في زمن الغربة الثانية.. ينذر الصديق والأخ الحميم وفي زمن الفتن والمحن قلما تجد يدا حانية وبسمة صافية… رحم الله الشافعي اذ قال { ولكني أسعى لأنفع صاحبي وعار على الشبعان إن جاع صاحبه }..
وتسألني من اخوك..؟؟ فأقول
وليس أخي من وَدَّني بلسانهِ … ولكن أخي من ودني في النوائبِ
ومن مالُه مالي إِذا كنْتُ مُعْدِماً … ومالي له إن عضَّ دهرٌ بغاربِ
فلا تَحْمدنْ عند الرخاءِ مؤاخياً … فقد تنكرُ الإِخوانَ عند المصائبِ
2
بل ان تطأ قدماي المحطة الطرقية بمدينة وجدة .. وكان من حولي عدد من الاشخاص مابين مسافر أو عائد من سفر او عابر سبيل.. نط الشرطي من بين الجموع وعيناه تتقدان شررا .. اقترب مني ثم طلب البطاقة في صلف وعنجهية.. كان يشغلني لحظتاك..{{ لماذا انا بالذات يتم ايقافي وسط هذا الطوفان {{امواج بشرية داخلة واخرى خارجة .. }}اخبرته اني لا احمل معي البطاقة فطلب مني الذهاب معه لمكتبه .. هناك اعطيتهم رقم البطاقة الذي احفظه عن ظهر قلب من كثرة ما طلب مني .. بعد ها قال مساعده{{ يمكنك ان تنصرف }}خرجت ولا زال السؤال يلاحقني
{{ لماذا انا بالذات}}
تلك آهاتي يا وطن…
3
المحنة كلما اشتدت كانت مصنعا للرجال.. لتخريج تلك العينات التي ترقى وتليق بمرحلة التحدي…
4
دم المسلمين عند الغرب ماء … ليس الآن فحسب بل من زمن بعيد يكفينا من تاريخنا المعاصر مجازر المسلمين في البو سنة والهرسك …
انها الحقيقة الصادمة التي لازالت كثير من العقول ترفض تصديقها واستيعابها لفهم حقيقة الصراع وطبيعته..
درس تاريخي
كنت أموت من الداخل وأنا أخاطب أمريكا وأوربا وهم لا يهتمون بذبح شعبنا لأنهم مسلمون
هكذا تكلم حارث سيلايجيتش رئيس مجلس الرئاسة البوسنة السابق
5
لمن مر بالعتمات كلها عتمات السر والعلانية …
ذاكرة ضد النسيان
ذلك أن من ذاق مرارة الخذلان… لا يمكن ان ينسى… مع كل خذلان تقوى الذاكرة ويبطل النسيان
6
في القبو بالعزلة الانفرادية كنت أناوش الأوجاع والآلام من جراء المرض… وحلت فجأة في العنبر تلك الوجوه السوداء جاؤوا ومعهم اخ من المعتقلين لينفذ عقوبة{ الكاشو} لثلاثين يوما … كان هذا الرفيق سلوتي في تلك العزلة عن العالم .. كل يوم كان ينشد بصوت جميل جدا نشيدا رائقا ..{ ذات شجن} انشدني {كما كانوا فكونوا} فبكيت….كما لم يسبق لي بكاء
يا لها من كلمات خلاصتها حديث عن ذلك الجيل المنتجب
قوم سمعوا واستجابوا
لله وللرسول صلى الله عليه وسلم
تحية لذلك الاخ الذي ظل في ذاكرتي ووجداني فك الله اسره وفرج عنه همه
7
هناك لحظات يحب الانسان فيها ان يعرف حقيقته وهل هو {رجل } ؟؟ بمعنى الرجولة وما تحمله من قيم عالية انسانية نبيلة… في السجن التقيت برجل وخط الشيب رأسه.. وعركته المحن.. من ذلك الجيل المنتجب الذي لازالت في أنفي بعض نسائمه الطيبة… قال لي {ذات يوم عقدت العزم وكنت مطلوبا.. ان اخوض مرحلة التحدي فقمت بخطوة هائلة.. إستطعت إن اقتحم أسوار السجن المركزي القنيطرة .. بأوراقي المزورة التي كنت أتحرك بها هنا وهناك في رحلة الهروب الطويلة وكان هدفي زيارة { الرجال} وبالفعل التقيت بالأخوة الأسرى و كم كانت دهشتهم بحجم ذلك التحدي الهائل الذي قمت به منفردا..
لكن خوفهم على سلامتي كان اقوى من فرحتهم برؤيتي فلما عاتبني احد الاخوة الكبار{ لم خاطرت بنفسك ؟؟ } اجبته { اردت ان اتأكد اني رجل
بغيت نعرف واش أناراجل1 ولا لا
هذا هو مشروع التحدي… ان يعرف الانسان حقيقته في العسر واليسر في المنشط والمكره
وهنا يكمن الفرق الشاسع الهائل- دوما -بين الجيل الأول وجيل الانترنت والحماسة الفارغة
الاسلام يريدنا حاملين لهمه لا أن يحمل هو همنا وانتسابنا له باخطائنا وزلاتنا وانكساراتنا…هذا هو العمل مع الله الذي لانعتذر عنه كما علمنا الشيخ المعلم سيد قطب {رحمه الله تعالى
8
قال الله تبارك تعالى: ” لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم” قال عكرمة : ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا، والحزن صبرا
عندما ندرك تلك النقلة الهائلة التي تجعل الأحزان كأفراح روح وريحان.. تحت ظلال المحنة
هناك يبدو لنا بر النجاة
في السجن تنكشف الأستار ويبقى الامتحان في مدرسة يوسف في السؤال الكبير جدا {كيف السبيل لعبور الجسر والمرور الآمن الى الله}
و في كيفية الوصول لبر النجاة … برضا الرحمان
السالكون الى الله في هذا الدرب بصدق.. قليلون
وما اكثر الجثث التي تساقطت وارتطمت أرضا ورأيناها رأي العين وكان في سقوطها لطالب الحق عبرة حتى يظل على الصراط المستقيم..
9
نكأت كل جراحاتي دفعة واحدة يا أخي.. الأسير العاني.. نكشت في العمق فأدميت بصراحتك المزلزلة {{ ما ابشع الخذلان}} لايحس بتلك البراكين من المشاعر التي تنكؤها هذه الكلمات الا من ذاق مرارة الأسر .. الحقيقي..
لنا الله
10
{{ نريد أن لا نسمع أمسكوا بي إن استطعتم}}
من اجل ذلك ستظل هنا
عنوان الخذلان وبداياته ونهاياته في تفاصيل ما بي السطور.. وما بين الصمت والضجيج والمتاهة والعتمة
11
يا أيها الغافل … اتريد الجلاد أن يحنو عليك ويحدب ويرأف.. ويبتسم …
هذا والله أمل بلا قيمة
12
بين جوانحي اليوم أملان.. امل في ان يرضى ربي.. {{ فيا ليتك ترضى والحياة مريرة ويا ليتك ترضى والطغاة غضاب}} وأمل ان تزهر النهاية.. بأفراح الروح.. انها حقا اعراس و أفراح الآخرة
13
أحيانا يعتريني احساس باللاجدوى من الكتابة.. منعطف { التجحيش } صار قويا جداا.. أرى كل ما حولنا أشبه بالأخدود ..و كأننا ندخل في نفق ليس له نهاية..
كأنه مكتوب علينا ان نبقى في هذا التيه قرنا آخر حتى نمتك زمام امورنا ان بقي لنا زمام…
مشكلة الكاتب هي الكتابة الحرة.. وكيفية الوصول بالكلمةالى الشحن الكاملة أو الطاقة القصوى ..
وطالما ان الكلمات خاوية الرصيد بلا تعبئة فلاطائل منها…
هناك عين تراقب ومتلصص يحصي الأنفاس وقانون كسيف مسرور سياف الرشيد
الآن فقط أتوقف لحظة استطلاع للامل للحظة الفارقة ,,,
– نستقوي بالأمل ..
السجن المحلي تيفليت 1
او المقبرة… مرة اخرى
وسوم: العدد 773
رابطة ادباء الشام