أرشيف الوسم : العالم العربي

حوار مع الأديب الفلسطيني جميل السلحوت عن أدب السجون الوجه والواجهة

حاوره زكرياء بوغرارة

مشرف موقع أدب السجون

 ننكش  وجع أدب السجون في عالمنا العربي الذي لايزال يرزح  تحت   نير الاعتقال السياسي  والاختطاف والاختفاء القسري في العديد من  الدول العربية ..  ولعله أدب صاحب  هذه الرقعة من عالمنا الممتدة من المحيط  الى الخليج من عدة عقود  ..

   أصبح  القهر السجوني سمتها الخاصة  …

أدب السجون ذلك الادب الذي ينكش في كل تلك الأوجاع الانسانية …  في عالم أزرق مغلق

    نفتح  ملف أدب السجون بحوارات   عميقة مع أدباء  ارتبطت اسماؤهم بهذا الأدب   كتبوا عنه وفيه وكانت لهم تجاربهم في المعتقلات المظلمة والدهاليز المعتمة  وبعد  خروجهم من عالم الظل  والظلام  كانت للكثيرين منهم ابداعاتهم   في ادب  السجون  راوية وشعرا ومذكرات  .. 

كانت البداية   في لقاء  نحاور فيه الأديب الفلسطيني الكبير  جميل السلجوت  الذي كتب  عن ادب السجون وفي أدب السجون وكان له قصب السبق في نفض الغبار عن هذا الأدب  الموجع في عالمنا العربي…

  وقد كان لنا معه هذا الحوار الماتع ……

ورقة تعريفية

جميل السلحوت
هو جميل حسين ابراهيم السلحوت
–  مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5حزيران1949 ويقيم فيه.
– حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
– عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990.
– اعتقل من 19-3-1969 وحتى 20-4-1970وخضع بعدها للأقامة الجبرية لمدة ستة شهور.
–  عمل محررا في الصحافة من عام 1974-1998في صحف ومجلات الفجر،  الكاتب، الشراع، العودة، مع الناس، ورئيس تحرير لصحيفة الصدى الأسبوعية. ورئيس تحرير لمجلة”مع الناس”
–  عضو مؤسس لإتحاد الكتاب الفلسطينيين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.
-عضو مؤسس لإتحاد الصحفيين الفلسطينيين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.
– عمل مديرا للعلاقات العامة في محافظة القدس في السلطة الفلسطينية من شباط 1998 وحتى بداية حزيران 2009.
– عضو مجلس أمناء لأكثر من مؤسسة ثقافية منها: المسرح الوطني الفلسطيني.
–  منحته وزارة الثقافة الفلسطينية لقب”شخصية القدس الثقافية للعام 2012″.
– أحد المؤسسين الرئيسيين لندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني والمستمرة منذ آذار العام 1991وحتى الآن.
– جرى تكريمه من عشرات المؤسسات منها :وزارة الثقافة، محافظة القدس، جامعة القدس، المسرح الوطني الفلسطيني، ندوة اليوم السابع، جمعيّة الصداقة والأخوّة الفلسطينيّة الجزائرية، نادي جبل المكبر، دار الجندي للنشر والتوزيع، مبادرة الشباب في جبل المكبر، ملتقى المثقفين المقدسي، جمعية يوم القدس-عمّان.
صدرت له الكتب التالية:
– شيء من الصراع الطبقي في الحكاية الفلسطينية .منشورات صلاح الدين – القدس 1978.
–  صور من الأدب الشعبي الفلسطيني – مشترك مع د. محمد شحادة .منشورات الرواد- القدس 1982.
–  مضامين اجتماعية في الحكاية الفلسطينية .منشورات دار الكاتب – القدس-1983.
–  القضاء العشائري. منشورات دار الاسوار – عكا 1988.
–   المخاض – مجموعة قصصية للأطفال .منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين- القدس.1989.
–   حمار الشيخ.منشورات اتحاد الشباب الفلسطيني -رام الله2000.
–   أنا وحماري .منشورات دار التنوير للنشر والترجمة والتوزيع – القدس2003.
–   معاناة الأطفال المقدسيين تحت الاحتلال مشترك مع ايمان مصاروة، منشورات مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية – القدس آب 2002.
–   عش الدبابير رواية للفتيات والفتيان ،منشورات دار الهدى – كفر قرع،تموز 2007
–   الغول –  قصة للأطفال منشورات مركز ثقافة الطفل الفلسطيني- رام الله2007.
– كلب البراري-مجموعة قصصية للاطفال، منشورات غدير -القدس في اواخر كانون اول 2009.
– ظلام النهار-رواية، دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس –ايلول 2010.
– جنة الجحيم-رواية – دار الجندي للطباعة والنشر- القدس-حزيران 2011.
-هوان النعيم. رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-كانون ثاني-يناير-2012.
– كنت هناك-من أدب الرحلات-منشورات وزارة الثقافة الفلسطينية-رام الله-فلسطين-تشرين أول-اكتوبر-2012.
– برد الصيف- رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع –القدس- آذار-مارس- 2013.
– العسف-رواية-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-2014.
– أميرة- رواية- دار الجندي للنشر والتوزيع القدس 2014.
– الحصاد- رواية للأطفال-منشورات جمعية الزيزفزنة لثقافة الطفل-رام الله 2014.
أعد وحرر الكتب التسجيلية لندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني – الحكواتي سابقا – في القدس وهي :
– يبوس. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس 1997.
–  ايلياء. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 1998.
–  قراءات لنماذج من أدب الأطفال. منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس كانون اول 2004.
–  في أدب الأطفال .منشورات المسرح الوطني الفلسطيني – القدس تموز 2006.
-الحصاد الماتع لندوة اليوم السابع.  دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس كانون ثاني-يناير- 2012.
– أدب السجون.  دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-شباط-فبراير-2012.
–  نصف الحاضر وكلّ المستقبل.دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-آذار-مارس-2012.
– أبو الفنون. دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس نيسان 2012.
–  حارسة نارنا المقدسة-دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس- أيار 2012.
– بيارق الكلام لمدينة السلام- دار الجندي للنشر والتوزيع- القدس –حزيران 2012.
-من نوافذ الابداع- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس- نيسان 2013.
– نور الغسق- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس – نيسان 2013.
– مدينة الوديان- دار الجندي للنشر والتوزيع-القدس-2014

ماذا  يمثل أدب السجون لكم؟

بداية يجب التذكير أنّ أدب وأدبيّات السّجون ليست جديدة على السّاحتين العربيّة والعالميّة، فهي معروفة تاريخيّا، لكنّها في وطني فلسطين تأخذ بعدا آخر، قد لا نجد له مثيلا في التّاريخ، فالوطن أسير، والشّعب إمّا مشرّد أو أسير، ولكم أن تتصوّروا أنّ عدد سكّان الضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس مع قطاع غزّة التي احتلت في حرب عام 1967 لا يتجاوز أربعة ملايين ونصف المليون إنسان، ذاق مرارة الأسر والاعتقال والتّعذيب أكثر من مليون شخص منهم، ومن مختلف الأعمار، وهناك نساء تعرّضن للاعتقال والتعذيب وقضين سنين طويلة خلف الأبواب المغلقة. ولكم أن تتصوّروا أنّ أسيرا اسمه نائل البرغوثي قد دخل عامه الثّالث والأربعين في الأسر. وهناك أكثر من 230 أسيرا قضوا نحبهم داخل السّجون، ولا يزال في الأسر حوالي خمسة آلاف أسير منهم عشرات النّساء ومئات الأطفال.

ورغم معاناة وعذابات الأسرى الفلسطينيّين، إلا أنّ المئات منهم قد كتبوا عن معاناتهم وعن تجربتهم الاعتقاليّة، وجرى تهريبها إلى خارج السجون، لتصدر في كتب، وجزء منهم كتب عن تجربته بعد أن تحرر، والقارئ لأدبيات السجون والأسر سيجد أنّها تتفاوت في مستواها الفنّي، وسيجد أنّ الاحتلال قد اعتقل المبدعين كالشّعراء، الرّوائيّين، القاصّين، المسرحيّين، الفنّانين، النّقّاد والمثقّفين. ولعلّ القارئ العربيّ قد استمع لأغنية “خبز أمّي” و”سجّل أنا عربي” اللتين كتبهما الرّاحل الكبير محمود درويش وهو معتقل في العشرينات من عمره.

إذن نحن أمام ظاهرة أدبيّة يمكن اعتبارها شهادة على هذه المرحلة من أناس ذاقوا مرارتها، وارتسمت عذاباتها على جلودهم.

  2

  بعيد  ثورات الربيع العربي..   كثر الحديث عن نهاية ادب السجون  وبداية

ادب الحرية ولكن لم يدم  التفاؤل طويلا  اذ  شهدنا   ولادة جديدة  لادب السجون  ربما لا تزال صفحاته لم تكتب بعد  أو انها   ماتزال حبيسة المعتقلات والسجون

  برأيكم    هل يمكن لادب السجون ان ينتهي ومتى وكيف

    وهل نحن بالفعل في منعطف  أقسى من كافة ما مر في منعطفات السجون التي أبرزت لنا كل ما تزحر به مكتبة الدب مما كتب في ادب السجون ؟

بداية يجب التّأكيد على أنّ الفلسطينيّين والعرب الذين وقعوا في الأسر لدى المحتلين الإسرائيليّين هم أسرى وليسوا سجناء، فهم مقاومون تصدّوا لاحتلال غاشم احتلّ وطنهم، واسرائيل تتعامل معهم “كسجناء جنائيّين” بسبب هوان الأنظمة العربيّة”، وعهر النّظام العالميّ الذي يتعامل مع اسرائيل وكأنّها فوق القانون الدّولي، بفعل طغيان قوى عظمى كالولايات المتّحدة الأمريكيّة. أمّا “سجناء الرّأي والمعارضة” في الأقطار العربيّة التي لا تخضع للاحتلال الأجنبيّ بشكل غير مباشر” فقضيّتهم مختلفة، فهم ضحايا لأنظمة دكتاتوريّة تحتمي بأعدائها بدلا من احتمائها بشعوبها، لأنّها أصلا لا تمثّل إرادة شعوبها. وهذه ظاهرة لا تنتهي ولن تنهي إلا بالخلاص من أنظمة القمع الدكتاتوريّة، وقد عبّر عنها الأديب السّعوديّ الراحل عبدالرحمن منيف في روايتيه”شرق المتوسط” و”الآن هنا”. ومعروف أنّ الأنظمة الدكتاتورية ومنها أنظمة عربيّة تتعامل مع المبدعين كمتّهمين حتى تثبت إدانتهم، وذلك لخوف هذه الأنظمة من الكلمة الحرّة التي تعكس هموم الشّعوب وقضاياها المصيريّة. وقد ثبت أنّ ما سمّي بالرّبيع العربي ما هو إلا مجرّد فوضى لإعادة خلط الأوراق، لتطبيق المشروع الأمريكي”الشرق الأوسط الجديد” الرّامي لإعادة تقسيم المنطقة العربية لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضية الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني التّوسّعي، والذي تتعدى أطماعه حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير، وإطلاق يد اسرائيل لتسود المنطقة بالقوّة العسكريّة؛ لتبقى حارسا للمصالح الامبرياليّة في العالم العربيّ، ومنها السيطرة الدائمة على منابع البترول. ولتأكيد ما أقوله أستذكر ما قاله قادة اسرائيل عندما ثار الشّعب المصريّ على نظام حسني مبارك، أنّ اسرائيل غير خائفة مما يجري فهي تعتمد على “كنوزها وكنوز حليفتها أمريكا الإستراتيجيّة في مصر”، والحديث يطول.

3

ما الفروق في رأيكم بين ادب السجون في الماضي  والحاضر مع العلم ان  ادب السجون حسب ما   عبرتم كان  من  زمن سحيق  بل في صدر الإسلام  وضربتم مثلا بسجن الحطيئة وما جرى من قصته مع عمر بن الخطاب

  ما يعلق  بالذاكرة الجماعية ان اتصل الحديث عن ادب السيجون هو القمع والقهر والتعذيب، كيف ترى ادب السجون   في العهد  الإسلامي الأول وما تلاه في العصور الاموية والعباسية وواقعنا الراهن…؟

علينا الانتباه بأن الحياة تقوم على الصّراع بين الخير والشّر، وبين الحاكم والمحكوم، ومع الإيمان المطلق بأنّه يجب رضا وقبول الأقليّة بحكم الأغلبيّة المنتخبة، وفي الوقت نفسه أنّ على الأغلبية الحاكمة أن تحترم معارضيها، وأن لا تميّز في الحقوق والواجبات بين مواطنيها بناء على موالاتهم أو معارضتهم، وأنّ اطلاق الحرّيات الفكريّة واستقلاليّة القضاء وسيادة القانون هي الضّمانة لاستمرارية أيّ حكم، واستقرار أيّ بلد، وهذا يتطلب وجود سجون لمن يرتكبون جرائم تضرّ بالوطن وبالشّعب، وتثبت إدانتهم والحكم عليهم من محاكم عادلة وقضاء مستقل، فمثلا خيانة الوطن والولاء للأجنبي، وجرائم القتل والسّرقة والمخدرات وغيرها لا يمكن التّهاون بها، ويجب معاقبة مرتكبيها كل حسب جريمته.

4

  برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب؟

هذا السّؤال يدخلنا في متاهة “الإسلام السّياسيّ”، وأقصد هنا بعض الأحزاب والقوى التي تتستر بعباءة الدّين والدين منها براء، فبعض هذه القوى كانت ولا تزال ألعوبة بأيدي قوى معادية للإسلام وللعروبة، ولنتذكر كيف كانت القوى الإمبرياليّة تجنّد قوى الإسلام السّياسي لمحاربة الاتّحاد السوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة قبل انهيارها في بداية تسعينات القرن العشرين، وكانت تعتبرهم “السّور الواقي من خطر الشّيوعيّة”! وبعد انهيار المجموعة الإشتراكيّة، بدأت القوى الإمبرياليّة بشيطنة الإسلام والمسلمين، ومع ذلك جرى استغلال بعض قوى الإسلام السّياسيّ واحتوائهم من خلال وعود كاذبة أعطيت لقياداتهم، ومن هنا ظهرت قوى ارهابيّة تتلفع بعباءة الدّين، لخدمة مصالح قوى امبرياليّة معادية، وجرى تأسيس تنظيمات إرهابيّة مثل القاعدة، داعش، جبهة النّصرة وغيرها، وهذه القوى استغلّت العاطفة الدّينيّة لجهلاء وبسطاء العرب والمسلمين وجنّدتهم ليكونوا وقودا لمحرقة تدمير أوطانهم وقتل وتشريد شعوبهم تحقيقا لمصالح الإمبرياليّة في المنطقة.

ولا بدّ هنا من التّطرّق لقضيّة هامّة لا يمكن القفز عنها وهي أنّ غالبيّة المتأسلمين منغلقون فكريّا، ولا يطّلعون على الثّقافات الأخرى، ومنهم حتّى يومنا هذا من يحرّمون الفنون والإبداع ومنها القصّة والرواية والمسرح، ولا يعترفون إلا بالشعر كون حسان بن ثابت مدح الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، على عكس العلمانيين الذي يدأبون على تثقيف أنفسهم في مختلف المجالات.

5

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

أنا شخصيا ضدّ كل هذه الألقاب، وأرى أنّه من المعيب أن يكتب المبدع أمام اسمه أيّ لقب أو صفة، فهذا من حقّ النّقاد أن يصفونه كما يليق به وبإنتاجه الأدبيّ، والاحتراف في الأدب ليس قضاء ربّانيّا، وهناك مبدعون ذوو مواهب في أكثر من صنف أدبي، وأجمل الأعمال النّثريّة هي من كتبها شعراء، وهناك مبدعون أبدعوا في أكثر من صنف أدبيّ، فمثلا الأديب الفلسطينيّ الكبير محمود شقير، كتب القصّة القصيرة والأقصوصة والرواية وقصة ورواية الأطفال  والمسرحية وأدب الرّحلات، والمراثي والسّيرة الشخصيّة واليوميّات والمسلسلات التّلفزيونيّة وأبدع فيها.

6

من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟

الأديب الحق هو من يتقن كتابة الأدب دون تصنّع، والناقد الحقّ هو من يكتب عن عمل أدبيّ ذاكرا إيجابياته وسلبياته بحيادية تامّة معتمدا على نظريات النقد الأدبيّ، وهناك نقد انطباعي يرتكز على ثقافة “الناقد” ولا يخضع لنظريّات.

7

كأديب  له   باع طويل في رحاب الادب واجناسه ومتابعة   كافة أنماط  الفن الروائي اود  ان اسألكم عن ادب السجون  الى أي مدى   يمكن ان   ان نصنفه  ضمن الادب الإنساني  في   فن الرواية   والشعر؟؟؟

لا شكّ أنّ أدب السجّون أدب إنسانيّ، فهو يعكس تجربة ومعاناة إنسانيّة لا يمكن تجاهلها بغض النّظر إن كان المتلقي يتفّق أو يختلف مع  كاتبها سياسيا أو فكريّا، فالإنسانيّة لا تتجزّأ.

8

  ما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى ماضي التعذيب والانتهاكات الحالة السورية نموذج؟

أنا ضدّ تعذيب الإنسان لأخيه الإنسان حتّى لو كان عدوّا، ويجب أن تكون قوانين رادعة تمنع التّعذيب، ومن ينتهك هذه القوانين يجب أن يحاكم ليلقى جزاءه.

وبالنسبة للحالة السّوريّة فأنا أعيش في فلسطين المحتلّة وغير مطلع عليها، وبالتّالي لا أستطيع إبداء الرّأي في أمر لا أعرفه.

9

كتب الكثير من الادباء الذين  يحملون  الهم الإسلامي والفكرة الإسلامية    الروايات والشعر   المصنف ضمن ادب السجون بل  لعل   الدكتور نجيب الكيلاني كان  أطول نفسا في هذا ومن المعاصرين ايمن العتوم

  ما رؤيتكم  النقدية  فيما  يحمله  هذا الادب وهل يمكن ان نصنفه بالادب الإسلامي….؟

يجب الإنتباه أنّ ثقافتنا العربيّة ثقافة إسلاميّة، والمسيحيون العرب ثقافتهم إسلاميّة أيضا. والعلمانيون العرب ثقافتهم إسلاميّة، والإسلام ليس حكرا على من ينضوون تحت راية حزب إسلاميّ، فكلنا مسلمون. ولنتذكر مقولة ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث والتي اتّخذها الحزب وهو حزب قوميّ شعارا له” أمّة عربيّة واحدة ذات رسالة خالدة” فالرّسالة الخالدة هي الإسلام.

و”الإسلاميّون” الذي عانوا من السجن وويلاته وكتبوا عنها فمن البدهيّات أنّ كتاباتهم هذه تندرج تحت “أدبيات السجون.”

10

 ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية من خلال تجربة ادب السجون في سوريا الشام ؟؟؟

هذا سؤال مكرر وسبق أن أجبت عليه.

11

بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

هذا ينطبق على النتاج الإسلامي وغيره، فالشعر لحظة شعور، وهو السّبّاق دائما، أما القصة والرّواية والمسرح فتأتي متأخرة، لأنّها تحتاج إلى نضوج التّجربة، وأجمل الرّوايات عن الحرب الكونيّة الثّانية هي التي كتبت بعد انتهاء تلك الحرب.

12

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

هذا السؤال مكرر وسبق أن أجبت عليه.

13

  وهل استطاع ان يشهر مظلومية الاسرى ويعري واقع القهر السجوني الصهيوني*ماذا قدم الأدب السجوني الفلسطيني للقضية

أدب الأسرى الفلسطينيّين عرّى وفضح جرائم الاحتلال، وخرقه للوائح حقوق الإنسان، وانتهاكه لاتفاقات جنيف الرابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، ولو كانت الأنظمة الحاكمة في الأقطار العربيّة عربيّة وجرت ترجمة بعض الأعمال الأدبية المتقنة للغات أخرى لشكّلت رافعة إعلاميّة لإيصال الرّواية العربيّة بخصوص الصّراع للشّعوب الأخرى، ومن المعروف أنّ للأدب تأثيرا أكثر بكثير من الخطابات والشّعارات السّياسيّة، ولنتذكّر أن شعراء مثل الرّاحلين محمود درويش وسميح القاسم، ومعين بسيسو، وقاصين مثل محمود شقير، وروائيين مثل ابراهيم نصرالله، قد خدموا القضيّة الفلسطينيّة أكثر من الجامعة العربيّة ووزارات الخارجيّة العربيّة.

15

  بعد  مسيرة تجازت النصف قرن في خدمة الادب والنقذ  هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية.

بالطبع لست راضيا عن نفسي ولن أرضى حتّى لو طال بي العمر لألف عام، فلديّ مشروع ثقافيّ لا ينتهي.  

تحرير

رواية القوقعة -الحلقة الثالثة مصطفى خليفة

22 شباط

فتح الشرطة باب المهجع ودخلوا بطريقة وكأن مائة ثور هائج قد دخل هذا المكان، الصياح، الضرب بالكرابيج، الشتم، وبين شتيمة ولسعة كرباج يصرخون:

– وجهك عـ الحيط .. وجهك عـ الحيط ..

منذ دخول أول شرطي بهذه الطريقة قفز السجناء وأداروا وجههم إلى الحائط، وقفت لا أدري ما افعل.. صحوت على الكرباج يهوي على خدي ويلتف على رقبتي من الخلف والشرطي يصيح:

– وجهك عـ الحيط !

– أدرت وجهي، تخشبت وسيخ الألم يمتد من وجهي إلى رقبتي، بعدما ما يقرب الخمس دقائق خيم الصمت.

إنه المقدم مدير السجن. أخد يتمشى من أول المهجع إلى آخره بين صفين من عناصر الشرطة الواقفين وقفة استعداد عسكرية.

صوت طلقات مسدس متتابعة، انكمشت على نفسي لدى سماعها وخبأت رأسي أمام صدري، وبسرعة فائقة خرج المقدم يسحب وراءه رتلاً من عناصر الشرطة وأغلق الباب.

أربعة عشر قتيلاً بأربع عشرة طلقة هي كل مايحويها مخزن مسدس المقدم على ما يبدو. ركض الأطباء وبينهم زاهي إلى زاوية المهجع حيث القتلى، فحصوهم جميعاً، الكل ماتوا فوراً، ومكان دخول الرصاصة واحد لدى الجميع في الرأس من الخلف، سحبوهم إلى وسط المهجع، تجمعت بركة من الدماء الطازجة وجلس البعض حولها يبكون، الأغلبية جامدة مذهولة، الأطباء في حالة حيرة لايعرفون ما يفعلون، وقف واحد من فرقة الفدائيين، قال:

– لاحول ولاقوة الا بالله … انّا لله وإنّا اليه راجعون، عليهم رحمة الله، هم السابقون ونحن اللاحقون، اللهم أسكنهم فسيح جنانك، اللهم هؤلاء شهداء في سبيل إعلاء كلمتك، كلمة الحق، فارحمهم أنت الرحيم الغفور.

بعد خروج مدير السجن وزمرته أغلق أحدهم الباب بقوة شديدة، فسقطت قطعة من الإسمنت بجانب الباب، أي بجوار المكان الذي أنام فيه. وتركت ثقباً يمكّنني من النظر إلى الساحة. أعدت قطعة الإسمنت إلى مكانها، وكلما أردت التفرج على ما يجري في الساحة رفعت قطعة الإسمنت ونظرت.

فيما نحن نسير.. ندور، امتدت يد الرقيب الغليظة، أمسكتني من ساعدي وجرتني خارج الرتل، أغلقت عينيّ جيداً ونكست رأسي حتى التصق بصدري. بقي ممسكاً بساعدي، اليد الأخرى أمسكت فكي السفلي ورفعت رأسي إلى الأعلى بعنف، فحّ صوته ممزوجاً بحقد رهيب:

– ارفع رأسك.. ولا كلب، افتح تمك.. لشوف.

فتحت فمي، طلب مني أن أفتحه أكثر، ففتحته. تنخّم بقوة، تنخم ثلاث مرات، ودون أن أستطيع رؤيته أحسست أن فمه قد امتلاً بالمخاط المستحلب.. شعرت برأسه يقترب مني و..بصق كل مايحتويه فمه إلى.. داخل فمي. برد فعل غريزي حاول فمي التخلص من محتوياته، تملكتني حاجة لاإرادية بالإقياء، لكنه كان أسرع مني وأسرع من فمي، أغلق فمي بيد وامتدت يده الأخرى بسرعة البرق إلى جهازي التناسلي، أمسك خصيتيّ وضغط عليهما بشدة.. موجة الألم الهائلة التي صعدت من خصيتيّ إلى الأعلى كادت أن تفقدني الوعي، انقطع تنفسي لثانيتين أو ثلاث، كانت كافية لأن أبتلع مخاطه وبصاقه كي أتنفس، ظل يضغط خصيتيّ حتى تأكد أنني قد ابتلعت كل شيء.

تابعت السير.. تابعت الدوران، مغمض العينين، منكس الرأس.

ألم الخصيتين المهروستين يخفت شيئاً فشيئاً، الإحساس بأنني قد امتلات بالقذارة يتصاعد شيئاً فشيئاً.

عندما نسمع صوت الهليوكوبتر يرتجف أو يتوتر كل من في السجن، حتى الشرطة والبلديات يتوترون، البعض يسميها طائرة الموت، أو ملاك الموت الهابط من السماء، أحد السجناء قال إن عزرائيل يجلس في المقعد الأمامي للطائرة لاًن هؤلاء متعاقدون معه.

السجن يبعد عن العاصمة عدة مئات من الكيلومترات، لذلك فهيئة المحكمة الميدانية تأتي بالطائرة على الأغلب مرتين في الأسبوع، الاثنين والخميس ، وهيئة المحكمة هذه قد تكون ثلاثة ضباط وقد تكون ضابطاً واحداً، يعطون إدارة السجن بعد أن يدخلوا الغرفة المخصصة لهم لائحتين اسميتين:

اللائحة الأولى: تضم أسماء الذين سيحاكمون في هذا اليوم، تأخذ الشرطة هذه اللائحة وتدور على كل المهاجع منادية على الأسماء، ثم يبدأ التجميع من آخر مهجع في الساحة السابعة مع الصياح والشتم والكرابيج، الرؤوس المنكسة والأعين المغمضة، يسوقونهم سوقاً إلى الساحة صفر حيث يُجلسونهم على الأرض أيديهم فوق رؤوسهم، ورؤوسهم بين ركبهم.

يدخل إلى غرفة المحكمة أول اسم نادوا عليه بصفعة قوية على الرقبة عند باب الغرفة، يسأله الضابط:

– أنت فلان ابن فلان؟

– نعم سيدي.

– طالعوه لبره.

وهكذا تكون قد انتهت محاكمته، ثم يدخل الثاني والثالث .. وهكذا خلال ساعتين أو ثلاثة قد تتم محاكمة أكثر من مئة شخص، أحياناً تتعطل إجراءات المحاكمة، فالضابط يسأل السجين:

– أنت فلان ابن فلان؟

– نعم سيدي.

– ولاك ابن الكلب .. أنت شاركت بتفجير المجمع الاستهلاكي؟

– لا والله يا سيدي .. أنا مالي علاقة بأي شي.

– يا كلب .. عم تنكر كمان !! .. يا شرطة.

يدخل عناصر الشرطة إلى الغرفة.

– حطوه بالدولاب حتى يعترف.

تبدأ حفلة التعذيب أمام غرفة المحكمة، يبدأ الضرب والصراخ الأمر الذي يشوش على هيئة المحكمة، يتوقف العمل، تشرب هيئة المحكمة القهوة العربية، بعد قليل يهدأ كل شيء ويدخل الشرطة والسجين معهم يترنح:

– شو .. لساتوا ميبس راسه؟!

– لا سيدي .. اعترف بكل شي.

– إعدام .. طالعوه لبرّه.

أغلب السجناء لا تستغرق محاكمة أي منهم لدى المحكمة الميدانية أكثر من دقيقة واحدة، أغلب السجناء لا يرون القاضي “الضابط”، ولا يعرفون الأحكام التي صدرت بحقهم وقررت مصيرهم. هذه المحكمة ذات نوعين من الصلاحيات، فهي تملك الحق في أن تصدر أحكاماً بالإعدام وتنفذها بالقدر الذي تشاء، وتسجن من تشاء المدة التي تشاء. لكنها لاتملك الحق في إخلاء سبيل أي بريء “معروف هنا أن المهجعين الأول والثاني يسميان حتى لدى الشرطة بـ مهجع البراءة، المحكمة ذاتها وخلال عدة سنوات كانت قد أصدرت أحكاما بالبراءة على سجناء هم في الحقيقة أطفال أعمارهم بين / 11 – 15 / عاماً قبض عليهم خطأ ولكنهم بقوا في السجن ولم يطلق سراح أي منهم، وقد قضى سجناء مهجع البراءة في السجن مدداً تتراوح بين / 10 – 15 / سنة، هؤلاء الأطفال خرجوا من السجن لاحقاً رجالاً”.

اللائحة الثانية: وهي لائحة الذين سينفذ فيهم حكم الإعدام شنقاً في اليوم نفسه.

اليوم هناك أربعة من مهجعنا سيتم تنفيذ حكم الاعدام بهم، قام هؤلاء الأشخاص بالذهاب الى المغاسل، تطهروا، توضؤوا، صلّى كل واحد منهم صلاة عادية، أي صلاة علنية مكشوفة للجميع فيها سجود وركوع “وهل بعد الموت خوف؟!” بعدها طافوا المهجع ودّعوا الجميع مصافحةً وتقبيلاً:

– سامحونا يا جماعة… نرجو أن تغفروا لنا أخطاءنا، ادعوا لنا عند الله ان يأخذنا بواسع رحمته وأن يحسن ختامنا.

الهدوء، ابتسامة خفيفة، أراقبهم جيداً، أتلصص، هل هدوؤهم حقيقي أم مصطنع؟ أرقب اليدين، زوايا الشفتين، العيون، لا ألمح شيئا يدل على الخوف أو الهلع.

يخلعون كل الثياب التي لا زالت بحالة جيدة وتصلح لاستخدامها من قبل الأحياء من بعدهم ، يلبسون بدلاً منها ثيابا مهترئة لا تصلح لشيء، يسلمون الثياب الجيدة الى رئيس المهجع لتوزع بمعرفته.

الإعدام يتم قبالة مهجعنا، وقد رأينا المشانق عدة مرات أثناء خروجنا أو دخولنا من التنفس.

بين الفينة والأخرى نسمع صوت التكبير ينطلق من حناجر عدة أشخاص معاً، يبدو أنها الدفعة التي يأتي دورها بالتنفيذ.

خلال الفترة الماضية كلها كان شعر جسدي يقف منتصباً كلما سمعت هذا الصوت ينطلق قبالة مهجعنا .

في الليل يطابق الساهرون بين العدد الذي ورد عبر الاتصال “المورس” وبين عدد ارتطامات الجثث على أرضية السيارة.

– صحيح … خمسة وأربعون شهيداً.

في اليومين التاليين ينهمك الحفظة بحفظ أسمائهم وعناوينهم.

العجزة في المهجع كثر، المشلولون والمجانين، ثلاثة عميان، أخرس واحد.

أميز حالة بين المجانين: دكتور الجيولوجيا ـ لا أعرف هل هو جنون أم شيء آخر ؟ ـ رجل في الخمسين من عمره، ذهب الى أمريكا لدراسة الجيولوجيا، نجح في دراسته وحاز على الدكتوراه بدرجة امتياز، عاد الى البلد وبعد عودته ببضع سنوات تسلم إدارة واحدة من أهم المؤسسات العلمية، كان ميالا الى التدين، وإبان احتدام الصراع بين الإسلاميين والسلطة كانت هذه الصفات تهمة بحد ذاتها، عند فجر أحد الأيام سحبه رجال المخابرات من وسط عائلته، وماذا جرى بعد ذلك لا يعرف أحد.

يجلس دكتور الجيولوجيا على الأرض متربعاً ووجهه الى الحائط ثم يغطي نفسه كاملاً بالبطانية، ليلاً ونهاراً، صيفاً وشتاءً، حاول كثيرون أن يسألوه، يحادثوه، لم يلفظ حرفاً … لم يفتح عيناً.

نحن الآن جائعون… جائعون بشدة، منذ ثلاثة أشهر هبطت كميات الطعام التي تقدمها لنا إدارة السجن هبوطاً حاداً.

كان لكل سجين يومياً رغيفان من الخبز العسكري، الآن رغيف واحد لكل أربعة سجناء، حصتي اليومية ربع رغيف لثلاث وجبات، اليوم فطوري كان ثلاث حبات زيتون هي كامل حصتي، ملعقة صغيرة من المربى على العشاء، إذا كان الإفطار بيضاً فلكل ثلاثة سجناء بيضة مسلوقة، “نصح الأطباء الجميع بعدم رمي قشر البيض، يسحقونه ويأكلونه للتعويض عن الكلس”.

بعد ثلاثة أشهر من الجوع، الهزال واصفرار الوجوه باد على الجميع، قلّتْ حركة الجميع، من كان يقوم بالرياضة سراً أقلع عنها.

الشرطة تراقب … وتواصل عملها كالمعتاد.

6 تشرين الأول

اليوم كان مليئاً. منذ الصباح تعج الساحة بالأصوات والضرب والصياح والصراخ. فُتح باب مهجعنا وخرج الفدائيون لإدخال الطعام تحت ضرب الكرابيج والعصي، أحد الفدائيين تلقى ضربة عصا سقط على إثرها ارضاً وكانت هذه آخر سقطة له، بقي في الخارج وحيداً بين أيدي عناصر الشرطة، وبعد قليل صاح الرقيب: – يا كلاب … تعوا دخّلوه.

عاد الى المهجع محمولاً بدلا من أن يكون حاملاً.

تلقفه الأطباء في المهجع، بعد أكثر من ساعة لفظ أنفاسه وأسلم الروح بعد أن أوصى صديقه بصوت متهدج:

– سلم على أبوي … إذا الله فرج عنك … احكيلوا عني … وقل له يرفع رأسه بابنه …

واحد من الأطباء أتى الى عند رئيس المهجع والحزن باد عليه:

– الله يرحمه ما خلوا محل بجسمه إلا وضاربينه …عدة إصابات … حتى الخصيتين مهروسات هرس. انغمس المهجع بتجهيز الشهيد، الحديث عن الشهيد، مآثره، وصيته الأخيرة، ثم صلوا عليه سرا وأحضروه قرب الباب،

وقف أبومحمد ودق الباب بجماع يده، وجاء الصوت من الخارج:

– شو بدك يا “…..” ؟… ليش عم تدق الباب ؟.

– يا سيدي … في عنا واحد شهيد !!! … عفوا عفوا … واحد ميت.

نسي أبو محمد حذره من كثرة ترداد كلمة شهيد في المهجع، انتبه واستدرك ولكن هذا الاستدراك جاء متأخراً.

فتحت الطاقة الصغيرة في الباب الحديدي وظهر رأس الرقيب، وبمنتهى الهدوء توجه بالسؤال إلى أبي محمد الذي كان واقفاً:

– مين يللي قال شهيد … يا رئيس المهجع ؟.

– أنا سيدي.

أغلق الرقيب الطاقة وصاح بالشرطة أن يفتحوا الباب.

في الثواني القليلة التي استغرقها فتح الباب، التفت أبو محمد الى الناس وقال:

– يا شباب سامحوني … ادعوا لي … ويللي يضل طيب منكم خليه يروح لعند ولادي ويحكيلهم كيف مات أبوهم!

– فُتح الباب. جمهرة من الشرطة أمامه…

– قذف أبو محمد نفسه بينهم، صاح الرقيب بالشرطة أن يغلقوا الباب. أبو محمد كان ضابطاً سابقاً، وكان رجلاً حقيقياً.

بعد أن فتحتُ الثقب كان أول من رأيت هو أبو محمد، بيده عصا غليظة من المؤكد أنه انتزعها من أحد عناصر الشرطة بعد أن فاجأهم بطريقة خروجه، يضرب بها ذات اليمين وذات الشمال، تحيط به دائرة من عناصر الشرطة والبلديات، ثم رأيت واحداً من الشرطة ممدداً على الأرض.

تضيق الدائرة حوله وتنهال عليه بعض الضربات من الجانبين ومن الخلف، يتألم يلتفت ويهجم، تتسع الدائرة، معركة حقيقية ولكنها غير متكافئة عددياً، من طرف: رجل يعرف أنه سيموت في كل الأحوال، وقرر ألا يموت موتاً سهلاً ورخيصاً، ومن الطرف الآخر مجموعة كبيرة من الأشخاص اعتادوا أن يكون قتلهم للآخرين سهلاً.

والكثرة غلبت الشجاعة. سقط أبو محمد أرضاًً بعد ربع الساعة، حضر أثناءها المساعد والطبيب ومدير السجن، على الأرض أربعة اشخاص ممددين، ثلاثة من الشرطة بينهم رقيب، لقد رأيت كيف تقصّد أبو محمد أن يهاجمه هو رغم أنه كان بعيداً عنه، وكيف نزلت عصا أبو محمد على رأسه.

فحص الطبيب الجميع، أسعفوا أحد العناصر بسرعة، الرقيب والعنصر الآخر ماتا، أبو محمد مات، قدم الطبيب هذا الشرح لمدير السجن الذي التفت الى المساعد طالباً منه أن يجمع كل من في السجن من عناصر الشرطة والبلديات وأن يقف جميع الحراس المسلحين الموجودين على الأسطحة.

اعتبر المقدم مدير السجن أن ما حدث كان تمرداً وسابقة خطيرة يجب أن تجابه بكل قوة، بمنتهى القسوة والعنف كي تكون درساً للجميع.

حوالي الثلاثمائة سجين، يحيط بهم عناصر الشرطة والبلديات، عشرات الحراس المسلحين على الأسطحة. جمعونا وسط الساحة، في آخر الصف قريباً من المهجع وضعوا العجزة، ألقى مدير السجن محاضرة نصفها شتائم، والنصف الآخر تهديد ووعيد، وقد نفذ تهديده، قال للمساعد:

– مابدي حدا يفوت على المهجع وهو ماشي، السليم منهم لازم يفوت زحف على بطنه.

“بعض السجناء سيسمي هذا اليوم لاحقاً بـ / يوم التنكيل / وبعضهم الآخر سيسميه / يوم أبو محمد/”. .

استمر التنكيل من قبيل الظهر إلى ما بعد حلول الظلام، وكان أكثر ما يؤلم مشهد المشلولين وهم يُضربون، يحاولون الحركة، يحاولون تفادي الضرب .. ويظلون مكانهم.

في الصباح الجميع ينظر الى الجميع، كل من لديه القدرة يحاول أن يطمئن على جاره، الحصيلة ثلاثة قتلى ماتوا ليلاً، جراحي خفيفة ولا تشكل أي خطر.

24 شباط

البرد يجمدنا، الجوع يضنينا. ازداد هزال السجناء بسبب قلة الطعام، ثم بدأ مرض السل يظهر. وبعد شيء من الجدل مع السجانين بدأ العلاج.

أنا منذ أشهر مستمر بالمراقبة والتلصص على ساحة السجن عبر الثقب، شاهدت الإعدامات … ثماني مشانق … كل اثنين وخميس، أسمع كلام الشرطة بوضوح أحياناً، كان الناس هنا يتساءلون: لماذا لم نعد نسمع صيحات الله أكبر لدى تنفيذ حكم الأعدام ؟. الآن عرفت السر، بعد أن يخرج المحكومون بالإعدام من المهجع يغلق الشرطة الباب ويقومون بلصق أفواه المحكومين بلاصق عريض، كأن صرخة الله أكبر من المحكومين قبل إعدامهم تشكل تحدياً واستفزازاً للمحكمة الميدانية وإدارة السجن، فمنعوها باللاصق. هذه المشانق هي التي تنزل إلى المحكوم، البلديات الأشداء يميلون المشنقة إلى أن يصل الحبل إلى رقبة المحكوم بالإعدام، يثبتون الحبل حول الرقبة جيداً ثم يسحبون المشنقة من الخلف، يرتفع المحكوم عليه وتتدلى رجلاه في الهواء، بعد أن يلفظ الروح ينزلونه الى الارض … وتأتي الدفعة الثانية ثم الثالثة … أغلب الذين شاهدت إعدامهم كانوا هادئين. أحد المساجين من صغار السن استطاع أن يفلت من بين أيديهم ويركض في الساحة السادسة، وهي ساحة كبيرة جداً ذات فرعين، الهرب مستحيل واضطر الشرطة والبلديات للركض وراءه لدقائق الى أن أمسكوه، أوقفوه تحت المشنقة فجلس على الارض، رفعه اثنان من البلديات وأدخلوا رقبته في الحبل.

20 آذار

علاج مرضى السل مستمر، وجولات الدكتور سمير (وهو أحد السجناء) الذي قام بالعلاج أيضاً مستمرة، مرّ شهران كاملان لكن الاصابات في تزايد مستمر، وصل الرقم الى ألف وثلاثمائة إصابة، الوفيات قليلة جداً. وردت رسالة “مورس” مؤلفة من بضع كلمات: “طبيب السجن قتل اثنين من زملاء دفعته.”

الرسالة واردة من المهجع السابع، بعد ثلاثة أيام وردت رسالة أخرى:

“طبيب السجن [يونس العلي] قتل ثلاثة من زملاء دفعته.”

أبو حسين، أحس بالخطر، فدعا الطبيبين زملاء دفعة طبيب السجن لعنده، كانت لديه خشية كبيرة من أن يقوم طبيب السجن بقتل كافة زملاء دفعته ومنهم هذان الطبيبان، استخدم أبو حسين كل لباقته ودهائه كيلا يدخل الخوف الى قلبيهما: أنا لا أريد أن أهون المسألة وأكذب عليكما، ولكن قد يكون دوركما قادماً، لا سمح الله. والآن هل أستطيع أنا أو غيري أن نفعل شيئاً؟.

– ولكن قولا لي لماذا يفعل هذا؟ هل هو ينتقم؟ وممن؟.

– والله يا أبا حسين لا نعرف الكثير عنه، ما نعرفه أنه أتى الى الجامعة، كان ريفيا بسيطا وخجولا، عرف الجميع أنه من عشيرة الرئيس وهو لم يكن يخفي هذا، كان يدرس الطب على نفقة الدولة، قيل إنه كان يعمل مخبرا لدى الجهات الأمنية، والقصة التي لها بعض المعنى في هذا الموضوع هو حبه لزميلة من زميلاتنا، بقي حتى السنة الثالثة في الجامعة يحبها بصمت، لا يجرؤ على الاقتراب منها أو مصارحتها، في السنة الثالثة انتهز فرصة انفراده بها في أحد المختبرات، أمسك يدها وصارحها بحبه، قال إنه يعبدها … وإنه…. وإنه.

الفتاة كانت ردة فعلها عنيفة جداً، وقد تكون هي السبب في كل ما يحدث، صّدته، اشتكت الى عمادة الكلية، ثم أخبرت أهلها بما حدث.

اليوم في 20 آذار، قبل عيد الربيع بيوم واحد، كان موعد هذين الطبيبين مع زميلهما.

أخرج عناصر الشرطة الطبيبين وأغلقوا الباب، رأيت الطبيبين يسوقهما عناصر الشرطة إلى أمام طبيب السجن الذي يقف على مبعدة أربعة أو خمسة أمتار من المهجع. يقف الطبيب عاقداً يديه على صدره وهو يبتسم. رحب بهما: أهلاً وسهلاً، ثم التفت الى عناصر الشرطة وأمرهما:

– روحوا خلوكم جانب البلديات.

في وسط الساحة سبع من البلديات العمالقة. وقف عناصر الشرطة بالقرب منهم، قال طبيب السجن:

– ايه … هلق عم تقولوا لحالكم : سبحان مغير الأحوال … طيب وانا كمان بقول هيك … بدي أطلب منكم طلب، مين منكم بدو يجوزني أخته ؟ .

لم يجب الطبيبان بشيء، رأساهما منكسان قليلاً، تابع طبيب السجن:

– ليش ساكتين؟! … شو يا عدنان … أنا عم أخطب أختك على سنة الله ورسوله، الزواج عيب شي؟. – بس أنا ما عندي أخت، والحمد لله.

سادت فترة صمت ثم التفت الى الطبيب الآخر، وقال :

– طيب … وأنت يا زميل سليم كمان ما عندك أخت؟.

– نعم … عندي أخت.

– طيب خطبني اياها على سنة الله ورسوله.

– الزواج قسمة ونصيب، ونحن هلق بوضع ما بيسمح بنقاش هيك أمور، وأولاً وأخيراً أنا ماني ولي أمرها. – هذا أسلوب تهرب …

اقترب منه وبصوت أقوى:

– وإلا شايف أنه نحن مو قد المقام، انتو ناس أغنياء وأكابر، نحن فلاحين، مو هيك؟

اقترب منه ولوح بيده أمام وجهه وبصوت حاد صاح وهو يصر على أسنانه:

– ولك شوف … افتح عيونك وطلع لهون، شايف هذا البوط، بوطي أحسن منك ومن أختك وأهلك وكل عشيرتك وطايفتك … يا كلب.

ثم التفت الى حيث البلديات وصاح:

– بلديات… تعوا لهون ولاك… خذوهم عـ نص الساحة.

سحب البلديات الطبيبين. ومشى وراءهم وهو يصيح:

– هدول ناس أكابر … يعني فوق … فوق، وهلق نحن بدنا نطالعهم كمان لفوق أكثر وأكثر … يالله لشوف.

في منتصف الساحة كنت أرى ولا أسمع. استلقى عدنان على ظهره وأمسك به سبعة من البلديات، من الرجلين، اليدين، الخاصرتين، ومن تحت الرأس. إنها عقوبة المظلة. والمظلة عقوبة تعني واحداً من ثلاثة أشياء: إما كسور مختلفة في سائر أنحاء الجسم وعلى الأغلب في الحوض، وإما شلل دائم عندما يكون الكسر في العمود الفقري، أو الموت وهو الاحتمال الثالث خاصة عندما يسبق الرأس الجسم في النزول، وغالبا هذا يحدث عندما يكون عنصر البلديات الممسك بالرأس أقل قوة من الآخرين.

رفع البلديات عدنان، وجهه الى السماء، ظهره مواز للأرض الاسفلتية، أرجحوه قليلاً ثم بصوت عال:

– يالله .. واحد … اثنين …ثلاثة.

وقذفوه الى الأعلى، ثم خبطة قوية على الأرض، لم يتحرك عدنان بعد أن صرخ صرخة ألم رهيبة.

انتظر طبيب السجن قليلا، أشعل لفافة تبغ وظهره لعدنان والآخرين، كان ينظر باتجاه باب مهجعنا، عبّ نفسا من اللفافة وزفره، التفت وأشار للبلديات الذين تقدموا ورفعوا عدنان مرة أخرى و … واحد … اثنين … ثلاثة، هذه المرة لم تصدر أية صرخة.

تكرر نفس الأمر مع سليم.

تركوهما وسط الساحة في حالة استلقاء أبدي. مجموع ما قتله طبيب السجن من زملاء دفعته أربعة عشر طبيباً.

أدب السجون وغيابة الجب

من الرصيد الماثل بين يديه، أي ينتقي مما يقرأ- في مجال الاستشهاد- ما هو أقوى دلالة على الرأي، وما هو أقدر من غيره على تمثيل نظر الشاعر وطوابعه النفسية واتجاهه الفني ومناحيه الفكرية.

ولكني لا أخفي على القارئ أن الحيرة قد أخذتني، وأنا أحاول أن آخذ نفسي بمبدأ الانتقاء أثناء قراءة ديوان “في غيابة الجب” للشاعر المصري “علي الفقي” فكل ما فيه- أو أغلبه على الأقل- قوي الدلالة متوهج الشعور مستجيب لما ينشده الناقد من إبراز الفكر والنفس والحياة.

وفي هذا الديوان ينقلنا الشاعر إلى عالمٍ عجيبٍ نعايش فيه ثلاث شخصيات متلاحمة: شخصية الطاغية المستبد، وشخصية الوطن المطحون، وشخصية الشاعر الذي وقف- بل عاش شاهدًا على العصر- يعيش في أحشاء وطنه بقلبٍ ممزقٍ محزون يتدفق بالألم العبقري في كلماته الشاعرة.

وغيابة الجب هي “السجن” والسجن- في مفهوم علي الفقي- ليس قطعةً من الأرض، أو ذلك البناء المحصور بين أربعة جدران، إنه أكبر من ذلك بكثير.. إنه أرض واسعة جدًّا.. رقعة واسعة شاسعة تحوي مدنًا وقرى وحقولاً وسهولاً وبيوتًا وشوارع ونهرًا.. فكل أولئك يصنع “سجنًا” أو “جُبًا” يسمى في الخريطة الجغرافية مصر“.

هذه هي “المساحة المكانية” أو “المسرح المكاني” للجب الذي صورته قصائد هذا الديوان، أما “المساحة الزمانية” فيحددها الشاعر في مقدمة الديوان بقوله:

بدأتُ في نظمها في أعقاب هزيمة يونيه 1967م، ولا أقول نكسة يونيه كما كان يدعي ولاةُ الأمور في هذه المرحلة المظلمة من حياة مصر؛ ذلك لأن معنى كلمة النكسة في لغتنا الجميلة هي عودة المرض إلى المريض بعد شفائه منه، ولكنها كانت هزيمة كبرى سبقتها هزائم وهزائم في الداخل والخارج.

إن الفترة التي كنت أنظم فيها قصائد الديوان كانت من أحلك الفترات التي مر بها شعب مصر. كان كل إنسان يشك فيمن حوله حتى في أسرته الصغيرة، مراكز القوى التي كانت عيونًا وآذانًا منتشرة في كل شبر من أرض مصر، ريفها وحضرها، كانت تتسلل إلى المصالح الحكومية والمصانع، والمرفق والمساكن حتى غُرف النوم.. تتعقب الخطى، وتعد الأنفاس وتنفذ إلى الضمائر” (1).

وانطلاقًا من هذا المفهوم الدقيق الصادق لطبيعة هذه “المحنة” وانطلاقًا من معاناةٍ حقيقية- لا أقول شاهدها الشاعر- بل أقول عاشها بروحه وأنفاسه وعينيه وأذنيه وقلمه.. انطلاقًا من كل أولئك جاء ديوان “علي الفقي” تعبيرًا صادقًا ينبض بألمٍ عبقري يمثل “نبض الإنسان المصري الحر”.. الإنسان المطحون “في غيابة الجب” في عهدٍ منكودٍ مهزومٍ موكوس.

والديوان بهذا الطابع الموضوعي النفسي يُعدُّ من الدواوين القليلة “المتخصصة”- إن صح هذا الوصف- وأعني بها الدواوين التي تدور حول “غرضٍ واحد” أو تكون ذات طابع أو منحى موضوعي واحد، على اختلافٍ في الأغراض والملامح الفنية من شاعرٍ إلى شاعر، ومن عصرٍ إلى عصر، كديوان عمر بن أبي ربيعة فكله في الغزل، وديوان “إناث حائرة” لعزيز أباظة، وديوان “من وحي المرأة” لعبد الرحمن صدقي، فكلها في “المرأة” على اختلافٍ في المفاهيم والنظرة وأسلوب المعالجة (2).

وديوان الفقي- من ناحية أخرى- يُعتبر ضميمةً حيةً صادقة للونٍ من الأدب لم يأخذ حظه الجاد من الدراسة على الرغم من أن “جذوره ضاربةً في أعماق تاريخنا، وأعني به “أدب السجون والمنافي” وهو الأدب الذي يصور- بصفة أساسية- ما يعانيه المظلومون تحت وطأةِ الظلم والاعتقال، والأسر، والنفي، والتشريد. ونستطيع أن نرى هذا اللون في أرقى صوره في القرآن الكريم، وهو يصور محنة يوسف- عليه السلام- في سجنه: ابتداءً من مكيدة امرأة العزيز إلى أن صار وزيرًا على “خزائن” الأرض” (3).

ومن هذا اللون أبيات “الحطيئة” المشهورة التي يستعطف فيها “عمر بن الخطاب“- رضي الله عنه- من سجنه، بعد أن أمر عمر بحبسه؛ لأنه هجا “الزبرقان بن بدرأو “سلح عليه” على حد قول حسان بن ثابت. يقول الحطيئة:

ماذا أقول لأفراخٍ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء ولا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفرْ عليك سلام الله يا عُمرُ

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ألقى إليك مقاليد النهي البشر

لم يؤثروك بهذا إذ قدموك لها (4) لكن لأنفسهم كانت بك الأثر(5)

ومن هذا اللون أيضًا “روميات “أبي فراس الحمداني، و”سرنديبيات” محمود سامي البارودي، وكثير من “أندلسيات” شوقي، وديوان “وراء حسك الحديد” للشاعر العراقي “محمد بهجة الأثري” الذي نظَّمه خلال السنوات الثلاث التي قضاها معتقلاً في معتقلات الفاو والعمارة وغيرهما من 28/10/1941م إلى 27/8/1944م (6).

وفي مجال النثر نرى المكتبة العربية حافلةً بعشرات- إن لم يكن مئات- من كتب أدب السجون” منها- على سبيل المثال-: “عالم السدود والقيود” للمرحوم “عباس العقاد“(7).
وكتاب “مذكرات واعظ أسير” للمرحوم أحمد الشرباصي، وكتب مصطفى أمين “سنة أولى سجن” و”سنة ثانية سجن” “وسنة ثالثة سجن”، وكتاب المناضل العراقي محمود الدرة “حياة عراقي من وراء البوابة السوداء“(8)، و”في الزنزانة” للدكتور علي جريشة، و”أيام من حياتي” لزينب الغزالي الجبيلي.

هذا اللون النثري من أدب السجون في شكل مذكراتٍ أو يومياتٍ أو ذكريات، وكثير منه لا يخلو من طوابع قصصية، ولكنه- بصفة عامة وخصوصًا من الناحية الموضوعية- يدور حول المحاور الآتية:

(1) تصوير المعاناة القاسية التي يعيشها السجين، والآلام الحسية والمعنوية الهائلة التي تستبد به، وتحديد أبعاد العلائق بين المسجونين وحكام السجن والمهيمنين عليه.

(2) تصوير بعض النماذج والأنماط البشرية التي يرصدها السجين ويصورها بقلمه وخصوصًا الشخصيات السيكوباتية الغريبة الأطوار(9).

(3) الربط بين حياة السجن والأوضاع السياسية القائمة وما فيها من اختلالات ومفاسد ومظالم قادت صاحب القلم إلى هذا المصير المظلم.

(4) ومن ناحية الاستشراف النفسي المستقبلي تتراوح نظرة الكاتب بين أملٍ مشرقٍ يتدفق بالحرية الشاملة، وبين يأسٍ مطبق يصبغ كلماته بلونٍ قاتم حاد، بيد أن كثيرًا من هذه الكتابات تنزع نزعةً أيديولوجية روحية في تبرير محنة السجن وعذاباته، والنظر إلى كل أولئك على أنه ابتلاء وتربية نفسية وروحية بعيدة المدى.

ويأتي ديوان “علي الفقي” ليضيف جديدًا إلى أدب السجون من ناحيتين:

الناحية الأولى: أن مفهوم السجن عنده ذو أبعاد نفسية معنوية لا ترتبط “بالمكانبقدر ارتباطها بمجموعة من التمزقات والاهتراءات الخلقية الشاذة بالنظر إلى شخصية الحاكم، وبالنظر إلى شخصية المحكوم.

الناحية الثانية: شمولية التصوير وعمق المعايشة لمشكلة “الضياع والتبدد”.. فقد انتهى الشاعر بشاعريته الناضجة وحاسته الفنية القادرة على تصوير أن الضياع والتبدد السياسي والعسكري، والاجتماعي كان نتيجةً لعوامل متعددة ومتشابكة تضافرت وتلاحمت كلها، وتمخَّضت وأنجبت “النكبة العاتية” التي يرفض الشاعروله الحق في ذلك- أن يُسميها “نكسة“.

وبصوتٍ جهوري قهار ينم عن عاطفة متوهجة وثورة جياشة، يقف الشاعر موقف “القاضي الحاسم” ليعلن مسئولية “أطراف جريمة التبديد والضياع”، وهو لا يصدر الأحكام جزافًا، بل إن كل حكم “متلبس بحيثياته” وكل اتهام يحمل في ثناياه خطوط تبريره: فالمسئول الأول هو “الحاكم الطاغية” الذي يجابهه الشاعر بهذا الحكم الصاعق:

فاقد الحس ما رحمت عزيزًا ذَلَّ من بعد عزة وإبائه

لهفَ قلبي سلبته جهد كفي– – ه وما نالتاه من آبائه

ثم سخرته لتفسد في الشر ق وتؤذي الكرام من نبلائه

بلسان أعمى أحد من السي– – ف يسب الملاك في عليائه

فغرست العداء في كل قلب كان بالأمس مُشْرفًا في وفائه

وقسمْت الشعوب في أمة الشر ق وكانت يدًا على أعدائه

وفي عشرات من الأبيات، وبفيض عاطفي لا يجور على الوقار العقلي للشاعر نعيش ملامح الطاغية الذي جر على الوطن والشرق الخراب، فهو “عدو الوجود” وهو “عدو البرايا” وهو “إبليس في الأذى لا يجارى” وهو “لعنة الله في الأرض يحيل السلم حروبًا ونارًا”، وهو “الأرعن الوغد على قومه يسوق الدمارا“:

قائمٌ قاعدٌ على الشر سفا حٌ يرى في الدماء خير الغنائم

وهو لم يبدأ سفاحًا ظاهرًا للعيان، بل بدأ صفحته بسياسة الشعب بالمكر والخداع، حتى إذا ما استفحلت قوته ساس الشعب بالحديد والنار وقتل الأحرار في وضح الشمس.. حتى أخلاؤه وأصدقاؤه منا نجوا من شره وأذاه “وما يوم عامر ببعيد“.

وهذه الدموية الطاغية، وهذه “السادية” التي تسعد بالدم وتعذيب الغير.. هذا الشذوذ الوحشي” الذي اتسم به “طاغية مصر” جعل الشاعر يهون من شأن مظالم الحجاج ونيرون والهكسوس إذا قيست بمظالم “فرعون مصر“:

أين ظلمُ بل ظلم نيرو ن إذا ما الرواةُ رووا مظالم

أين حكمُ الهكسوس حلوا على مص– – ر وساقوُا أبناءها كالسوائم

من غشومٍ في حكمه مستبدٍ عاثَ في مصرَ واستباح المحارم

واستحل الذي نهى الدين عنه من مآسٍ مثل الحصى وجرائم

قائمُ قاعد على الشر سفا ح يرى في الدماء خير الغنائم

لا ترى بقعةً من النيل جفت من دماء أو أقفرت من مآثم

ترى هل ظلم الشاعر التاريخ، وجار خياله الشعري على واقعه الثابت؟ الحقيقة أن الواقع التاريخي في صف الشاعر إلى حدٍّ بعيد.. فليس هناك مَن ينكر أن مَن ذكرهم الشاعر كانوا أمثلةً مشهورةً لطواغيت التاريخ ولكن حياة هؤلاء لم تخل من قيمٍ شريفةٍ وأعمال جليلة نسيها أو تناساها كثيرٌ من المؤرخين.

ولكن الحاكم الظالم ما كان ليستمرئ الظلم والتسلط والقهر والجبرية، ما لم يكن الشعب ذا “قابلية” لتشرب هذا الظلم، أو على الأقل مستسلمًا لما يفرض عليه من جلاديه.. وهنا تبرز مسئولية الشعب الذي شبهه الشاعر بأهل الرقيم؛ لأنه يألف الظلم “ويرضى في أرضه أن يضاما” وأنه “غافل لا يجيد إلا الكلاما“:

والشباب في كل أمة هم عمادها، وركيزة حاضرها، وأمل مستقبلها في شتى المجالات.. الشباب في كل أمة هم الرصيد الحقيقي الذي يمثل قوة الأمة.

هذا الشباب عاش سنوات الظلم والقهر، والدكتاتورية وقد

ضلَّ اليقين والشك مُرتَا بًا وتاهتْ خطاه بين الضباب

ومضى لا يرَيم للمثل العليا بعيدًا عن الهدى والصواب

سائرًا كالظليم يضربُ في الليل يحث الخطى وراء السراب

مستخفًا بالدين والمنهج الأسمى مُشيحًا عن سنة وكتاب

فإذا ما تساءلنا على من تقع مسئولية هذا “الإهدار” إهدار رصيد الأمة من شبابها؟ على من تقع مسئولية تمزق الشباب نفسيًّا وعقليًّا وعقديًّا؟ كانت الإجابة: إنهم أيضًا “الحكام الطواغيت” أما بُعْد الجريمة أو سببها فهو ما قاموا به من عملية “المسخ العلمي” إذ حرفوا حقائق التاريخ، وحجبوا عن الشباب واقع أمتهم المجيد في أيامها الخاليات، وجعلوا تاريخ مصر لا يبدأ إلا من اليوم الذي استولت فيه مجموعة من الضباط على السلطة، أما الفترة السابقة، بما فيها من أمجاد علمية وعسكرية وثقافية، وأدبية فهي، “فترة ساقطة” والشاعر يواجه الشباب ويصارحه بهذه الحقيقة المرة:

حجبوا عنكم كفاح جدودٍ جعلوا النيل برزخًا لغُزاتِه

قبروه فكان وقفًا عليهم واستباحُوا ما عزَّ من معجزاته

ما عرفتم تاريخ أمكمو مصر وقد أخرسوا لسان رُواته

قتلوه عمدًا على مشهد الدنيا شهيدًا ومثلوُا برُفاتِه

ثم تغيرت الحال.. بل تبدلت.. وانحدر أمر الأزهر بعد “قرارات التطوير الثوريةالمشهورة.. وأصبح مؤسسة ممسوخة بلا كيانٍ أو اعتبار، وتولت في أسى أيامه النضرات الزاهيات:

وذوى زهرهُ وصَوَّح مرعا ه وجَالتْ بروضه الآفاتُ

وهَوَى صرحه وفرق أهلي– – ه من الدهر غربة وشتاتُ

وانطوى عهدُه وشاهت مجالي– – هِ وحلَّتْ بصحنهِ الكارثاتُ

وفي أمة الجب” عاش القضاء محنة رهيبة بلغت ذروتها في 31 من أغسطس سنة 1969م ومن مظاهر هذه المحنة إبعاد مئات من القضاة عن ساحة القضاء، وذنبهم أنهم من أصحاب الرأي الشرف والنزاهة، وفي صوت تمتزج فيه نبرات الأسى برنات الغضب يصرخ الشاعر:

يا لها محنة تردَّى بها الحقَّ وضاقتْ بها العدالةُ حَمْلا

يا وسامَ القضاء يرحمك الله لقد شوهوك لونًا وشكلاً

أم تعدْ قادرًا على نصرةِ مظلو مٍ على ظالم قصاصًا وعدلاً

كان لمحنة القضاء.. أو كما يسميها البعض “مذبحة القضاء” ضحيتان: الضحية الأولى: قضاة عدول فصلوا من عملهم وسجن بعضهم “والضحية الثانية هي العدالة نفسها، بعد أن تربع على منصة القضاء في عهد الظلم والظلام رجال في أثواب القضاة وما هم بقضاة، وأصدروا من الأحكام- رهبة أو رغبة- ما سيظل عارًا إلى الأبد في تاريخ مصر، بل تاريخ الإنسانية. لقد صور الشاعر “محنة العدالةهذه في أبيات من الشعر تعد من أرقى الشعر العربي كله عاطفة وتصويرًا وتعبيرًا، وذلك في قصيدته، “هذى يد الجاني” وهي تروي في إيجاز مكثف بارع، وفي لقطات فنية أخاذة قصة أحد الطواغيت الصغار من أذناب الطاغوت الأكبر، وقد روى يديه من دماء ضحاياه، فانبرى أحد الضحايا ودماؤه تقطر من جرحه:

صارخًا يا رقيبُ هذى يدُ الجا ني وهذا جرحي بكفيه دامي

قال سيف القضاء لا يعرف الزل– – فى ولم يخُشّ غضبة الحكام

وإذا القضاء يجزيه بالعفو ويسدي إليه أعلى وسام

ومن عادة الطغاة أن يتشدقوا بالشعارات المتوهجة والعبارات البراقة المنفوشة مثل “سيادة القانون” و”استقلال القضاء”، و”الديمقراطية” و”حرية الشعب“… إلخ، وكل ذلك زيف وضلال وباطل إذا نظرنا إلى الواقع المر الأليم.

وتستبد هذه النبرة اليائسة بالشاعر فتكاد تخنق صوته، وتلح عليه في أبيات عديدة في صدر الديوان كقوله:

هانت الأقدارُ يا نفس فلا تطمَعِي في العيش خُلْوًا رغدًا

اطرحي الأوهامَ لا تنخدعي لا تقولي- عبثًا- إنَّ غَدَا

لا تَروُمي الخير في مجتمع مولعٍ بالشر قلبًا ويدًا

ولا يشفع للشاعر- في نظرنا- منطقه الذي استند إليه في تبرير هذه السلبية وتلك الانعزالية اليائسة، وهو منطق يعتمد على ركيزتين: الأولى: اليأس من المستقبل؛ لأن مقدماته وإرهاصاته توحي بأنه غاثم.. بل مظلم، والثانية: اليأس من “الجهد الذاتي” أو “المحاولة الفردية”؛ لأن “اليد الواحدة لا تصفق” على حدِّ قول المثل الشعبي:

أنا منهُ وما أبرئ نفسي غير أني أرى الطريق ظلامًا

لستُ أقوى وهل تصفِّق كفٌ وحدها أو ترد موتًا زؤامًا؟

كيف أرقى وذي الملايين حولي لا أرى منهُمُ فتىً مقِداما

ومن حقنا أن نتصور خطورة هذا المنطق “الانسحابي السلبي” لو اعتنقه كل مواطن في أي مكان وأية أمة، إذن ما استقامت حركة كفاح، وما قام لنضال قائمة.. على أن التاريخ يقرر أن حركات النضال: صغراها وكبراها- تبدأ دائمًا بفردٍ واحد.. بضربة واحدة.. بكف واحدة.. سرعان ما تتحول إلى ملايين من الأكف والأيدي.

وتعميم الحكم في البيت الأخير ينقضه الشاعر نفسه في قصائد أخرى، فهو يقرر أن الساحة المصرية لم يكن فيها مجرد “صوت فردي” أو “كف واحدة”، بل كان في الميدان “قوة حقيقية مقاومة” وقفت في وجه الظلم، وهي التي صورها الشاعر تصويرًا بارعًا في قصيدته “جنود الرحمن“.

يركبون الصعابَ في نصرة الدي– – ن ومن عزمهم تهونُ الصعابُ

لا يهابون في الوغى شبح الموت ت، وللموت جيئة وذهابُ

هم جنودُ الرحمة درعهمو في نضرة الحق سنة وكتابُ

وعلى الرغم من هذا المأخذ يبقى الديوان- للحق ودون إسراف في الحكم- ضميمة ناضجة جدًّا “لأدب السجن والمنافي”؛ ذلك اللون من الأدب الذي يتطلب دراسة بل دراسات أكاديمية طويلة وواعية، والمكتبة العربية ما زالت صفرًا من مثل هذه الدراسة.

هذا، وقد ألمحت في مطلع مقالي إلى المفهوم الجديد للسجن أو “للجب” عند “علي الفقي” في ديوانه العظيم، ولا أزعم أنني قمت بتقييمٍ شاملٍ لهذا الديوان، إنما هي “جولة موضوعية” في أحشائه وثناياه، وهي لا تغني عن نظرات ووقفات أخرى لتقييم العناصر الفنية في الديوان من تصوير وخيال وأداء تعبيري وقيم شعورية.. وكل أولئك يحتاج إلى بحثٍ آخر.

الدكتور جابر قميحة رحمه الله

————–

المراجع والتعليقات:

(1) علي الفقي في غيابة الجب

( 2) ومن هذا القبيل أيضًا ديوان شعر للدكتور محمد صلاح الدين الذي عمل وزيرًا للخارجية في وزارة الوفد قبل الثورة ولم يقدر لي قراءة الديوان ولكنني سمعته منه يلقيه في جمع حافل في القاعة الكبرى بجامعة الكويت في أحد أيام شهر مارس سنة 1972م، وكل قصائد الديوان تدور حول محنته أيام اعتقاله في عهد عبد الناصر، ومن هذا القبيل أيضًا ديوان شعر- أعلن عنه حديثًالمحمد الحسناوي بعنوان “في غيابة الجب” وهو نفس العنوان الذي يحمله ديوان على الفقي.

(3) راجع سورة يوسف وخصوصًا الآيات من 23 إلى 55.

(4) الأثر: بضم الهمزة وفتح التاء: المكرمات والأعمال الطيبة “انظر ديوان الحطيئة وانظر كذلك الأغاني 2/604، تحقيق وشرح إبراهيم الإبياري- طبعة دار الشعب بالقاهرة“.

(5) محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء 1 / 268 (تحقيق وشرح محمود شاكر مطبعة المدني القاهرة: 1974

(6) راجع: الأسس النفسية للإبداع الفني مصطفى سويف 218- 221 (الطبعة الثالثة- دار المعارف بالقاهرة).

(7) وقف النائب الوفدي عباس العقاد وصرخ صرخته المشهورة: ألا فليعلم الجميع أن هذا المجلس مستعد أن يسحق أكبر رأس في البلاد في سبيل صيانة الدستور وحمايته.. ولم يستطع الملك فؤاد أن يحاسبه على قولته لتمتعه بالحصانة البرلمانية ولكن الفرصة سنحت بعد أشهر قليلة فقدمت النيابة العقاد للمحاكمة في 12 من أكتوبر 1930م؛ لأنه كتب عدة مقالات في جريدة المؤيد يهاجم فيها الحكومة ونظام الحكم وحكم عليه بالسجن تسعة أشهر قضاها العقاد في سجن مصر من يوم 13 من أكتوبر 1930م إلى 8 من يوليو 1931م.

وكان كتاب (عالم السدود والقيود) هو حصيلة معاناة العقاد وتجربته في السجن طيلة هذه المادة (انظر: رجاء النقاش: العقاد بين اليمين واليسار 59- 95، ومحمد طاهر الجبلاوي: في صحبة العقاد 98، والدكتور جابر قميحة: منهج العقاد في التراجم الأدبية 151- 152).

(8) طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1976م، والكتاب ترجمة ذاتية للكاتب إلى الفترة التي سبقت أيام الثورة العراقية، وقد حكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات لاتهامه باشتراك في ثورة رشيد عالي الكيلاني ومحاولة الاعتداء على الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق، وقد وصف محاكمته ومشاعره وتجاربه في السجن في الصفحات 175- 275.

(9) وعلى سبيل التمثيل- انظر العقاد في تحليله الرائع لأربع شخصيات التقطها من أربعة آلاف إنسان تحويهم جدران السجن: أحد هؤلاء مجنون يتنازعه السجن والبيمارستان والثاني مجنون أيضًا ولكن على طراز آخر من الجنون، والثالث على مقعد مبتور الرجلين إلى الفخذين، والرابع خليط من الجنون والعربدة والمكر والدماثة المصطنعة والجموح الصحيح (عالم السدود والقيود 1978م- طبعة مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1937م)، وانظر كذلك تلك الصورة النفسية التي رسمها محمود الدرة لشخصية مجرم سجين يدعى “علي زين” (حياة عراقي في من وراء البوابة السوداء 230- 234).