أرشيف الوسم : المعتقلات

حوار مع أحد الناجين من السجن السري الشهير
”فرع فلسطين” بسوريا


يسرنا أن نقدم للأمة الإسلامية هذا الحوار مع أحد الإخوة الأسرى السابقين بالسجن السري الشهير المسمى ” فرع فلسطين ” هذا السجن الذي يسام فيه أهل الإسلام نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً أشد العذاب منذ استيلاء الزنادقة النصيريين بتعاون مع الفرنسيين والبريطانيين المحتلين على بلاد الشام المباركة أعادها الله دار إسلام وسنة.


وقد حمَّل الإخوة الأسرى هناك أخانا الذي أجرينا معه هذا الحوار حين خروجه من الفرع وموعد ترحيله نحو بلده أمانة ألحوا عليه إلحاحاً شديداً واستحلفوه بالله أن يبلغها للأمة الإسلامية عامة ولمجاهديها بصفة خاصة ورغم ظروف الأخ – تقبل الله منه- فإنه لم يهدأ له بال ولم يقر له قرار حتى يوفي بوعده الذي وعد به إخوانه وعاهد ربه على الوفاء به . وها هو اليوم يوفي بوعده ويبر يمينه نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منه ويحفظه ويرعاه وأن يفرج كرب كل مكروب من أمة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام كما نطلب من إخواننا المسلمين في كل مكان ومن كل من يطلع على هذا الحوار أن لا يدَّخر جهداً في القيام بأي عمل يمكن أن يساعد به إخوانه الأسرى في سوريا المكلومة بحراب النصيرية البعثيين الزنادقة عليهم من الله ما يستحقون وأن يسعى إلى إيصاله لمن يعنيه الأمر للمسلمين عامة وللمجاهدين وقادتهم خاصة .


بارك الله في الأخ المحاور وفي الأخ الأسير الذي أجري معه الحوار وفي كل من عمل على تبليغه ونشره ولا تنسوهم من دعائكم.




سؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخي نريد نبذة مختصرة عنكم وعن سبب سفركم إلى سوريا ؟؟؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, أشكرك أخي على هذه الإلتفاتة المباركة الطيبة وأود قبل إجابتي على أسئلتكم أن أخبركم وأخبر كل مسلم ومسلمة أن ما سأذكره هنا هو مجرد صورة مصغرة ولا يعد إلا كنقطة ماء في محيط كبير لما يكابده ويعانيه إخوانكم المسلمون الموحدون في سوريا النصيرية البعثية التي يرفع نظامها المجرم في العلن شعار الممانعة والمقاومة ومشاكسة أمريكا ودويلة يهود ومشروعهما التوسعي أما في الخفاء فهذا النظام الإجرامي لا يختلف عن بقية الأنظمة العميلة, بل ربما تجاوز بعضها, خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001 وإعلان الحرب الصليبية على الإسلام والمسلمين.


فتعاونهم الإستخباراتي مع أمريكا لم يعد يخفى على أحد. وأتمنى أن أوفق في تأدية الأمانة والوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسي وعاهدت به إخواني المحتجزين هناك الذين منهم من لم ير نور الشمس منذ سنوات عديدة وقد نخرت أجسادهم الأمراض والعلل, وهي رسالة للمسلمين عامة ولأهل الشام والمجاهدين بصفة خاصة . فأتمنى وأسأل الله أن أوفق في نقل ولو جزء من الصورة الحقيقية كما أسأل الله أن يوصلها لأهلها والله من وراء القصد.


أعود لسؤالك : أنا شاب موحد لله تعالى فتحت عيني على مآسي أمتي المسلمة ومذابحها في كل مكان دون غيرها من الأمم والملل فكنت أتابع الأخبار التي تزيدني ألما وأسى وأسفا وأتجرع بها المرارة في كل يوم ولم أكن أملك سوى الدعاء.


إلى أن جاءت أحداث محرقة غزة التي زادت من اهتمامي وتفكيري بجدية في التكليف الملقى على عاتق كل مسلم اتجاه ما يجري وفي كيفية أداء هذا التكليف العيني لنصرة الأمة المستضعفة. بدأت المشاركة في بعض المواقع والمنتديات الإسلامية الجهادية والتعرف على بعض الشباب عبر الشبكة ممن يقاسمونني نفس الهموم, فعرفت ولله الحمد الكثير وتعلمت الكثير في ظرف وجيز من الزمن خاصة في أمور الجهاد ووجوبه وفقهه وأمور الهجرة وغيرها …


منذ ذلك الحين وأنا في بحث دائم عن طريق يوصلني إلى أرض الجهاد والإعداد والهجرة والنصرة وكان همي الوحيد هو اللحاق بركب الشهداء وقافلتهم المباركة التي لا تتوقف بفضل الله, إلى أن تعرفت على بعض الشباب الذين وفق الله بعضهم لهذا الأمر . فكنا كلما سافر أحدهم ترك بريداً إلكترونياً وهاتفاً للذي يليه ليلحق به. فجاء دوري, جهزت المال وتركت التجارة الدنيوية لعلي أظفر بما هو أعلى . توكلت على الله فتيسرت لي ظروف السفر بعدما درست كل مراحلها بشكل دقيق وواضح ثم توكلت على الله وانطلقت في سفري.


باختصار شديد وحتى لا أطيل في هذه التفاصيل الغير مهمة. وصلت تركيا وتوجهت منها براً نحو سوريا بعدما أمرني (المنسق) بذلك وهو سوري ظل معي على اتصال دائم منذ نزولي بتركيا إلى حين وصولي سوريا حيث سألتقيه لأول مرة بعد أن تواعدنا. خلال هذا اللقاء كان معه شخص آخر بقي في السيارة ولم ينزل منها نزل فقط (المنسق) وسبحان الله حين سلم علي أول مرة ببرود ولا مبالاة ارتبت في أمره ولم يطمئن قلبي له أبداً, فقلت مع نفسي ربما هذا من الأمنيات والحذر فلا بأس ركبت معهما السيارة فلمحت بجانب السائق مسدسا فأخذه بسرعة وبطريقة غريبة ثم نظر إلي ليختبر ردة فعلي فتصرفت بشكل عادي. في الطريق إلى دمشق شرعت أناقشهما بعض الأحداث وتبين لي من أول الحديث أنهما في الحقيقة لا يعرفان شيئا عن الجهاد والمجاهدين لكن من خبثه اشترط علي أن لا أسأله عن شيء من باب الأمنيات,فكنت كلما انتابتني الشكوك قلت لعله من تشويش الشيطان ووسوسته لصدي عن هذه العبادة العظيمة ولقلة تجربتي . ثم سلمت أمري إلى الله عز وجل، وصلنا بعدها دمشق فأخذني إلى فندق كان يعرفه مسبقا فحجزت غرفة .


ومن الملاحظات وللفائدة فقط , فهناك فرق كبير بين مسئولي الفنادق في تركيا وفنادق سوريا. ففي سوريا هناك كثرة الأسئلة وكثرة علامات التعجب والاستفسارات والملاحظات وغيرها تحس كأنك في مجتمع مخابراتي بامتياز.


كان هذا( المنسق) يتصل بي باستمرار للاطمئنان علي ويسألني عن الأجواء وفي كل مرة كنت أستعجله وأسأله عن موعد السفر لدخول العراق فيُسَوِّفُ تحت دعاوى عدة.


أما الفندق الذي أنزلني فيه فكان يقع وسط سوق شعبي مزدحم بالناس يصعب عليك فيه تحديد من يراقبك. بقيت بضعة أيام لم أره حتى أصررت على اللقاء به، وطلبت منه موعد السفر إلى حيث أريد، لكنه برر عدم استطاعة الدخول إلى العراق بسبب بعض الظروف الصعبة في الطريق وغير ذلك…


في هذه الفترة وقع لي حادث غريب أسرده للإخوة للعظة والفائدة والحيطة والحذر : في يوم من الأيام خرجت من هذا الفندق للمشي فاستوقفني صاحب محل لبيع الملابس. سألني هل أنت من البلد الفلاني؟؟؟ أنا أحبكم وزبائني كثر من أبناء بلدكم وعندي بضاعة ستعجبك وهذا محلي وعندي محل في بلادكم يبيع المنتجات السورية أجبته أنني لا أحتاج ملابس وليس معي مال لشرائها . فألح علي إلحاحاً عجيباً قال تعال معي تأخذ فكرة فقط عن المحل ربما مرة أخرى تحتاج الشراء والتسوق من عندنا فبضاعتنا رخيصة وممتازة. كان إلحاحه شديدًا كإلحاح التجار عامة وأكثر , المهم دخلت معه المحل فيه درج صعدناه فوجدت عشرة أشخاص أمرني بالجلوس لا يظهر عليهم أنهم لصوص قالوا لي إذا أردت أن تخرج من هنا فضع ما معك من مال ولا تحاول المقاومة فأخذوا ما كان معي حينها أزيد من ألفي أورو أمروني بالخروج وعدم الإلتفات لأني مراقب توجهت مباشرة للفندق وجمعت أغراضي وانتقلت لفندق آخر.وقد علمت فيما بعد أن كثير من الشباب المهاجرين خاصة من أهل الجزيرة العربية قد تعرضوا للسرقة والنصب من قبل العصابات وأحيانا من قبل المخابرات السورية وهو ما حدث معي شخصياً .


بعد حلولي بالفندق الجديد اتصلت ب ( المنسق) فأخبرني أن الأمور جاهزة وميسرة وما هي إلا نصف ساعة ويكون عندي لننتقل صوب الحدود العراقية للدخول. استلقيت على ظهري متأملا فيما جرى معي وبينما أنا كذلك داهمت عناصر مسلحة بالرشاشات والمسدسات غرفة الفندق بعد فتحها بمفتاح احتياطي من عند صاحب الفندق كانوا حوالي 13 شخصا ألقوني على الأرض وقيدوا يداي خلف ظهري بقوة حتى دخل القيد في اللحم ووصل العظم حاولت الاستفسار عن الوضع فكان جوابهم ضربي بأخمص الرشاش على رأسي وكامل جسمي.


أخذوا الجواز ومبلغ ألف أورو كان بقي معي والهاتف وكل الملابس والأغراض في باب الفندق وجدنا سيارة أخرى بها 8 أفراد أيضا مسلحين بالرشاشات سلموني لهم وانطلقوا بي بعدما أغمضوا عيني بقماش.


سؤال : أين أخذوك بعد هذا ؟؟؟


توجهوا بي مباشرة إلى سجن سري يسمى فرع فلسطين وهو عبارة عن بناية تقع على طريق المطار مكونة من سبع طوابق كل طابق يختص بالتحقيق في قضايا معينة: الإسلام – الأسلحة التهريب – التزوير- قضايا سياسية – مخالفات الجيش- الأجانب …. وسمي بهذا الاسم حسب ما علمت لأنه كان فرعاً أمنياً مخصص للقضايا الفلسطينية منذ عهد الهالك المجرم حافظ الأسد وقد أعيد ترميمه في سنة 2006 وهو جحيم للمسلمين ووبال على الفلسطينيين .


هذا المعتقل العسكري له قانون خاص مع الأجانب الذين لا تسأل عنهم حكومات بلدانهم ولا تتدخل سفاراتها لتسلمهم وترحيلهم مثل أهل أفغانستان وغيرها كأهل المخيمات الفلسطينية وهم كثر وأعدادهم هائلة. فهؤلاء بعد أن يقضوا في المنفردات أو المهاجع أكثر من أربع أو خمس سنوات، تعقد لهم مسرحية وهي عبارة عن محاكمة عرفية داخل المبنى ويستمعون فيها لأقوال المتهم ثم يأخذونه إلى سجن من سجون سوريا يبقى فيه إلى أن يشاء الله دون وقت محدد.


أول ما أدخلوني هناك بدأ التعذيب الشديد في مكاتب التحقيق بالطابق الرابع من البناية سألوني عن سبب مجيئي لسوريا فقلت لهم أنا تاجر وجئت للتسوق والبحث عن بضائع جديدة وطبعا هم كانوا يعرفون سبب مجيئي لأن (المنسق المزعوم) لم يكن سوى مخبراً يعمل معهم وقد ربط الاتصال بي بعدما اعتقلوا أحد الإخوة قبلي ووجدوا معه بريدي وكان يتصل بي على أنه من طرف الأخ وأن الأخير قد دخل العراق وهذا من قلة التجربة والإفراط في الثقة … عذبوني بشكل لا أستطيع وصفه حتى أغمي علي عدة مرات وركزوا ضربي على أذناي حتى قلت لهم أن بي كسر سابق في رقبتي لعلهم يتركون ضرب الأذن لكن المجرم كان يمسك برقبتي ويلويها بعنف متعمداً كسرها وإيلامي وكذلك رفعوني عار من الملابس وكبلوا يدي ورجلي إلى حديدة طويلة وشرعوا في جلدي بالسياط وصعقي بالكهرباء إلى أن اعترفت لهم بالحقيقة وأن سبب دخولي سوريا هو رغبتي في الانضمام للمجاهدين في العراق ثم بعد التحقيق أمروا بي إلى المنفردة.


وهناك سيبدأ عذاب من نوع وألوان مختلفة .فحين ينزلونك تحت الأرض للمنفردة يعطونك رقماً عوض الاسم وهناك كل شيء ممنوع : الكلام، الجهر بالصلاة، الدعاء وحتى تلاوة القرآن والوضوء ممنوع، يمكنك فقط التيمم وأخطر شيء هناك أن يسمعك تقرأ القرآن أو تدعو الله أو تناجيه . سيتهمونك بأنك تدعو عليهم ويخرجونك للتعذيب الشديد الفظيع والتعذيب هناك بالسياط والركل واللكم وكل الوسائل الممكنة والمتوفرة لديهم وحين يرون السوط لم يعد ينفع يعذبونك بألوان أخرى منها أن تضل واقفاً مكبل اليدين إلى الخلف ووجهك باتجاه الجدار لأزيد من 24 ساعة وحين تحاول الجلوس أو السقوط يجلدونك بالسوط وهناك شخص سوري رأيته أوقف 36 ساعة إلى أن انفجرت الدماء من قدميه
وأيضا التكبيل للخلف داخل الزنزانة ولكم أن تتخيلوا شخصاً يقيد لأزيد من أربعين يوماً في زنزانة انفرادية ولا يستطيع حتى حك جلده وطرد الحشرات والقمل عنه. وحين يسمعون الإخوة يتكلمون مثلا ولم يعترفوا على المتكلم يعذبون الجميع في الممر تعذيباً شديداً . هذا والله العظيم مجرد جزء يسير مما يحدث للإخوة هناك …والله المستعان .


أول مرة دخلت “الانفرادية” في اليوم الأول نادوا على رقمي للمرحاض خرجت بشكل عادي فإذا بالسجان يركلني ويقول باللهجة السورية ( على السارع يا كور) أي بسرعة يا كلب لم أكن أفهم شيئا حينها لأني جديد فبقيت على هذه الحال لأسبوع كل يوم ضرب وسب وإهانة حين الخروج للمرحاض إلى أن اكتشفت ما يجب علي فعله.


سؤال : ممكن تصف لنا هذا السجن ؟؟؟



عدد الزنازين الانفرادية ويسمونها المنفردات هو 38 منفردة طولها متران وعرضها متر ونصف , وعدد المهاجع 19 مهجع طول كل واحد منها تقريباً عشرة أمتار وعرضه متر ونصف وكل مهجع يضم ما بين أربعين وخمسين سجيناً ولكم أن تتخيلوا هذا العدد من الناس في مسافة بعرض متر ونصف وطول عشرة أمتار، إنه الجحيم الدنيوي بعينه وكل هذا في مكان تحت عمق الأرض ب5 أمتار.


الطابق الأول فيه غرف التحقيق ومكتب المدير المجرم ويكنونه ( أبو حمزة) وبه منفردات قضايا سياسية خاصة .


الثاني والثالث لم نعرف ماذا يجري فيهما. أما الرابع فهو المخصص للتحقيق في قضايا الإسلاميين يرأسه ضابط من أخبث من رأيت أو سمعت عنهم في حياتي وأظنه كبيرهم في هذا القسم لأنني لاحظت الحراسة المشددة على مكتبه والتبجيل الذي يكنونه له, والمعلومة الوحيدة التي عرفتها عن هذا المجرم هي أنه كان مسئولا عن تعذيب أهل السنة في المعتقلات اللبنانية ثم مساعده وله مكتب مجاور واسمه منير وهذا أيضا من كبار مجرميها بلغ به الإجرام أنه إذا رأى على الأسير قميصاً أو في قدمه حذاءًا من نوع جيد أمره بنزعه ولبسه أمامه وأرسله حاف أو عار إلى زنزانته وقد أخذ مني شخصياً حذائي وقال لي الأولى أن تمشي حافياً والاستهزاء من طبعه وعادته وسمعته يقول عن نقاب زوجاتنا أنه قمامة من الأزبال …


عدد المراحيض ستة و3 حمامات الخروج للمرحاض من السادسة صباحاً إلى السادسة مساء ماؤه جد بارد وللمرحاض هناك قصص وآلام ومعاناة لا أستطيع وصفها خاصة للمرضى المصابين بالإسهال أو السكري أو المعدة وغيرها من الأمراض التي يحتاج صاحبها التردد على المرحاض لمرات متعددة.


مدة المرحاض لا تتجاوز 30 ثانية وهذا يعود لمزاج الحارس وخبثه فما تكاد تنزع سراويلك حتى تسمع شتمه وسبه وأوامره لك بالخروج فهناك دخول المرحاض يصير عندك كابوساً حقيقياً تخطط له وتستعد وتتعوذ وتدعو أن يسلمك الله من السياط والجلد وأن توفق لقضاء حاجتك وملئ قارورتك من الماء …


وطريقة الخروج من المنفردة إلى المرحاض لها طقوسها الخاصة فعليك أن تخرج وأنت منحني على صفة الركوع ووجهك في الأرض لا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تنطق ولو بكلمة أو حرف حين تسمع رقمك والأمر بانتهاء الثواني المخصصة للخلاء عليك أن تخرج يدك من نافذة المرحاض وتعود لمنفردتك كما غادرتها . أما إذا نودي عليك ولم تسمع رقمك كأن تكون نائماً مثلا فإنك ستأخذ من السياط لمدة أسبوع كامل عند كل ذهاب وعودة للخلاء وكل مجرم من المجرمين حين ينهي دوامه يوصي بك من يتسلم الدور والسوط من بعده تظل على هذه الحال على مدار الأسبوع إلى أن يرجع الدور للمجرم الأول الذي وقع المشكل معه في فترة دوامه .


بالنسبة للحمام فهو الآخر حسب مزاج السجان مرة في الشهرين أو الشهر ومدته أيضا بمزاجه , وفي أحسن مزاج وأحسن حال فهي لا تتعدى 5 دقائق تقضي فيها حاجتك البيولوجية وتغسل فيها جسدك الوسخ . ومفروض عليك أن تخرج للحمام من منفردتك بلباس داخلي فقط كي يفتشها المساعد ويسرق ملابسك ودوائك وكل شيء. أذكر أنه في يوم من الأيام نادى المجرم على السجين ليخرج من الخلاء وكان قد دخل لتوه وهو سجين جديد فرد على السجان : مهلا هل تظنني سأبيت هنا سأطلع حين أنتهي من قضاء حاجتي. وأقسم بالله أنني رأيت السجان من شق الباب يفرك يديه فرحا وسعادة من رد السجين لأنه وجد طريقا لتعذيبه كما يشاء. وهو ما كان, فقد تفننوا في تعذيبه بل وجعلوه يبيت ليلته في المرحاض عار من الثياب.


أما ما حدث معي شخصياً في موضوع المرحاض هذا فبعد مرور 4 أشهر على دخولي ذلك المكان كاد القمل والوسخ والعفن أن يقتلني وكنت لا أنام الليل من شدة الحك والألم حتى تورم جسدي وكلما حككت جلدي نزعت يدي والدماء تغطي أظافري فقررت في يوم من الأيام أن أستغل دوري لقضاء حاجتي وأستحم في المرحاض وليكن ما يكون. وهو ما كان دخلت وبدأت أغسل رأسي من القمل ونصف جسمي الأعلى فناداني المجرم للخروج فقلت له أنني جد متسخ وأحتاج فقط دقيقة لأغسل بعض القمل حينها جن جنونه وشرع يصرخ ويلعن ويسب, وحينها خرجت . فقال لي غسلت وسخك ؟؟


أجبته نعم شيئا ما فقط . فأمرني بالتمرغ عاريا في ماء معقد معلك أسود اللون رائحته لا تطاق أبدا وشكله مثل العسل ينزل ويتسرب من أسفل سلال الأزبال المتراكمة في زاوية من زوايا المراحيض . امتنعت في البداية ورفضت الأوامر وعندها نادى أصحابه فانهالوا علي جميعا بالكرابيج وأنا عار الجسد إلى أن امتثلت وتمرغت على بطني وظهري كما أمروا, ثم نهضت حاملا قنينة الماء الذي أشربه فأفسحوا لي الطريق هاربين من رائحة جسدي وحين دخولي المنفردة غسلت أعلى جسمي بقنينة الشرب وبقيت أتكبد عناء العطش مدة 24 ساعة وطبعا هذا المجرم أخبر من يليه في الدوام وكنت أعذب عند كل خروج ورجوع من الخلاء مدة أسبوع …


لكن سبحان الله رغم هذا فإن تلك الثواني المعدودة كانت فيها رحمة من الله لعباده ففيها يتبادل الإخوة الملابس وبعض حبوب الدواء والحاجات البسيطة التي تعتبر هناك شيئا ذا قيمة كبيرة ,لأن المراحيض مفتوحة من فوق لا سقف لها ولا يفصلك عن أخيك في جانبك إلا جدار….ولا يمر يوم دون جلد الإخوة وتعذيبهم حين الذهاب بهم أو العودة للمرحاض حتى أن البعض كانوا حين المناداة عليهم برقمهم يمتنعون عن الخروج بدعوى أن ليس لهم رغبة مع أنهم يتقطعون من الألم والحاجة إلى التبول أو التبرز أكرمكم الله….


سؤال : وماذا عن المهاجع ؟؟؟


المهاجع كما ذكرت لكم آنفا هي غرف جماعية طولها عشرة أمتار وتتسع فقط لعشرين شخصاً لكنهم يحشرون فيها حتى الخمسين وفيها مرحاض واحد بداخلها لا يتوقف 24 على 24 ساعة لكثرة النزلاء وقانونهم هو منع الكلام ومنع رفع الصوت حتى بتلاوة القرآن أو الصلاة والدعاء كذلك ممنوع , وفي إحدى الليالي سمعناهم يعذبون أحد الإخوة في ثلث الليل الأخير ويقولون له من الذي كان يقوم معك الليل؟؟؟


أما طعامهم هناك فهو لا يكفي حتى عشرة من الناس يجوعونهم عمداً حتى يضطرونهم للشراء من مدخراتهم في الأمانات وهذه تعتبر فرصة للسجانين للنهب والسرقة فأنت توقع على ورقة مشترياتك ولا تعرف على ماذا توقع حتى ينفذ المال في رمشة عين وهناك بالمهاجع دعاء السجناء هو أن يأتي من عنده مبلغ محترم من المال حتى يقتاتون شيئا فأول ما يسألك عنه السجناء هو هل معك مال في الأمانات؟؟ أما طريقة نومهم فهي بالدور, يصطف البعض منهم على جنب واحد دون حراك أو تقلب ويقف الثلث الباقي فلما تنتهي المدة ينام من كانوا واقفين, مثل صلاة الخوف ويمكننا تسمية القياس عليه وتسميته بنوم الخوف وهو كذلك بل أشد.


أما الفراش فبطانية واحدة على الأرض دون غطاء بل بعضهم ليس معه بطانية أصلاً ومنهم من انتهى التحقيق معهم منذ عامين وأزيد ولم يحالوا على المحاكم ولا على السجون فاضطروا مرة لخوض إضراب عن الطعام لم يتجاوز 12 ساعة حتى ذاقوا كل أشكال العذاب ما اضطرهم لفك الإضراب والتوقف عنه .


وهذا التعذيب تم برئاسة المجرم كبير الجلادين واسمه سليمان وهو رقم 1 في التعذيب وهذا المجرم نصيري الديانة عمره حوالي 36 سنة وطوله حوالي186 بشرته بيضاء.


بالنسبة للتنظيف هناك في “فرع فلسطين” فالمكلف به هم السجناء من الجنود السوريين أصحاب المخالفات ينظفون المبنى كاملا في ظرف وجيز والضرب والركل على ظهورهم والسب والشتم عدا المنفردات والمهاجع فنزلاؤها هم من يتكلفون بتنظيفها بقليل من الماء فقط لا صابون ولا أي مواد أخرى للتنظيف .


وأنا أول ما أدخلوني المنفردة الشخصية وجدت فيها ثلاث بطانيات أظنها من عهد الحرب العالمية الأولى ثقيلة بالقمل والعفن والأرض كذلك معفنة والسقف تعشعش فيه الحشرات بأنواعها أما الباب فمغطى بالصراصير ففزعت من هول المكان ووحشته وتساءلت طويلا هل سبق لأحد أن سكن هذا المكان؟؟ ثم علمت فيما بعد أنها كانت تسكن من طرف سجين ضل مكبل اليدين لمدة جد طويلة . حاولت طويلا تنظيف المكان مستغلا قنينتي الماء والتبول لكن بلا فائدة .


سؤال : وماذا عن السجانين ومعاملتهم للسجناء ؟؟؟


عدد مجموعات السجانين ثلاثة، كل مجموعة تتكون من خمسة أفراد اثنين للمنفردات وثلاثة للمهاجع. هؤلاء القوم لعنة الله عليهم مهما تفننت واجتهدت في انتقاء العبارات لوصف إجرامهم وخبثهم وكفرهم فلن أوفي ولن أوفق. وأذكر منهم :
المسمى رمضان : نلقبه بالضفدع من مدينة حماه ديانته (سني) وهذا يطلقه الإخوة على المنتسبين زوراً لأهل السنة عمره حوالي 40 سنة طوله تقريبا 180سنتم بنيته قوية لون بشرته أبيض مع احمرار وجهه حين غضبه وعيناه خضراوان بلون الزيتون صوته خشن لا تكاد تعرف ما يقوله .


المسمى هاني : يلقبونه (جويعه) لأنه كان ينقص لنا كمية الطعام رغم قلته. طوله حوالي 184 سنتم بنيته كذلك قوية لون عينيه بني كثير الحركة مثل القرد وهو جديد في وظيفته هوايته المفضلة صفع الإخوة على وجوههم وآذانهم ويجتهد الخبيث في كشف وتوريط الإخوة ليبلغ أسياده كي ينال قربهم ورضاهم .


أبو سليم : دينه نصيري ( قرد) قصير حوالي 160 سنتم 37 سنه لونه أشقر من صفاته أنه يحب التعذيب والاستهزاء بشكل كبير ويتلذذ بهذا مع السجين مهما كان مستواه العلمي والثقافي والاجتماعي خاصة المثقفين تجده يتفنن في التنكيل بهم وينادي المهندس بالحمار والدكتور بالكلب وهكذا.. وهذا الخبيث يحسب نفسه شيئا وأنه أبو المعارف يعرف كل شيء ويفهم في كل شيء وهو في الحقيقة أجهل من حمار أبي جهل لا يعرف ولا يفقه شيئا ومن جرائمه سرقة دواء الإخوة المرضى ومن قصصه أن أخاً مصاباً بعدة أمراض منها السكري والقلب وغيرهما كان يأخذ دواءً متنوعاً وكثيراً حين لمح هذا المجرم علب الأدوية قال للأخ ساخراً : عندك صيدلية فشرع يسأله عن كل دواء وما يصلح له وهذا الأخ كان يحقن الأنسولين فرأى المجرم الطريقة التي يحقن بها الأخ نفسه. قال له هذه الطريقة بطيئة وتأخرنا يا حمار, من علمك إياها ؟؟ قال الأخ : إنه الطبيب . فأجابه إنه حمار مثلك وفي الغد سرق له نصف الدواء.


ومنها أيضا أنه مرة أراد أن يسرقنا بالجملة فجاء بخطة قال لنا سأسمح لكم بالحمام لخمس دقائق واشترط علينا أن نخرج عراة إلا من التبان الداخلي فقط وأن لا نحمل معنا شيئا سوى الصابونة وقنينة الماء وهذه كانت منه خطة ليفتش كل شيء ويسرق كل ما يجد لكن بعض الإخوة فطنوا لخطته وخرجوا بالمأزر يخبئون تحته دواءهم وأغراضهم القليلة فلم يسلموا من الجلد والضرب بقسوة بالغة من المجرم وحين رجوعنا للزنزانة وجدنا الملابس والفراش مبعثر ووجدت أن المجرم قد سرق سروالي .


لمن المشتكى ولمن الملجأ ومع من نتكلم هناك . ليس لنا سوى الله والتوسل إليه ورفع أكف الدعاء له …
ومرارا هذا المجرم كان يأمرنا أن نخرج في وضع ركوع من زنازيننا حتى المرحاض وهو يسخر ويضحك ويستهزئ وحسبنا الله ونعم الوكيل.


صادق : 37 سنة طوله 180 سنتم بنيته قوية لكن أصابه الله بمرض الربو وهو مجرم حقود لا يرحم على أقل وأتفه شيء يعذب الأخ ينقص من وقت المرحاض ويتجسس على الشباب وهم في زنازينهم وهو حافي القدمين حتى لا تسمع خشخشة نعله خصوصا إذا سمع الأخ يدعو الله ويذكره ولو في أنفاسه همساً فيخرجه ويقول له أنت تدعو علينا ويجلده ويضربه بطريقة لا تتصور والمجرم من هواياته التي يكثر منها البصق على وجوه الشباب بدون أي ذنب. مرة أحد الإخوة خرج من المرحاض فرأى قطعة خبز مرمية فأماطها فقال له المجرم أنتم تسفكون الدماء وتميطون الخبز عن الطريق. لم يرد عليه الأخ لكنه لم يسلم من الجلد والتعذيب. ومن خصائصه أنه حين يأتي أخ جديد لا يعرف كيف يتصرف ويكون بطيء الحركة من التعذيب والصدمة يعذبه المجرم ويقول له يجب عليك أن تستيقظ فيأمره أن يستحم بقنينة الماء دون خلع ملابسه ويدخل زنزانته على تلك الحالة في أيام شديدة البرد.


أبو سمراء :40 عام تقريبا طوله 156 سنتم بدين الجسم أحمر اللون هذا المجرم يريد فقط أن يمر دوامه بسلام و دون مشاكل وهذه نعمة من الله على الإخوة فهم يتنفسون الصعداء عند حضوره وصديقه في الدوام أبو محمد شأنه شأن أبو سمراء لا يفترقان عقلية واحدة تفكير واحد حتى العمر والطول والشكل..


سؤال : ذكرت حالات مرضية هل يمكن أن تحدثنا عن بعضها بشيء من التفصيل وعن العلاج والتطبيب هناك في فرع فلسطين؟؟؟


بالنسبة لهذا الأمر فإنني سأتحدث عن نفسي أولا فأذني لحد الساعة لا أسمع بها من كثرة الصفع عليها وحدث فيها تعفن خطير ولست الوحيد من يعاني هذا فكل السجناء هناك يعانون من تعفن الأذن الذي يسبب آلاماً فظيعة في كل الرأس ويحرم من النوم وسأحكي فقط عن الممر الذي كنت أنزل فيه وهو يتكون من ست منفردات من بين 48 منفردة .


في إحدى المنفردات كان طالب علم سوري من أبناء مدينة اللاذقية السورية والذي على جانبي الآخر هو أخ من قادة المجاهدين في مدينة الموصل اسمه أبو محمد الزوبيلي كل الشباب هناك مصابون بالحساسية الجلدية (الجرب) وشقيقة الرأس بسبب كثرة الصراخ الذي لا يتوقف هناك ليل نهار وبسبب الوحشية والهمجية وكذلك من الأرق والإرهاق وتعفن جراح التعذيب وأوجاع الأسنان وآلام المعدة لسوء التغدية والأمعاء واللوزتين والعنق وأمراض الصدر الخطيرة والزكام المستمر فلا يخلو يوم ولا ساعة ولا لحظة من الأنين والألم .
أما القمل هناك فلا أستطيع وصفه ووصف المعاناة بسببه فهذه الحشرة الصغيرة لم أعرف حقيقتها إلا هناك فوالله إن البطانية يزيد وزنها ويتضاعف من كثرة القمل الساكن فيها وكنت أعري ساقي وأكشط بأظافري وفي كل كشطة أنزع 15 حتى 20 قملة وقد غزا جسدي ومص دمي وكاد يصيبني بالجنون وفي إحدى الليالي كنت أصرخ بأعلى صوتي من الألم وشدة الحك بسبب الحساسية الجلدية التي تسبب لي فيها ولا من ينقذ أو يجيب فقد فتحوا البوابة وأخرجوني للتعذيب حتى لا أنادي وأصرخ مرة أخرى وكلما طالبت العلاج سخروا وقالوا لي هذا عادي ليس بك شيء غدا ستكون في أحسن حال ولم أتوصل طيلة الشهور التي بقيت هناك ولو بحبة دواء أسبرين كان أحد جيران زنزانتي كنيته أبو محمد فلسطيني الأصل وأمه سورية يقطن مع أهله في مدينة دمشق تهمته المشاركة في عملية تفجير هذا السجن الخبيث “فرع فلسطين” التي حدثت سنة 2008 وشقيقه هو البطل المجاهد أبو صالح استشهد في بلاد الرافدين سنة 2007 بعدما أرق الأمريكان وكلابهم . هذا الأخ لا يتوقفون عن تعذيبه ما نزل عليه من العذاب لو نزل على جبل لهده وزنزانته الانفرادية تقع في أول الممر وهو أول واحد يتعرض منا للخطر لأنه يكون في الحراسة عندما نريد أن نكلم بعضنا البعض وبسبب التعذيب الفظيع فإن هذا الأخ قد أصيب بعدة أمراض مستعصية وخطيرة مرة في أيام البرد الشديد اكتشفه المجرم المسمى رمضان وهو يسمع سورة قرآنية من جاره ليحفظها ( وهذه هي طريقة الحفظ هناك إضافة لما هو مكتوب على الجدران من كتاب الله) فما أن يأتوا بأخ جديد وتسمح الظروف حتى يسارع الإخوة لسؤاله عما يحفظه من القرآن حتى نأخذه منه سماعا فتسمع الأخ من آخر الممر ينادي بصوت هامس يا إخوة اسألوه هل يحفظ سورة كذا اسألوه عن سورة كذا وكذا ؟؟؟ هذا الأخ الفلسطيني بعدما كشفه المجرم هو وصديقه كانت الساعة الثانية بعد الزوال تقريبا فتركهما حتى منتصف الليل ثم أخرجهما عراة بدون ملابس والبرد جد قارس حينها إلى الحمام وشرع يصب عليهما الماء المثلج ويجلدهما بالكرباج حتى كادت أطرافهم تتجمد من البرد وعند عودتهما إلى الزنزانة لم يستطع الأخ الثاني أن يتوقف عن البكاء فأمره المجرم بالسكوت فلم يستطع فأخذ ملابسه فبللها بالماء ثم رماها إليه وأغلق عليه باب الزنزانة كأن شيئا لم يقع والأخ الفلسطيني رغم شجاعته وصلابته وثباته فقد أصيب بسبب التعذيب بعدة أمراض منها الربو الذي يخنقه حتى تكاد أنفاسه تنقطع ولا من يهتم لحاله بل يسخرون منه ويقولون عنه أنه يمثل فقط حتى سمعنا اختناقه وآلامه في ليلة من الليالي فلا ندري أين أخذوه وهل فارق الحياة أم ماذا جرى له ؟؟؟ نفس الشيء مع صديقه وهو رجل كبير السن ونحيف الجسم كنا نقول بعد كل ليلة لا ننام بسبب أنينه وعذابه بسبب آلام قرحة المعدة أنها آخر ليلة له في هذه الحياة لكن لا من يهتم له. الطبيب المجرم السارق عندهم له حقيبة فيها بعض المسكنات الرخيصة ولا يعطيها إلا لمن تجاوز الأربع والخمس سنوات في ذلك المكان .


كل السجناء يعانون الأمراض هناك وآثار ذلك رأيتها حين ترحيلي ففي مطار دولة عربية توقفت بها الطائرة للتغيير (ترانزيت) لم أعد أتحمل الوقوف من تعب السفر فقدموا لي بعض الإسعافات الأولية حين ذاك عرفت أن وزني قد أصبح 49 بعدما كان 76 كيلو غرام فذهل الجميع من هذا الأمر حتى سمعت مسئولا أمنياً في هذا المطار يقول لصاحبه هؤلاء النصيرية كلاب وأنجس من اليهود بعدما علم من أين قدمت . الإنسان يموت هناك كالحشرة لا يساوي شيئا .ولا حول ولا قوة إلا بالله .


المجرم هاني : لا يرتاح ويشغل باله ووقته في توريط الإخوة واكتشاف طرق جديدة لتعذيبهم والتضييق عليهم أكثر ومن خبثه أنه إذا سمع سجينان يتكلمان يعذبهما وجيرانهما لأنهم لم يبلغوا عنهم حتى الذي كان نائم ساعتها يعذبه . وكذلك ما يختص به هذا المجرم هو أنه يوزع الفطور في منتصف الليل وهو الوحيد الذي يفعل هذا الأمر فحين يكون الإخوة في نوم وسبات يشرع في السب والصراخ لتوزيع الطعام وإفزاعهم وإيقاظهم من النوم .وفي الصباح لا تأخذ شيئا حتى الساعة الثانية بعد الظهر وهي وجبة الغداء.


المجرم : أسعد هو نائب المدير وأحيانا يقوم بدور السجان هذا هو الذي عذبني في الأسبوع الأول حين رفضت إخباره عمن كان يتكلم مع صاحبه من جيراني . عمره 42 سنة وطوله 180 سنتم دينه نصيري ( قرد) بدين الجسم خفيف الشعر من الأمام.


المجرم : حسين رئيس مجموعة سجانين ، 20 سنة عمل وتعذيب للموحدين عمره 48 تقريبا بدين الجسم قصير القامة أصلع الشعر صوته خشن , هذا المجرم لا يفارقه السوط كأنه مغروس في يده ملتصق بها لا ينزعه أبدا .


المجرم علي: عمره حوالي 32 سنة وطوله 176 دينه سنتم نصيري (قرد) قوي البنية هوايته تشديد المراقبة عند المرحاض وتعذيب الشباب هناك . أسنانه متضررة بشكل كبير بسبب التدخين يضرب ويسب دين الإخوة عند المرحاض بدون سبب , وأذكر أنه عذب أخا حتى كاد يموت بسبب إضرابه عن الأكل.


سؤال : ما نوعية الطعام هناك ؟؟؟


الجواب : حين اعتقلوني لم أذق الطعام لمدة ثلاثة أيام وطريقته هي كالتالي : في الصباح يوزعون كأس صغير ليس له من الشاي إلا الاسم فقط وخمس حبات زيتون طعمه شديد المرارة وملعقة صغيرة من المربى يصيح المجرم بسخرية ( خرج كوبك تأخذ لحسه) وببيضة في الأسبوع وثلاث رغائف رقيقة كل 24 ساعة حين تتركها لمدة خمس دقائق فقط تصبح مثل صفيحة قصدير، أما وجبة الغداء فهي حبة بطاطس واحدة صغيرة وحبة طماطم صغيرة وكوب صغير من البرغل هذا هو نظام التغذية هناك وكما سبق وقلت: كل الأسرى هناك وبدون مبالغة ، وأؤكد الكل مصاب بأمراض المعدة والأمعاء المختلفة.


سؤال : ما هي الجنسيات المتواجدة هناك ؟؟؟


تجتمع في “فرع فلسطين” كل الجنسيات العربية وغيرها وخاصة الفلسطينية لأن الفلسطيني على الخصوص لا أحد يطالب به لا حكومة عباس ولا حكومة هنية، فالفلسطينيون يبقون هناك إلى أن يشاء الله ومنهم من زال موجوداً هناك منذ 5 سنوات وكذلك الحال من قبل مع اللبنانيين والسعوديين فمنهم من لم يتمكن من إخبار سفارة بلاده أو أسرته إلا عن طريق سجين مسفر أو حارس برشوة كبيرة، وإلا فسيظل هناك ولا يسأل عنه أحد كالإخوة العراقيين والأفغان والفلسطينيين طبعاً. وكذلك هناك إخوة مهاجرون من الأردن واليمن وتونس والمغرب والجزائر ومصر والسودان وغيرها من البلاد الأخرى .


سؤال : أذكر لنا قصصا بقيت عالقة في ذاكرتك ولن تنساها؟؟؟


كثيرة والله ومما يحضرني الآن قصة شخص فلسطيني ينتمي للحركة الشعبية لتحرير فلسطين لم نعرف مخالفته ماهي . ألقوه في الانفرادية ولضعف إيمانه أول يوم بدأ ينشد الأشعار والأناشيد العلمانية ويتغنى بحركته وثورتها واسترجاع القدس وغير ذلك … بعد أيام صار يصرخ ويستغيث بالمخلوق من قادة فصيله وينادي بأسمائهم ضل هكذا ونحن ننصحه ونحاول التخفيف عنه حتى صار يصيح بالعامية اللهجة الشامية ( حطخ خرجوني من هون حطخ … حطخ ….) يعني سأجن سأجن كان يصيح هكذا ليل نهار لأزيد من شهر حتى جن جنونه وأخرجوه وملابسه قذرة تمتلئ بالبراز والبول ورائحته جد منتنة ولا ندري أين أخذوه بعدها .


ومرة أخذوني للتحقيق وسمعت صوت امرأة تبكي وتنتحب وتصيح أخرجوني من هنا أخرجوني ويجيبها المحقق ستخرجين بعد أسبوعين اسكتي وهو يسبها وعلمت أن هناك نساء ينجبن أي يضعن مواليدهن في الزنازين وأزواجهن معهن في نفس السجن ولا يسمح لهم برؤية أولادهم. فهنا حين يتهم الشخص يعتقلون كامل أسرته . وقد حكي أن أخاً قد اعتقلت زوجته معه وأنجبت هناك بعد شهر من أسرهما ولم يسمحوا له برؤية ابنه حتى كان يصرخ ويذكر قصص كفار قريش وكيف كانوا يتعاملون مع الأسير والنساء والأطفال وكان بجواره جاسوس يكتب على الجدار كل ما يتلفظ به الأخ ولما سمع المحقق بهذا الأمر سمحوا له برؤية ابنه في مكتب المحقق لدقائق فقط مع العلم أن هذا السجن لا توجد فيه موظفات، فكل الموظفين ذكور.


وكذلك بلغني هناك أن الشيخ أبو مصعب السوري – فك الله أسره – قد مرَّ من هناك بعدما سلمته أمريكا للنصيريين وهذا بعد عناء طويل وتنقل مستمر في السجون السرية الأمريكية وقد بقي هناك إلى أن جاءت قضية فتح الإسلام وبعد اعتقال الشيخ شاكر العبسي –فك الله أسره – وقيام الإخوة بعملية استشهادية على هذا السجن تم ترحيل الشيخين لمكان مجهول وهناك قادة ومشايخ آخرون لا أذكر أسماءهم في سجون النصيرية.


وهناك أخ شاب مرة جاؤوا به وكنا نناديه ولا يسمعنا لأنهم أخذوه بعد اعتقاله لغرفة مظلمة وعذبوه عذابا فظيعا حتى سال الدم من أذنيه وثقبت طبلتها وحين أدخلوه المنفردة لم يكن يعرف الشهر ولا اليوم هذا ولا حتى أوقات الصلاة من شدة العذاب وجسده وملابسه ممتلئة بالبول والغائط وعمر هذا الشاب لا يتجاوز العشرين سنة وكانت تهمته هي الانتماء لفتح الإسلام وقد جلدوه حتى تمزق جلد ظهره ونزف دماً وأيضا أرغم على الوقوف 32 ساعة حتى انفجرت قدماه دماً ونزعت أظافرها وبقي المسكين لأسابيع مقيد اليدين للخلف ومغمض العينين وكل يوم يذوق فيه العذاب ولا أدري هل مات أم لا يزال على قيد الحياة.


وهناك أيضا شاب أفغاني عمره 19سنة اعتقلوه وهو في طريقه للعراق لنصرة إخوانه ومنذ 2005 وهو هناك في عزلة انفرادية وسبحان الله هذا الأخ ثباته غريب ونادر فهو لا يعرف من اللغة العربية سوى كلمتين اثنين : “إن الفرج قريب” وكلما حاولنا التواصل معه لا يعرف إجابة سوى هاتين الكلمتين وثباته وتحمله ما شاء الله نسأل الله أن يعجل فرجه, وقد حولوه مرة للمهجع وهي أمنية كل أسير في الانفرادية هناك على ما فيها من زحام وعذاب لكنه يهون أمام الانفرادي لكنه طالب الرجوع للعزلة وسط ذهول واستغراب الجميع وهذا بسبب بعض المنكرات الموجودة في المهاجع لأنها تضم كل القضايا كالتدخين والكلام القبيح وغيره ….


السائل : هل من كلمة أخيرة قبل ختم هذا الحوار؟؟؟


كلمتي للمسلمين في كل مكان عامة ولعلمائهم ومجاهديهم طليعة الأمة بصفة خاصة . هذه رسالة من إخوانكم في سجون النصيرية كُلفت أمانة تبليغها لكم، فانظروا ما أنتم فاعلون



اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت …اللهم فاشهد
اللهم هل بلغت… اللهم فاشهد




اغتيال إرث عبد الرحمن منيف

بيروت
نوال العلي

“هل عبد الرحمن منيف لا أحد؟”، تطرح زوجته سعاد قوادري، على حسابها في “فيسبوك”، هذا السؤال المؤلم، مستنكرة “لكونه لا يحمل جنسية أي بلد، هل هو لا أحد؟”. نفهم من قراءة ثلاثة إعلانات صادمة كتبتها قوادري أن تساؤلها يأتي إثر تعرّض مكتبة صاحب “مدن الملح” للسرقة والتشويه والإتلاف بصور مختلفة.

وهي تقف الآن وقد أُسقط في يدها لتعرف إن كان منيف (1933 – 2004)، الذي عاش غريب بلادٍ، فيما صارت كتبه موطناً للقرّاء، سيجد من يدافع عن مكتبته الـ”غنية بكتبها القديمة والتي تتجاوز الخمسة عشر ألف كتاب، بينها الموسوعات والقواميس والحوليّات والدوريات… والتي تعود لبداية القرن، بما تضم من تراث عربي أصيل وكتب عن حضارة المنطقة، وكتب تعتبر بحد ذاتها وثائق نادرة، والطبعات الأولى لكتب لم يُعَد طبعها”، وفق وصفها.

تتّهم قوادري، بشكل صريح، أمين سر الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، حمزة برقاوي، وابنه سامي، بـ”تدمير وإتلاف وتشويه” المكتبة. وروت في التفاصيل، مبادرتها باستضافة الابن سامي برقاوي إثر تعرّض بيته في منطقة حرستا في ريف دمشق للقصف، كنوع من تقديم المأوى والمساعدة.

“حاولت استرجاع المنهوبات بوساطات قبل نشر القضية”

تقول قوادري: “ارتكبت الخطأ الكبير الذي سيؤلمني ما حييت، العمل الذي تسبب في ضياع ونهب تراث عبد الرحمن منيف ومكتبته، الخطأ المريع الذي لن يمحى من ذاكرتي وكياني. إنني بدافع إنساني استضفت في هذا البيت ابن العائلة التي كنت أظن أنه يستحق المساعدة عندما تعرض بيته للإصابة في المواجهات […] أقام سامي حمزة برقاوي مع زوجته رندة عبد الكريم، في حين أساء الأمانة […] اشتركت عائلة حمزة برقاوي وزوجته ماجدة شاكر بالسطو على المكتبة وكامل تراث الروائي عبد الرحمن منيف”.

وفي اتصال مع “العربي الجديد”، تروي قوادري التفاصيل: “كنت أستعد للسفر لزيارة أبنائي في أميركا ودبي، حين تعرّض منزل سامي للقصف، وهم أصدقاء لنا، فقلت لا بأس أن يجلسوا في البيت لحين عودتي، من دون أي مقابل بالطبع”.

وتبيّن أنها كانت قد وضعت المخطوطات المهمة والثمينة في خزنة، لكن برقاوي طلب منها المفاتيح قبل أن تغادر بحجّة أن الأمن قد يمرّ في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، أو قد يتعرض المكان لأي شيء ومن الأفضل أن تظل المفاتيح معه، وهنا تبكّت نفسها معتبرة أن الأمر كان ضرباً من الغباء منها.

وتخبر قوادري “العربي الجديد”: “عدت بعد قرابة تسعة أشهر. كان كل شيء مهملاً، واعتقدت أن حالة المكتبة التي يرثى لها نتيجة الإهمال فقط. كنت ممتعضة جداً، ولأن الوقت كان شتاءً لم أقم بترتيبها. البيت كبير ومرّ وقت قبل أن أبدأ بترتيبها واكتشاف ما حدث”.

وفي تفاصيل إعلانها على “فيسبوك”، تستهجن كيف استطاع برقاوي تصوير محتويات المكتبة الضخمة. وعن ذلك، تقول لـ”العربي الجديد”: “لقد عرفت أن هذا الأمر مكلف جداً، لذلك لا أعتقد أنه جهد أفراد”، مضيفة: “لقد تأكدت أن البرقاوي من قام بذلك، لأن اسمه كان مكتوباً على من أرسل له الكتب لإعادة التغليف بعد إتلافها، وقد نسي أن يزيل اسمه. كما أنني كنت أضع في بداية كل يوميات عدد صفحاتها، وقد وجدت أن كثيراً من الدفاتر التي كانت في خمسين صفحة أصبحت ثلاثين، وأنا قلقة الآن لأنه اجتزأ من يوميات منيف مخافة أن يقوم بالتشويه فيها بالزيادة عليها مثلاً”.

 

ليس هذا فقط، بل إنه “انتهك الحقوق الفكرية لكتبه ورواياته الخاصة، فصوّر وتصرف كما يحلو له للمتاجرة. يخلع الغلاف غير مبالٍ بما يتعرض له، ويفتح ملازم ويصوّر ثم يعيد لمّه بطريقة بدائية”، مضيفةً أنه قام بـ”وضع صور مشوهة مكان النسخ الأصلية لبعض الكتب وأخذ الأصل. فتركت مكتبة عبد الرحمن حزينة قذرة ومشوّهة”.

أما الرسائل بين منيف وأصدقائه والتي كانت قوادري قد فرزتها وأعدتها للنشر، فقد سرقت هي الأخرى، إضافة إلى يومياته الخاصة التي كانت نشرت بعضاً منها وكانت ستنشر ما تبقى على التوالي، وكذلك “سرقت أوراقه الخاصة وكل المدونات، وتخطيطات ورسوم عائدة له ولبعض رسامين كبار رسموا على دفاتره أحياناً. والمريع سرقة مخطوطات لم تنشر بعد”. وبدايات لروايات، كما أضافت لنا، لم يكملها منيف.

لكن لماذا انتظرت قوادري كل هذه الشهور حتى تعلن ما حدث؟ تجيب بأنها أرسلت وساطات من المثقفين والأصدقاء بهدف تسوية الأمر، ولكن برقاوي الابن أنكر وزعم أنها اخترعت الأمر كلّه، ثم قيل لها “إن الأمر لا يستأهل كل هذا”. وعن اللجوء إلى القضاء، تبيّن “لقد تحدثت إلى محام فعلاً وقال لي إن سرقة مكتبة والشأن الثقافي برمته في ظل ظروف الحرب الآن هو أمر مهمّش، ولا يعتقد أن اللجوء إلى القضاء سيكون مجدياً”.

“العربي الجديد” اتصلت بسامي برقاوي الذي قال “ليس لدينا ما نقوله سوى أن ما ورد في بيان القوادري محض افتراء وأكاذيب وعار من الصحة”. وأضاف “لقد أقمت في منزلها تسعة شهور بطلب منها بحكم العلاقة التي تربط العائلتين والتي تمتد ﻷكثر من 50 عاماً والتي فسرت موقفها لاحقاً بأنه بدافع من الشفقة”.

ولدى السؤال عن تفسيره لهذا “الافتراء” إذا كانت تربط العائلتين صداقة عميقة إلى هذا الحد، أجاب برقاوي: “لا ندري من هي الجهة التي دفعتها لذلك” مستنكراً: “هل يعقل بأن سرقة كبيرة بهذا الحجم تكتشف بعد سنة كاملة (غادر برقاوي المنزل في 4/3/2014)، سنة كاملة كفيلة بأن تلفق ما تريد. هي تتكلم عن سرقة وإتلاف ما يزيد عن 15000 كتاب، من يتعرض لسرقة من هذا النوع لا يمكنه الانتظار يوماً واحداً، سيتصرف بسرعة باللجوء إلى القضاء. ما لجأت إليه منذ البداية هو الرغبة في التشهير واﻹساءة؛ بدأت بي وانتهت بوالدي وعائلتي. نحن كعائلة لا ندري السبب الحقيقي، التفسير الوحيد أنها تود بناء مجد لها من خلال اسم زوجها على حساب سمعة اﻷخرين”.

المصدر:العربي الجديد

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

 بقلم زكرياء بوغرارة

 مشرف موقع ادب السجون

إنها الأخوة في الله حين تزهر وتونع وتورق وتثمر أعظم نعمة من الباري سبحانه وتعالى جل وعلا..يقول حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلمأخلاءُ الرخاءِ همُ كثيرٌ * وَلكنْ في البَلاءِ هُمُ قَلِيلُفلا يغرركَ خلة ُ من تؤاخي * فما لك عندَ نائبَة خليلُوكُلُّ أخٍ يقولُ : أنا وَفيٌّ * ولكنْ ليسَ يفعَلُ ما يَقُولُسوى خلّ لهُ حسبٌ ودينٌ * فذاكَ لما يقولُ هو الفعولُانها الاخوة الصادقة .. ولاتبرز في مكان بروزها في المحن والبلاءات

شدني الشوق لرجل عرفته في السجن كان كلما فتحت ابواب منفرداتنا ونحن في عزلة السجن المركزي القنيطرة الا وهرول نحو منفردتي مبتسما باشّا ينتظر الحارس لفتح قبوي تفتح الباب فيعانقني بود كأنما كانت بيننا غيبة السنوات وليس الساعات ويجرني من يدي في رفق وحب الى منفردته لأتناول معه الغداء أو أحتسي الشاي ونتبادل سويا اطراف حديث ذو شجون .. عرفته في كل حالاته رقيق القلب لازلت اذكر يوم وصلنا خبر غير مؤكد عن وفاة الشيخ محمد الفزازي الأب وجدته حزينا يكفكف دمعه مكثت ارقبه وهو يمنع دمعه حتى هوت دمعات وقال لي لقد كان اخي وصاحب ودي…. واثنى عليه جميل الثناءوذات يوم دخلت منفردته ووجدته يمسح دمعه فسألته فكتم عني ولم ازل ألحّ عليه حتى قال لي يا ولدي جائني الاخ فلان … واخبرني عن حال زوجته وأبناءه بعد قدومه من الزيارة فبكيت لما اصاب المسلمات من الضيق …

وان أمكث اذكر ذكرياتي معه ما كففت لكنها الذكرى …انه الشيخ شيبة الحمد شعيب أرقيبة.. ما سرني شيء في هذا العيد مثل خبر الافراج عنه بعد قرابةالعشرين سنة من السجون والمعتقلات كانت تغص بالابتلاءات الثقيلة… اتصلت به اليوم مهنئا له.. فلم أجد تلك العاطفة الاخوية الا في قمة وهجها وذلك اللسان الحلو الطيب يقطر حلاوة وطلاوة لاتمل وجدته رغم كرور سنوات الابتلاء حاضر الذهن .. عميق الثبات صادق المشاعر حاتمي الكرم… ودودا طيبا خلوقا نعمت بتواصلي معه شيئا يسيرا من الزمنفلله أنت ايها الشيخ المبارك الصابر المحتسب… كنت تقول لنا ونحن في السجن سأخرج عندما يأذن الله ويعفو … وكان خروجه من السجن فضلا ومنة من الله تعالى ….. من حيث لايدري…فقدت بصرك في العتمات وتقدم بك العمر فيه فبشراك بما قدمت من غير منّ بل بصبر وقرة عين…ان احيا ماحييت فلن انساك وان تقول لي ذات يوم في حديث دار بينناأَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاما تذوقت معانيها الرائقة الا في تلك العتمة….آن ل ايها الشيح ان ترتاح بعد طول رحلة الى الله كانت بداياتها مزهرة ونهاياتها مثمرة.. ليست نهايات بل بدايات جديدة مع الله تعالى اطال الله في عمرك وبارك في ذريتك وعقبك ..وجعل ما قدمته من نفسك وما اصابك من بلاءات في السجون في مزيان حسناتكقال الإمام إبن القيم رحمه الله :” كُلَّ مُصِيبَةٍ دُونَ مُصِيبَةِ الدِّينِ فَهَيِّنَةٌ ، وَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ نِعْمَةٌ ، وَالْمُصِيبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُصِيبَةُ الدِّينِ” .[ مدارج السالكين – ٣٠٦/١ ]بتلك العزمة التي لم تزل متوهجة عرفتك ولاتزال …..

أيام في جوار غرفة الاعدام

بقلم أحمد ناصف

بقلم أحمد ناصف

في سجن الاستئناف كنت نزيلاً فترة الامتحانات بجوار غرفة مقصلة الإعدام. سجن الاستئناف يجتمع فيه تنفيذ إعدامات عدة سجون من حول القاهرة. المقصلة يفصلها عني حائط، يمر من أمام باب غرفتي المساقون إلى الموت كل أحد وثلاثاء، عند شروق الشمس، بالبذلة الحمراء والشوال الأسود على رؤوسهم وأيديهم مربوطة من ظهورهم. ليلة الإعدامات يكون هناك نشاط بالطابق مختلف، مسح أرض العنبر بالماء والصابون، بخور يشعل، وشيخ من الأزهر، وسباب وشتائم، وصراخ من الدور الثاني من الأعلى من طابق زنازين الإعدامات،

ومنهم من يتلو القرآن بصوت مفجوع، ومنهم من يجن ويتألم مزلزلاً الأرض، من الموت الذي يموته كل لحظة وهو ينتظر دور المقصلة عليه… في الطابق الأسفل منه مباشرة. المقصلة لا بد من تحقيق تشغيلها، وتجربتها عدة مرات ليلة الإعدام وسط الطقوس. حين تفتح للتجربة وتهوي البوابة يحدث صوت صرير، وقصل، وارتطام جبل من الحديد بآخر، صوت تخرج له الروح فزعاً، وينفطر القلب هلعاً، وتجحظ العين رعباً. هذا الصوت هو نذير يوم أسود على زنازين الإعدام وعلي أنا أيضاً. المساقون إذا هلعوا من الموت وهم على باب المقصلة فإنهم يهرعون على الباب المجاور (باب حجرتي أنا) يطلبون الفرار من الموت، الفتحة التي في الباب رأيت منها رعباً لا يوصف، وكم من مُساق إلى الموت ألقى برعبه كله عليَّ من فتحة الباب: «أنا مش عاوز أموووت». فأموت أنا قبله يدخلون به سحباً وجراً ودفعاً وقرآن يتلى، وتلقين شهادة… وتفتح المقصلة، وينفجر القلب من مكانه من الصوت والصرير والاصطدام، يا ربي في صباح يوم أعدموا ثمانية. يدخل على أقدامه، يخرج جثة، يضعونها جانباً أمام عيني إن نظرت أنا من فتحة بابي. يدخل الثاني والثالث والمقصلة والارتطام والصرير والصراخ والهلع أمامي، والمبنى يهتز، وصراخ من زنازين الإعدام، وقرآن يتلى، وجثث تُرتب جوار بعضها جنباً إلى جنب، والرابع، والخامس، وأفزع للصلاة، وأرفع من السجود، وأجد عيناً من فتحة بابي تجحظ فيَّ، فأنسلخ روحاً من جسد وأصرخ، أحدهم لم يضعوا على رأسه الشوال الأسود، يحدق فيّ، يا ويلي!! ولا أشعر بالصلاة فأرتعش من نظري إليه. ماذا عليَّ أن أقول له؟! كيف أتكلم ونظراته جمَّدتني رعباً. حتى سحبوه من أمامي وسكن المكان قليلاً… ثم وقع الارتطام. الموت هناك أهون من الانتظار.

خواطر عن السجون والإبتلاء

الأسير عبد الكريم محمد أبو حبل أبي بكر

توصل موقع أدب السجون برسالة كتبها الأسير الفلسطيني في عزلته بسجنه الطويل حيث يقضي حكما بالسجن المؤبد ننشرها كما توصلنا بها

1

إن العبد ليتعلم في ساعات البلاء مالا يتعلمه في سنين عافتية

إن الحديث عن قعر السجون الظلمة والاهات والشجون ،لا يعني أن الأنسان يتمنى السجن ،فسجن بلاء  ولأواء  لا يتمناه أحد قط ،وصدق من قال

يكفيك أن السجن بيت لا ترى * أحدا عليه من الخلائق يحسد

بل أن الحرية والعافية نعمة شكرها الرحمن الرحيم فقال الطيف الرحيم :

{ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}

2

أخي الكريم

فإذا قدر العلي القدير ،ابتلاءا وحل بك ،فأن لك  في مدرسة يوسف عليه السلام فرصة ثمينة للتحصيل العلمي ،فأقبل -رحمك الله- وأنت بين جدرانها على تعلم العلم النافع وتعليمه  ولا تكن  مسرفا في حديث لغو و ثرثرة تزجي بها وقت الفراغ بين أهل الفراغ وتمثل في هذا المقام قول الحميري

لقاء الناس  ليس يفيد شيئا ***سوى الاكثار من قيل وقال

نا ملل من لقاء الناس إلا*** لكسب العلم أو صلاح حال.

بل كن أخي السجين من الذين التي تقشعر جلودهم من خشية الواحد القهار ،الذين يقرأون الأصول ويعكفون على الكتب الصفراء حتى مطلع الفجر وهم ينهالون من مدرسة علماء الاسلام والأئمة الأعلام.

ولقد صدق الأول حين قال :

أعز مكان في الدني سرج سابح * وخير جليس في الزمان كتاب.

لقد كان في هذا المضمار للأئمة الأعلام خير بيان ،رغم صعوبة  الإبتلاء لكن حولوا العذابات روضات ،والمر حلوا والانتكاسة نصرا،وهذا على سبيل المثال لا الحصر:

فتشبهوا  إن لم تكونوا مثلهم ***إن التشبة بالكرام فلاح

3

1=سجن شيخ الأسلام ابن تيمية قدس الله روحه ،فكتب مجموع الفتاوي الذي بلغ 27مجلدا في مختلف العلوم الشرعية والعقائدية .
2=وسجن الإمام السرخسي رحمه الله ،في بئر معطلة فأخرج للامة كتاب المبسوط في حوالي 20 مجلدا .
3=وأقعد ابن الأثير تقبله الله في علين ،فصنف جامع الأصوال في حوال 12مجلدا وكتاب النهاية في غريب الحديث وغيرها .
4=وسجن أعوام794_801أحمد بن يحيى الملقب المهدي فألف كتاب حدائق الأزهار وعمره حوالي 21سنة .
5=ونفي جمال الدين ابن ابجوزي رحمه الله ،في بغداد فجود القرآن بالقراءت السبع

4

 .

بل أعظم من ذلك يا صاحبي السجن ،كان الصالحون يجدون حيلة أومكيدة للدخول إلى الزنازين  حيث يثوي  هؤلاء الاعلام لاستفادة منهم في التوحيد والعقيدة ،كما فعل العالم المبارك عبد الله ابن المبارك مع شيخه  الرباني ،الربيع بن أنس  الخرساني .

قال الأمام الذهبي رحمه الله :

(قال ابن أبي داود :سُجن بمر وثلاثين سنة …. وتحيّل ابن المبارك حتى  دخل إليه  فسمع منه ).

وقال الأمام الذهبي  رحمه الله :عن الأمام ابن المبارك رحمه الله :

(فأقدم  شيخٍ لقية :هو الربيع بن أنس الخرساني ،تحيل ودخل إلية إلى السجن ،فسمع منه نحواً من أربعين حديثاً )).سير أعلام النبلاء

الله ّأكبر يا رجال حولوا المحنه إلى محنة ،وأضيفوا إلى الليمون الحامض  سكراً فيصبح شرابا طيبا، يكون عذبا وريا

{فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلى الله  بعض القوم بالنعم .

           والحمد الله رب العالمين ..

                كتبه العبد الفقير:(( عبد الكريم محمد أبو حبل أبي بكر

خلف الأسلاك الشائكة

كويتي 15 سنة في سجون أمريكا

المؤلف : ياسر البحري

الطبعة الثالثة : 2020

هي رواية تحكي عن قصة طالب كويتي مبتعث من جامعة الكويت للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه في الولايات المتحدة الامريكية ، وكان هذا الطالب شخصاً طموحا محبا لوطنه ، يهدف لخدمة بلاده بعلمه من خلال التدريس في قسم الفلسفة في جامعة الكويت ، وفي أخر فصل دراسي له في أمريكا ، تحدث له مفاجأت وأحدث تغير مجري حياته للأبد ، فينتهي به المطاف في سجون أمريكا لتنفيذ حكم السجن في قضية لم تكن بالحسبان !

الكتاب يندرج في قسم أدب السجون .

 ممتع من البداية الى النهاية و طريقة تسلسل الاحداث رائعة .

 التعذيب بالاغلال (الكلابشات)

التعذيب بالاغلال (الكلابشات)

كانت الكلبشة تتم بالكلابشات الامريكانى الحادة الاطراف وتكون اما كلبشة امامى لكلا اليدين او خلفى مع تضييق اطار الكلبش حتى يظهر اثر الحديد فى اليد اويتم كلبشة اثنين من المعتقلين سوياً فى نفس الكلبش .وكانت عملية الكلبشة تتم احيانا فى فترة الاستجوابات اثناء الصعق بالكهرباء او الضرب والتعليق وكان المعتقل يترك بالكلبش الفترة الطويلة بين الاستجواب والذى يليه وكان المعاناة الاكبر من الكلابش ونحن ننتقل فى سيارة الترحيلة من معتقل لاخر او من جلسة محكمة او نيابة الى المعتقل وقد كنا نمكث فى بعض الاحيان فى الترحيلة  6 ساعات او اكثر وكان بعض اخواننا الذين يتم ترحيلهم لسجن الوادى الجديد يتم وضع الكلابشات فى ايديهم يومين متتاليين وكانت الماساة حين يتم كلبشتنا كل اثنين فى كلبش ومع الحركة المضطربة لسيارات الترحيلات تحدث لنا الاصابات فى ايدينا والتى كانت تصل للكسر فى بعض الاحيان ولذلك كنا نلجا لمحاولة رشوة العسكرى المسئول عن مفاتيح الكلابشات ليخلعها لنا داخل سيارة الترحيلة او على الاقل يجعلها واسعة قليلا على ايدينا وكنا نلجا لحيل اخرى فكنا نحضر كيسا من النايلون ونرتديه فى ايدينا من تحت الكلبش ثم نقلبه ونسحبه فتنزلق ايدينا من الكلبش بصعوبة بالغة تكاد عظمة الابهام ان تنكسر معها او كنا نلجاء للصابون للقيام بنفس الدور وفى جلسات النيابة والمحكمة المسرحية التى كنا نذهب اليها كنا نتفق مع ضابط الترحيلة والذى يكون عادة برتبة رائد او مقدم او عقيد كنا نتفق معه باسلوب غير مباشر على تجميع مبلغ مالى من اهالينا فى زيارة المحكمة واعطائه له نظير فك الكلابشات فى المحكمة والسماح لنا بمقابلة اهالينا لدقائق معدودة واخذ الاطعمة والزيارات التى كانوا يحضروها لنا.



35 ناشطاً يخضعون للمحاكمة في رام الله اليوم

رام الله – قُدس الإخبارية: نظم نشطاء وقفة أمام محكمة رام الله، اليوم، احتجاجاً على استمرار محاكمة عدد منهم على خلفية مشاركتهم في الوقفات الاحتجاجية عقب اغتيال المناضل نزار بنات.

وارتدى النشطاء ملابس “الإعدام” البرتقالية احتجاجاً على استمرار محاكمتهم وهو ما اعتبروه جزء من قمع الحريات السياسية.

وقالت مجموعة “محامون من أجل العدالة”، إن محكمة صلح رام الله تعقد جلسة اليوم ل35 ناشطاً وهم: حمزة زبيدات، وماهر الأخرس، وسالم عبد الرحمن، وباسل حمدة، وأمير سلامة، وكوثر محمد، وضحى المعدي، وموسى أبو شرار، وغسان السعدي، وعماد البرغوثي، ويوسف الشرقاوي، ومحمد عبدو، وجهاد عبدو، ونايف الهشلمون، وإبراهيم أبو حجلة، ويوسف عمرو، وعمر صافي، ومعين البرغوثي.

كما يخضع النشطاء أبي عابودي، ومحمد العطار، وخلدون بشارة، وعبد الحميد هارون، وأحمد أبو ناصر، طارق خضيري، وضياء زلوم، وعيسى شحادة، ومعاذ عاروري، ومحمد أطرش، وأحمد ملحم، وعامر حمدان، وجميل أبو الكباش، وفايز السويطي، ومحمد عزام، وأسامة خليل، وفراس بريوش للمحاكمة أيضاً.

وقال المحاضر في جامعة بيرزيت، خلدون بشارة أحد الذين تعرضوا للمحاكمة والاعتقال: المحكمة من أصلها باطلة لأننا نعتقد أن حرية الرأي والتعبير مكفولة في القانون الأساسي الفلسطيني، للمرة الثانية يغيب الشاهد الذي لم يشاهد أي شيء، لأننا أصلاً لم نثر النعرات الطائفية، ونعلم أننا في النهاية سنخرج براءة من القضية لأننا لم نفعل أي شيء خاطئ.

وأضاف في لقاء مع “شبكة قدس”: نحن طالبنا بالعدالة لنزار بنات ويوجد 14 شخصاً يحاكمون بتهمة المشاركة في قتله، لو كنا مخطئين لماذا يحاكم هؤلاء الأشخاص؟ يجب على المحكمة أن تطلب من النيابة عدم الاستمرار في المماطلة بعرضنا على الجلسات.

ونفذت الأجهزة الأمنية الفلسطينية مئات الاعتقالات والاستدعاءات، وفقاً للمنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية، منذ مقتل بنات.

مؤسسة السجون في التاريخ الإسلامي

زنازين تعذيب تحت الأرض وأنشطة تدريس وتأليف ونزلاؤها لصوص ونساء وعلماء وأمراء.. مؤسسة السجون في التاريخ الإسلامي

صور من التاريخ الإسلامي - الشطار والعيارون

السجن كلمة بغيضة تُنبئ بمعاني الألم والقيدِ وتقييد الحرية، وقسوة لا يكاد يُعرفُ لها آخر؛ إنها نظام عرَفته البشرية منذ أقدم عُصورها، وأُلقي فيه الناس بمختلف طبقاتهم ونحلِهم، كثير منهم كان ظالما فاستحق العقوبة، وأكثرهم كان بريئًا قبع بين جدرانه وعذاباته طويلا؛ وعلى رأس هؤلاء النبي يوسف -عليه السلام- الذي رأى في السجن ملجأ آمنًا من الفتنة والغَيّ: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (سورة يوسف)؛ فلبث فيه بضع سنين؛ ومن بعده جاء موسى -عليه السلام- رسولا من عند الله فهدده فرعون قائلا: {قَاَلَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}؛ (سورة الشعراء)! ويبدو أن نظام السجون في مصر القديمة كان هو الأكثر تقدمًا وقِدمًا بين نظرائه؛ حتى إن القرآن الكريم لم يذكر لفظ “السجن” ومشتقاته إلا مرتبطا بمصر. وقد تأثرت الحضارات اللاحقة بميراث مصر وغيرها في مجال السجون وأوضاعها حتى أمست مؤسسة راسخة من جملة مؤسساتها؛ فكيف إذن كانت أوضاع السجون والسجناء في تاريخنا الإسلامي؟ وبأي نحو تطور مفهوم السجن وبنائه ونُظُمه؟ وكيف عانى الناس في تلك السجون والمعتقلات فسطّروا قصصًا من المآسي والآلام أو النجاحات والطموحات؟! وما معالم الرؤية التي قدمتها المدونة التشريعية الإسلامية لضبط هذه المؤسسة؟ وإلى أي حد انسجم الواقع مع المثال؟


مؤسسة جنينية

أدرك العربُ في جاهليتهم الحاجة للسجون فنقلوا نظامها عن الفرس والروم، وكان للمناذرة ملوك الحيرة بالعراق سجون عدّة، عرفنا منها سجنا ‘الصنين‘ و‘الثوية‘، وممن سُجنوا بـ‘الصنين‘ عدي بن زيد التميمي الشاعر النصراني (ت 35 ق.هـ). وكان للغساسنة -ملوك عرب الشام- سجن اعتُقل فيه سعيد بن العاص القُرشي الذي “قد قدم الشّام في تجارة…؛ فاجتمع رأي بني عبد شمس على أن يفتدوا سعيد بن العاص، فجمعوا مالا كثيرا فافتدوه به”؛ وفقا لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) في كتابه ‘الإصابة‘.

وحين جاء الإسلام؛ استندت منظومة العقوبات فيه على تعاليم القرآن والسنة النبوية، فكان القصاص تبعا لنوع الجرم المرتكب، بيد أن ثمة عقوبات وجنايات أخرى التُزم فيها بمبدأ “التعزيز” وهو التأديب على ذنوب لم تُشرّع فيها الحدود، فاستلزم التعزيز وجود سجون، وهذه التعازير كانت اجتهادية بقدر الفعل والفاعل ووجه الفعل؛ كما يذكر العلامة الونشريسي المالكي (ت 914هـ) في كتابه ‘المعيار‘.

أما السجن في التصور القانوني الإسلامي فليس هدفه الإذلال والتضييق على السجين، ولذلك عرّفَ الفقهاء الحبس القضائي بأنه “ليس السجن في مكان ضيّق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، سواء كان في بيت أو مسجد”؛ حسبما يوضحه ابن تيمية (ت 728هـ) في ‘مجموع الفتاوى‘.

وقد رأينا هذا المغزى متحققًا منذ عصر النبوة؛ إذ “ما كان لرسول الله ﷺ سجنٌ قَطُّ”؛ كما يقول ابن حزم (ت 456هـ) في ‘المحلى‘. لكنه استعاض عنه بأماكن أخرى كلما دعته الحاجة؛ فقد أمسك المسلمون زعيم اليمامة المتحالف مع قريش فربطه النبي ﷺ في المسجد النبوي، وحبس ﷺ ابن شناف الحنفي وابن النواحة مبعوثيْ مُسيلمة الكذاب إليه -وكانا قد ارتدّا عن الإسلام- في بيوت بعض أصحابه ثم أطلقهما. غير أن فكرة إنشاء سجن مخصص لأرباب الجرائم بزغت في عصر عمر بن الخطاب (ض) لاتساع المجتمع الإسلامي وازدياد المجرمين؛ فاشترى دارا لصفوان بن أمية بمكة المكرمة بأربعة آلاف درهم وجعلها سجنًا.

ومن هنا اعتبره المؤرخون المؤسس الحقيقي لمصلحة السجون الإسلامية؛ فقد قال محمد بن الفرج الطلاعي القرطبي (ت 495هـ) في كتابه ‘أقضية رسول الله ﷺ‘: “ثبت عن عمر بن الخطاب.. أنه كان له سجن، وأنه سجن الحطيئة (الشاعر ت 57هـ) على الهجو، وسجن صُبيغا التميمي”. ولما تولى علي (ض) الخلافة أقام سجنا اسمه ‘نافع‘ و”كان.. من قَصَب [فـ]ـهرب منه طائفة من المحبسين”، فبنى سجنا آخر وسماه ‘المُخيّس‘؛ كما يقول مجد الدين ابن الأثير (ت 606هـ) في كتابه ‘النهاية في غريب الحديث والأثر‘.

المسلمون اقتبسوا نظام السجون من الحضارات الأخرى وفق نظرة قانونية مستلهمة من تعاليم دينهم لكن سرعان ما انحرفوا عنها (الجزيرة)

توسع ورسوخ
وفي عصر الأمويين (41 -132هـ) اتسعت دائرة السجون؛ حيث أمر معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ) ببنائها بولايات الدولة، وقد سجن معاويةُ بعضَ أقاربه لما بدر منهم من مخالفات؛ مثل محمد بن حذيفة الذي كان شريكًا في فتنة مقتل عثمان فسجنه بسجن دمشق. وفي أيامه اتخذ “الدار الخضراء” قصرا للإمارة بدمشق وجعل “فيها الشرطة والحبوس”؛ كما يذكر المسعودي في ‘التنبيه والإشراف‘.
وتذكر مصادر تاريخ الأمويين سجونا بالولايات المختلفة؛ ففي المدينة المنورة اتخذ الوالي سعيد بن العاص الأموي (ت 59هـ) سجنًا كان من نزلائه الشاعر هدبة بن خشرم العامري بسبب قتله زيادة بن زيد الذبياني في سباق وتنافس بينهما؛ كما يروي أبو الفرج الأصفهاني (ت 356هـ) في ‘الأغاني‘.

وكان سجن الكوفة من أشهر السجون وعلى درجة عالية من الحصانة والقوة وبه ساحة خارجية. يقول الطبري (ت 310هـ) -في تاريخه- متحدثا عن إيداع أتباع الحسين بن علي رضي الله عنهما (ت 61هـ) -بعد استشهاده- في ذلك السجن: “فبينا القوم محتبَسون؛ إذ وقع حَجر في السجن معه كتاب مربوط، وفي الكتاب: خرج البريد بأمركم يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية [في الشام]، وهو سائر كذا وكذا يومًا، وراجع في كذا وكذا؛ فإن سمعتُم التكبير فأيقِنوا بالقتل، وإن لم تسمعوا تكبيرًا فهو الأمان”.

واتخذ الحجاج بن يوسف الثقفي (ت 95هـ) والي العراق وبلاد المشرق الإسلامي سجونا كان أشهرها ‘سجن الديماس‘ بمدينة واسط عاصمة ولايته. ويصف ابن الجوزي (ت 597هـ) -في ‘المنتظم‘- جانبا من فظاعة هذا السجن؛ فيقول إنه “حائط محوط، ليس فيه مآل (= مأوى) ولا ظلّ..، فإذا آوى المسجونون إلى الجدران يستظلون بها رمتهم الحرسُ بالحجارة، وكان يطعمهم خبز الشعير مخلوطا به الملح والرماد، فكان لا يلبث الرجل فيه إلا يسيرا حتى يسودّ فيصير كأنه زنجي”!!

ويحكي الراغب الأصفهاني (ت 502هـ) -في ‘محاضرات الأدباء‘- أن الحجّاج “خرج.. يوماً إلى الجامع فسمع ضجة عظيمة، فقال: ما هذا؟! قالوا: أهل السجن يضجون من الحر!! فقال: (اخْسَؤُوا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ)”!! وقال الحافظ الذهبي (ت 748هـ)  في ‘تاريخ الإسلام‘: “عُرضتْ السجون بعد موت الحجاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا، لم يجب على أحد منهم قطع ولا صلب! وقال الهيثم بن عدي (الطائي المؤرخ المتوفى 207هـ): مات الحجاج وفي سجنه ثمانون ألفا، منهم ثلاثون ألف امرأة”!!

وإذا كان عمر بن الخطاب أولَ مَن بنى سجنًا في الإسلام؛ فإن سبطه عمر بن العزيز (ت 101هـ) كان أول من نظّم أحوال السجون، وجعلها مؤسسة احترافية كاملة. فقد أفرد لها سجلًّا يضبط أسماء السجناء وأحوالهم، وجعل لهم مرتبات مالية حسبما رواه المؤرخ ابن سعد (ت 230هـ) في ‘الطبقات الكبرى‘ عن الواقدي (ت 207هـ): “عن أبي بكر بن حزم (ت 120هـ) قال: كنا نُخرج ‘ديوان أهل السجون‘ فيخرجون إلى أعطيتهم بكتاب عمر بن عبد العزيز”. وإن كان الإمام أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة (ت 182هـ) يرى –في كتابه ‘الخراج‘- أن تخصيص المرتبات كفكرة إجراء سنه قبله الخليفة علي (ض).

وكان يحرص على تطبيق ومتابعة وصاياه المتعلقة بالمساجين والتي كان يرسلها لولاته ورؤساء أجناده؛ ومما جاء فيها عند أبي يوسف في ‘الخراج‘: “أما بعد؛ فاستوصِ بمن في سجونك وأرضك حتى لا تصيبهم ضيعة، وأقم لهم ما يُصلحهم من الطعام والإدام”. وكتب إلى جميع أمراء أجناده قائلا: “انظروا مَن في السجون ممّن قام عليه الحقّ، فلا تحبسنّه حتى تقيمه عليه، ومن أُشكل أمره فاكتب إليّ فيه، واستوثق من أهل الدّعارات (= الفَسَقَة)..، ولا تعدّ في العقوبة، وتعاهد مريضهم ممّن لا أحد له ولا مال، وإذا حبستَ قوما في دَيْن فلا تجمع بينهم وبين أهل الدّعارات، واجعل للنساء حبسًا على حدة، وانظر مَن تجعل على حبسك ممّن تثق به ومن لا يرتشي، فإنّ من ارتشى صنع ما أُمر به”.

أحداث الفتن التي شهدها التاريخ الإسلامي في حقبته المبكرة أيام الأمويين والعباسيين زادت نظام السجون رسوخا بتزايد نزلائها (الجزيرة)

عصر المأسسة
أما الحقبة العباسية (132 – 656هـ) فشهدت توسّعا في إنشاء السجون بمختلف أنواعها وأنظمتها، وتباينت عندهم ما بين عامة وخاصة ومركزية وفرعية. ويُعتبر سجن ‘المُطبـِق‘ أول سجن مركزي في تاريخ الدولة العباسية ويعادل في فظاعته سجن ‘الديماس‘ الأموي.

فقد انتهى بناء هذا السجن سنة 146هـ أثناء تشييد بغداد التي اكتملت 149هـ أيام الخليفة المنصور (ت 158هـ)، وسُمي هذا السجن بـ‘المُطبـِق‘ لحصانته وظلمته؛ إذ أُنشئ قسم منه تحت الأرض فكان يُطبق على المسجونين ويُبقيهم في الظلام الدامس. ويذكر اليعقوبي (ت بعد 292هـ) -في كتابه ‘البلدان‘- سِكّة المطبِق ببغداد؛ فيقول: “وفيها الحبس الأعظم الذي يُسمَّى ‘المُطبِق‘، وثيق البناء مُحكَم السور”.

وفي ذلك السجن حُبس بعض أخطر السجناء، أو من أرادت السلطة أن تـُنزِل بهم أشد العقاب من السياسيين؛ مثل الوزير العباسي يعقوب بن داود الفارسي (ت 187هـ) الذي سجنه الخليفة المهدي (ت 169هـ) بسبب ميله للعلويين. وحسب الطبري في تاريخه؛ فإن ذلك الوزير يروي تجربته القاسية بالسجن تحت الأرض قائلا: “حُبستُ في ‘المُطبق‘ واتُّخِذ لي فيه بئر فدُليتُ فيها، فكنتُ كذلك أطول مدّة لا أعرف عدد الأيام، وأُصبتُ ببصري، وطال شعري حتى استرسل كهيئة شعور البهائم”!!

ومن أشهر سجون بغداد: ‘سجن بستان موسى‘ الذي بناه الخليفة المعتصم (ت 227هـ) قبل انتقاله إلى سامراء، ويصفه القاضي التنوخي (ت 384هـ) –في ‘الفرَج بعد الشدة‘ نقلا عمن دخله- بأنه “كان كالبئر العظيمة قد حُفرت إلى الماء أو قريب منه، ثم فيها بناء على هيئة المنارة مجوَّف من باطنه، وله من داخله مدرج قد جُعل في مواضع من التدريج مستراحات، وفي كل مستراح شبيه بالبيت يجلس فيه رجل واحد كأنه على مقداره، يكون فيه مكبوباً على وجهه ليس يمكنه أن يجلس ولا يمد رجله”.

وبلغ اعتناء الخلفاء العباسيين بالسجون أن بعضهم أشرف بنفسه على وضع تصاميم هندسية لها وتنفيذ بنائها، فقد أمر الخليفة المعتضد بالله (ت 289هـ) ببناء ‘سجن المطامير‘ داخل ‘دار الخلافة‘ وراعى في بنائها الدقة والحصانة، وسُميت ‘المطامير‘ لأنها طُمِرت تحت الأرض كلها، ولم يكن لها قسم أعلى الأرض مثل سجن ‘المُطبِق‘.

ويصف الخطيب البغدادي (ت 463هـ) واقعة بناء سجن المطامير بقوله: “وأمر ببناء مطامير القصر، رسمها هو (= المعتضد) للصُّنّاع، فبُنيت بناءً لم يُرَ مثله على غاية ما يكون من الإحكام والضيق، وجعلها محابس للأعداء”.

وشدد الفقهاء على وجوب “حبس النساء بموضع لا رجال فيه والأمين عليهن امرأةٌ مأمونة”؛ كما يقرر ابن المَوّاق المالكي (ت 897هـ) في ‘التاج والإكليل‘. ومنذ مرحلة مبكرة من التاريخ الإٍسلامي وُجدت سجون منفصلة للنساء، وتنوعَّت أسباب سجنهن ما بين الأسر والمغارم والتعدي على الحقوق الشرعية كالقتل والسرقة وغيرها؛ ففي زمن معاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ) سُجنت آمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق الخزاعي أحد قتلة عثمان بن عفان، وتتضارب الأقوال في سبب سجنها.

وقد سبق ما ذكرناه من أمر عمر بن عبد العزيز بفصل السجينات عن السجناء الذكور، كما خصص العباسيون سجونًا للنساء منها ذاك الذي عُرف بـ”سجن الطرارات” (= المحتالات)، وذكره المؤرخ جمال الدين القِفْطي (ت 646هـ) في كتابه ‘إخبار العلماء بأخبار الحكماء‘. وبالنسبة للصبيان؛ فقد ذكر العلامة الونشريسي المالكي -في ‘المعيار‘- أن الغلمان القُصّر الذين يرتكبون مخالفات إنما يكون “حبسهم عند آبائهم لا في السجن”.

طالما كانت السجون المسكن الثاني لأعلام كبار بسبب مواقفهم ضد السلطة فاستغلوا عزلتها للدراسة والتأليف (الجزيرة)

أعلام النزلاء
امتدت ظاهرة السجون في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه، وحوت أصحاب الجرائم والمحكوم عليهم بالعقوبات المتنوعة طبقا لأحكام القُضاة ونوابهم وبعضها أحكام جائرة، ومنها ما خُصص للسلطات التنفيذية مثل مؤسسة الخلافة والسلطنة وغيرها، وكان يُزج فيها ظلمًا أصحاب الرأي المعارض، ومشاهير الأعلام من العلماء والأدباء والوزراء.

ولعل من أشهر سجناء الرأي والموقف في تاريخنا الإمام أبو حنيفة النعمان (ت 150هـ)؛ فقد اتهمه العباسيون بأنه مؤيد لثورة العلويين -بقيادة محمد النفس الزكية (ت 145هـ)- بالعراق وغيرها، وتعززت التهمة برفضه تولي منصب القضاء لهم؛ فسجنوه خمس سنوات حتى مات في محبسه، بعد أن “ضُرب فِي السجن على رَأسه ضربًا شَدِيدًا، وكانُوا قد أمِروا بذلك”؛ كما يروي الصيمري الحنفي (ت 436هـ) في كتابه ‘أخبار أبي حنيفة وأصحابه‘.

كما أودع الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ) فترة في ‘سجن العامة‘ بدرب الموصلية -حسب الذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘- وجُلد بالسياط حتى أُدمي جسده، بعد رفضه القول بعقيدة ‘خلق القرآن‘ التي روّجت لها السلطة حينها.

أما العلامة الحنفي شمس الأئمة السَّرْخَسي (ت 483هـ) فكان من أعجب المساجين العلماء في تاريخ الإسلام الوسيط؛ فقد أفتى بحرمة زواج أحد ملوك فرغانة (تقع اليوم بأوزبكستان) من جارية أعتقها ولم ينتظر عدّة إعتاقها؛ وحين سمع الملك الفتوى أمر فورا بإلقاء العلامة السَّرْخَسي في سجن تحت الأرض بمدينة أُوزْجَنْد (تقع اليوم بقرغيزستان)؛ حسبما أورده محمود الحنفي الكفوي (ت 990هـ) في كتابه ‘كتائب أعلام الأخيار‘.

مُنع السَّرْخَسي بسجنه –الذي لازمه أكثر من عشر سنوات- حتى من كتبه وأقلامه وأدواته، غير أن تلامذته كانوا يقفون أعلى فتحة بئر السجن فيستملونه علمه، “وكان يملي عليهم من الجُبّ” بأعلى صوته من حفظه؛ ومن ذلك الإملاء جاء كتابه الفقهي الكبير: ‘المبسوط‘ ذو المكانة العالية في الفقه الحنفي!!

ونحن نرى أثر السجن وقسوته في نفس السَّرْخَسي في نهايات بعض أبواب هذا الكتاب، ففي شرح كتاب “العبادات” مثلا يقول: “هذا آخر شرح كتاب العبادات بأوضح المعاني وأوجز العبارات، أملاه المحبوس عن الجُمعة والجماعات”.

أما الإمام ابن تيمية فقد سُجن مرات كثيرة في مصر والشام، وكان يجعل من سجنه فرصة للتأليف وكتابة الردود العلمية، وفي سجنه الذي مات فيه ظل يكتب “حتى أخرج [السلطان] ما كان عند[ه]… من الكتب والأوراق والدواة والقلم، ومُنع من الكتب والمطالعة، وحُملت كتبه.. إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة”؛ وفقا لابن كثير (ت 774هـ) في تاريخه.

وفي اليمن؛ ألّف السلطان والإمام المهدي لدين الله الزيدي (ت 840هـ) كتابه “الأزهار في فقه الأئمة الأخيار” في السجن، بعد الإطاحة به من الحكم سنة 801هـ. ولم تكن محمدة التأليف في السجن قاصرة على علماء الشرع؛ حيث صنّف الكاتب أبو إسحق الصابي في بغداد (ت 384هـ) كتابه ‘أخبار بني بويه‘ وهو في السجن.

وفي الجانب الغربي من العالم الإسلامي؛ طال الحبس أعلاما كبارا فكان أحمد بن محمد بن فرج الجيّاني الأندلسي (ت 366هـ) من علماء اللغة والشعر، وقد أُلقي به في سجن جيّان سبع سنين لكلمة بدرت منه وتم تأويلها على محمل سيئ، “وكان أهل الطلَبِ (= طلاب العلم) يدخلون إليه في السجن، ويقرؤون عليه اللغة وغيرها”؛ كما يذكر ابن بشكوال (ت 578هـ) في كتابه ‘الصلة‘.

بعض السلاطين المسلمين تولى بنفسه وضع تصاميم إنشائية مخيفة للسجون التي يريدها في دولته (مواقع التواصل الاجتماعي)

أدباء وساسة
سجّل تاريخنا أيضًا طائفة كبيرة من الشعراء والخطباء من أهل الأدب كان جزاؤهم السجن؛ إما لقضايا استحقوا فيها السجن تعزيرًا وإما لموقف السلطة منهم. فإضافة للحطيئة الذي سبق ذكر خبر سجنه؛ سُجن الكُميت بن زيد الأسدي (ت 126هـ) لهجائه والي العراق الشهير خالد بن عبد الله القسري (ت 126هـ). كما سَجنَ الحجّاجُ الخطيبَ المفوّهَ الغضبانَ بن القبعثري مدة طويلة، “فدعا به يوما، فلما رآه قال: إنّك لسمين! قال: القيد والرتعَة (= الراحة والطعام الوفير)، ومَن يكُن ضيفًا للأمير يسمن”؛ كما يرويه الجاحظ (ت 255هـ) في ‘البيان والتبيين‘.

وذكر ظهير الدين البيهقي (ت 565هـ) -في ‘لباب الأنساب والألقاب‘- أديبا اسمه “أبو محمد العلوي الفارسي الواعظ، كان علويا محدثا صالحا، وقد رأى المتنبي (ت 354هـ) وقرأ عليه بعض ديوانه، قـُتل بنيسابور في ذي الحجة سنة أربع وثمانين وثلاثمئة، وأخرج من سجن في سكة الباغ”.

لم تترك ألاعيب السياسة ومؤامرات القصور والغرف المغلقة ولا تبدّل الدول والقوى لرجال الحكم والسياسة ركنًا يحتمون به، فعانى كثير منهم مرارة الحبس والقيد؛ ولعل في طليعة هؤلاء الخليفة العباسي المستكفي بالله (ت 338هـ) الذي قرر معز الدولة البويهي (ت 356هـ) الخلاص منه، فيروي ابن كثير أن البويهيين حين دخلوا بغداد “سيق الخليفة ماشيًا إلى دار معز الدولة فاعتُقل بها…، فلم يزل به مسجونًا حتى كانت وفاته”.

وإذا اتجهنا للغرب الإسلامي؛ فسنجد أن أشهر سجناء السياسة كان أمير إشبيلية الشاعر المعتمد بن عبّاد (ت 488هـ) الذي تبدل حاله من الإمارة والغنى إلى السجن والأسر والفقر في منفاه بمدينة أغمات المغربية، إثر تقويض المرابطين لإمارته. كما دخل الإمام ابن حزم السجن سنة 412هـ أيام انخراطه في سياسة قرطبة، إبان فتنتهاّ الكبرى أوائل القرن الخامس الهجري.

ولئن حوت سجون العالم الإسلامي عبر تاريخه الطويل عِلّية المجتمع من كبار الخلفاء والأمراء والفقهاء والمحدّثين والأدباء والعسكريين وغيرهم؛ فإن أغلب نزلائها كانوا من العامة والمهمّشين الذين قلّما وقفت مصادر التاريخ السياسي والاجتماعي مع معاناتهم. وقد تنوعت أسباب سجنهم، فكانت جرائم المال -وخاصة السرقة- والقتل في صدارة التجاوزات التي ألقَت بأصحابها في السجون.

فقد ضجت سجون العباسيين بـ”العيارين”، وهم نوع من اللصوص كانوا على قدر عالٍ من المهارات القتالية، مما جعل السيطرة الأمنية عليهم صعبة أحيانا كثيرة، فاستباحوا المدن نهبا وسلبا. وكانت السلطات تضيف لهم فئة ‘المُكْدِيّين‘ وهم المتسولون؛ وقد أورد لنا الجاحظ وصفًا لأحد هؤلاء هو خالد بن يزيد الشهير بـ”خالويه المكدي”، ناقلا وصيته لابنه التي يُعدّد فيها “مآثره” وماضيه في التسوُّل، فقال: “إني قد لابستُ السلاطين والمساكين، وخدمتُ الخلفاء والمكديين، وخالطتُ النُّسّاك والفُتّاك، وعمّرتُ السجونَ كما عمّرتُ مجالسَ الذكر”!!

وبين جدران هذه السجون وجدنا كذلك أشهر اللصوص وأكثرهم نفوذًا وخبرة، وهو أبو بكر النقاش البصْري. يروي التنوخي (ت 384هـ) -في ‘نشوار المحاضرة‘- أن رجلا من أهل البصرة سُرق ماله، ونُصح بأن يزور سجن البصرة الذي كان يقبع فيه النقاش زعيم اللصوص؛ ليستفسره عن ماله وكيفية استرجاعه، في مقابل هدية قيمة من الطعام والشراب والحلوى، وقد آتت التجربة ثمرتها؛ إذ دلّ النقاش ذلك الرجل على ماله وأخبره كيف يسترده.

الظلام شبه المطبق والبرد القارس والعزلة وقساوة السجانين عوامل زادت معاناة نزلاء السجون (الجزيرة)

حياة الزنازين
وكان السجناء الجنائيون يحصلون على طعامهم من أهاليهم، وعرفنا كيف كان بعضهم يقضون أيامهم وليالهم بين جدران السجون من سيرة علي ابن الحريري الدمشقي (ت 645هـ) الذي دخل السجن بسبب دَين بدراهم لم يستطع قضاءه، وحُبس في قسم أصحاب المغارم. يقول ابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ) -في ‘شذرات الذهب‘- حاكيا قصة الحريري هذا، بما تتضمنه من روح تكافل يمكن أن تسود السجون إن وجدت من يحسن سياسة النفوس في أوقات الشدة ويلهمها الحلول لأزماتها:

“بات [الحريري].. في الحبس بلا عشاء، فلما أصبحَ صلّى بالمحتبسين صلاة الصبح، وجعل يذكر بهم إلى ضحوة، وأمر كُلّ من جاءه شيء من المأكول من أهله أن يشيله (= يخزّنه)، فلما كان وقت الظهر أمرهم أن يمدّوا الأكل سماطا (= مائدة)، فأكل كل مَن في الحبس وفضل شيء كثير، فأمرهم بشيله. وصلّى بهم الظهر وأمرهم أن يناموا ويستريحوا، ثم صلّى بهم العصر وجعل يذكر بهم إلى المغرب، ثم صلّى بهم المغرب وقدّم ما حضر؛ وبقي على هذا الحال. فلما كان في اليوم الثالث أمرهم أن ينظروا في حال المحتبَسين، وكلّ من كان محبوسا على دون المئة يَجبُون له مِن بينهم ويُرضون غريمه ويخُرجونه، فخرج جماعة، وشرع الذين خرجوا يسعَون في خلاص مَن بقي، وأقام ستة أشهر محبوسا، وجبوا له وأخرجوه”.

وقد وقفَ بعض الملوك والأمراء وأهل الخير أوقافًا وصداقات للإنفاق على المساجين، مثل مؤسس الدولة الطولونية بمصر أحمد بن طولون (ت 270هـ) الذي كان “يُجري على المسجونين خمسمئة دينار في كل شهر”؛ كما يذكر ابن خلدون في تاريخه. وحين ولي الظاهر بالله العباسي (ت 623هـ) عرش الخلافة ببغداد سنة 622هـ “أعطى القاضي عشرة آلاف دينار لوفاء ديون من في السجون من الفقراء”؛ كما يخبرنا المؤرخ ابن تغري بردي (ت 874هـ) في ‘مورد اللطافة‘.

وذكر ابن تغري بردي أيضا –في ‘المنهل الصافي‘- أن السلطان المملوكي الظاهر برقوق (ت 801هـ) “كان يذبح دائما في أيام سلطنته في كل يوم من أيام شهر رمضان خمسا وعشرين بقرة، تطبخ ويتصدق بها مع الخبز النقي الأبيض على… أهل السجون، لكل إنسان رطل لحم (= 450 غراما) مطبوخ وثلاثة أرغفة”. ومن هؤلاء المحسنين ناظر الجيش المملوكي في حلب عبد الله بن مشكور الحلبي (ت 778هـ)؛ فقد قال عنه ابن حجر –في ‘الدرر الكامنة‘- إنه “وقفَ [مالا] على المحبوسين من الشّرع (= سجناء الحق الخاص) وكانوا قبلُ في سجن أهل الجرائم”.

غير أن المقريزي (ت 845هـ) يصف –في ‘المواعظ والاعتبار‘- مشهدًا مغايرًا لهذه الأريحية لأوضاع المساجين المزرية وامتهان كرامتهم؛ فيقول: “وأمّا ‘سجون الولاة‘ فلا يوصف ما يحلّ بأهلها من البلاء، واشتهر أمرهم أنهم يخرجون مع الأعوان في الحديد حتى يشحذوا (= يتسوّلوا) وهم يصرخون في الطرقات: الجوع! فما تصدّق به عليهم لا ينالهم منه إلّا ما يدخل بطونهم، وجميع ما يجتمع لهم من صدقات الناس يأخذه السجان وأعوان الوالي، ومن لم يرضهم بالغوا في عقوبته، وهم مع ذلك يُستعمَلون في الحفر وفي [بناء] العمائر ونحو ذلك من الأعمال الشاقة، والأعوان تستحثهم، فإذا انقضى عملهم رُدّوا إلى السجن في حديدهم من غير أن يطعموا شيئا”.

وقد كان السجناء ببعض المناطق مطالَبين بدفع إتاوة يومية أو شهرية ولو حصّلوها بالتسوّل، وهو ما سُمي بـ‘مقرر السجون‘ أو ‘ضمان السجون‘، وهو أن يطلب مسؤول توليته إدارة السجون مقابل مبلغ كبير يدفعه للسلطة، على أن يسترده مضاعفا بضرائب يفرضها هو على السجناء فيجبيها منهم بكل قسوة!! ويقول ابن تغري بردي –في ‘النجوم الزاهرة‘- إن السلطان الناصر محمـد بن قلاوون (ت 741هـ) “أبطل.. ما كان مقرّرا على السجون، وهو [أنه] على كلّ من سُجن -ولو لحظة واحدة- مئة درهم سوى ما يغرّمه. وكان.. لها ضامن يجبي ذلك من سائر السجون”. هذا رغم أن الفقهاء قالوا إن “أجرة الحبّاس (= السجّان)… -كأجرة أعوان القاضي- تكون من بيت المال”؛ كما قرره الحطاب المالكي (ت 954هـ) في ‘مواهب الجليل‘.

شهدت حقب عديدة من التاريخ الإسلامي استيراد تقنيات تعذيب وحشي في السجون من مختلف الحضارات (مواقع التواصل الاجتماعي)

صندوق الأحزان
لم تتوقف معاناة السجناء عند التضييق عليهم في الإطعام والإنفاق، بل وفرض الغرامات عليهم وهم مسجونون وتشغيلهم في الأعمال الشاقة، بل فوق ذلك كانت وبالا عليهم حين تتكدس فيها أعدادهم؛ فقد روى أحمد بن المدبر الكاتب (ت 270هـ) أنه ألقي به في سجن أحمد بن طولون بمصر، وكان سجنا شديد الضيق “وفيه خلق وبعضنا على بعض، فحُبس معنا أعرابي فلم يجد مكاناً يقعد فيه، فقال: يا قوم! لقد خفتُ من كل شيء إلا أني ما خفتُ قط ألا يكون لي موضع في الأرض في الحبس أقعد فيه! ولا خطر ذلك ببال، فاستعيذوا بالله من حالنا”!!

وقد تنوعت أساليب تعذيب المساجين ما بين الضرب والجلد وكسر الأسنان والأطراف والتعليق وغيرها. وعرفت العصور المتأخرة أنواعًا جديدة ومهولة من تعذيب السجناء مثل التسمير؛ إذ كان يتم وضع الشخص المراد تعذيبه على لوح من الخشب أُعدّ على شكل صليب، وكان يُسمى تهكما ‘اللعبة‘، وتُدق فيه أطراف الشخص بالمسامير وغالبا ما كانت تنتهي حياة المسمَّر بالموت!!

وقد أورد ابن منظور –في ‘لسان العرب‘- أسماء بعض آلات التعذيب في السجن، فذكر منها أداة تسمى “المِقْطَرَة: الفْلْقُ؛ وهي خشبة فيها خروق، كل خرق على قدر سعة الساق، يُدخل فيها أرجلُ المحبوسين. [وهو] مشتق من ‘قطار الإبل‘ لأن المحبوسين فيها على قِطار واحد، مضموم بعضهم إلى بعض، أرجلهم في خروقِ خشبةٍ مفلوقة على قدر سعة سوقهم”.

وبسبب هذه الأوضاع البائسة؛ كان السجناءُ في أوقاتٍ كثيرة يضجّون بآلامهم فيثورون على حياتهم التعيسة، ثم تتطور الأمور إلى مقاومة السجّان ومحاولة الهرب طلبا للحرية. وكثيرا ما كانت تفشل تلك المحاولات؛ فابن الجوزي يروي -في ‘المنتظم‘- أنه في سنة 306هـ “شغَب أهل السجن الجديد [ببغداد] وصعدوا السُّور، فركب.. صاحب الشرطة وحاربهم”.

كما كان السجناء يستغلون حالات الانهيار الأمني داخل المدن للفرار والهرب كمثل ما رأيناه في ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بمصر وغيرها؛ فحين حوصرت القاهرة سنة 791هـ من الأمراء المناوئين للسلطان المملوكي الظاهر برقوق، وأيقن الجميع أنه مهزوم “خاف والي القاهرة حسام الدين بن الكوراني على نفسه.. واختفى وبقي الناس غوغاء، وقطعَ المسجونون قيودهم بـ‘خزانة شمائل‘ وكسروا باب الحبس وخرجوا..، فلم يردُّهم أحد بشغل كلّ واحد بنفسه، وكذلك فعل أهل حبس الدّيلم، وأهل سجن الرّحبة”.

بل استطاعت الجماهير في لحظات غضبها وثورتها أن تهزم السلطات المحلية وتكسر أبواب السجون وتُفرج عن السجناء، كما فعل أهل بغداد سنة 309هـ حين نقموا على الوزير العباسي حامد بن العباس الخراساني (ت 311هـ) “بسبب غلاء الأسعار..، وحاربهم السلطان عند باب الطاق… بعد أن فتحت العامة السجون”.

ولئن بقي الناس بمختلف طبقاتهم يعانون ذل السجن وضيقه وأيامه ولياليه الطويلة؛ فإن لحظات الإفراج كانت أسمى أمانيهم؛ وقد تنوعت أسباب الإفراج عن المساجين تبعا للظروف السياسية والاقتصادية والدينية، فمنهم من كان يُفرج عنه مكرمة من رأس السلطة وكبار موظفيها لا سيما بمناسبة اعتلاء مناصبهم. فالذهبي يقول -في ‘تاريخ الإسلام‘- إن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك (ت 99هـ) افتتح خلافته بـ”بخير وختم بخير؛ لأنه ردّ المظالم إلى أهلها…، وأخرج المسجونين الذين كانوا بالبصرة”.

كما كان هؤلاء الأمراء يرون في الإفراج عن المساجين قربة إلى الله يُبغى من ورائها الثواب والتنفيس عن مصائبهم في لحظات كربهم بمرض ونحوه؛ فقد “مَرض الملك المعظّم (الأيوبي المتوفى 624هـ) فتصدّق وأخرج المسجونين” بدمشق؛ كما يذكر الذهبي. وحين تعافى أقرب مماليك السلطان الناصر قلاوون وهو الأمير يَلْبُغَا اليحياوي (ت 748هـ) من مرض “عمل السلطان لعافيته سماطا (= وليمة) عظيما هائلا بالميدان…، وأخرج من الخزائن السلطانية نحو ثلاثين ألف درهم أفرج بها عن المسجونين على دَيْن”.

كتاب 

رؤية تشريعية
وبسبب اتساع هذه الظاهرة ورسوخها مؤسسيا ومجتمعيا؛ رأينا تنوعًا في الكتب التي خصَّصت بعض جوانبها لموضوع السجن، كما في ‘الخراج‘ لقاضي القضاة أبي يوسف، وبعض كتب الأدب العامة. وقد يكون كتاب ‘أُنس المسجون وراحة المحزون‘ لصفي الدين الحلبي (ت بعد 625هـ) أول كتاب يُفرد عنوانه وموضوعه للسجن، بسبب المحن التي تعرض لها أقرب الناس إليه بالسجن وهو سيده و”مخدومه”؛ كما يصفه.

وقدم الفقهاء وعلماء الشريعة عموما رؤية تشريعية -بالغة الإتقان والروعة- للسجون وأحوالها وأنواع مسجونيها وحقوقهم العقوبات الواقعة عليهم؛ وتجلى ذلك في أبواب القضاء والمعاملات والحدود، وفي مصنفات “النوازل” التي كانت تقدم الأحكام الشرعية لما يطرأ في المجتمع من قضايا جديدة في كل عصر ومصر، وقد يكون السجن علاجا اضطراريا لبعضها.

فقد استدل العلماء على مشروعية السجن من القرآن ومن فعل النبي ﷺ والخلفاء الراشدين؛ وذكر جمهرة الفقهاء أن مقصد السجن هو التوبة والزجر، وتحقيق التعزير والردع والتأديب، وذكروا مواضع محددة -معظمها يدخل في إطار “الحق الخاص” للأفراد- هي التي يُشرع الحبس فيها، وإن ظلت هذه المواضع تتوسع بتزايد الجرائم وتنوعها عبر القرون. وأكد الإمام القرافي المالكي (ت 684هـ) -في كتابه ‘الفروق‘- أن القاعدة العامة هي أنه “لا يجوز الحبس [للإنسان] في الحقّ إذا تملّك (= تمكّن) الحاكمُ من استيفائه…، لأن في حبسه استمرار ظُلمه”.

ونظرًا لارتفاع أعداد المساجين وكثرة السجون منذ أواخر عصر الأمويين وبدايات عصر العباسيين؛ فقد طلب الخليفة هارون الرشيد (ت 193هـ) من قاضي قضاة زمنه أبي يوسف أن يُحدّد الأُسس التي ينبغي أن تقوم عليها معاملة المسجونين، فأعدّ له دستورًا محكمًا سبق به دُعاة الإحسان إلى السجناء في العصر الحديث بألف سنة، كما هو موضّح في كتابه ‘الخراج‘.

وكان مما جاء في هذا الكتاب مما يتعلق بالإنفاق على المسجونين -لا سيما فقراءهم- قوله: “أحبّ إليّ أن يجري من بيت المال على كلّ واحدٍ منهم ما يقوته؛ فإنه لا يحلّ ولا يسعُ إلا ذلك…، والأسير من أسرى المشركين لابدّ أن يُطعم ويُحسن إليه حتى يُحكم فيه، فكيف برجل مسلم قد أخطأ أو أذنب يموت جوعًا؟!”.

بل إن أبا يوسف بيّنَ الطريقة المثلى للإنفاق على المساجين؛ وذلك بإيصال الأموال إليهم بصورة مباشرة خوفا من أن تقع في أيدي السجانين فلا تصلُ إليهم فتزداد معاناتهم. قال مخاطبا الخليفة الرشيد: “مُـرْ بالتقدير لهم ما يقوتُهم في طعامهم وأدمهم وصيّر ذلك دراهم تجري عليهم في كل شهر بدفع ذلك إليهم، فإنك إن أجريت عليها الخُبز ذهبَ به ولاة السجن.. والجلاوزة (= حراس السجون)، وولِّ ذلك رجلاً من أهل الخير والصلاح يُثبتُ أسماء مَن في السجن ممّن تجري عليهم الصدقة، وتكون الأسماء عنده ويدفع ذلك إليهم شهرًا بشهر”.

أما زميله الإمام محمـد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) فقد ذكر أنه “لا ينبغي أن يُمنع المسجون من دخول أهله وإخوانه عليه”. كما حرّم الفقهاء التعدي جسديا ونفسيا على السجناء، وتعذيبهم بالضرب أو بمنع الطعام والشراب؛ فإن حصل ذلك ومات السجين بسببه عدّوا ذلك قتل عمد يوجب القصاص من مرتكبه. ونستفيد من الحافظ ابن حجر أنه كان ثمة تفتيش قضائي دوري للسجون؛ فقد قال -في ‘رفع الإصر‘- إن القاضي القيسراني الشافعي (ت 531هـ) “فُوض إليه النظر في المظالم، فاستوضح أحوال المسجونين وأطلق منهم جمعا كثيرا كانوا أيسوا من الخلاص لطول العهد بتركهم في السجن، فطالع بأمرهم الخليفة [الفاطمي]، وسأل في الإفراج عنهم فأذن له في ذلك”.

وقد رأينا المؤرخ المقريزي (ت 845هـ) –وهو فقيه أيضا- ينعى تدهور أحوال السجون في عصره؛ رافضًا ما يقع فيها من مظالم قائلا: “وأمّا الحبس الذي هو [حاصل] الآن فإنه لا يجوز عند أحد من المسلمين، وذلك أنه يجمع الجمْعَ الكثير في مَوضِع يضيقُ عنهم، غير متمكّنين من الوضوء والصلاة، وقد يَرى بعضُهم عورةَ بعض، ويؤذيهم الحرّ في الصيف والبرد في الشتاء، وربما يُحبس أحدهم السَّنة وأكثر ولا جِدَة (= قدرة مالية) له، وأنّ أصل حبسه على ضمان” مسؤول السجن بغرامة ظالمة.

تلك كانت جولة في التاريخ والتشريع، رأينا فيها -من زوايا متنوعّة- قصة السجون والسجناء في تاريخنا، بعضها التزم بما أقرته الشريعة في معاملة السجناء ورعايتهم، وبعضها تعدى الحدود والأعراف والأخلاق، وألقى بالأبرياء من أبناء الأمة علماء وأعيانا في زنازين ضيقة، قضى بعضهم أجله فيها فعلم لمكانته، وبعضهم ظل ذكره طي النسيان؛ وتلك قصة مليئة بمشاهد الآلام والكُربات لا نزال نراها في عصرنا هذا رغم كل ما يقال عن المدنية والحقوق الإنسانية! المصدر : الجزيرة