرنسا كان عمرها أكثر قليلاً من خمس سنوات , وهاهي الآن أمرأة كاملة , وأم أيضاً . أخي يحاول أن يطمئنني .. وأن خالي يبذل جهوداً جبارة لإخراجي من السجن, وأفهمني أن خروجي من السجن مرتبط بموافقة رئيس الجمهورية!!.. وأنه منذ أكثر من عشر سنوات جرت العادة أن أي مسؤول في أجهزة الأمن يستطيع أن يسجن من يشاء , لكن خروج أي سجين يجب أن تتم بموافقة رئيس الدولة!.

سألتُ أبا وجيه ماذا أفعل بالنقود التي أعطانيها أخي، قال: إذا شئت ضعها في الصندوق, هنا لا يحتفظ أحد بنقوده وكل شيء مشترك. عشرة آلاف ليرة وضعتها في الصندوق, قال الشخص الذي أخذ النقود إنني شخص غني, لأن الناس هنا كلهم فقراء, وأكبر مبلغ يستلمه السجين من أهله هو ألفا ليرة, قلت إن في السجن الصحراوي أشخاصاً أعطاهم أهلهم نصف مليون ليرة, أطلق هذا الشخص صفرةَ تعجُّب من بين شفتيه.

عرفت هنا من الشباب أن السبب الرئيس للتحقيق معي لدى جهات أمنية متعددة هو الصراع الشرس بين هذه الأجهزة, وقد شرحوا لي مايسمونه “جوهر النظام السياسي في البلد” وآلية عمل الأجهزة, هذه الأجهزة التي جعلها رئيس الدولة تتنافس على شيئين أساسين: أولاً إثبات ولائها المطلق له, وثانياً الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب والامتيازات.

ولكون خالي وزيراً شيوعياً, وبما أنه المتدخل لاطلاق سراحي فقد انعكس موقف الأجهزة الأمنية المختلفة, سلباً أو ايجاباً, من الشيوعيين عليّ, فبعض الأجهزة تكره الشيوعيين كرهاً مطلقاً ولا تميز بين شيوعي موالٍ للنظام وآخر معادٍ, بينما الأجهزة الأخرى تكرههم بدرجة أقل.

6أيار

أعادوني إلى فرع المخابرات الذي أتيت إليه عندما عدت من السجن الصحراوي.

زارني أخي وابنته لينا ثلاث مرات في السجن الجبلي, وفي آخر مرة قال لي أنهم يمكن أن يعيدوني إلى الفرع تمهيداً لإطلاق سراحي, وأنه يجب أن أكون مرناً ومتعاوناً .. واليد التي لا تستطيع عضها .. بوسها .. وادعي عليها بالكسر!.

صباحاً حضر السجان , نادى اسمي, طلب مني أن أجهز نفسي.

أعطاني زملائي السجناء خمسة آلاف ليرة, الكثير من الثياب, بعض الأطعمة , ودعني أبو وجيه بالقبلات : – قوم .. رئيس الفرع طالبك .

تبدأ محاضرة فيها الكثير مما يقال في الراديو والتلفزيون عن الدور التقدمي الذي يلعبه السيد القائد رئيس الجمهورية ضد الرجعية والاستعمار , وعن أفضاله على الناس وحكمته وشجاعته وبراعته .. وأخيراً :

– نحن قررنا نخلي سبيلك , لأنك إنسان وطني , ولأن خالك قدم خدمات كبيرة للوطن .. و .. و … بس نريد منك مسألتين روتينيتين !.. نريد منك أن توقع على تعهد بعدم العمل في السياسية , وأيضاً نريد منك أن تكتب برقية شكر للسيد الرئيس حفظه الله .

– برقية شكر ؟! .. ولكن على أي شيء أشكره ؟ .

نظر إليّ متعجباً , وباستغراب صادق قال :

– تشكره لأنه شملك برعايته ورحمته وأخلى سبيلك .

مرة أخرى ركبني العناد البغلي الذي أصبح نهجاً لي أواجههم به كلما طلبوا مني شيء .

– أنا آسف سيادة العميد , لا أستطيع أن أوقع لا على التعهد السياسي ولا على برقية الشكر .

ذهل العميد عندما سمع كلماتي!.. سكت قليلاً وبطريقة خبير أخفى كل ذهوله واندهاشه , قال :

– أنت تعرف أننا نكرمك كرمى لخالك , لذلك أرجو أن تلين رأسك قليلاً , يباسة الراس راح تضرك. كنت أعرف أن المئات من السجناء كانوا يطلبون من إدارات السجون محاقن طبية يسحبون الدم من عروقهم بها ليستعملوه حبراً يكتبون به برقيات شكر أو استرحام لرئيس الجمهورية.

لكن كنت قد قررت : “لا مزيد من الذل, وليكن السجن أو الموت” .

والحقيقة أن معاشرتي الطويلة للسجناء في السجن الصحراوي علمتني الكثير من الأشياء, وأهم ما تعلمته منهم هو معنى وأهمية الكرامة والرجولة.

إن التوقيع على برقية الشكر كشرط لإخلاء السبيل هي الاختبار النهائي لهذه الأجهزة لتؤكد لهم أن هذا السجين قد تجرع الذل حتى النهاية وتحول إلى كائن لا يمكن أن يقف بوجههم يوماً ما، وهو على استعداد لتنفيذ كل ما يطلبونه منه, طالما هو على استعداد لأن يشكر كبيرهم على كل ما عاناه. “لن أشكر من سجنني كل هذه السنوات الطويلة, لن أشكر من سرق عمري وشبابي.. لن أشكر من ضيع أجمل سنوات عمري..”

كنت أردد هذه العبارات والجمل بيني وبين نفسي, أشحذ فيها عزيمتي وأقوي إرادتي, كنت خائفاً من نفسي.. خائفاً من ضعفي..

بعد أن يئس مني رئيس الفرع أمر بإعادتي إلى الزنزانة, أعادوني بخشونة ظاهرة .

دخل عليّ مدير السجن, وبلهجة أبوية وبنوايا صادقة حاول إقناعي أن أوقع , شرح لي عواقب عدم التوقيع وأسهب في ذلك:

– إن من يرفض التوقيع عادة هم القيادات والزعماء, لذلك فإن عدم توقيعي سيعتبر دليلاً على أنني من هؤلاء, وينسف كل أقوالي السابقة بأنني لم أعمل في السياسة.. اليد التي لا تستطيع عضها.. بوسها.. وادعو عليه بالكسر.

بعد ذهاب مدير السجن فكرت طويلاً , ضحكت .. لو كنت في السجن الصحراوي لاستطاعوا أن يجعلوني أوقع على آلاف البرقيات , لا بل إنهم يستطيعون أن يجعلوني أقبل حذاء أصغر شرطي !.

3 تموز

زارني أخي وبدأ الحديث, ساق الكثير من الأمثال, وضغط عليّ بشدة يدعوني إلى التوقيع, تكلم .. وتكلم, أنا مطرق برأسي أستمع إليه وأزداد ابتعاداً عنه! هل هذا أخي الكبير الذي كان يوماً ما مثالاً وقدوة لي ؟!.

دون أن أرفع رأسي قلت له إنني لن أوقع على أي شيء , إنني إذا كنت عبئاً عليه فأرجو ألا يكلف نفسه زيارتي ثانية .. اتسعت عيناه دهشة .. فغر فمه , سكت مطرقاً ..

أنقذ العميد الموقف بدخوله , واستوعب الموقف حالاً .. التفت إلى أخي وقال بهدوء :

– سلم لي على خالك .. مو قلت لك أن رأسه يابس .

شكر أخي العميد وخرج . عشرة أيام أخرى من الإهمال, عشرة أيام من العذاب النفسي المضني .. هل خسرتُ أخي؟.. أليس المنطق الذي يتكلم فيه هو السائد إن لم يكن هو الصحيح؟

في 1 تموز أدخلوني إلى غرفة العميد لأجده واقفاً باحترام بينما أخي وشخص آخر كهل, أبيض الشعر , جالسان !.. عرفت فيما بعد أن هذا الكهل هو خالي .

استأذن العميدُ بأدب جم أن يخرج من الغرفة بعد أن طلب لنا ثلاثة فناجين قهوة.

بعد التحيات والقبلات بدأ خالي محاضرة طويلة انتهت بالتأنيب والتوبيخ, ثم أصدر لي أمراً حازماً بالتوقيع على الورقة التي مدها لي. بهدوء شديد رفضت. اقترب مني حانقاً , توقف , التفت إلى أخي وسأله إن كان يستطيع التوقيع على الورقة بدلاً مني, أومأ أخي برأسه موافقاً .. ثم وقع, صرّ خالي على أسنانه, وقال لي:

– يا ويلك .. إذا حكيت أي كلمة!.

حضر العميد. ناوله خالي الورقة. رن العميد الجرس بعد أن وضع الورقة في درج المكتب. أمرهم أن يعيدوني إلى الزنزانة. بعد يومين كنت أقف على الرصيف المبلل أمام مبنى الفرع.. حرّاً!

أعطيت السائق عنوان بيتنا. نزلت من السيارة بعد أن أعطيته نصف ما أملك من النقود. صعدت الدرج، ضغطت الجرس.. من سيفتح الباب ؟.. أمي، أبي؟.

جلست على الدرج، بقيت جالساً ثلاث ساعات، مرت بي العديدات من جاراتنا، ينظرن إلي باستغراب وتوجس، لم أعرف أية واحدة منهن. حضر شاب أنيق يلبس نظارات طبية، نظر إلي باستغراب ثم تجاوزني، فتح باب بيتنا .. ودخل!.

وقفت .. ناديت عليه، التفت إلي دون أن يستدير ناظراً بطرف عينه: نعم .. شو بتريد؟

تعارفنا. إنه زوج لينا ابنة أخي. رحب بي ترحيباً شديداً. سألني إن كنت جائعاً، طلبت منه فنجان قهوة بلا سكر. يدور سؤال في حلقي.. أخشى كثيراً أن أطرحه. اعتدلت في جلستي، وسألته :

ـ أين أبي وأمي؟

فوجئ… نظر إلي بدهشة ممزوجة بالشفقة، بدأ يتمتم:

– لا أعرف.. أنا ولينا، وقت معرفتي بلينا .. لم يكونا موجودين. رحمهما الله..

ما كنت أخشاه.. حاصل. آه يا أمي ويا أبي، هل قال أحدكما: إنه يتمنى أن يراني قبل أن يموت؟ .. هل تسبب سجني وغيابي بتعجيل موتكما؟.. أدفع نصف حياتي مقابل أن أضع رأسي لمدة خمس دقائق على صدر أمي.

أنور زوج لينا يقف أمامي مرتبكاً، يراقبني، سألته إن كان يعرف مكان الدفن، أومأ برأسه أن نعم. انطلقنا نحو المقبرة، وصلنا، اسم أبي وأمي واضحان على الحجر.

احتضنت الحجارة الباردة وأرحت رأسي عليها، أغمضت عيني… شعرت براحة كبيرة… في داخلي شعور بأن علي واجباً ما تجاه الموت يجب القيام به، اتجهت نحو القبلة… القبر بيني وبين مكة، فتحت كفي باتجاه السماء وقرأت الفاتحة، ثم وبشكل آلي… صليت صلاة الجنازة!.

اتصل بي الدكتور هشام على الهاتف. كانت مفاجأة. إنه أحد الأطباء الذين كانوا معي في السجن الصحراوي. أعلمني أنه ونسيم قد خرجا من السجن، وأن نسيم يرجو مني الحضور إلى بلده للقاء في مقهى بحري هناك في اللاذقية قرب بيته. أجبت أنني سأكون عندهم غدا.

المقهى شبه فارغ، اخترنا طاولة على الحافة تتكسر تحتها الأمواج الصغيرة، عندما التقينا حضنّا بعضنا بعنف، وبدأنا نبكي، بكينا أكثر من خمس دقائق. بعدها بدأت البسمات المتبادلة.

هشام هو الذي يتكلم، شرح لنا مخططاته للمستقبل، هدفه واحد وبسيط ، قال:

– أخرجوني من هذا البلد .. وأنا على استعداد للعمل “زبالاً” في أي مكان آخر على ظهر الكرة الأرضية. ” هشام طبيب جراح تجميل ، ويعتبر متميزا في اختصاصه !”.

نسيم صامت يحدق بنظره إلى نقطة في عمق البحر.

حدثنا هشام كيف تم خروجهما من السجن: فجأة ودون سابق انذار، فتح عناصر الشرطة الباب وأخذوا يقرؤون الأسماء, خرج جميع من تُليتْ أسماؤهم, تبين أنه يمكن تصنيفهم في ثلاث فئات: المشلولون, المصابون بأمراض عضال, الرهائن..

فيما بعد انضم إليهم قسم من نزلاء مهجع البراءة, الذين غدوا شباباً في العشرينات من عمرهم بعد أن قضوا أكثر من عشر سنوات في السجن. نقلوا الجميع بالحافلات إلى العاصمة.

بضعة أيام في سجون العاصمة, حاولوا تحسين مظهر السجناء قليلاً, اشتروا لهم ألبسة جديدة, أعطوا كل سجين مبلغ مئتي ليرة كمصروف جيب وثمن بطاقة السفر لكل واحد إلى بلدته.

في اليوم المقرر لخروجهم من السجن وضعوهم في حافلات أخذتهم إلى أكبر وأهم ساحة في المدينة, أوكلوا الأمر إلى أحد كبار ضباط الأمن الذي فهم الأمر حرفياً:

– تأخذهم جميعاً إلى الساحة, تضع الباصات حول الساحة, المطلوب مظاهرة تأييد للسيد الرئيس. عند التنفيذ أشار عليه البعض أن هناك عشرات المشلولين وهؤلاء لا يستطيعون السير في مظاهرة!. لكن الضابط أصر, لقد قال له رؤساؤه كلمة: الجميع.

في الوقت المحدد لانطلاقة مسيرة التأييد, كان لا يزال ما يقارب الأربعمئة سجين يحاولون إنزال ما يقارب المئتي مشلول!.. أنزلوهم, أجلسوهم في صفوف نظامية على الإسفلت الدائري العريض, وقف أمامهم المصابون بالأمراض العضال, مرضى السرطان, مرضى القلب والشرايين, مرضى السل… الشيوخ وكبار السن , في مقدمة الجميع أفراد مهجع البراءة, وهم الأكثر شباباً ومعهم البعض من الرهائن, أمام الجميع لافتة ضخمة مكتوبة باللون الأحمر الدموي وبخط جميل, معنونة:

” مبايعة مكتوبة بالدم “

يبايع فيها المتظاهرون السيد رئيس الجمهورية ويعاهدونه أن يفدوه بدمائهم وأرواحهم, وأنهم كلهم جنود لديه!