أرشيف الوسم : المعتقلات

في ذكرى محاكمة مجموعة ال71

ويستمر نزيف الجراح

كتبت سابقا حول محاكمة “مجموعة ال71” التي أدينت بأحكام قاسية في 31 يوليوز سنة 1984، وبما أن ذكرى هذه القضية على الأبواب، أعيد نشر ما كتبته في الموضوع، مع تغيير العنوان وتحيين ما يحتاج إلى التحيين وإضافة ما يساهم في تجويد النص.

هناك أحداث عصية على النسيان، لا يمكن تجاهلها بما لها من قدرة على إعادة رسم مسار حياتنا، فمهما حاولنا تجاوزها تظل محفورة في الذاكرة، بل إن بعض اللحظات قد تكشف “من نكون؟”. كما أن الحدث الذي نمر به ويترك فينا نذوبا، يعلمنا دروساً لا تمحى بفعل مرور الزمن..

من ذلك ما حدث يوم 31 يوليوز من سنة 1984، فقد رسم وشما غائرا في ذاكرة الإعتقال السياسي بالمغرب، حيث أصدرت محكمة الإستئناف بالحبوس بمدينة الدار البيضاء أحكامها التي تراوحت ما بين الإعدام وأربع سنوات في حق عناصر ما سمي ب”مجموعة ال71″.

وعندما ألتفت متأملا إلى تلك اللحظة، التي ما تزال تحضرني بكل تفاصيلها وأجوائها، أجد أن 42 سنة، بما تعنيه من توالي الأعوام والشهور والأيام وتعاقب الليل والنهار، قد مرت على الحدث..بالرغم من أننا كنا نشعر بتثاقل الزمن حينما كنا نعيش في أتون الحدث، فإننا في المقابل نشعر الآن أن كل اللحظات التي مرت كانت كحلم عابر..غير أن النذوب التي خلفها على ملامحنا تفضح مكر السنين..كان عمري حين اعتقلت 21 سنة، بينما أبلغ اليوم 63 سنة، مضت خلالها السنون سريعة كالطيف، وكأن الزمن قد انسل في ومضة، أو كأن ثقبا قد ابتلع ال42 سنة وطواها حين غفلة، لنجد أنفسنا قد وهن العظم منا واشتعل الرأس شيبا، ومنا من قضى نحبه، ومنا من ينتظر صامتا مطرقا.

تعود بي الذاكرة إلى ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء آخر يوم من شهر يوليوز سنة 1984، حين أصدرت محكمة الإستئناف بالحبوس المقابلة للمسجد المحمدي بالدار البيضاء أحكامها القاسية في مجموعة ال71.

نعم..استرجع شريط الذكريات حيث وجدت نفسي رفقة إخواني في المجموعة داخل قاعة المحكمة، أمام القاضي السيد الغزواني وممثل النيابة العامة السيد مداح.. نردد هتافات وأناشيد جماعية، ملء حناجرنا، يصل صداها إلى عائلاتنا المرابطة بعيدا أمام بوابة المسجد المحمدي، وهي تردد معنا سمفونية التحدي في جو مفعم بالحماسة والشعور العارم بالنشاط…

تعود بي الذاكرة إلى هذه اللحظة وكأن الحدث حصل بالأمس القريب، بينما مرت عليه 42 سنة منذ اختطافي وإخفائي قسريا في قبو معتقل درب مولاي الشريف السري مع بقية أعضاء مجموعتي.

نعم لقد مرت 42 سنة لا نلوي منها على شيء..منها 11 سنة قضيتها خلف القضبان موزعة على مجموعة من سجون بلادي منها، اغبيلة بالدارالبيضاء، والمركزي بالقنيطرة، والمحلي بآسفي، وبولمهارز بمراكش، ومركب عكاشة بالبيضاء، وسيدي موسى والعادير بالجديدة..كما انصرمت منها 31 سنة منذ الإفراج عني سنة 1994 ، لم يبارحني خلالها الإحساس بأنني ما زلت رهن الإعتقال، مقيد الإرادة، مخنوق النَفس، بلا حول ولا حيلة..بل لا يزال هذا الإحساس يلح علي واشعر إزاءه بالحسرة القاتلة، وهو يعلن أنني انتقلت من سجن انتصرت فيه لكرامتي ومبادئي، كنت فيه على خط النار ضد جلاد واضح مكشوف الملامح، واعتنق قضية تمنحني مبررا للوجود، إلى سجن مترامي الأطراف متعدد الوجوه والأقنعة، سجن فقدت فيه جزءا من هويتي المشروخة، وتهت في شعابه بين طاحونة المعيش اليومي وإكراهاتها المقيتة، وبين البحث عن ما تبقى من ذات هلامية. لأدرك عندئذ أنني فعلا انتقلت إلى سجن مخادع من نوع آخر، تغذي فيه الحرمان من ما هو طبيعي..البحر والجبال والمرأة.. وتتنازل فيه عن كينونتك كإنسان حر كريم..نعم أدركت أنني صرت في هذا السجن الكبير هدفا لسادية جلاد متستر مستتر يجيد فن التقمص، ويتقن لعب الأدوار..

تعود بدايات الحكاية إلى ثمانينيات القرن الماضي حين أدى سوء الظروف الإقتصادية في المغرب إلى تدهور ملحوظ في الوضعية المعيشية للمواطن المغربي البسيط، إذ لم يكن نصيب الفرد في المغرب من الناتج الإجمالي سوى 76 دولارا، بينما كان مثلا في تونس 129 دولارا، وبلغ في ليبيا 846 دولار حينذاك.

أمام هذه الوضعية دعت النقابة العمالية “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل” إلى خوض إضراب عام عن العمل في يونيو سنة 1981 احتجاجا على الزيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية.

وفي هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والإحتقان تبنت منظمة “الشبيبة الإسلامية” خطابا سياسيا تصعيديا، معلنة عن إفلاس الخيار الليبرالي، وأدانت التوجهات الإقتصادية الممنهجة ضد الفقراء المعدَمين، ولم يتخلف المنتسبون لها عن المشاركة في الإضراب العام بمدينة الدار البيضاء والمحمدية في 20 يونيو من السنة المذكورة.

عمت أجواء الإضراب العام، وانتشرت الإحتجاجات السلمية التي تطورت إلى مواجهة أريد لها أن تنزلق إلى مواجهة دموية غير متكافئة، حين تدخلت قوات الجيش والأمن بعنف غير مبرر، استعملت فيه الذخيرة الحية، واكتسحت الدبابات شوارع الدارالبيضاء، ولعلع الرصاص في الأزقة.. وانتشرت رائحة الخوف والبارود والموت في الأحياء الشعبية..

وعندما وضعت هذه الهجمة أوزارها، انكشف المشهد الدموي عن انتهاكات جسيمة، حصدت أرواح عشرات الشهداء الذين دفنوا في قبور جماعية مجهولة، من دون مراسم..كما زجت بمئات المعتقلين داخل السجون في غياب ضمانات المحاكمة العادلة..

إزاء هول الفاجعة وقسوتها، إلتزمت منظمة “الشبيبة الإسلامية” بإحياء ذكرى هذه الأحداث الأليمة وفاءا لأرواح الشهداء الذين نعتهم وزير الداخلية آنئذ إدريس البصري ب”شهداء الكوميرا”.

وانطلاقا من هذا المبدأ أحيت المنظمة في 20 يونيو سنة 1983 الذكرى الثانية ل‘‘الإنتفاضة الشعبية’’عبر الأنشطة التي قامت بها ‘‘فصيلة الجهاد’’ والتي تمثلت في توزيع المنشورات والكتابة على الجدران وتعليق الملصقات ولافتات تحمل عبارات مناهضة لنظام الحكم تحرض على الثورة..، في كل من المحمدية والبرنوصي وعين السبع بالدار البيضاء.

وعلى إثر النشاط الذي قامت به “فصيلة الجهاد” ابتداء من يوم الإثنين 20 يونيو 1983 والذي وافق 10 رمضان 1403 ذكرى وفاة الملك محمد الخامس رحمه الله، انطلقت حملة من الإختطافات استهدفت نشطاء إسلاميين، فبتاريخ 22 يونيو 1983 قامت قوات الأمن باختطاف عدد منهم يقيمون بالحي المحمدي، بتهمة عقد تجمعات سرية والإنتماء لمنظمة الشبيبة الإسلامية. وقد استمرت موجة الإختطاف لتشمل مجموعة أخرى من درب الكبير بتاريخ 03 يوليوز بنفس التهمة السابقة.

واستمرت الحملة حتى اعتقل عضو من ‘‘فصيلة الجهاد’’ في حالة تلبس بالمحمدية في 13 غشت 1983 وهو يعلق ملصقا معاد لنظام الحكم. وبذلك انتقلت الإختطافات إلى صفوف أعضاء الفصيلة في كل من المحمدية وعين السبع والبرنوصي..وبما أنني كنت عضوا من أعضاء “فصيلة الجهاد”، فقد تم اختطافي بدوري بتاريخ 20 غشت 1983 بمدينة المحمدية، وبعد أربعة أيام.. نقلت إلى المعتقل السري بدرب مولاي الشريف معصوب العينين..حيث وجدت من سبقني من المختطفين من المحمدية والحي المحمدي ودرب كبير بالدار البيضاء هناك.. و في يناير 1984 اعتقلت عناصر أخرى كانت قادمة من فرنسا بعد توزيع مناشير بمناسبة انعقاد المؤتمر الإسلامي بالدار البيضاء تحمل توقيع ‘‘حركة الثورة الإسلامية بالمغرب’’ التي وصفها الراحل الحسن الثاني في خطاب له بأنها عناصر خمينية، وفي فبراير من نفس السنة اعتقل عنصرين من ‘‘حركة المجاهدين في المغرب’’ وبحوزتهما أعدادا من مجلة ‘‘السرايا’’ التي كان يصدرها عبد العزيز النعماني بفرنسا.

عندما كان المختطفون يقبعون داخل المعتقل السري بدرب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء، اندلعت إحتجاجات شعبية من جديد في يناير 1984 بكل من الدار البيضاء و الناضور ومراكش. و ينبغي التنبيه أن هذه الإحتجاجات كانت من بين الأسباب التي عجلت بتقديم أفراد مجموعة ال71 الموجودون في حالة اعتقال إلى غرفة الجنايات بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء.

لقد صار عدد المتهمين في قضية المجموعة 51 متهما حضوريا، قضى معظمهم ما يناهز ستة أشهر داخل المخفر السري بدرب مولاي الشريف، إضافة إلى 20 متهما غيابيا، ليكون مجموعهم هو 71 متهما، ومنه اقتبس إسم المجموعة.

عرض المعتقلون منهم على قاضي التحقيق ابتداء من 13 فبراير 1984 بتهمة الإعتداء بهدف دفع الناس لحمل السلاح ضد سلطة الملك، والمس بسلامة الدولة الداخلية ومقدساتها، والمؤامرة ضد النظام بهدف استبداله بنظام آخر، وعدم التبليغ بجناية المس بسلامة الدولة…

وبعد انتهاء أطوار كل من البحث التمهيدي والبحث التفصيلي انطلقت جلسات المحاكمة الماراطونية من 21 يونيو إلى 31 يوليوز 1984 حيث أصدرت استئنافية الدار البيضاء أحكامها حضوريا في حق المجموعة بإدانة 13 متهما بالإعدام منهم سبعة متهمين غيابيا، و 34 متهما بالمؤبد منهم ثلاثة عشر غيابيا، و 8 متهمين بعشرين سنة ، و9 متهمين بعشر سنوات، و7 متهمين بأربع سنوات سجنا نافذة، في قضية رقم 192/84، وقد رفض حق المتهمين في النقض بتاريخ 23 يوليوز من سنة 1985.

وعلى نفس الإيقاع التصعيدي حاولت منظمة “الشبيبة الإسلامية” مرة أخرى في سنة 1985 تسريب مجموعة من عناصرها تطلق على نفسها إسم ‘‘كتيبة بدر’’ إلى المغرب محمّلة بكمية من الأسلحة، غير أنها ضبطت على الحدود الشرقية، وقدّمت مع عناصر أخرى إلى المحاكمة ضمن ما سمي بمجموعة ال26 الإسلامية، التي حوكمت بالدار البيضاء ،وصدرت في حقها أحكاما بتاريخ 02 شتنبر من نفس السنة تراوحت ما بين الإعدام في حق خمسة من عناصر المجموعة ،وواحد بالمؤبد ،وتسعة حوكموا بعشرين سنة ،وواحد حوكم بخمسة عشر سنة ،بينما حوكم واحد من المجموعة بخمس سنوا سجنا نافذا.

وبالموازاة مع ذلك كانت ‘‘حركة المجاهدين بالمغرب’’ المنحدرة من منظمة الشبيبة الإسلامية والتابعة لعبد العزيز النعماني، تحاول تسجيل حضورها..، حيث ألقي القبض سنة 1985 على مجموعة من هذه الحركة بسبب توزيع مناشير بمدينة مراكش، وقدمت إلى المحاكمة التي أصدرت حكمها فيها بتاريخ 24 أكتوبر والذي قضى بإدانة أربعة أشخاص من المجموعة بالمؤبد ،وأربعة بثلاثين سنة، وإثنين أحدهما بخمسة وعشرين سنة، والآخر بعشرين سنة سجنا نافذا.

كما توبعت مجموعة أخرى من نفس التنظيم بنفس المدينة سنة 1986، وصدرت الإدانة بتاريخ 18 دجنبر 1986 في حق واحد بالمؤبد، وآخر بعشرين سنة، إثنان بعشر سنوات، وواحد بثماني سنوات، وثلاثة بخمس سنوات سجنا نافذا.

كانت سجون المغرب في هذه المرحلة تشهد توافدا لمجموعات من المعتقلين السياسيين يساريين وإسلاميين..خلدوا ملاحم في الدفاع عن حقوق المعتقل السياسي ومعتقل الرأي داخل السجون في وقت كانت فيه ﻻئحة الممنوعات تشمل حتى الجريدة والمجلة والمذياع وساعة اليد، والكتب وأحيانا اﻷوراق واﻷقلام..

لقد عشنا طيلة هذه المدة في نضال ومواجهات..وإضرابات لا محدودة عن الطعام خلفت شهداء من اليسار و تركت عاهات مستديمة في صفوف المعتقلين،..كما تعرض المعتقلون السياسيون لسلسلة من الإعتداءات المتواصلة من ترحيل وإبعاد تعسفي وهجوم انتقامي وحرمان من الحقوق.

ولا يمكن نسيان حركة العائلات خارج السجون والمتعاطفين مع قضية المعتقلين السياسيين بالمغرب، حيث كانت أمهات المعتقلين وزوجاتهم وأخواتهم يمثلن درعا لحمايتهم والدفاع عن حقوقهم ولسانا لإيصال صوتهم إلى الرأي العام الوطني والدولي..

لقد كانت العائلات في الواقع هي من عانت أكثر وتكبدت المشاق، ورافقتنا دون تأفف في رحلة العقاب ما بين السجون، أما نحن المعتقلون فكنا نعيش قمة التحدي مقتنعين بأفكارنا اعتقادا منا أننا نخدم قضيتنا العادلة التي كنا على استعداد للموت في سبيلها..

وكما قال ألبير كامو أن الأزمات والقيود هي التي تصنع الإنسان وتظهر ما بداخله من روح المقاومة. فإن ما عرفه المغرب من قمع وإجهاز على الحقوق ومحاولة لإسكات صوت الكرامة أدى في الأخير وأمام الصمود المعتقلين السياسيين وعائلاتهم وكل المساندين لهم إلى تكسير النير، و بداية للعد التنازلي

الذي أدى إلى طي مرحلة من تاريخ المغرب السياسي سميت ب “سنوات الرصاص”.

وانسجاما مع قناعاتهم واصل المناضلون من داخل قلاعهم ومن خارجها فضح الإنتهاكات الجسيمة المرتكبة من طرف الجلاد.. وبقينا في عملية شد وجدب..حتى أعلن الراحل الحسن الثاني رحمه الله عن عزمه إغلاق ملف المعتقلين السياسيين أثناء خطابه في 9 يوليوز 1994، وكلف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان المنشأ سنة 1990 بإعداد لائحة الأسماء.

وبالفعل حصل الإنفراج السياسي وصدر العفو الملكي الشامل الذي استفاد منه 424 من المعتقلين السياسيين والنقابيين، كما سمح بعودة المنفيين والمغتربين إضطراريا إلى أرض الوطن…

أما بالنسبة لمجموعة ال71 فقد استفادت بدورها من هذا العفو باستثناء المحكومين منها بالإعدام والذي حول إلى السجن المؤبد ليطلق سراحهم بعد أربع سنوات، ما عدا عنصرين من أعضاء “فصيلة الجهاد” حاولا الفرار من السجن المركزي بالقنيطرة سنة 1987 وهي المحاولة التي أدت إلى مقتل أحد حراس السجن، ليمكثا رهن الإعتقال طيلة ما يناهز 25 سنة.

وهكذا لفضت السجون داخل المغرب ثلة من المعتقلين السياسيين السابقين بعدما قضوا سنوات من اﻹعتقال السياسي ارتكبت في حقهم انتهاكات جسيمة لحقوق اﻹنسان خلال هذه المرحلة التي أطلق عليها “سنوات الرصاص”.

و لم يتأخر المفرج عنهم من المعتقلين السياسيين في تأسيس “المنتدى المغربي من أجل الحقيقة واﻹنصاف” إطارا جامعا لهم، سنوات قليلة بعد إطلاق سراحهم..بعدها بادرت الدولة إلى إنشاء “هيئة اﻹنصاف والمصالحة” سنة 2004 ، لتحل محل “هيئة التحكيم والتعويض المستقلة” التي أنشأتها من قبل…

نعم لقد أطلق سراحنا.. وغادرنا السجون سنة 1994 وتنفسنا الصعداء، وتوهمنا أن ساعة الحقيقة والمصالحة الوطنية والإنصاف قد حان دورها سعيا وراء طي صفحة الماضي.. لنكتشف، مع كامل الأسف، أن الإنصاف والمصالحة “سراب..، يحسبه الظمئان ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا..”، حيث لم تضع كل التدابير المتخذة حدا لاستمرار الممارسات المرفوضة التي كانت مدعاة لمعارضتنا..وصار الحال منحصرا فقط في مسألة جبر الضرر المادي لضحايا الإنتهاكات الجسيمة، بغض النظر عن مطالب التغيير وتمتيع المغاربة بكافة حقوقهم السياسية وحقوقهم الإقتصادية والإجتماعية..بينما استمرت فلول الحرس القديم في انتهاكاتها السابقة..

فبعد استراحة قصيرة عرف المغرب أحداثا إرهابية كانت لها تداعيات أعادتنا إلى المربع الأول، و واصل سيزيف معاناته الأزلية، كما عادت حليمة إلى عادتها القديمة..

لقد كان من قدري الإشتغال في “هيئة الإنصاف

والمصالحة” التي أصدرت توصيات مهمة من قبيل “ضمانات عدم تكرار الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”..لكن ما وقع فيما بعد كان صادما وامتحانا لتوصيات الهيئة..فبدعوى محاربة الإرهاب تم الإلتفاف على كل المكتسبات..، وقد خلفت لنا هذه الإنتهاكات الجديدة جيلا جديدا من ضحايا الإنتهاكات الجسيمة في صفوف ما يسمى بالتيار السلفي. كما أعقبتها موجة من الإعتقالات مع انطلاق الحراك الشعبي في فبراير 2011 وما صاحب ذلك من إجهاز على حرية التعبير والرأي والصحافة، وتراجع في مؤشرات التنمية البشرية، يضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة البطالة وغياب ضمانات العيش الكريم…بل و ازدادت الوضعية قتامة بعد جائحة كورونا إذ تم الهجوم على ما تبقى من الحق في التظاهر السلمي من وقفات واحتجاجات، وتغولت مافيا الفساد..وضاق المغرب بما رحب على أبنائه..

لقد عشنا هذه المرحلة من سنوات الرصاص إلى سنة 1999، مليئة بالصراع وتشنج العلاقة ما بين الحاكمين والشعب، فكانت الإعتقالات ومحاولات الإنقلاب العسكري والثورات والانتفاضات الشعبية التي ووجهت بالنار والحديد، وكنا شاهدين على انتفاضة 20 يونيو 1981م والتي كانت منطلقا لحراكنا، حيث وقفنا على قسوة التدخل العسكري وعبثية قنص المواطنين العزل في الدار البيضاء الذين لم يكونون يحتجون سوى ضد الزيادة في أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية، بل أن بعضهم لم يكن مشاركا في تلك المسيرات..

عشنا في مرحلة كانت فيها الشعوب مشبعة بقيم الحرية والكرامة والعدالة، مع الإستعداد للتضحية في سبيل تحقيق ذلك، كما كانت القوى الشعبية لا تتاخر في مواجهة الإستبداد والفساد.. بثورات تنطلق من قاعدة “نكون أو لا نكون”.

لقد نشأ جيلنا في فترة انتقالية ما بين الإستعمار والإستقلال، وكثير من والدينا وأقربائنا انخرطوا في صفوف المقاومة أو جيش التحرير، وقدم الشعب المغربي شهداء لتحرير الوطن من ربقة الإستعمار، وكان كله أمل في أن يعيش في أكناف الحرية والكرامة في ظل الاستقلال، لكن خابت آماله، واستمر الإستعمار الجديد في استغلال المغرب واستحمار المغاربة، و قد ناب عنه أبناء من جلدتنا..

إن نظاما سياسيا مسؤول عن حماية أبناءه و تمتيعهم بحقوقهم التي تكفل لهم الحرية والعيش الكريم، يقوم بتعريضهم للتجويع والقتل والسجن لهو أشبه بعصابة أو مافيا من أكابر المجرمين المقنعين، وأقل ما يمكن القيام به حفاظا على الكرامة والحرية وحماية الإنسان فينا يتمثل في رفض سياسات هذا النظام وفضحها ومناهضتها..لذلك عندما دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ربه قال “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي فرفق بهم فارفق به” كما أكد على أنه “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة”.

وهكذا فبدافع المناهضة واستجابة لواجب التغيير قمنا بما قمنا به..

هذه المرحلة المفصلية علمتنا معنى الوطن والحرية، وربتنا على قيم المقاومة والإباء، ولقنتنا أن”الجهاد ماض إلى يوم القيامة” وأن ” من رأى منكم منكرا فليغيره..”.

فهل يا ترى، كان متوقعا منا أمام مكر المسؤولين تمرير سياسة التجويع التي كانت تمتح من قاموس “جوع كلبك يتبعك”؟ ألم ينتبه هؤلاء المسؤولين إلى قول أبي ذر الغفاري رضي الله عنه “عجبت لمن لم يجد قوت يومه، ولم يخرج شاهرا سيفه”؟، مع العلم أن جوعى المغرب البسطاء لم يخطر ببالهم الخروج بالسيف، بل كانوا فقط يريدون التعبير عن رفضهم لسياسة التجويع الظالمة..فإذا بهم يتعرضون لما تعرضوا له..

وهل كان مطلوبا منا ابتلاع ألسنتنا، والسكوت على الظلم والإعتداء الذي أصاب أبناء وطننا العزل؟ وهم يقنصون من فوق السطوح كالطرائد..

هل كان ينبغي لنا نسيان الشهداء ومسامحة الجلاد، وتجاهل المقابر الجماعية وغض الطرف عن قتل “المستضعفين من الرجال والنساء والولدان” الأبرياء.. كأن شيئا لم يقع؟..

أتأمل الزمن الذي مر سريعا، خطونا الخطوات الأولى في درب النضال ونحن شباب يافعون، كلنا حماس ورغبة في التغيير، وقد رسمنا معا لوحة وردية لمغرب المستقبل، رسمناها بآلامنا وصمودنا، واليوم أرى مغربا لا زال يعاني من انتهاكات جديدة ويئن تحت وطأة الفساد والإستبداد، وتهديد القوت اليومي للمغاربة..ف”ما أشبه اليوم بالبارحة”.

لقد صرنا أمام طينة من بني جلدتنا باعت الوطن في حفلة تطبيع بدعوى التنمية، واغتنت على حساب المستضعفين، واستحوذت على المناصب والمكاسب وسرقت منا الوطن. بل صار وضعنا سرياليا كالأيتام في مأدبة لئام لا يرقبون فينا إلا ولا ذمة، يراكمون ثرواتهم بتجويعنا وتفقيرنا ونهب ثرواتنا و التضييق علينا، ولا يخجلون من الجمع، في شراهة غير مسبوقة، ما بين “التجارة والإمارة”، وقد تمادوا في ظلمهم وسلطوا علينا قهرهم الجبائي حتى أصبحت حالتنا أقرب من ما ذكره الشيخ اليوسي في رسالته إلى المولى اسماعيل يشكو إليه جباة مملكته الذين “جرّوا ذيول الظُّلم على الرّعية. فَأَكَلُوا اللَّحْم وَشَرِبُوا الدَّم وامتشوا الْعظم وامتصوا المخ. وَلم يتْركُوا للنَّاس دينا وَلَا دنيا..”.

فما هي الحصيلة يا ترى؟ وماذا حصدنا غير الشوك؟، بينما بقيت الحقيقة غائبة والمصالحة ضائعة واﻹنصاف مفقود..ولم ندفن الماضي..

هذه السنوات العجاف التي مرت منذ إطلاق سراحنا من السجن الصغير، والزج بنا في هذا السجن الكبير، فقدنا فيها الكثير من آباءنا وأمهاتنا، ورحل عنا كوكبة من المناضلين من إخواننا ورفاقنا الذين قاسمونا المعاناة والحلم المشترك، رحلوا وفي صدورهم غصة وأسئلة حارقة..

نعم ما يزال الجرح نازفا والحصيلة هزيلة، فماذا تغير في مغرب الحريات والكرامة اليوم؟ وما آثار سنوات الرصاص، من نضال وتدافع، لتحسين واقع المغاربة الذين ضحينا من أجلهم ؟..أين هي ضمانات عدم التكرار من واقع الممارسات؟

أم أن المسألة لم تكن سوى مناورة سياسية، من أجل امتصاص الإحتقان؟..فتحولت معها أحلامنا إلى كوابيس، بينما أصرت دار لقمان أن تبقى على حالها..

لقد فقدنا الثقة في الأحزاب والنقابات وفي المسؤولين.. إلا من رحم الله، واستيقظنا من وهم الديمقراطية وحقوق الإنسان.. وأدركنا أن التفاهة والضحالة اخترقت كل مجال جاد و واعد ، وفهمنا متأخرين بأن “السياسيون كالقرود في الغابة، إذا تشاجروا أفسدوا الزرع، وإذا تصالحوا أكلوا المحصول”، على حد قول جورج أورويل.

نعم.. يمكن وأد أحلامنا، كما يمكن لكل نضالاتنا وتضحياتنا أن تعجز عن تغيير الواقع..لكننا موقنون أن الإنسان الذي يسكننا قادر على فضح الظلم ومناهضة التعسف والإستبداد، يشهر الممانعة حتى لا يبتعلنا هذا الواقع المرير ويحولنا إلى أدوات لتبرير نزواته، لقد رفضنا أن يغيرنا الواقع بدل تغييره، حينما اختلت موازين القوة، وآثرنا أن نكون مثل الأشجار التي تموت وهي واقفة، ولم نعدم المحاولة للقيام بواجب الشهادة على صراع الحق والباطل. وما يزال الكثير من ابناء ذلك الجيل يؤدون فاتورة رفض الإنحناء للعاصفة، يعانون من القهر والظلم ومن قسوة الحرمان في هذا السجن الكبير.

لكل ذلك صار الرهان عندنا ونحن في خريف العمر أن نستمر في فضح الظلم ورفض كل محاولات المسخ والإبتلاع، داعين الله تعالى أن يلحقنا بإخواننا الذين سبقونا إلى دار البقاء، لا فاتنين ولا مفتونين، ثابتين على الحق غير مبدلين أو مغيرين..

ف”اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصَلُحَ عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل علي غضبك، أو ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

رب “تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ”.

محمد حقيقي : معتقل سياسي سابق مجموعة ال71

المحمدية بتاريخ 29 يوليوز2025

عرض لكتاب “حوارات في الأدب الإسلامي وأدب السجون: هموم وقضايا”للكاتب المغربي زكرياء بوغرارة

رائد المصري

صدر حديثا كتاب ادبي متخصص  يقوم على فكرة تقريب الادب الاسلامي وادب السجون من خلال حوارات مع رموز ادبية   لها وزنها في  الادب والفكر  كتاب حوارات في الادب الاسلامي وادب السجون قضايا وهموم للكاتب المغربي زكرياء بوغرارة يحاور ستة  من وجوه الادب  والمعرفة

الكتاب صدر عن دار مفكر للنشر والتوزيع  في 150 صفحة من الحجم المتوسط.. في طبعته الاولى 2025

في عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا، حيث تتصارع الأفكار وتتنازع القيم، يبرز الأدب كأداة فاعلة للتعبير عن هموم الإنسان وقضاياه. وفي هذا السياق، يأتي كتاب “حوارات في الأدب الإسلامي وأدب السجون: هموم وقضايا” للكاتب زكرياء بوغرارة، ليكون إضافة نوعية إلى المكتبة العربية، حيث يفتح نافذة على عالمين متقاطعين: الأدب الإسلامي بأبعاده الفكرية والروحية، وأدب السجون بمعاناته الإنسانية العميقة.
الأدب الإسلامي: بين الهوية والتحديات

يبدأ الكتاب بسلسلة من الحوارات مع نخبة من الأدباء والمفكرين الذين أثروا الساحة الفكرية والأدبية بإسهاماتهم المتميزة. من خلال هذه الحوارات، يتناول الكاتب قضايا جوهرية تتعلق بالأدب الإسلامي، مفهومه، همومه، وتحدياته. فالأدب الإسلامي ليس مجرد أدب يعبر عن قيم الإسلام وأخلاقه، بل هو أدب يعكس رؤية شاملة للكون والحياة، ويحمل رسالة إنسانية تسعى إلى إسعاد البشرية وهدايتها إلى طريق الرشد.

زكرياء بوغرارة
زكرياء بوغرارة

في حوار مع الأديب الفلسطيني جميل السلحوت، نتعرف على كيف أصبح أدب السجون جزءًا لا يتجزأ من الأدب الفلسطيني، حيث يعكس معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. كما يتناول الكتاب تجارب أدباء سوريين ومصريين خاضوا تجارب السجون، وكيف استطاعوا تحويل معاناتهم إلى أعمال أدبية تفضح انتهاكات الأنظمة القمعية.
الحوارات: رحلة في أعماق الأدب والإنسان

في حوار مع الدكتور محمد حلمي القاعود، يتضح أن الأدب الإسلامي هو أدب أمة لها تصوراتها ومنظورها الخاص للكون والحياة. وهو ليس شيئًا جديدًا أو مستحدثًا، بل هو استمرار لأدب أمة تغيرت معتقداتها من الجاهلية إلى التوحيد. الأدب الإسلامي يعبر عن التصور الإسلامي للوجود، وهو تصور مفتوح وممتد في الزمان والمكان، يحمل في طياته قيم الوحدة والأخوة والإنسانية.
أدب السجون: معاناة الإنسان في ظل القمع

بالإضافة إلى الأدب الإسلامي، يتناول الكتاب أدب السجون، الذي يعكس معاناة الإنسان في ظل القمع والاضطهاد. من خلال حوارات مع أدباء خاضوا تجارب السجون، نتعرف على كيف يصبح الأدب وسيلة للتعبير عن الألم والمقاومة. أدب السجون ليس مجرد أدب يعكس معاناة السجناء، بل هو أدب إنساني بامتياز، يكشف عن وحشية الأنظمة الديكتاتورية التي تسعى إلى الانتقام من المعارضين السياسيين.

ما يميز هذا الكتاب هو أنه ليس مجرد مجموعة من الحوارات الأدبية، بل هو رحلة في أعماق الأدب والإنسان. من خلال هذه الحوارات، نتعرف على رؤى الأدباء والمفكرين حول دور الأدب في تشكيل الوعي الإنساني، وكيف يمكن أن يكون أداة للتغيير والتحرر. الحوارات لا تقدم فقط رؤى نقدية وفكرية، بل تكشف أيضًا عن تجارب شخصية عميقة، خاصة في ما يتعلق بأدب السجون.

في حوار مع الدكتور عماد الدين خليل، نتعرف على كيف يمكن للأدب الإسلامي أن يكون جسرًا بين الأدب والإسلام، وكيف يمكن أن يعبر عن حقائق الإسلام ومعطياته. كما يتناول الكتاب قضايا أخرى مثل تباين النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية، ودور الأدب في خدمة القضايا المعاصرة مثل الأقليات والأوبئة.
الخاتمة: الأدب كأداة للتغيير

في زمن تشتد فيه التحديات وتتعقد القضايا، يأتي كتاب “حوارات في الأدب الإسلامي وأدب السجون: هموم وقضايا” ليكون مرجعًا لكل من يبحث عن فهم أعمق للأدب ودوره في تشكيل واقعنا المعاصر. الكتاب ليس مجرد مجموعة من الحوارات، بل هو دعوة للتفكير، والحوار، والتفاعل مع قضايا الإنسان في عالم مليء بالتناقضات والتحديات.

من خلال هذا العمل، يسلط زكرياء بوغرارة الضوء على دور الأدب في تشكيل الوعي الإنساني، وكيف يمكن أن يكون أداة للتغيير والتحرر. إنه كتاب يقدم رؤى عميقة حول الأدب الإسلامي وأدب السجون، ويكشف عن كيف يمكن للأدب أن يكون جسرًا بين الماضي والحاضر، وبين الذات والآخر.

في النهاية، يمكن القول إن هذا الكتاب هو إضافة قيمة إلى المكتبة العربية، حيث يقدم رؤى نقدية وفكرية عميقة، ويكشف عن تجارب إنسانية مؤثرة. إنه كتاب يستحق القراءة من قبل كل من يهتم بالأدب وقضايا الإنسان في عالمنا المعاصر.

ملخص شامل حول سجن صيدنايا (2011-2024): حقائق موثقة وتحليل عميق

مقدمة

سجن صيدنايا، المعروف بسمعته المرعبة، أصبح رمزًا للمعاناة والوحشية في سوريا منذ بداية الأزمة في عام 2011. تشير الإحصائيات والوثائق إلى أن هذا السجن لم يكن مجرد مكان للاعتقال، بل تحول إلى مسرح لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك القتل الممنهج، والإخفاء القسري، والمتاجرة بالأعضاء البشرية. فيما يلي استعراض تفصيلي للمعلومات المتوفرة حول هذا السجن وما يحيط به من شبهات وحقائق مرعبة.

الإحصائيات: أرقام تعكس مأساة إنسانية

  1. عدد المعتقلين:
    • دخل سجن صيدنايا منذ عام 2011 وحتى عام 2024 قرابة 367 ألف معتقل.
  2. عدد المفرج عنهم:
    • خرج فقط 2500 معتقل، أغلبهم من النساء والأطفال.
  3. عدد المفقودين:
    • ما زال مصير 364,500 معتقل مجهولًا حتى اليوم.

نظام المراقبة المتطور: دلالات وشبهات

  1. تقنيات المراقبة:
    • وثائق وفواتير تشير إلى تركيب منظومة مراقبة من الأغلى عالميًا.
    • هذه المنظومة تتميز بدقة عالية وبث حي عبر الإنترنت، مما يثير التساؤلات حول استخدامها.
  2. الشبكة التكنولوجية:
    • عدد كبير من الكاميرات بأعلى تكلفة، بالإضافة إلى سيرفرات ضخمة قادرة على استيعاب تحميل أفلام العالم بأسره.
    • التساؤلات تتزايد حول الغرض الحقيقي من هذا الاستثمار الضخم في المراقبة.

شهادات ووثائق تدعم الشكوك حول السجون السرية

  1. الأرقام المسجلة:
    • آخر سجين تم تسجيل دخوله هو محمد علي جمعة من حمص، قبل تسعة أيام من إعداد هذا التقرير.
    • تحليل الأرقام المسجلة يكشف أن هناك فجوة كبيرة تُقدّر بـ367 ألف رقم بين عام 2011 وآخر دخول مسجل.
  2. السجون السرية:
    • الأدلة تشير إلى وجود سجون سرية مرتبطة بشكل مباشر بسجن صيدنايا، حيث يتم نقل المعتقلين إليها.

الشبكة القذرة: بيع الأعضاء البشرية

  1. المستشفيات المتورطة:
    • هناك شبهات قوية حول تورط مستشفيي المواساة والـ601 في دمشق بعمليات بيع الأعضاء.
    • الوثائق والشهادات تربط هذه العمليات بإدارة السجن.
  2. الضحايا:
    • أغلب الضحايا من المعتقلين الذين لم يتم توثيق خروجهم، مما يزيد من احتمالية تصفيتهم لأغراض المتاجرة بأعضائهم.

الخاتمة: ضرورة المحاسبة والشفافية

تُظهر هذه المعلومات أن سجن صيدنايا ليس مجرد معتقل، بل هو محور شبكة معقدة من الانتهاكات تشمل الإخفاء القسري، والقتل، والمتاجرة بالأعضاء البشرية. إن عدم محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم سيؤدي إلى طمس الحقيقة وإفلات الجناة من العقاب.

توصيات

  1. فتح تحقيق دولي:
    • ضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للوصول إلى الحقيقة ومحاسبة المسؤولين.
  2. الضغط على الحكومة السورية:
    • من خلال العقوبات والمطالبات الدولية للكشف عن مصير المعتقلين.
  3. توثيق الشهادات:
    • تشجيع الناجين وأهالي الضحايا على تقديم شهاداتهم لضمان عدم طمس الأدلة.
  4. حماية الشهود:
    • توفير الحماية اللازمة للموظفين السابقين في السجن ممن قد يمتلكون معلومات حاسمة حول الجرائم.

نداء أخير

إن مأساة سجن صيدنايا ليست مجرد أرقام أو حقائق على الورق، بل هي قصص معاناة إنسانية يجب أن تكون محفزًا للعالم أجمع للتحرك. إذا لم يتم تسليط الضوء على هذه الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، فإن التاريخ سيحمل وصمة عار على جبين الإنسانية. السجون السرية، المدافن الجماعية، والمتاجرة بالأعضاء ليست إلا قمة الجبل الجليدي لما يحدث خلف الأسوار. يجب أن تتحد الجهود لإنهاء هذا الكابوس وكشف الحقيقة كاملة.

حبل المشنقة في صيدنايا: رمز الظلم والقهر في معتقلات الأسد

في أعماق التاريخ المعاصر لسوريا، يبرز معتقل صيدنايا كسجن يحمل في طياته قصصاً تقشعر لها الأبدان، وشهادات تحكي عن أفظع الجرائم الإنسانية التي ارتُكبت في حق معتقلين عزل، كانت جريمتهم الوحيدة في كثير من الأحيان أنهم طالبوا بالحرية أو أبدوا رأياً مغايراً لما تريده السلطات. وفي هذا المكان المشؤوم، يقف “حبل المشنقة” كرمز للرعب والتعذيب والظلم الذي لا يزال شاهداً على مأساة لا يمكن نسيانها.

صيدنايا: معقل الظلم والإبادة

يقع سجن صيدنايا العسكري على مشارف العاصمة دمشق، وقد تحول منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011 إلى واحد من أكثر المعتقلات رعباً في العالم. أُطلق عليه “المسلخ البشري”، ليس فقط بسبب أساليب التعذيب الوحشية التي تُمارس فيه، بل أيضاً بسبب عمليات الإعدام الجماعية التي نفذت بحق آلاف المعتقلين. تشير تقارير حقوقية موثقة إلى أن آلاف الأرواح أُزهقت تحت أيدي النظام السوري في هذا المعتقل، حيث كان حبل المشنقة أداة الموت الرئيسية.

حبل المشنقة: أداة القتل الممنهج

لم يكن حبل المشنقة في صيدنايا مجرد وسيلة لإعدام المعتقلين، بل كان جزءاً من آلة الموت التي استخدمها النظام السوري لترهيب معارضيه وكسر إرادتهم. كان المعتقلون يُقتادون ليلاً من زنازينهم، معصوبي الأعين، لا يعلمون أن لحظاتهم الأخيرة قد حانت. وعند الوصول إلى “غرف الإعدام”، كان القضاة العسكريون يصدرون أحكاماً بالإعدام خلال دقائق، دون أي محاكمة عادلة، لينتهي الأمر بحياة المعتقل على حبل مشنقة لا يعرف الرحمة.

قصص من الظلام

وراء كل حبل مشنقة في صيدنايا، توجد قصة إنسانية مأساوية. هناك من كان طالباً جامعياً، وهناك من كان طبيباً أو مدرساً، بل حتى أطفالاً وشيوخاً لم يسلموا من بطش النظام. تُروى شهادات عن أمهات فقدن أبناءهن دون أن يعرفن مصيرهم لسنوات، وعن أسر عاشت سنوات طويلة في انتظار عودة مفقوديها الذين كانوا قد رحلوا بلا عودة.

الآثار النفسية والاجتماعية

لم تقتصر آثار هذه الجرائم على الضحايا فقط، بل امتدت إلى عائلاتهم ومجتمعاتهم. تحولت صيدنايا إلى رمز للظلم الذي دمر النسيج الاجتماعي في سوريا، حيث باتت عائلات الضحايا تحمل أعباء الفقدان والصدمة. الأطفال الذين نشأوا دون آباء، والنساء اللواتي فقدن أزواجهن، والمجتمعات التي فقدت شبابها، كلها تعيش تحت وطأة هذا الحزن الذي خلفته المشنقة.

المطالبة بالعدالة والمحاسبة

رغم مرور السنوات، لا تزال مشاهد الظلم في صيدنايا عالقة في ذاكرة الناجين وأهالي الضحايا. تُطالب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. وقد دعت الأمم المتحدة والعديد من الجهات الحقوقية إلى فتح تحقيقات مستقلة في الجرائم التي وقعت في صيدنايا، بما في ذلك الإعدامات الجماعية باستخدام حبل المشنقة.

نحو أمل جديد

على الرغم من السواد الذي يلف قصص صيدنايا، يظل الأمل قائماً في تحقيق العدالة يوماً ما. فكل قصة مأساوية هي شهادة حية على وحشية النظام، وكل صوت يطالب بالحرية والعدالة يمثل خطوة نحو إنهاء هذا الظلم.

ختاماً، يبقى حبل المشنقة في صيدنايا شاهداً على حقبة سوداء في تاريخ سوريا، لكنه في الوقت ذاته رمز للصمود والأمل في أن تشرق شمس العدالة يوماً ما، لتعيد للضحايا حقوقهم وللمجتمع كرامته المهدورة.

تحميل كتاب شريعة الغاب و الخرافة ..

للقائد الأسير أبو أسامة عبد الله غالب البرغوثي

كتاب شريعة الغاب و الخرافة ..
“ربانية الشريعة الإسلامية و تراثية الشرائع اليهودية “

للقائد الأسير أبو أسامة عبد الله غالب البرغوثي

رسائل من خلف القضبان: بماذا تخبرنا قصاصات أوراق المعتقلين؟

لؤي هشام

كثيرًا ما اختبرت سعاد إحساس القلق والخوف عندما كان زوجها محبوسًا احتياطيًا قبل الإفراج عنه العام الماضي، وكثيرًا ما كانت رسالة قصيرة من سطرين أو ثلاثة؛ سببًا كافيًا لتبديد بعض القلق وإزالة بعض المخاوف، ومتنفسًا يمنحها بعض القوة حتى موعد الرسالة التالية. 

تتفاوت الفترات بين الرسالة والأخرى، فتواجد زوجها في العقرب يعني مدة أطول من الانتظار والقلق، أما نقله إلى المستشفى فيجعل الحال أفضل قليلًا، من ناحية استقبالها للرسائل أو الحصول على حق الزيارة.

لكن كيف تحصل على على تلك الرسائل؟ توضح سعاد أن “هناك عدة طرق، فمثلًا عندما كان زوجي ممنوعًا من الزيارة، كان يعطي رسائله إلى أحد زملائه غير الممنوعين منها، الذي يبلغها لذويه أثناء الزيارة وهم بدورهم ينقلوها لي إما بشكل شفهي أو من خلال تصويرها وإرسالها عبر واتساب”.

وتتابع “أو من خلال انتهاز أي فرصة كان يتواجد فيها خارج السجن كحضور جلسات تجديد الحبس أو إجراء كشف صحي في المستشفى، لإعطاء رسائله ورسائل باقي المعتقلين إلى المحامين، الذين يتكفلون بإيصالها إلى أصحابها”.

ومع “الحرمان القاسي من تلقي المحتجزين زيارات عائلية”، بحسب وصف منظمة العفو الدولية في تقرير أصدرته العام الماضي، اكتسبت هذه الرسائل أهمية أكبر.

أخبارك ايه يا أعظم أم ربنا يطمني على صحتك ويخليكي لينا وما يحرمناش من عطفك وحنيتك علينا ويا رب تكوني راضية عليه وعلى اخواتي. أنا لسة في الليمان ما روحتش الاستقبال. 1) يا ترى إتصلتي بـ(***) زي ما قلتلك وعرفتيها مين هيتصل بيها وتقوله إيه – أكدي عليها بالله عليكي. 2) إتصلتي بالناس ووصلتي الرسايل اللي بعتها معاك  جزاك الله خيرا، سلميلي على اخواتي.. في حفظ الله وأمنه.

كلمات قليلة تحكي الكثير من القصص

حصلت المنصة على عدد من رسائل السجناء إلى ذويهم. رسائل تخبرنا كيف يمكن أن تتحول بعض الأشياء العادية إلى ضرورة ملحة، وكيف تتعاظم بعض التفاصيل الإنسانية مع فقد الحرية؛ فأيًا كان سبب تواجد السجين خلف القضبان، يبقى إنسانًا يتمنى بعض الأمور البسيطة؛ أكلة يشتاق لها أو دواءً يحتاج إليه، أو رسالة إلى الأحباب الذين غابوا ولم تغب ذكرياتهم.  

زوجتي العزيزة الغالية؛ تحية طيبة وبعد أنا الحمد لله بخير، يوم الإثنين ذهبت إلى كبير أطباء الطب الشرعي بجوار محكمة زينهم تقريبًا المسئول عن العفو الصحي، ولما أطلعته على الورق اللي معايا قرأه واعتذر أنه لن يأخذ به لأنه لم يوجه له بصورة رسمية، وبناء عليه كتب خطابا رسميا يطلب فيه ملفي الطبي ويكون فيه كل الأشعة والتحاليل وأن يجروا لي أشعة مقطعية حديثة على الصدر والقولون وأن يحضروني ثانية إليه ومعي كافة التحاليل والأشعة المطلوبة ليُقدِّر الحالة جيدًا وذكر في هذا الخطاب رقم ملفي الذي ذكرته لك في معهد الأورام بالمنيل الجامعي، أنا الآن في مستشفى ليمان طرة.

رسائل من طرة شديد الحراسة أو سجن تحقيق طرة أو مستشفى ليمان طرة، وعنبر المعتقلين بقصر العيني، وغيرها من السجون. رسائل لا تعرف أصحابها أو اتهاماتهم أو مدة حبسهم، فتحاول أن تستشف القصص من بين تلك الكلمات القليلة. زوجتي الحبيبة الغالية السلام عليكم ورحمة ربنا وبركاته. اليوم الثلاثاء الساعة 1 ظهرًا الحمد لله أنا بخير وبصحة جيدة. الحمد لله غسلت وأنا بخير وبالنسبة لموضوع الروچيتا ده مش هينفع هذا لأنه لا يوجد روچيتات في المستشفى فأرجو أخذ روچيتا من الدكتور اللي هتروحي له غدًا بإذن الله. وأنا مش عاوز طلبات ولا أكل خاص تمامًا ولا أي شيء استودعكم الله الذي لا تضيع عنده الودائع.

حميمية يقتلها الخوف

يمنحنا إبراهيم أحمد وهو نجل أحد المحكوم عليهم بالسجن المؤبد في إحدى القضايا، مزيدًا من التفاصيل المتعلقة بكيفية الحصول على الرسائل. 

يوضح إبراهيم أكثر في حديثه مع المنصة “نحصل على الرسائل مثلًا عن طريق واتساب. فيه جروبات (مجموعات) لكل سجن خاص بأسر المعتقلين فيه، وأيضا نرسل أجوبتنا أو رسائلنا لمعرفة أخباره من خلال بعض الأسر الأخرى ممن نعرفها جيدًا ويتواجد ذويهم مع والدي في نفس المكان”. السلام عليكم/ أمي/ أنا بخير والحمد لله لسة ما عملتش العملية ولو عايزين تزوروني تعالوا في أي وقت واعملوا حسابكم في 200 جـ وزجاجة برفان العود وهاتوا قلم جاف 7 ملم وقلم سنون 7 ملم وقصافة ومكنة حلاقة وشبشب بلاستيك مقاس 45 وكتاب فن الحوار والاتصال لـ د/ إبراهيم الفقي وسلامي بكل الأمل.

خلال الآونة الماضية ومنذ انتقال والده إلى سجن ليمان طرة أصبحت الزيارات أكثر سهولة وتحدث بشكل طبيعي، ولكنه يشير إلى أن الوضع يختلف من سجن إلى آخر، فقبلها ولمدة ست سنوات تنقل فيها والده بين ثلاثة سجون هي القناطر ووادي النطرون والاستقبال، اختلفت المعاملة بحسب السجن.  الزيارة القادمة الأحد 19 مارس فلا تأتوا الأحد القادم ضروري لأنه من المحتمل أن أخرج للعملية الأحد.

يشرح أكثر “كان سجن ليمان 430 بوادي النطرون الأسوأ من بين السجون الأخرى إذ أنه شديد الحراسة وذهب والدي إليه بتذكرة (شديد الخطورة)، كان بيكون فيه ترخيم (تشديد) خلال الزيارات ويجلس أمناء شرطة معنا، إضافة إلى قصر مدة الزيارة، ومنع العديد من الأشياء من الدخول”. أخوك. إلى اختي الحبيبة وحشني جدًا انتي عملة ايه و(***) و(***) و(***) معلش أنا عاوز 2 علبة كشري زي اللي جه قبل كدة علشان الناس طالبينوا مني عشان هو حلو أوي.. أخوك المخلص لكي وابنك.

وفقًا لإبراهيم، فإن إدخال طلبات السجناء أثناء الزيارة لا يخضع لقواعد محددة، وأنه “ساعات لا يُسمح بدخول أشياء رغم أنها أشياء عادية كشامبو أو فرشة أسنان، أما ماكينة الحلاقة فلا تدخل في أغلب الأوقات، فيما قد تدخل أشياء أخرى مُنعت في وقت سابق كالورق للدراسة مثلا، ثم يمنعونه مرة أخرى رغم تقديمنا ما يثبت أنه لدراسة ماجستير. لا يوجد وضع ثابت بل أهواء تتحكم في ذلك”. أمي الحبيبة يارب تكوني بخير حال. هاتي الحاجات دي في الزيارة الجاية. 1) غسول للفم “غرغرة” لسيترين zero. 2) فرشاة حلاقة+ ملقاط + علبة سلاكة أسنان من الصيدلية. 3) 2 صابونة كبريت+ 3 صابون لوكس كبيرة. 4) شبشب مقاس 44 زي اللي عندك بالضبط 5) سالفيكس ماس للثة. 6) ليفة استحمام + علبة سويتال سكر.

تظهر الحاجة الماسة للرسائل بعدما باتت في كثير من الأحيان وسيطًا أكثر أريحية في تبادل الحديث والطلبات. يوضح إبراهيم أن بعض الرسائل من والده أثرت فيه ويتذكر جيدًا ما جاء فيها، لكنه فضّل عدم الخوض في تفاصيلها لأنها “حاجات شخصية وأسرية نُفضّل أن تكون لنا نحن فقط”. وحشتوني جدًّا وسلامي لأهلي وأولادي وأنا منتظركم قريبًا في الزيارة وحاولوا تعملوا تصريح نيابة وتأتوا بسرعة وأحتاج إلى الأشياء الآتية: 6 فطير مشلتت. 6 فطيرة النوع الثاني. صنية كيك أو معمر. مقشرة بطاطس. بصل. وعايز 150 جنيه.

مع ذلك فإن أغلب الرسائل التي حصلت عليها المنصة تُظهر استخدام أسلوب مباشر وواضح دون الكثير من البلاغة أو الأدبيات، ولهذا أسبابه. إلى زوجتي الحبيبة أم (***) أنا عاوز 2 شنطة زيارة جديد وعاوز كوب جديد يكون جيدًا وهاتي الساعة معاكي ضروري الزيارة القادمة يوم الخميس علشان صاحبها عاوزها سلامي لـ (***) و(***) وسلام خاص لـ (***) نور عيني ولب القلب. ملحوظة: متجيبيش أكل معاكي

حميمية يغيّبها الخوف

تتسبب الرقابة الأمنية في الخوف من إظهار المشاعر أو الحكي عن تفاصيل الحياة الخاصة، حسبما أوضح للمنصة معتقل سابق رفض ذكر اسمه قائلًا: “ساعات بنبقى عارفين أن الرسايل دي ممكن تقع في إيدين أمين أو شاويش ممكن يستغلها لابتزازنا مثلا أو في إبلاغ رؤسائه، وساعتها هنقع في مشكلة أكبر”.


زوجتي الحبيبة وحشتيني أنت و(***) و(***). أخباركم إيه والله العظيم مفتقدكم جدًا جدًا ونفسي أشوفكم قوي.. عارف طبعًا إنه غصب عنك علشان الجامعة والمدارس.. الله يكون في عونك ربنا يجزيكي خير على تعبك وصبرك وثباتك، ربنا ما يحرمني منك ولا من نور عينيا. أحب أطمنكم أنا الحمد لله بخير وصحتي تحسنت من فضل الله ولا ينقصني إلا رؤياكم. أنا لسة في مستشفى ليمان طرة لسة ماروحتش الاستقبال. خلي بالك من صحتك أنتي الأم والأب وصحتك تهمنا سلميلي على الحاج (***) والحاج (***) والحاجة (***) وقولي لعمو (***) عيب عليك اسأل عليا لأنك وحشه كتير ربنا يخليك ليه وما يحرمنا من وجودك دايما، وبقولك فرجه قريب ولما اطلع هجيلك لو في الدور 17 وعايز أعرف (***) جاب الفلوس ولا لأ ولو بعتهم كام أشوف وشك بخير.  في حفظ الله وأمنه.

لكن رغم ذلك لم يحاول البعض منع نفسه من إظهار القليل مما يحس به ببساطة. فهنا معتقل ينهال على زوجته بكلمات الحب، وآخر ينادي زوجته بـ “جميلتي”، و”حبيبتي”، بينما يتحدث ثالث عن انتظار اللقاء “بشوق المحب لمحبه”. زوجتي الحبيبة السلام عليكم وحشتيني كتير منتظرك بكرة بشوق الحبيب لمحبه. شوية حاجات بسيطة متنسهاش: – عدد 3 ميتاديرم – كريم حساسية للوجه- مصحف صغير – لو أمكن راديو جيب ويا ريت يكون شحن ولو بحجارة هاتي حجارة معاكِ – عدد 2 ماكينة حلاقة- كتاب من كتب السيراميك اللي عندنا. جميلتي أم (***) السلام عليكم؛ – ضروري جدا متجبوش أكل بس هاتي الكيكة والكنافةبتاعة بسبوسة. – هاتي راديو لأني ملقيتوش هنا وبيقولوا موجود في المحلات أمام السجن أو من إسكندريةزي ما أم أحمد كانت بتقول وهاتي معاه سماعات بدون مايك. – سكر دايت علشان آخده العقرب.

تُظهر أغلب الرسائل السابقة اكتفاء المعتقلين بالإبلاغ عن حالتهم واحتياجاتهم، لكن بالتأكيد الرسائل المكتوبة لا تتوقف عند هذا الحد، فنحو قبل شهر كشفت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا عن أوضاع سجناء العقرب المتأزمة “عبر رسائل مسربة تمت كتابتها بوسائل بدائية على مدار سبعة أشهر في محاولة لنقل معاناتهم”، وهي ضمن تسريبات للمعتقلين بين الحين والآخر.

وفي شهادة بعض المعتقلين في التقرير وصفوا هيئة السجن والزنازين التي يتم احتجازهم بها “سور كبير تحيطه أبراج حراسة وداخل هذا السور 4 عنابر كل عنبر على شكل حرف (H) كل ضلع من أضلاعه يسمى وينج وكل وينج به 21 غرفة + غرفة الشاويش + حمام + مطبخ + غرفة أخرى وتحت كل (H) بدروم بطوله وعرضه تجري فيه مواسير الصرف وهو ممتلئ على آخره بمياه الصرف وتعيش فيه الفئران بكثافة، وهو مرتع للبعوض، وأحيانا تخرج منه الثعابين”. أختي الحبيبة (***)  ألف سلامة لك. شفاك الله وعافاك. كنت أتمنى أن أكون بجوارك في هذا الوقت، ولكن إرادة الله غالبة. ربنا يجمعنا قريبا.

وأضاف التقرير أنه هناك زنازين في العقرب تم تصميمها لتكون أكثر سوءا من مثيلاتها؛ التأديب والعزل والإعدام والعنصر، وهي زنازين ضيقة للغاية حوائطها مطلية باللون الأسود القاتم، لا إضاءة بها مطلقا، لا مياه، لا شمس، لا تهوية، لا مراوح أو شفاطات حتى الفتحة الموجودة بالباب (النظارة) لاستلام التعيين (طعام السجن) تُغلق بقفل من الحديد من الخارج ولا تفتح إلا لإدخال التعيين. أنا الحمد لله كويس والزيارة كانت جميلة جدا وسلميلي على ماما كتير.. وماتنسيش تاخدي الحاجة من أم (***) وكمان تديها 100 جنيه توصلها لمصطفى وهو هيوصلها لـ (***) ف غرفة (9).. وكلمي د/ (***) خليها تسأل د/ (***) عمل ايه في موضوع الفلتر مع المباحث؟

وأوضح التقرير أن معتقلي العقرب محرومون من التريض منذ الرابع من أبريل/ نيسان 2017  وهو ما أدى لانتشار الإصابة بالربو والجرب والسل بين المعتقلين. 

يتوافق ذلك مع إحدى الرسائل التي حصلنا عليها ويطالب فيها المعتقل أهله بغلي ملابسه بسبب الجرب. – وحشتوني جدا. – أرجو الطعن على قرار حبسي 45 يوما من المحامين. – أرجو غلي الهدوم والليفة أيضًا لأني مصاب بالجرب آسف لإزعاجكم وشكرا.

ومع اقتراب الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير، تفرض السلطات -كعادتها مع كل ذكرى- تضييقًا واسعًا على السجناء، وتتوسع في منع الزيارات. حينها، ستكون ورقة صغيرة بكلمات يصعب تبينها، الوسيلة الوحيدة لإدخال بعض الطمأنينة على قلوب حنّت فرضخت لأقل القليل مما يفرضه الواقع.


* جميع الأسماء في هذا التقرير هي أسماء مستعارة لحماية المصادر.

أحمد سحنوني ضحية تعذيب رهيب في السجون الفرنسية

في أول خروج إعلامي له كشف المعتقل السابق أحمد اليعقوبي السحنوني المزدمج الجنسية فرنسي من أصل مغربي.. عن معاناته وعائلته عند اعتقاله واقتحام منزله ولاضرار التي طالتعائلته .. سرد قصة معاناته وعرى زيف الشعارات التي ترفعها فرنسا… قصة مؤلمة وموجعة بعد قضاءه عدة سنوات في السجون الفرنسية تم تجريده من جنسيته لفرنسية وترحيله للمغرب حيث اعيد اعتقاله ليقضي عدة شهور في سجون المملكة ….

قصته المؤلمة وثقتها كاميرا موقع العمق المغربي في حوار مطول