أرشيف الوسم : السجن

في ذكرى محاكمة مجموعة ال71

ويستمر نزيف الجراح

كتبت سابقا حول محاكمة “مجموعة ال71” التي أدينت بأحكام قاسية في 31 يوليوز سنة 1984، وبما أن ذكرى هذه القضية على الأبواب، أعيد نشر ما كتبته في الموضوع، مع تغيير العنوان وتحيين ما يحتاج إلى التحيين وإضافة ما يساهم في تجويد النص.

هناك أحداث عصية على النسيان، لا يمكن تجاهلها بما لها من قدرة على إعادة رسم مسار حياتنا، فمهما حاولنا تجاوزها تظل محفورة في الذاكرة، بل إن بعض اللحظات قد تكشف “من نكون؟”. كما أن الحدث الذي نمر به ويترك فينا نذوبا، يعلمنا دروساً لا تمحى بفعل مرور الزمن..

من ذلك ما حدث يوم 31 يوليوز من سنة 1984، فقد رسم وشما غائرا في ذاكرة الإعتقال السياسي بالمغرب، حيث أصدرت محكمة الإستئناف بالحبوس بمدينة الدار البيضاء أحكامها التي تراوحت ما بين الإعدام وأربع سنوات في حق عناصر ما سمي ب”مجموعة ال71″.

وعندما ألتفت متأملا إلى تلك اللحظة، التي ما تزال تحضرني بكل تفاصيلها وأجوائها، أجد أن 42 سنة، بما تعنيه من توالي الأعوام والشهور والأيام وتعاقب الليل والنهار، قد مرت على الحدث..بالرغم من أننا كنا نشعر بتثاقل الزمن حينما كنا نعيش في أتون الحدث، فإننا في المقابل نشعر الآن أن كل اللحظات التي مرت كانت كحلم عابر..غير أن النذوب التي خلفها على ملامحنا تفضح مكر السنين..كان عمري حين اعتقلت 21 سنة، بينما أبلغ اليوم 63 سنة، مضت خلالها السنون سريعة كالطيف، وكأن الزمن قد انسل في ومضة، أو كأن ثقبا قد ابتلع ال42 سنة وطواها حين غفلة، لنجد أنفسنا قد وهن العظم منا واشتعل الرأس شيبا، ومنا من قضى نحبه، ومنا من ينتظر صامتا مطرقا.

تعود بي الذاكرة إلى ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء آخر يوم من شهر يوليوز سنة 1984، حين أصدرت محكمة الإستئناف بالحبوس المقابلة للمسجد المحمدي بالدار البيضاء أحكامها القاسية في مجموعة ال71.

نعم..استرجع شريط الذكريات حيث وجدت نفسي رفقة إخواني في المجموعة داخل قاعة المحكمة، أمام القاضي السيد الغزواني وممثل النيابة العامة السيد مداح.. نردد هتافات وأناشيد جماعية، ملء حناجرنا، يصل صداها إلى عائلاتنا المرابطة بعيدا أمام بوابة المسجد المحمدي، وهي تردد معنا سمفونية التحدي في جو مفعم بالحماسة والشعور العارم بالنشاط…

تعود بي الذاكرة إلى هذه اللحظة وكأن الحدث حصل بالأمس القريب، بينما مرت عليه 42 سنة منذ اختطافي وإخفائي قسريا في قبو معتقل درب مولاي الشريف السري مع بقية أعضاء مجموعتي.

نعم لقد مرت 42 سنة لا نلوي منها على شيء..منها 11 سنة قضيتها خلف القضبان موزعة على مجموعة من سجون بلادي منها، اغبيلة بالدارالبيضاء، والمركزي بالقنيطرة، والمحلي بآسفي، وبولمهارز بمراكش، ومركب عكاشة بالبيضاء، وسيدي موسى والعادير بالجديدة..كما انصرمت منها 31 سنة منذ الإفراج عني سنة 1994 ، لم يبارحني خلالها الإحساس بأنني ما زلت رهن الإعتقال، مقيد الإرادة، مخنوق النَفس، بلا حول ولا حيلة..بل لا يزال هذا الإحساس يلح علي واشعر إزاءه بالحسرة القاتلة، وهو يعلن أنني انتقلت من سجن انتصرت فيه لكرامتي ومبادئي، كنت فيه على خط النار ضد جلاد واضح مكشوف الملامح، واعتنق قضية تمنحني مبررا للوجود، إلى سجن مترامي الأطراف متعدد الوجوه والأقنعة، سجن فقدت فيه جزءا من هويتي المشروخة، وتهت في شعابه بين طاحونة المعيش اليومي وإكراهاتها المقيتة، وبين البحث عن ما تبقى من ذات هلامية. لأدرك عندئذ أنني فعلا انتقلت إلى سجن مخادع من نوع آخر، تغذي فيه الحرمان من ما هو طبيعي..البحر والجبال والمرأة.. وتتنازل فيه عن كينونتك كإنسان حر كريم..نعم أدركت أنني صرت في هذا السجن الكبير هدفا لسادية جلاد متستر مستتر يجيد فن التقمص، ويتقن لعب الأدوار..

تعود بدايات الحكاية إلى ثمانينيات القرن الماضي حين أدى سوء الظروف الإقتصادية في المغرب إلى تدهور ملحوظ في الوضعية المعيشية للمواطن المغربي البسيط، إذ لم يكن نصيب الفرد في المغرب من الناتج الإجمالي سوى 76 دولارا، بينما كان مثلا في تونس 129 دولارا، وبلغ في ليبيا 846 دولار حينذاك.

أمام هذه الوضعية دعت النقابة العمالية “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” إلى خوض إضراب عام عن العمل في يونيو سنة 1981 احتجاجا على الزيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية.

وفي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والإحتقان تبنت منظمة “الشبيبة الإسلامية” خطابا سياسيا تصعيديا، معلنة عن إفلاس الخيار الليبرالي، وأدانت التوجهات الإقتصادية الممنهجة ضد الفقراء المعدَمين، ولم يتخلف المنتسبون لها عن المشاركة في الإضراب العام بمدينة الدار البيضاء والمحمدية في 20 يونيو من السنة المذكورة.

عمت أجواء الإضراب العام، وانتشرت الإحتجاجات السلمية التي تطورت إلى مواجهة أريد لها أن تنزلق إلى مواجهة دموية غير متكافئة، حين تدخلت قوات الجيش والأمن بعنف غير مبرر، استعملت فيه الذخيرة الحية، واكتسحت الدبابات شوارع الدارالبيضاء، ولعلع الرصاص في الأزقة.. وانتشرت رائحة الخوف والبارود والموت في الأحياء الشعبية..

وعندما وضعت هذه الهجمة أوزارها، انكشف المشهد الدموي عن انتهاكات جسيمة، حصدت أرواح عشرات الشهداء الذين دفنوا في قبور جماعية مجهولة، من دون مراسم..كما زجت بمئات المعتقلين داخل السجون في غياب ضمانات المحاكمة العادلة..

إزاء هول الفاجعة وقسوتها، إلتزمت منظمة “الشبيبة الإسلامية” بإحياء ذكرى هذه الأحداث الأليمة وفاءا لأرواح الشهداء الذين نعتهم وزير الداخلية آنئذ إدريس البصري ب”شهداء الكوميرا”.

وانطلاقا من هذا المبدأ أحيت المنظمة في 20 يونيو سنة 1983 الذكرى الثانية ل‘‘الإنتفاضة الشعبية’’عبر الأنشطة التي قامت بها ‘‘فصيلة الجهاد’’ والتي تمثلت في توزيع المنشورات والكتابة على الجدران وتعليق الملصقات ولافتات تحمل عبارات مناهضة لنظام الحكم تحرض على الثورة..، في كل من المحمدية والبرنوصي وعين السبع بالدار البيضاء.

وعلى إثر النشاط الذي قامت به “فصيلة الجهاد” ابتداء من يوم الإثنين 20 يونيو 1983 والذي وافق 10 رمضان 1403 ذكرى وفاة الملك محمد الخامس رحمه الله، انطلقت حملة من الإختطافات استهدفت نشطاء إسلاميين، فبتاريخ 22 يونيو 1983 قامت قوات الأمن باختطاف عدد منهم يقيمون بالحي المحمدي، بتهمة عقد تجمعات سرية والإنتماء لمنظمة الشبيبة الإسلامية. وقد استمرت موجة الإختطاف لتشمل مجموعة أخرى من درب الكبير بتاريخ 03 يوليوز بنفس التهمة السابقة.

واستمرت الحملة حتى اعتقل عضو من ‘‘فصيلة الجهاد’’ في حالة تلبس بالمحمدية في 13 غشت 1983 وهو يعلق ملصقا معاد لنظام الحكم. وبذلك انتقلت الإختطافات إلى صفوف أعضاء الفصيلة في كل من المحمدية وعين السبع والبرنوصي..وبما أنني كنت عضوا من أعضاء “فصيلة الجهاد”، فقد تم اختطافي بدوري بتاريخ 20 غشت 1983 بمدينة المحمدية، وبعد أربعة أيام.. نقلت إلى المعتقل السري بدرب مولاي الشريف معصوب العينين..حيث وجدت من سبقني من المختطفين من المحمدية والحي المحمدي ودرب كبير بالدار البيضاء هناك.. و في يناير 1984 اعتقلت عناصر أخرى كانت قادمة من فرنسا بعد توزيع مناشير بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي بالدار البيضاء تحمل توقيع ‘‘حركة الثورة الإسلامية بالمغرب’’ التي وصفها الراحل الحسن الثاني في خطاب له بأنها عناصر خمينية، وفي فبراير من نفس السنة اعتقل عنصرين من ‘‘حركة المجاهدين في المغرب’’ وبحوزتهما أعدادا من مجلة ‘‘السرايا’’ التي كان يصدرها عبد العزيز النعماني بفرنسا.

عندما كان المختطفون يقبعون داخل المعتقل السري بدرب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء، اندلعت إحتجاجات شعبية من جديد في يناير 1984 بكل من الدار البيضاء و الناضور ومراكش. و ينبغي التنبيه أن هذه الإحتجاجات كانت من بين الأسباب التي عجلت بتقديم أفراد مجموعة ال71 الموجودون في حالة اعتقال إلى غرفة الجنايات بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء.

لقد صار عدد المتهمين في قضية المجموعة 51 متهما حضوريا، قضى معظمهم ما يناهز ستة أشهر داخل المخفر السري بدرب مولاي الشريف، إضافة إلى 20 متهما غيابيا، ليكون مجموعهم هو 71 متهما، ومنه اقتبس إسم المجموعة.

عرض المعتقلون منهم على قاضي التحقيق ابتداء من 13 فبراير 1984 بتهمة الإعتداء بهدف دفع الناس لحمل السلاح ضد سلطة الملك، والمس بسلامة الدولة الداخلية ومقدساتها، والمؤامرة ضد النظام بهدف استبداله بنظام آخر، وعدم التبليغ بجناية المس بسلامة الدولة…

وبعد انتهاء أطوار كل من البحث التمهيدي والبحث التفصيلي انطلقت جلسات المحاكمة الماراطونية من 21 يونيو إلى 31 يوليوز 1984 حيث أصدرت استئنافية الدار البيضاء أحكامها حضوريا في حق المجموعة بإدانة 13 متهما بالإعدام منهم سبعة متهمين غيابيا، و 34 متهما بالمؤبد منهم ثلاثة عشر غيابيا، و 8 متهمين بعشرين سنة ، و9 متهمين بعشر سنوات، و7 متهمين بأربع سنوات سجنا نافذة، في قضية رقم 192/84، وقد رفض حق المتهمين في النقض بتاريخ 23 يوليوز من سنة 1985.

وعلى نفس الإيقاع التصعيدي حاولت منظمة “الشبيبة الإسلامية” مرة أخرى في سنة 1985 تسريب مجموعة من عناصرها تطلق على نفسها إسم ‘‘كتيبة بدر’’ إلى المغرب محمّلة بكمية من الأسلحة، غير أنها ضبطت على الحدود الشرقية، وقدّمت مع عناصر أخرى إلى المحاكمة ضمن ما سمي بمجموعة ال26 الإسلامية، التي حوكمت بالدار البيضاء ،وصدرت في حقها أحكاما بتاريخ 02 شتنبر من نفس السنة تراوحت ما بين الإعدام في حق خمسة من عناصر المجموعة ،وواحد بالمؤبد ،وتسعة حوكموا بعشرين سنة ،وواحد حوكم بخمسة عشر سنة ،بينما حوكم واحد من المجموعة بخمس سنوا سجنا نافذا.

وبالموازاة مع ذلك كانت ‘‘حركة المجاهدين بالمغرب’’ المنحدرة من منظمة الشبيبة الإسلامية والتابعة لعبد العزيز النعماني، تحاول تسجيل حضورها..، حيث ألقي القبض سنة 1985 على مجموعة من هذه الحركة بسبب توزيع مناشير بمدينة مراكش، وقدمت إلى المحاكمة التي أصدرت حكمها فيها بتاريخ 24 أكتوبر والذي قضى بإدانة أربعة أشخاص من المجموعة بالمؤبد ،وأربعة بثلاثين سنة، وإثنين أحدهما بخمسة وعشرين سنة، والآخر بعشرين سنة سجنا نافذا.

كما توبعت مجموعة أخرى من نفس التنظيم بنفس المدينة سنة 1986، وصدرت الإدانة بتاريخ 18 دجنبر 1986 في حق واحد بالمؤبد، وآخر بعشرين سنة، إثنان بعشر سنوات، وواحد بثماني سنوات، وثلاثة بخمس سنوات سجنا نافذا.

كانت سجون المغرب في هذه المرحلة تشهد توافدا لمجموعات من المعتقلين السياسيين يساريين وإسلاميين..خلدوا ملاحم في الدفاع عن حقوق المعتقل السياسي ومعتقل الرأي داخل السجون في وقت كانت فيه ﻻئحة الممنوعات تشمل حتى الجريدة والمجلة والمذياع وساعة اليد، والكتب وأحيانا اﻷوراق واﻷقلام..

لقد عشنا طيلة هذه المدة في نضال ومواجهات..وإضرابات لا محدودة عن الطعام خلفت شهداء من اليسار و تركت عاهات مستديمة في صفوف المعتقلين،..كما تعرض المعتقلون السياسيون لسلسلة من الإعتداءات المتواصلة من ترحيل وإبعاد تعسفي وهجوم انتقامي وحرمان من الحقوق.

ولا يمكن نسيان حركة العائلات خارج السجون والمتعاطفين مع قضية المعتقلين السياسيين بالمغرب، حيث كانت أمهات المعتقلين وزوجاتهم وأخواتهم يمثلن درعا لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم ولسانا لإيصال صوتهم إلى الرأي العام الوطني والدولي..

لقد كانت العائلات في الواقع هي من عانت أكثر وتكبدت المشاق، ورافقتنا دون تأفف في رحلة العقاب ما بين السجون، أما نحن المعتقلون فكنا نعيش قمة التحدي مقتنعين بأفكارنا اعتقادا منا أننا نخدم قضيتنا العادلة التي كنا على استعداد للموت في سبيلها..

وكما قال ألبير كامو أن الأزمات والقيود هي التي تصنع الإنسان وتظهر ما بداخله من روح المقاومة. فإن ما عرفه المغرب من قمع وإجهاز على الحقوق ومحاولة لإسكات صوت الكرامة أدى في الأخير وأمام الصمود المعتقلين السياسيين وعائلاتهم وكل المساندين لهم إلى تكسير النير، و بداية للعد التنازلي

الذي أدى إلى طي مرحلة من تاريخ المغرب السياسي سميت ب “سنوات الرصاص”.

وانسجاما مع قناعاتهم واصل المناضلون من داخل قلاعهم ومن خارجها فضح الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الجلاد.. وبقينا في عملية شد وجدب..حتى أعلن الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن عزمه إغلاق ملف المعتقلين السياسيين أثناء خطابه في 9 يوليوز 1994، وكلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المنشأ سنة 1990 بإعداد لائحة الأسماء.

وبالفعل حصل الإنفراج السياسي وصدر العفو الملكي الشامل الذي استفاد منه 424 من المعتقلين السياسيين والنقابيين، كما سمح بعودة المنفيين والمغتربين إضطراريا إلى أرض الوطن…

أما بالنسبة لمجموعة ال71 فقد استفادت بدورها من هذا العفو باستثناء المحكومين منها بالإعدام والذي حول إلى السجن المؤبد ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات، ما عدا عنصرين من أعضاء “فصيلة الجهاد” حاولا الفرار من السجن المركزي بالقنيطرة سنة 1987 وهي المحاولة التي أدت إلى مقتل أحد حراس السجن، ليمكثا رهن الإعتقال طيلة ما يناهز 25 سنة.

وهكذا لفضت السجون داخل المغرب ثلة من المعتقلين السياسيين السابقين بعدما قضوا سنوات من اﻹعتقال السياسي ارتكبت في حقهم انتهاكات جسيمة لحقوق اﻹنسان خلال هذه المرحلة التي أطلق عليها “سنوات الرصاص”.

و لم يتأخر المفرج عنهم من المعتقلين السياسيين في تأسيس “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة واﻹنصاف” إطارا جامعا لهم، سنوات قليلة بعد إطلاق سراحهم..بعدها بادرت الدولة إلى إنشاء “هيئة اﻹنصاف والمصالحة” سنة 2004 ، لتحل محل “هيئة التحكيم والتعويض المستقلة” التي أنشأتها من قبل…

نعم لقد أطلق سراحنا.. وغادرنا السجون سنة 1994 وتنفسنا الصعداء، وتوهمنا أن ساعة الحقيقة والمصالحة الوطنية والإنصاف قد حان دورها سعيا وراء طي صفحة الماضي.. لنكتشف، مع كامل الأسف، أن الإنصاف والمصالحة “سراب..، يحسبه الظمئان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..”، حيث لم تضع كل التدابير المتخذة حدا لاستمرار الممارسات المرفوضة التي كانت مدعاة لمعارضتنا..وصار الحال منحصرا فقط في مسألة جبر الضرر المادي لضحايا الإنتهاكات الجسيمة، بغض النظر عن مطالب التغيير وتمتيع المغاربة بكافة حقوقهم السياسية وحقوقهم الإقتصادية والإجتماعية..بينما استمرت فلول الحرس القديم في انتهاكاتها السابقة..

فبعد استراحة قصيرة عرف المغرب أحداثا إرهابية كانت لها تداعيات أعادتنا إلى المربع الأول، و واصل سيزيف معاناته الأزلية، كما عادت حليمة إلى عادتها القديمة..

لقد كان من قدري الإشتغال في “هيئة الإنصاف

والمصالحة” التي أصدرت توصيات مهمة من قبيل “ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”..لكن ما وقع فيما بعد كان صادما وامتحانا لتوصيات الهيئة..فبدعوى محاربة الإرهاب تم الإلتفاف على كل المكتسبات..، وقد خلفت لنا هذه الإنتهاكات الجديدة جيلا جديدا من ضحايا الإنتهاكات الجسيمة في صفوف ما يسمى بالتيار السلفي. كما أعقبتها موجة من الإعتقالات مع انطلاق الحراك الشعبي في فبراير 2011 وما صاحب ذلك من إجهاز على حرية التعبير والرأي والصحافة، وتراجع في مؤشرات التنمية البشرية، يضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة البطالة وغياب ضمانات العيش الكريم…بل و ازدادت الوضعية قتامة بعد جائحة كورونا إذ تم الهجوم على ما تبقى من الحق في التظاهر السلمي من وقفات واحتجاجات، وتغولت مافيا الفساد..وضاق المغرب بما رحب على أبنائه..

لقد عشنا هذه المرحلة من سنوات الرصاص إلى سنة 1999، مليئة بالصراع وتشنج العلاقة ما بين الحاكمين والشعب، فكانت الإعتقالات ومحاولات الإنقلاب العسكري والثورات والانتفاضات الشعبية التي ووجهت بالنار والحديد، وكنا شاهدين على انتفاضة 20 يونيو 1981م والتي كانت منطلقا لحراكنا، حيث وقفنا على قسوة التدخل العسكري وعبثية قنص المواطنين العزل في الدار البيضاء الذين لم يكونون يحتجون سوى ضد الزيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، بل أن بعضهم لم يكن مشاركا في تلك المسيرات..

عشنا في مرحلة كانت فيها الشعوب مشبعة بقيم الحرية والكرامة والعدالة، مع الإستعداد للتضحية في سبيل تحقيق ذلك، كما كانت القوى الشعبية لا تتاخر في مواجهة الإستبداد والفساد.. بثورات تنطلق من قاعدة “نكون أو لا نكون”.

لقد نشأ جيلنا في فترة انتقالية ما بين الإستعمار والإستقلال، وكثير من والدينا وأقربائنا انخرطوا في صفوف المقاومة أو جيش التحرير، وقدم الشعب المغربي شهداء لتحرير الوطن من ربقة الإستعمار، وكان كله أمل في أن يعيش في أكناف الحرية والكرامة في ظل الاستقلال، لكن خابت آماله، واستمر الإستعمار الجديد في استغلال المغرب واستحمار المغاربة، و قد ناب عنه أبناء من جلدتنا..

إن نظاما سياسيا مسؤول عن حماية أبناءه و تمتيعهم بحقوقهم التي تكفل لهم الحرية والعيش الكريم، يقوم بتعريضهم للتجويع والقتل والسجن لهو أشبه بعصابة أو مافيا من أكابر المجرمين المقنعين، وأقل ما يمكن القيام به حفاظا على الكرامة والحرية وحماية الإنسان فينا يتمثل في رفض سياسات هذا النظام وفضحها ومناهضتها..لذلك عندما دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ربه قال “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي فرفق بهم فارفق به” كما أكد على أنه “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”.

وهكذا فبدافع المناهضة واستجابة لواجب التغيير قمنا بما قمنا به..

هذه المرحلة المفصلية علمتنا معنى الوطن والحرية، وربتنا على قيم المقاومة والإباء، ولقنتنا أن”الجهاد ماض إلى يوم القيامة” وأن ” من رأى منكم منكرا فليغيره..”.

فهل يا ترى، كان متوقعا منا أمام مكر المسؤولين تمرير سياسة التجويع التي كانت تمتح من قاموس “جوع كلبك يتبعك”؟ ألم ينتبه هؤلاء المسؤولين إلى قول أبي ذر الغفاري رضي الله عنه “عجبت لمن لم يجد قوت يومه، ولم يخرج شاهرا سيفه”؟، مع العلم أن جوعى المغرب البسطاء لم يخطر ببالهم الخروج بالسيف، بل كانوا فقط يريدون التعبير عن رفضهم لسياسة التجويع الظالمة..فإذا بهم يتعرضون لما تعرضوا له..

وهل كان مطلوبا منا ابتلاع ألسنتنا، والسكوت على الظلم والإعتداء الذي أصاب أبناء وطننا العزل؟ وهم يقنصون من فوق السطوح كالطرائد..

هل كان ينبغي لنا نسيان الشهداء ومسامحة الجلاد، وتجاهل المقابر الجماعية وغض الطرف عن قتل “المستضعفين من الرجال والنساء والولدان” الأبرياء.. كأن شيئا لم يقع؟..

أتأمل الزمن الذي مر سريعا، خطونا الخطوات الأولى في درب النضال ونحن شباب يافعون، كلنا حماس ورغبة في التغيير، وقد رسمنا معا لوحة وردية لمغرب المستقبل، رسمناها بآلامنا وصمودنا، واليوم أرى مغربا لا زال يعاني من انتهاكات جديدة ويئن تحت وطأة الفساد والإستبداد، وتهديد القوت اليومي للمغاربة..ف”ما أشبه اليوم بالبارحة”.

لقد صرنا أمام طينة من بني جلدتنا باعت الوطن في حفلة تطبيع بدعوى التنمية، واغتنت على حساب المستضعفين، واستحوذت على المناصب والمكاسب وسرقت منا الوطن. بل صار وضعنا سرياليا كالأيتام في مأدبة لئام لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة، يراكمون ثرواتهم بتجويعنا وتفقيرنا ونهب ثرواتنا و التضييق علينا، ولا يخجلون من الجمع، في شراهة غير مسبوقة، ما بين “التجارة والإمارة”، وقد تمادوا في ظلمهم وسلطوا علينا قهرهم الجبائي حتى أصبحت حالتنا أقرب من ما ذكره الشيخ اليوسي في رسالته إلى المولى اسماعيل يشكو إليه جباة مملكته الذين “جرّوا ذيول الظُّلم على الرّعية. فَأَكَلُوا اللَّحْم وَشَرِبُوا الدَّم وامتشوا الْعظم وامتصوا المخ. وَلم يتْركُوا للنَّاس دينا وَلَا دنيا..”.

فما هي الحصيلة يا ترى؟ وماذا حصدنا غير الشوك؟، بينما بقيت الحقيقة غائبة والمصالحة ضائعة واﻹنصاف مفقود..ولم ندفن الماضي..

هذه السنوات العجاف التي مرت منذ إطلاق سراحنا من السجن الصغير، والزج بنا في هذا السجن الكبير، فقدنا فيها الكثير من آباءنا وأمهاتنا، ورحل عنا كوكبة من المناضلين من إخواننا ورفاقنا الذين قاسمونا المعاناة والحلم المشترك، رحلوا وفي صدورهم غصة وأسئلة حارقة..

نعم ما يزال الجرح نازفا والحصيلة هزيلة، فماذا تغير في مغرب الحريات والكرامة اليوم؟ وما آثار سنوات الرصاص، من نضال وتدافع، لتحسين واقع المغاربة الذين ضحينا من أجلهم ؟..أين هي ضمانات عدم التكرار من واقع الممارسات؟

أم أن المسألة لم تكن سوى مناورة سياسية، من أجل امتصاص الإحتقان؟..فتحولت معها أحلامنا إلى كوابيس، بينما أصرت دار لقمان أن تبقى على حالها..

لقد فقدنا الثقة في الأحزاب والنقابات وفي المسؤولين.. إلا من رحم الله، واستيقظنا من وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وأدركنا أن التفاهة والضحالة اخترقت كل مجال جاد و واعد ، وفهمنا متأخرين بأن “السياسيون كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول”، على حد قول جورج أورويل.

نعم.. يمكن وأد أحلامنا، كما يمكن لكل نضالاتنا وتضحياتنا أن تعجز عن تغيير الواقع..لكننا موقنون أن الإنسان الذي يسكننا قادر على فضح الظلم ومناهضة التعسف والإستبداد، يشهر الممانعة حتى لا يبتعلنا هذا الواقع المرير ويحولنا إلى أدوات لتبرير نزواته، لقد رفضنا أن يغيرنا الواقع بدل تغييره، حينما اختلت موازين القوة، وآثرنا أن نكون مثل الأشجار التي تموت وهي واقفة، ولم نعدم المحاولة للقيام بواجب الشهادة على صراع الحق والباطل. وما يزال الكثير من ابناء ذلك الجيل يؤدون فاتورة رفض الإنحناء للعاصفة، يعانون من القهر والظلم ومن قسوة الحرمان في هذا السجن الكبير.

لكل ذلك صار الرهان عندنا ونحن في خريف العمر أن نستمر في فضح الظلم ورفض كل محاولات المسخ والإبتلاع، داعين الله تعالى أن يلحقنا بإخواننا الذين سبقونا إلى دار البقاء، لا فاتنين ولا مفتونين، ثابتين على الحق غير مبدلين أو مغيرين..

ف”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصَلُحَ عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

رب “تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ”.

محمد حقيقي : معتقل سياسي سابق مجموعة ال71

المحمدية بتاريخ 29 يوليوز2025

القضاء يتابع المعتقل حسن إشعاع في قضيتين و الأخير مضرب عن الطعام و زوجته تناشد التدخل

بسم الله الرحمن الرحيم

و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين و على آله الطيبين الطاهرين و على صحبه أجمعين

أنا زوجة المعتقل حسن إشعاع المعتقل بالسجن المحلي بسلا 2 تحت رقم اعتقال 3302 ابتداء أتقدم بجزيل الشكر لجميع المسؤولين عن اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين نظير المجهودات التي تبذلونها لمساندة المعتقلين الإسلاميين.

وبعد زوجي اعتقل على خلفية قضية لا علاقة لها بما يطلق عليه ” الإرهاب” و حكم بسنة قضاها و أتمها خلف القضبان إلا أننا فوجئنا بمتابعته وهو رهن الاعتقال على ذمة القضية الأولى بقضية ثانية على خلفية قانون مكافحة الإرهاب بدون أي جريرة أو ذنب! مع أنه ليس له أي تحركات في الإطار الجديد الذي توبع على خلفيته، فزوجي رجل مستقيم أحسبه كذلك و الله حسيبه غالب اهتمامه منصب على تحصيل القوت اليومي لإعالتي و عياله.

يوم 20-10-2022 عند زيارتي لزوجي بالسجن المذكور ذهلت لرؤيته في حالة صحية نفسية وجسمية صعبة و متدهورة نتيجة دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام منذ حوالي الشهر بسبب الحكم عليه على خلفية قانون مكافحة الإرهاب ب 3 سنوات ظلما أضيفت للسنة التي حكم عليها في الملف الأول الذي اعتقل أساسا لأجله، و كذا الزج به في زنزانة العقاب الإنفرادية طيلة 24 ساعة منذ مدة طويلة جدا دون تمتيعه بحق الفسحة القانوني، ناهيك عن أن الزيارة مسموح بها فقط مرة كل 15 يوما لدقائق معدودة، هذا مع حرمانه من التوصل بملابس له لا بشكل مباشر و لا عبر الإرساليات البريدية من طرف الأسرة، مما خلف لي أزمة نفسية بسبب ما يحدث لزوجي دفعت بي للمتابعة الصحية لدى دكتورة طب نفسي و كذا تدهورت حالة والده الصحية حتى أصبح طريح الفراش

و يذكر أني خلال آخر زيارة وجدت يدا زوجي عليهما آثار الأصفاد و زرقاء اللون لا أدري لم يكبل بها علما أنه داخل السجن و لم يخرج منه لا إلى المحكمة و لا لغيرها منذ شهر غشت 2022.

و عليه أناشد السلطات المغربية التدخل عاجلا لإنقاذ حياة زوجي من هلاك محقق إذا ما استمر في إضرابه عن الطعام و إعادة النظر في ملفه الثاني الذي حكم على خلفيته ب 3 سنوات و تمتيعه بحقوقه الآدمية و إخضاعه للرعاية الصحية إلى حين إطلاق سراحه، كما أهيب بجميع الجمعيات و المنظمات الحقوقية و المؤسسات الإعلامية النزيهة مؤازرة زوجي لإيصال صوته و مظلمته.

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

زوجة المعتقل الإسلامي

حسن إشعاع

23-10-2022

المصدر موقع اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الاسلاميين

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون الوجه والواجهة هموم وقضايا-2

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الحلقة الثانية

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

إلى الحوار……….

  برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب ؟؟؟؟

هذه ملاحظة مهمة، ولكن قبل الإجابة، دعني اختلف معك، في هذا الطرح. الانظمة الاستبدادية المتسلطة، لا تنظر بمعيار إسلامي وعلماني، الى معارضي سلطتها القمعية، حسب اعتقادي. السلطة تنظر الى جميع المثقفين من سياسيين، وقادة احزاب وأصحاب رأي، وإعلاميين، يساريين، قوميين او إسلاميين، كأعداء رئيسيين لها، بدون اي نقاش او تفضيل. المعيار الأساسي لديها: ان تكون معنا، او ضدّنا. لذلك، فالجميع هم في السجن، او خارج السجن، غير مرغوب فيهم لدى الأنظمة، يحاربون، ويلاحقون ويعتقلون ويُقتلون.

مرّت فترات تاريخية معروفة، مثلاً في مصر او سوريا، او بلدان المغرب العربي، كانت تشنّ فيها الأنظمة حملات اعتقال ضد تيار معين، ثم تاتي فترة لاحقة تطال تياراً آخر. وبالفعل، مرّة العلمانيين هم الضحايا، ومرّة الإسلاميينن وهكذا. ويقضي جميع اولئك احكاماً او فترات طويلة في السجن، والمعيار الوحيد للسلطة في ذلك هو الانتقام والمعاقبة، وليس لكونه إسلامياً او علمانياً.

فيما يتصل بجوهر السؤال، فأنت محقٌ تماماً في رأيك. نعم، نجد أن غالبية ادب السجون قد انتجه كتّاب غير إسلاميين. هذه مسألة مهمة ينبغي في الحقيقة دراستها، بشكل علمي. وان نطرح السؤال على الكتّاب الاسلاميين ممن تعرضوا الى تجربة السجن: لماذا ؟ وهل يحول الالتزام الديني- مثلاً – دون الإبداع الادبي، أو انهم يجدون الانشغال بالأدب، قد يُضعف التزامهم الديني ؟

هنا، يجب الإشارة الى أن ادب السجون بصورة عامة، ليس مبنياً على انتماء كاتبه الاجتماعي والسياسي، وانه فوق مثل هذا التصنيف، مع ان كثير من أدب السجون، يشير الى الاسلاميين، والعلمانيين بوضوح تام، كضحايا للأنظمة القمعية.

7

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

لكل كاتب أتجاه إبداعي رئيس، خاصة في البدايات التي يذهب إليها، وينطلق منها، كجنس ادبي. هذا امر طبيعي جدا. ومن الطبيعي ايضاً – مع تطور التجربة الإبداعية – أن يُجرب الكتابة، او ان ينتقل للكتابة في جنس ادبي آخر، او ان يجمع بينها. الإبداع عالم مفتوح على التجارب، على التطور، وعلى توليد الأفكار والنصوص، دون أي قوانين، أو اشتراطات تضع له حدوداً او قيوداً وإلا فإن جوهر الإبداع سوف يكون معطلاً او معاقاً. للكاتب حريته التامة في اختيار الشكل الأدبي كوسيلة تعبير، بالصورة التي يراها ملائمة له.

عدم الاحترافية، لن يؤثر على المشهد الإبداعي سلباً. والنص الإبداعي الجيّد هو ما يفرض نفسه. ثمة كتّاب نجحوا في الشعر، وهم روائيون.. والعكس. لقد بدأتُ بالشعر، وأصدرت كتابين شعريين، وما تزال لدي عشرات النصوص الغير منشورة. وما كنتُ يوماً اتصور أن اكتب الرواية. لكن تجربة السجن، هي التي دفعتني بقوة لأكتب روايتي ” سراب بري ” لأنني شعرتُ بأن الشعر، لا يمكنه أن يعبر عما أردت قوله والتعبير عنه، مما عشته في الاعتقال والسجن.

8

من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟

لا أستطيع، أن أطلق رأياً معيارياً أصف فيه، بصورة قطعية من هو الأديب الحق، من عدمه. هناك ادب جاد وملتزم، إذا كان لي أن أقول ذلك. ليست هناك مواصفات جاهزة، هناك معايير أدبية ذات طابع علمي. انما هناك، أدباء ملتزمون بقضايا مجتمعاتهم، واكثر قرباً من الناس، وفي التعبير عنهم، عن مشكلاتهم، وعن عوالمهم. من يكتبون أدب السجون، هم من أولئك الذين تشكل مسائل الحريات والحقوق والمعتقلين، قضايا جوهرية بالنسبة لهم.

اما الناقد، فهو الذي يعتمد الطرائق العلمية، في نتاجه النقدي، في دراسته للنصوص الإبداعية ، ونحن نتحدث عن الأدب، وأدب السجون بصورة خاصة. الناقد الموضوعي، هو الذي لا يُخضع جهده النقدي، والنصّ الذي يتناوله، لمعيار مزاجه الشخصي، أو المزاج العام.

9

ما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات،  الحالة السورية نموذجا؟؟

ثمة سياقين هنا: أمر جيد، أن نقول بأن مستقبل أدب السجون – إذا جاز لنا استخدام تعبير “مستقبل” – هو مبشر جدا، فنحن نشهد مزيداً من النتاج الإبداعي، في الرواية والشعر تحديداً. وقد كان للربيع العربي ولا يزال، دوراً كبيراً، فاعلاً ومؤثراً، في الإبداع الأدبي، ومحركاً على الكتابة في ادب السجون. وقد شهدنا بالفعل، ظهور كتّاب جدد في عالم الرواية العربية، ومنهم  من بات يُعرف اليوم بروايته الأولى في أدب السجون.

السياق الثاني، انه من المؤسف حقاً، ان المنطقة العربية، تشهد استمرار الأنظمة المستبدة، على الرغم من انهيار بعضها، بتأثير ثورات الربيع العربي. غير ان قمع هذه الثورات، والذي يأتي في سياق الردة عنها، او في ظل سياسات إجهاضها، من قبل قوى إقليمية ودولية، سوف يجعل المنطقة مرشحة لتشهد مزيداً من القمع ، وانتهاكات متواصلة للحقوق والحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات  المدنية، والأحزاب السياسية.

المنطقة مرشحة لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يترافق مع استخدام العنف المفرط من قبل الأنظمة بصورة خاصة، وكذلك التنظيمات المسلحة،  أيّاً كان اتجاهها السياسي، قومياً ام دينياً. أي أننا نشهد اليوم، وغداً استمرار الملاحقة والاعتقال، والقمع. خاصة وان الأنظمة الإستبدادية، لم تجد في المجتمع الدولين وفي القانون الدولي، من يفرض عليها، وقف انتهاك الحريات والحقوق، وإلزامها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعرفة المصير المجهول لعشرات الآلاف منهم. سوريا مثال واضح وقريب جدا.

10

ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية  من خلال تجربة ادب السجون في سوريا، وهل استطاع أن يُظهر مظلومية الأسرى، كما فعل أدب السجون الفلسطيني، حيال القهر الصهيوني ؟

يلعب الأدب –  عامة – دوراً مهماً ، في تكوين الأفكار، وفي تشكيل وجهات النظر، أو في لفت انتباه الرأي العام الى قضية ما. هو دور قد لايظهر تأثيره إلا مع مرور الوقت، ببطئ شديد، غير منظور. غير أن أعمالاً أدبية، في أدب السجون، قد تُحدث تأثيراً مختلفاً ومغايراً للسائد. هذا ما لمستُه وخبرتُه خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، إذ ساهمت بعض الروايات التي تنتمي الى ادب السجون، مثل رواية خليفة مصطفى ” القوقعة “،  في تقديم الوجه القمعي الحقيقي لنظام الاستبداد الأسدي، من خلال رواية قصص التعذيب والقمع والقتل داخل السجون والمعتقلات. وأدى ذلك الى تغيير جذري في مواقف البعض مما يجري في سوريا، لجهة كشف الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين لأسباب كثيرة.

نعم، إن أدب السجون، يقوم بدور مهم، في فضح الانتهاكات الجسيمة، لأنظمة الاستبداد أينما كانت، وخاصة في سوريا. من خلال تناول ما لايعرفه الناس عامةً عما يحدث خلف الأسوار وفي الزنازين المظلمة: اي حياة القهر والتعذيب والحرمان التي يعيشها المعتقل، أو السجين.

ماصدر خلال السنوات العشر الأخيرة من كتب في ادب السجون السوري، يعدّ شهادة مهمة حول الانتهاكات المنظمة التي يقوم بها النظام الأسدي، لدينا كتاب بسام يوسف” حجر الذاكرة”، ورواية راتب شعبو “ماذا وراء هذه الجدران” وكتاب ياسين الحاج صالح ” بالخلاص ياشباب”، وكتاب محمد برمو ” ناجٍ من المقصلة”، ورواية معبد الحسون ” قبل حلول الظلام”. وجميعها، على درجة كبيرة من الأهمية، من حيث توثيق جرائم النظام، وفي فضح جرائمه، التي تعدّ وفق القانون الدولي: جرائم ضد الإنسانية. وهي – إضافة لذلك، ذات قيمة أدبية عالية، كنصوص إبداعية متميزة، حتى في تلك المؤلفات التي تأخذ سياقاً سياسياً في الكتابة. ونلاحظ هنا، أن جميع أولئك الكتّاب، هم سجناء سياسيون سابقون، وهذا ايضاً مؤشر مهم. واسمح لي هنا، ان اضيف إلى تلك الأعمال، روايتي ” سراب بري “

11

بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

كان الشعر،  كما أشرت في سؤالك، هو الذي يتصدر المشهد الأدبي، حقيقة. سواء كان على صعيد الادب العربي، أم الإسلامي. إلا أن الصورة اليوم، قد تغيرت كثيرا، وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة أكثر، خلال عشرية الربيع العربي، حيث بدأت الرواية تتصدر المشهد، وكتب السيرة، الأقرب الى النص السردي الروائي، ومن ثم شهدنا تطوراً ملحوظاً في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية والسياسية. وانخفض بصورة ملحوظة، صدور اعمال شعرية. ولكن – أيضاً – ثمة مؤشر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الى استعادة الشعر بعض عافيته، بإقبال بعض دور النشر، على نشر الشعر، وبصدور أعمال جديدة، مميزة.

12

 هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية

دون تردد، لا. مايزال لدي الكثير مما يجب أن أقوله وأكتبه، خاصة في أدب السجون. أنا مقلّ بطبيعتي، ومقصّرٌ أيضاً ، ومتمهلٌ في النشر. وآمل أن أحقق بعض ذلك، إذا كان في العمر بقيّة.

ممتن وشاكر لكم إتاحة هذه الفرصة الثمينة، للحديث عن ادب السجون.

 

اغتيال إرث عبد الرحمن منيف

بيروت
نوال العلي

“هل عبد الرحمن منيف لا أحد؟”، تطرح زوجته سعاد قوادري، على حسابها في “فيسبوك”، هذا السؤال المؤلم، مستنكرة “لكونه لا يحمل جنسية أي بلد، هل هو لا أحد؟”. نفهم من قراءة ثلاثة إعلانات صادمة كتبتها قوادري أن تساؤلها يأتي إثر تعرّض مكتبة صاحب “مدن الملح” للسرقة والتشويه والإتلاف بصور مختلفة.

وهي تقف الآن وقد أُسقط في يدها لتعرف إن كان منيف (1933 – 2004)، الذي عاش غريب بلادٍ، فيما صارت كتبه موطناً للقرّاء، سيجد من يدافع عن مكتبته الـ”غنية بكتبها القديمة والتي تتجاوز الخمسة عشر ألف كتاب، بينها الموسوعات والقواميس والحوليّات والدوريات… والتي تعود لبداية القرن، بما تضم من تراث عربي أصيل وكتب عن حضارة المنطقة، وكتب تعتبر بحد ذاتها وثائق نادرة، والطبعات الأولى لكتب لم يُعَد طبعها”، وفق وصفها.

تتّهم قوادري، بشكل صريح، أمين سر الاتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، حمزة برقاوي، وابنه سامي، بـ”تدمير وإتلاف وتشويه” المكتبة. وروت في التفاصيل، مبادرتها باستضافة الابن سامي برقاوي إثر تعرّض بيته في منطقة حرستا في ريف دمشق للقصف، كنوع من تقديم المأوى والمساعدة.

“حاولت استرجاع المنهوبات بوساطات قبل نشر القضية”

تقول قوادري: “ارتكبت الخطأ الكبير الذي سيؤلمني ما حييت، العمل الذي تسبب في ضياع ونهب تراث عبد الرحمن منيف ومكتبته، الخطأ المريع الذي لن يمحى من ذاكرتي وكياني. إنني بدافع إنساني استضفت في هذا البيت ابن العائلة التي كنت أظن أنه يستحق المساعدة عندما تعرض بيته للإصابة في المواجهات […] أقام سامي حمزة برقاوي مع زوجته رندة عبد الكريم، في حين أساء الأمانة […] اشتركت عائلة حمزة برقاوي وزوجته ماجدة شاكر بالسطو على المكتبة وكامل تراث الروائي عبد الرحمن منيف”.

وفي اتصال مع “العربي الجديد”، تروي قوادري التفاصيل: “كنت أستعد للسفر لزيارة أبنائي في أميركا ودبي، حين تعرّض منزل سامي للقصف، وهم أصدقاء لنا، فقلت لا بأس أن يجلسوا في البيت لحين عودتي، من دون أي مقابل بالطبع”.

وتبيّن أنها كانت قد وضعت المخطوطات المهمة والثمينة في خزنة، لكن برقاوي طلب منها المفاتيح قبل أن تغادر بحجّة أن الأمن قد يمرّ في ظل الظروف التي تعيشها البلاد، أو قد يتعرض المكان لأي شيء ومن الأفضل أن تظل المفاتيح معه، وهنا تبكّت نفسها معتبرة أن الأمر كان ضرباً من الغباء منها.

وتخبر قوادري “العربي الجديد”: “عدت بعد قرابة تسعة أشهر. كان كل شيء مهملاً، واعتقدت أن حالة المكتبة التي يرثى لها نتيجة الإهمال فقط. كنت ممتعضة جداً، ولأن الوقت كان شتاءً لم أقم بترتيبها. البيت كبير ومرّ وقت قبل أن أبدأ بترتيبها واكتشاف ما حدث”.

وفي تفاصيل إعلانها على “فيسبوك”، تستهجن كيف استطاع برقاوي تصوير محتويات المكتبة الضخمة. وعن ذلك، تقول لـ”العربي الجديد”: “لقد عرفت أن هذا الأمر مكلف جداً، لذلك لا أعتقد أنه جهد أفراد”، مضيفة: “لقد تأكدت أن البرقاوي من قام بذلك، لأن اسمه كان مكتوباً على من أرسل له الكتب لإعادة التغليف بعد إتلافها، وقد نسي أن يزيل اسمه. كما أنني كنت أضع في بداية كل يوميات عدد صفحاتها، وقد وجدت أن كثيراً من الدفاتر التي كانت في خمسين صفحة أصبحت ثلاثين، وأنا قلقة الآن لأنه اجتزأ من يوميات منيف مخافة أن يقوم بالتشويه فيها بالزيادة عليها مثلاً”.

 

ليس هذا فقط، بل إنه “انتهك الحقوق الفكرية لكتبه ورواياته الخاصة، فصوّر وتصرف كما يحلو له للمتاجرة. يخلع الغلاف غير مبالٍ بما يتعرض له، ويفتح ملازم ويصوّر ثم يعيد لمّه بطريقة بدائية”، مضيفةً أنه قام بـ”وضع صور مشوهة مكان النسخ الأصلية لبعض الكتب وأخذ الأصل. فتركت مكتبة عبد الرحمن حزينة قذرة ومشوّهة”.

أما الرسائل بين منيف وأصدقائه والتي كانت قوادري قد فرزتها وأعدتها للنشر، فقد سرقت هي الأخرى، إضافة إلى يومياته الخاصة التي كانت نشرت بعضاً منها وكانت ستنشر ما تبقى على التوالي، وكذلك “سرقت أوراقه الخاصة وكل المدونات، وتخطيطات ورسوم عائدة له ولبعض رسامين كبار رسموا على دفاتره أحياناً. والمريع سرقة مخطوطات لم تنشر بعد”. وبدايات لروايات، كما أضافت لنا، لم يكملها منيف.

لكن لماذا انتظرت قوادري كل هذه الشهور حتى تعلن ما حدث؟ تجيب بأنها أرسلت وساطات من المثقفين والأصدقاء بهدف تسوية الأمر، ولكن برقاوي الابن أنكر وزعم أنها اخترعت الأمر كلّه، ثم قيل لها “إن الأمر لا يستأهل كل هذا”. وعن اللجوء إلى القضاء، تبيّن “لقد تحدثت إلى محام فعلاً وقال لي إن سرقة مكتبة والشأن الثقافي برمته في ظل ظروف الحرب الآن هو أمر مهمّش، ولا يعتقد أن اللجوء إلى القضاء سيكون مجدياً”.

“العربي الجديد” اتصلت بسامي برقاوي الذي قال “ليس لدينا ما نقوله سوى أن ما ورد في بيان القوادري محض افتراء وأكاذيب وعار من الصحة”. وأضاف “لقد أقمت في منزلها تسعة شهور بطلب منها بحكم العلاقة التي تربط العائلتين والتي تمتد ﻷكثر من 50 عاماً والتي فسرت موقفها لاحقاً بأنه بدافع من الشفقة”.

ولدى السؤال عن تفسيره لهذا “الافتراء” إذا كانت تربط العائلتين صداقة عميقة إلى هذا الحد، أجاب برقاوي: “لا ندري من هي الجهة التي دفعتها لذلك” مستنكراً: “هل يعقل بأن سرقة كبيرة بهذا الحجم تكتشف بعد سنة كاملة (غادر برقاوي المنزل في 4/3/2014)، سنة كاملة كفيلة بأن تلفق ما تريد. هي تتكلم عن سرقة وإتلاف ما يزيد عن 15000 كتاب، من يتعرض لسرقة من هذا النوع لا يمكنه الانتظار يوماً واحداً، سيتصرف بسرعة باللجوء إلى القضاء. ما لجأت إليه منذ البداية هو الرغبة في التشهير واﻹساءة؛ بدأت بي وانتهت بوالدي وعائلتي. نحن كعائلة لا ندري السبب الحقيقي، التفسير الوحيد أنها تود بناء مجد لها من خلال اسم زوجها على حساب سمعة اﻷخرين”.

المصدر:العربي الجديد

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

  ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الجزء الأول

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

أدب السجون الوجه والواجهة

ملخص حول رواية” سراب بري “

تتناول الرواية حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد ، في جزءين و38 فصلا .
كما تتناول بعض لمحات من أحداث الربيع العربي، الذي مزّق سطوة الطغاة، رغم فداحة الخراب وعظمة التضحيات..
تدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال . دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة ، والمجتمع الذي تتناوله .
عامر عبدالله ، كاتب وصحافي ، يتم اعتقاله من الشارع ، وسط النهار، لأسباب سياسية ، ليتعرض بعدها لشتى أنواع التعذيب والقهر ، على يد المحققين ، ثم يخضع لمحاكمة صورية غير عادلة ، ليجد نفسه وسط المجرمين الجنائيين كعقوبة مضاعفة ، يقضيها في عذابات الحرمان من الحرية والأسرة والعدالة ..وغيرها . إضافة إلى أساليب القهر المادية والمعنوية ، التي يستخدمها السجان ، مثل الانتهاكات البشعة لآدمية السجين ، وحالات القهر والاغتصاب والجنون ، التي يتعرضون لها في المعتقلات والسجون .
يظل عامر عبدالله الشخصية المحورية ، وفي كل فصل ثمة شخصيات يضيفها إلى الحدث الروائي ، لتسرد صورة من الحياة المرّة والمهينة التي يعيشها السجين ، في ظل القهر والاستبداد من جهة ، والجهل والمرض والرذيلة من جهة ثانية .
يرى المؤلف هذا العمل ، شهادة حية على تجربة عاشها خلف القضبان ، كتبها داخل الأسوار ، ونجح في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية خاصة سوريا وليبيا..

   إلى الحوار……….

1
ماذا يمثل أدب السجون لكم؟؟
ثمة مسألتان في هذا السياق، أجد من المهم الإشارة إليهما في معرض إبداء رأيي، أو وجهة نظري حيال أدب السجون، وما يمكن ان يمثله بالنسبة إليّ، أو بمعنى آخر، كيف أنظر إليه.
من الناحية الإبداعية، فإن أدب السجون هو واحد من اشكال التعبير ، ويمكن ان يكون منتميا إلى احد الأجناس الادبية السائدة، من رواية، او نص شعري، نثر، او مذكرات، وغير ذلك، وقد يكون مزيجاً بين جنسين أدبيين أو أكثر، تبعاً لأسلوب الكاتب، وضرورات الكتابة احيانا. وبالتالي، فإن النظرة إليه، تأخذ جانباً نقدياً ومعرفيا متصلاً بالقيمة الأدبية والجمالية للنص الأدبي، أياً كان جنسه، وأسلوبه، وصيغته، وموضوعه. متخيّلاً كان أم واقعياً.
يحيلنا ذلك، الى المسألة الثانية، والمتصلة بمحتوى الكتابة وجوهرها. فأدب السجون يعدّ اليوم – في العالم العربي – من الموضوعات الرئيسة التي ينشغل بها عدد من الكتّاب المهتمين ، او الذين لديهم إبداعات في هذا المجال الأدبي، وهم قلّة، غير ان لكتاباتهم تأثيراً مهماً في الحياة الثقافية العربية. ويغطي هذا الاتجاه الأدبي، او يهتم بجانب مهم القضايا الجوهرية المتصلة بالنضال السياسي والاجتماعي من أجل الحريات والحقوق، في مجتمعاتنا العربية، التي تعاني من سطوة الإستبداد، والحرمان من الحريات، ومصادرة الحقوق.
يكشف أدب السجون عن المعاناة الإنسانية الكبيرة، التي يتعرض لها المعتقلون، عبر ممارسات السلطة الوحشية، في القمع، ونشر الخوف والرعب في المجتمع، كما يكشف عن تجارب حيّة او حقيقية، عاشها الكاتب، أو عاشها أبطال عمله الأدبي، كالرواية مثلا.
ما ينبغي الإشارة إليه، إلى أن ادب السجون، هو تجربة إبداعية، فيها من الواقع، ومن الصدق في استعادة التجربة وتصوّرها، وانعكاس الألم، ونقل لحقيقة الأحداث، ما يتفوق على أي متخيل، يمكن للمرء ان يتصوره، لشدّة اتصاله بنقل وقائع الألم الى حيز التعبير الأدبي، وهذه مسألة ينبغى الإلتفات إليها، في دراسة أدب السجون، ومقاربته نقدياً.


2


كروائي ابدع في الكتابة عن ادب السجون ماذا اردت ان تقدم من خلال روايتكم الموسومة سراب بري كأديب ومعتقل سياسي سابق؟؟؟
بلا شك، أردت أن أقدم تجربتي في الإعتقال والسجن، كمساهمة مني ككاتب وصحافي عاش تلك التجربة المرّة، وتأسيساً على اهمية دور الكاتب في أن يكشف الممارسات السلطوية الممنهجة في قمع المجتمعات، وفي قهرها، وفي محاولة إذلالها، بسبب التعبير عن رأي ثقافي او فكري، او بسبب موقفٍ أو انتماء سياسي، هو حقٌ أصيل لكل فرد في المجتمع. ساهمت كثير من الأعمال الأدبية روائية ام سيرية، ام شعرية، في رصد أوجه الألم والمعاناة التي يعيشها المعتقل، وأسرته، ومجتمعه المحلي الصغير. وهو ما يُعدّ مهمة امام الكاتب في الانحياز للناس، والتزامه بقضية الحريات، وفي تعرية الأنظمة القمعية وأدوات استبدادها.


من هنا، فإن روايتي ” سراب بري ” والتي كتبتُ فيها جزءاً يسيراً من تجربتي، وهي تتناول حياة السجن ، بكل ما فيها من مكابدات ومعاناة . وتركز على أربعة مسائل أساسية هي : ” التعذيب – القهر – الحرمان – انتهاك حقوق الإنسان وحرياته ” . وذلك عبر تقسيم النص الى زمنين : من الاعتقال الى الحكم ، والثاني فترة السجن المؤبد. وتدور أحداث الرواية ، في مكان محدد هو السجن، وإن تعددت أماكن الإعتقال، دون أن تغفل التداعيات المتصلة بالحياة العامة، والمجتمع الذي تتناوله .


هذا العمل – بالنسبة لي – هو شهادة حية على تجربة عشتها خلف القضبان ، كتبتها داخل الأسوار ، ونجحت في تهريبها ورقة .. ورقة . وهو أيضاً شهادة تفضح القمع والاستبداد الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية، دون استثناء، وهي جميعها تتشابه في ذلك، وتتعاون في تبادل خبرات القمع والقهر والتعذيب.


3


بعيد ثورات الربيع العربي.. كثر الحديث عن نهاية ادب السجون وبداية
ادب الحرية ولكن لم يدم التفاؤل طويلا اذ شهدنا ولادة جديدة لادب السجون ربما لا تزال صفحاته لم تكتب بعد أو انها ماتزال حبيسة المعتقلات والسجون
برأيكم هل يمكن لادب السجون ان ينتهي ومتى وكيف
الأدب، هو حالة مستمرة بصورة عامة، طالما ان الحياة فوق هذه الأرض قائمة، وأدب السجون هو أحد صور الإبداع الأدبي. أفهم المقصد من سؤالك، عما إذا كنا سنشهد يوماً نتوقف فيه عن الكتابة في الموضوعات السجنية، وان نحتفي بالحرية ، على سبيل الأمل. لا أعتقد اننا سنشهد يوماً كهذا، طالما هناك معتقل رأي واحد على وجه الأرض. خاصة بالنسبة لنا في العالم العربي. وطالما هناك آلام واوجاع نجمت عن ذلك، وأن هناك فاشيون مستبدون. الكتابة هي شكل من أشكال النضال من اجل الحرية، ومن أجل التذكير الدائم بأولئك الذين ما يزالون وراء الأسوار، يتعرضون للتعذيب، والحرمان، ويستشهدون تحت التعذيب، دون ان يعلم بهم أحد، حتى ذوويهم.


الربيع العربي، انبثق من قلب معاناة الشعوب، من اوجاعها، ومن توقها وعطشها التاريخي الى الحرية. سوف يبقى بشارة امل وخير في تاريخنا، وسوف تخلده الأعمال الأدبية. ومن وجهة نظري، سوف تشهد الرواية العربية، والإبداع العربي، مزيدا من الكتابة في استلهام قضية الحرية. صحيح أن الربيع العربي، تم الانقلاب عليه، وتطويقة، غير ان ما تغير، قد تغير، لم يعد مكاناً للخوف، تطور الوعي الجمعي بأهمية الحرية، سوف يبقى دلالة للمضي قدماً. لن تتمكن اعتى ديكتاتوريات القمع ان تعود الى تكميم الأفواه ومنع حرية التعبير. لقد تجاوزنا ذلك، ضحى شبابنا بأرواحهم من أجل ذلكن ومن اجل المستقبل.
الكتابة هي واحدة من ادوات الوعي، والنهوض به، سوى انه يعزز الذائقة الجمالية، لكنه أيضاً يغذي توقنا الدائم للتعبير عما نشعر بهن وعما نريده. وعن رأينا في كل شئ من حولنا.
النهوض الثوري محاصر، والكتّاب مضطهدون بصورة او بأخرى، والكتابة تتعرض للخنق أيضاً، عبر رقابة وسائل الإعلام، وعبر منع النشر، أو الحدّ منه، وعبر منع توزيع الكتب، ومنها كتب أدب السجون، بشكل خاص.
ما يزال هناك الكثير والكثير، لم يدوّن بعد في ادب السجون. لم اكتب انا سوى الشئ اليسير، ماتزال جروحي عميقة، واتطلع لكتابة ما استطيع في ادب السجون. لكل سجين رأي، قصة ورواية، يجب أن تنقل الى الناس. يجب ان يتعرف المجتمع الى القتلة، السجانون والى قادتهم السياسيين والأمنيين، الذين يرتكبون جرائم فظيعة بحق الإنسانية.


4


هل نحن بالفعل في منعطف أقسى من كافة ما مر في منعطفات السجون التي أبرزت لنا كل ما تزخر به مكتبة الأدب مما كتب في ادب السجون ؟؟؟؟
عالمنا العربي، لديه تاريخ غني، في السجون والمعتقلات السياسية، وفي مايجري داخل أقبيتها وزنزاناتها، خاصة في القرن العشرين، الى اليوم في العشرية الثالثة من القرن الواحد والعشرين. لدينا رصيد كبير من كتب أدب السجون، خاصة في الرواية، والتي تناولت السجن السياسي، بسبب الاحتلال الأجنبي، في مصر، حيث تعد رواية ” وراء القضبان” اول رواية عربية في ادب السجون صدرت عام 1949 للكاتب أحمد حسين. وكذلك الروايات التي تناولت العسف والاضطهاد والاحتلال، والأسر في فلسطين.
لكن الجزء الاكبر من ادب السجون، يتناول تجربة الاعتقال والقمع والقهر من قبل الأنظمة الوطنية، خاصة بعد الاستقلال. وتعد العراق وسوريا والمغرب، اكبر وأهم منتج لأدب السجون اليوم.


5
ما الفروق في رأيكم بين ادب السجون في الماضي والحاضر مع العلم ان ادب السجون حسب ما عبرتم كان من زمن سحيق بل في صدر الإسلام وضربتم مثلا بسجن الحطيئة وما جرى من قصته مع عمر بن الخطاب
ما يعلق بالذاكرة الجماعية ان اتصل الحديث عن ادب السيجون هو القمع والقهر والتعذيب
كيف ترى ادب السجون في العهد الإسلامي الأول وما تلاه في العصور الاموية والعباسية، وواقعنا الراهن…؟؟؟
تاريخياً، يُعدّ كتاب ” عزاء الفلسفة ” للمفكر الإيطالي أنيكيوس بوئيثيوس ، من أقدم الكتب المعروفة في أدب السجون، كتب داخل السجن، قبل ان يُعدم مؤلفه عام 524 م.
أما فيما يتصل بالعهد الإسلامي، لم أجد في الحقيقة، ما يمكن اعتباره أدب سجون، وفق حدود اطلاعي ومعرفتي. لكننا نتذكر قصائد الشاعر أبي فراس الحمداني في الأسر، وهي ماتعرف بالروميات، وأهمها ” أراك عصيّ الدمع “.
غير انه يتوجب الإشارة، الى حوادث كثيرة في العهد الإسلامي، إبان الدولتين الاموية، والعباسية، وبصورة خاصة الأخيرة، بشأن ما يمكن تسميته – وفقاً لمصطلحات اليوم – باضطهاد المفكرين والكتّاب، والفلاسفة، خاصة اولئك الذين اختلفت آراؤهم مع خلفاء المسلمين، والولاة ، او اصحاب المذاهب، في قضايا مختلفة، مثال ابن رشد والمعري، والطبري، وجابر بن حيّان، وابن جبير، وغيرهم. وعلى الرغم من ذلك، لم يتعرض أحد منهم الى السجن بصورة مباشرة، ومن تمّ سجنه، قتل، وبالتالي لم يتمكن من كتابة المحنة التي مرّ بها.
إلاّ ان القرن العشرين، شهد انتقالاً مهما،ً لجهة اضطهاد الكتّاب والمفكرين، في العالم الإسلامي ( العربي خاصة) ، وتمت ملاحقتهم من دول الإحتلال، ثم لاحقاً من الدول الوطنية المستبدة، وبذلك، ظهر ادب السجون في المنطقة العربية، وتعاظمت محنة الكتّاب والمفكرين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، الذين تعرضوا للملاحقة الامنية والاعتقال والتعذيب والتصفية الجسدية، وبدأ أدب السجون بالنمو بصورة كبيرة.
في واقعنا الراهن، يُعتبر أدب السجون، واحدة من أهم ملامح الإبداع الأدبي العربي. وقد أبدع كتّاب عرب كثيرون روايات، ونصوص أدبية مهمة في أدب السجون، قلّ نظيره في العالم المعاصر اليوم، في دول أخرى من العالم. لقد أنتجت التجارب المريرة والقاسية، أدباً عظيماً، هو أدب السجون.

يتبع في الجزء الثاني

جدران العزلة مع سن قلم”.. لماذا يجب أن نقرأ في أدب السجون؟

لا نعرف تحديدا متى ظهر مفهوم السجن في تاريخ البشر، لكن يبدو وكأنه أينما ظهرت الحضارة الإنسانية ظهرت معها مفاهيم السجن والحرمان من الحرية بوصفها عقوبة. أقدم الإشارات التي وصلتنا عن عقوبة السجن تعود للحضارة الفرعونية وبلاد ما وراء النهرين، وكانت السجون في ذلك الوقت تقبع تحت الأرض، حيث يقضي المذنبون عقوباتهم حتى تنتهي حياتهم بالعبودية أو الإعدام.

ويبدو أن انتزاع الحرية وانقباض الظلمة على الروح في السجون قد ارتبط برغبة دائمة في التسجيل والتدوين والحكي، حيث يتسرَّب الزمن في السجن، وتتبدَّى الأيام متشابهة بلا فارق، لتصبح الكتابة وكأنها الوسيلة الأخيرة للتشبُّث بالزمن ومقاومة العزلة. وفي أحيان أخرى تصبح وسيلة لفضح ما يجري من انتهاكات غير إنسانية خلف جدران بُنيت كي ينسى العالم مَن احتُجِزوا خلفها، لتصبح الكتابة محاولة أخيرة لمقاومة النسيان.

ولعل واحدا من أوائل الكتب التي يمكن إدراجها تحت مظلة أدب السجون هو كتاب “عزاء الفلسفة”، الذي كتبه السياسي والمفكر أنيكيوس بوئثيوس خلال فترة السجن التي سبقت تنفيذ حكم إعدامه عام 524م، وقد ترجم الكتاب إلى العربية عادل مصطفى.

كان أنيكيوس مانليوس سيڤيرينوس بوئثيوس واحدا من أهم رجال الحكم في إيطاليا، تقلَّد الكثير من المناصب، فعمل رئيسا لمستشاري البلاط، وكبير مسؤولي المحكمة، وقائد حرس القصر، وقنصلا وعضوا في مجلس الشيوخ. لكن سطوع نجمه لم يدُم، إذ سُجن عام 523م بتهمة الخيانة بأمر من الملك ثيودوريك الكبير، وفي الأشهر القليلة التي قضاها خلف القضبان بانتظار لحظة إعدامه خطَّ كتابه الأشهر على الإطلاق “عزاء الفلسفة” الذي كان واحدا من أهم الأعمال في العصور الوسطى، وقد تناول فيه العديد من المسائل الفلسفية التي شغلت الفلاسفة والمفكرين على مر العصور، حيث يصف ظهور امرأة جليلة في سجنه، ما نلبث أن ندرك أنها تُمثِّل تجسيدا للفلسفة التي تأتي لزيارته ومواساته. ومن خلال هذا التجسُّد يستعرض العديد من التساؤلات والأفكار والمسائل الفلسفية الكبرى.

عرف الأدب عموما، وفي جميع الثقافات واللغات تقريبا، كتابات يمكن إدراجها تحت بند أدب السجون، لكن المنطقة العربية تشهد غزارة في هذا النوع، في ظل أنظمة سلطوية تُحكِم قبضتها على رقاب الجميع، ومع احتشاد السجون العربية في مختلف الأزمنة بالمعارضين للسلطة نتج عن ذلك غزارة الأعمال الأدبية التي تتناول تجربة السجن. ولا تنتمي تلك الأعمال للعصر الحديث فقط، بل يمكننا إيجاد العديد من الإشارات للسجن والأسر حتى في نصوص صادرة في مختلف عصور الدولة الإسلامية. ربما يكون أحد أهم الأعمال الأدبية وأولها التي تناولت تجربة السجن في القرن الأخير هي رواية “وراء القضبان” للكاتب والسياسي المصري ومؤسس حزب “مصر الفتاة” أحمد حسين التي صدرت عام 1949.

“سيطول الانتظار أيها المسافر، ستموت قبل أن تسمع الكلمات التي تنتظرها، شاطئ المتوسط الشرقي لا يلد إلا المسوخ والجراء… وأنت تنتظر الخيول والسيوف! سيظل ذاك الشاطئ يقذف كل يوم عشرات الجراء، مئات الجراء، وحتى لو وصلت أعدادهم إلى الآلاف فستظل جراء تعوي في السراديب أو تموت في المزابل لأنها تريد ذلك”.

(عبد الرحمن منيف)

دعنا الآن نبدأ في عرض مجموعة من أهم الأعمال في أدب السجون، ولنبدأ برواية يعتبرها الكثيرون الرواية العربية المؤسِّسة لأدب السجون. نُشرت رواية “شرق المتوسط” في السبعينيات، وتناول فيها الكاتب السعودي الأثر النفسي لتجربة السجن السياسي من خلال حكاية رجب إسماعيل المحبوس في سجن لم يُحدَّد موقعه، لكننا نفهم من السياق أنه يقع في دولة عربية في “شرق المتوسط”، لتتسع المأساة شاملة كل سجون الشرق الأوسط تقريبا.

طالب جامعي شاب، من بين آلاف الطلبة العرب الذين قبعوا ولا يزالون حتى اليوم خلف قضبان السجون العربية، يتعرَّض للسجن والتعذيب على مدار 5 خمس سنوات تحطَّمت فيها روحه. لكن السجن الحقيقي في رواية منيف لم يكن سجن الجدران قدر ما كان سجن لحظة الضعف التي نالت منه وحرَّرته من سجن الجسد، لتُسقطه إلى الأبد في سجن ضميره.

التعليق من السقف، إطفاء السجائر في الجسد وموت الأم تحت ضربات الجنود، سلسلة من الأحداث الموجعة المُصمَّمة لكسر الروح والإرادة، التي تنتهي باللحظة التي يوقِّع فيها على ورقة الاعتراف وخيانة مبادئه، أخرج هذا التوقيع جسده من خلف أسوار السجن، لكنه حبس روحه للأبد في سجن طويل ومُمتد لا ينتهي إلا بالموت.

تلك العتمة الباهرة

تلك العتمة الباهرة

الرواية مُستلهَمة من التجربة الواقعية لعزيز بنبين، الذي اعتُقل لمدة عشرين عاما قضى منها ثمانية عشر عاما في سجن تزمامرت المغربي الواقع على ارتفاع 2000 متر فوق منحدرات جبال أطلس، بعد اتهامه وزملائه بمحاولة الانقلاب على الملك الحسن الثاني عام 1971.

على لسان عزيز بنبين، يصف الروائي الطاهر بن جلون زنزانة سجن تزمامرت بأنها أشبه بقبر، طولها 3 أمتار وعرضها متر ونصف، ويتراوح ارتفاع السقف بين 150-160 سنتيمترا بحيث لا يتمكَّن السجين من الوقوف مُنتصبا داخلها، ويروي كيف يقضي السجين اليوم داخلها يأكل ويشرب ويقضي حاجته ولا يرى الضوء أبدا.

يصف الكاتب الأهوال التي تعرَّض لها المساجين، المرض والطعام غير الآدمي، والعقارب التي يتعمَّد مأمور السجن نشرها للتخلُّص من المساجين وقتلهم واحدا تلو الآخر. وقد سُجن في هذه القضية ثمانية وعشرون شخصا دخلوا إلى السجن ولم يخرج منهم أحياء سوى أربعة فقط، يصف الكاتب كذلك كيف أصبح موت أحدهم ودفنه هو فرصته الوحيدة للخروج إلى الشمس.

تأتي واحدة من أكثر اللحظات إيلاما بعد خروج الراوي من السجن عندما أتت لحظة تمكَّن فيها للمرة الأولى بعد مرور 20 عاما من رؤية وجهه في المرآة، فيقول: “وللمرة الأولى منذ ثمانية عشر عاما أقفُ قبالة صورتي، أغمضت عيني، أحسست بالخوف. خفت من عينيّ الزائغتين، من تلك النظرة التي أفلتت بمشقة من الموت، من ذلك الوجه الذي شاخ وفقد سيماء إنسانيته”.

القوقعة: يوميات متلصص

القوقعة يوميات متلصص

الرواية تدور حول شاب درس السينما في فرنسا، وحين قرَّر العودة إلى وطنه اعتُقِل في المطار ليقضى ثلاثة عشر عاما من عمره في سجن تدمر الصحراوي الذي اشتهر بفداحة وسائل التعذيب خلف جدرانه، وذلك بتهمة العمل مع جماعة إسلامية رغم كونه شابا مسيحيا. تعرض الرواية تفاصيل التعذيب في سجون النظام السوري في ذلك الوقت، ما بين الضرب والكهرباء إلى إجبار السجناء على ابتلاع الفئران والحشرات والسحالي والشرب من مياه الصرف الصحي، وغيرها من الوسائل المهينة التي تكسر الأرواح.

يروي البطل كيف انحبس في عزلة مضاعفة بعد أن عرف زملاؤه في السجن أنه مسيحي، فتجنَّبوه داخل المعتقل، معتقدين أنه جاسوس للنظام أو ﻹدارة السجن، وهو ما يجعله ينسحب إلى داخل قوقعة داخلية، ويتلصَّص من داخلها على ما يدور حوله، لكن المؤلم أن هذه القوقعة تبدو وكأنها التصقت به حتى بعد خروجه من السجن، حيث لم يستطع استعادة تواصله مع الآخرين ومع العالم خارج سجنه، لتُفرَض عليه عزلة لا تنتهي أبدا داخل قوقعته، يسترق من خلفها النظر إلى العالم دون أن يشتبك معه. يُذكر أن الكاتب قد تعرَّض لتجربة الاعتقال بالفعل عند عودته من الخارج على خلفية تقرير كتبه أحد زملائه في فرنسا، وقد أشار إلى أن الرواية مزيج بين تجربته الشخصية وتجربة أحد أصدقائه.

أعمال صنع الله إبراهيم

تعرَّض الكاتب صنع الله إبراهيم للسجن في عهد الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر، حيث حُكم عليه بالسجن سبع سنوات على خلفية اتهامه بالانتماء للحزب الشيوعي، وذلك ضمن حملة اعتقالات واسعة جرت في أواخر الخمسينيات وشملت العديد من وجوه النخبة الفكرية في ذلك الوقت، ومن بينهم عبد الحكيم قاسم، ويوسف إدريس، وشهدي عطية، وسامي خشبة، ومحمود أمين العالم، ولويس عوض، وغيرهم، وقد سجَّل أغلبهم تجربته في السجن، ما أثمر غزارة في الإنتاج الأدبي الذي يتتبع تجربة السجون المصرية في تلك الفترة.

يصف الكاتب المصري صنع الله إبراهيم السجن بأنه جامعته، وقد ظهر تأثير تجربة السجن جليا في العديد من أعماله الأدبية، بداية من روايته الأولى “تلك الرائحة”، ومرورا برواية “شرف”، وحتى كتابه “يوميات الواحات”.

تلك الرائحة و قصص أخرى لصنع الله إبراهيم

في مقدمة هذه الأعمال المجموعة القصصية الشهيرة “تلك الرائحة وقصص أخرى”، نُشرت المجموعة عام 1966، وصودرت في العام نفسه، وصدرت منها طبعات أخرى ناقصة، بعدما حُذفت منها بعض المقاطع، ولم تنشر كاملة مرة أخرى حتى عام 1986، أي بعد مرور نحو 20 عاما على النشر الأول. كان صنع الله إبراهيم قد أعاد اكتشاف نفسه في السجن، حيث اعتاد تسجيل يومياته وممارسة الترجمة والكتابة، وهو ما استمر في فعله بعد الخروج من السجن. تضم المجموعة أيضا قصص “الثعبان” و”أرسين لوبين” و”أغاني المساء” التي خطَّها الكاتب في سجن المحاريق في الواحات الخارجية عندما كان معتقلا.

تدور القصة الرئيسية التي حملت المجموعة عنوانها “تلك الرائحة” حول يوميات الكاتب بعد خروجه من السجن حينما كان خاضعا للرقابة القضائية التي تستلزم وجوده في المنزل من غروب الشمس حتى شروقها، وقد جاء فيها قوله: “لماذا يتعيَّن علينا عندما نكتب ألا نتحدَّث إلا عن جمال الزهور وروعة عبقها بينما الخراء يملأ الشوارع ومياه الصرف تغطي الأرض، والجميع يشمون الرائحة النتنة ويشتكون منها؟”.

شرف

شرف لصنع الله ابراهيم

الرواية المنشورة عام 1997 لا تدور أحداثها هذه المرة حول السجون السياسية، فبطلها أشرف، أو “شرف” كما اعتادت أمه تدليله، يُسجَن بسبب دفاعه عن نفسه ضد محاولة أحد السائحين الأجانب انتهاكه جنسيا. يدخل شرف إلى السجن وتبدأ الرواية في تسليط الضوء على أوضاع السجون الجنائية، وما يحدث فيها. كما يتناول الكاتب صنع الله إبراهيم بأسلوبه التوثيقي الأثير الجرائم التي ترتكبها شركات الأدوية تجاه شعوب دول العالم الثالث، وكيف تتحكَّم في رؤوس أموال الدول وتُحوِّل مواطنيها إلى حقول تجارب، وهي حقائق يكشفها عبر مذكرات سجين آخر هو الدكتور رمزي. وعلى الرغم من أن تهمة البطل هنا ليست سياسية، فإن السجون يبدو وكأنها تتشابه بشكل أو آخر في البؤس الذي تنزله بأصحابها.

يوميات الواحات

يوميات الواحة صنع الله ابراهيم

في عام 2003، طلبت إحدى المجلات من الكاتب صنع الله إبراهيم الكتابة عن العوامل التي ساهمت في تكوينه الأدبي، فقرَّر اختيار بعض اليوميات التي كان يكتبها في السجن لنشرها في المجلة، ومن هنا جاءت فكرة إعادة تجميع اليوميات ونشرها، حيث وجد الكاتب أنها قد تكون مفيدة في إلقاء الضوء على أحداث تلك الفترة، وكذلك على ظروف تكوينه بوصفه كاتبا، وهو ما حدث بالفعل حيث نُشرت “يوميات الواحات” عام 2005.

في القسم الأول من الكتاب الذي حمل عنوان “مدخل”، استعرض الكاتب أحداث نشأته وعلاقته بأسرته وبدايات اهتمامه بالقضايا السياسية والعمل السياسي المنظم بعد التحاقه بتنظيم “حدتو”، وهي الأحرف الأولى من “الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني”، أما الجزء الثاني فهو اليوميات التي كتبها خلال فترة اعتقاله في سجن الواحات، وقد كُتبت هذه اليوميات في شذرات على أوراق لف السجائر، وخُبِّئت وهُرِّبت خارج السجن، ومن خلالها تمكَّن القارئ من التعرُّف إلى بواكير تكوين صنع الله إبراهيم، وكيف استطاع استكشاف هويته كاتبا خلال فترة السجن، حيث بدأ في كتابة فصول من روايات لم تُنشر، وقصص قصيرة، وترجمة بعض الأعمال الأدبية والنقدية، إضافة إلى تسجيله أعمال التعذيب الوحشية التي تعرَّض لها المعتقلون السياسيون في ذلك الوقت، وكيف أدَّت إحدى حوادث التعذيب إلى مقتل المناضل البارز في ذلك الوقت “شهدي عطية”.

بعد العديد من المواجهات بين المعتقلين وإدارة السجن ورضوخ الإدارة لبعض متطلباتهم، تحسَّنت الأمور بعض الشيء، فسُمِح بدخول الكتب والجرائد وعمل ما يشبه المسرح، وقد قرَّر المعتقلون إقامة معرض للكتب الصادرة داخل السجن، وشارك صنع الله إبراهيم بترجمة جانب من مذكرات الشاعر الروسي يفتوشنكو، إضافة إلى مساهمته مع عبد العظيم أنيس في ترجمة دراسة عن همنغواي.

مذكراتي في سجن النساء

مذكراتي في سجن النسا نوال السعداوي

“لا يموت الإنسان في السجن من الجوع أو من الحر أو البرد أو الضرب أو الأمراض أو الحشرات، لكنه قد يموت من الانتظار، الانتظار يُحوِّل الزمن إلى اللا زمن، والشيء إلى اللا شيء، والمعنى إلى اللا معنى”.

(نوال السعداوي)

في السادس من سبتمبر/أيلول عام 1981، أُلقي القبض على الطبيبة المصرية الراحلة نوال السعداوي، حيث اقتحمت قوات الأمن منزلها واقتادتها إلى سجن القناطر لتلتقي بمجموعة كبيرة من الناشطات اللاتي أُلقي القبض عليهن في موجة اعتقالات واسعة عقب ما عُرف بقرار التحفُّظ الذي أصدره الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات في الشهور الأخيرة من حكمه.

صوَّرت الكاتبة واقع السجن، وكيف تدبَّرت أمرها بين جدرانه كي تقاوم ظروف الحبس السيئة، وكيف كانت تكتب داخل السجن على أوراق المحارم الورقية أو أوراق لف السجائر، ولم تتوقف السعداوي عند تسليط الضوء على تجربة السجن السياسي، لكنها تُسلِّط الضوء أيضا على قصص بعض السجينات من غير السياسيات.

حرز مكمكم

حرز مكمكم أحمد ناجي

هذا الكتاب يختلف تماما عن أدب السجون المعروف، فطبقا للكاتب أحمد ناجي فإن “غالبية كتابات أدب السجون العربية سُجن أصحابها بسبب نشاطهم السياسي، وبالتالي فالسجن هنا استمرار للنضال السياسي. إنه يحافظ على عقله من الجنون، وعلى روحه من التعفُّن من أجل مستقبل أفضل يصنعه مع حزبه أو جماعته حينما يخرج”.

في عام 2016، فجَّر الحكم على الكاتب المصري أحمد ناجي بالسجن لمدة عامين موجات واسعة من الغضب في الأوساط الأدبية والصحفية، وجاءت تهمة أحمد ناجي “خدش الحياء العام” بسبب نشر فصل من روايته “استخدام الحياة” في جريدة أخبار الأدب المصرية. قضى أحمد ناجي عاما في السجن قبل أن تُوقف محكمة النقض الحكم ويُفرج عنه، لتُعاد محاكمته ويُعاقب بالغرامة.

يختلف الكتاب بالفعل عن جميع كتب أدب السجون، فهو يُركِّز على التجربة الذاتية للكاتب، دون تحميلها أي مضامين سياسية أو أيديولوجية، التهمة هنا هي اللغة، يقبض الكاتب على لغته، ويلاعبها ويشتبك معها ومع أفكار مختلفة ومتنوعة حول القراءة والكتابة داخل السجن، التي تتخذ أبعادا أخرى عنها خارج السجن.

فكما يصفها ناجي، تصبح القراءة والكتابة بمنزلة طوق نجاة للجميع، حتى هؤلاء الذين لم يلقوا لها بالا قبل دخول السجن، كونها واحدة من الوسائل النادرة لتزجية الوقت الثقيل خلف الأسوار. يُسجِّل الكاتب أيضا أحلامه وشذرات يومية عن تجربة السجن وعلاقته بالمسجونين، ووسائل النجاة التي اتخذها للبقاء والنجاة خلف الجدران.

تصف هذه الروايات، بأقلام مختلفة، ومن زوايا متباينة، طبيعة الحياة داخل السجن، وما تفعله الأسوار بنفوس القابعين في الظلام داخلها، وكيف تظل تحبس أنفسهم حتى بعد خروجهم إلى عالم النور. هي تخبرنا أيضا، بأوضح الطرق الممكنة، أن السجن هو أقسى العقوبات التي تفتَّقت عنها قريحة البشر، وأنه ما من بريء يستحق أن تُسلب روحه في ذلك العالم المظلم من أجل رأي مخالف أو كلمة حق، أو لحظة خالصة من التمرُّد على الطغيان والظلم.

المصدر : الجزيرة

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

ربح البيع يا شيخ شعيب ربح البيع

 بقلم زكرياء بوغرارة

 مشرف موقع ادب السجون

إنها الأخوة في الله حين تزهر وتونع وتورق وتثمر أعظم نعمة من الباري سبحانه وتعالى جل وعلا..يقول حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلمأخلاءُ الرخاءِ همُ كثيرٌ * وَلكنْ في البَلاءِ هُمُ قَلِيلُفلا يغرركَ خلة ُ من تؤاخي * فما لك عندَ نائبَة خليلُوكُلُّ أخٍ يقولُ : أنا وَفيٌّ * ولكنْ ليسَ يفعَلُ ما يَقُولُسوى خلّ لهُ حسبٌ ودينٌ * فذاكَ لما يقولُ هو الفعولُانها الاخوة الصادقة .. ولاتبرز في مكان بروزها في المحن والبلاءات

شدني الشوق لرجل عرفته في السجن كان كلما فتحت ابواب منفرداتنا ونحن في عزلة السجن المركزي القنيطرة الا وهرول نحو منفردتي مبتسما باشّا ينتظر الحارس لفتح قبوي تفتح الباب فيعانقني بود كأنما كانت بيننا غيبة السنوات وليس الساعات ويجرني من يدي في رفق وحب الى منفردته لأتناول معه الغداء أو أحتسي الشاي ونتبادل سويا اطراف حديث ذو شجون .. عرفته في كل حالاته رقيق القلب لازلت اذكر يوم وصلنا خبر غير مؤكد عن وفاة الشيخ محمد الفزازي الأب وجدته حزينا يكفكف دمعه مكثت ارقبه وهو يمنع دمعه حتى هوت دمعات وقال لي لقد كان اخي وصاحب ودي…. واثنى عليه جميل الثناءوذات يوم دخلت منفردته ووجدته يمسح دمعه فسألته فكتم عني ولم ازل ألحّ عليه حتى قال لي يا ولدي جائني الاخ فلان … واخبرني عن حال زوجته وأبناءه بعد قدومه من الزيارة فبكيت لما اصاب المسلمات من الضيق …

وان أمكث اذكر ذكرياتي معه ما كففت لكنها الذكرى …انه الشيخ شيبة الحمد شعيب أرقيبة.. ما سرني شيء في هذا العيد مثل خبر الافراج عنه بعد قرابةالعشرين سنة من السجون والمعتقلات كانت تغص بالابتلاءات الثقيلة… اتصلت به اليوم مهنئا له.. فلم أجد تلك العاطفة الاخوية الا في قمة وهجها وذلك اللسان الحلو الطيب يقطر حلاوة وطلاوة لاتمل وجدته رغم كرور سنوات الابتلاء حاضر الذهن .. عميق الثبات صادق المشاعر حاتمي الكرم… ودودا طيبا خلوقا نعمت بتواصلي معه شيئا يسيرا من الزمنفلله أنت ايها الشيخ المبارك الصابر المحتسب… كنت تقول لنا ونحن في السجن سأخرج عندما يأذن الله ويعفو … وكان خروجه من السجن فضلا ومنة من الله تعالى ….. من حيث لايدري…فقدت بصرك في العتمات وتقدم بك العمر فيه فبشراك بما قدمت من غير منّ بل بصبر وقرة عين…ان احيا ماحييت فلن انساك وان تقول لي ذات يوم في حديث دار بينناأَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًاما تذوقت معانيها الرائقة الا في تلك العتمة….آن ل ايها الشيح ان ترتاح بعد طول رحلة الى الله كانت بداياتها مزهرة ونهاياتها مثمرة.. ليست نهايات بل بدايات جديدة مع الله تعالى اطال الله في عمرك وبارك في ذريتك وعقبك ..وجعل ما قدمته من نفسك وما اصابك من بلاءات في السجون في مزيان حسناتكقال الإمام إبن القيم رحمه الله :” كُلَّ مُصِيبَةٍ دُونَ مُصِيبَةِ الدِّينِ فَهَيِّنَةٌ ، وَأَنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ نِعْمَةٌ ، وَالْمُصِيبَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مُصِيبَةُ الدِّينِ” .[ مدارج السالكين – ٣٠٦/١ ]بتلك العزمة التي لم تزل متوهجة عرفتك ولاتزال …..

الأسير المحرر أحمد الغول يروي تفاصيل مروعة عن تعذيبه لدى الأجهزة الأمنية: يعاملون العملاء باحترام

جنين – خاص قدس الإخبارية: بعد أكثر من 50 يومًا من اعتقاله لدى اللجنة الأمنية في نابلس، أفرجت الأجهزة الأمنية عن الأسير المحرر أحمد الغول من مخيم جنين، والذي اعتقل في نوفمبر ٢٠٢١ خلال “حملة أمنية” نفذتها السلطة الفلسطينية داخل محافظة جنين ومخيمها. 

خلال فترة اعتقاله، يروي الأسير المحرر الغول عن تعرضه للضرب الشديد والشبح والتقييد، ويضيف: “وضعوا على رأسي “كيس خيش” خلال اعتقالي ونقلي من سجن الجنيد إلى اللجنة الأمنية في نابلس، وسحبوا منّي البطانية والفراش في بعض الليالي، وتركوني في البرد الشديد خلال ساعات الليل، كما حاولوا حرماني من النوم، وتعمدوا سب الذات الإلهية أمامي”.

 ويتابع الغول في حديث خاص لـ “شبكة قدس”: “بينما كنت أتعرض للتعذيب والضرب، كنت أشاهد بعض العملاء الذين نعرفهم جيدًا في جنين وهم يعامَلون أحسن معاملة”، مشيرًا إلى أن التحقيق معه تمحور حول علاقته بحركة الجهاد الإسلامي.  

وردًا على تصريحات محافظ محافظة جنين أكرم الرجوب بأن الحملة الأمنية في جنين لم تستهدف مناضلين بل “زعران” وخارجين عن القانون، يعقّب الأسير المحرر: “أقول للرجوب بأننا نحن من حمينا المخيم، وسهرنا الليالي ونحن نحميه من قوات الاحتلال، ولا يحق للرجوب الذي تم جلبه لهذه المدينة كمحافظ لها وهو ليس ابنها أن يعيب على أهلها نضالهم.”

ويستكمل الغول حديثه:” يقولون إنهم يريدون حماية مخيم جنين وأننا خارجون عن القانون، أوجه سؤالي للأجهزة الأمنية أين كانت الأجهزة الأمنية حين اعتقلني جيش الاحتلال أنا وزوج أختي في شهر فبراير ٢٠٢١، حين انهالوا علينا بالضرب على باب بيتنا قبل اعتقالنا؟، إذا كانت الأجهزة الأمنية تريد مقاومة الاحتلال في مخيم جنين دعوها تأتي، ونحن سنجلس ونراقبهم حينها”.

ومن الجدير بالذكر، أن مدينة جنين شهدت حملة أمنية واسعة، وصفها رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، بأن “الجيش كان على وشك تنفيذ عملية عسكرية واسعة في جنين قبل شهور لكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية نفذت المهمة بطلب من إسرائيل”

خواطر عن السجون والإبتلاء

الأسير عبد الكريم محمد أبو حبل أبي بكر

توصل موقع أدب السجون برسالة كتبها الأسير الفلسطيني في عزلته بسجنه الطويل حيث يقضي حكما بالسجن المؤبد ننشرها كما توصلنا بها

1

إن العبد ليتعلم في ساعات البلاء مالا يتعلمه في سنين عافتية

إن الحديث عن قعر السجون الظلمة والاهات والشجون ،لا يعني أن الأنسان يتمنى السجن ،فسجن بلاء  ولأواء  لا يتمناه أحد قط ،وصدق من قال

يكفيك أن السجن بيت لا ترى * أحدا عليه من الخلائق يحسد

بل أن الحرية والعافية نعمة شكرها الرحمن الرحيم فقال الطيف الرحيم :

{ وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن}

2

أخي الكريم

فإذا قدر العلي القدير ،ابتلاءا وحل بك ،فأن لك  في مدرسة يوسف عليه السلام فرصة ثمينة للتحصيل العلمي ،فأقبل -رحمك الله- وأنت بين جدرانها على تعلم العلم النافع وتعليمه  ولا تكن  مسرفا في حديث لغو و ثرثرة تزجي بها وقت الفراغ بين أهل الفراغ وتمثل في هذا المقام قول الحميري

لقاء الناس  ليس يفيد شيئا ***سوى الاكثار من قيل وقال

نا ملل من لقاء الناس إلا*** لكسب العلم أو صلاح حال.

بل كن أخي السجين من الذين التي تقشعر جلودهم من خشية الواحد القهار ،الذين يقرأون الأصول ويعكفون على الكتب الصفراء حتى مطلع الفجر وهم ينهالون من مدرسة علماء الاسلام والأئمة الأعلام.

ولقد صدق الأول حين قال :

أعز مكان في الدني سرج سابح * وخير جليس في الزمان كتاب.

لقد كان في هذا المضمار للأئمة الأعلام خير بيان ،رغم صعوبة  الإبتلاء لكن حولوا العذابات روضات ،والمر حلوا والانتكاسة نصرا،وهذا على سبيل المثال لا الحصر:

فتشبهوا  إن لم تكونوا مثلهم ***إن التشبة بالكرام فلاح

3

1=سجن شيخ الأسلام ابن تيمية قدس الله روحه ،فكتب مجموع الفتاوي الذي بلغ 27مجلدا في مختلف العلوم الشرعية والعقائدية .
2=وسجن الإمام السرخسي رحمه الله ،في بئر معطلة فأخرج للامة كتاب المبسوط في حوالي 20 مجلدا .
3=وأقعد ابن الأثير تقبله الله في علين ،فصنف جامع الأصوال في حوال 12مجلدا وكتاب النهاية في غريب الحديث وغيرها .
4=وسجن أعوام794_801أحمد بن يحيى الملقب المهدي فألف كتاب حدائق الأزهار وعمره حوالي 21سنة .
5=ونفي جمال الدين ابن ابجوزي رحمه الله ،في بغداد فجود القرآن بالقراءت السبع

4

 .

بل أعظم من ذلك يا صاحبي السجن ،كان الصالحون يجدون حيلة أومكيدة للدخول إلى الزنازين  حيث يثوي  هؤلاء الاعلام لاستفادة منهم في التوحيد والعقيدة ،كما فعل العالم المبارك عبد الله ابن المبارك مع شيخه  الرباني ،الربيع بن أنس  الخرساني .

قال الأمام الذهبي رحمه الله :

(قال ابن أبي داود :سُجن بمر وثلاثين سنة …. وتحيّل ابن المبارك حتى  دخل إليه  فسمع منه ).

وقال الأمام الذهبي  رحمه الله :عن الأمام ابن المبارك رحمه الله :

(فأقدم  شيخٍ لقية :هو الربيع بن أنس الخرساني ،تحيل ودخل إلية إلى السجن ،فسمع منه نحواً من أربعين حديثاً )).سير أعلام النبلاء

الله ّأكبر يا رجال حولوا المحنه إلى محنة ،وأضيفوا إلى الليمون الحامض  سكراً فيصبح شرابا طيبا، يكون عذبا وريا

{فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت * ويبتلى الله  بعض القوم بالنعم .

           والحمد الله رب العالمين ..

                كتبه العبد الفقير:(( عبد الكريم محمد أبو حبل أبي بكر

تقرير سنوي: السجن 479 عامًا والجلد 907 مرات لمدافعين عن حقوق الإنسان في إيران

أعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية في تقريرها السنوي أن القضاء الإيراني أصدر أحكاما بالسجن 479 عاما والجلد 907 مرات لـ”مدافعين عن حقوق الإنسان في إيران” خلال عام 2021.

وأعلنت منظمة حقوق الإنسان الإيرانية أن تقريرها السنوي هذا يستند إلى حالة 100 شخص فقط من نشطاء حقوق الإنسان في إيران وهم جزء من المجتمع الكبير للنشطاء “الذين تعرضوا خلال العام الجاري لمضايقات كلامية وجسدية وحالات تعذيب واعتقال غير قانوني أو واجهوا أحكاما ثقيلة بالسجن من قبل القضاء الإيراني”.

وتزامنا مع انتشار هذا التقرير، قال محمود أميري مقدم، مدير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية: “على العالم أن لا يلعب دور الشاهد الصامت على الثمن الباهظ الذي يدفعه المدافعون الإيرانيون عن حقوق الإنسان لحماية أبسط حقوقهم”.

وأفاد تقرير منظمة حقوق الإنسان الإيرانية بأن عدد المدافعين عن حقوق الإنسان في إيران والمضايقات ضدهم ارتفعت في عام 2021 بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة، والسبب هو نمو “الحركة المطالبة بتحقيق العدالة” في إيران.

وتضم قائمة منظمة حقوق الإنسان الإيرانية عددا كبيرا من المدافعين عن حقوق الإنسان الذين فقدوا أحباءهم في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 في إيران، واستهداف الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية بالقرب من طهران.

وتزامنا مع هذا التقرير، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس قرارا يدين “انتهاكات حقوق الإنسان في إيران” بأغلبية 78 صوتا مقابل 31، وامتناع 69 عن التصويت.

يشار إلى أن القرار أدان الانتهاك الجسيم والمنهجي لحقوق الإنسان في إيران الذي قدمته كندا إلى الأمم المتحدة، ودعمته 47 دولة أخرى.

وأعرب القرار عن قلقه بشأن حالة حقوق الإنسان في إيران، ودعا نظام الجمهورية الإسلامية إلى معالجة قضية ارتفاع معدلات عقوبة الإعدام، بما في ذلك إعدام الأطفال، وتحسين أوضاع السجناء وإزالة القيود المفروضة على حرية التعبير والاحتجاج في الواقع وفي الفضاء الافتراضي.

ودعا القرار نظام الجمهورية الإسلامية إلى إنهاء اضطهاد الأقليات الدينية ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان على أفعالهم أثناء التحقيق.

ودعا القرار إلى إلغاء عقوبة الإعدام، وكذلك إعدام الأطفال دون سن 18 عامًا، ووقف قمع الاعتقالات التعسفية والاعتقالات، فضلاً عن التعذيب الوحشي.

وفي السنة الماضية، دعا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى معالجة أوضاع السجناء في إيران، والإفراج عن ناشطات حقوق المرأة المسجونات بسبب ممارستهن حقوقهن، ووضع حد لانتهاكات حقوق الأقليات العرقية واللغوية والأقليات الأخرى.