Tag Archives: الوجع

قصائد في الوجع العراقي

زهير حمداني-الدوحة

لم يستطع الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد أن يحبس دموعه التي فاضت وهو يستذكر الفراق وهموم العراق ونخيل دجلة والفرات خلال أمسيته الشعرية على مسرح قطر الوطني التي قرأ فيها مجموعة من قصائده الشهيرة عن العراق، لاقت استحسان الحاضرين وأثارت فيهم شجونا وأججت مواجع.

وحرص الشاعر الكبير خلال الأمسية التي أحياها بدعوة من وزارة الثقافة والفنون والتراث وشركة إيكو ميديا للإنتاج الفني والإعلامي، على اختيار عدد من القصائد التي تحكي أوجاع بلاد الرافدين ومآثرها، ومنها قصيدة “حشود من الحب والكبرياء” التي لم تنشر من قبل وتحكي قصة الدبابات العراقية التي صدت الغزو الإسرائيلي عن دمشق في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

شجون العراق
وقدم الحفل الدكتور حسن رشيد الذي أكد أن عبد الواحد شاعر يحمل كل الأبجديات ويحمل تاريخ وطنه ويرتبط بانتصاراته وكبواته، واستمد من نخيل العراق وآثار سومر وبابل كل صور الشعر الجميلة.

وفي مستهل الأمسية التي حضرها وزير الثقافة القطري حمد بن عبد العزيز الكواري وعدد كبير من محبي الشعر من العراقيين والعرب، قال الشاعر الكبير إن “قراءتي ستكون كما دأبت منذ تسع سنوات كلها للوجع العراقي حيثما أكون، مبتدئا بالقصيدة التي ودعت بها بغداد” وهي بعنوان “سلام على بغداد”. تقول القصيدة التي أسالت دموع الكثير من الحاضرين:

كبيرٌ على بغداد أني أعافُها   ..   وأني على أمني لدَيها أخافُها
كبيرٌ عليها بعدَ ما شابَ َمفرقي  ..   وَجفّتْ عروقُ القلب حتى شغافُها
تَتَبّعتُ للسَّبعين شطآنَ نهرِها   ..   وأمواجَهُ في الليل كيف ارتجافُها
وآخَيتُ فيها النَّخلَ طَلْعاً، فَمُبْسراً   ..   إلى التمر، والأعذاقُ زاهٍ قطافُها
تتبَّعتُ أولادي وهم يَملؤونَها صغاراً   ..   إلى أن شيَّبَتهم ضفافُها!
تتبَّعتُ أوجاعي، وَمَسرى قصائدي   ..   وأيامَ يُغني كلَّ نَفسٍ كَفافها

                            ***
‎‎سلامٌ على بغداد شاخَتْ من الأسى شناشيلُها.. أبلامُها.. وقفافُها
وشاخَتْ شَواطيها، وشاختْ قِبابُها   ..   وشاختْ لِفَرْطِ الهَمّ حتى سُلافُها
فَلا اكتُنِفَتْ بالخمر شطآنُ نهرِها   ..   ولا عادَ في وسْعِ الندامى اكتنافُها!
‎‎سلامٌ على بغداد.. لستُ بعاتبٍ عليها، وأنّى لي، وروحي غلافُها؟

ثم قرأ الشاعر الكبير قصيدته المؤثرة “من لي ببغداد؟” التي نالت إعجاب الجمهور الحاضر فقاطع قراءته لها بالتصفيق مرارا. يقول مطلع القصيدة:

دَمعٌ لِبَغداد دَمعٌ بالمَلايين   ..   مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟
مَن لي ببغداد روحي بَعدَها يَبِسَتْ   ..   وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني
عُدْ بي إلَيها.. فَقيرٌ بَعدَهـا وَجَعـي  ..   فَقيرَة ٌأحرُفي، خُرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي  ..  وَعَشَّشَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشِّعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعُها  ..   فانظُرْ بأيِّ سِهام ِالمَوتِ تَرميني

ثم قرأ قصيدة بعنوان “يا صبر أيوب” التي كتبهاعام 1992، وهي قصيدة كتبت من المأثور الشعبي العراقي تحكي عن مخرز نسي تحت الحمولة على ظهر الجمل، وتجسد ما حصل للعراق خلال حرب الخليج الثانية. ومن مطلعها: اعلان

قالوا: وظل ولم تشعر به الإبل  ..   يمشي وحاديه يحدو وهو يحتمل
صبر العراق صبور أنت يا جمل  ..  وصبر كل العراقيين يا جمل

ثم قرأ قصيدة لأولاده الذين رحلوا وتشتتوا في كل أنحاء الأرض حاملين أحفاده معهم، وجاء في مطلعها:

كان أكبر خوفي أن عُشّيَ يومًا سيعرى  ..  وتحلق أطياره منه طيرا فطيرا فلماذا إذن قد بنينا ولماذا سقينا  ..  ولماذا ذرعنا يا دموع العيون؟!

وقرأ الشاعر الكبير قصيدة بعنوان “لا تطرق الباب” التي يقول مطلعها:
لا تطرق الباب تدري أنهم رحلوا   ..   خذ المفاتيح وارحل أيها الرجل

وفي قصيدة “حنين النوق” التي ألقاها أيضا في الأمسية، خاطب الشاعر زوجته أم خالد بقوله:
وَحِيدَيْنِ نَبقى أُمَّ خالِدَ هَهُنا   ..   نَحِنُّ حَنينَ النُّوقِ للزَمَن الخَلِي
وَيا وَيْلَنا مِن يَوم يَرحَلُ واحِدٌ.. ويبقى الذي يبكيه حد التوسل

المتنبي الأخير
ويعتبر عبد الرزاق عبد الواحد  المولود في بغداد عام 1930، من أبرز شعراء العراق في العصر الحديث، نشر أولى قصائده عام 1945، وأول مجموعة شعرية عام 1950.

وشاعر العراق الكبير هو من المؤسسين الأوائل لاتحاد الأدباء في العراق، وصاحب المركز الثاني عالميا في الإصدارات الشعرية حيث صدر له 56 ديواناً بجانب خمسة دواوين أخرى تحت الطبع، كما أن له ديوانا به أكثر من 120 قصيدة غزل، مما يجعله ملحمة من أعظم ملاحم الأدب العربي الحديث.

حصل عبد الواحد الذي يطلق عليه البعض لقب “المتنبي الأخير”على العديد من الأوسمة، وكتبت عنه كثير من الموسوعات العالمية، وترجم الكثير من شعره إلى مختلف اللغات، وطبعت له بعد الاحتلال ثماني مجموعات شعرية آخرها “زبيبة والملك” وهو عمل بين المسرح والشعر عام 2009. المصدر : الجزيرة