أرشيف الوسم : المعتقلات

المعتقلين بين الثبات وسيكولوجيا الانحراف

المعتقلين بين الثبات وسيكولوجيا الانحراف

في ظل محنة الاعتقال والتعذيب وفي خضم التعرض لشتى ألوان ووسائل التعذيب الجسدي والنفسي والذي سبق ووضحاً معالمه يأتي دور المساومة للتنازل عن الثوابت والانحراف عن العقائد والمبادئ عبر دراسة نفسية متعمقة من قبل الجلادين يتحينون فيها زمان ومكان المساومة ويتدرجون فيها بزحف كزحف الأفاعي ومكراً كمكر الذئاب.

كانت المساومات تاتى بعد سنوات التعذيب والقهر التي لا يحتملها بشر لتكون التوبة او الإرشاد أو المبادرات التي فيها تذبح الثوابت والعقائد والمبادئ على مذبح تخفيف المعاناة أو انتهائها.

فإذا أردت أن تنهي معاناتك فما عليك سوى ان تضغط زر الإنهاء ولكن عليك حينها أن تدفع الثمن من دينك وثوابتك ومبادئك.

لن أقوم بالتكلم في هذا الموضوع بالتفصيل ولن أسقط على واقع التوبة والإرشاد والمبادرات لان ذلك يحتاج الى كتاب منفصل قائم بذاته لعلى اسطره قريبا ان شاء الله ، ولكن سنطرح القضية في إطار عام ومن أفضل من سمعت له فى موضوع مشابه  الدكتور/ إياد قنيبي حين كان يتحدث عن الحركات الإسلامية بين الثبات وسيكولوجيا الانحراف.

فوجدت طرحه أنسب لما يكون من واقع داخل أسوار المعتقل إذ تتشابه المنهجية التي يتعامل بها من يحاربون الإسلام داخل وخارج المعتقل

الالتزام والتوافق”

قصتنا تبدأ مع الأسرى الأمريكيين العائدين من معسكرات الاعتقال في الصين الشيوعية بعد الحرب الكورية التي اشتركت فيها الدولتان في الخمسينات من القرن الماضي، حيث تفاجأت القيادة الحربية الأمريكية بنجاح مقلق للمستجوبين الصينيين في تطويع الجنود الأمريكيين واستخراج المعلومات منهم بدون استخدام الأساليب الوحشية و التعذيب! فقد كان الأسرى متعاونين إلى أقصى الحدود في الإبلاغ عن محاولات الهروب لزملائهم، وكانوا يقدمون هذه المعلومات دون إكراه وبمجرد أن تُعرض عليهم مكافأة لا قيمة لها ككيس من الأرز

على إثر ذلك شكلت القيادة الحربية الأمريكية فريق التقييم النفسي و العصبي بقيادة الدكتور هنري سيغال الذي قام باستجواب أسرى الحرب العائدين بشكل مكثف للوقوف على طرق الصينيين في استمالتهم للتعاون معهم وتغيير قناعاتهم. فتبين أن الصينيين يعتمدون طريقةَ “انتزع تنازلا صغيرا ثم ابنِ عليه”، بحيث ينتزعون من الأسير الأمريكي أي تنازل يسير، ثم يوثقون هذا التنازل، ثم يستدرجون الأسير إلى الاعتراف بتبعات ولوازم هذا التنازل، فيلتزم الأسير هذه التبعات ويقرُّ بها، إلى أن يجد نفسه يغير نفسيته ليصبح منسجما مع موقفه الجديد، ومن ثم تتفاقم تنازلاته إلى أن يصبح في النهاية عميلا من حيث لا يشعر. هذه هي خلاصة أسلوب الالتزام والتوافق

(Commitment and Consistency).

بداية كان الصينييون يطلبون من الأسرى الأمريكيين أن يعطوا تصريحات تبدو في غاية البساطة وبدون أية تبعات تذكر، مثل: “الولايات المتحدة الأمريكية ليست كاملة” أو: “لا توجد مشكلة البطالة في الدولة الشيوعية”.ولكن ما أن تتم تلبية هذه الطلبات “البسيطة” حتى يطالب الأسرى باتخاذ موقف آخر يبدو نتيجة تلقائية للتصريح الأول، لكنه يمثل تنازلا أكبر وتلبية أقرب لمطالب العدو.

فمثلا الأسير الذي يوافق مع المستجوب الصيني على أن الولايات المتحدة ليست كاملة يطلب منه كتابة قائمة بالمشاكل في أمريكا التي تجعلها غير كاملة، ثم يوقع باسمه على القائمة. ثم بعد فترة يُطلب منه قراءة هذه القائمة في مجموعة نقاش مع الأسرى الآخرين. وقد يطلب منه بعدها أن يكتب مقالا يتوسع فيه بشرح تفصيلي للنقاط التي كتبها في قائمته و جوانب تلك المشاكل. ويقال له في ذلك كله: (أليس هذا ما تعتقده أنت بنفسك دون إجبار أحد؟ لا نطالبك بأكثر من أن تصرح بمعتقدك. إن كنت واثقا من معتقدك فأنت على استعداد أن تلتزم به. أليس كذلك؟)

وهذا ما نقصده بالالتزام (Commitment): صَرَّح الأسير تصريحا بسيطا لكنه التزم بتبعاته.

وكان الصينيون يُجرون مسابقات بين الأسرى الأمريكيين لأحسن مقال عن مقارنة نظام أمريكا بالشيوعية، وأحيانا يفوز مقال يمدح في عمومه الولايات المتحدة لكن يلين لوجهة النظر الصينية الشيوعية في موضع أو موضعين. المهم انتزاع أي تنازل بسيط

ثم إذا بالصينيين يبثون مقال الأسير الأمريكي مع اسمه على الراديو الموجه للقوات الأمريكية المقاتلة وكذلك في كل معسكرات الاعتقال، بحيث يسمعه الأسير نفسه. وفجأة يجد الأسير الأمريكي نفسه قد قام بتصرفات تخدم العدو، أي أنه أصبح بطريقة أو بأخرى “متعاونا مع العدو“.

والمهم جدا في الأمر أن الأسير يدرك في نفسه أنه قد كتب مقاله واتخذ مواقفه طواعية بدون تهديدات شديدة أو إكراه. فلو تم الأمر بالإكراه لوجد الأسير لنفسه عذرا لمواقفه هذه وكذلك الناس حوله، بل سيؤدي الإكراه إلى نفوره من المواقف التي اتخذها ورفضها وتبرؤه الداخلي منها. لكنه، في الواقع، فعل ما فعل دون إكراه.

فينتهي الأمر بالأسير إلى تغيير نظرته إلى نفسه حتى يصبح متوافقا و منسجما (consistent) مع الفعل الذي قام به ومع التعريف الجديد لنفسه كــ (متعاون مع العدو). بدأ الأمر بتصريحات تبدو تافهة و عديمة القيمة، لكن الأسير التزم بهذه التصريحات ثم استُدرج لخطوات أخرى غيرت من نفسيته، وهذا التغيير بدوره سمح له بتقديم تنازلات أكبر، وهكذا دواليك على مبدأ الحلقة الخبيثة (vicious cycle) إلى أن يكتب مقالا موسعا ينتقد فيه نظام الدولة التي كان يحارب من أجلها بل ويتعاون مع عدوها.

هذه خلاصة أسلوب الالتزام والتوافق

ضرورة أن يوثق الأسير الأمريكي موقفه أو تصريحه، حيث أن هذا التوثيق أقوى في تغيير انطباعه عن نفسه وانطباع زملائه عنه.

فالشخص يستحضر لاشعوريا مواقفه السابقة، وخاصة الموثقة منها، وكأنها المصدر الرئيسي لمعلوماته عن نفسه و تحديد شخصيته. وعليه فقد كان الصينيون حريصين على انتزاع موقف موثق منسجم مع رغباتهم، إلى درجة أن الأسير إذا رفض أن يكتب العبارات المذكورة أعلاه مثل”أمريكا ليست كاملة” أو “لا بطالة في الشيوعية” فإنه كان يُطلب منه نسخ سؤال وجواب مكتوبين له مسبقا فيهما هذه المعاني. فهذه الكتابة بخطه –كدليل ملموس- تستدرج الأسير إلى التغيير النفسي ولو بدأ قليلا، كما أن الصينيين كانوا يطلعون الأسرى الآخرين عليها لتتغير نظرتهم إلى زميلهم. والغريب في الأمر أن الآخرين، حتى وإن علموا بأن الكاتب لم يختر كتابة تلك السطور بدافعية ذاتية، إلا أنهم سيشعرون بأن تلك الكتابات تمثل حقيقة اعتقاد الأسير وإحساسه طالما أن صياغتها لا تُشعر بأنه كتبها مكرها. وهذه خلاصة دراسة لعالمي النفس إدوارد جونز وجيمس هاريس

الالتزام العلني:

فالذي يتخذ موقفا معلنا يكون أكثر التزاما به ودفاعا عنه ممن لا يعلن موقفه على الملأ.

لذا فقد كان الصينيون في المسابقات المذكورة يأتون بالمقال الذي يلين ولو قليلا للشيوعية وسط مديح كثير لنظام أمريكا، فيعلقونه في معسكر الاعتقال ويبثونه بالراديو، ليجد صاحب المقال نفسه مدفوعا إلى المحافظة على الموقف الذي اتخذه، مبررا للتصريح الذي صرح به، ليبدو كإنسان لديه مبدأ ثابت، كإنسان منسجم مع ذاته ومتوافق مع أفعاله. وهنا حبكة الموضوع

فالشخص الذي يتصرف بأشكال متناقضة يبدو في عيون الناس متقلبا غير واثق، مشتت الفكر, غير جدير بالثقة. و هذه الخصائص كلها مكروهة من المجتمع و من الشخص نفسه. بينما يبدو الشخص المتوافق الثابت في تصرفاته بأنه واثق سديد الرأي. ولذلك فإنك تجد الناس يسعون دائما لأن يكونوا متوافقين في تصرفاتهم و يتجنبوا كل ما يمكن اعتباره تضاربا في مواقفهم

3) الجهد الإضافي المبذول: فهو يؤدي إلى التزام أعلى.

في عام 1959 قام الباحثان إليوت أرونسون و جدسون ميلز بدراسة بينت أن الشخص الذي يخوض ألماً و عناءا شديدين في سبيل الحصول على شيء ما فإنه يعطي هذا الشيء أهمية أكبر بكثير ممن حصل على الشيء نفسه بجهد قليل. وفي حالة الأسرى الأمريكيين فإن كتابة مقال موسع سعيا للفوز في المسابقة لم تكن أمرا سهلا

العامل الرابع لنجاح استدراج الأسير بأسلوب التوافق والالتزام هو:

الاختيار الذاتي:

و هو العامل الأكثر أهمية!

ففي تجربة الأسرى الأمريكيين فإنه يتبادر إلى الذهن أنه حتى يتم تحفيز الأسير للفوز في مسابقة بكتابة مقال يلين للشيوعية فإن الجوائز مقابل ذلك يجب أن تكون ذات قيمة عالية. ولكننا نجد أن الجوائز كانت ذات قيمة قليلة، فمن بعض السجائر إلى القليل من الفواكه الطازجة، وليس جائزة كبيرة مثل ملابس دافئة في البرد القارص أو تسهيل الاتصال بالعالم الخارجي.

كان هدف حجب الجوائز الكبيرة هو أن يحس الأسير بأن كتاباته هي ملكه ونابعة من ذاته، بدون أن ينظر لنفسه على أنه كتب ما كتب من أجل جائزة كبيرة. والهدف من ذلك كله هو أن يتحمل الأسير أمام نفسه مسؤوليةً عما كتب.

فالهدف من هذه المحفزات هو تحفيز الأسرى للمشاركة في المسابقة، والحدُّ من قيمتها هو لئلا يشعروا بأنهم غيروا مبادئهم من أجلها. إذ أن المطلوب هو أن يقبل الأسرى المسؤولية الذاتية الداخلية عن عملهم وكتاباتهم ويشعروا بأنهم ملزمون به ومضطرون للدفاع عنه.

كانت هذه خلاصة تجربة الأسرى الأمريكيين الذين قدموا تنازلات تبدو عديمة التبعات في البداية لكنهم وصلوا في المحصلة إلى تغيير مبادئهم والتعاون مع العدو

اسقاط

فحتى لو قبل الاسرى الإسلاميون هذه الصفقة، فإنهم لن يقبلوا المسؤولية الداخلية عنها، ولن يروا التنازلات التي قدموها جزءا من كيانهم، ولن توافق نفسياتهم لتتناسب مع هذه التنازلات. إذ أنها سترى هذه التنازلات حينئذ شيئا منفصلا عن سلوكها ومنظومتها النفسية قامت به كحالة استثنائية من أجل تحصيل هدف مؤقت، ثم سترفضه وتتبرأ منه بمجرد تحصيل هذا الهدف.

وليس هذا هو الذي يريد الأعداء تحقيقه. بل هم يريدون لمنتسب الحركات الإسلامية ألا يحس بالاستدراج، بحيث إذا نظر إلى نفسه في المرآة مساءاً لا يحس أنه يرى صورة رجل غير مبادئه. فإذا قالت له نفسه: (أجبتَ أعداءك إلى ما طلبوه منك؟) رد عليها: (بل أنا صاحب القرار وأنا اخترت أن أفعل ما فعلت، بقناعة منبثقة من نفسي و ذاتي). وإن قالت له نفسه: (إنك تتنازل) رد عليها: (أتنازل من أجل ماذا؟ الذي يتنازل يُغرى عادة بشيء يحرص عليه. إنما أنا أتلمس فلتات العدو وسهواته ونقاطَ الضعف في نظامه وقانونه لأحقق منفعة لديني. والتصريح الذي صرحتُه والموقف الذي اتخذتُه لا يشكل خرقا كبيرا لمبادئي وعقيدتي).

إذن فهو يوهم نفسه بأنه يغافل العدو وينسلُّ من خلال ثغرات نظامه، لا أنه يساوَم على مبادئه.كان هذا فيما يتعلق بعامل الاختيار الذاتي، وهو –كما في كتاب التأثير وسيكولوجيا الإقناع- أهم عامل لإنجاح أسلوب الالتزام والتوافق

عجائب المعتقلات

مذكرات معتقل إسلامى

(سنوات الألم والأمل فى معتقلات أمن الدولة – الباستيل المصرى ) : رحلة إلى عالم المعتقلات وأقبية أمن الدولة لتوثيق معاناة المعتقلين الإسلاميين وما تعرّضوا له من أصناف وألوان التعذيب الجسدى والنفسى وكيف كانت الإعانة الإلهية وأضعف الأسباب سبيلهم للتكيّف مع هذه الظروف البالغة الصعوبة بطرق عجيبة مبتكرة ، وإطلالة على وسائل الظالمين وحيلهم المادية والمعنوية فى مكافحة الإسلام والإسلاميين وكيفية مواجهتها والتغلب عليها وما خلفته هذه الملحمة الإنسانية من قصص ودروس وعبر جديرة بالتدبر والتوثيق

عجائب المعتقلات

  • حين يقف المعتقل يناشد القاضي يترجاه ألا يحكم له بإخلاء السبيل.
  •  حين يحتضن الأب المعتقل ابنه ذي العشرة أعوام وهو يراه لأول مرة ويقول الولد لأبيه … ازيك يا عمو.
  •  حين يقف المعتقل أمام ابنته في غرفة الزيارة ينظر خلفها منتظراً ابنته وتنظر حولها تتلمس أباها.
  • حين يعلم أهل معتقل أنه حي بعد ظنهم موته بعشرة سنوات.
  •  حين يقول شخص لمبارك في الحرم اتقي الله فيشحن إلى المعتقل خمسة عشر عاماً.
  • حينما يخطب معتقل زوجته لرجل آخر بعد أن يطلقها حماية لها ولأولادهما.
  • حين يكون المعتقل لم يتجاوز الثانية عشر عاماً.
  • حين يدخل معتقلاً وعمره ثمانية عشر عاماً ليخرج وعمره 43 وأربعون عاماً.
  • حين يولد مولدك الأول وأنت في المعتقل ثم تمر السنوات ليولد مولودك الثاني وأنت لازلت معتقل.
  • حين يشتاق الأب لرؤية ولديه لم يراهما منذ عشرين عاماً حتى يصيرا شابين يافعين  ويتم اعتقالهم معه ليكون اللقاء.
  • حين تكون علبة التونة الصفيحية فارغة هي السكن والبوتاجاز والسخان والغسالة.
  • حين يكون قلمك هو أنبوبة المرهم الفارغة وورقتك هي قطعة من ملابسك.
  • حين يعجز البشر عن إعانتك فتأتيك المعونة في هيئة رفيق زنزانة من عالم الجن.
  •  حين يحصل معتقل على الثانوية فيدخل طب ويحصل عليها مرة أخرى ليدخل هندسة.
  •  حين يعتقل زوج وزوجته فلا يرى بعضهما البعض إلا بعد مرور خمسة عشر عاماً ولازال معتقلين وقت اللقاء.
  • حين تعقد قرانك فتعتقل ويتم زفافك بعدها بأربعة عشر عاماً.
  •  حين يكون الزفاف للعروسين في المعتقل.
  • حين تحصل في المعتقل على الدكتوراه في العلوم السياسية وقد مكثت ما يقرب من خمسة عشر عاماً.
  • حين يكون الإعدام أحب إلى قلب المتهم من السجن لأنه طريق إلى الشهادة ولأنه سبيله إلى حياة أبدية لا تقارن بالحياة التي من أجلها يبيع الكثيرين دينهم
  •   حين يكون رفيق زنزانتك الذي يوقظك للصلاة ويؤنس وحدة شخصاً ليس من عالم الإنس.
  • حين يكون مدرس الكيمياء للطالب الثانوية المعتقلين أحد المعتقلين الحاصلين على دكتوراه دولية في الكيمياء، ومدرس الفيزياء دكتورا في الذرة.
  •    حين يقتاد صولاً في الحبس أستاذ دكتور في الفنية العسكرية إلى زنزانته.
  • حين يعيش سجينان في زنزانتين متجاورتين ولمدة سنوات يتحدثان ويتحاوران ويتآخيان في الله ويهون كل واحد على الأخر محنته ويشاركه همومه طوال هذه السنوات ولا يعرف كل منهما شغل الآخر.

كيف ينام السجين؟

وقفت عند باب المنفردة رقم (4) شبه عارٍ أحمل ثيابي وحذائي في يدي، أنظر مشدوهاً إلى تلك الوجوه التي يجتمع فيها بؤس الدنيا كلّه -لن أنسى تلك اللحظة ما حييت- قال لي أحدهم: “البس ثيابك”. بينما كانت تتزاحم عليّ أسئلة الآخرين: “كم الساعة الآن؟”، “ماذا يجري في الخارج؟”، “متى اعتقلوك؟”. المنفردة في الأصل مخصصة لمعتقل واحد، ولكن لكثرة المعتقلين، وإمعاناً في الإذلال والوحشيّة انقلبت إلى زنزانة جماعيّة، وصل عدد نزلائها في يوم من أيام وجودي فيها إلى سبعة معتقلين، لك أن تتصور أنّ زنزانة طولها حوالي 200 سم وعرضها حوالي 120 سم؛ يحشر فيها هذا العدد من المعتقلين، إذا أراد أحدهم أن يستلقي أو يتمدد فلن يجد الآخرون متسعاً ليقعدوا لا ليستلقوا، فكيف ينامون، إذا نزل عدد نزلائها إلى أربعة في يوم من الأيام؛ كان كأنّه يوم عيد.

لا يوجد لمكان قضاء الحاجة في الزنزانة باب أو ستارة، يقضي المعتقل حاجته أمام الباقين الذين يغضون أبصارهم، ويتجاهلون ما يفعل، وهو يحاول أن يستر نفسه ما استطاع، ولا يوجد صابون للتنظيف، يحك المعتقل يديه ببعضهما ما استطاع وينتهي الأمر، لم أستطع أوّل الأمر تصوّر حصول هذا، ولكن مع الوقت اعتدت عليه، فكان قضاء الحاجة عقوبة بحدّ ذاته، في مكان قضاء الحاجة صنبور ماء، هو المصدر الوحيد لكلّ وجوه استعمالات الماء، منه نشرب، ومنه ننظّف أنفسنا، ومنه ننظّف الزنزانة، كانت المياه مقطوعة أغلب الوقت، وفي بعض الحالات حين تأتي لا نكاد نجد الوقت الكافي لنملأ كلّ القوارير القذرة المركونة بين القذارات (زجاجات بلاستيكيّة قديمة لمشروبات غازيّة أو مياه معدنيّة) وهي حوالي عشرة موجودة في طرف المرحاض، ولا أدري كيف وصلت إلى هنا، اختار نزلاء الزنزانة اثنتين منها، كانتا الأقلّ قذارة ليخصّصوهما للشرب، في كلّ مرّة يتمّ غسلهما بشكل جيّد.

لم أستطع في الأيام الأولى أن أكره نفسي على قبول ما يقدّم لنا على أنّه طعام، وهو عبارة عن وجبتين واحدة في الصباح والأخرى في المساء، القاسم المشترك بينهما ما شكله كشكل الخبز، ولكنّ رائحة عفونته وحموضته تسبق إلى أنف الإنسان.

الحمام مليء بالأوساخ وبقايا الأطعمة القديمة، وهو مرتع للصراصير والحشرات التي دخلت أشكالها قاموس معارفنا حديثاً، في أعلاه ربط ما يشبه الحبل -لا أدري كيف ربط- ولكنّه عبارة عن قميص قديم ملفوف على شكل حبل، وضعت عليه بعض الثياب البالية القذرة، أظنّ أنّها لمساجين سابقين، في بعض الأوقات الحرجة عندما اكتظّت الزنزانة بالنزلاء، حاول أحدهم أن ينام فيه -مكان قضاء الحاجة- وضع رأسه خارجها ومدّ رجليه داخلها ومع ذلك لم يستطع النوم.

لم أستطع في الأيام الأولى أن أكره نفسي على قبول ما يقدّم لنا على أنّه طعام، وهو عبارة عن وجبتين واحدة في الصباح والأخرى في المساء، القاسم المشترك بينهما ما شكله كشكل الخبز، ولكنّ رائحة عفونته وحموضته تسبق إلى أنف الإنسان، يخصّص لكلّ معتقل رغيف في الصباح ومثله في المساء، ويقدّم معه كطعام لوجبة الصباح -على الغالب- لبن شديد الحموضة هو أقرب إلى السائل، قدموا لنا نوعاً من أنواع المربّى مرّة أو مرّتين، ومثلهما بضع حبّات زيتون أخضر شديد المرارة، خلال فترة إقامتي في الفرع، وهي ما يقارب الشهر، ما يقدّم لا يكاد يكفي شخصين، يتمّ توزيعه على العدد الموجود في الزنزانة، وأمّا وجبة المساء فغالباً هي أرز أو برغل، يقدّم لنا في كيس نايلون – كيس خبز قديم- هو كخلطة (الإسمنت) تكاد تتّحد حبات الرز أو البرغل فيه لتكون حبّة واحدة كبيرة، ولا يقدّمون معه شيئاً أبداً، وأذكر أنّهم عندما قدموا لنا مرّة -بعد انتقالي إلى الجماعيّة- بضع حبات من الفجل كان كأنّه يوم عيد.

ومع ذلك كنّا نحمد الله تعالى على هذه النعمة، فقد مرت أيام على أهل حمص القديمة أيام حصار عصابات الأسد لهم أكلوا الحشائش وأوراق الشجر، كما أنّنا سمعنا وقرأنا عن معتقلين بالمئات بل بالآلاف قضوْا جوعاً، بل أقسم لي أحد الأطباء من معتقلي الثمانينيّات- مكث في سجن تدمر أكثر من عشر سنين- أنّ البيضة الواحدة كانت مخصّصة لثمانية معتقلين، وكانوا يقطّعونها بالخيط إلى ثمانية أقسام.

شاء الله تعالى أن نولد في عهد حكم حزب البعث لسوريّة الذي تحوّل بعد انقلاب حافظ أسد إلى حكم الطائفة النصيرية ثمّ إلى حكم أسرة الأسد، يا الله هل يعيش أولادنا ما عشناه من الظلم والقهر؟

أمّا النوم فكأنّما قد حلف أيماناً مغلّظة بأن يجافيني فلم يقربني أيّاماً، وكانت أقسى اللحظات تلك التي ينام فيها جميع من في الزنزانة وأبقى يقظاً وحيداً. تغدو بي الفِكر وتروح، وتعصف بيَ الذكريات وتسكن، أعود إلى طفولتي، إلى أصدقاء الطفولة، إلى اللحظات الجميلة، إلى الأعياد والأفراح، إلى المآسي والأتراح، إلى أيام المدرسة إلى بعض أساتذتنا المميزين الذين فقدناهم في سجون الطاغية الأب، إلى أيام الجامعة وتسلّط الموالين على مفاصل الإدارة فيها، إلى خدمة العلم والقهر والذل والابتزاز الذي يعيشه المجندون، إلى العمل في تدريس التربية الإسلامية والخوف الدائم من التقارير، إلى السفر وابتزاز الراغبين فيه بجواز السفر والموافقات الأمنيّة، إلى أمور تكاد لا تنتهي من القهر والظلم والإذلال.

هكذا قدرنا، شاء الله تعالى أن نولد في عهد حكم حزب البعث لسوريّة الذي تحوّل بعد انقلاب حافظ أسد إلى حكم الطائفة النصيرية ثمّ إلى حكم أسرة الأسد، يا الله هل يعيش أولادنا ما عشناه من الظلم والقهر؟
ها أنا هنا الآن عاجز مقهور محروم من أبسط حقوقي الإنسانية في هذه الزنزانة القذرة بين إخوة لي، مصابهم كمصابي، ولكن لا أدري كيف ينامون؟!

عبدالكافي عرابي النجار

تحميل(ينام الليل وابقى انا) زكرياء بوغرارة

تحميل نثر فني من قصائد السجون المغربية كتبت في رحلة العتمة الطويلة

وصف الكتاب

نثر فني من رحلة سجون كتبها زكرياء بوغرارة وقال عنها
{{ينام الليل وأبقى أنا
كل النصوص كتبت في مرحلة السجن … ونشرت وأنا في المعتقلات… إرتأيت ان أجمعها بين دفتي كتاب… تحت عنوان… من العتمة {{ ينام الليل وأبقى أنا…}}
انها بعض نبضاتي عندما غابت عنا الشمس}}
تضم بين جوانحها عدة نصوص ترصد مشاعر الطهر في كل مراحل السجن وتقلباتها… وترسم ملامح القهر بريشة فنان.. ومشرط طبيب .. لترتفع فوق الجراحات كلها

تعتبر اضافة أخرى ل{{ أدب السجون }} في المغرب

صرخة من ابن أسيـــر

الشيخ حسن محمد قائد

 

كنت يوما في زيارة لأسرة أحد الأخوة الأسرى ـ وما أكثرهم ـ فلفت انتباهي ابنه وهو يطوف في فناء البيت ويتنقل يمنة ويسرة فلا يكاد يقر له قرار ، تأملت في محياه ، فلمحت الكآبة والأسى مرسومة عليه ، ويكاد ينطق سائلا : أين أبي ؟ فتملكني شعورٌ عجيبٌ وهاجت في خاطري مشاعرُ متوالية ، فتمثلتُ حاله وهو يحكي مأساته ، ويبث شجونه ، ويخاطب خواطره ، فكانت هذه الكلمات المنظومة ، والعبارات المرسومة ، يحكيها لنا بلسان حاله ، لما عجز عنها مقاله



وبـين جوانحي تحيـا الهمـومأبي قـد مزقت قلبي الكلـوم
كـأني مـن تنكرهـم يتيـمُتراني في الـورى أمشي كئيبـاً
بـه تُجلى عن النفس الغيـومُأقـول ألا أرى منكم خليـلا
لعمري حـلَّ بي خطبٌ جسيمُولكن من يُجيب ؟ ومن أنادي
نظرتُ إذا بهـا حـولي تحـومُتطـاردني نـواظرهـم وأنى
ولكن _ يـا أبي _ من ذا أرومأروح وأغتدي في كـل يـومٍ
فظـن النـاسُ بي أني سقيـمُكساني الحزنُ ثوبـا فوق ثوبٍ
حُنُوَّ أبي فصـرتُ كمن يهيـمومـا بي علـةٌ إلا افتقـادي
فمنهـا ترتـوي عينٌ سَجـومُتفيض الذكريـاتُ على فؤادي
وأذكركم إذا بـدت النجـومُفأذكركم أبي في كل صبـحٍ
أحـاط بنـوره ليـلٌ بهيـمُلقـد طال الغيـاب أبي فقلبي
وعيدي دونكـم لا يستقيـميمر العيـدُ تلـوَ العيـد فينـا
وعيـدٌ تلتقي فيـه الغمـومفعيدُ النـاس أفراحٌ وعيـدي
وقـد هدت جوانبَهـا السقومُأرى أمي الرؤوفة في اكتئـابٍ
تَفجَّرَ في الحشـا منـه الحميمُطوت في صدرهـا بثاً وشجواً
ولا تُخفي فصـبري لا يـدومُأسائلهـا أيـا أمـاه قُــولي
يذوب لشأنهـا القلبُ السليمُفَسُحَّتْ من مآقيهـا دمـوعٌ
ألـوم النفـسَ أم مَن ذا ألومأيـا أمـاه إني لسـتُ أدري
على خـدّيَّ همَّـارٌ طَحـومأعـدتُ سؤالهـا والدمعُ مني
أسـيرٌ عاقـه طـاغ غشـومأمـات أبي ؟ فقالت : لا ولكن
أكَون أبي يصـلي أو يصـوم؟بـأي جريـرة أسروه قـولي
وقـد آذاه في ذاك الخصـومُ؟ألم يـك داعيـا للحق جهـراً
يُنـيرُ طريقَـه نـورٌ عميـمُ؟ألم يـك سالكـا نهجـا سوياً
إلى التوحيـد بالحسـنى يقوم؟ألم يـك داعيـا في كـل حينٍ
ويبنيهـا وقـد عفت الرسومُ؟ألم يـك يبعث الآمـالَ فينـا
جـنى حـتى يكبلـه اللئيـمُ؟أليـس أبِي أبَـى ذلاًّ فمـاذا
ويَطربُ حين يلقـاه العـديم؟ألم يـكُ يُطعـم المسكينَ دوما
غَـدَا في بحر أمتنـا يعــومُيكـادُ يذوبُ من كمدٍ إذا ما
فمـاذا يبتغي منـه الظلـومُ؟أصـار أبي أسيراً دون ذنـبٍ؟
يقـود جيوشَـه ذاك الرجيمُألا تبـاً لطغيـانٍ تمــادى
يُبـدِّدُ شمـلَ أحزاني الصَّرومفصبرا يـا أبي عمّـا قريـبٍ
ولا يـُخزي أعادينـا النؤومفقـد ولىّ زمان النـوم عنـا
رضـوا عيشـاً يحف به النعيمفـإن المجـدَ لا يبنيـه قـومٌ
تمنت بُعْـدَ شأوهـمُ النجـومُولكـن يبلغُ الأمجـاد قـومٌ
قريبـا يحكم الشرعُ الحكيـمُويـا أمـاه صبراً إن يومــاً


سري وللنساء فقط

أقاصيص من أدب السجون

زكرياء بوغرارة

إندفع مجموعة من زوار الفجر إلى غرفتي المزدحمة بالأوراق والجرائد القديمة وأكوام متكدسة من الكتب المترامية في كل مكان.. بحلق بعضهم في بعض, دامت لحظة الوجوم عدة ثوان..

ضرب كبيرهم كفا بكف وهو يقول برتابة وسأم

_ هل قرأت كل هذه الكتب؟؟

تسمرت في مكاني ولم أنبس ببنت شفة, سكنت ملابسي ولذت للصمت.. بينما الرجال أصحاب سنحة سوداء كفطير محترق يفتشون جنبات الغرفة.. ينهمكون في شغلهم بإخلاص منقطع النظير

في لمح البصر قلبوا غرفتي رأسا على عقب..لعلهم يبحثون في رزنامات الأوراق عن شيء ما بينما بعضهم ينبشون كلفئرن وينقبون ويلاحقون عناوين الكتب وفهارسها ويقلبون صفحات المجلات القديمة في دأب لايفتر

تساءلت بيني وبيني

_ عما يبحثون؟؟؟

ابتسم كبيرهم بمكر وكأنما قرأ ما يجول بخاطري قال وهو يهز رأسه

_ نبحث عن السلاح

مشاعر من أحاسيس شتى تناوبتني تلك اللحظة تمعر لها وجهي

كان سلاحي بين ملابسي.. إنه في جيبي بل بمعطفي الرمادي.. تحسسته أناملي في بطئ ورتابة الى أن وضعت يدي على …

قلمي… ثم أرسلت تنهيدة حرى وأنا أرتعش من البرد إنها أيام الشتاء الصقيعية ومخيالي يسافر بي الى المنفردة ترى كيف سأقضي أيام الشتاء في المعتقل؟؟

انتهى التفتيش تجمع أصحاب الوقت في حلقة دائرية وتبادلوا بينهم الحديث همسا بينما أحدهم يحمل عشرات الكتب.. يبدوأنهم سيأخذونها معهم , إنها لحظات صامتة بلا معنى تأملتهم في سكون وهم يغاذرون الغرفة السوداء.. لمحت أحدهم يتقدم بسرعة فأر نحو قائده وهو يقول بفخر واعتداد

( نعم سيدي.. لقد عثرنا على هذا الكتاب)

بعينين جاحظتين تفحصه القائد وهو يغمغم

_ سري للغاية

ثم هز رأسه وكأنه عثر على كنز ثمين يكفي ليزج بي في العتمة ردحا من الزمن

سحبوني خارج الغرفة وقد أحكموا الطوق حولي والأصفاد في يدي

التفت نحو كبيرهم بآلية وقلت ببرودة

_ سري وللنساء فقط

هذا هو العنوان

أشاح بوجهه عني وقد اضطرب لحظتها كأموج البحر المتلاطمة على صخرة منعزلة في شاطئ مهجور

( إنها مهمة فرق البحث والدراسات)

ثم إنطلق الموكب الصامت في رحلة العتمة والمتاهة والشتاء

انتهى

المصدر رابطة ادباء الشام

أدب السجون يزدهر في تركيا

كتب الصحافي كريم فهيم في صحيفة “واشنطن بوست”، أنه فيما يقبع معارضون في سجون تركيا على مر تاريخها الحديث المضطرب، فإن القصائد والمذكرات والروايات الخيالية وحتى سيناريوهات الأفلام، كانت دائماً تتسلّل إلى الخارج.

وتتمتع تركيا بتاريخ طويل من أدب السجون، لكن السنوات الأخيرة كانت مثمرة بشكل خاص. فقد أدت حملة القمع التي شنتها الحكومة والتي وضعت الآلاف من الناس وراء القضبان إلى طفرة ملحوظة في النشر، إذ نشرت ثمانية كتب على الأقل من سجناء حاليين أو سابقين، خلال العامين الماضيين وحدهما

أوضح فهيم أن إحدى هذه الروايات كانت عبارة عن مذكرات كتبها الروائي أحمد ألتان بعنوان يوحي بمدة طويلة من السجن:”لن أرى العالم مرة أخرى”. كما أن صلاح الدين دميرطاش، محامي حقوق الإنسان السجين والرئيس المشارك السابق لأكبر حزب معارض، وضع كتاباً حزيناً من القصص القصيرة، التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعاً في تركيا، وتنشرها الممثلة ساره جيسيكا باركر، التي باتت بصمة أدبية جديدة في الولايات المتحدة.

لمحة عن الاضطرابات
ومع توسع السجون في تركيا، تقدم أحدث الكتب لمحة عن الإضطرابات السياسية في البلاد خلال العامين اللذين أعقبا المحاولة الإنقلابية الفاشلة في عام 2016 ضد حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان. وسجنت السلطات عشرات الألاف من الأشخاص الذين تم اتهامهم بمساعدة الإنقلابيين أو حزب العمال الكردستاني المحظور.

6 كتب على الأقل

وطاولت أحكام السجن صحافيين وسياسيين معارضين وغيرهم من النقاد، كما تبخر تسامح الحكومة مع أصوات المعارضة. وتم تأليف ستة كتب على الأقل من قبل أعضاء في حزب سياسي مؤيد للأكراد . وكان العشرات من أنصار حزب الشعوب الديمقراطية قد سجنوا أو طردوا من مناصبهم عقب اتهامهم بالعلاقة مع حزب العمال الكردستاني، علماً أن الحزب نفى أي صلة له بالمتشددين. وفي كتاب ألفته غولتان كيساناك، الرئيسة السابقة لحزب الشعوب الديمقراطية التي أمضت 14 عاماً في السجن، عمدت إلى إرسال أسئلة لسجناء آخرين عبر محاميهم. وأبرزت شعبية بعض الأعمال الإقبال المرن على أدب السجون. ويبدو أن جميع القراء لديهم تقريباً كاتب مفضل على الأقل أمضى فترة في السجن.

تقليد القراءة
وأشار فهيم إلى أن مورين فريلي التي ترجمت كتاب دميرطاش “الفجر” إلى الإنكليزية كتبت في مقدمتها أنه “إلى جانب التقليد العظيم في تركيا لكتابة المقاومة، هناك تقليد عظيم من قراءة هذه الكتب”. واستناداً إلى ناشر الكتاب، فإن 200 ألف نسخة منه قد بيعت منه في تركيا. وقالت آيمي ماري سبانغلر، التي تمثل دميرطاش وغيره من المؤلفين في تركيا، إن الحجم الفعلي لقراء “الفجر” من المرجح أن يكون أكبر. وأضافت أنه من الصعب في بعض الأحيان العثور على المكتبات، لكن بسبب شعبية المؤلف، فقد تم تناقل نسخ من الكتاب في ما بين الأشخاص الذين لا يشترون الكتب عادة. وفي ديسمبر (كانون الأول) نشرت صورة في مجلة “فوغ” لأوف باركر وهي تحمل كتاب “الفجر” أمام منزلها في ويست فيلدج بنيويورك على وسائل التواصل الإجتماعي مما تسبب بضجة كبيرة في تركيا واتهمتها حكومة أردوغان بنشر الدعاية الإرهابية في الخارج.

الدعم الخارجي
ولفت الكاتب إلى أن الحديث عن الدعم الخارجي في تركيا ليس جديداً، إذ قام بابلو نيرودا وغيره من الفنانين العالميين بحملة لإطلاق سراح الشاعر التركي ناظم حكمت. وفي عام 1982 منحت لجنة تحكيم في مهرجان كان السينمائي التركي يلماز غوني جائزة عن فيلمه الذي أخرجه من السجن.

المصدر

24.ae

أدب شباب السجون.. صُنع في مصر

“هل تعرف ما مصير الحكايات التي لا نكتبها؟، إنها تصبح ملكًا لأعدائنا”.

منذ أن عرف العالم سلطة من بني البشر عرف سجنًا، ومنذ ذلك الحين تحولت تلك “العتمة المبهرة” إلى مساحة تربطنا بها الحكايات، حكايات من عاشوا فيها، من ظُلموا فيها، من ماتوا فيها، ومن عادوا منها إلى الحياة، روحًا قبل أن يكون جسدًا. عُرفت هذه الحكايات حديثًا حينما تم تدوينها وسردها في صورة أدبية باسم «أدب السجون»، واليوم نلقي الضوء على تطور جديد يشهده العالم في هذا اللون من الأدب. ففي العصر الذي سُجن في مصر عشرات الآلاف من الشباب على خلفية احتجاجات سياسية، خُلق ودون ترتيب مسبق نوع جديد من أدب السجون، سنسميه اصطلاحًا «أدب شباب السجون». هذا النوع الجديد تميز بخصال متفردة نتأمل فيها اليوم ونعيد قراءتها لنذكر أنفسنا بهم من جانب، ولنحمي ذكرانا جميعًا من النسيان أو السرقة على الجانب الآخر.

الكتابة طوق نجاة وحيد

 تمثل الكتابة حاليًا في مصر موطن القوة الوحيد للشباب. فبعد هزائم متتالية في كافة الاستحقاقات الأخرى وفقدان الأمل في القدرة على التأثير، بقيت الكتابة كآخر ملجأ لهم، نكتب ونكتب في كافة الفراغات المتاحة للكتابة، نكتب لنسخر ممن يقهرونا، كما نكتب لنخلد من لم نستطع إنقاذهم.

لذا فالكتابة في سجون مصر لها وضع خاص، ففوق كل هذا هي ليست فقط سبيلًا للهروب من إحباط السجون أو طريقة لقتل الوقت حيث لا وقت يمر، كما تخرج معظم كتابات أدب السجون الكلاسيكي، الكتابة هنا تخطّت ذلك لتصبح طوق النجاة الوحيد. الشاب في سجون مصر لا يكتب لتدوين مذكراته كما أنه لا يأمل في جمع كتاباته لاحقًا لنشرها في صورة منتج أدبي، الشاب في مصر يكتب لأنه ما زال يصدق أن هناك من سيقرأ هذه الكلمات وسيتدخل لإنقاذه، أو على أقل تقدير سيتدخل لتحسين ظروف “الحبسة”، الشاب في سجون مصر يكتب تمسكًا بالحياة.

يقول عمر حاذق في رسالته من سجن برج العرب في فبراير 2014 والمعنونة “أن تكتب بجوار برميل زبالة”: “مَنْ كان يتخيل أنني قادر على الكتابة في جوار هذه الصراصير كلها؟”.

ثم يذكر في رسالة أخرى في نهاية ديسمبر 2014 تحسن ظروف كتابته؛ إذ أصبح قادرًا على صنع مكتب صغير من قفص طماطم قديم وزادت الإضاءة المتسربة عبر الزنازين بعض الشيء وتم شفاؤه من “الجرب” الذي أصابه نتيجة انتشار العدوى في سجون مصر رديئة التهوية مزدحمة النزل التي يتكدس فيها أكثر من خمسين شابًا في ثلاثة أمتار، فيقول:

“الحياة تدافع عن نفسها يا إخوتي في محبة هذا الوطن، لذلك لم أقدر على النجاة من هذا الشهر الفادح إلا حين أقنعت نفسي أنني إنسان نظيف لأن قلبي نظيف وهذا يكفي؛ لأنني أحب الحياة والحرية وفقراء شعبي وهذا يكفي، لا تنسوني من محبتكم ودعواتكم وأمنياتكم الجميلة”.

(عمر حاذق، رسالة بعنوان “شجرة الكريسماس في زنزانتي”).

 خرج «حاذق» من سجن برج العرب يوم الأربعاء ٢٣ سبتمبر ٢٠١٥ بالعفو الرئاسي الصادر لمائة ناشط (من بين أكثر من ٤٠ ألف سجين سياسي)، ليكتب بعد ذلك سلسلة من المقالات تحت عنوان “لماذا يموت السجناء في سجون مصر؟”. هي الكتابة مرة أخرى، طوق نجاة يتشبث به من في الداخل والخارج على حد سواء.

مقاومة النسيان وسط زحام الزنازين

“أتعرفين يا آمنة متى يستسلم الإنسان؟، يستسلم الإنسان حين ينسى من يحب، ولا يتذكر سوى نفسه”.

وسط عشرات الآلاف من الشباب في السجون، أصبحت الكتابة وسيلة لمقاومة النسيان، أصبح من يكتبون هم القادرين على لمس أرواح البشر وشغل مساحة في بالهم، هم القادرين على منع أحبابهم من اعتياد غيابهم، في حين يبقى الصامتون منسيين.

ولذلك اتصف “أدب شباب السجون” بحرية في استخدام اللغة، فمن يكتب ليس كاتبًا محترفًا ولا أديبًا يشغله حسن الصياغة وتراكيب الفصحى، من يكتب يهتم بأن ينقل ثقل الظلام الساكن في روحه إلى أحبابه و رفاق جيله، ينقله لهم من وسط عتمة الحقيقة ولكنه يظل مستمسكًا برحابة الخيال.

الشاب في سجون مصر يكتب وهو يبكي في أغلب الأحيان، لذا تخرج الكتابة محملة بالعواطف حتى تكاد تتحول لمشاهد حية وأنت تقرؤها. “يا ناس نصيبها من الوطن أوجاع، الوجع هنا مهما اتوصف مش هيتحس”، هكذا يبدأ طلاب طنطا (أحمد أبو ليلة، إبراهيم سمير، عبد الرحمن سمير) والمحبوسون على خلفية الاحتجاجات الطلابية على بيع حزيرتي تيران وصنافير في رسالتهم الأخيرة، قبل أن ينهوها كالتالي:

“الحرية للحضن اللي نفسه يعدي سلك الزيارة، الحرية للصبح اللي بيتحايل

 على القضبان يدخل علشان نشوفه، الحرية لأصحاب القضية اللي اتنسوا”. 

يقضي طلاب طنطا الآن مدة التجديد الثالثة على ذمة تحقيقات تتهمهم بالتعبير سلميًّا عن رفضهم لبيع الأرض، وما زال زملاؤهم وأحبتهم متمسكين بألا يسقطوا في بئر النسيان.

مراجعات وسط حطام الهزيمة

“نحن لسنا أبطالاً، ولكننا مضطرون أن نكون كذلك”.

هُزم جيل الشباب وهو الآن يتلقى عقابه على مطالبته بالتغيير والحرية والعدالة الاجتماعية في يناير، ووسط ظلام السجون يتلقى هؤلاء الشباب صدمة جديدة تدفعهم لمراجعة كل ما آمنوا به، تتطور كتابات المحبوسين منهم تبعًا للمدة، وتبعًا للأمل في الخروج، في حين تصبح أكثرها اتساقًا مع الحقيقة مع من حصلوا على أحكام بالسجن وليسوا فقط محتجزين كمحبوسين احتياطيًا. تشهد كتابات هؤلاء على وجه الخصوص مراجعات شديدة الأهمية في نهج أفكار جيل مكتمل، تعيد تقييم مساره الاحتجاجي والتنظيمي، كما لا تخلو من ندم على أخطاء اقترفوها وفرص تم إضاعتها من بين أيديهم.

“ليس لدي شيء لأقوله: لا آمال، لا أحلام، لا مخاوف، لا محاذير، لا رؤى، لا شيء، لا شيء مطلقًا. لقد حاولت أن أتذكر ما كتبته للجارديان منذ خمس سنوات مضت حينما عشت آخر أيام حياتي الطبيعية. إني أحاول أن أتخيل من قرأوا ذلك المقال، وأي تأثير كان له عليهم. أحاول أن أتذكر كيف كانت الحياة حينما كان الغد يبدو مفتوحًا على المُمْكِنات، وحينما بدا أن كلماتي لها فعالية التأثير (ولو قليلًا فقط) على الصورة التي يمكن أن يبدو عليها ذلك الغد”.

(علاء عبد الفتاح في رسالة نشرت في الذكرى الخامسة للثورة).

هذا الشعور العميق بالحزن الممتزج بالملل القاتل من ظلام السجن لم يمنع هذه الكتابات من أن تحمل بين طياتها شعورًا بالفخر على الأوقات التي استطاع فيها هذا الجيل أن يملك زمام حياته وأن يغير من المعادلة ولو لم يمتد هذا إلى القليل من الزمن. يقول «أحمد سعيد» الطبيب المصري الذى يقضى حكمًا بالسجن لعامين على خلفية قانون التظاهر: «لكنني فعلت ما فعلت حتى أشعر بأنني حر، وكي أسترد حريتي قبل أن تتحول إلى ذكرى فحسب، وحتى أحافظ على بصيص الضوء الأخير الذي انبثق من الثورة، وعن حلم الزمن الذي شعرت فيه بأنه لا بد لأحدهم من أن يفعل هذا».

“رغم ذلك، هناك أمر واحد أذكره فعلًا؛ شيء واحد أعيه: الشعور بالاستطاعة كان حقيقيًا. ربما كان من السذاجة أن نصدق بأن أحلامنا قد تتحقق؛ لكنه ليس من الغباء أن نعتقد بأن عالًما آخر هو شيء ممكن. لقد كان كذلك بالفعل، أو على الأقل تلك هي الصورة التي أذكر بها الأمر”.

(علاء عبد الفتاح في رسالة نشرت في الذكرى الخامسة للثورة).

نربي الأمل ونحب الحياة

“وإن عشنا سأذكرك أننا سنبكي كثيرًا بعد أن نتحرر”.

قد تكون هذه هي الصفة الجامعة الوحيدة في كافة كتابات هذا الجيل، لتصبح هي الصفة المميزة لأدب شباب السجون كما سميناه في بداية هذا المقال، حب الحياة هو المحرك لكل هذا، لا فارق بين كتاباتهم الحزينة وتلك الفرحة، المتفائلة وتلك التي أصابها الإحباط، الكتابات التي تدّعي القوة وتلك التي تعترف بأنها وأصحابها قد أصابهم الوهن، الجميع وخلف كل هذه الرتوش يتمسك بحبه للحياة.

“هذا الجيل الذي شعر في لحظة ما أنه أمام ميلاد جديد لوطن يعشقه، تخلى عن كل ما يشغله لبناء مستقبله الشخصي والتفت بكل كيانه لهذا البناء الجديد”.

(من رسالة جعفر الزعفراني إلى ابنته).

هذا الجيل قد فتح عينيه على أحلام وآمال في عالم أفضل، اتصل بباقي البشر في مختلف أنحاء العالم وتمنى أن يلحق بركب التطور البشري حتى أصبحت غايته الأسمى هي السعادة، فلما ارتطم ببشاعة الماضي وضيق أفقه عاد ليلجأ لدافعه الوحيد للبقاء على قيد الحياة، وهذا الدافع هو ما يدفعه كل يوم للكتابة، الأمل في أنه يومًا ما سيحيا حياة سعيدة، تلك الحياة التي أحبها قبل أن يراها.

يقول الباحث والحقوقي محمد ناجي في رسالته الأخيرة التي كتبها من محبسه إثر إلقاء القبض عليه بتهمة التعبير سلميًّا عن رفضه لبيع جزيرتي تيران وصنافير:

“لعلك تتساءل الآن وأنت تقرأ هذه السطور عن كيفية دخول شخص يدعى حب الحياة بهذا الشكل في إضراب مفتوح وكلي عن الطعام منذ الأربعاء 18 مايو 2016. أليس هذا تناقضًا؟!، لا. لا أراه كذلك على الإطلاق بل هو قمة الاتساق؛ فأنا الآن أدافع بحياتي عن حياتي، أقامر بكل شيء من أجل كل شيء. ومن ناحية أخرى لم يأت هذا القرار من إحباط أو يأس وإنما الأمل، ذلك الأمل الذي يدفعنا إلى استخدام كل أسلحتنا لتحقيق ما نحلم به”.

قبل أن يختتم رسالته بجملة نجيب محفوظ الخالدة في الحرافيش: “لا تجزع، قد ينفتح الباب يومًا لأولئك الذين يخوضون الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة”.

مجلة المجتمع