أرشيف الوسم : ادب السجون

فصول من ذاكرة الاعتقال والممارسة السجنية بالمغرب في سنوات الرصاص في متن كتاب «عائد من المشرحة

مغربنا 1 المغرب

«عائد من المشرحة «عنوان كتاب للأستاذ أحمد حو، صدر عن دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر، سنة 2021، وهو في سمته سيرة، سيرة كاتبه الأستاذ أحمد حو. والكتاب في 233 صفحة مجذذة في عشرة فصول تعقبها الملاحق، بما هي صور ووثائق.
»عائد من المشرحة» سمته سيرة، حسب إفصاح الكاتب، ويبقى كذلك، لولا أن القارئ يلفى فيه معنى آخر، صورة أخرى، قد تعكس وجها من أوجه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب. ومن حسن حظ الذاكرة أن تصادف من يبوح بها. وما أكثر الذين لم يمكنهم الحظ ليعيشوا لحظة يمكنهم الظرف من البوح. وأحبّ أن أعتذر الأستاذ أحمد حو، فقد أزيغ وأبخس تقديره بالقول: إن كتابك لا يندرج ضمن أدب السيرة، فقط، بل هو، أيضا، كتاب في الذاكرة. وعلى المؤرخين أن يشتغلوا عليه لاستخلاص المادة التاريخية.
وجدتني منبهرا بطاقة الرجل في التحمل، وأنا أقرأ الكتاب، حتى كدت أتراجع عن إجراء هذه القراءة. وفي الحقيقة، يظل إجراء القراءة في كتاب الذاكرة عمل يسئ للكاتب وللكتاب، ولو كانت القراءة سليمة من كل شية، لأن الذاكرة ذاتية، وهي في ملك الشخص الذي طوعت له نفسه أن يبوح. وأما تقدير صناعة الذاكرة وتمييزها من حيث كونُها ذاكرةً، أو بيانها من حيث غناها، وما إذا كانت حقلا خصبا للمؤرخ، فأمر جائز. ولست أدري كيف ستدافع عن نفسك، إن قيل لك، ما الذي حملك لتمس ذاكرتي أو ذاكرة زيد أو عمرو بالقرح؟ وباختصار، فإجراء القراءة في كتاب الذاكرة مجازفة، فمعذرة مني إلى الكاتب عن هذا الفعل. سأخفف الوطء ووقع المجازفة، وستقتصر قراءتي لهذا العمل الغني على بيان بعض أوجه الذاكرة فيه، وهي كثيرة. وإني أظن أن بيانها، أو بالأحرى إعادة إبرازها مفيد مادام الكاتب أمينا في إحساسه، حسنا في سلوكه وسيرته، عفيفا لا يبتغي من آدائه جزاء ونوالا.
نعم، إن الذاكرة ذاتية لذلك أحب أن أسجل أني لا أصادر بهذا الموقف مواقف أخرى إذ يمكن أن يأخذ الكتاب معنى آخر، وبعدا آخر، إذ «لا يسجل، فقط، سيرة أحمد الحو ومحنته، وهو شاب في مخافر الأمن السرية والعلنية، وليس فقط وثيقة تاريخية تكشف عن مجاهيل سنوات الرصاص، وكيف كان الجلادون يرتقون في سلاليم الإدارة بمعيار من هو أكثر مهارة منهم في صنع الملفات وتشكيل خلايا المعارضة وتوريطها في سيناريوهات مفبركة من العنف والاعتداء على الأمن، ثو تفكيكها وتقديم الضحايا المختارين بشكل عشوائي قرابين على مذبح السلطة، وليس كتابا يعري وجه السلطة البشع حينما تصير في يد الجلادين يمارسونها خارج القانون ومراقبة المجتمع، إنما هو أيضا ينبهنا إلى أن القطع مع هذا الماضي المخزي لا يمكن أن يتحقق بدون وضع حد للإفلات من العقاب»، يقول الأستاذ محمد السكتاوي، الصفحة 19 من الكتاب.
والأستاذ أحمد حو ثقي ذو قصد سليم، لذا فكل ما أفصح عنه يعد شهادة وجب أخذها كلها، وهي، كما قال الأستاذ المحجوب الهيبة، تشكل «مصدرا غنيا للمعلومات والمعطيات المتعلقة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان»، الصفحة 14 من الكتاب. فلا مجال لننثني، هنا، أو هناك، أو نزاوَرُ عن مجال الذاكرة. ذلك أن الكتاب تعبير عن «مرارة الحياة داخل السجن ودهاليز التعذيب»، كما قال الأستاذ عبد النبي الشراط، وهو يقدم الكتاب، فضلا عن «أن الكاتب صاحب المذكرات أبدع في وصف حقائق الأمور التي كانت تجري أمام عينيه داخل هذه الأماكن المرعبة والمظلمة»، يضيف الأستاذ الشراط. فما كان للقارئ إلا أن يصادف أن للتجربة «ما يميزها عن غيرها مما نسميه»، أدب السجون.
» عائد من المشرحة » تجربة إنسان واجه محنة حرية الاجتهاد داخل المعتقد، محنة اعتماد نهج معين في الدين، فكان صورة تذكارية لما حصل من مصادرة للحرية منذ العصر الأموي حيث ذُبح الجعد بن درهم، يوم عيد الأضحى، واضطهد المعتزلة، وعاش ابن رشد المحنة، وقطع رأس الفقيه الزقاق في بداية الدولة السعدية في المغرب. وكادت المشرحة تتكرر مع الكاتب الذي لم يرتكب ذنبا ولم تلصق بذمته زلة عظيمة أو لميمة.
»عائد من المشرحة» مذكرات «أحد ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا، التي اختارت في نهاية تسعينيات القرن الماضي تسوية ملفاته وفق آلية العدالة الانتقالية»، يقول الأستاذ المحجوب الهيبة. وإنها «مساهمة أخرى فيما يعرف بمذكرات الاعتقال السياسي أو آدابه». ويضيف الأستاذ المحجوب أن هذه المذكرات شكلت «مصدرا أساسيا في التعريف بتلك الانتهاكات والاستئناس بها في عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، إنها تساهم بما لا شك فيه في حفظ الذاكرة. وهو عنصر أساسي في تجارب العدالة الانتقالية».
ولما كانت الذاكرة صناعة مستحدثة في الخطاب المغربي المعاصر، لصاحبتها هيئة الإنصاف والمصالحة، التي لم تعمل ما ينبغي عمله لإبرازها بالوجه اللائق، إذ قدرتها عنصرا ضمن برنامج جبر الضرر الجماعي، لا يزال تصنيف الخطاب ضمن الذاكرة يواجه بعض التعثر، فيقتصر التقدير – تقدير الخطاب- أنه أدب السجون، أو مذكرات، أو خواطر. ولم يجر الاشتغال، بعد، في مدرجات الجامعات على الذاكرة، من حيث إبداعها لمادة أدبية، أو مادة سينمائية، أو مسرحية، أو مادة المؤرخ بالدرجة الأولى.
وقبل العروج إلى مواطن الذاكرة في الكتاب، جدر السؤال: لماذا العنوان، «عائد من المشرحة»؟
نعود إلى شهادة الأستاذ المحجوب الهيبة لنستشف مغزى العنوان »عائد من المشرحة». مفاد الشهادة أن السيد أحمد حو ضمن مجموعة 71 الذين اعتقلوا يوم 31 من غشت من العام 1983، وهو من الذين عذبوا بدرب مولاي الشريف، وحوكم بالإعدام يوم 30 من غشت من العام 1984، وكان نقله «إلى حي الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة مباشرة بعد الحكم عليه بهذه العقوبة القاسية والقصوى، أي: في 31 من غشت 1984». وقضى السيد أحمد حو «حوالي عشر سنوات محكوما بالإعدام، قبل تحويل هذه الأخيرة إلى عقوبة المؤبد سنة 1994»، وجرى «الإفراج عنه بموجب عفو شامل سنة 1998».
ولما صدر الكتاب سنة 2021 حسن العودة إلى السياق الذي يمكن أن يبطنه، السياق الذي «عرف تطورا ملحوظا فيما يخص عقوبة الإعدام». ذلك أن «ما يزيد عن ثلثي دول العالم ألغتها، إما قانونا وإما في الممارسة. كما أن عدد المحكومين بها وتنفيذها في حقهم آخذا في التراجع سنة بعد سنة عبر العالم، وخلال العقدين الآخيرين، ما يزيد عن خمسين دولة ألغت قانونا العقوبة المذكورة. وحسب إحصائيات دولية رسمية، وصل عدد الدول التي ألغتها قانونا أو في الممارسة 163 دولة، وبالتالي، فالتوجه العام يسير بصورة متواصلة نحو الإلغاء»، يقول الأستاذ المحجوب الهيبة، في الصفحة 16 من الكتاب. فالكتاب يبطن في طياته أملا حقوقيا، إلغاء عقوبة الإعدام، ونصرة الحق في الحياة.
ما هي أوجه الذاكرة في كتاب «عائد من المشرحة»؟
نسجل، في البدء، ومع الاطلاع على الفقرة من المقدمة، أن الكتاب وجه من أوجه الذاكرة، إذ صدر و«الساحة الأدبية قد حفلت بالعديد من المذكرات، التي تؤرخ لتجربة عصيبة عانى فيها الكثير من ويلات السجون والمعتقلات السرية والمنافي. ولذلك، كانت كلمة تجربة تختص بالدرجة الأولى بذكر ما وقع فيها، لأنها تعاش فقط»، الصفحة 25 من الكتاب. والتجربة تستصحب معها سمة من سمات الذاكرة، سمة الذاتية، وقد تمتد، عبر الذات، لتمس «المعتقل والمنفى بكل قوة في جسده وفي مشاعره وفي وعيه وفي محيطه». ويراد من الكتاب الانتقال بالذاكرة من الشفاهية إلى الكتابية. وقد مكنت تلك المذكرات والتجارب «بلادنا من توثيق قسم هام لذاكرته ولتاريخه الحديث»، الصفحة 26. ومما يميز تجربة الأستاذ أحمد حو، وبالأحرى، ذاكرته أنها تخص التيار الإسلامي، في الوقت الذي طفت فيه تجارب اليسار والعسكريين على السطح. هنا وجبت الإشارة إلى أن الذاكرة لا تخص المذهب السياسي بقدر ما تخص الإحساس واستعادة الماضي وجعلها يستمر في الحاضر. لذلك رأى الكاتب أن اللحظة «فارقة لاستعادة ذاكرو يحتاج المغاربة إلى الحفاظ عليها من الاندثار والنسيان»، الصفحة 26.
نسجل في الثاني أن الكاتب وقف عند لقطة الانتهاك، والأحداث التي انجر عنها الانتهاك، وحرص على نقل الحدث، إذ سطر لقطة سنة 1981، حيث جرت «محاكمة المتهمين في قضية عمر بن جلون»، وصدور أحكام بالإعدام «في حق المتهمين باغتيال الزعيم الاتحادي»، وما صاحب ذلك من خروج مظاهرات، وقمع واعتقال. ولم يغفل الكاتب الوقوف عند وحدة الآداء في المشاركة في التظاهرات، «خصوصا في الثانويات وبتحالف مع اليسار لدرجة أن المناسبات التلاميذية التي كان يخلدها اليسار»، يدعمها تلاميذ التيار الإسلامي ويشاركون فيها «كما كان الحال في مناسبة 23 مارس 1973 الخاصة بأحداث مولاي بوعزة الأليمة، والانتهاكات الجسيمة التي صاحبتها من إعدام وقتل وتشريد ونفي، مس منطقة الأطلس المتوسط كلها»، والمغرب كله، «وكان لمخلفات الانتفاضة الاجتماعية بالدار البيضاء سنة 1981» الأثر الكبير على نفس الكاتب، الصفحة 38.
ولم يغفل الكاتب أن يخصص نبذة عن انتفاضة شهداء الكوميرا في 20 من شهر يونيو من سنة 1981 و21 منه، بما هي مكان للذاكرة، وقدرها «أحد مظاهر الاحتجاج في تاريخ المغرب الحديث»، الصفحة 38، فكان الانتهاك «بالضرب والجرح والقتل بالرصاص الحي والاختطاف والاعتقال»، و«انتهاك حرمات البيوت وترويع سكانها وسرقة ما غلا ثمنه، وخف وزنه»، وجرى أن «اسفرت تلك الأحداث عن سقوط عشرات القتلى ومئات من الجرحى، حيث بينت التحريات فيما بعد أن الإصابات مست الأجزاء الحساسة من الجسم كالرأس والصدر والقلب»، الصفحة 39 من الكتاب. إنها مكان في الذاكرة، لأنها «بمثابة النار في الهشيم لإشعال كل حس مناهض للطغيان والقتل والتنكيل، خاصة عندما يرى المرء بأم عينه كيف عبثت الدبابات والبنادق بالأجساد ولم تفرق بين صغير وكبير»، الصفحة 39.
أثناء اندلاع حريق الاعتقال انثنى الأستاذ أحمد حو بالإشارة إلى الذين استغلت الشبيبة الإسلامية «عدم معرفتهم بألاعيبها، وأولئك المرتزقة الذين سعت هذه الحركة أن تجعل منهم محرقة لأهدافها غير المعلنة». ولطفا من الأستاذ أحمد حو، أشار إلى أحد المرتزقة باسم مستعار، كان «أظهر التعاون ولم يتلق بذلك صفعة واحدة»، وأتيحت للكاتب الفرصة ليراه بين أحضان الشرطة، وقد أجلسوه «في أريكة مريحة، وبين يديه كأس قهوة معتقة، وبين الفينة والأخرى كان يتلذذ بمضغ العلك، وقد زعم ذات يوم أنه تعرض للتعذيب، للضرب عبر «الطيارة»»، وهي تقنية من تقنيات التعذيب، لذلك قال له الأستاذ أحمد حو: «صفها لي فبهت الذي كذب»، الصفحة 44 من الكتاب. واللقطة وجه آخر من أوجه الذاكرة، لنزوع الكاتب نحو إخفاء هؤلاء المرتزقة. وجدير بالذكر، أن الذاكرة لا تكون كذلك حتى تستغرق فصولا من النسيان المراد.
كانت الاعتقالات وقتها كالنار في الهشيم تمتد تدريجيا وتنتشر، فالذي نجا بعض الوقت يكون الحظ، قد أمهله قليلا، وساعده لينتظر دوره. هنالك، و«بعد اعتقالات غشت سنة 1983»، حصلت «مداهمة بيت العائلة في أوقات من الليل متأخرة، وبشكل همجي»، ولم يكن الكاتب وحدها حاضرا، فكان تبكيتها واعتقال والده. ولما حضر، وأخبر بما حصل، قال في نفسه: «أنا المعني بالأمر وأنا المسؤول عن العمل الذي قمت به، ولا يمكن أن تؤدي عائلتي ثمن قناعاتي السياسية»، فقرر تسليم نفسه، وذلك يوم 31 غشت 1983. ومن عناصر الذاكرة، بما هي الماضي في الحاضر والماضي الممتد إلى المستقبل، الإفصاح عن لحظات الوهم. فالكاتب قدر الأمر الذي يواجهه أنه «لا يعدو أن يكون مجرد شبهة كما في السابق، أو في أسوأ الأحوال غرامة من أجل جنحة العبث بطلاء جدار أو مخالفة بعدم الأشعار»، أو يصدر حكم مخفف في حقه، لأن ما فعله، «كان مجرد تعبير عن رأي، ولم يصاحبه أي عمل مقترن بجرائم الدم قولا أو فعلا»، الصفحة 45، لكن المشنقة هي التي تنتظره. وبين وهم الذاكرة والحقيقة الواقعية تأخذ صناعة الذاكرة، التي برع الأستاذ أحمد حو في إنشائها، صورتها الكاملة.
جل تجارب الذاكرة المغربية تظهر في متنها ماهية التعذيب، أدواته، دون التعريف بالتعذيب، ومن يفعل غير ذلك فقد ازاوَر عن صناعة الذاكرة. يقول الكاتب: «وقبل أن يبدؤوا جولة التعذيب عرضوا علي أحجاما مختلفة من السياط وأدوات التعذيب وأنواعا من السوائل المنظفة والقاذورات [التي] تستعمل للخنق والقارورات المخصصة للاغتصاب، وآلة الصعق الكهربائي، ولما لاحظوا أن الأمر لم يغير من نفسيتي شيئا، عمدوا إلى أول جولة من التعذيب ستتبعها جولات أخرى». ويعنينا أن الكاتب وقف عند التبكيت في صلته بانتزاع المعلومات، وذاك هو المغزى من التعذيب. والسيد أحمد حو من الذين يدرون، حق الدراية معنى التعذيب، لذلك ذكر مصطلح «التعذيب»، ونقل معناه بأسلوب أدبي يبين للقارئ ماهية التعذيب، وذاك من مظاهر الذاكرة. يقول: «وحين كنت أصرخ من شدة الألم، كانوا يقولون لي: إذا كنت تريد أن تعترف، ما عليك إلا أن ترفع أصبعك»، الصفحة 46.
وكما هو شأن جل صناعات الذاكرة، يتوجب الانعراج غلى المكان، معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء. «بناية لم يكن يعرف سرها حتى القاطنين بالقرب منها، أو الذين يسكنون في طوابقها الثلاث العليا، فهي تقع بالقرب من حي مولاي الشريف بالحي المحمدي، فهي تقع بالقرب من حي درب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء». وتحتضن البناية معتقلا سريا رهيبا، «تحال عليه أيضا، بالإضافة إلى قضايا الاعتقال السري قضايا الانفصال والتجسس وقضايا الجريمة العابرة للقارات، كالمتاجرة في الكوكايين وتزوير العملة». يمتد المعتقل بالسرية لتغشى «أزيد من ثلاثين شقة تقطن بها عائلات موظفي الأمن»، (الصفحة 49 من الكتاب)، لا يعلم قاطنيها أن بأسفلهم سجن سري رهيب. وتمتد جذور المعتقل في الزمان إلى عهد الحماية الفرنسية، واستمر نشاطه، بما هو معتقل سري في عهد الاستقلال. هنا وجب استلهام رأي الأستاذة إرسني نيدو عضو الائتلاف الدولي لحفظ أماكن الذاكرة إذ أشارت، أثناء اليوم الدراسي حول معتقل تازمامارت بالرباط، الذي نظمه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمعهد الدولي للعدالة الانتقالية، يوم 20 من شهر دجنبر من العام 2008، إلى أن: «حفظ الذاكرة يستلزم من باب أولي مراعاة السياقات المحلية والخصوصيات الثقافية والاجتماعية للسكان والمناطق. فمراكز الاعتقال ليست صماء، ولكنها مواقع ينبغي أن ينظر إليها على أنها حافز للأجيال على التساؤل حول ما جرى من انتهاكات وحول شروط ضمان عدم تكرارها، حتى لا تكون مجالا لمد الجسور وخلق الروابط والحديث عن قضايا حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية».
وقف الكاتب عند الحياة في معتقل درب مولاي الشريف من الصفحة 51 من الكتاب إلى الصفحة 62، وهي مدة تداني «خمسة أشهر ونصف» من العذاب يشهد عليها الذين جرى «غسل أدمغتهم، حتى لم يبق لهم عقل يميزون به، ومنهم من حمل معه جروحا وندوبا نفسية وجسدية لن تندمل أبد الدهر». معتقل استقبل الضحايا نحو «أبرهام السرفاتي، وأمين التهاني، وسعيدة المنبهي». معتقل دبر أمره جلادون، يقول عنهم الكاتب، إن نذالتهم «أحالتنا إلى أجساد ممزقة من فرط الإدلال والجلد والانتقام والوحشية التي تجعل من الجلاد أخس وأشرس من الوحوش الضواري»، الصفحة 62. وبين مدة الاعتقال البعيدة بدون محاكمة، والتناقض بين الضيف الضحية والجلاد المستضيف توفق الأستاذ أحمد حو من رسم ذاكرة معتقل درب مولاي الشريف.
ومع تتبع الحدث، ذي الصلة بالذات التي تبوح بما حصل، وبما ينبغي أن يكون في الماضي، أو في الحاضر، كان التمهيد للقول في السجن المدني «اغبيلية» بالدار البيضاء. سمي السجن «اغبيلية» لأن «المساحة التي بني عليها السجن أيام الحماية كانت مخصصة لمقبرة». إنه «أحد السجون المخضرمة التي كانت مذبحة، تنفذ فيه الإعدامات وأبشع الممارسات في حق عناصر المقاومة، إبان فترة الحماية الفرنسية، ولم تنج منها انتفاضة «كاريان سونطرال» التي وجهت بقمع منقطع النظير من لدن المستعمر الفرنسي». وهو «اليوم معروض للبيع لمافيا العقار لطمس معالم الذاكرة». أو ليس «معلمة تحمل في طياتها تاريخا أسود للقمع السياسي، أقلها أن ساحته كانت مكانا لتنفيذ حكم الإعدام في حق عناصر المقاومة»؟ الصفحة 63 من الكتاب. بلى، وذاك ما دفع جمعية الدار البيضاء الذاكرة «casamémoire» لتنتبه إلى ذاكرة «كاريان سونطرال»، وذاك ما دفع المؤرخ المقتدر التقي نجيب ثقي ليؤلف كاتبا حول «جوانب من ذاكرة كاريان سونطرال، الحي المحمدي الدار البيضاء في القرن العشرين». ولا غرو، فأماكن الذاكرة ممتدة في الزمان. ذلك أن بساط معتقل تازمامارت هو نفسه مجال قيادة عدي وبيهي التي سامت الأبرياء سوء المعاملة. وسجن أكدز قصبة من قصبات الكلاوي. وليقس على سجن تاكونيت وقلعة مكونة. ولحسن الحظ أن سجن «اغبيلية» سجن نظامي، حسب ما أفصح به ثلاثة سجناء من الحق العام، «أخبرونا أن إدارة السجن وضعتهم لمراقبة كل حركتنا وهمساتنا، وقد أوضحوا لنا أن الكلام والحركة والنظر مسموح بها، وأننا في سجن نظامي وليس في معتقل سري، وهم الذين مكنونا من تذوق بعض الأكل والشاي الساخن…»، الصفحة 65. ولم يغفل الكاتب سرد نبذة عن السجن المركزي بالقنيطرة بين الماضي والحاضر، انظر الصفحة 116 وما بعدها.
لم يختلف وضع محكمة الجنايات بحي «الحيبوس» بالدار البيضاء يوم 13 من شهر يناير من العام 1984 من حيث الإذلال والتبكيت عن مشاهد المعاناة التي سلف للكاتب أن فصل فيها القول. ولقد كان اليوم يوما طويلا «حيث نقلونا في طابور من السيارات على الساعة الثالثة صباحا، معصوبي العينين، مقيدي اليدين. وعند وصولنا إلى باب محكمة الاستئناف أزالوا العصابة على أعيننا بعد أن وضعونا في قبو، تفوح منه رائحة البول والغائظ»، الصفحة 63. ولم تنج الحياة داخل السجن من الاكتظاظ وانعدام الشروط الإنسانية، «بها مرحاض مكشوف تتناسل فيه كل القاذورات والحشرات والجرذان والصراصير»، وانتشار الظلام الدامس، (الصفحة 66 وما بعدها). وجرت المحاكمة في أجواء متوترة، بعيد أحداث يناير 1984، لتبرير إنزال أقسى العقوبات.
يمكن قياس ما حمله القانون 23- 98 على وضع السجن في كتاب «العائد من المشرحة»، لبيان الفرق الشاسع من حيث التغذية، والمعاملة، والفسحة، والزيارة: «لم يكن لنا من حق في الفسحة سوى ربع ساعة في اليوم، وبعد أسبوع نودي علي وأخبروني أن أهلي ينتظروني في المزار، الذي كان به حواجز مشتبكة من أسلاك الحديد، وكان يفصل بيني وبين عائلتي حاجزين»، الصفحة 65 من الكتاب.
ويمكن قياس حال المحاكمة قبل الإصلاح الذي غشي قانون المسطرة الجنائية، ففتلك الأثناء كانت مصادرة الحق في التبليغ بالتهمة. فبعد التقديم أمام المحكمة جرى التبليغ «بالتهم التي أتابع من أجلها حضوريا»، الصفحة 71 من الكتاب المذكور، و«رفضت المحكمة كل الدفوعات الشكلية والجوهرية للدفاع، كتجاوز مدة الحراسة النظرية التي فاقت الستة أشهر، وغياب حالات التلبس، ولا قانونية المداهمات للبيوت وتفتيشها بدون إذن قضائي… ورفض إنجاز أية خبرة خصوصا حول حالات التعذيب التي كانت واضحة»، (الصفحة 71 من الكتاب المذكور)، وكلها مشاهد من الانتهاكات حاقت بالمحاكمة، «التي تفتقد لأي عنصر من عناصر المحاكمة العادلة، كقرينة البراءة، واحترام المساطر والقوانين الجاري بها العمل»، فكان أن أصدر القاضي الخاضع «لتعليمات فوقية حكما بالإعدام»، في حق السيد أحمد حو، وخمسة من زملائه بتاريخ 30 من شهر يوليوز من العام 1984، (الصفحة 74 من الكتاب المذكور).
لما قُضي الأمر، وجب الترحيل إلى السجن المركزي بالقنيطرة في الفاتح من شهر غشت من العام 1984، ليكون الاعتقال «في زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة… بداخل الزنزانة حفرة سموها مرحاضا ليس بها أي ساتر، مما يجعلها مرتعا للروائح الكريهة ومرتعا لخروج جرذان كبيرة يجب التعايش معها»، (الصفحة 82 من الكتاب)، نُصرةً للحياة، ودفاعا عن انتصار الحياة. و«الحي مصمم على شكل هلال، وبارد برود المشرحة وصامت صمت المقبرة، صمته رهيب يجعلك في خوف دائم»، (الصفحة 82 من الكتاب).
ومن حسن الحظ أن اتسعت فرص النجاة من المشرحة، إلى أن ظهرت سياقات الانفراج سنة 1990 فتحسنت ظروف الزيارة، والتغذية بالسجن وتحسن التطبيب، وسُمح بمتابعة الدراسة، وجرى التواصل بالجرائد. وأثناء مقام الكاتب بالسجن المركزي بالقنيطرة حكى عن المعتقلين، وفصل القول في انتمائهم السياسي. ففي أجواء الانفراج تحولت العقوبة من الإعدام إلى المؤبد، «وهو الأمر الذي استفاد منه كل المعتقلين السياسيين الإحدى عشر المحكومين بالإعدام، وأيضا غالبية المحكومين بالإعدام من سجناء الحق العام الذين كان عددهم يتجاوز الثمانين»، الصفحة 150 من الكتاب المذكور. وكان الانتقال إلى سجن عكاشة بالدار البيضاء، فنشأ الترافع على الملف المطلبي «الخاص بالوضعية داخل السجن»، الصفحة 159 من الكتاب المذكور.
لم تتوقف الذاكرة بعد الانفراج، وبعد العفو الذي استفاد منه السيد أحمد حو. فمن مميزات الذاكرة الديمومة، واستمرار الماضي في الحاضر، كما سلفت إليه الإشارة. «ولأنه لم يكن أحد منا يرضى أن يكون الإفراج عنا منة وعفرا ذليلا من لدن من أحالوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق، سواء داخل السجون وخارجها، فقد بدأت فكرة جبر الضرر ورد الاعتبار تسيطر على نقاشاتنا، إلى أن قررنا تأسيس منظمة لضحايا سنوات الرصاص»، الصفحة 184 من الكتاب المذكور.
كانت خاتمة الكتاب خاتمةً لمسلسل طويل من الانتهاك والتعذيب، والنضال ضد ذلك، إلى حين معايشة الكاتب لتأسيس هيئة التحكيم المستقلة للتعويض وهيئة الإنصاف والمصالحة، و«المشاركة في تأسي جمعية ضحايا سنوات الرصاص المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، والوقفات الاحتجاجية والقافلات أمام أبشع السجون السرية من بينها تازمامارت ودرب مولاي الشريف»، ومتابعته عن قرب «للمفاوضات الممهدة لتأسي هيئة الإنصاف والمصالحة» واشتغاله بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، «ونسخته المعدلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، الصفحة 198 من الكتاب المذكور. وليست الخاتمة خاتمة في دينامية الفعل الحقوقي، لقد توج ذلك بدستور 2011 الذي يعد «بحق دستور حقوق الإنسان»، وهو «خلاصة للكثير من التوصيات الصادرة في التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة»، الصفحة 199 من الكتاب المذكور.
ولما كانت الذاكرة تقضي استخلاص الدروس من الماضي والعبر. فما هي تلك الدروس والعبر؟
هناك دروس بارزة في متن الكتاب، وهناك دروس يمكن استخلاصها.
– «لقد أصبحت بحكم تجربتي مطالبا شرسا بإلغائها»، أحمد حو، الصفحة 94 من الكتاب المذكور.
– نضال عائلات المعتقلين، بالاعتصامات «أمام وزارة العدل وإدارة السجون والمقرات الرسمية السجون، والمقرات الرسمية، وأمام مقرات الصحف والمنظمات الحقوقية…»، الصفحة 154 من الكتاب، وقد توفقت «في تنوير الرأي العام الوطني والدولي»، وإيصال الرسالة المشفرة وغيرها إلى المعنيين.
– تحسن الوضع داخل السجون بفعل نضال السجناء صحبة عائلاتهم، فعم الإصلاح نظام السجون، فكان تضمين جزء كبير من القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء في القانون 23- 98.
– وجوب استقلال الهيئة الحقوقية عن الأحزاب السياسية.
– الممارسة الحقوقية تقضي تحفيفها بأمل مستمر.

حوار مع أحد الناجين من السجن السري الشهير
”فرع فلسطين” بسوريا





يسرنا أن نقدم للأمة الإسلامية هذا الحوار مع أحد الإخوة الأسرى السابقين بالسجن السري الشهير المسمى ” فرع فلسطين ” هذا السجن الذي يسام فيه أهل الإسلام نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً أشد العذاب منذ استيلاء الزنادقة النصيريين بتعاون مع الفرنسيين والبريطانيين المحتلين على بلاد الشام المباركة أعادها الله دار إسلام وسنة.


وقد حمَّل الإخوة الأسرى هناك أخانا الذي أجرينا معه هذا الحوار حين خروجه من الفرع وموعد ترحيله نحو بلده أمانة ألحوا عليه إلحاحاً شديداً واستحلفوه بالله أن يبلغها للأمة الإسلامية عامة ولمجاهديها بصفة خاصة ورغم ظروف الأخ – تقبل الله منه- فإنه لم يهدأ له بال ولم يقر له قرار حتى يوفي بوعده الذي وعد به إخوانه وعاهد ربه على الوفاء به . وها هو اليوم يوفي بوعده ويبر يمينه نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منه ويحفظه ويرعاه وأن يفرج كرب كل مكروب من أمة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كما نطلب من إخواننا المسلمين في كل مكان ومن كل من يطلع على هذا الحوار أن لا يدَّخر جهداً في القيام بأي عمل يمكن أن يساعد به إخوانه الأسرى في سوريا المكلومة بحراب النصيرية البعثيين الزنادقة عليهم من الله ما يستحقون وأن يسعى إلى إيصاله لمن يعنيه الأمر للمسلمين عامة وللمجاهدين وقادتهم خاصة .


بارك الله في الأخ المحاور وفي الأخ الأسير الذي أجري معه الحوار وفي كل من عمل على تبليغه ونشره ولا تنسوهم من دعائكم.




سؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي نريد نبذة مختصرة عنكم وعن سبب سفركم إلى سوريا ؟؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, أشكرك أخي على هذه الإلتفاتة المباركة الطيبة وأود قبل إجابتي على أسئلتكم أن أخبركم وأخبر كل مسلم ومسلمة أن ما سأذكره هنا هو مجرد صورة مصغرة ولا يعد إلا كنقطة ماء في محيط كبير لما يكابده ويعانيه إخوانكم المسلمون الموحدون في سوريا النصيرية البعثية التي يرفع نظامها المجرم في العلن شعار الممانعة والمقاومة ومشاكسة أمريكا ودويلة يهود ومشروعهما التوسعي أما في الخفاء فهذا النظام الإجرامي لا يختلف عن بقية الأنظمة العميلة, بل ربما تجاوز بعضها, خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 وإعلان الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين.



فتعاونهم الإستخباراتي مع أمريكا لم يعد يخفى على أحد. وأتمنى أن أوفق في تأدية الأمانة والوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي وعاهدت به إخواني المحتجزين هناك الذين منهم من لم ير نور الشمس منذ سنوات عديدة وقد نخرت أجسادهم الأمراض والعلل, وهي رسالة للمسلمين عامة ولأهل الشام والمجاهدين بصفة خاصة . فأتمنى وأسأل الله أن أوفق في نقل ولو جزء من الصورة الحقيقية كما أسأل الله أن يوصلها لأهلها والله من وراء القصد.


أعود لسؤالك : أنا شاب موحد لله تعالى فتحت عيني على مآسي أمتي المسلمة ومذابحها في كل مكان دون غيرها من الأمم والملل فكنت أتابع الأخبار التي تزيدني ألما وأسى وأسفا وأتجرع بها المرارة في كل يوم ولم أكن أملك سوى الدعاء.


إلى أن جاءت أحداث محرقة غزة التي زادت من اهتمامي وتفكيري بجدية في التكليف الملقى على عاتق كل مسلم اتجاه ما يجري وفي كيفية أداء هذا التكليف العيني لنصرة الأمة المستضعفة. بدأت المشاركة في بعض المواقع والمنتديات الإسلامية الجهادية والتعرف على بعض الشباب عبر الشبكة ممن يقاسمونني نفس الهموم, فعرفت ولله الحمد الكثير وتعلمت الكثير في ظرف وجيز من الزمن خاصة في أمور الجهاد ووجوبه وفقهه وأمور الهجرة وغيرها …


منذ ذلك الحين وأنا في بحث دائم عن طريق يوصلني إلى أرض الجهاد والإعداد والهجرة والنصرة وكان همي الوحيد هو اللحاق بركب الشهداء وقافلتهم المباركة التي لا تتوقف بفضل الله, إلى أن تعرفت على بعض الشباب الذين وفق الله بعضهم لهذا الأمر . فكنا كلما سافر أحدهم ترك بريداً إلكترونياً وهاتفاً للذي يليه ليلحق به. فجاء دوري, جهزت المال وتركت التجارة الدنيوية لعلي أظفر بما هو أعلى . توكلت على الله فتيسرت لي ظروف السفر بعدما درست كل مراحلها بشكل دقيق وواضح ثم توكلت على الله وانطلقت في سفري.


باختصار شديد وحتى لا أطيل في هذه التفاصيل الغير مهمة. وصلت تركيا وتوجهت منها براً نحو سوريا بعدما أمرني (المنسق) بذلك وهو سوري ظل معي على اتصال دائم منذ نزولي بتركيا إلى حين وصولي سوريا حيث سألتقيه لأول مرة بعد أن تواعدنا. خلال هذا اللقاء كان معه شخص آخر بقي في السيارة ولم ينزل منها نزل فقط (المنسق) وسبحان الله حين سلم علي أول مرة ببرود ولا مبالاة ارتبت في أمره ولم يطمئن قلبي له أبداً, فقلت مع نفسي ربما هذا من الأمنيات والحذر فلا بأس ركبت معهما السيارة فلمحت بجانب السائق مسدسا فأخذه بسرعة وبطريقة غريبة ثم نظر إلي ليختبر ردة فعلي فتصرفت بشكل عادي. في الطريق إلى دمشق شرعت أناقشهما بعض الأحداث وتبين لي من أول الحديث أنهما في الحقيقة لا يعرفان شيئا عن الجهاد والمجاهدين لكن من خبثه اشترط علي أن لا أسأله عن شيء من باب الأمنيات,فكنت كلما انتابتني الشكوك قلت لعله من تشويش الشيطان ووسوسته لصدي عن هذه العبادة العظيمة ولقلة تجربتي . ثم سلمت أمري إلى الله عز وجل، وصلنا بعدها دمشق فأخذني إلى فندق كان يعرفه مسبقا فحجزت غرفة .




ومن الملاحظات وللفائدة فقط , فهناك فرق كبير بين مسئولي الفنادق في تركيا وفنادق سوريا. ففي سوريا هناك كثرة الأسئلة وكثرة علامات التعجب والاستفسارات والملاحظات وغيرها تحس كأنك في مجتمع مخابراتي بامتياز.


كان هذا( المنسق) يتصل بي باستمرار للاطمئنان علي ويسألني عن الأجواء وفي كل مرة كنت أستعجله وأسأله عن موعد السفر لدخول العراق فيُسَوِّفُ تحت دعاوى عدة.


أما الفندق الذي أنزلني فيه فكان يقع وسط سوق شعبي مزدحم بالناس يصعب عليك فيه تحديد من يراقبك. بقيت بضعة أيام لم أره حتى أصررت على اللقاء به، وطلبت منه موعد السفر إلى حيث أريد، لكنه برر عدم استطاعة الدخول إلى العراق بسبب بعض الظروف الصعبة في الطريق وغير ذلك…


في هذه الفترة وقع لي حادث غريب أسرده للإخوة للعظة والفائدة والحيطة والحذر : في يوم من الأيام خرجت من هذا الفندق للمشي فاستوقفني صاحب محل لبيع الملابس. سألني هل أنت من البلد الفلاني؟؟؟ أنا أحبكم وزبائني كثر من أبناء بلدكم وعندي بضاعة ستعجبك وهذا محلي وعندي محل في بلادكم يبيع المنتجات السورية أجبته أنني لا أحتاج ملابس وليس معي مال لشرائها . فألح علي إلحاحاً عجيباً قال تعال معي تأخذ فكرة فقط عن المحل ربما مرة أخرى تحتاج الشراء والتسوق من عندنا فبضاعتنا رخيصة وممتازة. كان إلحاحه شديدًا كإلحاح التجار عامة وأكثر , المهم دخلت معه المحل فيه درج صعدناه فوجدت عشرة أشخاص أمرني بالجلوس لا يظهر عليهم أنهم لصوص قالوا لي إذا أردت أن تخرج من هنا فضع ما معك من مال ولا تحاول المقاومة فأخذوا ما كان معي حينها أزيد من ألفي أورو أمروني بالخروج وعدم الإلتفات لأني مراقب توجهت مباشرة للفندق وجمعت أغراضي وانتقلت لفندق آخر.وقد علمت فيما بعد أن كثير من الشباب المهاجرين خاصة من أهل الجزيرة العربية قد تعرضوا للسرقة والنصب من قبل العصابات وأحيانا من قبل المخابرات السورية وهو ما حدث معي شخصياً .


بعد حلولي بالفندق الجديد اتصلت ب ( المنسق) فأخبرني أن الأمور جاهزة وميسرة وما هي إلا نصف ساعة ويكون عندي لننتقل صوب الحدود العراقية للدخول. استلقيت على ظهري متأملا فيما جرى معي وبينما أنا كذلك داهمت عناصر مسلحة بالرشاشات والمسدسات غرفة الفندق بعد فتحها بمفتاح احتياطي من عند صاحب الفندق كانوا حوالي 13 شخصا ألقوني على الأرض وقيدوا يداي خلف ظهري بقوة حتى دخل القيد في اللحم ووصل العظم حاولت الاستفسار عن الوضع فكان جوابهم ضربي بأخمص الرشاش على رأسي وكامل جسمي.


أخذوا الجواز ومبلغ ألف أورو كان بقي معي والهاتف وكل الملابس والأغراض في باب الفندق وجدنا سيارة أخرى بها 8 أفراد أيضا مسلحين بالرشاشات سلموني لهم وانطلقوا بي بعدما أغمضوا عيني بقماش.


سؤال : أين أخذوك بعد هذا ؟؟؟


توجهوا بي مباشرة إلى سجن سري يسمى فرع فلسطين وهو عبارة عن بناية تقع على طريق المطار مكونة من سبع طوابق كل طابق يختص بالتحقيق في قضايا معينة: الإسلام – الأسلحة التهريب – التزوير- قضايا سياسية – مخالفات الجيش- الأجانب …. وسمي بهذا الاسم حسب ما علمت لأنه كان فرعاً أمنياً مخصص للقضايا الفلسطينية منذ عهد الهالك المجرم حافظ الأسد وقد أعيد ترميمه في سنة 2006 وهو جحيم للمسلمين ووبال على الفلسطينيين .


هذا المعتقل العسكري له قانون خاص مع الأجانب الذين لا تسأل عنهم حكومات بلدانهم ولا تتدخل سفاراتها لتسلمهم وترحيلهم مثل أهل أفغانستان وغيرها كأهل المخيمات الفلسطينية وهم كثر وأعدادهم هائلة. فهؤلاء بعد أن يقضوا في المنفردات أو المهاجع أكثر من أربع أو خمس سنوات، تعقد لهم مسرحية وهي عبارة عن محاكمة عرفية داخل المبنى ويستمعون فيها لأقوال المتهم ثم يأخذونه إلى سجن من سجون سوريا يبقى فيه إلى أن يشاء الله دون وقت محدد.


أول ما أدخلوني هناك بدأ التعذيب الشديد في مكاتب التحقيق بالطابق الرابع من البناية سألوني عن سبب مجيئي لسوريا فقلت لهم أنا تاجر وجئت للتسوق والبحث عن بضائع جديدة وطبعا هم كانوا يعرفون سبب مجيئي لأن (المنسق المزعوم) لم يكن سوى مخبراً يعمل معهم وقد ربط الاتصال بي بعدما اعتقلوا أحد الإخوة قبلي ووجدوا معه بريدي وكان يتصل بي على أنه من طرف الأخ وأن الأخير قد دخل العراق وهذا من قلة التجربة والإفراط في الثقة … عذبوني بشكل لا أستطيع وصفه حتى أغمي علي عدة مرات وركزوا ضربي على أذناي حتى قلت لهم أن بي كسر سابق في رقبتي لعلهم يتركون ضرب الأذن لكن المجرم كان يمسك برقبتي ويلويها بعنف متعمداً كسرها وإيلامي وكذلك رفعوني عار من الملابس وكبلوا يدي ورجلي إلى حديدة طويلة وشرعوا في جلدي بالسياط وصعقي بالكهرباء إلى أن اعترفت لهم بالحقيقة وأن سبب دخولي سوريا هو رغبتي في الانضمام للمجاهدين في العراق ثم بعد التحقيق أمروا بي إلى المنفردة.


وهناك سيبدأ عذاب من نوع وألوان مختلفة .فحين ينزلونك تحت الأرض للمنفردة يعطونك رقماً عوض الاسم وهناك كل شيء ممنوع : الكلام، الجهر بالصلاة، الدعاء وحتى تلاوة القرآن والوضوء ممنوع، يمكنك فقط التيمم وأخطر شيء هناك أن يسمعك تقرأ القرآن أو تدعو الله أو تناجيه . سيتهمونك بأنك تدعو عليهم ويخرجونك للتعذيب الشديد الفظيع والتعذيب هناك بالسياط والركل واللكم وكل الوسائل الممكنة والمتوفرة لديهم وحين يرون السوط لم يعد ينفع يعذبونك بألوان أخرى منها أن تضل واقفاً مكبل اليدين إلى الخلف ووجهك باتجاه الجدار لأزيد من 24 ساعة وحين تحاول الجلوس أو السقوط يجلدونك بالسوط وهناك شخص سوري رأيته أوقف 36 ساعة إلى أن انفجرت الدماء من قدميه.






وأيضا التكبيل للخلف داخل الزنزانة ولكم أن تتخيلوا شخصاً يقيد لأزيد من أربعين يوماً في زنزانة انفرادية ولا يستطيع حتى حك جلده وطرد الحشرات والقمل عنه. وحين يسمعون الإخوة يتكلمون مثلا ولم يعترفوا على المتكلم يعذبون الجميع في الممر تعذيباً شديداً . هذا والله العظيم مجرد جزء يسير مما يحدث للإخوة هناك …والله المستعان .


أول مرة دخلت “الانفرادية” في اليوم الأول نادوا على رقمي للمرحاض خرجت بشكل عادي فإذا بالسجان يركلني ويقول باللهجة السورية ( على السارع يا كور) أي بسرعة يا كلب لم أكن أفهم شيئا حينها لأني جديد فبقيت على هذه الحال لأسبوع كل يوم ضرب وسب وإهانة حين الخروج للمرحاض إلى أن اكتشفت ما يجب علي فعله.


سؤال : ممكن تصف لنا هذا السجن ؟؟؟





عدد الزنازين الانفرادية ويسمونها المنفردات هو 38 منفردة طولها متران وعرضها متر ونصف , وعدد المهاجع 19 مهجع طول كل واحد منها تقريباً عشرة أمتار وعرضه متر ونصف وكل مهجع يضم ما بين أربعين وخمسين سجيناً ولكم أن تتخيلوا هذا العدد من الناس في مسافة بعرض متر ونصف وطول عشرة أمتار، إنه الجحيم الدنيوي بعينه وكل هذا في مكان تحت عمق الأرض ب5 أمتار.


الطابق الأول فيه غرف التحقيق ومكتب المدير المجرم ويكنونه ( أبو حمزة) وبه منفردات قضايا سياسية خاصة .


الثاني والثالث لم نعرف ماذا يجري فيهما. أما الرابع فهو المخصص للتحقيق في قضايا الإسلاميين يرأسه ضابط من أخبث من رأيت أو سمعت عنهم في حياتي وأظنه كبيرهم في هذا القسم لأنني لاحظت الحراسة المشددة على مكتبه والتبجيل الذي يكنونه له, والمعلومة الوحيدة التي عرفتها عن هذا المجرم هي أنه كان مسئولا عن تعذيب أهل السنة في المعتقلات اللبنانية ثم مساعده وله مكتب مجاور واسمه منير وهذا أيضا من كبار مجرميها بلغ به الإجرام أنه إذا رأى على الأسير قميصاً أو في قدمه حذاءًا من نوع جيد أمره بنزعه ولبسه أمامه وأرسله حاف أو عار إلى زنزانته وقد أخذ مني شخصياً حذائي وقال لي الأولى أن تمشي حافياً والاستهزاء من طبعه وعادته وسمعته يقول عن نقاب زوجاتنا أنه قمامة من الأزبال …


عدد المراحيض ستة و3 حمامات الخروج للمرحاض من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء ماؤه جد بارد وللمرحاض هناك قصص وآلام ومعاناة لا أستطيع وصفها خاصة للمرضى المصابين بالإسهال أو السكري أو المعدة وغيرها من الأمراض التي يحتاج صاحبها التردد على المرحاض لمرات متعددة.


مدة المرحاض لا تتجاوز 30 ثانية وهذا يعود لمزاج الحارس وخبثه فما تكاد تنزع سراويلك حتى تسمع شتمه وسبه وأوامره لك بالخروج فهناك دخول المرحاض يصير عندك كابوساً حقيقياً تخطط له وتستعد وتتعوذ وتدعو أن يسلمك الله من السياط والجلد وأن توفق لقضاء حاجتك وملئ قارورتك من الماء …


وطريقة الخروج من المنفردة إلى المرحاض لها طقوسها الخاصة فعليك أن تخرج وأنت منحني على صفة الركوع ووجهك في الأرض لا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تنطق ولو بكلمة أو حرف حين تسمع رقمك والأمر بانتهاء الثواني المخصصة للخلاء عليك أن تخرج يدك من نافذة المرحاض وتعود لمنفردتك كما غادرتها . أما إذا نودي عليك ولم تسمع رقمك كأن تكون نائماً مثلا فإنك ستأخذ من السياط لمدة أسبوع كامل عند كل ذهاب وعودة للخلاء وكل مجرم من المجرمين حين ينهي دوامه يوصي بك من يتسلم الدور والسوط من بعده تظل على هذه الحال على مدار الأسبوع إلى أن يرجع الدور للمجرم الأول الذي وقع المشكل معه في فترة دوامه .


بالنسبة للحمام فهو الآخر حسب مزاج السجان مرة في الشهرين أو الشهر ومدته أيضا بمزاجه , وفي أحسن مزاج وأحسن حال فهي لا تتعدى 5 دقائق تقضي فيها حاجتك البيولوجية وتغسل فيها جسدك الوسخ . ومفروض عليك أن تخرج للحمام من منفردتك بلباس داخلي فقط كي يفتشها المساعد ويسرق ملابسك ودوائك وكل شيء. أذكر أنه في يوم من الأيام نادى المجرم على السجين ليخرج من الخلاء وكان قد دخل لتوه وهو سجين جديد فرد على السجان : مهلا هل تظنني سأبيت هنا سأطلع حين أنتهي من قضاء حاجتي. وأقسم بالله أنني رأيت السجان من شق الباب يفرك يديه فرحا وسعادة من رد السجين لأنه وجد طريقا لتعذيبه كما يشاء. وهو ما كان, فقد تفننوا في تعذيبه بل وجعلوه يبيت ليلته في المرحاض عار من الثياب.


أما ما حدث معي شخصياً في موضوع المرحاض هذا فبعد مرور 4 أشهر على دخولي ذلك المكان كاد القمل والوسخ والعفن أن يقتلني وكنت لا أنام الليل من شدة الحك والألم حتى تورم جسدي وكلما حككت جلدي نزعت يدي والدماء تغطي أظافري فقررت في يوم من الأيام أن أستغل دوري لقضاء حاجتي وأستحم في المرحاض وليكن ما يكون. وهو ما كان دخلت وبدأت أغسل رأسي من القمل ونصف جسمي الأعلى فناداني المجرم للخروج فقلت له أنني جد متسخ وأحتاج فقط دقيقة لأغسل بعض القمل حينها جن جنونه وشرع يصرخ ويلعن ويسب, وحينها خرجت . فقال لي غسلت وسخك ؟؟


أجبته نعم شيئا ما فقط . فأمرني بالتمرغ عاريا في ماء معقد معلك أسود اللون رائحته لا تطاق أبدا وشكله مثل العسل ينزل ويتسرب من أسفل سلال الأزبال المتراكمة في زاوية من زوايا المراحيض . امتنعت في البداية ورفضت الأوامر وعندها نادى أصحابه فانهالوا علي جميعا بالكرابيج وأنا عار الجسد إلى أن امتثلت وتمرغت على بطني وظهري كما أمروا, ثم نهضت حاملا قنينة الماء الذي أشربه فأفسحوا لي الطريق هاربين من رائحة جسدي وحين دخولي المنفردة غسلت أعلى جسمي بقنينة الشرب وبقيت أتكبد عناء العطش مدة 24 ساعة وطبعا هذا المجرم أخبر من يليه في الدوام وكنت أعذب عند كل خروج ورجوع من الخلاء مدة أسبوع …


لكن سبحان الله رغم هذا فإن تلك الثواني المعدودة كانت فيها رحمة من الله لعباده ففيها يتبادل الإخوة الملابس وبعض حبوب الدواء والحاجات البسيطة التي تعتبر هناك شيئا ذا قيمة كبيرة ,لأن المراحيض مفتوحة من فوق لا سقف لها ولا يفصلك عن أخيك في جانبك إلا جدار….ولا يمر يوم دون جلد الإخوة وتعذيبهم حين الذهاب بهم أو العودة للمرحاض حتى أن البعض كانوا حين المناداة عليهم برقمهم يمتنعون عن الخروج بدعوى أن ليس لهم رغبة مع أنهم يتقطعون من الألم والحاجة إلى التبول أو التبرز أكرمكم الله….


سؤال : وماذا عن المهاجع ؟؟؟


المهاجع كما ذكرت لكم آنفا هي غرف جماعية طولها عشرة أمتار وتتسع فقط لعشرين شخصاً لكنهم يحشرون فيها حتى الخمسين وفيها مرحاض واحد بداخلها لا يتوقف 24 على 24 ساعة لكثرة النزلاء وقانونهم هو منع الكلام ومنع رفع الصوت حتى بتلاوة القرآن أو الصلاة والدعاء كذلك ممنوع , وفي إحدى الليالي سمعناهم يعذبون أحد الإخوة في ثلث الليل الأخير ويقولون له من الذي كان يقوم معك الليل؟؟؟


أما طعامهم هناك فهو لا يكفي حتى عشرة من الناس يجوعونهم عمداً حتى يضطرونهم للشراء من مدخراتهم في الأمانات وهذه تعتبر فرصة للسجانين للنهب والسرقة فأنت توقع على ورقة مشترياتك ولا تعرف على ماذا توقع حتى ينفذ المال في رمشة عين وهناك بالمهاجع دعاء السجناء هو أن يأتي من عنده مبلغ محترم من المال حتى يقتاتون شيئا فأول ما يسألك عنه السجناء هو هل معك مال في الأمانات؟؟ أما طريقة نومهم فهي بالدور, يصطف البعض منهم على جنب واحد دون حراك أو تقلب ويقف الثلث الباقي فلما تنتهي المدة ينام من كانوا واقفين, مثل صلاة الخوف ويمكننا تسمية القياس عليه وتسميته بنوم الخوف وهو كذلك بل أشد.


أما الفراش فبطانية واحدة على الأرض دون غطاء بل بعضهم ليس معه بطانية أصلاً ومنهم من انتهى التحقيق معهم منذ عامين وأزيد ولم يحالوا على المحاكم ولا على السجون فاضطروا مرة لخوض إضراب عن الطعام لم يتجاوز 12 ساعة حتى ذاقوا كل أشكال العذاب ما اضطرهم لفك الإضراب والتوقف عنه .


وهذا التعذيب تم برئاسة المجرم كبير الجلادين واسمه سليمان وهو رقم 1 في التعذيب وهذا المجرم نصيري الديانة عمره حوالي 36 سنة وطوله حوالي186 بشرته بيضاء.




بالنسبة للتنظيف هناك في “فرع فلسطين” فالمكلف به هم السجناء من الجنود السوريين أصحاب المخالفات ينظفون المبنى كاملا في ظرف وجيز والضرب والركل على ظهورهم والسب والشتم عدا المنفردات والمهاجع فنزلاؤها هم من يتكلفون بتنظيفها بقليل من الماء فقط لا صابون ولا أي مواد أخرى للتنظيف .


وأنا أول ما أدخلوني المنفردة الشخصية وجدت فيها ثلاث بطانيات أظنها من عهد الحرب العالمية الأولى ثقيلة بالقمل والعفن والأرض كذلك معفنة والسقف تعشعش فيه الحشرات بأنواعها أما الباب فمغطى بالصراصير ففزعت من هول المكان ووحشته وتساءلت طويلا هل سبق لأحد أن سكن هذا المكان؟؟ ثم علمت فيما بعد أنها كانت تسكن من طرف سجين ضل مكبل اليدين لمدة جد طويلة . حاولت طويلا تنظيف المكان مستغلا قنينتي الماء والتبول لكن بلا فائدة .


سؤال : وماذا عن السجانين ومعاملتهم للسجناء ؟؟؟


عدد مجموعات السجانين ثلاثة، كل مجموعة تتكون من خمسة أفراد اثنين للمنفردات وثلاثة للمهاجع. هؤلاء القوم لعنة الله عليهم مهما تفننت واجتهدت في انتقاء العبارات لوصف إجرامهم وخبثهم وكفرهم فلن أوفي ولن أوفق. وأذكر منهم :
المسمى رمضان : نلقبه بالضفدع من مدينة حماه ديانته (سني) وهذا يطلقه الإخوة على المنتسبين زوراً لأهل السنة عمره حوالي 40 سنة طوله تقريبا 180سنتم بنيته قوية لون بشرته أبيض مع احمرار وجهه حين غضبه وعيناه خضراوان بلون الزيتون صوته خشن لا تكاد تعرف ما يقوله .


المسمى هاني : يلقبونه (جويعه) لأنه كان ينقص لنا كمية الطعام رغم قلته. طوله حوالي 184 سنتم بنيته كذلك قوية لون عينيه بني كثير الحركة مثل القرد وهو جديد في وظيفته هوايته المفضلة صفع الإخوة على وجوههم وآذانهم ويجتهد الخبيث في كشف وتوريط الإخوة ليبلغ أسياده كي ينال قربهم ورضاهم .


أبو سليم : دينه نصيري ( قرد) قصير حوالي 160 سنتم 37 سنه لونه أشقر من صفاته أنه يحب التعذيب والاستهزاء بشكل كبير ويتلذذ بهذا مع السجين مهما كان مستواه العلمي والثقافي والاجتماعي خاصة المثقفين تجده يتفنن في التنكيل بهم وينادي المهندس بالحمار والدكتور بالكلب وهكذا.. وهذا الخبيث يحسب نفسه شيئا وأنه أبو المعارف يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء وهو في الحقيقة أجهل من حمار أبي جهل لا يعرف ولا يفقه شيئا ومن جرائمه سرقة دواء الإخوة المرضى ومن قصصه أن أخاً مصاباً بعدة أمراض منها السكري والقلب وغيرهما كان يأخذ دواءً متنوعاً وكثيراً حين لمح هذا المجرم علب الأدوية قال للأخ ساخراً : عندك صيدلية فشرع يسأله عن كل دواء وما يصلح له وهذا الأخ كان يحقن الأنسولين فرأى المجرم الطريقة التي يحقن بها الأخ نفسه. قال له هذه الطريقة بطيئة وتأخرنا يا حمار, من علمك إياها ؟؟ قال الأخ : إنه الطبيب . فأجابه إنه حمار مثلك وفي الغد سرق له نصف الدواء.


ومنها أيضا أنه مرة أراد أن يسرقنا بالجملة فجاء بخطة قال لنا سأسمح لكم بالحمام لخمس دقائق واشترط علينا أن نخرج عراة إلا من التبان الداخلي فقط وأن لا نحمل معنا شيئا سوى الصابونة وقنينة الماء وهذه كانت منه خطة ليفتش كل شيء ويسرق كل ما يجد لكن بعض الإخوة فطنوا لخطته وخرجوا بالمأزر يخبئون تحته دواءهم وأغراضهم القليلة فلم يسلموا من الجلد والضرب بقسوة بالغة من المجرم وحين رجوعنا للزنزانة وجدنا الملابس والفراش مبعثر ووجدت أن المجرم قد سرق سروالي .




لمن المشتكى ولمن الملجأ ومع من نتكلم هناك . ليس لنا سوى الله والتوسل إليه ورفع أكف الدعاء له …
ومرارا هذا المجرم كان يأمرنا أن نخرج في وضع ركوع من زنازيننا حتى المرحاض وهو يسخر ويضحك ويستهزئ وحسبنا الله ونعم الوكيل.


صادق : 37 سنة طوله 180 سنتم بنيته قوية لكن أصابه الله بمرض الربو وهو مجرم حقود لا يرحم على أقل وأتفه شيء يعذب الأخ ينقص من وقت المرحاض ويتجسس على الشباب وهم في زنازينهم وهو حافي القدمين حتى لا تسمع خشخشة نعله خصوصا إذا سمع الأخ يدعو الله ويذكره ولو في أنفاسه همساً فيخرجه ويقول له أنت تدعو علينا ويجلده ويضربه بطريقة لا تتصور والمجرم من هواياته التي يكثر منها البصق على وجوه الشباب بدون أي ذنب. مرة أحد الإخوة خرج من المرحاض فرأى قطعة خبز مرمية فأماطها فقال له المجرم أنتم تسفكون الدماء وتميطون الخبز عن الطريق. لم يرد عليه الأخ لكنه لم يسلم من الجلد والتعذيب. ومن خصائصه أنه حين يأتي أخ جديد لا يعرف كيف يتصرف ويكون بطيء الحركة من التعذيب والصدمة يعذبه المجرم ويقول له يجب عليك أن تستيقظ فيأمره أن يستحم بقنينة الماء دون خلع ملابسه ويدخل زنزانته على تلك الحالة في أيام شديدة البرد.


أبو سمراء :40 عام تقريبا طوله 156 سنتم بدين الجسم أحمر اللون هذا المجرم يريد فقط أن يمر دوامه بسلام و دون مشاكل وهذه نعمة من الله على الإخوة فهم يتنفسون الصعداء عند حضوره وصديقه في الدوام أبو محمد شأنه شأن أبو سمراء لا يفترقان عقلية واحدة تفكير واحد حتى العمر والطول والشكل..


سؤال : ذكرت حالات مرضية هل يمكن أن تحدثنا عن بعضها بشيء من التفصيل وعن العلاج والتطبيب هناك في فرع فلسطين؟؟؟


بالنسبة لهذا الأمر فإنني سأتحدث عن نفسي أولا فأذني لحد الساعة لا أسمع بها من كثرة الصفع عليها وحدث فيها تعفن خطير ولست الوحيد من يعاني هذا فكل السجناء هناك يعانون من تعفن الأذن الذي يسبب آلاماً فظيعة في كل الرأس ويحرم من النوم وسأحكي فقط عن الممر الذي كنت أنزل فيه وهو يتكون من ست منفردات من بين 48 منفردة .


في إحدى المنفردات كان طالب علم سوري من أبناء مدينة اللاذقية السورية والذي على جانبي الآخر هو أخ من قادة المجاهدين في مدينة الموصل اسمه أبو محمد الزوبيلي كل الشباب هناك مصابون بالحساسية الجلدية (الجرب) وشقيقة الرأس بسبب كثرة الصراخ الذي لا يتوقف هناك ليل نهار وبسبب الوحشية والهمجية وكذلك من الأرق والإرهاق وتعفن جراح التعذيب وأوجاع الأسنان وآلام المعدة لسوء التغدية والأمعاء واللوزتين والعنق وأمراض الصدر الخطيرة والزكام المستمر فلا يخلو يوم ولا ساعة ولا لحظة من الأنين والألم .
أما القمل هناك فلا أستطيع وصفه ووصف المعاناة بسببه فهذه الحشرة الصغيرة لم أعرف حقيقتها إلا هناك فوالله إن البطانية يزيد وزنها ويتضاعف من كثرة القمل الساكن فيها وكنت أعري ساقي وأكشط بأظافري وفي كل كشطة أنزع 15 حتى 20 قملة وقد غزا جسدي ومص دمي وكاد يصيبني بالجنون وفي إحدى الليالي كنت أصرخ بأعلى صوتي من الألم وشدة الحك بسبب الحساسية الجلدية التي تسبب لي فيها ولا من ينقذ أو يجيب فقد فتحوا البوابة وأخرجوني للتعذيب حتى لا أنادي وأصرخ مرة أخرى وكلما طالبت العلاج سخروا وقالوا لي هذا عادي ليس بك شيء غدا ستكون في أحسن حال ولم أتوصل طيلة الشهور التي بقيت هناك ولو بحبة دواء أسبرين كان أحد جيران زنزانتي كنيته أبو محمد فلسطيني الأصل وأمه سورية يقطن مع أهله في مدينة دمشق تهمته المشاركة في عملية تفجير هذا السجن الخبيث “فرع فلسطين” التي حدثت سنة 2008 وشقيقه هو البطل المجاهد أبو صالح استشهد في بلاد الرافدين سنة 2007 بعدما أرق الأمريكان وكلابهم . هذا الأخ لا يتوقفون عن تعذيبه ما نزل عليه من العذاب لو نزل على جبل لهده وزنزانته الانفرادية تقع في أول الممر وهو أول واحد يتعرض منا للخطر لأنه يكون في الحراسة عندما نريد أن نكلم بعضنا البعض وبسبب التعذيب الفظيع فإن هذا الأخ قد أصيب بعدة أمراض مستعصية وخطيرة مرة في أيام البرد الشديد اكتشفه المجرم المسمى رمضان وهو يسمع سورة قرآنية من جاره ليحفظها ( وهذه هي طريقة الحفظ هناك إضافة لما هو مكتوب على الجدران من كتاب الله) فما أن يأتوا بأخ جديد وتسمح الظروف حتى يسارع الإخوة لسؤاله عما يحفظه من القرآن حتى نأخذه منه سماعا فتسمع الأخ من آخر الممر ينادي بصوت هامس يا إخوة اسألوه هل يحفظ سورة كذا اسألوه عن سورة كذا وكذا ؟؟؟ هذا الأخ الفلسطيني بعدما كشفه المجرم هو وصديقه كانت الساعة الثانية بعد الزوال تقريبا فتركهما حتى منتصف الليل ثم أخرجهما عراة بدون ملابس والبرد جد قارس حينها إلى الحمام وشرع يصب عليهما الماء المثلج ويجلدهما بالكرباج حتى كادت أطرافهم تتجمد من البرد وعند عودتهما إلى الزنزانة لم يستطع الأخ الثاني أن يتوقف عن البكاء فأمره المجرم بالسكوت فلم يستطع فأخذ ملابسه فبللها بالماء ثم رماها إليه وأغلق عليه باب الزنزانة كأن شيئا لم يقع والأخ الفلسطيني رغم شجاعته وصلابته وثباته فقد أصيب بسبب التعذيب بعدة أمراض منها الربو الذي يخنقه حتى تكاد أنفاسه تنقطع ولا من يهتم لحاله بل يسخرون منه ويقولون عنه أنه يمثل فقط حتى سمعنا اختناقه وآلامه في ليلة من الليالي فلا ندري أين أخذوه وهل فارق الحياة أم ماذا جرى له ؟؟؟ نفس الشيء مع صديقه وهو رجل كبير السن ونحيف الجسم كنا نقول بعد كل ليلة لا ننام بسبب أنينه وعذابه بسبب آلام قرحة المعدة أنها آخر ليلة له في هذه الحياة لكن لا من يهتم له. الطبيب المجرم السارق عندهم له حقيبة فيها بعض المسكنات الرخيصة ولا يعطيها إلا لمن تجاوز الأربع والخمس سنوات في ذلك المكان .


كل السجناء يعانون الأمراض هناك وآثار ذلك رأيتها حين ترحيلي ففي مطار دولة عربية توقفت بها الطائرة للتغيير (ترانزيت) لم أعد أتحمل الوقوف من تعب السفر فقدموا لي بعض الإسعافات الأولية حين ذاك عرفت أن وزني قد أصبح 49 بعدما كان 76 كيلو غرام فذهل الجميع من هذا الأمر حتى سمعت مسئولا أمنياً في هذا المطار يقول لصاحبه هؤلاء النصيرية كلاب وأنجس من اليهود بعدما علم من أين قدمت . الإنسان يموت هناك كالحشرة لا يساوي شيئا .ولا حول ولا قوة إلا بالله .



المجرم هاني : لا يرتاح ويشغل باله ووقته في توريط الإخوة واكتشاف طرق جديدة لتعذيبهم والتضييق عليهم أكثر ومن خبثه أنه إذا سمع سجينان يتكلمان يعذبهما وجيرانهما لأنهم لم يبلغوا عنهم حتى الذي كان نائم ساعتها يعذبه . وكذلك ما يختص به هذا المجرم هو أنه يوزع الفطور في منتصف الليل وهو الوحيد الذي يفعل هذا الأمر فحين يكون الإخوة في نوم وسبات يشرع في السب والصراخ لتوزيع الطعام وإفزاعهم وإيقاظهم من النوم .وفي الصباح لا تأخذ شيئا حتى الساعة الثانية بعد الظهر وهي وجبة الغداء.


المجرم : أسعد هو نائب المدير وأحيانا يقوم بدور السجان هذا هو الذي عذبني في الأسبوع الأول حين رفضت إخباره عمن كان يتكلم مع صاحبه من جيراني . عمره 42 سنة وطوله 180 سنتم دينه نصيري ( قرد) بدين الجسم خفيف الشعر من الأمام.


المجرم : حسين رئيس مجموعة سجانين ، 20 سنة عمل وتعذيب للموحدين عمره 48 تقريبا بدين الجسم قصير القامة أصلع الشعر صوته خشن , هذا المجرم لا يفارقه السوط كأنه مغروس في يده ملتصق بها لا ينزعه أبدا .


المجرم علي: عمره حوالي 32 سنة وطوله 176 دينه سنتم نصيري (قرد) قوي البنية هوايته تشديد المراقبة عند المرحاض وتعذيب الشباب هناك . أسنانه متضررة بشكل كبير بسبب التدخين يضرب ويسب دين الإخوة عند المرحاض بدون سبب , وأذكر أنه عذب أخا حتى كاد يموت بسبب إضرابه عن الأكل.


سؤال : ما نوعية الطعام هناك ؟؟؟


الجواب : حين اعتقلوني لم أذق الطعام لمدة ثلاثة أيام وطريقته هي كالتالي : في الصباح يوزعون كأس صغير ليس له من الشاي إلا الاسم فقط وخمس حبات زيتون طعمه شديد المرارة وملعقة صغيرة من المربى يصيح المجرم بسخرية ( خرج كوبك تأخذ لحسه) وببيضة في الأسبوع وثلاث رغائف رقيقة كل 24 ساعة حين تتركها لمدة خمس دقائق فقط تصبح مثل صفيحة قصدير، أما وجبة الغداء فهي حبة بطاطس واحدة صغيرة وحبة طماطم صغيرة وكوب صغير من البرغل هذا هو نظام التغذية هناك وكما سبق وقلت: كل الأسرى هناك وبدون مبالغة ، وأؤكد الكل مصاب بأمراض المعدة والأمعاء المختلفة.


سؤال : ما هي الجنسيات المتواجدة هناك ؟؟؟


تجتمع في “فرع فلسطين” كل الجنسيات العربية وغيرها وخاصة الفلسطينية لأن الفلسطيني على الخصوص لا أحد يطالب به لا حكومة عباس ولا حكومة هنية، فالفلسطينيون يبقون هناك إلى أن يشاء الله ومنهم من زال موجوداً هناك منذ 5 سنوات وكذلك الحال من قبل مع اللبنانيين والسعوديين فمنهم من لم يتمكن من إخبار سفارة بلاده أو أسرته إلا عن طريق سجين مسفر أو حارس برشوة كبيرة، وإلا فسيظل هناك ولا يسأل عنه أحد كالإخوة العراقيين والأفغان والفلسطينيين طبعاً. وكذلك هناك إخوة مهاجرون من الأردن واليمن وتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان وغيرها من البلاد الأخرى .


سؤال : أذكر لنا قصصا بقيت عالقة في ذاكرتك ولن تنساها؟؟؟


كثيرة والله ومما يحضرني الآن قصة شخص فلسطيني ينتمي للحركة الشعبية لتحرير فلسطين لم نعرف مخالفته ماهي . ألقوه في الانفرادية ولضعف إيمانه أول يوم بدأ ينشد الأشعار والأناشيد العلمانية ويتغنى بحركته وثورتها واسترجاع القدس وغير ذلك … بعد أيام صار يصرخ ويستغيث بالمخلوق من قادة فصيله وينادي بأسمائهم ضل هكذا ونحن ننصحه ونحاول التخفيف عنه حتى صار يصيح بالعامية اللهجة الشامية ( حطخ خرجوني من هون حطخ … حطخ ….) يعني سأجن سأجن كان يصيح هكذا ليل نهار لأزيد من شهر حتى جن جنونه وأخرجوه وملابسه قذرة تمتلئ بالبراز والبول ورائحته جد منتنة ولا ندري أين أخذوه بعدها .


ومرة أخذوني للتحقيق وسمعت صوت امرأة تبكي وتنتحب وتصيح أخرجوني من هنا أخرجوني ويجيبها المحقق ستخرجين بعد أسبوعين اسكتي وهو يسبها وعلمت أن هناك نساء ينجبن أي يضعن مواليدهن في الزنازين وأزواجهن معهن في نفس السجن ولا يسمح لهم برؤية أولادهم. فهنا حين يتهم الشخص يعتقلون كامل أسرته . وقد حكي أن أخاً قد اعتقلت زوجته معه وأنجبت هناك بعد شهر من أسرهما ولم يسمحوا له برؤية ابنه حتى كان يصرخ ويذكر قصص كفار قريش وكيف كانوا يتعاملون مع الأسير والنساء والأطفال وكان بجواره جاسوس يكتب على الجدار كل ما يتلفظ به الأخ ولما سمع المحقق بهذا الأمر سمحوا له برؤية ابنه في مكتب المحقق لدقائق فقط مع العلم أن هذا السجن لا توجد فيه موظفات، فكل الموظفين ذكور.


وكذلك بلغني هناك أن الشيخ أبو مصعب السوري – فك الله أسره – قد مرَّ من هناك بعدما سلمته أمريكا للنصيريين وهذا بعد عناء طويل وتنقل مستمر في السجون السرية الأمريكية وقد بقي هناك إلى أن جاءت قضية فتح الإسلام وبعد اعتقال الشيخ شاكر العبسي –فك الله أسره – وقيام الإخوة بعملية استشهادية على هذا السجن تم ترحيل الشيخين لمكان مجهول وهناك قادة ومشايخ آخرون لا أذكر أسماءهم في سجون النصيرية.


وهناك أخ شاب مرة جاؤوا به وكنا نناديه ولا يسمعنا لأنهم أخذوه بعد اعتقاله لغرفة مظلمة وعذبوه عذابا فظيعا حتى سال الدم من أذنيه وثقبت طبلتها وحين أدخلوه المنفردة لم يكن يعرف الشهر ولا اليوم هذا ولا حتى أوقات الصلاة من شدة العذاب وجسده وملابسه ممتلئة بالبول والغائط وعمر هذا الشاب لا يتجاوز العشرين سنة وكانت تهمته هي الانتماء لفتح الإسلام وقد جلدوه حتى تمزق جلد ظهره ونزف دماً وأيضا أرغم على الوقوف 32 ساعة حتى انفجرت قدماه دماً ونزعت أظافرها وبقي المسكين لأسابيع مقيد اليدين للخلف ومغمض العينين وكل يوم يذوق فيه العذاب ولا أدري هل مات أم لا يزال على قيد الحياة.


وهناك أيضا شاب أفغاني عمره 19سنة اعتقلوه وهو في طريقه للعراق لنصرة إخوانه ومنذ 2005 وهو هناك في عزلة انفرادية وسبحان الله هذا الأخ ثباته غريب ونادر فهو لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمتين اثنين : “إن الفرج قريب” وكلما حاولنا التواصل معه لا يعرف إجابة سوى هاتين الكلمتين وثباته وتحمله ما شاء الله نسأل الله أن يعجل فرجه, وقد حولوه مرة للمهجع وهي أمنية كل أسير في الانفرادية هناك على ما فيها من زحام وعذاب لكنه يهون أمام الانفرادي لكنه طالب الرجوع للعزلة وسط ذهول واستغراب الجميع وهذا بسبب بعض المنكرات الموجودة في المهاجع لأنها تضم كل القضايا كالتدخين والكلام القبيح وغيره ….


السائل : هل من كلمة أخيرة قبل ختم هذا الحوار؟؟؟


كلمتي للمسلمين في كل مكان عامة ولعلمائهم ومجاهديهم طليعة الأمة بصفة خاصة . هذه رسالة من إخوانكم في سجون النصيرية كُلفت أمانة تبليغها لكم، فانظروا ما أنتم فاعلون



اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت …اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت… اللهم فاشهد






في الذكرى العاشرة لرحيله: قدور اليوسفي واعتقال والدي الحاج الجيلالي لعماري بقلم عبد الله لعماري

الحلقة الثالثة

اعتقال والدي الحاج الجيلالي بأمر من قدور اليوسفي.

الطريقة التي دخل بها البوليس إلى منزلنا، والشرر الذي كان متطايرا من عيونهم ومن كلماتهم الغاضبة، وإصرارهم في أمر الوالد، أن يستقدمني عندهم في صباح الغد، كما بلغتني وقائعه عبر العائلة، فهمت معه أن القوم قد اكتشفوا أمري وكل مايتعلق بي.

وفهمت معه أن البحث عني سيشتد، وأن علي أن أختفي، لأنهم لو وقعت في أيديهم فإنهم سينتقمون على ماسبق مني من تضليل لهم، وعلى ماتسببت لهم فيه من إحراج وتأنيب من كبارهم، ثم إن التحقيق سيكون هذه المرة أشرس مما كان من قبل، وأن كلمة لاأعرف التي كنت أصرفها لهم فيما سبق من جولات ، لن تصبح مجدية، وأن ضريبة الصمود والتحمل ستكون غالية.

فكرت أن أتسلل إلى منزلنا بعد أن يكون الليل قد أطبق بسدوله، وتكون الحركة قد انهمدت في الأزقة، لأحمل بعض أغراضي وبطاقتي الوطنية التي كنت قد نسيتها.

وفي الثالثة صباحا، أرسلت من أصدقائي من يمشط لي المحيط كي يعطيني إشارة التحرك والتسلل الحذر، حتى لا أوقظ أحدا، ولكن وياليتني لم أعد، فقد كان الوالد رحمه الله صاحيا، لم يغمض له جفن من هول ماكان يترقبه في صباح الغد مما استشعره من بأس مرتقب من البوليس.

فهم رغبتي في الإختفاء والهروب، فأقسم علي أن لا أغادر وأن أسلم نفسي للبوليس في الصباح، وحاولت أن أشرح له أن الأمر جلل، وضخمت له كذبا بعض الأسباب الخطيرة لكي يتركني،وأنهم يبحثون عن السلاح، لكنني ليتني لم أفعل، فقد ارتاع المسكين لما سمع وأمسك بخناقي وهو يقول: أنت متورط في هذه الأمور الخطيرة وتريدني أن أتورط معك، ولما حاولت الخروج من الباب والتملص من قبضته، ارتفع صراخه حتى يرغمني على البقاء، وفي هدأة الليل كان الأمر محرجا جدا وفاضحا جدا، لما بدأت نوافذ بيوت الجيران تنفتح، والأضواء تشتعل، وتدخل الأصدقاء بصعوبة لافتكاكي من قبضته، بالرجاء والمناشدة.

كان تصرف الوالد نابعا من رؤيته للأمور بعيون سنوات الخمسينيات زمن جبروت الاستعمار البغيض، وكان قد اعتقل وعذب بشدة من طرف جلاوزة الإستعمار لمشاركته في العمل الفدائي الوطني، ولأن كتابه القرآني الذي كان يدرس فيه الأطفال بكاريان سنطرال، كان معبرا للسلاح بين الفدائيين، فانكشف أمره.

ثم إنه كان يرى الأمور بعيون سنوات الستينيات والسبعينيات،في مغرب الاستقلال، وما وقع للاتحاديين وعائلاتهم، خاصة وأننا في حي البرنوصي، كنا مجاورين لعائلة دهكون عمر وبعض رفاقه من الثوار الاتحاديين الذين شاعت الأخبار في البرنوصي بما وقع لهم في دار المقري ومعتقل الكوربيس بماتشيب من أهواله الولدان .

لذلك كان مسكونا برهاب شديد، في الوقت الذي كنت أهون فيه مما قد يقع، ومطمئنا إلى أن الوالد لن يتعرض لشيء بسببي، وأن سنوات الستينيات والسبعينيات ليست هي الثمانينيات، وأن بطش الأمس كان يتعلق بتنظيمات إتحادية مسلحة، أما تنظيماتنا نحن فهي مجرد عمل حركي دعوي وسياسي حتى.

مع الثامنة صباحا حل أصحابنا الأمنيون ببيتنا، فحكى لهم الوالد ماوقع، لكنهم لم يتركوه، وشددوا عليه أن يرشدهم إلى بيوت رفاقي ، ولكنه إمتنع بإباء شديد، متظاهرا بأنه لايعرف رفاقي، وفي الحقيقة فإنه كان يعرفهم جد المعرفة، ولكنه احتاط أن يؤدي ذلك إلى وقوع كوارث غير منتظرة، وعندها أمروه بأن يرافقهم ليرشدهم إلى منازل كل أقاربنا في الدار البيضاء، وهكذا أمضوا معه يوما كاملا يجوبون أحياء المدينة، حتى أرشدهم إلى مايقارب عشرين منزلا من منازل أقاربنا، كلما حلوا بمنزل تركوا هاتفهم لأقاربنا محذرين إياهم ومهددين إذا مازارهم عبدالله ولم يخبروا عنه.

كان الوالد يسألهم عن سر هذا الإهتمام الكبير بإبنه، فيخبرونه بأن إبنه رجل خطير.

حينما إنتهت مهمتم في المساء، وانتظر الوالد أن يعيدوه إلى بيته، زجوا به في كوميسارية لمعاريف، بأمر من قدور اليوسفي، الذي كان يرى أن اعتقال والدي سيعجل بعودتي إليهم وتسليم نفسي لهم.

وهكذا وجد الرجل الوطني الفدائي الذي ذاق الاعتقال أيام الإستعمار ، الفقيه البسيط، الذي يقضي يومه في تعليم الأطفال، وليله بين أبناءه الصغار، وجد نفسه يبيت أول ليلة له من عمره في مغرب الإستقلال في كوميسارية لمعاريف، دون ذنب إقترفه سوى أنه والد ناشط إسلامي مبحوث عنه. بالرغم من أنه ليس متفقا معه ولاراضيا على نشاطه.

الحاج الجيلالي لعماري في جحيم كوميسارية لمعاريف، وكرامة تحول الجحيم إلى نعيم.

بعد يوم مضن من التطواف طولا وعرضا في مدينة الدارالبيضاء رفقة البوليس، والكشف لهم عن كل أقاربنا، جيء بالوالد رحمة الله عليه، ورمي به في واحد من عنابر لمعاريف، لم يرحموا شيبته، ولابساطته، ولا سابقته الفدائية، ولم يشفع له ماظل يحكي لهم طوال النهار وهو برفقتهم في سيارتهم، من أنه غير راض عن ابنه فيما سار فيه، ولا ماعرضه عليهم من آراء وطنية، كان المسكين مبرزا فيها، و معروف أنه كان يخطب بها في التجمعات السياسية لحزب الإستقلال.

ألقوا به في لجة الإعتقال وهم غير راضين على ذلك، ويتأسفون، ولكنهم ينفذون تعليمات الرأس الكبير قدور اليوسفي، الرجل الذي كان يشرف على كل قضايا السياسيين، من مجموعات يسارية وإسلاميه،وكانت له فنونه الرهيبة وأساليبه، ومنها هذا الضغط على الإبن باعتقال والده.

كان الوالد، لما رمي به في عنبر من عنابر لمعاريف المكتظة بعشرات موقوفي الجرائم العادية، كان مرعوبا مكروبا من هول مايتصوره أنه قادم، فقد كان سياسيا من حزب الإستقلال، ووعيه الشقي يوجعه الآن مما سمع به الكثير عن مغرب الإستقلال في بدايته وما كان يقع في كوميسارية الستيام، وماوقع خلال 1963، وماوقع سنة 1973، كان خائفا ممايتوقعه إلى الدرجة التي لم يكثرت معها بالإككتظاظ وتزاحم الأجساد، الذي لو رميت معه بإبرة فلن تنزل إلى الأرض.

كانت لمعاريف جحيما لايطاق، من الخوف، وقد سارت بذكره الركبان في ربوع البلاد، والجوع، فلم يكن مسموحا بإدخال مايؤكل، وليس هناك سوى خبز شبه يابس لو كان أحدهم محظوظا وفاز به، والبرد، فلم يكن هناك سوى الإسفلت العاري.

ثم جاء الفرج الإلهي، فقد كان الوالد رحمه الله رجل القرأن يتلوه سرا وجهرا وعلى كل أحواله، لا تراه على الدوام سوى محركا به شفتيه.

وفيما هو بالكاد يتحسس مكانا يقتعده بين المعتقلين، لاذ بقراءة القرأن كما هي عادته، فهرع إليه هؤلاء المعتقلون يسألونه عن سر وجوده في لمعاريف وهو الفقيه المحترم، فأخبرهم القصة كاملة وأنه والد المعتقل الإسلامي الهارب عبدالله لعماري، والحال أن قصتي كانت قد أصبحت معروفة بين عنابر لمعاريف، لسبق مروري من دهاليزها.

وقيض الفرج الإلهي أن كان في ذلك العنبر، رجل كان بمثابة الأمير المحظوظ في كوميسارية لمعاريف كلها.

إنه الفقيه الصمدي رحمه الله، خطيب الجمعة الشهير ذائع الصيت بمسجد حي لالة مريم، سنوات السبعينيات والثمانينيات، والذي كانت جماهير جمعته هي الأكثر احتشادا على الإطلاق، لكونه كان له اللسان السياسي الأكثر سلاطة و الألذع تهجما على الأوضاع.

جيء بالوالد إليه فعانقه وأفسح له مكانا واسعا بجانبه، وأفرش له من جلابيبه وألبسه سلهامه، وقد كانت قصتي لديه معروفة، وأزال عن والدي مابه من خوف، وما اعتراه من حزن.

وللفقيه الصمدي بكوميسارية لمعاريف قصة عجيبة، فقد زج به في لمعاريف في حملة الإعتقالات التي شملت قياديي الشبيبة الإسلامية وكذا الجماعة الإسلامية، ولم تكن له أي علاقة مع أي من تنظيمات الحركة الإسلامية، ولكن تم إقحامه في الإعتقال لتأديبه حتى يخفف من تهجماته على الأوضاع.

وكان أن جاءت بصدده توصية من جهة عليا للعناية به والسماح لعائلته بإدخال قفة المأكولات والحاجيات إليه، غير أنه ومن عجائب وغرائب مايحدث في الدنيا، ولما كانت التوصية عالية جدا جدا ونافذة جدا جدا، فقد نفذها مسؤولو لمعاريف حرفيا بشكل واسع جدا جدا، فما الذي حصل؟

سمع أغنياء الدار البيضاء من محبي الصمدي بشأن هذا السماح بالقفة، فتنافسوا بينهم على جلب الأطعمة الباذخة والكثيرة، فكانت تدخل للفقيه الصمدي في اليوم عشرات القفف، وحده دون غيره من المعتقلين، فيقتسمها مع الحراس ومع كل المعتقلين، ويبقي له ولوالدي نصيبا وافرا ورفيعا، حتى إن الوالد لقد أخبرني تعجبا أن الأطعمة والحلويات التي رآها في لمعاريف لم ير أرفع منها ولا أبذخ منها من قبل.

وهكذ عاش الوالد في رعاية الصمدي وباقي المعتقلين أياما سعيدة وهانئة، طعاما وافرا وفراشا وثيرا من جلابيب الفقيه الصمدي ومكانا واسعا باحترام وإيثار المعتقلين، وعشرات الختمات القرآنية مع رفيقه، وأجواء غنية بالمناقشات المفيدة في علوم الدين والواقع، وحافلة بالتسرية عن النفس بالمرح والمؤانسة، وقد كان الصمدي رحمه الله صاحب طرافة ودعابة.

ولله في مشيئته شؤون ، فقد تحول الجحيم الذي رمي فيه الوالد إلى نعيم من الساعة الأولى التي حل فيها بمعتقل لمعاريف.

الوالد الحاج الجيلالي في كوميسارية لمعاريف، بين المرحوم العمراني وبين بنكيران.

مكث الوالد رحمه الله فترة في الإعتقال، بسبب أن المرحوم العمراني كان مصرا على الإنكار والإخفاء بشهامة الأبطال، مقابل وفائي بالعهد معه على إنكاري العلاقة التنظيمية معه، وقد كانت في خطورتها بمكان، لأنها كانت في أعلى سدة القيادة لتنظيم سري.

بينما كان بنكيران متماديا في الكشف، ومتعاونا مع الجهات المعنية في تحديد معالم خارطة التنظيم الحركي الإسلامي، والذي كانت تكتنفه السرية بقطبيه، القطب الأكبر: الجماعة الإسلامية، و الأصغر ممثلا في الإخوة الذين بقوا على ولائهم لمطيع واستمرارهم في الشبيبة الإسلامية، على أساس التوجه الجديد وهو خوض تجربة الكفاح المسلح لإسقاط النظام السياسي، وهو وهم كبير كان يزرعه مطيع في عقول الشباب، وكذبة كبيرة مبنية على مسرحية سينيمائية استدراجية للشباب لتوريطهم في محرقة، كانت لها أهداف خبيثة مأجورة دولية ومحلية، ولم يفطن بها الشباب إلا بعد لأي، وحتى وجدوا أنفسهم في السجون في زنازن أحياء الإعدام وعنابر السجن المؤبد، ووجد البعض نفسه في المقابر مغدورا، قد ذهب بمظلمته نحو ربه، ووجدت عائلات هؤلاء الشباب نفسها في نفق مأتم دائم مديد عبر السنين الطويلة، قد باعت معه كل ماتملك، وانغمرت في أوحال الفقر المدقع، بينما اغتنى تجار الحروب الوهمية، وسماسرة الأنظمة وأجهزتها، ووجدت نفسها هاته العائلات تسقط قتلى وهلكى حصائد الأمراض الفتاكة، تسقط ثكلى وحرضا في طريق الحسرات والعذابات، تسقط كمدا على الغدر بأبناءها والنصب عليهم والتغرير بهم، بينما الغادرون النصابون يمرحون ويسرحون قد انتفخت رقابهم وأوداجهم من سمن وشحم العلف المشبوه الحرام الذليل ، وتهدلت بطونهم من أكل السحت الحقير. .

وهذا موضوع طويل عريض.

المهم أن الوالد رحمه الله مكث فترة في المعتقل، وقد تناساه من زج به في هذه الظلمات، والتي حولها له الله الحي المغيث إلى أنوار وضياء وفيوضات، بسبب شهامة المغاربة الذين ولو كانوا من عتاة المجرمين فإنهم يعزون أهل القرآن، وبسبب عناية الفقيه الصمدي رحمه الله.

ولم يفطنوا له ويفرجوا عنه، حتى قرر كبير الأمنيين قدور اليوسفي بأمر من إدريس البصري، قرروا نقل المعتقلين الإسلاميين من لمعاريف إلى المعتقل السري درب مولاي الشريف، ليخضعوهم للطقوس التقليدية التي عاشها من سبقوهم من معارضين سياسيين من مناضلين اتحاديين ومناضلين يساريين وماركسسين لينينين، حتى يعلم ويتعلم من لايعلم من الإسلاميين، أن المعارضة السياسية ليست حبلا على الغارب، وليست سبيلا هملا سائبا عفو الأحلام أو الأوهام والشعارات، وإنما هي مضمار وعر وموحش مشمول بالضريبة القاصمة للظهر، وقد ألف الإسلاميون من قبل، واستمرؤوا ولعشر سنوات خلت، أنهم تركوا دون حسيب ولا رقيب، يتحدثون ملء أفواههم، كما يحلو لهم، كيفما شاؤوا وعما شاؤوا ومتى شاؤوا.

في الوقت الذي كان البوليس قد اصطحب معه الوالد، إعتقدت في البداية أنهم لن يبقوه عندهم، وإذا حصل فإنما هي ليلة أو ليلتين، فالمغرب ليس هو مصر عبدالناصر، وليس هو سوريا حافظ أسد، وليس هو عراق صدام، وليس هو جزائر بومدين، وليس هو ليبيا القذافي، ثم إن هناك مرحلة كنا نعد لها للخروج من عتمة السرية والإندماج في النسيج السياسي العام، كما فعل الحزب الشيوعي المحظور فأصبح حزب التقدم والإشتراكية، وكما أنهى الاتحاديون حالة التوتر مع النظام بتأسيس الإتحاد الإشتراكي، وكما عاد معارضو منظمة 23 مارس من المنفى سنة 1980 وأسسوا منظمة العمل الديموقراطي الشعبي.

كنت مطمئنا، لذلك رحت أتحرك في الميدان لأشغل الفراغ الذي تركه إعتقال العناصر القيادية، ولأجيب عما يطرح من تساؤلات حول خلفية هذه الحملة المفاجئة، لأجيب بما كان له دور في رفع حالة الإضطراب والإرتباك، سيما وأنني قادم من قلب المعركة ومن صلب الحدث.

ثم إنه ليس في ثقافتنا وارد تسليم أنفسنا، فقد كنا نعتقد أن تسليم المناضل نفسه هو من قبيل الإستسلام و الإنهزام، وهو مالاينبغي أن يكون.

لكن ولما طالت المدة أكثر من ليلتين، بدأ روعي يمور بغضب شديد، وفكرت في أن أتدارك الأمر وأواجه المصير بشجاعة وأنقذ الوالد من هذه الورطة، لولا أنه رحمه الله أرسل إشارة مشددة من معتقله، يوصي بصرامة أن لا أسلمهم نفسي، ويطمئن على أحواله التي هي على أحسن مايرام كما جاء في توصيته، كان خائفا على إبنه حتى وهو في قلب الخوف، كبد الآباء على الأبناء حتى ولو كان هذا الكبد مفطورا.

كان الوالد رحمه الله يدرس الأطفال منذ عهد الإستعمار في البادية وفي الدارالبيضاء في كاريان سنطرال وما حواليه، فوجد من تلاميذه من أصبح ضابطا ومن أصبح عميدا ومن أصبح حارس أمن، وكان المعلم في ذلك الزمن لايزال يحظى بحب وتعلق وتقدير تلاميذه، لذلك وجد الوالد من يقدم له الخدمات في هذه الظروف الحالكة دون أن يكشف لأي كان عن وسطاءه.

في الذكرى العاشرة لرحيله: قدور اليوسفي واعتقال والدي الحاج الجيلالي لعماري.الحلقة أولى

بقلم عبد الله لعماري

في الذكرى العاشرة لرحيله: قدور اليوسفي واعتقال والدي الحاج الجيلالي لعماري.حلقة أولى

مرت عشر سنوات على ارتقاء الوالد إلى الرفيق الأعلى، سريعة كسرعة الدهر الذي يجري كما تجري الشمس نحو مستقر لها، إذ افتقدناه رحمه الله سنة 2012 في متم شهر شتنبر.

وإذ أستحضر الذكرى أستحضر معها مايميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، في فضيلة التشبت القوي للأبناء بذكريات وآثار ومناقب الأباء والأمهات، فتبقى تلك الآثار والمناقب معالم هادية في مسار الحياة، ومظلات واقية وحامية للأصول والجذور والموروث الجمعي في الهوية والقيم والأمجاد.

ووالدي الحاج الجيلالي رحمه الله، كان هو المدرسة الأولى لي الحياة ، التي فتحت عيني على المبادئ العليا والقيم السامية والمثل النبيلة، غير أن تشربي لهذه المرجعية الصافية الراقية قادني بعيدا في الإبحار والإيغال في لجج الأمواج العالية العاتية، لما حملت في عقلي وروحي وعلى كاهلي مثل شرفاء البلاد هموم مستقبل وطن في الحرية والعدالة والكرامة.

لكنني وأنا أحلق في هذا الفضاء الحالم أرهقت معي المعلم الأول الحاج الجيلالي إرهاقا عرف فيه بسببي رعب الاعتقال، وعرف فيه أيضا ظلمات سنوات الجمر والقهر والرصاص.

ففي سنة 1981 شهر ديسمبر، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقال واختطاف في عموم المدن المغربية استهدفت الصفوف القيادية للحركة الإسلامية آنذاك في الخط التنظيمي المرتبط بما عرف بالشبيبة الإسلامية، بعد أن تم تحويله إلى ماسمي بتنظيم الجماعة الإسلامية، وكنت واحدا من المجموعة القيادية السرية لتنظيم الشبيبة الإسلامية، التي باشرت هذا التحويل، وأسست وقادت التنظيم الجديد للجماعة الإسلامية.

كان ظاهر هذه الحملة من الإعتقالات هو أن تتمكن الأجهزة الأمنية من إعادة اكتشاف ورسم الخريطة التنظيمية الجديدة لهذه الحركة الإسلامية، والوصول إلى الفرز بين قياديي الجماعة الإسلامية وبين من تبقى في الشبيبة الإسلامية.

كانت هذه مهمة أمنية بسيطة تباشرها الأجهزة الأمنية السياسية الميدانية، ولكن الهدف الباطني والخفي الذي كانت تتوخاه الاستراتيجية الأمنية العليا للمهندسين الأمنيين الكبار، هي إعادة ترتيب أوضاع الحركة الإسلامية من خلال تشكيل التوجه الجديد الذي استخلف كليا الشبيبة الإسلامية، وهو تنظيم الجماعة الإسلامية، وذلك باتخاذ الاعتقال وسيلة تصفوية وتطهيرية تروم صوغ الجماعة الإسلامية بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة وحملها على القطيعة مع الماضي بتفكيك بنيتها الفكرية السابقة وبنيتها التنظيمية السرية.

وهكذا تم تشديد الظغط داخل المعتقل على العناصر القيادية الأصيلة والرئيسيةلإقصاءها من الترتيبات المستقبلية، وكان المستهدف الأكبر من هذه العملية التطهيرية هو المرحوم الحاج علال العمراني، فقد كان العمراني هو القيادة الفعلية والميدانية للشبيبة الإسلامية، طيلة عهودها، ولما نشأت الجماعة الإسلامية سنة 1981 كان هو العقل المدبر والمفكر، وهو القائد التنظيمي المباشر، على عكس مايدعيه لنفسه الآن عبدالإله بنكيران. وكان الضغظ عليه يروم كسر معنوياته وحمله على الإنسحاب بعد الخروج من الإعتقال لإفساح المجال لمن كانت تعده هذه الإستراتيجية الأمنية ليكون مقدم هذه الجماعة وغفيرها.

أما علاقة هذا الحكي بشقاوتي وشقاوة والدي معي بسببي في هذه الحملة من الإعتقالات، هو أنني أعتقلت بالصدفة في منزل المرحوم العمراني، لما كنت قد قدمت إلى منزله لتفقد أبناءه وحاجياتهم بعد إختطافه بأيام، وصادف وجودي على باب المنزل، استقدامه من طرف الأجهزة الأمنية لتفتيش بيته، فكانت فرصة ثمينة للأمنيين لاصطيادي بدون عناء، وكانت صدمة قاسية لأخينا المرحوم علال العمراني،الذي رأى في هذا الاعتقال/ الاصطياد نكبة ستحل به وستحل بالتنظيم السري الذي كنا نقوده جميعا دون أن أكون معروفا.

حينما كان الأمنيون يسوقون المرحوم علال العمراني إلى بيته من أجل التفتيش، كنت أنا واقفا على باب بيته في الطابق الخامس والأخير، وإذ لحقوا بي دون أن أفطن، أسقط في يدي ، فلم يبق لي مجال في أن أصعد إلى أعلى لأتفادى مواجهتهم، ولم يبق لي سوى مجال المناورة، وفي ثانية قاسية من الزمن القاسي، ارتسمت في ذهني خيوط المناورة حينما التقت العيون بالعيون، في لحظة كان فيها العمراني قد اسود وجهه واربد من وقع صدمة المفاجأة.
فرح الأمنيون بضبط صيد ثمين، قد يكون لهم في نظرهم أفضل مما قد يأتي به التفتيش، وفوجئ المسكين علال العمراني وأنا أنقض عليه بعناق حار مصحوب بقبلات حارة، وأنا أناديه بصوت بدوي في المدينة ،كيف حالك آلفقيه، ثم أعرج على باقي الأمنيين بالعناق والقبلات، متظاهرا باعتباري لهم ضيوف الفقيه. وقد كان العمراني إمام الجمعة في مسجد بورنازيل.
لم ينطلي عليهم هذا التظاهر، وتوعدوني أنهم سيعرفون مني بعد حين هذه القصة ، قصة الفقيه.
في لحظة خاطفة، غافل العمراني الأمنيين الغارقين في التفتيش والجرد، ليهمس في أذني رحمه الله كلمة تهد الجبال مما كانت تطفح به من ألم المحنة والخوف، فقال لي: لاتذكرني ولو قطعوك إربا إربا، فأجبته بنفس النبرة والحمولة: لن أذكرك ولو ذوبوني وصيروني بخارا. وكنت بالفعل أهيء نفسي لصلابة العزم في معركة قادمة قاسية.
في كوميسارية لمعاريف سيئة الذكر بالرعب في ذلك الزمن، سأعرف القصة كاملة بكل فصولها الدامية، وكيف كان المرحوم العمراني في محنة شديدة، ذلك أنه كان يدفع عن نفسه كل معرفة وكل مسؤولية عن تنظيم الشباب، ويتنصل من ذلك بكل ماأوتي من قوة ومن إصرار ومن دهاء، بالرغم من أنه كان في واقع الأمر الكل في الكل، وكان الرأس الكبير في العمل كله، كان يؤكد للأمنيين بأن علاقته بالشبيبة الإسلامية كانت من خلال الجمعية، وليس من خلال الحركة، وأن الجمعية أغلقت أبوابها منذ سنة 1975 عند اغتيال عمر بن جلون، وأما الجماعة الإسلامية فلا علم له بها. لكن رفاقه الذين كان يظنهم رجالا كانوا يغدرون به وفي مواجهته بين يدي الأمنيين المحققين به، كان عبدالإله بنكيران يكشفه ويعريه وفي وجهه ويلقي عليه مسؤولية التنظيم كلها في وجهه وأمام المحققين، وكان سعد الدين العثماني يتحدث عنه بشفافية وبسخاء كبير وبكل أريحية، وكان العمراني يتشبت بالإنكار رغم الإحراج الشديد، وبينما هو كان يتخوف من التبعات في المستقبل، ومن محاكمات محتملة، كان هؤلاء في اطمئنان وهناء ضمير على المستقبل، ولكن بعض رفاقه من الدارالبيضاء كانوا رجالا أفذاذا واجهوا آلة التعذيب الرهيبة بالصمود والصمت،بالرغم من أنهم كانوا قياديين في التنظيم، أمثال محمد بيرواين وابراهيم بورجة وعبدالرحيم ريفلا وعبدالله بلكرد.
والآن جاء دوري، وقد ظن الأمنيون أنهم وضعوا أيديهم على الحجة التي ستقصم ظهر العمراني، وستحرر لسانه من عقاله، بعد أن سيتحرر لساني أنا الأول من عقاله، وسيصلون إلى الخريطة التي يبحثون عنها، رغم أن المؤلفة قلوبهم معهم الآنف ذكرهم أوضحوا لهم بعض هذه الخريطة.
لقد كنت في أيديهم غنيمة نفيسة، لذلك كان العمراني في كرب شديد من وجودي.

والدهم في الزيارات المكثفة بالليل والنهار، أنهم لا يبرحون صالة الضيوف، ولكن هؤلاء الوافدين الجدد دخلوا غرفة نوم والدهم،وبحثوا في دولاب الملابس، كنت جالسا أرقب هذا الوضع المحزن، ويجول في خاطري كم هي غالية ضريبة حمل فكرة للإصلاح والتغيير والإنبعاث، ومخالجة حلم وهم للإرتقاء بشعب ووطن وأمة.
في الطريق إلى كوميسارية لمعاريف، في السيارة التي تكدسنا فيها نحن والأمنيين، كنت مسكونا بفكرة واحدة: الهروب متى سنحت الفرصة، لأن الكلمة التي دسها العمراني في أذني لما قال لي لاتذكرني ولو قطعوك إربا إربا، تناسلت في ذهني بما تصورت به أن الأمر جلل، وأننا ماضون إلى مجزرة بما يشبه السجن الحربي وما وقع فيه للإخوان المسلمين في مصر جمال عبدالناصر، وقد كنا متأثرين بما نقرأ في الكتب التي روت فظائع ماوقع.

عبد الله لعماري


رمي بي في عنبر تتكدس فيه أجساد العشرات من موقوفي جرائم الحق العام، الروائح الكريهة للعرق ودخان السجائر والمرحاض الفائض والمغرق لمن يتمدد من حواليه، والإسفلت العاري إلا من بعض أجزاء الكارتون التي كانت من بذخ بعض المحظوظين.
كان الواحد من هؤلاء الموقوفين على ذمة جرائم السرقة أو القتل، يساق إلى مكاتب التحقيق ماشيا على قدميه، وحينما يعود، يعود محمولا في مانطا لايقوى لا على الوقوف ولا على الحراك ولا على الكلام، سوى كلمة واحدة يهمسها لرفاقه، أنه لم يعترف لهم، تلك هي لمعاريف أيام زمان.
كان هذا المنظر يمدني بإكسير الحياة ويبعث في طاقة عظمى على مواجهة ماقد يأتي، إذا كان هؤلاء يصمدون للتعذيب وهم قتلة ولصوص ورجال عصابات، فكيف بنا نحن المناضلون المثقفون النبلاء أصحاب الأفكار والدعوة إلى الله والطامحون إلى مجتمع أصلح وأفضل وأرقى، وكنت أبدأ في شحذ أسلحتي للمعركة القادمة، مع خصم يمتلك أسلحة هي وسائل التعذيب والبطش والإهانة لانتزاع الإعترافات، وأسلحتي التي أملك هي الصمود والتحمل والصمت والتحدي، هي معركة بين الآلة والإرادة، بين الفتك بالجسد وبين إستعلاء الروح وكبرياء الهمة والعزم.
ثم إن هناك هذا العهد الذي بيني وبين العمراني الذي استوثق مني واستحلفني أن لا أذكره، وهو الأعلم بما ينتظره، وقد حكى لي بحسرة، كيف أثقل عليه إخوانه وكشفوه وعاكسوا إنكاره في وجهه، دون ضغط ولا إكراه ولاحتى لطمة خد، و الأمر من ذلك، وقد حكى لي أن بنكيران والعثماني وآخرين كانوا يفعلون ذلك وهم يضاحكون القوم ويتلاطفون معهم وكأنهم في نزهة أصدقاء، وليسوا في معتقل محنة وتنكيل، بينما هو كان غارقا في هواجس الخوف والكمد وأوجاع الضغط والإكره والإحراج.
ثم إنه كان علي أن أخفي إخواني وأجنبهم محنة الاعتقال، وهم كانوا لايمارسون سوى أنبل الوظائف في توجيه الشباب وإرشادهم وتربيتهم على العقيدة الإسلامية والخلق الإسلامي والوعي السليم الذي ينهض بالأمة والبلاد في إطار تاريخها وهويتها وثوابتها الوطنية كما رسمه الكفاح الوطني ضد الإستعمار البغيض، وهم كانوا يمارسون ذلك دون تفكير عدواني أو تهديد لأمن البلاد أو المؤسسات، في إطار تنظيمي، كانت الأوضاع السابقة قد تساهلت مع وجوده حتى أصبح عرفا متعاقدا عليه بين الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وبين الحركة الإسلامية، ثم إن هذا التنظيم السري كنا قد أعددنا له خطة في إطار ماسميناه بالجماعة الإسلامية لتحويله إلى العمل الشرعي القانوني حالما تتهيؤ الإرادة السياسية للجهات العليا في البلاد لقبول وجوده القانوني، كل ذلك كان بفعل وتخطيط الفاعلين الحقيقيين في التنظيم، وليس كما يدعي عبدالإله بنكيران الذي لم تكن له أنذاك أي قيمة تنظيمية ولاقاعدة ولانفوذ تنظيمي.
ثم إنه كان علي أن أواجه هذه المحنة، وأن أنجح في هذا الإمتحان وأنا الآن في قيادة تنظيم الجماعة الإسلامية ، بعدما كنت قد نجحت فيه عند اعتقالي سنة 1979، لما كنت حينها من قياديي الشبيبة الإسلامية .

لا زلت أواصل الحكي، حتى يعرف القارئ الملابسات والأسباب الداعية إلى اعتقال والدي رحمه الله، والذي هو موضوع هذه الحلقات، وإنما فصلت في هذه الحلقات لأمهد لهذا الحدث المؤلم، الذي كان من منهجية الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، سنوات الجمر والرصاص، إذ كانوا يسوغون مؤاخذة الأب بجريرة الإبن.
ذات صباح، وبينما أنا متكوم إلى جانب الأكوام البشرية من أبناء الشعب البؤساء، الذين تآلفت معهم في ذلك العنبر، أعد العدة النفسية والفكرية لمواجهة آلة المحقق، إذ جاء النداء المزلزل بصوت أجش من حارس العنابر: عبدالله لعماري، تكعد آلصكع.
نهضت مستجيبا للنداء، فوجدت في انتظاري رجلا لطيف المظهر لطيف الحديث، رافقته إلى مكتب غاص برجال جميلي الهندام، وقد أثارني فيهم ذلك العطر الأخاذ الفواح في أرجاء المكتب، إلى الدرجة التي رافقتني فيها رائحة ذلك العطر عشرات السنين، إذ إنغرس في أعماق ذاكرتي، فكلما شممته تذكرت التحقيق والتعذيب في مكاتب الكوميسارية سنطرال.
بدأ الحديث لطيفا مهذبا بسؤالي عن علاقتي بالمرحوم علال العمراني، فكان جوابي أن الفقيه أصلي عنده الجمعة، وجئت عنده أستفتيه في بعض مسائل الصلاة، حاولوا مرارا استدراجي للحديث غير ذلك، وتمسكت بجوابي، وسئلت هل أنا من الشبيبة أم من الجماعة، كان جوابي أنني لاأعرف هذه الأسماء.
أمام إصراري على تجاهل مايريدون، تبخر الأدب وطارت اللطافة، وفي لحظة تطاير الشرر وزمجرت الشتائم، ودخلنا في مسلسل طويل من أنواع التعلاق والجلد، وكل ما كنا نعرفه في ثقافتنا، أنه التعذيب لانتزاع الاعتراف، كل شيء تغير في أصحابي المعذبين،من الرزانة والهدوء، إلى الخطاب المرغي المزبد البذيء، والنظرات الشزراء، والوجوه المكفهرة، والحركات المتشنجة باللكم والرفس. والمعاطف وربطات العنق المنزوعة والمرمية، إلا شيئا واحدا بقي صامدا في ذلك المكتب الذي تحول إلى حلبة افتراس الإنسان لأخيه الإنسان، شيئا واحدا كان صامدا ويعاندني في صمودي وإصراري على نفس الجواب ، إنه ذلك العطر الساحر العبق الفتاك بذاكرتي، النفاذ إلى أعماق أحشائي، والذي لم تقوى على تغييره سحائب دخان سجائرهم الأمريكية، وحده ذلك العطر بقي يشعرني أنني مع بني الإنسان وليس مع قطيع ذئاب.
بقينا في نفس اللعبة جولات وأياما حتى استقر رأي أصحابي على تغيير خطة اللعب، وانتقلنا إلى حي البرنوصي لتفتيش البيت، طامعين في فك شيفرة هذا الشاب الذي يتحدث ببداوة وسذاجة ودروشة من درجة البلادة.
في الطريق وفي البيت لما ولجناه، كنت اتربص بالفرار فرصة، وكنت أعول على بنيتي القوية لأتدافع، ولكن القيود كانت مانعة.
أمام بيتنا ولمانزلت من السيارة مقيدا ومحاطا بأصحابي الأمنيين، تحلق حولنا بعض الشباب بوجوه غاضبة، أومأت لهم بحركة ارتياح ، وقد كنت متخوفا من أن يبدأ القذف بالحجارة، خاصة وأن الصغار والشباب في حي البرنوصي يكرهون البوليس، ولما تندمل بعد جراحات ماوقع في البرنوصي خلال انتفاضة 20 يونيو، في معارك شوارع مع البوليس، سقط فيها جرحى وقتلى.
كان البيت من ثلاثة طوابق، ولما سألني أصحابي عن أي الغرف أضع فيها أغراضي، أجبتهم بأني أضعها في كل الغرف، وبأسلوب التحدي بدؤوا يفتشون كل الغرف، فيما فهمت شقيقاتي الصغيرات القصد من إلهائي لهم، فصعدن إلى غرفتي في الطابق الثالث، وأفرغن مكتبتي من كل الكتب والوثائق باللغة العربية، ورمين بها في أعلى السطح إخفاء لها، ولكنهن تركن في المكتبة الكتب وبعض الجرائد باللغة الفرنسية، ظنا منهن أن الكتب العربية كانت هي الكتب الإسلامية التي قد يبحث عنها البوليس.
غير أن الطامة الكبرى كانت في تلك الكتب والجرائد الفرنسية، والتي ستحول مجرى التحقيق برمته، وظل ذلك من المصائب والطرائف المضحكة.

محامي بهيئة الدار البيضاء معتقل ّإسلامي سابق

محامي بهئة الدار البيضاء معتقل ّإسلامي سابق

قَدْ زَارني عِيدِي ولمْ يأْتِ بِكِ

قَدْ زَارني عِيدِي ولمْ يأْتِ بِكِ 🥀
(بلسان كل أسـير؛ تثبيت ووصايا للزوجة)
〰️〰️〰️〰️〰️〰️

قَدْ زَارني عِيدِي ولمْ يأْتِ بِكِ
فازْدَدْتُ حينَ قدومِهِ شوقًا لكِ

لكِ زوجتي حُبّي وأَشْواقِي الَّتي
ما فارقَتْني منذُ يومِ فِراقكِ

لمّا أَتاني وحدَهُ عاتَبْتُهُ
وبدايةً فسألتُهُ عنْ حالكِ

يا عيدُ مَهْلًا إنّني ما زلتُ في
زنزانتي وَمِنَ السَّلاسلِ أشتكي

يا زوجتي قد فاضَ قلبي لهفةً
لِحياتِنَا ولِسَعْدِنا ولقائِكِ

أَفَأنتِ مثلي هكذا أحوالكِ؟
والذكرياتُ تعيشُ في أعماقكِ؟

ذيّاكَ محتملٌ ولكنْ فاعلَمي
أنَّ الَّذي ما بِي يَفوقُ خيالَكِ

مع أنّني في الأسـرِ أَقْضي غُربتي
لكنَّ أفكاري تُحلقُ حَولكِ

هذا الذي أرجوه منكِ وإنّني
أدري بأنّكِ لا تَرُدّي زَوجَكِ:

بِأَوامري يا زوجتي فَلْتَعْمَلِي
لتكونَ جنّاتُ الخلودِ جزاءَكِ

صُوني الذي قد كانَ يومًا بيننا
ولْتَحْفَظَيني في الغيابِ بِنفْسِكِ

فالصالحاتُ القانتاتُ صفاتُها
للغيبِ حافظةٌ بِنصِّ كتابكِ

أَدري بِأنّ البعدَ ليسَ بِهَيِّنٍ
لا تضْجَري؛ هذي مُشيئةُ ربِّك

وسَنَلتقي عمّا قريبٍ إنّني
أَحْسَنْتُ ظنِّي بالكريمِ، فَصَبرَكِ

حتّى إذا مَنَّ الإلهُ عليَّ بِالـ
فَرجِ القريبِ وَبِي فَقَرَّتْ عَيْنُكِ

أَنْسيْتُكِ المُرَّ الذي كابدْتِهِ
أَمدًا وعن كلِّ الأسى عوّضْتُكِ

وإذا رأيتُ وبَانَ جُهدكِ واضحًا
في العِلمِ في التعليمِ في أبنائِكِ

أَيْقنتُ أنْ خيرَ المتاعِ شريكتي
وحَمدتُ ربي أنْ حباني مثلَكِ

فَلْيَرْضَ عنكِ الله دومًا زوجتي
ولْيَعفُ عنكِ ويَستجِبْ لِدعائِكِ

أنا ما نَسِيتُكِ من دُعائي مُطلقًا
في كلِّ سجداتي أَخُصُّكِ بِاسمِكِ

أَدعو الرَّحيمَ بأنْ يزيلَ قُيودَنا
وَيَفُكَّ أَسري ثمَّ يَجْمعني بكِ

📝 #شعر: #منهل_التسنيم
تلميذة: #أحلام_النصر

➖➖➖➖➖

📌 لا نحلّل نقل شيء من المواد بدون ذكر الإسناد.
📍نعم؛ بإذن الله نريد الأجر، ولكن لا نريد لغيرنا أن يحصد الوزر.

➖➖➖➖➖

رواية ” القابضُون على الجمر 

علمونا فى المدارس أن “الخلاف لا يفسد للودِ قضية ” ، وكانت من مجموعة أكاذيب المدارس التى زرعوها فينا ، وشببنا على خدعَة ليس للزمانِ أى ذنبٍ فيها .

كانَ المُذنب الأول في أغلب صداماتِ الحياة هى المدرسة التى تُربي فينا المثالية لزمنٍ لا يُحارب إلا هذه الطرق و لحياةٍ لا تعترف بهِم أفراداً .

و لعلّى من أكثر المحابين لفكرة أن الانسان قضية ، ومن منا لا يحمل قضية سوى العقول الخاوية التى تسير بملئ فراغها ؟ حتى أولئكَ الذين يسيرون بترّهات فكرهم ، وعلى سوءِ فكرتهم وتوجههم إلا أنهم يحملون قضية أيضاً ،

والقضية لا تُلزم الخير لجعبتها على الدوام . !

والخلاف لا يشُب إلا من خلفِ القضية والفكرة ” هكذا ينطق واقعنا ”

وتلكَ هى لبّ الرواية أو حتى الفكرة التى أوصلها الكاتب ” محمد أنور رياض ” فى ” القابضون على الجمر ” ، هو أسماها رواية وأنا سأنعتها بِ ” أسطورة الفكرة ”

تحدثت هذه الأسطورة عن قضية الخلاف الفكرى بين الاخوان المسلمين والمبجّل ” المرحوم ” عبد الناصر فى مصر ، عرجت للعديد من الحقائق و الروايات التى كانت بعضها مسرودة بأسمائها الحقيقة والبعض الأخر بأسماء مركبَة ، لم يتبنى الكاتب عرض الخلاف بسذاجته المنتشرة فى كثير من أزقة التاريخ ،

هنا تشعب الكاتب عن حيثيات التعذيب وأساليب الموت البطيء التى كان يستخدمها عبد الناصر لإبادة أى فكرة تنبع من عقيدة إسلامية ، ونفخاتهِ الواهية فى خطاباتهِ المخادعة ، تنوعّت أساليبهِ بتنوع الوحشية التِى استخدمها وبتنوَع الوحوش التى لا ترقى لبشرية الذين دربهُم ليفاوتوا الحيوانات فى بهائميتهِم .

كانَت الأساليب المستخدمة شنيعة ذكر ” العروسة ” تلك الخشبة التى مرّت على أجسادِ الشباب ، وذلك المحقق الذى كان يسأل الأستاذ الجامعى عن راتبه لينزل عليه عقاب بحجم راتبه الشهرى ” ومعروف أن راتب الاستاذ الجامعي فى مصر يعتبر مرتفع مقارنة برواتب البقية ” ، و النعاج التى تسير على الأرض فتأخذ كل من يوحِد .

عن أحداث 1954 وأحداث 1956 و ذكريات التاريخ مع عبد الناصر

توقعتُ بعقليَة من يهوى الأمان للنهايات ، بزواجٍ جميل لشاب خرج بعد 7 سنوات من عذابات عبد الناصر من فتاة اهتدت لطريق الله فى خضّم حياتها ، إلا أنّ الأمان لا يمكن أن تحضنه الأوراق ويخدعنا به الواقع الذى نعيشه ، فقد كان أن أقبل وحوش عبد الناصر وأخذوا العروسآن ليكملوا لهم بهجتهم على الطريقة الناصرية الشيوعية المخالفة لكلِ من يقول : الله ربنآ

هنآلكَ فى التعذيب و غياباتِ السجون .

وقد كانت نهاية منطقية لما يعايشه الاخوان هناك فى مصر ، هنّا كان يحق لى ولكل من يقرأ الرواية أو أية روايات مشابهة الفرح لنصرِ الله لثلة الإخوان فى مصر – ونستحضر عهد سيدنا يوسف ونقول صدق ربنا جل جلاله حين قال : ” يعزّ من يشاء ، ويذل من يشاء ”

صُنفت ك رواية تصنيفاً لغوياً أدبياً ، ولو كان لى أن أصنفها هى جزء من حقيقة و وقائع بين متن الورق .

اقتبآسُ من هذه ” الأسطورة الفكرية ” 

الكتاب موجود فى مكتبة الجامعة الإسلامية - غزة

بعض الناس عندما يبلغون أقصى مدَى للتطرف ،يصيرون أقرب ما يكون .. للنقيض ، اذ يبدو ان المشارع مثل الدائرة المغلقة ، بدايتها ملتصقة . . بنهايتها ، والقياس مع الفارق كما يقولون ، أراد عمر بن الخطاب أن يقتل النبى ، فوجد نفسه على بعد خطوة واحدة من الاسلام

#

كيف يتجرأ انسان – مهما كان هذا الإنسان – ، أن يحكم على أخر حكماً أبدياً ،هل يملك انسان أن يغلق أبواب رحمة الله ؟

الله .. الله ذاته لا يقفل حساب إنسان إلا بموته ، وربما تركه مفتوحاً ايضاً بعد الموت . !

#

الإنسان هو الأصل .. هو الأساس فى كلِ تقدم ، الإنسان بداخله ميزان حساس ، لا بُد أن تتعادل كفتاه ،

الروح والمادة .. اى اختلال بينهما ينتج عنه القلق ، و القلق أصبح مرض عصرنا هذا

#

فعندما ينسدل الظلآم ، ويصبح جداره فى سمكِ العالم كله ، فإن أحدهم – ولو كانت أنثى – لا بُد وأن يثقب جداره الأسود ،

ويشعل فتيلة .. جذوة صغيرة .. و هكذا يبدأون دائماً .

#

أصبح تزييف التاريخ احترافاً ، يكفى أن تقال نصف الحقيقة !

النصف الذى يخدم الهدف فقط ؟

#

لماذا لا يخطابون العقول بالمنطق ، وبلا ضجيج ؟

أم أن الإنسان الذى تهوي على رأسهِ المطارق بإنتظام ، لا يستطيع تمييز الحقيقة . !

#

والإنسان عند المنعطفات فى حياتهِ ، يكون فى أشد حالات الحيرة والبلبلَة ، فعندما يبلغ الإنسان ما يسمونه .. بمفترق الطريق ،

فإن عليه أن يزن كل شيء ، وبحذر الثعالب . .

و رغم ذلك فإن العقل المطلق يكون عاجزاً عن الإختيار ، إن العقل لا يكون وحده فى مجال الإختيار .

بل على العكس قد يجد من الدوافع الخفية الأخري داخل نفسه ، ما يتعارض مع العقل ، بل وربما كانت محصلة الصراع ، اندفاعاً فى الإتجاه الأخر ،

وهنا .. لا بد أن يلجأ الإنسان إلَى الله .

#

إنه لم يسعَ إلى المشاكل أبداً ، بل على العكس كان يظن أنه يلتف حولها ،

فإذا بها فى النهاية هى التِى تلتف حوله ، وتحاصره ، وتلح عليه . !

#

إنك لن تستطيع القضاء على كل اللصوص فى البلَد ، ستقضى عمرك كله ولن تستطيع استئصالهم ، وليست السرقة هى الشر الوحيد . . هناك ما هو أخبث

إنك تضيع عمرك هباء ، وربما تمكنوا منك ، بل وسيتمكنون منك قطعاً

وعندئذٍ سيدمرونك ، إنك لن تستطيع أن تصلح ثوباً متهتكاً ،

والحل الوحيد .. هو .. الثورة ،

ليست ثورة الدبابات ، والبلاغات ، والمارشات العسكرية ،والملابس المرصعة بالنياشين

وإنما الثورة من الداخل ، ثورة النفس على النفس

رواية ” القابضون على الجمر ” | لِ : محمد أنور رياض

السعودية تعيد محاكمة الشيخ ناصر العمر وتدينه بالسجن 30 سنة

السعودية محكمة الاستئناف تضاعف الحكم الصادر ضد الشيخ د. #ناصر_العمر، ثلاثة مرات ليُصبح 30 سنة، بعد أن كان10 سنوات مع وقف تنفيذ 4 سنوات.

من دروس السّجن-الدكتور خميس الماجري

لستُ ممّن يشاهد المسلسلات لأنّها تسلسلك عن طاعة الله عز وجل، غير أنّه ـ بحكم المعتقل ـ شاهدت بعض حلقات مسلسل ارطغرل في السجن بعد ( الخورة ) سنة 2019، ومنها الحلقة التي قَتَل فيها أرطغرل من يُسمّى الامير سعد الدين كوبيك.

والذي لفت انتباهي أنّ فرحة عارمة صاحبت لحظة القتل، حيث اهتز لها كلّ سجناء الغرفة التي كنتُ فيها ذات السبعين سجينا، لا بل اهتزّ لها كامل جناح السجن، الذي فيه 3 او 4 غرف، وقد أُنسيتُ عددها بالضبط ورقم الجناح…

والله لقد صاحب لحظة القتل مع اهتزاز المساجين ضجّة ضخمة كأنه زلزال عظيم قد حصل…تماما كما يحصل في مدارج كرة القدم عندما يقع تسجيل هدف…

دروس الحادثة:

1) ليس كل المساجين (مجرمين).

2 ) كم من سجين مظلوم.

3) كم من سجين هو ضحية خيارات وقوانين فاسدة.

4) حتى ولو كان السجين (مجرما)، فلا يزال الخير فيه، وما على الدعاة إلاّ أن يزيلوا غبار الإجرام.

5) أنّه لا توجد عدالة في البلاد، فالسجون ملآى بالشباب الذين تعاطوا المخدّرات…بينما كبار المتعاطين والمروّجين لتلك السّموم يخشاهم القضاة، وتفرّ منهم ما يسمّى العدالة…

6) أنّ المساجين لهم مخزون لا يقدّر ولا يوصَف من براكين الغضب والانتقام على الظّلم والظّالمين…

7) أنّه مهما يفعل الطغاة لإفساد الناس، فإنّ الله سيهزمهم، بسنن كثيرة وجنود لا نراها، منها شدّة قوة الفطرة الأصيلة الطيبة التي فطر الله الناس عليها…

وكم كان الناس – وخاصة منهم صغار السن – في فرحة لانتهاء مدة سجني في سجن مدينة بنزرت ( شمال تونس )، ونُقلتي إلى سجن المرناقية بغرب شمال تونس العاصمة؛ وأيضا كم كانوا في حزن شديد لفراقي لهم… وكانوا يقولون ( ستخرج نوارة الغرفة وسنبقى في ظلام دامس حالك )… ولا أذكر لكم الهدايا الكثيرة التي ألزموني بها، بالرغم من الضغوطات عليهم من إدارة السجن أن لا يتصلوا ولا يكلموني ولا يأكلون معي ولا ولا ولا …

ما أخيب السّجن، وما أشدّه في الصّيف على المساجين…

اللهم ربّنا فرّج على كلّ سجين مظلوم…

حتّى قال لي أحدهم بعد مشاهدته للحظات فراقي لأولئك الشّباب: يا شيخ لقد انتصرتَ بحبّ هؤلاء الشباب لك ولم تنفع تحذيرات إدارات السجن لهم …

شباب بالعشرات بعضهم تعاطى قليلا من المخدّرات، وأكثرهم وهذا المؤلم جدّا: أنّهم يرتكبون بعض ( الجرائم ) البسيطة جدّا، ليقضوا مدّة الشّتاء في السّجن لسبب فقرهم… حيث يجدون المأوى والأكل والدّفء…

ومن مثل ابي

كتبت ابنة الشيخ عمر عبد الرحمان كلمات عن والدها وقد قضى سنوات سحيقة في سجون امريكا ولفظ انفاسه الأخيرة في اقبيتها…. كلمات تنطق بكل مفردات الوجع…..

لا املك حتى ذكرى واحده معه

و لا اجتمعنا حتى فى لقاء واحد

و لا رأيته حتى مرة واحدة

و لا حدثنى حتى مرة واحده

و لا وضع على جبينى حتى قبلة واحدة

و لا ضمنى حتى ضمة واحدة

رحم الله أبي … كان أسيرا فى سجون الكافرين أكثر من ٢٣ سنه … لم يرحموا شيبته ولا مرضه ولا فقده للبصر ولا مكانته العلميه

نسأل الله أن يكون ذلك فى ميزان حسناتك … وأن يجمعنا فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر

غفر الله لى ولك يا حبيب القلب

#الشيخ_عمرعبدالرحمن

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون الوجه والواجهة هموم وقضايا-2

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الحلقة الثانية

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

إلى الحوار……….

  برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب ؟؟؟؟

هذه ملاحظة مهمة، ولكن قبل الإجابة، دعني اختلف معك، في هذا الطرح. الانظمة الاستبدادية المتسلطة، لا تنظر بمعيار إسلامي وعلماني، الى معارضي سلطتها القمعية، حسب اعتقادي. السلطة تنظر الى جميع المثقفين من سياسيين، وقادة احزاب وأصحاب رأي، وإعلاميين، يساريين، قوميين او إسلاميين، كأعداء رئيسيين لها، بدون اي نقاش او تفضيل. المعيار الأساسي لديها: ان تكون معنا، او ضدّنا. لذلك، فالجميع هم في السجن، او خارج السجن، غير مرغوب فيهم لدى الأنظمة، يحاربون، ويلاحقون ويعتقلون ويُقتلون.

مرّت فترات تاريخية معروفة، مثلاً في مصر او سوريا، او بلدان المغرب العربي، كانت تشنّ فيها الأنظمة حملات اعتقال ضد تيار معين، ثم تاتي فترة لاحقة تطال تياراً آخر. وبالفعل، مرّة العلمانيين هم الضحايا، ومرّة الإسلاميينن وهكذا. ويقضي جميع اولئك احكاماً او فترات طويلة في السجن، والمعيار الوحيد للسلطة في ذلك هو الانتقام والمعاقبة، وليس لكونه إسلامياً او علمانياً.

فيما يتصل بجوهر السؤال، فأنت محقٌ تماماً في رأيك. نعم، نجد أن غالبية ادب السجون قد انتجه كتّاب غير إسلاميين. هذه مسألة مهمة ينبغي في الحقيقة دراستها، بشكل علمي. وان نطرح السؤال على الكتّاب الاسلاميين ممن تعرضوا الى تجربة السجن: لماذا ؟ وهل يحول الالتزام الديني- مثلاً – دون الإبداع الادبي، أو انهم يجدون الانشغال بالأدب، قد يُضعف التزامهم الديني ؟

هنا، يجب الإشارة الى أن ادب السجون بصورة عامة، ليس مبنياً على انتماء كاتبه الاجتماعي والسياسي، وانه فوق مثل هذا التصنيف، مع ان كثير من أدب السجون، يشير الى الاسلاميين، والعلمانيين بوضوح تام، كضحايا للأنظمة القمعية.

7

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

لكل كاتب أتجاه إبداعي رئيس، خاصة في البدايات التي يذهب إليها، وينطلق منها، كجنس ادبي. هذا امر طبيعي جدا. ومن الطبيعي ايضاً – مع تطور التجربة الإبداعية – أن يُجرب الكتابة، او ان ينتقل للكتابة في جنس ادبي آخر، او ان يجمع بينها. الإبداع عالم مفتوح على التجارب، على التطور، وعلى توليد الأفكار والنصوص، دون أي قوانين، أو اشتراطات تضع له حدوداً او قيوداً وإلا فإن جوهر الإبداع سوف يكون معطلاً او معاقاً. للكاتب حريته التامة في اختيار الشكل الأدبي كوسيلة تعبير، بالصورة التي يراها ملائمة له.

عدم الاحترافية، لن يؤثر على المشهد الإبداعي سلباً. والنص الإبداعي الجيّد هو ما يفرض نفسه. ثمة كتّاب نجحوا في الشعر، وهم روائيون.. والعكس. لقد بدأتُ بالشعر، وأصدرت كتابين شعريين، وما تزال لدي عشرات النصوص الغير منشورة. وما كنتُ يوماً اتصور أن اكتب الرواية. لكن تجربة السجن، هي التي دفعتني بقوة لأكتب روايتي ” سراب بري ” لأنني شعرتُ بأن الشعر، لا يمكنه أن يعبر عما أردت قوله والتعبير عنه، مما عشته في الاعتقال والسجن.

8

من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟

لا أستطيع، أن أطلق رأياً معيارياً أصف فيه، بصورة قطعية من هو الأديب الحق، من عدمه. هناك ادب جاد وملتزم، إذا كان لي أن أقول ذلك. ليست هناك مواصفات جاهزة، هناك معايير أدبية ذات طابع علمي. انما هناك، أدباء ملتزمون بقضايا مجتمعاتهم، واكثر قرباً من الناس، وفي التعبير عنهم، عن مشكلاتهم، وعن عوالمهم. من يكتبون أدب السجون، هم من أولئك الذين تشكل مسائل الحريات والحقوق والمعتقلين، قضايا جوهرية بالنسبة لهم.

اما الناقد، فهو الذي يعتمد الطرائق العلمية، في نتاجه النقدي، في دراسته للنصوص الإبداعية ، ونحن نتحدث عن الأدب، وأدب السجون بصورة خاصة. الناقد الموضوعي، هو الذي لا يُخضع جهده النقدي، والنصّ الذي يتناوله، لمعيار مزاجه الشخصي، أو المزاج العام.

9

ما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات،  الحالة السورية نموذجا؟؟

ثمة سياقين هنا: أمر جيد، أن نقول بأن مستقبل أدب السجون – إذا جاز لنا استخدام تعبير “مستقبل” – هو مبشر جدا، فنحن نشهد مزيداً من النتاج الإبداعي، في الرواية والشعر تحديداً. وقد كان للربيع العربي ولا يزال، دوراً كبيراً، فاعلاً ومؤثراً، في الإبداع الأدبي، ومحركاً على الكتابة في ادب السجون. وقد شهدنا بالفعل، ظهور كتّاب جدد في عالم الرواية العربية، ومنهم  من بات يُعرف اليوم بروايته الأولى في أدب السجون.

السياق الثاني، انه من المؤسف حقاً، ان المنطقة العربية، تشهد استمرار الأنظمة المستبدة، على الرغم من انهيار بعضها، بتأثير ثورات الربيع العربي. غير ان قمع هذه الثورات، والذي يأتي في سياق الردة عنها، او في ظل سياسات إجهاضها، من قبل قوى إقليمية ودولية، سوف يجعل المنطقة مرشحة لتشهد مزيداً من القمع ، وانتهاكات متواصلة للحقوق والحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات  المدنية، والأحزاب السياسية.

المنطقة مرشحة لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يترافق مع استخدام العنف المفرط من قبل الأنظمة بصورة خاصة، وكذلك التنظيمات المسلحة،  أيّاً كان اتجاهها السياسي، قومياً ام دينياً. أي أننا نشهد اليوم، وغداً استمرار الملاحقة والاعتقال، والقمع. خاصة وان الأنظمة الإستبدادية، لم تجد في المجتمع الدولين وفي القانون الدولي، من يفرض عليها، وقف انتهاك الحريات والحقوق، وإلزامها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعرفة المصير المجهول لعشرات الآلاف منهم. سوريا مثال واضح وقريب جدا.

10

ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية  من خلال تجربة ادب السجون في سوريا، وهل استطاع أن يُظهر مظلومية الأسرى، كما فعل أدب السجون الفلسطيني، حيال القهر الصهيوني ؟

يلعب الأدب –  عامة – دوراً مهماً ، في تكوين الأفكار، وفي تشكيل وجهات النظر، أو في لفت انتباه الرأي العام الى قضية ما. هو دور قد لايظهر تأثيره إلا مع مرور الوقت، ببطئ شديد، غير منظور. غير أن أعمالاً أدبية، في أدب السجون، قد تُحدث تأثيراً مختلفاً ومغايراً للسائد. هذا ما لمستُه وخبرتُه خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، إذ ساهمت بعض الروايات التي تنتمي الى ادب السجون، مثل رواية خليفة مصطفى ” القوقعة “،  في تقديم الوجه القمعي الحقيقي لنظام الاستبداد الأسدي، من خلال رواية قصص التعذيب والقمع والقتل داخل السجون والمعتقلات. وأدى ذلك الى تغيير جذري في مواقف البعض مما يجري في سوريا، لجهة كشف الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين لأسباب كثيرة.

نعم، إن أدب السجون، يقوم بدور مهم، في فضح الانتهاكات الجسيمة، لأنظمة الاستبداد أينما كانت، وخاصة في سوريا. من خلال تناول ما لايعرفه الناس عامةً عما يحدث خلف الأسوار وفي الزنازين المظلمة: اي حياة القهر والتعذيب والحرمان التي يعيشها المعتقل، أو السجين.

ماصدر خلال السنوات العشر الأخيرة من كتب في ادب السجون السوري، يعدّ شهادة مهمة حول الانتهاكات المنظمة التي يقوم بها النظام الأسدي، لدينا كتاب بسام يوسف” حجر الذاكرة”، ورواية راتب شعبو “ماذا وراء هذه الجدران” وكتاب ياسين الحاج صالح ” بالخلاص ياشباب”، وكتاب محمد برمو ” ناجٍ من المقصلة”، ورواية معبد الحسون ” قبل حلول الظلام”. وجميعها، على درجة كبيرة من الأهمية، من حيث توثيق جرائم النظام، وفي فضح جرائمه، التي تعدّ وفق القانون الدولي: جرائم ضد الإنسانية. وهي – إضافة لذلك، ذات قيمة أدبية عالية، كنصوص إبداعية متميزة، حتى في تلك المؤلفات التي تأخذ سياقاً سياسياً في الكتابة. ونلاحظ هنا، أن جميع أولئك الكتّاب، هم سجناء سياسيون سابقون، وهذا ايضاً مؤشر مهم. واسمح لي هنا، ان اضيف إلى تلك الأعمال، روايتي ” سراب بري “

11

بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

كان الشعر،  كما أشرت في سؤالك، هو الذي يتصدر المشهد الأدبي، حقيقة. سواء كان على صعيد الادب العربي، أم الإسلامي. إلا أن الصورة اليوم، قد تغيرت كثيرا، وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة أكثر، خلال عشرية الربيع العربي، حيث بدأت الرواية تتصدر المشهد، وكتب السيرة، الأقرب الى النص السردي الروائي، ومن ثم شهدنا تطوراً ملحوظاً في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية والسياسية. وانخفض بصورة ملحوظة، صدور اعمال شعرية. ولكن – أيضاً – ثمة مؤشر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الى استعادة الشعر بعض عافيته، بإقبال بعض دور النشر، على نشر الشعر، وبصدور أعمال جديدة، مميزة.

12

 هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية

دون تردد، لا. مايزال لدي الكثير مما يجب أن أقوله وأكتبه، خاصة في أدب السجون. أنا مقلّ بطبيعتي، ومقصّرٌ أيضاً ، ومتمهلٌ في النشر. وآمل أن أحقق بعض ذلك، إذا كان في العمر بقيّة.

ممتن وشاكر لكم إتاحة هذه الفرصة الثمينة، للحديث عن ادب السجون.