أرشيف الوسم : ادب السجون

حبسيات ساكنة المقابر

بقلم محمد الشطبي

معتقل سياسي سابق

الحبسيات

يقول “كريستيان جاريت” إن الحياة خلف القضبان، إذا طالت مدتها وزادت قسوتها، قد تؤدي إلى تغيير شخصية السجناء على نحو تعيق إعادة إدماجهم في المجتمع بعد إطلاق سراحهم.

تخيل أنك حكم عليك بالعيش لسنوات في مكان لا تتاح لك فيه مساحة من الخصوصية، تعيش فيه الخوف والتوجس الدائمين، ولا تختار فيه جليسك ولا مأكلك ولا ملبسك، ولا حتى الوجهة ولا متى تنام وتستيقظ… تشعر على الدوام أنك محاط بالمخاطر والشكوك، وقلما تجد من يترفق بك، أو يربت على كتفك. وتعيش معزولا عن أهلك عمن تحب وعن أصدقائك عن بيئتك الطبيعية.

بعد سنوات من العيش في هكذا مناخ، وفجأة تجد نفسك في عالم ( الحرية) محملا بأطنان من المخلفات والرواسب التي يستغربها محيطك و قد تبدو لهم بسببها إنسانا غير سوي تختلف عنهم جذريا, تحتاج في أحسن حال عند ألطفهم لنظرة عطف ومعاملة تليق بوضعك النفسي…

رواسب مابعد المرحلة السجنية ومخلفاتها على المحبوس غريبة أحيانا. سأتحدث عن إحداها مما لم أستطع التخلص منه ليومي هذا رغم مابدلته من جهد، لا أعرف هل أنا المخطئ (لمعقد) أم الآخرون؟؟!!

كلمة سجن تعني باختصار حرمان، في السجن قد تشتهي بيضة أحيانا أو تفاحة ولا تجدها، في السجن ليس كل شيء متاح، قد تجد سلكا تافها أو خيطا أو قطعة بلاستيك أو مسمارا صغيرا أو أي شيء تافه فتدسه وتخبأه في عيونك حتى لا تطاله يد زوار التفتيشات المباغثة.وقد يحصل أن تشتري ذاك التافه الذي لا يساوي فلسا بأضعاف ثمنه ألف ضعف. أو قد تخاطر لنزعه من مكان أو مرفق ما وقد تستمر عملية نزعه تلك الشهور الطوال والمشقة والخوف والترقب الشديد…

و ( مرگد) السجين _ وهو مخبأ أشياءه الثمينة الممنوعة عنه_ تجد فيه أشياء غريبة يستحيل أن يكتنزها إنسان عادي سوي.

هذه العادة أو سمها فوبيا إن شئت، لازمتني حتى بعد خروجي لدرجة صرت أرى الناس معها كلهم مبدرون حمقى لايعرفون قيمة النعمة. ولا شك أنهم يبادلونني نفس المشاعر بدورهم، فيرونني شحيحا بخيلا أحمقا مستعد لينزل من مركبه ليلتقط مسمارا ويضعه في جيبه ليضيفه ( للخردة) التي يجمع كأي ( بوعار ) ناكش للقمامة. أعجز ولا أجد كيف أفسر لهم أنها أشياء قد نحتاجها (لدواير الزمان) في أية لحظة ولا نجدها، كما يعجزون عن إقناعي مثلا لماذا يجمعون قطع الخبز البائت ويرمونها ليستعيضوا عنها بخبز اليوم هكذا ببساطة، ولماذا يبالغون ويسرفون في إعداد أنواع الأطعمة والأشربة التي أحس بحزن شديد عليها حين يبقى أكثرها على المائدة دون أن يلتفت لها أحد. لدرجة أنني طلبت مرارا من عامل المطعم أن يلف لي مابقي منها لآخذه معي _ رغم أني لن آكله لاحقاً _أمام إحراج واستغراب من دعوني للوجبة، المهم أن لايبقى أثر لما أعتقد أنه إسراف وتبدير، ولا أستطيع تبرير صنيعي لهم. أفعله وكفى…!!!

حاولت البحث عن هذا في النت فوجدت مايطلق عليه باضطراب بالاكتناز القهري Compulsive Hoarding

يعرفونه على أنه مرض نفسي يجعلك تجمع الأشياء دون مبرر. أحاول جاهدا أن أحلل مبرراتي هل هي فعلا واهية، أم أن المشكل هو الآخرون على حد تعبير جون بول سارتر _ ملطفا_

جوانتانامو مصر

الأمن الوطني يهدد بتحويل بدر 3 إلى “جوانتانامو مصر”!.
وعادت ريما لعادتها القديمة.. فبعد فترة هدوء نسبي عاد ضابط الأمن الوطني بسجن بدر 3، المعروف بالمقدم “مروان حماد” إلى سابق عهده في انتهاك حقوق السجناء السياسيين والتهديد المتواصل، وفي آخر تهديد له قال إن لديه “كامل الصلاحيات من وزير الداخلية نفسه لتحويل السجن إلى مقبرة !”.

رسالة مسربة من سجن بدر3 وصلت “منظمة حقهم” تكشف تفاصيل المعاناة والانتهاكات..
????مما جاء في الرسالة:
???? قام ضابط الأمن الوطني المسئول عن سجن #بدر3 المقدم “مروان حماد” بتهديد عدد من المعتقلين بتحويل السجن إلى “جوانتانامو” إذا واصلوا اعتراضهم على وضع الزيارة الحالية، مؤكدا لهم أن لديه صلاحيات واسعة من وزير الداخلية مباشرة بتحويل السجن إلى مقبرة إذا لم يرضخ السجناء لأوامره.

???? فبعد قيام أكثر من 600 سجين رأي بمحاولات انتحار – بعضها كاد أن يصل حد الوفاة -، ورغم وعود الداخلية بفتح الزيارة وتحسين الخدمات والرعاية الطبية داخل السجن إلا أن ما جرى على أرض الواقع كان مخيبا للآمال حيث جاءت الزيارة بمعدل مرة كل شهرين وبمدة لا تزيد عن 20 دقيقة ومن خلال كابينة اتصال، وغير مسموح بأي اتصال مباشر – تلامس – بين المعتقلين وذويهم حتى الأطفال منهم.

???? فقد قام السجناء بتعليق لافتات أمام كاميرات المراقبة يطالبون فيها بزيادة مدة الزيارة ودوريتها مثل باقي السجون، وأن يُسمح لهم بالالتقاء المباشر مع ذويهم خاصة وأن الكثيرين منهم لم ير أهله لما يزيد على 5 سنوات إلا أن إدارة السجن بقيادة الضابط “مروان حماد” رفضت الاستجابة لهذه المطالب.

???? كما قام السجناء بتقديم مقترح للضابط “مروان حماد” بأن تكون دورية الزيارة مرة كل شهر، ولمدة 45 دقيقة على الأقل، وأن يخصص منها جزء (في حدود 25 دقيقة) لزيارة المحامين – على فترات – بحسب ترتيبات الأهل مع محاميهم، إلا أن ضابط الأمن الوطني رفض ذلك مؤكدا أن أي حديث عن الزيارة سوف يرجعها إلى نقطة الصفر!.

???? هذا ولا يزال أكثر من 50 سجين متواجدين في قطاع 2 – والذي يطلق عليه قطاع قيادات الإخوان – ممنوعين تماما من الزيارة أو دخول أي أطعمة من ذويهم، مع استمرار غلق فتحات الأبواب (النظارات) والمنع من التواصل مع أي شخص داخل السجن.

???? كما ذكرت الرسالة أن التريض – المنصوص عليه في لائحة السجون بساعتين يوميا لكل سجين -، يتم السماح فقط بساعتين “في الأسبوع” مقسمة على مرتين وفي وجود “حراسة مشددة” وبأعداد قليلة في كل فوج.

???? وفيما يخص الخدمات الصحية فما تزال لاتفي بالحد الأدنى من الاحتياجات فضلا عن البطئ الشديد سواء في إجراء العمليات الجراحية أو التحاليل أو الأشعة، مع غياب تام للأطباء الاستشاريين والمختصين في أبرز التخصصات المطلوبة مثل العظام والأسنان والمخ والأعصاب والجراحة، ولا يوجد سوى بعض الممرضين ليس لديهم أي خبرة طبية، كما لا يسمح بنزول المعتقلين للكشف الطبي سوى مرة كل شهرين و بعد مماطلة شديدة.
كما لازالت أزمة الطعام الميري – الرسمي – مستمرة فالكمية قليلة للغاية، ناهيك عن جودتها، وفي المقابل يتم السماح بمحاولات سد الاحتياج – عبر الأموال الخاصة – من الكنتين بالتقطير، حيث يسمح للمعتقل بشراء باكو شيبسي 40 جرام مرة كل أسبوع وعلبة بسكويت مرة كل 10 أيام وكيس ملح 100 جرام في كل شهر، وهناك محظورات مثل اللبن والمياه الغازية والأسماك والخضروات والفاكهة.

???? ويؤكد المعتقلون في رسالتهم أنهم مازالوا رهن الحبس الاحتياطي وحسب لوائح السجون يستحقون زيارة أسبوعية مباشرة مع الأهالي لمدة 45 دقيقة، يتم فيها السماح بدخول الأطعمة والأدوية والملابس وغيرها مما يحضره الأهل في ضوء ما تنظمه لائحة السجون، فضلا عن عدم قانونية حبسهم من الأساس في سجن مشدد.

???? ويحمل المعتقلون مسؤولية التوتر الذي يعيشه السجن لضابط الأمن الوطني “يحيى زكريا” مسئول السجون في جهاز الأمن الوطني ومعه الضابط “مروان حماد” مسئول السجن واللذان يعتبران أن أي حق يحصل عليه السجناء هو “بمثابة إهانة لهما، وليّا لذراعيهما” وهو ما جعلهما يفتحان المجال أمام المخبرين لاستفزاز السجناء والاحتكاك والتحرش المتكرر بهم، حتى تكون ذريعة لغلق السجن مرة والعودة مجددا إلى وضع ما قبل موجة محاولات الانتحار، وهذا ما قاله الضابط “مروان حماد” وفي أكثر من مناسبة لأكثر من معتقل “بأنه ينتظر الأوامر من قياداته لغلق السجن مرة أخرى”!.

???? ويجدد المعتقلون في رسالتهم دعوة لجنة الحوار الوطني والمجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري وكل الشرفاء المعنيين بالملف الحقوقي والإنساني لزيارة سجن بدر3 ولقاء بعض المعتقلين للوقوف على حقيقة ما يجري داخل هذه القلعة المغلقة.

بدر3_مقبرة_الأحياء

انقذوناقبلان_تفقدونا

عشرية_القمع

حقهم #حقهم_حرية

TheirRight

FreeThemAll

الصورة

لا تحزنوا يا أحبائي لمسجونِ الشيخ الدكتور العبيد عبد الوهاب


قصائدالسجون

  لاتحزنوا يا احبائي

قصيدة كتبها الشيخ الدكتور العبيد عبد الوهاب تقبله الله  اثناء اعتقاله في سجن كوبر بالسودان

لا تحزنوا يا أحبائي لمسجونِ *** ولتعلموا أن قلبي غير محزونِ
إن اعتقلتُ فما عقلي بمُعتقل *** كم ذا يرفرف بين الكهف والتين
وإن سجنت فما في السجن منقصة *** قد زج يوسف في قعر الزنازينِ
وإن حُصرت فلي نفس محلقة *** فوق الطغاة وفوق الظلم والهونِ

وإن حُبست فكم من نعمة عظمت *** ونفحة من إله الكون تاتينيِ
وإن أُسرت فقلبي ليس يأسره*** عطر الورود ولا حُسن البساتينِ
وإن حُرمت عيونا في الدنى خُلقت *** وإن حلا حسنها للعين والدينِ
فإن نفسي بها ليست بقانعة *** بل شوقها لعيون الحور والعينِ

وإن أَكُن في هدوء السجن قد أمنت*** نفسي أذى الناس إذ لا كف تؤذينيِ
فقد أمنت الذي يفنى ووا أسفاه *** فما العذاب الذي يبقى لمأمونِ
إن النجاة على الرحمن هينة*** فإنما الأمر بين الكاف والنونِ
أليس أنقذ إبراهيم من لهب*** إذ قال للنار لما أُشعلت كونيِ

أليس نجّى من الماء الذي عظمت أمواجه *** عبده نوحاً وذا النونِ
أليس شقّ طريقاً بينها يبساً *** نجاة موسى به كانت وهارونِ
إني لأعلم أن الله مخرجني *** من حيث كنت ولو من بطن تينينِ
وحين أُخرج لن أُلفى وبي حنق*** ولن يعادي فؤادي من يعادينيِ

من يمسك المال عني أول يمُنّ به*** أنفق له المال مني غير ممنونِ
ومن أتاني بقول منه يجرحني*** أبذل له من حديث الرفق واللينِ
إلا الأُوْلَى أخرجونا من مساكننا*** وحاربوا ديننا حرب الشياطينِ
كل العداوة ترجى مودتها*** إلا عداوة من عاداك في الدين.

أدب السجون بالمغرب.. للحقيقة وجهان

حسن الأشرف

يقول الكثيرون في المغرب إن الأدب يبقى أدبًا رغم تقسيمه إلى أدب عربي وآخر أمازيغي، أو أدب رجالي، وآخر نسائي، لأن الكتابة شأن إبداعي وإنساني يحتفي بالتخييل أكثر من الواقع، ولا يعترف بالجنس ولا بالعرق، إلا أن ما يسميه البعض “أدب السجون”، أو “الأدب السياسي”، يأخذ تصنيفًا مغايرًا، نظرًا إلى كونه تعبيرًا إبداعيًا عن تجارب اعتقال سياسي تدور رحاها في الأقبية والمعتقلات.
وأدب السجون في المغرب لم يخرج عن هذا السياق العام، المتمثل في الكتابات التي توثّق لتجربة الاعتقال، سواء أخطّها صاحبها أم دبّجها كاتب متمرس على لسان من عاش تجربة الاعتقال السياسي، لكنه يحفل بِسمة خاصة تتمثل في “ازدهاره” في فترة رئيسية من تاريخ المغرب المعاصر.

سياق زمني

ظهرت روايات تُنسب إلى أدب السجون في المغرب، خاصة في سياق ما عرفته البلاد من محاولات التصالح مع الماضي، أو ما يسمى بـ “سنوات الرصاص”، وهي سنوات الاعتقال السياسي التي تعرّض لها العديد من السياسيين والنقابيين، في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
وشهدت المملكة في بدايات الألفية الثالثة، وتحديدًا في عام 2004، ميلاد هيئة تدعى “هيئة الإصلاح والمناصفة”، وهي مؤسسة رسمية وضعتها الدولة لجبر الضرر الذي لحق بمعتقلين سياسيين خلال “سنوات الرصاص”، وردّ الاعتبار لهم معنويًا وماديًا، وذلك بهدف تسوية ملفات ماضي الانتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي هذه الفترة الزمنية، وحتى قبلها بقليل وبعدها أيضًا، ظهرت تباعًا في المغرب، أعمال أدبية تمتح من “زمكان” السجن فضاءً أساسيًا لروايات تختلف في شخوصها وأمكنتها، لكنها تكاد تتشابه في مضامينها الإنسانية التي تسِمها، خاصة أن الأمر يتعلق بمعتقلات ينطبق عليها المثل القائل بأن “الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود”.
ولعلّ من أشهر ما كُتب في هذا الصدد رواية “الزنزانة رقم 10” لصاحبها الضابط المغربي السابق، أحمد المرزوقي، وهو أحد المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة ضدّ الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1971، حيث زجّ به في سجن “تازمامارت” الرهيب زهاء 18 عامًا، قبل أن يُفرج عنه سنة 1991، ليتجه إلى تدوين مأساته في روايته الشهيرة سنة 2001.
ولم تكن رواية “الزنزانة رقم 10” الوحيدة التي أسست أدب السجون بالمغرب، فقد تلتها روايات أخرى تنهل من المعين نفسه، منها رواية “من الصخيرات إلى تازمامارت؛ تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم”، لمحمد الرايس و”الساحة الشرفية” للكاتب عبد القادر الشاوي، و”يوميات سجين متوسطي” لحسن الدردابي، و”أفول الليل” للطاهر محفوظي، و”العريس” لصلاح الوديع.

تصفية حساب

ويُعرف الروائي المغربي، مصطفى لغتيري، أدب السجون بأنه “الكتابات التي حاولت ملامسة تجربة الاعتقال السياسي إبداعيًا، أي أنها اتخذت من الكتابة وسيلة لتصفية الحساب مع تجربة إنسانية ووجودية ونفسية مريرة، قد يكون المرء قد عاشها فعليًا أو سمع تفاصيلها من أحد السجناء، أو هي فقط عبارة عن تجربة متخيّلة لها ما يدعمها في الواقع، مما حدث لكثير من السجناء وتناقلته الألسنة أو وسائل الإعلام”.
وأفاد عضو اتحاد كتاب المغرب، في تصريح لـ”ملحق الثقافة”، أن هذا النوع من الكتابات نشط في المملكة، خاصّة بعد الانفراج السياسي ما بين القصر وأحزاب المعارضة التاريخية، الذي أدّى إلى إطلاق سراح المعتقلين السياسيين اليساريين على الخصوص، والعسكريين الذين تورطوا في محاولات انقلاب عسكرية فاشلة”.
وأوضح صاحب رواية “ابن السماء” أنه من خلال اطلاعه على بعض نصوص هذا الأدب، وجده بأنه ليس على وتيرة واحدة، فمنه ما يتمتع بقدر من الإبداعية الأدبية التي تجعل منه نصًا أدبيًا بامتياز، ومنه ما غلبت عليه صيغة الشهادة، فجاء كنوع من الوثيقة التاريخية، التي يمكنها أن تقدّم معلومات مهمّة عن مرحلة سنوات الرصاص في المغرب”.
وأورد لغتيري بأنه رغم عدم عيشه لتجربة الاعتقال، كتب رواية سماها “أحلام النوارس” عبارة عن رسالة طويلة وجهها معتقل سياسي سابق، أورثه السجن عللًا نفسية وجسمانية، واكتشف أن الجميع قد تخلّى عنه، بعد أن فاوضوا باسمه، واستثمروا نضاله للحصول على مكاسب سياسية واجتماعية”.

وثيقة الحقيقة

ويقف القرّاء والنقّاد إزاء تجربة أدب السجون في المغرب، على سبيل المثال، موقفين اثنين، الأوّل يؤكّد على جرعة الحقيقة والواقعية التي تمنحها الشهادات الواردة في بعض الأعمال التي تهتم بهذا الصنف من التوثيق الأدبي، خاصة صنف الرواية، باعتبارها مجالًا أدبيًا يسع لسرد المشاهدات والشهادات، بخلاف القصة القصيرة، أو الشعر، أو حتى الرسم.
وأما الموقف الثاني فذاك الذي يرفع عن أدب السجون طابعه التوثيقي والتأريخي، وينفي عنه سرد الحقيقة كما هي، بالنظر إلى أنها أعمال إبداعية تأتي من خيالات كاتبيها، الذين كانوا يسردون ما حدث لهم من منظورهم الخاص، ومن دون معرفة رأي الطرف الثاني، وأحيانًا بعد سنوات عديدة من خروجهم من تجربة الاعتقال.
ويقول أحمد المرزوقي، صاحب رواية “الزنزانة رقم 10″، التي قضى في ظلمتها حوالى 18 عامًا بتهمة مشاركته رفقة عسكريين آخرين، في محاولة اغتيال الملك الراحل، إن روايته تلك كانت نقلًا عن واقع عاشه طيلة سنوات عديدة في أقبية سجن تازمامارت المرعب، الذي فتح في أغسطس/آب 1973، وأغلق في سبتمبر/أيلول 1991.
وبالنسبة للمرزوقي، فإن ما أورده في روايته تلك لم يكن سوى قليل مما عاينه بأمّ عينه في ذلك المعتقل السياسي الذي طبقت شهرته العالم، كما استعان بشهادات رفاقه في السجن ذاته، شهادات ظلّت ذاكرته تحتفظ بها، إلى أن قرر إشراك القارئ والرأي العام تفاصيل التجربة، فاختار خط روايته باللغة الفرنسية أولً لإتقانه لها، قبل أن تُترجم إلى العربية بعد ذلك.
واعتبر الضابط السابق أن عددًا من الأعمال الأدبية التي تناولت حقبة من تاريخ المغرب، متمثلة في سنوات الرصاص التي طاولت معارضين سياسيين كما جنودًا وضباطًا عسكريين، تعتبر وثيقة تاريخية يمكن الاستئناس بها بالنسبة للأجيال الشابة، كما أنها وثيقة لحفظ الذاكرة الجماعية للبلاد، وفضح لتجاوزات الماضي من أجل تفاديها في الراهن والمستقبل”.
ويرى نقّاد أن كتابات أدب السجون، على الأقل في الحالة المغربية، ضمّت بالفعل معطيات بالأسماء، ومعلومات دقيقة عن جلادين وسجانين غلاظ شداد، وسردت أيضًا حقائق وحالات إنسانية، مثل وقوع بعض المعتقلين صرعى للمرض، أو ضحية للجنون، وأثر التعذيب، كما جاء في “الزنزانة 10” أو في روايات أخرى من الصنف ذاته.
وترتبط الشهادات الموثقة في العديد من روايات الاعتقال السياسي بالمغرب، بوقائع تاريخية لها امتدادات داخل فضاء السجن وخارجه، باعتبار أن السجين معني بتهمة غالبًا ما تكون ذات طابع سياسي، وبالتالي “تدين” نظامًا سياسيًا وقضائيًا معينًا، ما يجعلها أقرب إلى الشهادات التاريخية رغم وجودها في قالب أدبي يعتمد على التخييل الإبداعي.

حقيقة مجروحة

وبالمقابل هناك من يرى في عدد من الروايات التي تُصنّف ضمن أدب السجون أو أدب الاعتقال السياسي، بأنها انتقائية لا تروي الحقيقة بوجهيها معًا، وإنما بوجه واحد فقط يسرده الكاتب/المعتقل السياسي، فيما تغيب الحقيقة التي توجد لدى رفقائه أو لدى السجانين، والسلطة التي حاكمته وأدخلته السجون.
ويعتبر نقاد أن العديد من كتاب الروايات التي تستعرض تجاربهم داخل السجن، تعمّدوا إخفاء حقائق عاشوها في المعتقلات، من قبيل ما تعرضوا له من تصرفات أو انتهاكات لحقوقهم، وذلك من أجل عدم “صدم” أقاربهم وأفراد أسرتهم بخصوص الأحداث المرعبة التي عاشوها وتعرضوا لها داخل أقبية السجن.
ويرى البعض أن اتساع الفرق الزمني بين تجربة السجن والاعتقال السياسي وبين فترة كتابة الرواية وأحداثها، غالبًا ما تأخذ سنوات عديدة، وفي حالة أحمد المرزوقي مثلًا خرج من السجن سنة 1991، وخرجت روايته للنور بعد ذلك بعشر سنوات، وهو ما يفضي حسب البعض إلى “نقص” في دقّة التحرّي، وتذكر الأحداث والوقائع، ونسبتها لأصحابها.
وبالنسبة لأصحاب هذا الرأي، فإن أدباء السجن غالبًا ما تكون روايتهم للأحداث التي عاشوها خلف أسوار السجن، وشهاداتهم التي خطوها بين دفتي رواياتهم وأعمالهم الأدبية، يعتورها بعض النقص في نقل الواقع كما هو، لأن تجربة السجن تظلّ تجربة ذاتية وغير موضوعية مثل كل تجربة إنسانية محضة، تخضع للعاطفة حبًا وكرهًا، وللتقدير إيجابًا وسلبًا.
وبالتالي، ولكل الأسباب السابقة، يعدّ البعض أن أدب السجن لا يمكنه إلا أن يقدّم حقيقة منتقاة وجزئية، خاضعة للعامل الذاتي والانطباعي، وحتى للصنعة الأدبية، ولاعتبارات المحيط والمجتمع، وربما لغواية السوق والمردود المادي، علاوة على أنها تستند إلى ذاكرة مشروخة، أنهكها التعذيب والمكوث سنوات في الظلّ خلف الجدران الباردة.

أدب السجون.. باب آخر للمقاومة من وراء القضبان

لماذا يصادر الاحتلال كتابات الأسرى؟

وليد الهودلي: الكتابة داخل السجون شكل من أشكال المقاومة

داوود فرج: أدب السجون يصنع عند الأجيال حالة رفض للاحتلال والتوق للحرية

الحدث- سوار عبد ربه

يظن المحتل أنه باعتقاله للمقاوم ينهي فعل المقاومة عنده، إلا أن الأسرى يظلون يبتكرون طرقا للمقاومة حتى داخل الحيز الصغير الذي يتواجدون فيه مرغمين، بالرغم من كافة الإجراءات التعسفية التي تمارسها مصلحة السجون الإسرائيلية، في محاولة منها لردع الأسير عن فعل المقاومة، وواحد من أشكال المقاومة التي يمارسها الأسير داخل سجنه هو توثيق التجربة، بالأعمال الأدبية التي تولد في عتمة الأقبية وخلف القضبان، تلك الأعمال التي تخرج من رحم المعاناة اليومية التي يعيشها الأسرى، والتي اصطلح على تسميتها بـ “أدب السجون”.

ومؤخرا، صادر الاحتلال الإسرائيلي، مخطوطة روائية للأسير باسم خندقجي المحكوم بثلاث مؤبدات، والتي كانت في مرحتلها النهائية تحضيرا لطباعتها، عقب مداهمة زنزانته والاعتداء عليه جسديا، الأمر الذي استنكره الاتحاد العام للكتّاب والأدباء الفلسطينيين في بيان طالبوا فيه باسترجاع مخطوطة الأسير الأديب باسم الخندقجي، وتأمين حرية الكتابة وحق التعبير للأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال، كحق مسلم به، وضمان عدم التعدي على حرية الكتابة والإبداع داخل السجون.

وليس خندقجي حالة فردية، فمعظم من ذهب باتجاه كتابة عمل أدبي داخل سجون الاحتلال، يحكي فيه تجربته ورفاقه الأسرى، وظروف اعتقالهم، والحياة اليومية التي يعايشونها، تعرضوا لجملة من التضييقات أوضحها عراب أدب السجون الإسرائيلية وليد الهودلي في لقاء مع “صحيفة الحدث“، إذ قال الهودلي إن الجو العام داخل السجن، هو جو بطابع قمع وضغط نفسي، وبعيد جدا عن أن يكون مناسبا للكتابة، ناهيك عن الخوف الدائم من احتمالية قطع الطريق على الأسير ومصادرة ما أنهى كتابته، الأمر الذي يشكل كابوسا كبيرا بالنسبة للكاتب.

وبحسب الهودلي تجري مصادرة كتابات الأسرى أحيانا أثناء التفتيش الذي يصل إلى حد الملابس الداخلية للأسير، أو عند محاولة إخراج الأوراق من السجن للطباعة، وأحيانا قد لا يتوفر القلم والأوراق، وإن توفرت تكون بكميات قليلة، بالإضافة إلى التنقلات من سجن إلى آخر أو من غرفة إلى أخرى، ما يسبب للأسير نوعا من عدم الاستقرار والتوتر وهي عوامل تبقي الأسير بعيدا عن جو الكتابة والإبداع.

وبدأ الهودلي مشواره في الكتابة الإبداعية من داخل سجون الاحتلال انطلاقا من النشرات التوعوية حول قضايا السجن، ثم انتقل إلى الحوار الأدبي، فالقصة القصيرة، ثم مجموعة قصصية عن الأسرى المرضى، وصولا إلى رواية ستائر العتمة عام 2003 الصادرة عن المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي وبيت الشعر، وقد لاقت الرواية قبولا كبيرا حتى أنها طبعت 11 مرة، وتم تحويلها إلى فيلم سينمائي، وروايات أخرى عن حكايا السجن والسجان.

وليد الهودلي

لماذا ظهر أدب السجون؟

يرى الأديب الهودلي أن الأسير يكتب كي يثبت ذاته الثورية، فالكتابة هنا ضرورة وشكل من أشكال المقاومة المستمرة، رغم الظروف القاسية والصعبة، كما أنها ضرورة من ضرورات الكيونية الفلسطينية الحرة، والمميز في أدب السجون أن فيه كل معاني الحرية والتوق لها وصدق المشاعر والمقاومة وكرامة الإنسان.

بينما يرى الأسير داوود فرج الذي انتزع حريته عام 1992 من معتقل الخيام الإسرائيلي في الجنوب اللبناني والذي وثق تجربة هروبه ورفيقه محمد عساف في رواية “على بوابة الوطن.. دهاليز الخيام”، أن هذا الأدب ظهر كوسيلة تعبير بالتجربة الحية المباشرة التي تعبر عن المشاعر الإنسانية التي يخوضها الأسير، بحيث يوثق تجربته بالأسر الناتجة عن القضية التي ينتمي لها.

داوود فرج

ويضيف فرج في لقاء مع “صحيفة الحدث“: يكتب الأسير أيضا ليظهر مدى أهمية القضية كشكل آخر من أشكال المقاومة، سيما وأن الهدف النفسي من الاعتقال هو تحطيم البنية المعنوية للأسير من أجل تغيير معتقداته ما يعرضه لشتى أنواع القهر والتعذيب، وعلى الأسير في هذه الحالة أن يظهر قوة وصلابة لمواجهة ممارسات السجان، وهذه العوامل كلها تدفع الأسير باتجاه التعبير عن قضيته وأفكاره كي تترسخ أكثر، وهنا تصبح الكتابة بابا آخر للمقاومة، في معادلة أوضحها فرج أن السجان يمارس العنف والإذلال والممارسات القمعية، معنويا وجسديا ونفسيا، والأسير يلتقط هذه المشاعر ليواجه آلة القمع، من خلال المعنى الذي يتلقاه من آلات التعذيب ليحوله إلى قضية إنسانية وفلسفية.

ويؤكد فرج أن المؤمنين بالقضايا النضالية يذهبون بتجاه الأدب والفلسفة وخلق نمط لحياة بديلة عن النمط القائم القمعي، وتصبح علاقات الأسير أكثر إنسانية بالتجربة الحية المباشرة.

وبالإضافة إلى ما سبق، قد يكون إلحاح الناس على معرفة خبايا السجن وكواليس التجربة، دافعا مهما للأسير لتوثيق تجربته، ففرج الذي ظل لسنوات طويلة يحكي قصة انتزاع الحرية في سهرات وندوات ولقاءات، ويرد على أسئلة الناس حول تفاصيل التفاصيل، أثار اهتمامه أن يبحث عمن يقوم بتدوين مشاعره وتجربته، لأنه لم يستسغ فكرة الكتابة عن نفسه، إلى أن التقى بالكاتبة أميرة الحسيني، التي كتبت رواية “على بوابة الوطن.. دهاليز الخيام”.

أهمية أدب السجون

وحول أهمية التوثيق يقول فرج مستدلا بتجربته الروائية، عندما كنت ألتقي بالناس، كانوا يسألونني عن تفاصيل تفاجئني، وكأنهم عاشوا التجربة معي، حتى أنني دعيت في إحدى المرات، بعد مرور زمن للحديث عن قصة الهروب، ولزيارة معتقل الخيام بعد التحرير عام 2000، وكان الناس يعرفون المكان وأحداثه من خلال الرواية، نتيجة الصورة الحقيقة التي نقلتها الرواية، والصدى الذي تركته، مبينا أن الرواية الحقيقية التي تعبر عن قصص حقيقية لها دلالات رمزية مهمة في كل الأجيال والمراحل، ومن المهم دائما إحياء التجربة، لأنها توثق الاحتلال وممارساته ومواقف المناضلين منه وما فعلوه ضده.

ويؤكد فرج أن التجربة عندما تحيا من خلال الأدب فهي تصنع عند الأجيال حالة رافضة للاحتلال وعدم القبول بالذل، والبحث الدائم عن الحرية المطلقة، مشددا على أن الحديث عن التجربة أو الكتابة عنها له عواقبه.

لماذا لا يحب المحتل أن يكتب الأسير تجربته؟

عطفا على ما سبق، يرى فرج أن الاحتلال لا يقبل بالفضيحة، وعندما يكتب الأسير ينكشف الاحتلال وتفضح ممارساته وصورته الحقيقية، ولذلك يحاول دائما أن يمارس قمعه على من يحاول الحديث عنه بطريقة لا تتناسب مع أهدافه، مستذكرا أيام اعتقاله، عندما كان يتحرر أحد الأسرى ويدلي بتصريحات إلى الإعلام كان المحتل يفرض عقوبات جماعية على الأسرى بهدف تخويفهم ومنعهم من الكلام مستقبلا، ما جعل من الأوضاع الصعبة في معتقل الخيام مغيبة، إلى حين عملية الهروب التي قام بها فرج ورفيقه عساف.

وفجر 6 أيلول 1992 نفذ المقاومون المعتقلون في معتقل الخيام داوود فرج ورفاقه الثلاثة عملية هروب من المعتقل، إلا أن واحدا منهم انفجر فيه لغم واستشهد، وآخر أصيب بجروح وأعيد اعتقاله،  في عملية صنفت على أنها من أجرأ عمليات المقاومة التي قام بها الأسرى.

يحظى باهتمام القارئ العربي

إن كتابات الأسرى التي خرجت من سجون الاحتلال لاقت تفاعلا كبيرا على الساحة الأدبية الفلسطينية والعربية وذلك لأن القارئ العربي عندما يرى رواية بأسلوب أدبي قوي، تضاف إلى الأدب العربي، وتحقق الإبداع الروائي، يقرأها من هذا الباب، إلى جانب العشق الداخلي لفلسطين التي لا تغيب عن قلوب الشعوب العربية، لذا نجد اهتماما كبيرا جدا في الرواية الفلسطينية خاصة أدب السجون، بحسب الكاتب وليد الهودلي.

ويرى الهودلي أن الكتابة في هذا الحقل، في تطور وتقدم كما ونوعا، إلا أنها ليست غنية بما يكفي ولا تتناسب مع عدد الأسرى في السجون وحجم مأساتهم.

 والعام الماضي (2021) كشفت إحصاءات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، أن عدد حالات الاعتقال في صفوف الفلسطينيين منذ حرب النكسة بلغ نحو مليون حالة اعتقال.

وفي سؤال حول ما إذا كانت موهبة الكتابة مطلوبة لإنجاز العمل الأدبي، أم أن معاناة الأسرى في الزنازين تكفي لإنجاز العمل، قال الهودلي لـ”صحيفة الحدث“: “وجود الموهبة مهم جدا لكن إن لم تتوفر، يوجد ما هو أهم، كالتحدي والانتماء للقضية التي تشعر الأسير أنه يريد أن ينجز عمله لتحقيق نضاله من أجل قضيته، وهذه العوامل تؤدي لأن يكتب الأسير. 

ولا يعتبر أدب السجون مادة مثيرة للقراءة فقط، بل مادة دسمة للدراسة أيضا، يعنى بها طلبة الجامعات كمشاريع لأبحاثهم ورسائل الماجستير والدكتوراة، ففي لبنان على سبيل المثال لا الحصر، اختارت طالبة الدراسات العليا ساندي درويش، أدب السجون موضوعا لرسالتها، التي خلصت إلى أن هذا النوع الأدبي جاء ليكون وسيلة التعبير الأقوى عن الرفض للقمع وحبس الحريات، وأنه كان أسمى وأعظم الطرق التي استطاع الأدباء من خلالها أن يرووا أحداثا حصلت معهم في السجن، والعوامل النفسية التي فتكت فيهم، كما أن البحث في هذا النوع من الأدب يؤكد لنا أن الأدب يستطيع أن يطرق كل الأبواب حتى تلك المقفولة، وأن هذا النوع الأدبي ليس مجرد عاطفة وأحداث مأساوية إنما مليء بالبلاغة والاختزال والتركيز والتوازن والعمق والبساطة.

وفي حديثها مع “صحيفة الحدث“، قالت درويش إن عينة التجارب الأدبية للأسرى التي قامت بدراستها، تقاطعت في نفس مرارة الألم وصعوبته وشقائه، فجميع الأسرى في أعمالهم كتبوا عن الظلم والاستبداد نفسه، على الصعيدين الجسدي والنفسي، بالإضافة إلى النزعة الثورية الرافضة للخضوع إلى السلطة القمعية، والتوق إلى الحرية.

الأمر الذي أكده الأسير المحرر داوود فرج بقوله إن الأسرى في كافة سجون العالم يتشابهون كثيرا، لأن مضمون الأسر واحد، فهي قضية إنسان في وجه متغطرس، مع اختلاف الوقائع والظروف.

وحول سبب اختيار درويش لأدب السجون موضوعا لرسالتها أوضحت أن هناك عوامل شخصية وموضوعية، وذلك بهدف الغوص في نفوس هؤلاء المعتقلين وكيف تأثرت عقولهم ونفوسهم وكيف تبدلت شخصياتهم داخل السجن، من خلال معرفة القصص والمواقف التي حصلت معهم، وأيضا الاطلاع على الأسباب التي توقعهم في السجن، بالإضافة إلى رغبتها في الإضاءة على هذا العالم، من خلال استطلاع آراء بعض الأدباء الذين ذاقوا مرارة السجن ولمعرفة كيف تناول أدب السجون هذا الأمر وكيف استطاع أن يطرح هذه القضية.

رسالة مسربة من سجن النساء الجديد بالعاشر .. كاميرات تجسس ( مراقبة ) داخل الزنازين

رسالة مسربة من سجن النساء الجديد بالعاشر .. كاميرات تجسس ( مراقبة ) داخل الزنازين! نص الرسالة فوجئت المعتقلات السياسيات بوجود كاميرات مراقبة في سجن النساء الجديد بمنطقة سجون العاشر من رمضان، وهو الذي تم نقل المعتقلات إليه قبل 3 أسابيع دون غيرهن من باقي السجينات اللاتي مازلن في سجن النسا بالقناطر الخيرية. وقد اعترضت المعتقلات على هذا الإجراء إلا إنهن فوجئن برد إدارة السجن أن الكاميرات موجودة لرصد حركاتهن على مدار الساعة حسب تعليمات وزير الداخلية؛ وهو ما اضطر المعتقلات لإرتداء ملابسهن كاملة بالحجاب طوال اليوم!، خوفاً من تصويرهن واستغلال هذه الصور ضدهن، كما جرى مع الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح الذي تم تصويره من داخل زنزانته وهو يشرب مياه غازية لإثبات أنه غير مضرب عن الطعام. مع العلم أن هذه الكاميرات مراقبة من أكثر من 12 مكتب .. بدءا من رئاسة الجمهورية حتي ضابط الاتصال في السجن، مرورا بوزير الداخلية ورئيس قطاع الأمن الوطني ورئيس قطاع السجون وضباط الأمن الوطني المسئولون عن السجون، وانتهاءا بأربع جهات داخل السجن نفسه. وتؤكد المعتقلات أنهن مراقبات على مدار الساعة وأنهن يتناوبن فترات النوم حتى تقوم كل معتقلة بإيقاظ زميلتها إذا انكشف منها شئ من جسدها أثناء النوم. وتطالب المعتقلات بوقف هذه المهزلة التي تنتهك أدني حقوق الخصوصية وتمثل وسيلة ابتزاز وتحرش واضح ضد المعتقلات، كما أنهن يتوجهن بهذه الشكوي للمجلس القومي لحقوق المرأة وكل المدافعات عن المرأة في كل العالم لوقف هذه الكارثة غير الأخلاقية التي تقوم بها وزارة الداخلية ضد المعتقلات السياسيات.

#الداخلية_تتحرش_بالمعتقلات

#انقذوا_المعتقلات_من_كاميرات_الداخلية

#عشرية_القمع #مصر #FreeThemAll

وثائق السجون المغربية حوار ناذر مع الاخ محمد الشطبي رحمه الله من اقبية السجون المغربية عام 2003م

هذا حوار مع أحد المختطفين المعتقلين الذين أنكر وزير حقوق الإنسان وجود حالات عنهم، وغير وزير الاتصال صفتهم من الاختطاف إلى الاعتقال. محمد الشطبي مواطن مغربي مسلم عمرة ثلاثون سنة، أحب أفغانستان وسافر إليها ليقدم لمسلميها خدمات اجتماعية ومادية انطلاقا من واجب التضامن الإسلامي، كما يكشف في هذا الحوار الذي خص به جريدة “التجديد” عبر أجوبة من السجن بناء على أسئلة قدمت له سلفا، ويمضي المختطف المعتقل ليكشف كيف تم اختطافه بعد عودته من أفغانستان، وأساليب التعذيب الرهيبة التي مورست عليه وعلى أخيه كمال. وعلى باقي المختطفين والمعتقلين دون أي خرق للقانون بالمملكة المغربية. تهمتهم الوحيدة هي أنهم شاركوا في الجهاد الأفغاني، وصلتهم بالمجاهدين الأفغان والعرب. وكما يكشف المختطف المعتقل عن بعض المختطفين المغاربة وغير العرب الذين استقدموا من المعتقل الأمريكي السيء السمعة غوانتانامو، ويصر الرجل المختطف على أنه لم يرتكب شيئا ضد بلده ويرجو له الخير، ويناشد الجمعيات والمنظمات الحقوقية والإعلامية للوقوف إلى جانبه وجانب المختطفين في محنتهم حتى تضمن لهم على الأقل المحاكمة العادلة وأن تثبت براءتهم من التهم الملفقة
المنسوبة إليهم.
محمد الشطبي.. أنت مختطف ومعتقل الآن بسجن عكاشة بالدار البيضاء. ولكن سبق لك أن سافرت إلى أفغانستان، كيف سافرت إلى هناك ولماذا؟
لقد سمعت وقرأت عن أفغانستان الشيء الكثير وتحسست معاناة المسلمين هناك رجالا ونساءا وأطفالا، فراودتني فكرة الذهاب إلى هناك والوقوف على مأساة هذا الشعب المسلم عن قرب خاصة بعد أن حدثني بعض الأصدقاء بإسبانيا عن إمكانية الانخراط في العمل الإغاثي التطوعي الذي أحبه منذ الصغر. والذي كانت تقوم به بعض المؤسسات القليلة هناك، والأمر يتعلق بمؤسسة الوفاء الخيرية التي قصف مقرها بكابل وجمدت أرصدتها في كل مكان والتهمة طبعا معروفة ومعلومة.
وبالفعل فقد قررت الذهاب إلى أفغانستان وذلك في أواخر يوليوز 2001، وبالمناسبة فقد ارتأيت أن أصطحب معي أخي كمال (20 سنة) ليقضي العطلة الصيفية معي، خاصة وأنه كان ضعيف التدين وخفت إن أنا تركته وحده في إسبانيا أن يزيد تأثره بالبيئة الفاسدة وبرفاق السوء الذين كان يعرفهم هناك.
وصلنا إلى هيرات أوائل شهر غشت انخرطنا مباشرة في العمل التطوعي الإغاثي بمخيمات اللاجئين الأفغان على الحدود الأفغانية الإيرانية، وحقيقة كانت أوضاع الناس هناك مزرية للغاية خاصة الأطفال والنسوة. مما يجعل القلب يتفطر كمدا على هؤلاء، بحيث لا يجدون طعاما أو شرابا ولا دواءا بينما خيرات المسلمين وأموالهم تنهب نهبا وما بقي منها فمكدس في بنوك أوربا وأمريكا…

باختصار فقد مكثنا حوالي الشهر والنصف بهيرات وقندهار، وبعدها حل ما حل بأمريكا من تلك الضربات التي خدشت كبرياءها وأسقطت الكثير من ادعاءاتها بمعرفة كل شيء والتحكم في أي شيء..، فبدأت التحرشات بالإمارة الإسلامية في أفغانستان وبالمجاهدين العرب الموجودين هناك وعلى رأسهم أسامة بن لادن… فوجدنا أنفسنا ملزمين بالتحرك إلى “كابل” حيث وجود العرب على الخط الأول مواجهة مع قوات التحالف الشمالي، أخذنا مواقعنا مع المجاهدين العرب والطالبان وغيرهم على السواء. وهذا الأمر أي (وجودنا في خط المواجهة) لم يكن منه مفر لا من الناحية الشرعية امتثالا لقوله عز وجل (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر) ولا من الناحية الواقعية. فبقينا بهذه المواقع قرابة شهر ونصف تحت قصف الطيران الجبان. ننتظر الإنزالات المزعومة للأمريكان أو تقدم قوات الشمال، لكن شيئا من هذا لم يحدث، بحيث اختارت أمريكا كعادتها قتال الجبناء، أي الاعتماد على القصف العشوائي الذي تضرر منه المدنيون بشكل كبير جدا. مما دفع بالملا عمر أن يعطي أوامره بالانسحاب حفاظا على أرواح المدنيين. هذا الذي لم يتقبله كثير من المجاهدين داخل أفغانستان أو خارجها. والذي لا
يعرف العقلية الأفغانية يصعب عليه تفهم هذا التصرف (الانسحاب) ولكن الأفغان بحكم طبيعتهم الصلبة ليس عندهم مثل تقديراتنا للأمور، ففتح كابل أو سقوطها لا يشكل عندهم أمرا خطيرا كما نعتبره نحن. فتقديراتهم أنهم ماداموا في جهاد وماداموا يحملون السلاح فإنهم سينصرون وسيعاودون فتح كابل اليوم أو غدا. فالحرب سجال.

بعد سقوط كابل انتقلنا إلى جبال “خوست” (ستكاندو) غير بعيد عن جبال (شاهي كوت) حيث جرت الملحمة العظيمة والمعركة التاريخية (شاهي كوت) التي اشتشهد بها أعز الأصدقاء على قلبي الأخ هشام عنقود المكنى بأبي بكر رحمه الله 23 سنة.
لزمنا تلك الجبال طيلة شهر رمضان المبارك ونحن ننتظر مجيء الأمريكان والإنجليز في لهف وشوق، ولكن الجبناء الذين يملكون أكبر قوة في العالم عددا وعدة أخلفوا الموعد مرة أخرى والتزموا طريقتهم الخبيثة وهي الاعتماد على القصف العشوائي للمدنيين والإيعاز للمنافقين من أجل ترهيب الأهالي من وجود العرب، حتى أصبح وجود العربي في قرية من القرى معناه المسح الكلي لهذه القرية… فجاءت الأوامر مرة أخرى بإخراج كل العرب من أفغانستان مادام أنهم أصبحوا المستهدفين الرئيسيين في معركة غير متكافئة… فخرجنا إلى باكستان عبر مجموعات وبمساعدة رجال القبائل ووقفاتهم البطولية إلى جانب المجاهدين العرب. فقد خدموا المجاهدين خدمة جليلة ومؤثرة لا يمكن أن تفسر إلا بصدق انتسابهم لهذا الدين. كنا نغادر القرى والقبائل بأصوات بكاء النساء وتعلق الأطفال بنا ودعواتهم. تعلمنا من أولئك البسطاء دروسا قوية في معاني الأخوة ونصرة المسلمين وتحمل المخاطر المهلكة من أجل التيسير على المعسرين. فجزاهم الله خير الجزاء.
متى تم اختطافك وهل تحكي لنا عن ظروف ذلك وأين ذهب بك المختطفون؟ وماذا فعلوا بك؟
عدنا أدراجنا المغرب لأجد نفسي في دوامة يشيب لها الولدان أنسانا أبطالها جرم أمريكا ووحشيتها على شعب أفغانستان المسلم. ذلك أني بعد أن أمضيت عيد الأضحى لسنة 2002 بالمغرب عدت إلى إسبانيا شهر أبريل لأتدبر أموري هناك. ففوجئت بمكالمة من المغرب تخبرني بأن المخابرات اقتحموا بيت أحد الأسر بحينا وهم أصهار لأحد الإخوة (بريطاني مسلم) استشهد في أفغانستان، يبحثون عنه حينما علموا عن صداقته لي. ومنذ ذلك الحين بدؤوا في البحث عني ووضعوا بيتي وأسرتي تحت المراقبة إلى أن تم اختطافي يوم 29 شتنبر 2002 ،بعد أن عدت للمغرب لزيارة والدي المريض الذي كان طريح الفراش، حيث قاموا بمحاصرتي بأعداد هائلة من الأفراد والسيارات في أحد الأحياء الشعبية وهددوني بإطلاق النار إن أنا أبديت أية مقاومة، فأخذوني في سيارة بعد أن عصبوا عيني وأشربوني بعض الماء من قارورة كانت معهم شعرت بالدوار وفقدت توازني ولم أستيقظ إلا وأنا بإحدى الزنازين الانفرادية عرفت فيما بعد أن المكان قرب مدينة تمارة من خلال أصداء وتشجيعات الجماهير عشية نهاية كأس العرش في كرة القدم التي كانت تصل للزنازين من المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بضواحي تمارة. هناك

بدأت رحلة أخرى ليس إلى أفغانستان ولا إسبانيا ولكن رحلة العذاب والمآسي بحيث سأفاجأ بصوت أخي كمال وهو يصرخ من العذاب. فعلمت أنهم اختطفوه هو الآخر، من مركز الحدود باب سبتة، حيث صرح لي بعد ذلك بأن شرطة الحدود سلمته للمخابرات فأخذوه إلى معتقل تمارة، الذي مكثنا فيه ما يقارب الشهرين، وفي الحقيقة لا أعرف كيف أصف لكم ما عانيته هناك طيلة هذه المدة من تعذيب جسدي ونفسي حيث أصبت بالهوس والجنون والهذيان إلى درجة أني حاولت الانتحار بغير شعور رغم علمي بحرمة ذلك. لكن الأمر كان فوق طاقتي بكثير. وعلى كل حال فقد تفنن أبطال معتقل تمارة “الأشاوس” في التنكيل بي فبين ضرب وركل وتجريد من الثياب وتهديد بإحضار الزوجة والأم والأخت واغتصابهن، وإيقاظ بالليل، وأصوات صراخ الإخوة واستغاثتهم، والإهانات وسب الدين والرب عز وجل حتى في شهر رمضان المبارك أمام المختطف والكلام البذيء الذي لا يتفوه به إلا السفلة والساقطون،… و..
فقد كان اليوم يمر هنا كالسنة والسنتين من جراء تلك الجرائم التي تذكرنا بما سمعناه عن محاكم التفتيش وبطش اليهود ضد الفلسطينيين.
وبعد أن مرت تلك الأيام العصيبة 50 يوما أو أزيد بقليل حملوني ذات صباح إلى سيارة معصوب العينين لأفاجأ بأخي كمال هو الآخر متواجدا بها بعد أن كنت أظن أنهم قد أطلقوا سراحه لصغر سنه وبراءته فهو لا يعرف شيئا ولم يفعل أي شيء يخالف لا القانون الأرضي أو السماوي، فأخذونا بعد ذلك إلى ولاية الأمن، لأجد نفس الصوت الذي كان يسألنا في الأيام الأخيرة بمعتقل تمارة يعيد علينا بعض الأسئلة بعدها أمروني بإمضاء بعض الأوراق كانت حالتي الصحية جد متدهورة لا تسمح لي بالامتناع عن التوقيع خاصة وأنهم هددوني بالعودة إلى تمارة. وبعد ذلك قدمونا إلى النيابة العامة التي أمرت باعتقالنا أنا وأخي كمال تحت طائلة من التهم الباطلة والتي لا أصل لها ولا فصل منها تكوين عصابة إجرامية والتزوير والهجرة السرية و… و… و…
ما نوع الأسئلة التي كانت توجه إليك وكيف كنت تجيب؟
تتعلق الأسئلة بسفري إلى أفغانستان: طريقة السفر والأعمال التي قمت بها هناك والتداريب والأفراد المغاربة الذين التقيتهم وقد كانوا يركزون على بعض الأفراد كثيرا. ثم عن الأفراد الذين أعرفهم بأوروبا وبعض الدول الخليجية، وعن بعض الأفراد الذين يسكنون بسلا خاصة المتهمين منهم ببعض الأفعال، كما عرضوا علي مئات الصور لأشخاص أغلبهم مغاربة وبعضهم أجانب. اعترفت لهم بكل ما أعرفه من معلومات لعلمي أن هذه المعلومات لا تشكل خرقا للقانون وليس فيها إيذاء لأحد. فحتى من عرفتهم بأفغانستان لا أعرفهم إلا بكناهم، ولكن المشكل كان يقع حين يسألونني عن شيء أنا لا أعرفه فيظنون أني أكذب عليهم فيكون رد فعلهم هو مزيد من الضرب والعذاب حتى أضطر لمداراتهم بأي طريقة حتى بالكذب. ولذلك فإنهم لما لم يجدوا أي دليل على ارتكاب أي عمل يخرق القانون لفقوا تلك التهم التي أشرت إليها كتبرير لاختطافي، بل صرحوا لي أنه لولا أن خبر اختطافي وأخي كمال شاع في الداخل والخارج لبادروا لإطلاق سراحنا!!
هل التقيت ببعض المعتقلين المستقدمين من معتقل غوانتانامو الأمريكي في المعتقل السري بتمارة كما أشرتم في بيان الاضراب عن الطعام؟

بخصوص الإخوة المستقدمين من غوانتانامو فقد أكد لي أحد الإخوة وهو موجود معنا هنا بعكاشة بعد أن قضى هناك بتمارة ثلاثة أشهر وأن معنوياتهم عالية وأنهم استقدموا 23 فردا منهم واحد موريطاني، وقد كان دائم الصياح والاحتجاج على تواجده هناك بتمارة. كذلك الشيخ أبو عاصم (محمد تبارك) وهو من قدماء المهاجرين لأفغانستان وكذلك محمد العلمي المكنى أبو حمزة، والأخ سعيد بجعدية. وأبو حمزة البرطاني شاب من أبوين مغربيين مولود ببريطانيا يده مبتورة جراء القصف على جبال (طورة بورة) و(أبو أحمد الشنقيطي) و(عبد الفتاح الطباخ) من بريطانيا و(عبد الرحيم الفقيه) من مواليد بلجيكا وغيرهم وقد كان أحد الإخوة يكلمهم خلسة من تحت باب الزنزانة، كما أنهم جاءوا ببعض الإخوة من سوريا في حالة صحية يرثى لها جراء ما تعرضوا له هناك على يد المخابرات السورية. منهم الشاب (أنور الجابري) 23 سنة يكنى (جليبيب) وهو مكسور اليد والأنف والأخ المكنى شعيب صاحب الجنسية الإيطالية وزوجته كذلك إيطالية. وهناك أيضا بعض الإخوة من السعودية منهم (أبو عاصم) المكنى (الدّبْ) وغيره ممن لا نعرف أسماءهم ولا كناهم، وخير استقدام هؤلاء الأسرى صرح به أيضا بعض المحققين
بحيث جعل يعرف بهذا الاستقدام في معرض حديثه عن رجولة المغاربة (يعني المخابرات) وأنهم جاؤوا بهؤلاء المغاربة من غوانتانامو حماية لهم. زعموا!!
من التهم الموجهة إليك وإلى أمثالك أنكم من سما يسمى “السلفية الجهادية”. ما حقيقة ذلك؟
أنتمي لهذا الدين العظيم انتماء من يشهد شهادة حق بأن الله رب لا رب سواه وبأن نبينا محمدا قدوتنا

إننا نظن أن الاختطاف والتعذيب وتلفيق التهم الباطلة وترويع الأهالي وبث الذعر في أوساطهم لا يخدم قطعا مقتضيات دولة الحق والقانون التي جعلها ملك البلاد أملا وهدفا على حد سواء. بقدر ما تؤسس هذه التصرفات الرعناء للمفهوم الحقيقي وليس الجديد للسلطة، هذا المفهوم الذي تجذر عبر محطات بائسة من تاريخ المغرب وأصبح من الصعب مفارقة وسائل البطش والاعتداء الصارخ في سبيل تحقيق الاستقرار المزعوم. وكأن رواد هذا المفهوم القديم/الجديد يجهلون أو يتجاهلون أن الظلم لا يولد إلا الظلم والعنف لا يؤدي إلا إلى عنف مضاد، وأن الإرهاب الحقيقي هو إرهاب الدولة ضد أبناءها ومواطنيها الذين لا تقل غيرتهم على بلدهم عن غيرة غيرهم، بل غيرتهم أشد وأعظم لأنها غيرة حقيقية لا غيرة مصالح ومناصب…
ولا نكفر أحدا من المسلمين من الذنوب الغير مكفرة ما لم يستحله، نرجو للمحسن ونخاف على المسيء.
وعليه فإن خيار الاختطاف والإخفاء القسري، والتعذيب الذي يمارس في السر والخفاء ويقابله الإنكار والتكذيب في العلن كما هو شأن الوزير المكلف بحقوق الإنسان ليس خيار العقلاء، علما بأن هذه التصرفات لا يمكن أن نعزلها عن سياق الحرب العالمية على الإسلام وأهله التي تتولى كبرها أمريكا راعية “السلام والأمن العالميين”!!!. وعليه فإن الانصياع التام لأوامرها وتوجيهاتها مقابل مصالح مزعومة ليس له حد إلا بأن يفارق كل المغاربة دينهم الذي ارتضاه الله لهم، مصداقا لقوله تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ولا يتم ذلك إلا بالضرب على أيدي المصلحين عموما والإسلاميين خصوصا وإن اختلفت أفكارهم وتلويناتهم. وفسح المجال أمام تيار الزندقة من أهل الزيغ والانحراف عبر بعض الجرائد والمجلات والسينما وغيرها من الوسائل الهدامة. ولذا فإن دور العلماء في رد هذا العدوان الهمجي دور مهم ومحوري. ودور أصحاب المنابر الدعوية عموما موأصحاب المنابر السياسية خصوصا دور حيوي في مدافعة أهل الفساد والإفساد بكل الوسائل.
وبالمناسبة فإني أناشد باسمي واسم المعتقلين فيما يسمى “السلفية الجهادية” الذين يعتبرون أول ضحايا الحرب العالمية على “الإرهاب”/الإسلام بالمغرب. أناشد كل الشرفاء من جمعيات ومنظمات حقوقية وهيئات إنسانية وأحزاب إسلامية وعلماء وطلبة علم بأن يقفوا مع إخوانهم في هذه المحنة حتى نضمن على الأقل المحاكمة العادلة التي تقتضي بأن يتابع المرء بما عمل فقط، وليس بما لفق له من تهم باطلة نحن منها مبراء مائة في المائة.
وأشكر جريدتكم الغراء على ما تبذله من جهد لنصرة المظلومين. والسلام
حاورته خديجة عليموسى

التجديديوم 05 – 02 – 2003

https://www.maghress.com/attajdid/10622

رمضان وتفتيشات السجون ..

شهر رمضان هو شهر الرحمة.. رحمة للفقراء.. رحمة للمعتقلين.. رحمة للناس أجمعين.

لقد كان شهر رمضان كله رحمة على المعتقلين.. فحينما يهل الشهر الكريم تتوقف تفتيشات مصلحة السجون.. وما أقسى هذه التفتيشات وأشدها على نفوس المعتقلين.

فهو ليس تفتيشا ً بالمعنى الدقيق إذ لم يكن لدى المعتقلين الإسلاميين أي شيء سوى بطانيتين قديمتين ينام بهما على الأرض فلا يغنيانه شيئا ً من برد الشتاء فلا يدري أينام عليهما ليحول بين جسده ورطوبة البلاط أم يتغطى بهما ليتوقى البرد.

لقد كان التفتيش عبارة عن تكدير وإهانة وإهدار للكرامة الدينية والإنسانية للمعتقلين.. وفي فترة التسعينات كانت التفتيشات في كل أسبوع أو أسبوعين من المصلحة.. وبين الحين والآخر من السجن نفسه.. وكانت التفتيشات تبث الرعب في قلوب المعتقلين من الجنائيين والإسلاميين على السواء.

وكان الإخوة يمكثون كل يوم مستيقظين بعد صلاة الفجر يدعون الله ويلجأون إليه ويستجيرون بحوله وقوته سبحانه أن ينجيهم من هول التفتيشات.. وأن يمر اليوم بسلام.. ولا يغمض لهم جفن حتى تأتي الثامنة صباحا ً ويفتح الشاوشية العنابر دون تفتيش.

وكانت قوات مصلحة السجون تسبق المخبرين وضباط المباحث في التفتيش بنصف ساعة تقريبا ً تصيح خلالها صيحات مدوية داخل السجن: “هو.. هو.. هو.. هو..” في صوت واحد كالرعد يجعل دقات قلب المعتقلين تتسارع في الدق.. يصاحبها نباح فظيع من الكلاب البوليسية الخاصة بمصلحة السجون.. مع كل نبحة كلب تزداد دقات القلوب.. ويدب الرعب في النفوس.

ثم تأتي لحظة دخول القوات للعنابر وفتح الغرف.. واصطفاف المعتقلين بوجوههم إلى الحائط وهم يرفعون أيديهم كالأسرى.. وقد يضربون تنفلا ً من الجنود والمخبرين حتى لو لم يأمروا بذلك.. فهو كالكلأ المستباح.

ثم يتم بعثرة كل شيء: السكر على المنظفات.. والشاي على الرابسو.. والعسل على الدقيق.. وهكذا يتم خلط المتناقضات مع بعضها حتى لا يستفيد المعتقل من أي شيء فيها.

ويتم استلاب ما يمكن استلابه إن كان المعتقل غنيا ً أو ثريا ً.. أو تلطيش المعتقلين في نهاية التفتيش.

أما لو وجد كتاب أو قلم أو كراسة فهي المصيبة التي لا تغتفر.. وأذكر في مرة من المرات أن ضرب عنبر كامل في سجن العقرب لأنهم وجدوا في إحدى غرفه أنبوبة قلم جاف.. ومعظم الذين ضربوا في العنبر كانوا مهندسين وأطباء وعلماء وخريجي جامعات ومن أسر فاضلة.

وكانوا يصادرون كل شيء بحجة أنه ممنوع.. وكان هناك رئيس مباحث غريب الأطوار في ليمان طرة اسمه “هشام”.. وكان مولعا ً بمصادرة الحلل وأطباق الألمونيوم وأكواب الشاي الزجاجية والملاعق من المعتقلين السياسيين الإسلاميين الذين لم يستخدموا هذه الأدوات أبدا ً للإخلال بأمن السجن.

وكنا نمزح دائما ً بعد التفتيش ونقول:

إن لديه عقده من هذه الأشياء.. ولا ندري ماذا تفعل زوجته.. هل تخفي منه حلل المطبخ أم ماذا؟

وتفتيشات التسعينات هذه كانت تنتهي دوما ً بإلقاء قنبلة غاز تفاريح على العنبر بعد نهاية التفتيش.. وكان يفعل ذلك قائد القوات.. وكان اسمه “عمر بيه” وكان جبارا ً عنيدا ً.

والحمد لله ضبط متلبسا ً مع سكرتيرته في وضع مخل.. وضبط وقد استولى على المرتبات التي تعطى للجنود في نهاية خدمتهم بعد أن كان يجبرهم على التوقيع على الكشوف.. فطرد بعد ذلك من الداخلية.

وقد كان الجميع يدعو على هذا الرجل باستمرار دون انقطاع.. لأنه كان حرامي ولص.. وفي الوقت نفسه كان جبارا ً ومجرما ً.. وكنا نقول لأنفسنا:

ما دمت لصا ً وعلى رأسك بطحة.. فكن رحيما ً حتى لا تجمع بين السوأتين.

وهذه التفتيشات المستمرة أدت إلى حالات من الاكتئاب والقلق المرضي واضطراب ضربات القلب بين المعتقلين.. فآه .. ثم آه.. ثم آه من قهر الرجال الذي استعاذ منه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في دعائه المعروف.  

حتى أن كثيرا ً من المعتقلين الجنائيين كان يعالج عندي من هذه الأمراض.. وبعضهم كان يقول لي:

“عندما اسمع ضربة المفتاح في الباب تزداد ضربات قلبي من الخوف من المجهول”.

وبعضهم أصيب بالرهاب النفسي.

فإذا جاء شهر رمضان تنفس المعتقلون الصعداء.. وقالوا جميعا ً:

جاء شهر الفرج.. لن نسمع الكلاب ونباحها.. ولا الجنود وصيحات: “هو.. هو”.. ولا: “وشك للحيط”.. ولا قنابل عمر بيه.. ولا مصادرة كل شيء حتى الحلة الصغيرة أو السخان البسيط.

ويبدأ الشعور بالأمن والأمان والسكينة وفتح الزنازين لقيام الليل وتوزيع الطعام للفقراء والمسكين وتغمر السكينة الجميع.

إنه شهر رمضان شهر الرحمة.. الرحمة لكل أحد حتى المعتقلين

السبت الموافق

27-9-1432هـ

27-8-2011

قراءة في كتاب “عائد من المشرحة” لأحمد حو – عبد الرحيم مفكير

أحمد حو يعود من طاولة المشرحة ومخالب الموت، ليكشف بعضا من المستور عن مغرب الاعتقال وانتهاك حقوق الإنسان في مرحلة عصيبة من تاريخه، سنوات الجمر والرصاص. من حي الإعدام حيث كان يموت كل يوم، يطارده شبح المشنقة أو الطلقات النارية، نجا بقدرة إلهية، وتدرج في العقوبة من الإعدام مرورا إلى العفو الذي لم يطلبه، وألحت أمه التي واكبت أحداث الاعتقال وتعرضت هي ووالده لكل أشكال الاستفزاز والحيف، أن لا تخط أنامله رسالة العفو، لأنها بكل بساطة اعتراف بجريمة لم يقترفها أحمد الذي زج به في السجن، وهو في ريعان الشباب، ليأخذ منه زهرة عمره، 15 سنة (1983 /1998). لمجرد رفع لافتة تطالب بالعدالة الاجتماعية، وتخليدا لذكرى شهداء 81 م. ابن الشبيبة الإسلامية تأتيه الطعنة من قيادة التنظيم الذي انتمى إليه وهو يبحث عن الحقيقة حيث تدرج بين تنظيمات ذات مرجعية إسلامية، ليجد نفسه في حي الإعدام.

زيارة مفاجئة للموت:

في زوال يوم شديد الحر لمحتهم وهم يحملون “الحاج ثابت” إلى حتفه، كان من عادته كلما نودي عليه للزيارة يمشي بخيلاء وعنجهية، قاسي النظرة قوي الشكيمة لكن في يوم إعدامه كان يمشي على رجليه ويكاد يسقط رغم قوة بنيته. ولم يصدق كل ما قيل له عن أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تنقيل روتيني، أحسست كأني أنا المساق إلى الموت لا أكاد أشم إلا رائحة الموت من حولي لم يعد بعد ذلك اليوم أمان، فقد أعدم يوم عطلة أسبوعية وهو يوم الأحد في واضحة النهار، وهو ما يعني أن الموت لم يعد زائرا منتظرا في الليل فقط، بل أيضا في عز النهار، ولم يعد الإعدام مختصا فقط بقاطني حي الإعدام بل فقط يكفي ان تكون محكوما بعقوبة الإعدام ولا يهم أي حي سجني تقطنه، وحتى في أوقات الراحة والعطل كانت الحركة تتوقف في أيام السبت والاحاد وفي العطل ومع سكون الحركة تهدأ النفوس، لكن بعد إعدام الحاج ثابت كل المعايير انقلبت، حتى مزاعم أن المغرب الذي لم يعد ينفذ عقوبة الإعدام، بعد سنة 1981م تبخرت، فعاد الموت يرفرف علينا بجوارحه بقوة وأكثر مما مضى، ليال وشهور قاسية مرت علينا بعد إعدام الكومسير المذكور، لم يعد للنوم أو للأكل طعم، فكل الآمال تبخرت وأصبح الموت قريبا منا بعد أن كان بعيدا عن حي الإعدام وعن المحكومين بالإعدام في أي سجن أو أي حي كانوا لأكثر من عقد من الزمن”.    هي أيام بلياليها خيم فيها شبح الموت على أحمد، وطيفه لم يفارقه، لا يمكن لعاقل أن يتخيل نفسية أحمد ومن معه، ممن انتظروا، حتى تمنى الواحد منهم إنهاء هذا الألم والكابوس المزعج بنزع الروح من جسد لم يعد يستنكر التعذيب لكثرة ما مورس عليه.

مسار ناج من الموت:

عائد من المشرحة لأحمد حو شهادة عن سنوات عجاف من تاريخ المغرب، سرد بكل عفوية ودون تكلف عن وقائع وتجربة وراء الشمس بآلامها وآمالها، حديث عن الطفولة والبحث عن الحقيقة والنضال السياسي، سيرة كشفت عن بعض البقع الكالحة، والقضايا الخفية والعصية عن التفكيك والتحليل، سيرة هي عصارة تجربة أليمة ستلقي به في مواجهة الموت الذي بقي كظله لا يفارقه طيلة أكثر من عقد من الزمن حيث أدين سنة 1984 بحكم الإعدام إثر تضامنه وثلة من رفاقه مع ما أسماها آنذاك وزير الداخلية ادريس البصري “انتفاضة شهداء الكوميرا”.

في “مقبرة الأحياء” أو “حي الإعدام”، كما يحلو لل”حو” أن يسميه، بدأت الرحلة الطويلة بعد الحكم عليه بالإعدام، الشاب أحمد الذي لم يتجاوز عمره ال 24 سنة، لما كان يمعن النظر في حي باء وفي ساكنته ويرى أن حي الموت هذا الذي يشبه الهلالية في تصميمه والذي يحتله صمت رهيب، كان دائما يحيره السؤال ماذا يصنع هنا؟ وهو الذي لم يسفك دما وجرمه الوحيد أنه كتب شعارات منددة بالنظام، يطيل النظر في المشرحة فلا يجد إلا جرائم الدم المشفوعة بالتشديد فمن قتل أكثر من اثنين أو قتل وأحرق الجثة أو قتل واغتصب.. إلخ.

جاور الموت وبقي في سجال جدلي معه، في كل حركة، مفتاح أو دبيب خطى حارس، وفي كل همسة وسكنة وفي دياجير الليل وفي واضحة النهار، ساحاته وزنازنه كأنها تنطق جهارا بكل الذين زاروه وسيقوا إلى ساحة السجن أو غابة المعمورة لينفذ فيهم الإعدام رميا بالرصاص.

عاشر قافلة من الشهداء والقتلة زارته من حدب وصوب، من مقاومين تظاهروا أيام الاستعمار في غشت1953م، ومن معارضين سياسيين وقوافل من الشهداء من أمثال عمر دهكون ورفاقه، وادريس الملياني وانقلابي قصر الصخيرات والطائرة الملكية كالملازم كويرة والكونولين محمد أعبابو، وذكريات مع مغتصبين للأطفال والنساء من شاكلة المتشوق والحاج ثابت، إنها بالجملة مشرحة لا تشم فيها إلا رائحة الموت الزؤوم.

أحمد قاوم الموت ولم ينهزم أمامه، كان مفروضا عليه أن يقارعه في موطنه، أن يحدق فيه بعينين حادتين، لدرجة أنه في كثير من الأحيان يستنجد بالموت لمقارعة الموت، ولذلك فلا غرابة إن كان يدخل في إضرابات مميتة لدرجة أن الأطباء المتابعين لوضعه الصحي لم يترددوا ذات مرة في الإعلان عن موته، وتسجيل شهادة وفاة له يقينا منهم أنه من المستحيل أن يعود للحياة، وكان الهجوم على الموت في عقر داره هو الذي بمنحه في كثير من الآحايين تحدي الموت والهروب من مخالبه.

أحمد المتعدد:

لا يمكنك لك أن تسجن أحمد في زاوية ضيقة بالرغم من انتسابه مبكرا للحركة الإسلامية، وتدرجه في البحث عن الحقيقة من البوتشيشية مرورا بجماعة التبليغ والشبيبة الإسلامية وانتهاء بالحركة من أجل الأمة، فالرجل عصي عن التصنيف، إنه المتعدد في الواحد، لأنه جعل من الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته عقديته، الذي لا تميز بين الخلائق بالنظر إلى انتماءاتهم، وإنما من منطلق آدميتهم.

ومن هنا جاءت سيرته/مذكراته “عائد من المشرحة” محاكمة لشخوص وأحداث سنوات الرصاص وما ترتب عنها فيما بعد، شملت مختلف الطيف السياسي للتيار الإسلامي ومكونات اليسار خصوصا منه الراديكالي، وقد لامس تجربته من منظوره قضايا ساخنة، وفي كثير من الأحيان صادمة طلوعا وهبوطا، وأصعبها والتي ما زال الغموض يحوم حولها قضية اغتيال الزعيم الاتحادي عمر بن جلون، الذي ما زال طيفه يراود أبناء حركة الشبيبة الإسلامية، ليؤكد ولأول مرة أن أحد المتورطين، وقد عاشوا معه في زنازن الإعدام سنين عديدة، أنهم في ليلة ما قبل ارتكاب جريمة الاغتيال، اجتمع معهم عبد الكريم مطيع رئيس جمعية الشبيبة الإسلامية. وأمرهم بقوله: اقتلوه ولا تفلتوه“. شهادة صادمة قد تميط اللثام على حقائق كثيرة.

كما تطرق” عائد من المشرحة”، إلى حركات إسلامية مغربية شغلت الساحة الوطنية وماتزال من قبيل حركة الشبيبة الإسلامية والعدل والإحسان وجمعية الجماعة الإسلامية حركة التوحيد والإصلاح حاليا، واستفاض في ذكر عبد الإله بن كيران وموقفه منه، وتحدث عن اليسار خصوصا منه الراديكالي في شقيه “23 مارس” و” إلى الامام” والمرتبط أساسا بتجربة الاعتقال، وذكر  شخوصا وأحداثا عاينها أحمد خلال تجربته المريرة سواء في فترة اعتقاله أو بعد الافراج عنه من تلك الشخوص الناجون من تازمامارت، محنة الفقيه الزيتوني، إعدام الكومسير ثابت، نفي المعارض اليساري ابراهام السرفاتي.

وماذا بعد:

” هرمنا وتعبنا وكدنا أن نموت … من أجل هذه اللحظة”

إنه يوم 5 شتنبر 2016 م افتتاح مقبرة ضحايا أحداث البيضاء 1981 م كان حدثا استثنائيا بالنسبة لأحمد فبعد 33 سنة من اعتقاله بسبب تعليق لافتات، وكتابة شعارات، احتجاجا على العنف والقتل الهمجي الذي صاحب الاحداث، ها هي قبور الذين قتلوا بغير حق ودفنوا في مقابر جماعية في جنح الليل، يتم تكريمهم وأصبح بإمكان المعذبين وعائلاتهم تأبينهم والترحم عليهم، ولم تعد قبورهم مجهولة. وتوجت مجهودات صاحب ” عائد من المشرحة” بتأسيس الهيئة المستقلة للتعويض وهيئة الانصاف والمصالحة، والمشاركة في تأسيس جمعية ضحايا سنوات الرصاص المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، وتم الوقوف أمام أبشع السجون السرية من بينها تازمامارت ودرب مولاي الشريف، الذي سامه جلادوه فيه سوء العذاب، وتابع أحمد عن قرب المفاوضات الممهدة لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، والاشتغال بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ونسخته المعدلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ينتظر أحمد العدالة الإلهية ليس من أجل التلذذ بآلام الآخرين حتى ولو كانوا من الجلادين الذين أذاقوا المعتقلين أنواعا من التعذيب والتنكيل، لأن نفوسهم الأبية لن تكون مصاصة للدماء وتحن لصنوف من الانتقام، فيكفيهم أن يعتذروا ويتخلوا عن مناصبهم السامية.

قبل القراءة:

لا بد قبل أن تقٍرأ الكتاب، ف”عائد من المشرحة ” كتاب جاء في سياق الكشف عن الحقيقة ونفض الغبار عن محطة تاريخية مؤلمة، تضمنت صورا ووقائع لم يطلع عليها الكثير من المغاربة، وتكتسي هذه المذكرة أهمية كبيرة بإمكانها أن تقطع مع مرحلة الحيف والظلم وتؤسس لمغرب العدالة والمساواة وحرية التعبير والديمقراطية، تأتي المذكرة في وقت تطالب فيه هيئات بإلغاء عقوبة الإعدام، وتحقيق المصالحة الوطنية والقطع مع الاستبداد. وتشد القارئ ل” عائد من المشرحة” صفحة الغلاف “الحمامة” التي تحلق عاليا وهي تحمل حبل المشنقة وتحاول إخراجه من سجن ظالم مظلم، توخيا للانعتاق والحرية وكسر قيود الظلم.

ولن تغني هذه الأسطر عن قراءة ” عائد من المشرحة” لأحمد حو عن دار الوطن والذي قدم له عبد النبي الشراط، والمحجوب الهيبة، ومحمد السكتاوي ويقع في 233 صفحة وتضمن مقدمة، وعشرة فصول الأول عنونه ب: قبل الاعتقال، الثاني: بدأ حملة الاعتقال، الثالث: الاستضافة وإكرام الوفادة بدار الحجاج، الرابع: الانتقال إلى مقبرة مقاومة كريان سنطرال، الخامس: محاكمة مجموعة 71، السادس: الرحلة نحو ألكاتراز المغرب، السابع: الانتقال إلى سجن عكاشة، الثامن: وأخيرا انفتح الباب الكبير للسجن، التاسع: عود على بدء، العاشر: وماذا بعد؟ كما ختمه بأربع ملاحق وصور شاهدة على مساره.

يشار إلى أن أحمد حو من مواليد المحمدية سنة 1959 م قضى أزيد من 15 سنة بداخل السجن باعتباره معتقلا سياسيا محكوم بالإعدام.

حصل على الاجازة في القانون الخاص عمل صحفيا بجريدة النبأ مختصا بحقوق الانسان، التحق بعد ذلك للعمل بالمجلس الاستشاري لحقوق الانسان، كلف بمعالجة الشكايات ثم مسؤولا عن تدبير الشؤون اللوجيستيكية، ومكلف بمهمة لدى الأمانة العامة للمجلس.

أحد مؤسسي المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف وعضو مكتبه التنفيذي.

عمل على بلورة تصور هيئة الانصاف والمصالحة المختصة بجبر أضرار سنوات الرصاص واشتغل بها، وهو أيضا أحد مؤسسي منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وناشط حقوقي ينتمي إلى منظمة العفو الدولية وينشط في مجال مناهضة عقوبة الإعدام.

24 يونيو، 2021