Tag Archives: المعتقلات

قراءة في رواية “المسكوبية: فصول من سيرة العذاب” لأسامة العيسة

اسمي جوقة لأننا كثيرون

قراءة في رواية “المسكوبية: فصول من سيرة العذاب” لأسامة العيسة

موسى م. خوري

حمل أسامة العيسة في روايته “المسكوبية: فصول من سيرة العذاب”، الصادرة عن مركز أوغاريت 2010، همّ كنس أزقة مدينة القدس بفرشاة أسنان، ونجح في أن يحرر روايته من متلازمتين أدبيتين فلسطينيتين: البطل الشاطري، والسجن/ النفق. أقف، قبل مقاربة هذه الأطروحة الثلاثية، على ثلاث عتبات من عتبات الكتاب لها دلالات ملحوظة مخطط لها. العتبتان الأولى والثانية تلتحمان لتبسطا، بالإحالات المضمنة فيهما، جامِعَ النص، والعتبة الثالثة عتبة مشاكسة تمتلك كمونَ حيرة، ويمكن أن تخلّق دهشة من عيار ثقيل، تحسب لشكل الكتاب ومضمونه معا.

الصورة على عتبة الغلاف الأمامي، والممتدة لتتداخل مع صورة/صور عتبة الغلاف الخلفي، تنبئ بالتحول الذي طرأ على المكان المعيّن في عتبة العنوان الرئيسي “المسكوبية”، الذي صار ثيمة ضابطة لتفريعات الاعتقال والتعذيب والإكراه، وصولا إلى السجن الكبير الذي هو الاحتلال الإسرائيلي. والرواية، من صفحتها الأولى التي تغطيها صفحة الغلاف الأمامية  إلى صفحتها الأخيرة التي تغطيها صفحةُ الغلاف الخلفية، تظل سياحة في تغير المشهد/ المسكوبية، باعتباره المكان الصغير المتناهي في الكبر (مع كل دلالات الصغر والكبر)، وباعتباره أيقونة – بلغة مايكروسوفتية – تنفتح على المكان الأرحب الذي أحال العيسة في روايته على مداميكه الأصغر التي تتلاحم لتحقيق كبره –  مدينة القدس.

كان لعتبة الخطبة أثر ليس بسيطا عليّ، فقد خربطت في البدء مياهي الجوفية بالمعنى السلبي للخربطة، ثم خربطت – لاحقا- مياهي الجوفية بالمعنى الإيجابي. ما فاق حد الإزعاج عند قراءتي لعتبة الخطبة أنها قدمت مسردا لسجناء النخبة في فلسطين، وصرت أحسب – مدفوعا بلا براءتي التي يسوغها غياب براءة فعل الكتابة أصلا – أن الكاتب مهووس بالانتماء إلى طبقة خطط منذ جيل مبكر، وهو الفتى القابع في سجن المسكوبية، أن ينتمي إليها – طبقة الكتاب. صارت القدس في الخطبة قدسَ النخبة التي تقدمها كتب مقرر اللغة العربية وكتب التاريخ، وبدأت أحسب أن هذه العتبة/البوابة ستؤدي إلى خرابة. لأني طويل أناة عندما يصير الأمر متعلقا بالقراءة، ولأني أحاول أن أكون القارئ الذي اشتهيه عندما أكتب أنا نصا، تابعت القراءة واكتشفت أنني أمام كاتب مهووس بالخلخلة وينتمي إلى الرصيفيين، ويزاحمني على ذلك وأحب مزاحمته. صارت الخطبة بعد قراءة الرواية (وأي قراءة واعية هي قراءة مقارنة بالضرورة) هي النص الذي أراد الكاتب في جوانب كثيرة من روايته، التي تنتمي إلى أدب السجون، أن يخرقه وبتدبير مسبق. ما أتى في الرواية، بعد مسرد النخبة في الخطبة،  توثيق لحياة المهمشين والرصيفيين الذين، وإن ظلوا في ذاكراتنا، يظلون أرقاما أو أسماء تراكم سجلنا الوطني في خانة السجن أو النضال أو الاستشهاد، ودون احتفاء بتفاصيل اليوميات التي توثق لحقيقة أنهم كانوا، قبل أي شيء، وحتى قبل رصيفيتهم، أناسا من لحم ودم.

في قراءة له يعيد فيها اكتشاف الشاعر الفلسطيني الرصيفي طه محمد علي، استثمر الكاتب والأكاديمي والمترجم الفلسطيني أنطون شماس عبارة مجهولة السياق لشاعر يوناني (أركيلوكس) عاش في القرن السابع قبل الميلاد، والعبارة هي:  “الثعلب يعرف أمورا كثيرة، أما القنفذ فيعرف أمرا واحد كبير الشأن”. يقول أنطون شماس في اتكاء على تأويل للعبارة ورد في دراسة عن تولستوي الحرب والسلام لكاتب وأكاديمي ثعلب هو إشعيا برلين : “الكتّاب – ولا فضل لأحد على أحد إلا بالموهبة – يمكن أن يصنّفوا بين عالمين: عالم القنافذ وعالم الثعالب، بين أولئك الذين يردّون الأمور إلى منظومة واحدة تهيمن على كل شيء، إلى فكرة كبرى تنظم العالم ومن خلالها يدركون الأشياء فكريا وعاطفيا، وبين أولئك الذين يطاردون أمورا شتى قد تبدو في غالب الأحيان متناقضة للناظر، لا علاقة ظاهرة بينها ولا تنضوي تحت مبدأ أخلاقي أو جمالي واحد”. أسامة العيسه، في متتالية استثمارية للعبارة اليونانية، قنفذ مغرق في قنفذيته،  فهو يعرف في عمله هذا وفي أعماله الأخرى وفي كثير من تلفظاته التي ترد في نصوصه الموازية، يعرف شيئا واحدا عظيم الشأن، يعرف أنه صاحب مشروع روائي لتقديم الزمان والمكان الفلسطينيين سرديا.

ليس الذي شدّني في قنفذة الكاتب تركيزه  على القدس باعتبارها المكان الذي يشغل حجر الزاوية في ذاكرتنا المكانية فقط، بل باعتبارها “المكان قيد الصيرورة”، المكان الذي نسهم جميعا، البدو والأحباش والأقباط واليونان والنور والعرب المسلمون والمسيحيون، بنسج علاماته الفارقة، لكن كل بخيطه ومسلته. في نص غير بصير يرد في مقرر اللغة العربية الفلسطيني للصف السادس تصير الإحالة على كنيسة القيامة، مثلا، باعتبارها الـ (مكان) الذي يحوي تمثالا مرصعا بالجواهر للسيدة العذراء، وفيه مصابيح ثمينة. تظل الكنيسة، بما تحويه، مشلّحة من اسمها (القيامة) الذي يحيل، بكل دلالاته الميثولوجية، والوطنية، والأدبية الاستعارية، على الذي يحيل عليه. صك دولوز وجواتري، في دراستهما لأدب كافكا، التشيكي اليهودي الذي كتب بالألمانية، مصطلحَ “الماينور ليتيرتشر”، أو الأدب الذي تنتجه الأقلية بلغة الأكثرية والذي يمتاز بطابع تفكيكي لصيغ الأكثرية ومروياتها الشرعية والمشرعنة التي ترعاها الـ “سلطة؛ وكتب أسامة العيسة نصا ينتمي إلى هذا التصنيف لأنه نأى بالقدس عن مقرر اللغة العربية الذي يجعل المدينة مدينة يتعهد “مؤرخوها الجدد” للـ “أقليات” بذكر مجزوءِ مقدساتهم ومروياتهم التي أسهمت قطعا في تشكيل راقات وتراكمات ثقافة المكان.

 مشى العيسة أميالا إضافية في نص المسكوبية، وذكر الذين ذكرهم وقدم – بدفع من وعيه القائم بتنميط المكان – وعيا ممكنا أساسه رؤية لعالم المدينة باعتبارها نصا يقتات على نصوص كثيرة. قدس العيسة، التي يكنسها بفرشاة أسنان، تظل في الرواية لوحة فسيفساء شكّلها تراص مداميك حجارتها الصغيرة المتناهية في الكبر، حجارتها  المختلفة بانسجام والمنسجمة باختلاف. تذكرني قدسه بمروية القديس مرقس حين أحال على حادثة السيد المسيح الذي قبل أن يطرد الأرواح الشريرة من ساكن المقبرة سأله: ما اسمك؟ فأجاب: اسمي جوقة لأننا كثيرون. القدس في الرواية جوقة لأنها كثيرون، وفيها تبرز التفاصيل الصغيرة التي حذرنا درويش من إسقاطها في سطره البصير: “سنصير شعبا حين ننسى ما تقول لنا القبيلة، حين يعلي الفرد من شأن التفاصيل الصغيرة”.

من العلامات الفارقة الأخرى لهذه الرواية تبطيل البطل. أبطال الرواية يعرفون ولا يعرفون، أو لا يوسمون دائما بفضيلة المعرفة. ظلت فضيلة اللامعرفة سمة في مواقف كثيرة لهم، ما جعل الرواية رواية مشغولة  بالسؤال أكثر من انشغالها بالجواب. في السياق ذاته، تخلت الرواية عن الشاطرية بالمفهوم الشعبي، فالبطل فيها ليس شاطرا حسنا يوهب البطولةَ ولا يصنعها، وشخوص الرواية من المساجين ليسوا فوق الحزن والألم، وأمهم – إن ماتوا –  تنهدّ، فـ”الأم أم حين تثكل طفلها تذوي وتيبس كالعصا”.

احتفت الرواية، وهي تبطل البطل، بالحميم واليومي والرصيفي كذلك، فيها نرى العالم السفلي، وفيها – وهنا الأهم – نعيش تجربة السجن في اليومي، ولا نعيشها في عتمة النفق الذي سيفضي، وإن بعد كثير من التأبيدات، إلى النور. لم نعش في الرواية حالة الوطان التي يعيشها كثير من العرب في مهاجرهم حين يعلقون اليومي ويعلقون معه دوران أضراس الحياة والعمر لأنهم سيعودون يوما ليشربوا حليب البلاد. اعتنت الرواية بالنفق لأن التجربة التي تصير فيه لا تقل أهمية عن النور الذي في آخره؛ فهو ساعة يضج بالحياة يصير منيرا بفعل أنسنة المقيمين (السجناء والسجانين) الذين لا تصير حياتهم فيه مع وقف التنفيذ انتظارا لخلاص مفترض.

أغلب المقالات التي تناولت هذه الرواية في صحافتنا المحلية أو العربية عابت عليها محدودية حركة الحدث الدرامي، أو وسمتها بالتشظي الذي أحدثته كثافة الالتجاء إلى صيغة التحقيق الصحافي، لكن أحدا من كتاب هذه المقالات لم يشر إلى أننا يمكن أن ننظر إلى شكل الرواية، في بندوليته المراوحة بين الحيرة والمعرفة والاستباق والاسترجاع والتقريرية الصحافية والتنظير، باعتباره شكلا مماثلا لحالة اللاثبات في الواقع الفلسطيني، ليصير شكل الرواية، والحال، مضمونا. يمكن لقارئ مخلص أن يضع الرواية في زنازين كثيرة، بل يمكن أن يشبحها، بلغة السجن، ويضع على رأسها كيس خيش معشقا برائحة ما، ويمكن أن يثير أسئلة كثيرة حول مبرر بروز “حصون تارجت” في خطبة الكتاب (السجون التي بناها البريطانيون) على حساب المسكوبية – مكانا وعنوان نص، ويمكن أن يشار  إلى مواقع كثيرة يحتاج فيها النص لتحرير أسلوبي ولغوي من عيار معقول. يبقى، مع كل ذلك، أن هذه الرواية التي استحقت الجائزة العربية للإبداع الثقافي عن فئة الرواية (2013) حققت، مع غيرها من الأعمال بالضرورة، خرقا ثلاثيا: انتصرت للتفاصيل الصغيرة المتناهية في الكبر، ونزعت سمة الشاطرية عن بطل السجون وانحازت لأنسنته بطلا يصنع البطولة ولا تهبها له بنائية فلاديميرية (نسبة إلى وظائف فلاديمير بروب الدراماتيكية في كتابه مورفولجيا الحكاية الخرافية)، وأنارت النفق (الزنازين وغرف التحقيق وغرف الحبس) الذي يضج بحياة آدميين يتحدون حياةً أرادها سدنة المسكوبية، وغيرهم، حياةً مع وقف التنفيذ.


أكاديمي وكاتب فلسطيني.

أدبيات السجون جميل السلحوت

أدبيات السجون

 

 

جميل السلحوت

لا يمكن هنا القفز عن أدبيّات الأسرى الفلسطينيّين، مع أنّ الكتابة عن التّجربة الإعتقالية ليست جديدة على السّاحة الفلسطينيّة والعربيّة وحتّى العالمية، ونحن هنا ولأهمّيّة هذا الموضوع نشير إلى ما استطعنا جمعه من كتابات للأسرى في مختلف المجالات وليس في الرّواية فقط، وممّن كتبوا بهذا الخصوص: في العام 2015 صدرت رواية ” الشّتات للدكتور رأفت خليل حمدونة من قطاع غزة والذى اعتقل في 23/10/1990 وأمضى 15 عاما وتم الافراج عنه في 8/5/2005 ، وكان قد كتبها حمدونة أثناء الاعتقال في سجن بئر السبع – ايشل وطبعت في العام 2004 طبعة أولى ، وله ثلاث روايات سابقة وهى : ” قلبى والمخيم ” في سجن هداريم وطبعت في العام 2006 ، ورواية ” لن يموت الحلم ” كتبت في سجن عسقلان وطبعت في العام 2007 ، ورواية ” عاشق من جنين ” في سجن نفحة الصحراوى وطبعت في العام 2003 طبعة أولى ، و 2005 طبعة ثانية ، ومن كتابات الأسرى أيضاً ديوان “ماذا يريد الموت منا؟” لتحرير اسماعيل البرغوثي، ورواية “الأسير 1578″ للأسير هيثم جمال جابر، وروايات ” وجع بلا قرار”، “خبر عاجل” و “بشائر” للأسير كميل أبو حنيش، والتجربة الاعتقالية للدكتور عبدالستار القاسم.

وفي العام 2015 صدرت رواية “خريف الانتظار للأسير حسن فطافطة، وفي العام 2016 أيضا صدرت رواية “الحنين إلى المستقبل” لعادل سالم، ورواية “وجع بلا قرار” للكاتب الأسير “كميل أبو حنيش”، وفي العام 2018 صدرت مجموعة قصصية للأسير سائد سلامة بعنوان “عطر الإرادة” ورواية حكاية سرّ الزيت” لوليد دقّة. وفي العام 2019 “جمر خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السّجون العثمانيّة في أواخر العهد العثمانيّ، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشّهيرة عام 1930تخليدا للشّهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشّاعر الشّعبيّ عوض النّابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشّهيرة” ظنّيت النا ملوك تمشي وراها رجال” وكتب الدّكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن العشرين (أوراق سجين)، كما صدرت عام 1973 رواية “المحاصرون: لفيصل حوراني، و”شهادات على جدران زنزانة” الصادر عام 1975 لغازي الخليلي ويتحدث فيه عن تجربته في السجون الأردنيّة. كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة “سجينة” القصصية للرّاحل عزّت الغزّاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان، “و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، ورواية “الأسير 1578” لهيثم جابر.

وروايات “ستائر العتمة” و “مدفن الأحياء”و”أمهات في مدفن الأحياء” ورواية “الشعاع القادم من الجنوب”وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، وكتبت عائشة عودة “أحلام بالحرّية” و”ثمنا للشّمس”. و(تحت السّماء الثامنة)لنمر شعبان ومحمود الصّفدي، ، و “الشّمس في معتقل النّقب” عام 1991 لهشام عبد الرّازق، وفي السّنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنّائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصّمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرّمل” لنافذ الرّفاعي، ورواية”المسكوبيّة” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية”عناق الأصابع” لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر “ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي” لمروان البرغوثي” و”الأبواب المنسيّة” للمتوكل طه، ورواية “سجن السّجن” لعصمت منصور، وفي العام 2012 صدرت رواية”الشمس تولد من الجبل لموسى الشيخ ومحمد البيروتي” كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون أيضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن. وفي العام 2011 صدرت رواية”هواجس سجينة” لكفاح طافش، وفي 2013 صدر كتاب”الصّمت البليغ” لخالد رشيد الزبدة، وكتاب نصب تذكاري لحافظ أبو عباية ومحمد البيروتي” وفي العام 2014 رواية”العسف” لجميل السلحوت”، ورواية “عسل الملكات” لماجد أبو غوش، وفي العام 2015 “مرايا الأسر” قصص وحكايا من الزمن الحبيس” لحسام كناعنة، ورواية” مسك الكفاية سيرة سيّدة الظلال الحرة” و “نرجس العزلة” إضافة إلى ديواني شعر هما: “طقوس المرة الاولى”، “أنفاس قصيدة ليلية”، كما صدرت له عام 2019 عن دار الآداب في بيروت رواية “خسوف بدر الدين”، ورواية “زغرودة الفنجان” للأسير حسام شاهين، وفي العام 2015 صدرت رواية خريف الانتظار المحطات” للكاتب بسام الكعبي، وكذلك كتب”اربعون يوما على الرصيف” لصالح ابو لبن. وفي العام 2016 صدر لإبراهيم رجا سلامة “كتاب قبة السماء –”  كتاب يوثّق فيه تجربته في الأسر -، وبين العامين 2007 و2017 صدرت أربع روايات” خبر عاجل، بشائر، وجع بلا قرار، والكبسولة” لكميل سعيد أبو حنيش، وفي العام 2021 صدرت له رواية “الجهة السابعة”، و”كتاب وقفات مع الشعر الفلسطيني”. كما صدرت رواية “الشتات” للأسير المحرّر د. رأفت خليل حمدونة، كما صدر عام 2017 كتاب “صدى القيد” لأحمد سعادات. وفي العام 2018 صدر كتاب “رسائل في التجربة الاعتقالية” للكاتب الفلسطينيّ الأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب، كما صدر كتاب””إضاءات على رواية المعتقلين الأدباء في المعتقلات الإسرائيلية” لرائد محمد الحواري”. وفي العام 2019 صدرت رواية “العنّاب المرّ”للأسير المحرّر أسامة مغربي.

وصدر كتاب”دائرة الألم” ورواية “ليس حلما” للأسير سامر عصام المحروم.

وصدرت “رسائل في التجربة الاعتقالية” للكاتب الفلسطينيّ الأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب، و صدر للجاغوب روايتان من داخل المعتقل، الأولى بعنوان “أحلام”، والثانية بعنوان “أحلام مؤجلة”. كما صدر له كتاب بعنوان “رسائل في التجربة الاعتقالية”. كذلك صدر له عدد من الدراسات منها دراسة بعنوان “أطروحات في الوعي بالمشروع الصهيوني في فلسطين”، وأخرى بعنوان “الخارطة السياسية الإسرائيلية.”

وصدرت روايتان “تحت عين القَمَر” و”سراج عشق خالد” للأسير معتز محمد فخري عبدالله الهيموني”. وصدرت رواية” حسن اللاوعي” لإسماعيل رمضان. رمضان

وفي العام 2020 صدركتاب ثقافة الإدارة وإدارة الثقافة” للكاتب حسن عبدالله، الصدور العارية” للكاتب خالد الزبدة، و”العناب المرّ” لأسامة المغربي. وصدر كتاب”الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية: الجهاز القضائي في خدمة الأمن العام”، لعبد الرازق فرّاج.

وصدرت للأسير هيثم جابر خمسة كتب وهي: مجموعته القصصية “العرس الأبيض”، وروايتاه “الشهيدة” و”الأسير 1578″، وديواناه “زفرات في الحبّ والحرب” بجزئيه الأوّل والثاني. وصدرت عام 2020 رواية “تَحتَ عين القَمَر – آلة الزمن الوهمية” ورواية”سراج عشق خالد” للأسير معتز الهيموني، ورواية “عشق خالد”. وصدر كتاب نصر الطيار” للأسير إسلام صالح محمد جرار. وصدرت رواية”أنفاس امرأة مخذولة” للأسير باسم خندقجي، كما صدر للأسير حسام شاهين كتاب”رسائل إلى قمر-شظايا سيرة”. كما صدر كتاب “لماذا لا أرى الأبيض” للأسير راتب حريبات. وصدر كتاب “حسن الّلاوعي سروج خالية”للأسير المحرّر اسماعيل رمضان، ورواية “عاشق من جنين” للأسير المحرر رأفت خليل حمدونة، وفي العام 2020 أيضا رواية  ظلّ الأيّام” لبهاء رحّال.  وصدر كتاب”القديس والخطيئة” للأسير خليل أبو عرام، كما صدر كتاب “مرفأ الذكريات” لفهيمة هادية خليل، الذي كتبته عن زوجها الأسير الأمني المرحوم فتحي خليل من طرعان، وعن اتحاد الكتاب الفلسطينيين صدر  “للسّجن مذاق آخر” “للأسير أسامة الأشقر. وفي العام 2020 صدر ايضا سردية “الخرزة” للأسير منذر مفلح.

وفي العام 2021 صدرت رواية “سراج عشق خالد”  للأسير معتز الهيموني. كما صدر ” أسرى وحكايات، من فن السيرة في السجون” للأسير أيمن ربحي الشرباتي، وصدر “جدلية الزمان والمكان في الشعر العربي” لكميل أبو حنيش. وصدر كتاب” احترقت لتضئ” للكاتبة الأسيرة المحررة  نادية الخياط، وصدرت رواية” فارس وبيسان”للأسير ثائر كايد حماد. وصدر كتاب “المغيبون خلف الشمس” للدكتور عقل صلاح. وصدرت رواية “حجر الفسيفساء” للأسيرة المحررة مي الغصين، وكتاب” منارات في الظلام” للأسير المحرر حسن الفطافطة، وصدرت رواية “الطريق إلى شارع يافا” للأسير عمار الزبن. وصدر ديوان ” عن السجن وأشياء أخرى” للأسير  ناصر أبو سرور، كما صدر عن وزارة الثقافة كتاب” احترقت لتضيء” للأسيرة نادية الخياط. وصدر كتاب “ترانيم االيمامة” تأليف الأسيرات المحرّرات: مي وليد الغصين، شريفة علي ابو نجم، تغريد محمد ابراهيم سعدي،  عطاف داود عليان، أريج عروق، لينا احمد صالح جربوني، جيهان فؤاد دحادحة، نهاد عبدالله وهدان،  عهود عباس شوبكي ومنى قعدان-سُجنت ثانية، إشراف ومتابعة إبتسام أبو ميالة. وصدر ديوان “أنانهم” لأحمد العارضة، وصدرت رواية حجر الفسيفساء لمي الغصين، صدر ديوان “عن السجن وأشياء أخرى” للأسير ناصر أبو سرور.

كما صدر كتاب” الأسرى الفلسطینیون داخل السجون الصھیونیة” لمحمد محفوظ جابر. وصدر كتاب “عين الجبل” للأسير محمد الطوس. وصدر كتاب “حروف من ذهب” للأسير قتيبة مسلم، وفي العام 2021 صدر أيضا كتاب”ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال الإسرائيلي لعيسى قراقع. وصدر كتاب” “حسن الّلاوعي سروج خالية” لاسماعيل رمضان. وصدرت رواية “على درب الحلبي” للأسير طارق عبد الفتاح يحيى.

وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبيّة في الأدب الفلسطينيّ الحديث، أفرزتها خصوصيّة الوضع الفلسطينيّ، مع التّذكير أنّها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشّعراء الفلسطينيّون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك، وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشّاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا. وفي العام 2019 صدر كتاب “جمر الكلمات” لبسام الكعبي. ورواية “الكبسولة” لكميل أبو حنيش وفي مطلع العام 2021 صدر للأسير أبو حنيش”جدلية الزمان والمكان في الشعر الهربي. وسردية “ليس حلما” للأسير سامر محروم. كما صدر كتاب جمر المحطات لبسام الكعبي. وفي العام 2020 صدرت رواية” الأسير 1578″ للأسير هيثم جابر. و”صدى القيد” للأسير القائد أحمد سعادات. وصدر أيضا  “الاعتقال الإداري في فلسطين كجزء من المنظومة الاستعمارية. الجهاز القضائي في خدمة الأمن العام.”للأسير عبدالرازق فراج، وصدرت أيضا في العام 2020 مجموعة قصصية بعنوان “لست وحيدا مثل حجر” للدكتور سامي الكيلاني، كما صدرت رواية “حين يعمى القلب”للدكتورة وداد البرغوثي. وصدرت رواية “فارس وبيسان” للأسير ثائر كايد حمّاد.

وصدر كتاب”الرواحل، الواقع والمأمول” للأسير محمود عبد الله عارضة. وصدر كتاب”بلاط الرُّعيان” للأسير أحمد إبراهيم بسيسي.

كما أن أدب السّجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيّا وعالميّا أيضا، فقد كتب الرّوائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسّط. وكتب فاضل الغزّاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشّاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السّجون في رواية “ما لا ترونه” للشّاعر والرّوائي السّوري سليم عبد القادر، وهي (تجربة السّجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السّجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السّجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية، أمّا ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السّجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسيّ – ليحيى الشّيخ صالح ) و( شعر السّجون في الأدب العربيّ الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب “القبض على الجمر – للدّكتور محمد حُوَّر”. وفي عام 1998 صدرت رواية (حياة مسروقة: عشرون عاما في سجن الصحراء) للمغربية مليكة محمد أوفقير، وعام 2000 صدرت رواية (من الصخيرات إلى تزممارت: تذكرة ذهاب وإياب إلى الجحيم) للمغربي محمد الرّايس، ورواية (تزممارت الزنزانة رقم 10)لأحمد المرزوقي، ورواية (تلك العتمة الباهرة) للطاهر بن جلّون. وفي العام 2021 صدرت “رواية عشق خالد” للأسير معتز الهيموني.”

أمّا النّصوص الأدبية التي عكست تجربة السّجن شعرا أو نثرا فهي ليست قليلة،: نذكر منها ( روميات أبي فراس الحمداني ) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم. أما في الأدب الحديث فنذكر: ( حصاد السّجن – لأحمد الصّافي النّجفي ) و (شاعر في النّظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى ) و ديوان (في غيابة الجبّ – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشّمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية “خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي.

وفي العام 2019 صدر كتاب” من أدب السجون العراقي” للناقد حسين سرمك حسن ، وفى العام 2020 صدر ديوان شعر باسم زفرات فى الحب والحرب 2 للأسير الشاعر هيثم جابر. )

‏‏‏‏

هذا ما حدث لي بسجن تولال 2

#تولال_2

عندما وصلت أول مرة لسجن تولال2 استقبلني مدير السجن مصطفى حمري بالتهديد بحلق لحيتي.. تعجبت وقتها من هذا التهديد!! وأخبرته أن هذه اللحية لها أكثر من خمس عشرة سنة وكل وثائقي بها.. وأني مررت من ثلاثة سجون ولم تزعج لحيتي أحدا!! بعد يومين كتبت طلبا للمدير من أجل السماح لي بالاتصال بعائلتي من أجل إخبارهم بترحيلي لهذا السجن لكن بدل السماح لي بالاتصال بهم أرسل لي زبانيته من أجل حلق لحيتي!! وكان هذا أصعب موقف مر بي في فترة سجني.. حيث أحسست بالمعنى الحقيقي للحكرة والاستضعاف وقلة الحيلة.. عدد كبير من السجانين كل يصرخ ويهدد على طريقته، وفي الأخير تم حلق لحيتي للأسف.. أقسى إحساس شعرت به في حياتي.. لمدة أيام وأنا أبكي في عزلتي، ولا أعرف نفسي في ظلي، وعندما أتوضأ لا أجد لحيتي التي تعودت على تخليلها لعدة سنوات… فلماذا هذا السجن يفعل به المدير وزبانيته ما يحلوا لهم ويخالفون كل أعراف السجون التابعة للمندوبية العامة لإدارة السجون وكأن هذا السجن غير تابع لها، وهذا في عدة أمور، سجن تولال2 حقيقة سجن خارج التراب الوطني وقوانينه.. دعوت في صلاتي وقيامي على المدير وزبانيته ولازلت أدعوا عليهم.. اللهم انتقم من كل جبار متكبر وكل من يستضعف المستضعفين من عبادك.

#عبدالله_الحمزاوي

ذكريات الإعتقال في سجون المغرب

ذكريات الإعتقال في سجون المغرب

  الإستقبال

بعد اعتقالي وإدخالي سجن الزاكي بسلا، جاءني عباس مدير السجن وأنا في صف “الباجدا” سألني عن اسمي، ظننته “بلانطو” ولم ألتفت إليه، حتى قال لي الموظف الذي يأخذ معلوماتك عند الدخول: معك السيد المدير صراحة لم أصدقه، فلا تظهر عليه أي علامة على أنه مدير أو في مقامه، لا هندام، ولا مظهر، حتى حذاؤه يظهر عليه أنه لرجل قطع كلمترات وسط الغبار.

)

المهم أخذني من وسط الصف وأكمل معي كل الإجراءات من بصمات وصور دون انتظار دوري في الطابور، وبعدها سلمني إلى موظف التفتيش وقال له “دير خدمتك”، ففتشني بطريقة مهينة، ومستفزة حيث جردني من كل ملابسي حتى الداخلية، وأمرني بالجلوس والوقوف، وبعد إكمال التفتيش، أخذني المدير عباس، وقال لموظفيه: “جيبو ليه مزافيل من دوك جداد، وديوه لبيتو”، ثم أخدوني لعزلة بحي (ب) يسكنها أكثر من ألف “سراق الزيت” لا أبالغ في العدد، لكن لم أر في حياتي مثل ذلك العدد من الصراصير في مكان واحد، منهم الميت والحي وحتى بقاياهم المتناثرة هنا وهناك.. وأدخلت لتلك الزنزانة التي تتوسطها بركة مائية نتنة اختلطت رائحتها مع رائحة مجاري المرحاض التي بقيت مدة طويلة لم يهرق فيها ماء.. وكذلك رائحة المزافيل التي أكرمني بها عباس وهي كاشة “بيدونسية كارمة”.

قضيت أيامي الأولى في السجن بتلك الزنزانة التي لا تتوفر فيها أدنى شروط الاعتقال الإنساني، كنت أقضي في تلك الغرفة 23 ساعة وحتى ساعة الفسحة كنت أخرج فيها لساحة أكبر من الزنزانة بقليل..

هذا التضييق كله كان بسبب أنني كنت أوصل رسائل المعتقلين المقهورين من طرف عباس ومن على شاكلته.

عبد الله الحمزاوي

معتقل اسلامي سابق

سجن سلا

أدب السجون

جميل السلحوت
روائي


أدب السجون
الكتابة عن التجربة الإعتقالية ليست جديدة على الساحة الفلسطينية، والعربية وحتى العالمية، وممن كتبوا بهذا الخصوص: خليل بيدس صاحب كتاب”أدب السجون” الذي صدر بدايات القرن العشرين، زمن الانتداب البريطاني، وكتب الشيخ سعيد الكرمي قصائد داخل السجون العثمانية في أواخر العهد العثماني، كما كتب ابراهيم طوقان قصيدته الشهيرة عام 1930تخليدا للشهداء عطا الزير، محمد جمجوم وفؤاد حجازي، وكتب الشاعر الشعبي عوض النابلسي بنعل حذائه على جدران زنزانته ليلة إعدامه في العام 1937 قصيدته الشهيرة” ظنيت النا ملوك تمشي وراها رجال” وكتب الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و”أيام مشينة خلف القضبان” لمحمد احمد ابو لبن، و”ترانيم من خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل ، و”رسائل لم تصل بعد” لعزت الغزاوي ، وقبل”الأرض واستراح” لسامي الكيلاني، و”نداء من وراء القضبان” وعناق الأصابع” لعادل وزوز،
و(الزنزانة رقم 706) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، و”رسائل لم تصل بعد” ومجموعة”سجينة”للراحل عزت الغزاوي و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي، و”أحلام بالحرية”لعائشة عودة، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر، وفي العام 2005صدر للنائب حسام خضر كتاب”الاعتقال والمعتقلون بين الإعتراف والصمود” وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرمل” لنافذ الرفاعي، ورواية”المسكوبية” لأسامة العيسة، وفي العام 2011 صدر”الأبواب المنسية” للمتوكل طه، ورواية “سجن السجن” لعصمت منصور، كما صدر أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون ايضا. ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن.
وأدب السجون فرض نفسه كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث، أفرزتها خصوصية الوضع الفلسطيني، مع التذكير أنها بدأت قبل احتلال حزيران 1967، فالشعراء الفلسطينيون الكبار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وغيرهم تعرضوا للاعتقال قبل ذلك، وكتبوا أشعارهم داخل السجون أيضا، والشاعر معين بسيسو كتب”دفاتر فلسطينية” عن تجربته الاعتقالية في سجن الواحات في مصر أيضا.

كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة منذ القدم عربيا وعالميا أيضا، فقد كتب الروائي عبد الرحمن منيف روايتي”شرق المتوسط” والآن هنا” عن الاعتقال والتعذيب في سجون دول شرق البحر المتوسط. وكتب فاضل الغزاوي روايته” القلعة الخامسة” وديوان الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم”الفاجوجي”.ومنها ما أورده الأستاذ محمد الحسناوي في دراسته المنشورة في مجلة”أخبار الثقافة الجزائرية” والمعنونة بـ”أدب السجون في رواية”ما لا ترونه”للشاعر والروائي السوري سليم عبد القادر
وهي (تجربة السجن في الأدب الأندلسي- لرشا عبد الله الخطيب ) و ( السجون وأثرها في شعر العرب.. –لأحمد ممتاز البزرة ) و( السجون وأثرها في الآداب العربية من الجاهلية حتى العصر الأموي- لواضح الصمد ) وهي مؤلفات تهتم بأدب العصور الماضية ، أما ما يهتم بأدب العصر الحديث ، فنذكر منها : ( أدب السجون والمنافي في فترة الاحتلال الفرنسي – ليحيى الشيخ صالح ) و( شعر السجون في الأدب العربي الحديث والمعاصر – لسالم معروف المعوش ) وأحدث دراسة في ذلك كتاب(القبض على الجمر – للدكتور محمد حُوَّر)
أما النصوص الأدبية التي عكست تجربة السجن شعراَ أو نثراً فهي ليست قليلة، لا في أدبنا القديم ولا في الأدب الحديث: نذكر منها (روميات أبي فراس الحمداني) وقصائد الحطيئة وعلي ابن الجهم وأمثالهم في الأدب القديم . أمّا في الأدب الحديث فنذكر:( حصاد السجن – لأحمد الصافي النجفي) و (شاعر في النظارة : شاعر بين الجدران- لسليمان العيسى) و ديوان (في غيابة الجب – لمحمد بهار : محمد الحسناوي) وديوان (تراتيل على أسوار تدمر – ليحيى البشيري) وكتاب (عندما غابت الشمس – لعبد الحليم خفاجي) ورواية (خطوات في الليل – لمحمد الحسناوي).
كما يجدر التنويه أن أدب السجون ليس حكرا على الفلسطينيين والعرب فقط، بل هناك آخرون مثل شاعر تركيا العظيم ناظم حكمت، وشاعر تشيلي العظيم بابلونيرودا، والروائي الروسي ديستوفسكي في روايته”منزل الأموات” فالسجون موجودة والتعذيب موجود في كل الدول منذ القديم وحتى أيامنا هذه، ولن يتوقف الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.

“فضاء السجن في الرواية العربية”.. تقص ودراسات للكاتبة جمانة صوان

عزيزة علي

عمان- صدر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع كتاب بعنوان “فضاء السجن في الرواية العربية” للكتابة الأردنية جمانة صوان، تتقصى فيه مواضيع أدب السجون في روايات عديدة، تنتمي لأجيال مختلفة من الكتاب، وبيئات عدة، حتى تتوصل إلى نتائج مرضية، كما اتجهت إلى الدراسات الأدبية، الى جانب دراسات علم النفس، وعلم الاجتماع، إضافة للدراسات السياسية.
الكتاب جاء في ثلاثة فصول؛ الأول وهو بعنوان “السجن السياسي: من سجن الآخر”، وتتناول فيه مراحل السجن السياسي قبل الدخول إلى السجن (الحياة في السجن الكبير)، المراقبة والاعتقال وما يتعرض له المعتقل داخل السجن من حبس احتياطي وأنواع التعذيب وشكلاه الجسدي والنفسي، والتحقيق في ظلمة الحبس الانفرادي والزنزانة الجماعية والمحاكمة والخروج من السجن والعودة إلى السجن الأكبر.
فيما يتحدث الفصل الثاني الذي جاء بعنوان “البطل السجين وإشكالية الأنا والآخر”، عن التأثير النفسي في البطل السجين وتدميره للأنا، والتحولات في شخصية البطل السجين والدفاع الذاتي للأنا في مواجهة الآخر، والتعريف بالآخر، وما علاقته بالأنا، الآخر داخل السجن، والمعتقل، وسبل التواصل معه، والموقف من سلطة الآخر السلطة، وسبل التواصل مع السلطوي خارج السجن، والزيارات والمراسلات وعلاقة السجين بالمرأة والسجينة الأم والجدة والحبيبة والزوجة والسجانة والوجه الآخر لعلاقة السجين بالمرأة.
ويتناول الفصل الثالث “البناء الفني في روايات السجون”، مثل المكان: السجن العالم الخارجي البيت القرية الريف الطلل المدين، الزمان: الزمان البيولوجي النفسي الوجودي السردية السارد السرد والزمان السردي الاسترجاعات التواتر الاستشرافات الاستباقات، السرد اللاحق، الوقفة الزمنية، الحذف والإضمار، المشاهد الحوارية والبانورامية والمفاجأة، الشخوص، البطل، السجين، بؤرة النص، الشخصيات الثانوية، والحوار “المونولوج والديالوج”، الشخصيات والحلم والحبكة واللغة والتناص والوصفية الحوارية.
صوان تشير، في مقدمتها للكتاب، إلى أن أدب السجون يشغل حيزا كبيرا في الأدب العربي، والعالمي، ولما كانت الرواية تقوم أساسا على اختراع عالم متخيل يشبه أو يكاد يشبه عالم الواقع، فالرواية تلقي الأضواء الكاشفة على ما يحيط بالسجن، والسجين، والسجان، وتتغلغل إلى ما وراء قشرة الواقع، فتلقي الضوء على ما يجري في عالم السجين الداخلي من تيارات نفسية، وما تمر به نفسية السجان من أحقاد على فريسته السجين، ومن تلذذ الجلاد بإحياء حفلات التعذيب، لافتة الى أن الروائي يلاحق السجين بمتخيلاته السردية بعد تحرره من الجدران، وما يتعرض له من ضغوط نفسية تجعل من الإحساس بالحرية ضربا من الظن.
تقول صوان إن الكتابة عن “أدب السجون”، ظهرت مع شيوع الأحزاب السياسية وتعددها في الوطن العربي، واحتلال فلسطين، وانتفاضات شعبها المتجددة، وأحداث النكسة، كل هذه العوامل لعبت دورا كبيرا في ظهور العديد من “أدب السجون”، خصوصا “الرواية” التي كتبها الأسرى في سجون الاحتلال، وفترة وجود الانتدابات على الوطن العربي الذي امتد لسنوات طويلة، وما إن تخلصت الدول العربية من الاستعمار حتى اشتغلت فيها الحروب من جديد، منها الحروب الأهلية كالحرب الأهلية اللبنانية، وحروب خارجية كالحرب على العراق، فظهر أمامنا العديد من السجون منها “غوانتانامو، أبو غريب”، وغيرهما من السجون. وتوضح المؤلفة أن “أدب السجون”، هو كل أدب يتناول السجن كقضية رئيسة، ويكون السجن هو فضاء العمل المكاني، وقد يكون خارجه لكننا نجد بقية عناصر العمل الأدبي ترتبط بالسجن بطرف ما، وقد يتطرق العمل لمواضيع عديدة من عالم السجن، أو لموضوع واحد يسلط من خلاله الكاتب الضوء عليه دون غيره ويكثفه، ولا يشترط أن يكون الكاتب قد خاض تجربة السجن بنفسه، فقد يكتب عنها دون خوضها، لافتة إلى أن أدب الأسرى يندرج تحت أدب السجون، ويكتبه فقط من خاض تجربة الأسر، وهناك من يحصره في أسرى سجون الاحتلال، على عكس أدب السجون، إذ يشمل أدب السجون ما كتب داخل السجن أو خارجه على أن يكون السجن هو فضاء هذا النص.
وتتحدث صوان عن أدب السجون من ناحية “فن مكاني”؛ أي أن “المكان” هو العنصر الأساسي في العمل -النثري خاصة- وهو المحرك والمؤثر، ونلحظ تطورا في مفهوم أدب السجون، فلم يعد هذا الأدب هو فقط ذلك الذي يكتب داخل أسوار السجن، فكثير من الأدباء صاغوا تجاربهم خارج أسوار السجن، منهم من كتب عن تجربة السجن دون أن يخوضها، على عكس ما كان موجودا في العصور السابقة، مبينة أن ظهور السجن في الأدب العربي قديم وحديث، شعره ونثره أثر كثيرا حيث كان الشعر هو الحامل الأساسي لهذه القضية، ومع ظهور الرواية، وتراجع دور الشعر، أصبحت الرواية هي المصور الأول لتجربة السجن بصفتها أكثر الفنون الأدبية انتشارا وتصويرا لمشاغل الإنسان وقضاياه وهمومه المختلفة.
وحول اختيارها الرواية لدراستها، تقول المؤلفة “إن السرد أقدر من غيره على التطرق لموضوع السجن، إذ تندرج تحت السجن مواضيع شتى”، فالرواية تستطيع عرض المواضيع جميعها، لكن القصة مثلا تكتفي بجانب واحد من هذه المواضيع، كما في قصة “يوم أشهب” لزكريا تامر التي يتحدث فيها عن تزوير الحقائق، وتلفيق التهم، بعد أن قتلت السجين شكري المبيض، ولفقت له تهما مختلفة لأفراد عائلته القريب منهم والبعيد، حتى وصل بهم الأمر للتدخل في المشاعر؛ إذ تعتقل أخته لأنها تتعمد ألا تعبر عن فرحتها أو حزنها، وفي قصة “السجن العربي” يتطرق تامر إلى الفكرة نفسها.
وتتحدث صوان عن تجارب نسائية كتبن عن أدب السجن مثل “حسبية عبد الرحمن”، وهي سجينة سابقة وروائية خاضت تجربة السجن، وهي تحدث عن السجن بأسلوب مميز في رواياتها “الشرنقة”، “تجليات الشيخ جدي”، كما كتبت “مي الحافظ”، روايتها “عينك على السفينة”، وأيضا كتبت نوال السعداوي عن تجربتها في السجن رواية “مذكراتي في سجن النساء”، وهبة الدباغ في روايتها “خمس دقائق وحسب”، كما عرضت مجموعة من الروائيات لهذه القضية دون أن يخضنها من مثل: سوزان الراسخ في روايتها “غزل الحكاية”، رضوى عاشور في “فرج”، وحميدة نعنع في روايتي “من يجرؤ على الشوق”، و”الوطن في العينين”.
وترى المؤلفة أن الكتابات عن “أدب السجون”، في العالم العربي كثيرة، حيث أفردت صوان له ملحقا في آخر الكتاب رصدت فيه ما استطعنا من روايات السجون والسيرة واليوميات، ومنهم من تطرق لتجربة السجن، ولم يخض فيها، فلم يكن السجن هو الموضوع الوحيد في الرواية، مثل: رواية “تحت شمس الضحى” لإبراهيم نصر الله، “العشاق” لرشاد أبو شاور، “إسماعيل” لأحمد حرب، وروايات تشبه روايات أدب السجون في التجربة التي تخوضها شخصياتها، مثل رواية “يوميات كاتم صوت”، لمؤنس الرزاز، التي تدور حول عائلة فرضت عليها الإقامة الجبرية في البيت، الذي تحول إلى سجن أشد إيذاء من السجن الحقيقي.
وخلصت صوان الى أن “رواية السجون”، هي التي يكون السجن موضوعها الرئيس السجن، بغض النظر عن الزاوية التي يتطرق فيها الكاتب للموضوع، فقد يكون عالم الرواية هو السجن، أو يكون خارجه، لكن يظل السجن هو المخيم على الرواية، ويلقي بظلاله على الشخوص، ويحركها، ويؤثر بها، مثال على ذلك رواية “فرج” لرضوى عاشور، التي تعد روايتها من روايات أدب السجون، مع أن الأحداث تدور خارج عالم السجن، إلا أن السجن ظل هو الثيمة المسيطرة على عوالم الشخوص والأحداث، ونستطيع القول إن رواية السجون تقتصر على “السجن السياسي”، لأن الروايات الأخرى التي تطرقت لموضوع السجن غير السياسي، لم يستغرق فيها الحديث عن السجن كل الرواية، بل نجد السجن فيها عنصرا ثانويا لا يكون هو الموضوع الرئيس في الرواية، أما الروايات التي كان موضوعها الرئيس هو السجن، فكان السجن فيها سجنا سياسيا.
وكتب د. إبراهيم خليل مقدمة للكتاب بعنوان “هذا الكتاب” يشير فيها إلى أن صوان في هذه الدراسة تسلط الضوء على تجارب تمثل أقطارا عربية مختلفة متوقفة إزاء روايات لكتاب معروفين يحتلون مواقع رفيعة في الرواية العربية من أمثال “عبد الرحمن منيف، وفاضل العزاوي، نبيل سليمان، هاشم غرايبة، سالم النحاس، محمد الماغوط، عبد الكريم غلاب، فاضل يونس، سنان أنطون، وغيرهم”، ما يضيف لهذه الدراسة أهمية على أهميتها المستمدة من الموضوع ذاته.
ويلفت خليل إلى أن المؤلفة لم تقتصر في دراستها على تتبع عالم السجين، وهمومه، بل تتبعت علاقة السجين بالسجان وعلاقته بالآخر الغريم، أو الرفيق، والآخر الأنثى أما أو جدة أو زوجة أو أختا أو حبيبة تحافظ على علاقتها بالسجين، أو تتخلى عنه لدواع معروفة مألوفة، وتضيء أيضا على وسائل الاتصال بين عالم السجين الداخلي والعالم الخارجي عن طريق الزيارة تارة، وعن طريق تبادل الرسائل تارات أخرى، وعنيت بالقضايا الفنية، والتقنيات السردية، واللغوية، التي تتجلى في الروايات التي قامت بدراستها دراسة نقدية نصية تعنى بالنص قبل أي شيء آخر.
وخلص خليل إلى أن الأسباب الموجبة لانتقاء صوان عددًا من الروايات تقيم عليها أركان الدراسة، وفصولها، واحدا تلو الآخر. كون الروايات التي تتخذ من السجن موضوعًا لها كثيرة، ومتوافرة بحيث لا يستطاع تناولها جميعًا في دراسة واحدة، تتصف بشروط في مقدمتها الإيجاز والاختصار الذي يجعل منها كتابًا مقبولا يقرأ في وقت معتدل الطول. لذلك أضافت المؤلفة، ملحقا بما وقفت عليه، وأحاطت به، من روايات تدور حول عالم السجن، والسجين السياسي. وهي قائمة نستطيع القول، في شيء من التحرز والحذر، إنها تضم تقريبا جل الروايات ذات الصلة بالموضوع.

الغد

قرأت لك.. “سجن النساء” فتحية العسال وتجربتها فى أدب السجون

قرأ اليوم  مسرحية “سجن النساء” للكاتبة الكبيرة فتحية العسال، التى عاشت خلال الفترة من (1933 – 2014) وتعد شخصية مهمة فى الأدب العربى بتجربته الغنية.   وكتبت الدكتور نهاد صليحة عن المسرحية تقول: “إن مسرحية سجن النساء نصًا وعرضًا لا تجنح إلى التفاؤل، بل تظل فى النهاية تسألنا عن إمكانية النجاة، وتعترف ضمنًا وصراحة بأن السجن الحقيقى هو سجن معنوى عتيد.. يتمثل فى الأفكار البالية والمفاهيم الخاطئة والتصورات المضللة التى تثقل كاهلنا، وهو سجن يتطلب هدم أسواره كفاحًا مريرًا هائلًا يعصف بالوعى الزائف ليشرق الوعى الحقيقى”.

سجن النسا

  وفى المسرحية تحدثت فتحية العسال عن حياة المسجونات ووصفت الحالة كما لو أنها واحدة منهم وكما لو أنها عاشت عمرها وتعرفت تعلمت كل ما يدور داخل أروقة السجون وعرضته من خلال كتابتها.وتم إنتاج المسرحية وتحويلها إلى مسلسل تلفزيوني في عام 2014م ومن قبل كانت عمل مسرحي مشهور أيضا.  قدمت فتحية العسال لعالم الكتابة 57 مسلسلا، منها “رمانة الميزان” وسيناريو مسلسل “شمس منتصف الليل” و”حبال من حرير” و”بدر البدور” و”هي والمستحيل”، و”حتى لا يختنق الحب” و”حبنا الكبير” و”لحظة اختيار” و”لحظة صدق”، وهو المسلسل الحاصل على جائزة أفضل مسلسل مصرى لعام 1975.

فتحيه العسال

  فضلا عن ذلك فقد كتبت العسال عشر مسرحيات، وهي “المرجيحة” و”الباسبور” و”البين بين” و”نساء بلا أقنعة” و”سجن النسا” و”ليلة الحنة” و”من غير كلام”، وخلال مسيرتها المفعمة بالعطاء والإنجاز التقت بالأديب عبد الله الطوخي فتزوجا ثم انفصلت عنه. تأثرت العسال بالكثير من الأحداث في نشأتها وأسهمت في تكوين شخصيتها، كختانها ورؤيتها لخيانة أبيها لأمها وحرمانها من التعليم.   بدأت الكتابة الأدبية في عام 1957 واهتمت بالقضايا الاجتماعية وقضايا المرأة بشكل خاص، وتم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها عن قضايا المرأة.

اليوم السابع

أدب السجون العربية.. من دكتاتورية القهر إلى الحرية الناشئة

الكتاب: “أدب السجون في تونس بعد الثورة: بين محنة الكتابة وكتابة المحنة”
المؤلف: الدكتور محمّد التومي
الناشر: كلمة للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى: 2020
عدد الصفحات: 205

كيف يمكن معالجة النصوص الأدبية المتخصصة في نقل تجارب معتقلي الرأي في عالمنا العربي: هل هي نصوص أدبية يسري عليها ما يسري على باقي الأجناس الأدبية الأخرى؟ وهل تدخل في صنف الرواية أم السير الذاتية؟ أم هي قيمة فكرية في ذاتها طالما أنها تعالج قضية حرية الرأي والتعبير في عالمنا العربي؟

على الرغم من أن نقاد الجنس الأدبي يميلون إلى تصنيف هذا النوع من الكتابة ضمن أدب السجون، ويمزجون في كثير من الأحيان بينه وبين الرواية حينا وبينه وبين السير الذاتية حينا آخر، فإن ما اختزنته هذه النصوص من معاناة إنسانية وحوارات فكرية، وصل بعضها حد المراجعات الفكرية، يمثل تعبيرا عن الحراك الفكري والسياسي ليس فقط باعتباره الترجمة الواقعية للتطور الطبيعي للإنسان، وإنما أيضا لأنه يعكس الواقع الممكن كما رسمته خارطة الصراع الفكري والسياسي للمرحلة التي ينتمي إليها صاحب المنجز الأدبي.

الإعلامي التونسي الحسين بن عمر، يبحث في هذه القراءة الخاصة بـ “عربي21” لكتاب تونسي عن أدب السجون، هذه العلاقة بين الأدبي والفكري في ما بات يعرف بـ “أدب السجون”، ودوره في تعرية واقع الدكتاتوريات العربية والإسهام في تنوير الرأي العام بتاريخ النضال من أجل الحرية. 

متابعة شحيحة وضنينة

ظلت المتابعة النقدية لأدب السجون شحيحة وضنينة إذا ما قورنت بغيرها من المنجزات السردية، والحال أن أجيال الرواية السياسية العربية قد نجحت في ربط المتعة الأدبيّة بالوعي، من خلال الميسم الأكبر للرواية السياسية على حدّ قول الروائي المصري أحمد إبراهيم الهواري، بدء بالروايات المصرية الثلاث: “وراء القضبان” لأحمد حسين و”العين ذات الجفن المعدنية” لشريف حتاتة و”القطار” لصلاح حافظ، حيث مثلت الخمائر الأولى لإعادة طرح السؤال السياسي ورشوحها داخل نسق الرواية العربيّة المعاصرة، منذ فترة الاحتلال الانجليزي لمصر أواخر خمسينيات القرن الماضي، مرورا برائعة “شرق المتوسط” للكاتب السعودي عبد الرحمان منيف، ووصولا لرواية “أسوار وأقمار” للكاتب التونسي محمد عز الدّين جميّل (2019)، الذي ارتحل بقارئه من أقبية زنازين الداخلية وسجون نظام الراحل بن علي إلى فضاءات السجن الموسّع وما ارتبطت به من عذابات نفسية وعلائق مجتمعية. 

من أهمّ ما أُلّف عربيا في هذا الصنف النفيس من الأدب الروائي، الذي اجتباه منيف بالقول: “أما نحن فقد تخصصنا في موضوع واحد ولا نستطيع أن نتركه، لأنه لاصق بنا،علامة فارقة لنا، عنوان لعصرنا الذي نعيشه”، نقرأ كتابي “السجن السياسي في الرواية العربيّة” لسمر روحي الفيصل (1983) و”ثلاثية الرفض والهزيمة” لمحمود أمين العالم وكذلك أطروحة دكتوراه بعنوان “البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة” للباحث الجزائري علي منصوري. أمّا تونسيّا، فإن أهم الأعمال النقدية التي تناولت البحث في هذا الصنف من الكتابة، ظلّت حبيسة أسوار الجامعة، ومن أهمها: “السجن في الرواية العربيّة من خلال أعمال منيف وآخرين” لفوزية سعيد و”أدب السجون من خلال أقاصيص الخولي” للمنصف غانمي.

لكن على أهميّة البحوث الجامعيّة التونسية في مجال نقد الرواية السجنية، فإنّ مجال اهتمامها لم يتخطّ دراسة التجارب السردية المشرقيّة. ولذلك يأتي كتاب “أدب السجون في تونس بعد الثورة: بين محنة الكتابة وكتابة المحنة”، للدكتور الباحث محمد التومي، ليسدّ ثُلمة في البحوث الأكاديمية التونسية في هذا السياق البحثي الذي يلاحق أعمالا سرديّة لمناضلين سياسيين، تقطّعت بهم السبل سنينا عددا بين سجون نظامي بورقيبة وابن علي، فنثروها سرديّات استحقت أن تعمّد بماء الكتابة على حدّ وصف فاطمة العراقي في روايتها “مذكّرات سجينة: صفحات حمراء من تاريخ منسي” .

“هذا كتاب جدير بأن يقرأ”

قام الدكتور محمّد القاضي، أستاذ السرد في الجامعة التونسية وأبرز نقّادها الأعلام، بالتقديم لكتاب “أدب السجون في تونس بعد الثورة: بين محنة الكتابة وكتابة المحنة”، لمؤلفه الدكتور محمّد التومي، وجعل له عتبة مهمّة بعنوان “هذا كتاب جدير بأن يقرأ”. وقد ثمّن القاضي في الكاتب “إطّلاعه الواسع على موضوع أدب السجون في البلدان العربيّة سواء من حيث مدوّنة المؤلفات الصّادرة في سياقه أو من حيث الدّراسات الحافّة به وإلمامه المستفيض بمؤلفات أدب السجون في تونس ومعرفته الدقيقة للكثير من الجزئيات التي واكبت ظروف وقوع أحداثها وملابسات تدوينها”. ويُمثل كتاب الحال، أوّل منجز نقدي في سلسلة “مرايا النقد” التي يشرف عليها محمّد القاضي في دار “كلمة” المحكّمة في مجال النقد الأدبي.

من حيث مورفولوجيا النص، اعتمد الدكتور محمّد التومي على تقسيم ثنائي للبحث، اهتمّ في الباب الأوّل منه على “محنة الكتابة السرديّة”، فيما اشتغل في الثاني على “كتابة المحنة السجنيّة”. و”قد جعل مدار الباب الأوّل على أدبيّة تلك النصوص وبحث فيه عن النصّ الموازي وعن صلتها الملتبسة بالأجناس الأدبية المجاورة كالرواية والسيرة الذاتيّة والمذكّرات والتراجم والاعترافات…أمّا الباب الثاني فكان وكد الباحث فيه أن ينفذ في المرحلة الأولى إلى صور المحنة عند أولئك المؤلفين من جهة السجن ومن جهة السجين، ثم تسلل في المرحلة الثانية إلى تقاطع الأدبي والتاريخي في أدب السجون فأطلّ على أوجاع الذاكرة ومساحة الإيديولوجيا في أدب السجون”. 

الرواية التونسية وعاء التجارب النضالية المضنية

تظلّ الرواية الجنس الأدبيّ “الأقدر على إنطاق المسكوت عنه في الخطاب الثقافي والاجتماعي العام”، على حدّ تعبير علي منصوري، وهي إلى ذلك “النوع الأجسر في مواجهة القمع وتعرية مشـاكل التعصب وتقليم براثن التخلف والجهل”، بتعبير جابر عصفور، في مؤلفه “فجر الرواية العربيّة”.

وإنّ الكتاب الذي بين أيدينا يرتحل بالقارئ في التاريخ والفاجعة لينقل تجارب نضالية وإنسانية مضنية “تسردها حكايات الليل والنهار في ما طوّحت به الحتوف والأقدار” على حدّ وصف مؤلفه محمّد التومي، إلى الحد الذي يصير فيه المشغل الإبداعي، في أحيان كثيرة، ثانويا بالرغم من أن العمل إبداعيّ بالأساس. 

ويرى المؤلف محمد التومي أنّ ظاهرة الكتابة الروائية السير ذاتية، التي تقوم على تذكر المحن بأسلوب أدبي يزعم المعالجة الأدبية للمسألة السياسية والانتماء الإيديولوجي وعلاقة المناضل السياسي بالسلطة، قد تولّدت ضمن الواقع التونسي الرجراج المتحوّل من دكتاتورية القهر إلى الحريّة الناشئة. نفس هذا الواقع الأليم هو الذي كان محددا لعلاقات الإنسان الاجتماعية المنحصرة في حدود صلة الرحم، لتكون أيّ علاقة خارج أُطرها جريمة وخاصة إذا ما تعلقت بعائلات المساجين فإن التهمة الجاهزة هي مساعدة عائلة متمرّد سياسي خارج عن الطوق السياسي بما يُكسبها حقّ الوجود والإصرار على الخطيئة في عرف سدنة القهر .

من “الميتا” نص إلى كتابة المحنة في الرواية السجنية 

لا يسع قارئ الكتاب الفكاك من قبضة مؤلفه وهو يستدرجه إلى مَواطن ثقوب الذاكرة المأزومة لمساجين أثثوا بعذاباتهم مشهدية دراميّة متشابهة حدّ التطابق، لجغرافيا عربيّة متناثرة. فبينما يتأرجح السرد في الزمن صعودا ونزولا، ينُطّ الكاتب بقارئه بين سجن وسجن أو بين مخفر وآخر، حتى لكأن الأقطار العربية أضحت زنازين مرتحلة في الزمان والمكان. وما الصحراء الفاصلة بين مدنها سوى فسحة السجن المُسيّجة (الآريا area)، التي تفصل بين زنزانة وأخرى…

عذابات حفرت في القلوب الملتاعة أخاديد وبصمت على الأبدان جراحات بحجم الأوطان السليبة، إلاّ من سجّانيها وزنازينها التي لا تحصى. ولذلك بدت مساحات السرد المتقطعة التي وثقها الناقد محمد التومي أشبه بما أسمته فاطمة العراقي بـ”الرغبة الصادقة الصارمة للتصدي لهذا البخس والإهمال الذي طال الشهداء والذي سبّب تغييب صفحات من نور كادت تنطفئ لتراكم المحن وتغيّر المهاجر والإحن والتي جعلت من ألوانها شاحبة باهتة !”. 

فتعدد الروايات السجنية، التي أفلح محمد التومي في جردها ونقل خلاصاتها إلى قارئ الكتاب الذي بين أيدينا، والتقائها عند عنوان “التعذيب” و”قهر الذات البشرية المخالفة في الرأي” في كل الأقطار العربية، يجعل منها فصولا متواترة ومكررة من روايات عبد الرحمان منيف، “الذي تمتح شخصيته من أكثر من جنسية، وقد انعكس ذلك على ما كتب من روايات ظلّت هلامية المكان وضبابيته هي السمة الغالبة عليها حتى لكأنّ الرجل يكتب عن كل البلاد العربيّة. ولعلّ ذلك يلاقي بعضا من أصداء الذات المتشظية عبر أنحاء متعددة من الوطن المنقسم”… 

وينضاف لنجاح معظم الروايات المذكورة في نقل مشهديّة كاملة ثلاثية الأبعاد عن معاناة السجناء العرب، فإنّ المطالع لها يقف على ما أسماها محمد التومي باللغة المنغمسة في عالم الأنين والانكسارات والخيبات المتلاحقة. “ذلك هو عالم السجين السياسي فضّ موتور. تقف اللغة عند تخوم التجربة ولكنها لا توفي الوصف حقّه.”

إن سؤال الرواية سيشهد بدوره تحوّلا مهمّا تتطلب الإجابة عنه تبدّلا في المفاهيم وقلبا للنواميس الأدبية التقليدية باعتبار أنّ مناخات سياسية جديدة خلقتها الثورة بما تكشفه من واقع خانق عنيف عملت الرواية السجنية على تعريته وكشفه وهو ما لم يكن متاحا قبلها،



ولا يفوت القارئ لكتاب “أدب السجون في تونس بعد الثورة: بين محنة الكتابة وكتابة المحنة” الوقوف على اتساق شخصية “شرف” في رواية الكاتب اليساري المصري صنع الله إبراهيم ومعاناتها في سجون عبد الناصر وأنور السادات، مع شخصيّة ذلك الطبيب النحيل القادم من باريس إثر مهمّة علميّة في رواية “القوقعة” لمصطفى خليفة الذي عرّى بطش النظام الأسدي في سوريا من خلال الاعتناء بأدق تفاصيل “الحياة” اليومية في سجن تدمر، أحد أكبر السجون السوريّة. 

وهي نفسها المعاناة التي تحاكيها الروايات التونسية: “في القلب جمرة” لحميد عبايدية و”انتماء” للطفي السنوسي و”سنوات الجمر” لعالم الرياضيات المنصف بن سالم و”طريق الظلام” و”برج الرومي” لسمير ساسي و”حدائق الفجر” لعلي دب و”الدكتاتور” لعبد الحفيظ خميري و”صباط الظلام” لمحمد التومي و”مناضل رغم أنفك” لعبد الجبار المدوري و”كريستال” لجلبار نقاش و”الحبس كذاب والحي يروح” لفتحي بالحاج يحيى و”الشتات” لخديجة التومي و”الشهداء يكتبون الثورة” لعبد الحميد الجلاصي و”درب العدلاني” لعادل النهدي.

نجحت الرواية السجنية التونسية الحديثة في نقل عذابات السجون فترتي حكم بورقيبة وبن علي، كما نجحت رواية “الزنزانة رقم 10” لصاحبها الضابط المغربي السابق أحمد المرزوقي، والذي قضى ثمان عشرة سنة في سراديب “تزممارت” المظلمة “التي لا يسمع فيها صوت آدمي ولا يزوره أحد من ذويه بل ولا يكلّم أحدا من السجناء الذين ضمّهم القدر وتطاول عليهم ليل السجن ووعثاء المهانة ودروب القهر المستطير”. وعلى القدر نفسه نقلت رواية “طريقي إلى السجن” لمحمد الجاسم عذابات سجين سياسي في الكويت، وروت “مقاومة” و”أحلم بزنزانة من كرز” لسهى بشارة عذابات السجون اللبنانية وحكت رواية “قصّتي” لسمير القنطار واقع الأسرى الفلسطينين والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني. 

 نفس العذابات تحاكيها روايتا “الكراديب” لتركي الحمد و”الغرفة عدد 7″ لمطلق العتيبي، اللتين نقلتا “هالات التعذيب الوحشي في السعوديّة وتعلنان عن واقع مخفي وراء الجلابيب والسّبح يُطلّ برأسه كلّما أحسّ الحاكم أنّه مهدد في وجوده”. و”مذكرات سجينة” لفاطمة العراقي. ورواية “في ضيافة كتائب القذافي” لمراسل الجزيرة أحمد فال و”مذكرات سجين ليبي” لعبد القادر الفيتوري اللتان تسجّلان عنف تعامل اللجان الثورية مع مخالفيهم في الرأي وخاصة في معتقل “أبو سليم” . ومن الجزائر “1994: حرب لم تضع أوزارها” لعدلان مدّي و”مجنونة الجزائر لأحمد حنيفي” التي سجلت محنة “العشرية السوداء”.

الرواية السجنية بين تحدّي التشكيل الأجناسي والقضايا المجتمعية

يرى المؤلف محمد التومي أنّ الرواية السجنية وهي “تعتني بأشراط السرد ووضعية الراوي في القصّ تحاول ألاّ تضيّع المهمّة التي أوكلت إليها وهي “تعقّب أثر أحداث تالدة بوضعيات لغوية طارفة”، إذ لم يحض موضوع الروايات السجنية عند التونسيين من المناضلين السياسيين بدراسات جادة تولي ما كتبوا بعد الثورة أو قبلها اهتماما، ولذلك فإن الولوج إليها يظل معتما ومحاطا بهالة سوداء.
 
ويضيف التومي بالقول: إن الحديث عن مقومات هذا الجنس من الكتابة مقيّد بجملة من المسلّمات التي تقرّ بطابعها الانفتاحي وقدرتها على تأثيث فضائها بأنواع تعبيرية متعددة المظاهر التلفظية وتشخيصاتها الأجناسية. و”لعل الواضح أن تلك التشخيصات تستفيد من أفق التنويع الأجناسي وتأسيس أشكال كتابية تحاور الواقع وقضاياه المجتمعية دون الوعي بتعقيدات المسألة نظريا  إذ الغالب على هؤلاء المؤلفين، افتقارهم إلى الخلفية النظرية للكتابة الإبداعية باستثناء بعض الأسماء التي تميزت نتيجة وعيها بالتشكيل الأجناسي داخل الأطر السردية وإحساسها بالقضايا المجتمعية وبالتجربة النضالية التي خاضها السجين السياسي مع  رفقاء الدرب الإيديولوجي وما نتج عنها في ظل حكم بوليسي من سوق إلى السجون يجوبونها شمالا وجنوبا من حربوب إلى برج الرومي في دوامة للمصير مرعبة تفاصيلها”.

وينتهي المؤلف إلى القول بأنّ الرواية بما هي جنس أدبي فقد انتهت إلى أن تكون الوعاء الأنسب لعالم اليوم بما يحوي من تعقيدات. ولعلها “الشكل العالمي المعمم للثقافة”. وهي بذلك “أداة تحقيق للوعي ورصد لوضع المجتمعات من خلال تمثّل الشخوص للمهمة التي تناط بعهدتها. ولعل اهتمام الرواية بتفاصيل التفاصيل للأحداث والعلاقات، هو ما جعلها إحدى أهمّ المداخل الضرورية لفهم التحوّلات الاجتماعية والتعامل مع المتغيرات السياسية التي واجهها المبدع التونسي الملتزم بقضايا وطنه إبان الثورة التونسية الكبرى التي أسقطت الدكتاتورية وعرّت وجهها القبيح متمثلا في أعوانها من سدنة المعبد الإيديولوجي والكهنوت السياسي”.
 
لأجل ذلك فإن سؤال الرواية سيشهد بدوره تحوّلا مهمّا تتطلب الإجابة عنه تبدّلا في المفاهيم وقلبا للنواميس الأدبية التقليدية باعتبار أنّ مناخات سياسية جديدة خلقتها الثورة بما تكشفه من واقع خانق عنيف عملت الرواية السجنية على تعريته وكشفه وهو ما لم يكن متاحا قبلها، كما يضيف الدكتور محمد التومي.

عربي21

رواية يا صاحبي السجن أيمن العتوم

رواية يا صاحبي السجن هي رواية للكاتب أيمن العتوم. وهو واحد من أشهر الشعراء والكتاب الروائيين الأردنيين، وواحد من أشهر الكتاب الشباب في القرن الواحد والعشرين. وللعتوم دواوين شعرية كثيرة، وكذلك له العديد من الروايات. وقد آثر العتوم في رواياته أن يتحدث عن أدب السجون. وفي هذا المقال سنقدم نبذة عن رواية يا صاحبي السجن ونستعرض جزءًا من حياة الكاتب أيمن العتوم.

ثورة العدس -عبد الله بن محمد

وبعد؛ فإن المسيرة الجهادية لكل مجاهد لا بد أن تمر بمراحل كثيرة ومن أهم تلك المراح التي غالبا لا ينجوا منها مجاهد في هذا الزمان: الأسر، وما أدراكم ما الأسر، ذلكم ملتقى الأحبة، ومعدن النفوس، ومدرسة يوسف عليه السلام، وخلوة الصالحين، وأُنس الموحدين، وموطن المجاهدين، والذين هم بالحق صادعين..

ومن أهم فوائده أن النفس فيه تكثر معرفتها بالواقع فتصحح أخطاءها، وتعالج ثغراتها، وتعرف خطاها من صوابها، وتزاد بصيرة بمنهج ربها، ودين وشرعة نبيها عليه السلام، والعاقل كل العقل والمبصر كل البصيرة هو من يكون له في مرحلة سجنه ما يعرف بـ: “صيد الخاطر” أو”كناشة الفوائد” أو “فرائد الفوائد” أو”الفوائد” أو”قيد الفكرة”.. الخ ذلك..

وقد كان من أبرز الإخوة الفضلاء والكُتَّاب الكبار الذين صادوا خواطرهم في سجنهم، وحرروا قيدهم في معتقلهم، وأطلقوا العنان لفكرهم حال أسرهم؛ الأخ المفضال والكاتب الكبير: عبد الله بن محمد، صاحب النظريات العسكرية والتحريضات الجهادية المبرزة، فلله دره وعلى الله أجره..

وقد كان الأخ “عبد الله بن محمد” جزاه الله خيرا ممن قد كتبوا أفكارهم وقيدوا خواطرهم في سجنهم، فتمثل قول الشاعر:
الْــعِـــلْــمُ صَـيْـدٌ وَالَـكِـتَــابَةُ قَيْدُهُ *** قَيِّدْ صَيْدَكِ بِالْحِبَالِ الْوَاثِقَةِ
فَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ تَصِيْدَ غَزَالَـةً *** وَتَـتْـرُكْـهَا بَيْنَ الْخَلَائِقِ طَالِقَةً

فكتب قبل قرابة السنتين النوادر من الفوائد والشوارد من الخواطر، في سلسلة من مقالات نافعة جامعة، عنونها بـ: “ثورة العدس!” وجاءت في ست حلقات، ولما خفت اندثارها من الشبكة العكبوتية (وهي الآن لا توجد إلا في موقع واحد فحسب!) وذكرني بها أحد الأحبة (وهو الأخ المفضال: أسامة حكيم) أحببت تنسيقها من جديد في ملف واحد ونشره إليكم..

وقد اقتصر عملي في هذا الموضوع باختصار على التالي:
1- تصحيح جميع هذه السلسلة من أي خطأ إملائي -كما أحسب- حيث تم مراجعة هذه المقالات حرفا حرفا بحمد الله، وإصلاح الأخطاء في علامات الترقيم وهي كثيرة كثيرة كما أشار إلى ذلك الكاتب نفسه حيث قال في مقدمة ثورته المباركة: (وأعتذر منذ البداية عن الأخطاء اللغوية والنحوية التي لو عرضت على “سيبويه” لمات من الحسرة على ما آلت إليه اللغة العربية ولكن كما قيل في المثل البدوي: “الجود من الموجود”..)
2- قمت بعمل فهرسين لهذه السلسلة المباركة، أحدهما في الصفحة الأوى وضمت العانوين الرئيسية فحسب، أما الفِهرس الآخر فهو الذي في آخرها وضم جميع عناوينها وفوائدها، فكان فيه جميع العناوين الفرعية التي ضمنها المؤلف صيوده المباركة..
3- تصحيح جميع الآيات القرآنية الواردة في المقالات وضبطها ضبطا كاملا بالشكل من خلال البرامج المختصة بذلك، وفي هذا إجلال للقرآن واجب علينا فعله..
4- تحويل الكتاب بعد تنسيقه إلى صيغة PDF حتى يكون أسهل في الطباعة والقراءة لمن أحب ذلك، وسيتم نشره كذلك بصيغة الورد

وأما ما هو موضوع هذه الفوائد والخواطر؟ فلن تجد توصيفا لها خيرا من توصيف صاحبها وكاتبها؛ حيث قال في مقدمتها كلاما أحببت أن أسوق أهمه لا كله ليتضح المقصود من ثورته، قال:
(وأما “الأسر” فهو بيت القصيد في موضوعنا هذا لأنه يشكل مرحلة لها أبعاد خطيرة على الجيل الحالي من المجاهدين فالأخوة على نقيضين عند خروجهم من الأسر إما أن يشتد عوده وينضج فكره ويزيد ثباته أو الأخرى “مواطن صالح حسب المعايير الدولية”
من هنا جاءت فكرة كتابة أو توثيق معاني متعددة على شكل خواطر تدور حول “الحياة في الأسر” بكل ما تحمله من حلاوة ومرارة وقد اعتمدت على طريقة ابن الجوزي في كتابه الجميل “صيد الخاطر” فمكثت مده لا يخطر ببالي شيء حول الموضوع إلا قيدته، وعن هذه الطريقة يقول صاحب مقدمة كتاب صيد الخاطر “شأن الخواطر ألا ترتبط بموضوع معين ولا بترتيب معين وأن تأتي متفرقة حسبما يتسق في الخاطر… ومن أهم دلالات الخواطر أنها تعطي صوره صادقه وصحيحة للعصر والزمان والأحداث التي عاشها المصنف” إذا سأمضي على بركة الله ضاحكا وباكيا وساخرا في آن واحد بلا قيود سوى القيود التي في يدي!!!)

وأما لماذا سمى الكاتب الموفق -بإذن الله- هذه المقالات والأفكار ب: “ثورة العدس” فقد أشار إلى ذلك في آخر رسالته حيث قال حفظه الله وثبته: (سُئِل عبدالله بن المبارك عن حديث “عليكم بالعدس فإنه مبارك يرقق القلب ويغزر الدمعة وقد قدس على لسان سبعين نبيا” فقال: ولا لسان نبي واحد وإنه مؤذ منفخ، قرين البصل في القرآن!
إذا لماذا كل هذه الضجة حول “العدس”؟
السجن هو المطبخ المركزي لإعداد الأفراد المكونين للقوات المسلحة التي ستكون مهمتها الأولى إعادة الخلافة الإسلامية إلى الوجود بإذن الله تعالى، والتي قد تكون بقيادة “محمد بن عبدالله المهدي”
أما “العدس” فلأنه ببساطة الأكلة الرئيسية والمتعارف عليها في أكثر السجون تقريبا، فنحن نأكل العدس ونخطط للثورة! إذا فهي ثورة العدس!!.) ا.ه.

والحقيقة التي خلصت إليها اما حاولت اقتناص أهم الفوائد أن هذا صعب للغاية أن كا مافيها مهم وأهم من المهم، فمحتويات هذه الثورة تستحق القراءة كلها من الألف إلى الياء