أرشيف الوسم : مذكرات

فصول من ذاكرة الاعتقال والممارسة السجنية بالمغرب في سنوات الرصاص في متن كتاب «عائد من المشرحة

مغربنا 1 المغرب

«عائد من المشرحة «عنوان كتاب للأستاذ أحمد حو، صدر عن دار الوطن للصحافة والطباعة والنشر، سنة 2021، وهو في سمته سيرة، سيرة كاتبه الأستاذ أحمد حو. والكتاب في 233 صفحة مجذذة في عشرة فصول تعقبها الملاحق، بما هي صور ووثائق.
»عائد من المشرحة» سمته سيرة، حسب إفصاح الكاتب، ويبقى كذلك، لولا أن القارئ يلفى فيه معنى آخر، صورة أخرى، قد تعكس وجها من أوجه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب. ومن حسن حظ الذاكرة أن تصادف من يبوح بها. وما أكثر الذين لم يمكنهم الحظ ليعيشوا لحظة يمكنهم الظرف من البوح. وأحبّ أن أعتذر الأستاذ أحمد حو، فقد أزيغ وأبخس تقديره بالقول: إن كتابك لا يندرج ضمن أدب السيرة، فقط، بل هو، أيضا، كتاب في الذاكرة. وعلى المؤرخين أن يشتغلوا عليه لاستخلاص المادة التاريخية.
وجدتني منبهرا بطاقة الرجل في التحمل، وأنا أقرأ الكتاب، حتى كدت أتراجع عن إجراء هذه القراءة. وفي الحقيقة، يظل إجراء القراءة في كتاب الذاكرة عمل يسئ للكاتب وللكتاب، ولو كانت القراءة سليمة من كل شية، لأن الذاكرة ذاتية، وهي في ملك الشخص الذي طوعت له نفسه أن يبوح. وأما تقدير صناعة الذاكرة وتمييزها من حيث كونُها ذاكرةً، أو بيانها من حيث غناها، وما إذا كانت حقلا خصبا للمؤرخ، فأمر جائز. ولست أدري كيف ستدافع عن نفسك، إن قيل لك، ما الذي حملك لتمس ذاكرتي أو ذاكرة زيد أو عمرو بالقرح؟ وباختصار، فإجراء القراءة في كتاب الذاكرة مجازفة، فمعذرة مني إلى الكاتب عن هذا الفعل. سأخفف الوطء ووقع المجازفة، وستقتصر قراءتي لهذا العمل الغني على بيان بعض أوجه الذاكرة فيه، وهي كثيرة. وإني أظن أن بيانها، أو بالأحرى إعادة إبرازها مفيد مادام الكاتب أمينا في إحساسه، حسنا في سلوكه وسيرته، عفيفا لا يبتغي من آدائه جزاء ونوالا.
نعم، إن الذاكرة ذاتية لذلك أحب أن أسجل أني لا أصادر بهذا الموقف مواقف أخرى إذ يمكن أن يأخذ الكتاب معنى آخر، وبعدا آخر، إذ «لا يسجل، فقط، سيرة أحمد الحو ومحنته، وهو شاب في مخافر الأمن السرية والعلنية، وليس فقط وثيقة تاريخية تكشف عن مجاهيل سنوات الرصاص، وكيف كان الجلادون يرتقون في سلاليم الإدارة بمعيار من هو أكثر مهارة منهم في صنع الملفات وتشكيل خلايا المعارضة وتوريطها في سيناريوهات مفبركة من العنف والاعتداء على الأمن، ثو تفكيكها وتقديم الضحايا المختارين بشكل عشوائي قرابين على مذبح السلطة، وليس كتابا يعري وجه السلطة البشع حينما تصير في يد الجلادين يمارسونها خارج القانون ومراقبة المجتمع، إنما هو أيضا ينبهنا إلى أن القطع مع هذا الماضي المخزي لا يمكن أن يتحقق بدون وضع حد للإفلات من العقاب»، يقول الأستاذ محمد السكتاوي، الصفحة 19 من الكتاب.
والأستاذ أحمد حو ثقي ذو قصد سليم، لذا فكل ما أفصح عنه يعد شهادة وجب أخذها كلها، وهي، كما قال الأستاذ المحجوب الهيبة، تشكل «مصدرا غنيا للمعلومات والمعطيات المتعلقة بماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان»، الصفحة 14 من الكتاب. فلا مجال لننثني، هنا، أو هناك، أو نزاوَرُ عن مجال الذاكرة. ذلك أن الكتاب تعبير عن «مرارة الحياة داخل السجن ودهاليز التعذيب»، كما قال الأستاذ عبد النبي الشراط، وهو يقدم الكتاب، فضلا عن «أن الكاتب صاحب المذكرات أبدع في وصف حقائق الأمور التي كانت تجري أمام عينيه داخل هذه الأماكن المرعبة والمظلمة»، يضيف الأستاذ الشراط. فما كان للقارئ إلا أن يصادف أن للتجربة «ما يميزها عن غيرها مما نسميه»، أدب السجون.
» عائد من المشرحة » تجربة إنسان واجه محنة حرية الاجتهاد داخل المعتقد، محنة اعتماد نهج معين في الدين، فكان صورة تذكارية لما حصل من مصادرة للحرية منذ العصر الأموي حيث ذُبح الجعد بن درهم، يوم عيد الأضحى، واضطهد المعتزلة، وعاش ابن رشد المحنة، وقطع رأس الفقيه الزقاق في بداية الدولة السعدية في المغرب. وكادت المشرحة تتكرر مع الكاتب الذي لم يرتكب ذنبا ولم تلصق بذمته زلة عظيمة أو لميمة.
»عائد من المشرحة» مذكرات «أحد ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا، التي اختارت في نهاية تسعينيات القرن الماضي تسوية ملفاته وفق آلية العدالة الانتقالية»، يقول الأستاذ المحجوب الهيبة. وإنها «مساهمة أخرى فيما يعرف بمذكرات الاعتقال السياسي أو آدابه». ويضيف الأستاذ المحجوب أن هذه المذكرات شكلت «مصدرا أساسيا في التعريف بتلك الانتهاكات والاستئناس بها في عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، إنها تساهم بما لا شك فيه في حفظ الذاكرة. وهو عنصر أساسي في تجارب العدالة الانتقالية».
ولما كانت الذاكرة صناعة مستحدثة في الخطاب المغربي المعاصر، لصاحبتها هيئة الإنصاف والمصالحة، التي لم تعمل ما ينبغي عمله لإبرازها بالوجه اللائق، إذ قدرتها عنصرا ضمن برنامج جبر الضرر الجماعي، لا يزال تصنيف الخطاب ضمن الذاكرة يواجه بعض التعثر، فيقتصر التقدير – تقدير الخطاب- أنه أدب السجون، أو مذكرات، أو خواطر. ولم يجر الاشتغال، بعد، في مدرجات الجامعات على الذاكرة، من حيث إبداعها لمادة أدبية، أو مادة سينمائية، أو مسرحية، أو مادة المؤرخ بالدرجة الأولى.
وقبل العروج إلى مواطن الذاكرة في الكتاب، جدر السؤال: لماذا العنوان، «عائد من المشرحة»؟
نعود إلى شهادة الأستاذ المحجوب الهيبة لنستشف مغزى العنوان »عائد من المشرحة». مفاد الشهادة أن السيد أحمد حو ضمن مجموعة 71 الذين اعتقلوا يوم 31 من غشت من العام 1983، وهو من الذين عذبوا بدرب مولاي الشريف، وحوكم بالإعدام يوم 30 من غشت من العام 1984، وكان نقله «إلى حي الإعدام بالسجن المركزي بالقنيطرة مباشرة بعد الحكم عليه بهذه العقوبة القاسية والقصوى، أي: في 31 من غشت 1984». وقضى السيد أحمد حو «حوالي عشر سنوات محكوما بالإعدام، قبل تحويل هذه الأخيرة إلى عقوبة المؤبد سنة 1994»، وجرى «الإفراج عنه بموجب عفو شامل سنة 1998».
ولما صدر الكتاب سنة 2021 حسن العودة إلى السياق الذي يمكن أن يبطنه، السياق الذي «عرف تطورا ملحوظا فيما يخص عقوبة الإعدام». ذلك أن «ما يزيد عن ثلثي دول العالم ألغتها، إما قانونا وإما في الممارسة. كما أن عدد المحكومين بها وتنفيذها في حقهم آخذا في التراجع سنة بعد سنة عبر العالم، وخلال العقدين الآخيرين، ما يزيد عن خمسين دولة ألغت قانونا العقوبة المذكورة. وحسب إحصائيات دولية رسمية، وصل عدد الدول التي ألغتها قانونا أو في الممارسة 163 دولة، وبالتالي، فالتوجه العام يسير بصورة متواصلة نحو الإلغاء»، يقول الأستاذ المحجوب الهيبة، في الصفحة 16 من الكتاب. فالكتاب يبطن في طياته أملا حقوقيا، إلغاء عقوبة الإعدام، ونصرة الحق في الحياة.
ما هي أوجه الذاكرة في كتاب «عائد من المشرحة»؟
نسجل، في البدء، ومع الاطلاع على الفقرة من المقدمة، أن الكتاب وجه من أوجه الذاكرة، إذ صدر و«الساحة الأدبية قد حفلت بالعديد من المذكرات، التي تؤرخ لتجربة عصيبة عانى فيها الكثير من ويلات السجون والمعتقلات السرية والمنافي. ولذلك، كانت كلمة تجربة تختص بالدرجة الأولى بذكر ما وقع فيها، لأنها تعاش فقط»، الصفحة 25 من الكتاب. والتجربة تستصحب معها سمة من سمات الذاكرة، سمة الذاتية، وقد تمتد، عبر الذات، لتمس «المعتقل والمنفى بكل قوة في جسده وفي مشاعره وفي وعيه وفي محيطه». ويراد من الكتاب الانتقال بالذاكرة من الشفاهية إلى الكتابية. وقد مكنت تلك المذكرات والتجارب «بلادنا من توثيق قسم هام لذاكرته ولتاريخه الحديث»، الصفحة 26. ومما يميز تجربة الأستاذ أحمد حو، وبالأحرى، ذاكرته أنها تخص التيار الإسلامي، في الوقت الذي طفت فيه تجارب اليسار والعسكريين على السطح. هنا وجبت الإشارة إلى أن الذاكرة لا تخص المذهب السياسي بقدر ما تخص الإحساس واستعادة الماضي وجعلها يستمر في الحاضر. لذلك رأى الكاتب أن اللحظة «فارقة لاستعادة ذاكرو يحتاج المغاربة إلى الحفاظ عليها من الاندثار والنسيان»، الصفحة 26.
نسجل في الثاني أن الكاتب وقف عند لقطة الانتهاك، والأحداث التي انجر عنها الانتهاك، وحرص على نقل الحدث، إذ سطر لقطة سنة 1981، حيث جرت «محاكمة المتهمين في قضية عمر بن جلون»، وصدور أحكام بالإعدام «في حق المتهمين باغتيال الزعيم الاتحادي»، وما صاحب ذلك من خروج مظاهرات، وقمع واعتقال. ولم يغفل الكاتب الوقوف عند وحدة الآداء في المشاركة في التظاهرات، «خصوصا في الثانويات وبتحالف مع اليسار لدرجة أن المناسبات التلاميذية التي كان يخلدها اليسار»، يدعمها تلاميذ التيار الإسلامي ويشاركون فيها «كما كان الحال في مناسبة 23 مارس 1973 الخاصة بأحداث مولاي بوعزة الأليمة، والانتهاكات الجسيمة التي صاحبتها من إعدام وقتل وتشريد ونفي، مس منطقة الأطلس المتوسط كلها»، والمغرب كله، «وكان لمخلفات الانتفاضة الاجتماعية بالدار البيضاء سنة 1981» الأثر الكبير على نفس الكاتب، الصفحة 38.
ولم يغفل الكاتب أن يخصص نبذة عن انتفاضة شهداء الكوميرا في 20 من شهر يونيو من سنة 1981 و21 منه، بما هي مكان للذاكرة، وقدرها «أحد مظاهر الاحتجاج في تاريخ المغرب الحديث»، الصفحة 38، فكان الانتهاك «بالضرب والجرح والقتل بالرصاص الحي والاختطاف والاعتقال»، و«انتهاك حرمات البيوت وترويع سكانها وسرقة ما غلا ثمنه، وخف وزنه»، وجرى أن «اسفرت تلك الأحداث عن سقوط عشرات القتلى ومئات من الجرحى، حيث بينت التحريات فيما بعد أن الإصابات مست الأجزاء الحساسة من الجسم كالرأس والصدر والقلب»، الصفحة 39 من الكتاب. إنها مكان في الذاكرة، لأنها «بمثابة النار في الهشيم لإشعال كل حس مناهض للطغيان والقتل والتنكيل، خاصة عندما يرى المرء بأم عينه كيف عبثت الدبابات والبنادق بالأجساد ولم تفرق بين صغير وكبير»، الصفحة 39.
أثناء اندلاع حريق الاعتقال انثنى الأستاذ أحمد حو بالإشارة إلى الذين استغلت الشبيبة الإسلامية «عدم معرفتهم بألاعيبها، وأولئك المرتزقة الذين سعت هذه الحركة أن تجعل منهم محرقة لأهدافها غير المعلنة». ولطفا من الأستاذ أحمد حو، أشار إلى أحد المرتزقة باسم مستعار، كان «أظهر التعاون ولم يتلق بذلك صفعة واحدة»، وأتيحت للكاتب الفرصة ليراه بين أحضان الشرطة، وقد أجلسوه «في أريكة مريحة، وبين يديه كأس قهوة معتقة، وبين الفينة والأخرى كان يتلذذ بمضغ العلك، وقد زعم ذات يوم أنه تعرض للتعذيب، للضرب عبر «الطيارة»»، وهي تقنية من تقنيات التعذيب، لذلك قال له الأستاذ أحمد حو: «صفها لي فبهت الذي كذب»، الصفحة 44 من الكتاب. واللقطة وجه آخر من أوجه الذاكرة، لنزوع الكاتب نحو إخفاء هؤلاء المرتزقة. وجدير بالذكر، أن الذاكرة لا تكون كذلك حتى تستغرق فصولا من النسيان المراد.
كانت الاعتقالات وقتها كالنار في الهشيم تمتد تدريجيا وتنتشر، فالذي نجا بعض الوقت يكون الحظ، قد أمهله قليلا، وساعده لينتظر دوره. هنالك، و«بعد اعتقالات غشت سنة 1983»، حصلت «مداهمة بيت العائلة في أوقات من الليل متأخرة، وبشكل همجي»، ولم يكن الكاتب وحدها حاضرا، فكان تبكيتها واعتقال والده. ولما حضر، وأخبر بما حصل، قال في نفسه: «أنا المعني بالأمر وأنا المسؤول عن العمل الذي قمت به، ولا يمكن أن تؤدي عائلتي ثمن قناعاتي السياسية»، فقرر تسليم نفسه، وذلك يوم 31 غشت 1983. ومن عناصر الذاكرة، بما هي الماضي في الحاضر والماضي الممتد إلى المستقبل، الإفصاح عن لحظات الوهم. فالكاتب قدر الأمر الذي يواجهه أنه «لا يعدو أن يكون مجرد شبهة كما في السابق، أو في أسوأ الأحوال غرامة من أجل جنحة العبث بطلاء جدار أو مخالفة بعدم الأشعار»، أو يصدر حكم مخفف في حقه، لأن ما فعله، «كان مجرد تعبير عن رأي، ولم يصاحبه أي عمل مقترن بجرائم الدم قولا أو فعلا»، الصفحة 45، لكن المشنقة هي التي تنتظره. وبين وهم الذاكرة والحقيقة الواقعية تأخذ صناعة الذاكرة، التي برع الأستاذ أحمد حو في إنشائها، صورتها الكاملة.
جل تجارب الذاكرة المغربية تظهر في متنها ماهية التعذيب، أدواته، دون التعريف بالتعذيب، ومن يفعل غير ذلك فقد ازاوَر عن صناعة الذاكرة. يقول الكاتب: «وقبل أن يبدؤوا جولة التعذيب عرضوا علي أحجاما مختلفة من السياط وأدوات التعذيب وأنواعا من السوائل المنظفة والقاذورات [التي] تستعمل للخنق والقارورات المخصصة للاغتصاب، وآلة الصعق الكهربائي، ولما لاحظوا أن الأمر لم يغير من نفسيتي شيئا، عمدوا إلى أول جولة من التعذيب ستتبعها جولات أخرى». ويعنينا أن الكاتب وقف عند التبكيت في صلته بانتزاع المعلومات، وذاك هو المغزى من التعذيب. والسيد أحمد حو من الذين يدرون، حق الدراية معنى التعذيب، لذلك ذكر مصطلح «التعذيب»، ونقل معناه بأسلوب أدبي يبين للقارئ ماهية التعذيب، وذاك من مظاهر الذاكرة. يقول: «وحين كنت أصرخ من شدة الألم، كانوا يقولون لي: إذا كنت تريد أن تعترف، ما عليك إلا أن ترفع أصبعك»، الصفحة 46.
وكما هو شأن جل صناعات الذاكرة، يتوجب الانعراج غلى المكان، معتقل درب مولاي الشريف بالدار البيضاء. «بناية لم يكن يعرف سرها حتى القاطنين بالقرب منها، أو الذين يسكنون في طوابقها الثلاث العليا، فهي تقع بالقرب من حي مولاي الشريف بالحي المحمدي، فهي تقع بالقرب من حي درب مولاي الشريف بالحي المحمدي بالدار البيضاء». وتحتضن البناية معتقلا سريا رهيبا، «تحال عليه أيضا، بالإضافة إلى قضايا الاعتقال السري قضايا الانفصال والتجسس وقضايا الجريمة العابرة للقارات، كالمتاجرة في الكوكايين وتزوير العملة». يمتد المعتقل بالسرية لتغشى «أزيد من ثلاثين شقة تقطن بها عائلات موظفي الأمن»، (الصفحة 49 من الكتاب)، لا يعلم قاطنيها أن بأسفلهم سجن سري رهيب. وتمتد جذور المعتقل في الزمان إلى عهد الحماية الفرنسية، واستمر نشاطه، بما هو معتقل سري في عهد الاستقلال. هنا وجب استلهام رأي الأستاذة إرسني نيدو عضو الائتلاف الدولي لحفظ أماكن الذاكرة إذ أشارت، أثناء اليوم الدراسي حول معتقل تازمامارت بالرباط، الذي نظمه المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمعهد الدولي للعدالة الانتقالية، يوم 20 من شهر دجنبر من العام 2008، إلى أن: «حفظ الذاكرة يستلزم من باب أولي مراعاة السياقات المحلية والخصوصيات الثقافية والاجتماعية للسكان والمناطق. فمراكز الاعتقال ليست صماء، ولكنها مواقع ينبغي أن ينظر إليها على أنها حافز للأجيال على التساؤل حول ما جرى من انتهاكات وحول شروط ضمان عدم تكرارها، حتى لا تكون مجالا لمد الجسور وخلق الروابط والحديث عن قضايا حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية».
وقف الكاتب عند الحياة في معتقل درب مولاي الشريف من الصفحة 51 من الكتاب إلى الصفحة 62، وهي مدة تداني «خمسة أشهر ونصف» من العذاب يشهد عليها الذين جرى «غسل أدمغتهم، حتى لم يبق لهم عقل يميزون به، ومنهم من حمل معه جروحا وندوبا نفسية وجسدية لن تندمل أبد الدهر». معتقل استقبل الضحايا نحو «أبرهام السرفاتي، وأمين التهاني، وسعيدة المنبهي». معتقل دبر أمره جلادون، يقول عنهم الكاتب، إن نذالتهم «أحالتنا إلى أجساد ممزقة من فرط الإدلال والجلد والانتقام والوحشية التي تجعل من الجلاد أخس وأشرس من الوحوش الضواري»، الصفحة 62. وبين مدة الاعتقال البعيدة بدون محاكمة، والتناقض بين الضيف الضحية والجلاد المستضيف توفق الأستاذ أحمد حو من رسم ذاكرة معتقل درب مولاي الشريف.
ومع تتبع الحدث، ذي الصلة بالذات التي تبوح بما حصل، وبما ينبغي أن يكون في الماضي، أو في الحاضر، كان التمهيد للقول في السجن المدني «اغبيلية» بالدار البيضاء. سمي السجن «اغبيلية» لأن «المساحة التي بني عليها السجن أيام الحماية كانت مخصصة لمقبرة». إنه «أحد السجون المخضرمة التي كانت مذبحة، تنفذ فيه الإعدامات وأبشع الممارسات في حق عناصر المقاومة، إبان فترة الحماية الفرنسية، ولم تنج منها انتفاضة «كاريان سونطرال» التي وجهت بقمع منقطع النظير من لدن المستعمر الفرنسي». وهو «اليوم معروض للبيع لمافيا العقار لطمس معالم الذاكرة». أو ليس «معلمة تحمل في طياتها تاريخا أسود للقمع السياسي، أقلها أن ساحته كانت مكانا لتنفيذ حكم الإعدام في حق عناصر المقاومة»؟ الصفحة 63 من الكتاب. بلى، وذاك ما دفع جمعية الدار البيضاء الذاكرة «casamémoire» لتنتبه إلى ذاكرة «كاريان سونطرال»، وذاك ما دفع المؤرخ المقتدر التقي نجيب ثقي ليؤلف كاتبا حول «جوانب من ذاكرة كاريان سونطرال، الحي المحمدي الدار البيضاء في القرن العشرين». ولا غرو، فأماكن الذاكرة ممتدة في الزمان. ذلك أن بساط معتقل تازمامارت هو نفسه مجال قيادة عدي وبيهي التي سامت الأبرياء سوء المعاملة. وسجن أكدز قصبة من قصبات الكلاوي. وليقس على سجن تاكونيت وقلعة مكونة. ولحسن الحظ أن سجن «اغبيلية» سجن نظامي، حسب ما أفصح به ثلاثة سجناء من الحق العام، «أخبرونا أن إدارة السجن وضعتهم لمراقبة كل حركتنا وهمساتنا، وقد أوضحوا لنا أن الكلام والحركة والنظر مسموح بها، وأننا في سجن نظامي وليس في معتقل سري، وهم الذين مكنونا من تذوق بعض الأكل والشاي الساخن…»، الصفحة 65. ولم يغفل الكاتب سرد نبذة عن السجن المركزي بالقنيطرة بين الماضي والحاضر، انظر الصفحة 116 وما بعدها.
لم يختلف وضع محكمة الجنايات بحي «الحيبوس» بالدار البيضاء يوم 13 من شهر يناير من العام 1984 من حيث الإذلال والتبكيت عن مشاهد المعاناة التي سلف للكاتب أن فصل فيها القول. ولقد كان اليوم يوما طويلا «حيث نقلونا في طابور من السيارات على الساعة الثالثة صباحا، معصوبي العينين، مقيدي اليدين. وعند وصولنا إلى باب محكمة الاستئناف أزالوا العصابة على أعيننا بعد أن وضعونا في قبو، تفوح منه رائحة البول والغائظ»، الصفحة 63. ولم تنج الحياة داخل السجن من الاكتظاظ وانعدام الشروط الإنسانية، «بها مرحاض مكشوف تتناسل فيه كل القاذورات والحشرات والجرذان والصراصير»، وانتشار الظلام الدامس، (الصفحة 66 وما بعدها). وجرت المحاكمة في أجواء متوترة، بعيد أحداث يناير 1984، لتبرير إنزال أقسى العقوبات.
يمكن قياس ما حمله القانون 23- 98 على وضع السجن في كتاب «العائد من المشرحة»، لبيان الفرق الشاسع من حيث التغذية، والمعاملة، والفسحة، والزيارة: «لم يكن لنا من حق في الفسحة سوى ربع ساعة في اليوم، وبعد أسبوع نودي علي وأخبروني أن أهلي ينتظروني في المزار، الذي كان به حواجز مشتبكة من أسلاك الحديد، وكان يفصل بيني وبين عائلتي حاجزين»، الصفحة 65 من الكتاب.
ويمكن قياس حال المحاكمة قبل الإصلاح الذي غشي قانون المسطرة الجنائية، ففتلك الأثناء كانت مصادرة الحق في التبليغ بالتهمة. فبعد التقديم أمام المحكمة جرى التبليغ «بالتهم التي أتابع من أجلها حضوريا»، الصفحة 71 من الكتاب المذكور، و«رفضت المحكمة كل الدفوعات الشكلية والجوهرية للدفاع، كتجاوز مدة الحراسة النظرية التي فاقت الستة أشهر، وغياب حالات التلبس، ولا قانونية المداهمات للبيوت وتفتيشها بدون إذن قضائي… ورفض إنجاز أية خبرة خصوصا حول حالات التعذيب التي كانت واضحة»، (الصفحة 71 من الكتاب المذكور)، وكلها مشاهد من الانتهاكات حاقت بالمحاكمة، «التي تفتقد لأي عنصر من عناصر المحاكمة العادلة، كقرينة البراءة، واحترام المساطر والقوانين الجاري بها العمل»، فكان أن أصدر القاضي الخاضع «لتعليمات فوقية حكما بالإعدام»، في حق السيد أحمد حو، وخمسة من زملائه بتاريخ 30 من شهر يوليوز من العام 1984، (الصفحة 74 من الكتاب المذكور).
لما قُضي الأمر، وجب الترحيل إلى السجن المركزي بالقنيطرة في الفاتح من شهر غشت من العام 1984، ليكون الاعتقال «في زنزانة مساحتها 4 أمتار مربعة… بداخل الزنزانة حفرة سموها مرحاضا ليس بها أي ساتر، مما يجعلها مرتعا للروائح الكريهة ومرتعا لخروج جرذان كبيرة يجب التعايش معها»، (الصفحة 82 من الكتاب)، نُصرةً للحياة، ودفاعا عن انتصار الحياة. و«الحي مصمم على شكل هلال، وبارد برود المشرحة وصامت صمت المقبرة، صمته رهيب يجعلك في خوف دائم»، (الصفحة 82 من الكتاب).
ومن حسن الحظ أن اتسعت فرص النجاة من المشرحة، إلى أن ظهرت سياقات الانفراج سنة 1990 فتحسنت ظروف الزيارة، والتغذية بالسجن وتحسن التطبيب، وسُمح بمتابعة الدراسة، وجرى التواصل بالجرائد. وأثناء مقام الكاتب بالسجن المركزي بالقنيطرة حكى عن المعتقلين، وفصل القول في انتمائهم السياسي. ففي أجواء الانفراج تحولت العقوبة من الإعدام إلى المؤبد، «وهو الأمر الذي استفاد منه كل المعتقلين السياسيين الإحدى عشر المحكومين بالإعدام، وأيضا غالبية المحكومين بالإعدام من سجناء الحق العام الذين كان عددهم يتجاوز الثمانين»، الصفحة 150 من الكتاب المذكور. وكان الانتقال إلى سجن عكاشة بالدار البيضاء، فنشأ الترافع على الملف المطلبي «الخاص بالوضعية داخل السجن»، الصفحة 159 من الكتاب المذكور.
لم تتوقف الذاكرة بعد الانفراج، وبعد العفو الذي استفاد منه السيد أحمد حو. فمن مميزات الذاكرة الديمومة، واستمرار الماضي في الحاضر، كما سلفت إليه الإشارة. «ولأنه لم يكن أحد منا يرضى أن يكون الإفراج عنا منة وعفرا ذليلا من لدن من أحالوا حياتنا إلى جحيم لا يطاق، سواء داخل السجون وخارجها، فقد بدأت فكرة جبر الضرر ورد الاعتبار تسيطر على نقاشاتنا، إلى أن قررنا تأسيس منظمة لضحايا سنوات الرصاص»، الصفحة 184 من الكتاب المذكور.
كانت خاتمة الكتاب خاتمةً لمسلسل طويل من الانتهاك والتعذيب، والنضال ضد ذلك، إلى حين معايشة الكاتب لتأسيس هيئة التحكيم المستقلة للتعويض وهيئة الإنصاف والمصالحة، و«المشاركة في تأسي جمعية ضحايا سنوات الرصاص المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف، والوقفات الاحتجاجية والقافلات أمام أبشع السجون السرية من بينها تازمامارت ودرب مولاي الشريف»، ومتابعته عن قرب «للمفاوضات الممهدة لتأسي هيئة الإنصاف والمصالحة» واشتغاله بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، «ونسخته المعدلة المجلس الوطني لحقوق الإنسان»، الصفحة 198 من الكتاب المذكور. وليست الخاتمة خاتمة في دينامية الفعل الحقوقي، لقد توج ذلك بدستور 2011 الذي يعد «بحق دستور حقوق الإنسان»، وهو «خلاصة للكثير من التوصيات الصادرة في التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة»، الصفحة 199 من الكتاب المذكور.
ولما كانت الذاكرة تقضي استخلاص الدروس من الماضي والعبر. فما هي تلك الدروس والعبر؟
هناك دروس بارزة في متن الكتاب، وهناك دروس يمكن استخلاصها.
– «لقد أصبحت بحكم تجربتي مطالبا شرسا بإلغائها»، أحمد حو، الصفحة 94 من الكتاب المذكور.
– نضال عائلات المعتقلين، بالاعتصامات «أمام وزارة العدل وإدارة السجون والمقرات الرسمية السجون، والمقرات الرسمية، وأمام مقرات الصحف والمنظمات الحقوقية…»، الصفحة 154 من الكتاب، وقد توفقت «في تنوير الرأي العام الوطني والدولي»، وإيصال الرسالة المشفرة وغيرها إلى المعنيين.
– تحسن الوضع داخل السجون بفعل نضال السجناء صحبة عائلاتهم، فعم الإصلاح نظام السجون، فكان تضمين جزء كبير من القواعد الدنيا النموذجية لمعاملة السجناء في القانون 23- 98.
– وجوب استقلال الهيئة الحقوقية عن الأحزاب السياسية.
– الممارسة الحقوقية تقضي تحفيفها بأمل مستمر.

في الذكرى العاشرة لرحيله: قدور اليوسفي واعتقال والدي الحاج الجيلالي لعماري.الحلقة أولى

بقلم عبد الله لعماري

في الذكرى العاشرة لرحيله: قدور اليوسفي واعتقال والدي الحاج الجيلالي لعماري.حلقة أولى

مرت عشر سنوات على ارتقاء الوالد إلى الرفيق الأعلى، سريعة كسرعة الدهر الذي يجري كما تجري الشمس نحو مستقر لها، إذ افتقدناه رحمه الله سنة 2012 في متم شهر شتنبر.

وإذ أستحضر الذكرى أستحضر معها مايميز المجتمعات الإسلامية عن غيرها، في فضيلة التشبت القوي للأبناء بذكريات وآثار ومناقب الأباء والأمهات، فتبقى تلك الآثار والمناقب معالم هادية في مسار الحياة، ومظلات واقية وحامية للأصول والجذور والموروث الجمعي في الهوية والقيم والأمجاد.

ووالدي الحاج الجيلالي رحمه الله، كان هو المدرسة الأولى لي الحياة ، التي فتحت عيني على المبادئ العليا والقيم السامية والمثل النبيلة، غير أن تشربي لهذه المرجعية الصافية الراقية قادني بعيدا في الإبحار والإيغال في لجج الأمواج العالية العاتية، لما حملت في عقلي وروحي وعلى كاهلي مثل شرفاء البلاد هموم مستقبل وطن في الحرية والعدالة والكرامة.

لكنني وأنا أحلق في هذا الفضاء الحالم أرهقت معي المعلم الأول الحاج الجيلالي إرهاقا عرف فيه بسببي رعب الاعتقال، وعرف فيه أيضا ظلمات سنوات الجمر والقهر والرصاص.

ففي سنة 1981 شهر ديسمبر، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقال واختطاف في عموم المدن المغربية استهدفت الصفوف القيادية للحركة الإسلامية آنذاك في الخط التنظيمي المرتبط بما عرف بالشبيبة الإسلامية، بعد أن تم تحويله إلى ماسمي بتنظيم الجماعة الإسلامية، وكنت واحدا من المجموعة القيادية السرية لتنظيم الشبيبة الإسلامية، التي باشرت هذا التحويل، وأسست وقادت التنظيم الجديد للجماعة الإسلامية.

كان ظاهر هذه الحملة من الإعتقالات هو أن تتمكن الأجهزة الأمنية من إعادة اكتشاف ورسم الخريطة التنظيمية الجديدة لهذه الحركة الإسلامية، والوصول إلى الفرز بين قياديي الجماعة الإسلامية وبين من تبقى في الشبيبة الإسلامية.

كانت هذه مهمة أمنية بسيطة تباشرها الأجهزة الأمنية السياسية الميدانية، ولكن الهدف الباطني والخفي الذي كانت تتوخاه الاستراتيجية الأمنية العليا للمهندسين الأمنيين الكبار، هي إعادة ترتيب أوضاع الحركة الإسلامية من خلال تشكيل التوجه الجديد الذي استخلف كليا الشبيبة الإسلامية، وهو تنظيم الجماعة الإسلامية، وذلك باتخاذ الاعتقال وسيلة تصفوية وتطهيرية تروم صوغ الجماعة الإسلامية بما يتلاءم مع المرحلة الجديدة وحملها على القطيعة مع الماضي بتفكيك بنيتها الفكرية السابقة وبنيتها التنظيمية السرية.

وهكذا تم تشديد الظغط داخل المعتقل على العناصر القيادية الأصيلة والرئيسيةلإقصاءها من الترتيبات المستقبلية، وكان المستهدف الأكبر من هذه العملية التطهيرية هو المرحوم الحاج علال العمراني، فقد كان العمراني هو القيادة الفعلية والميدانية للشبيبة الإسلامية، طيلة عهودها، ولما نشأت الجماعة الإسلامية سنة 1981 كان هو العقل المدبر والمفكر، وهو القائد التنظيمي المباشر، على عكس مايدعيه لنفسه الآن عبدالإله بنكيران. وكان الضغظ عليه يروم كسر معنوياته وحمله على الإنسحاب بعد الخروج من الإعتقال لإفساح المجال لمن كانت تعده هذه الإستراتيجية الأمنية ليكون مقدم هذه الجماعة وغفيرها.

أما علاقة هذا الحكي بشقاوتي وشقاوة والدي معي بسببي في هذه الحملة من الإعتقالات، هو أنني أعتقلت بالصدفة في منزل المرحوم العمراني، لما كنت قد قدمت إلى منزله لتفقد أبناءه وحاجياتهم بعد إختطافه بأيام، وصادف وجودي على باب المنزل، استقدامه من طرف الأجهزة الأمنية لتفتيش بيته، فكانت فرصة ثمينة للأمنيين لاصطيادي بدون عناء، وكانت صدمة قاسية لأخينا المرحوم علال العمراني،الذي رأى في هذا الاعتقال/ الاصطياد نكبة ستحل به وستحل بالتنظيم السري الذي كنا نقوده جميعا دون أن أكون معروفا.

حينما كان الأمنيون يسوقون المرحوم علال العمراني إلى بيته من أجل التفتيش، كنت أنا واقفا على باب بيته في الطابق الخامس والأخير، وإذ لحقوا بي دون أن أفطن، أسقط في يدي ، فلم يبق لي مجال في أن أصعد إلى أعلى لأتفادى مواجهتهم، ولم يبق لي سوى مجال المناورة، وفي ثانية قاسية من الزمن القاسي، ارتسمت في ذهني خيوط المناورة حينما التقت العيون بالعيون، في لحظة كان فيها العمراني قد اسود وجهه واربد من وقع صدمة المفاجأة.
فرح الأمنيون بضبط صيد ثمين، قد يكون لهم في نظرهم أفضل مما قد يأتي به التفتيش، وفوجئ المسكين علال العمراني وأنا أنقض عليه بعناق حار مصحوب بقبلات حارة، وأنا أناديه بصوت بدوي في المدينة ،كيف حالك آلفقيه، ثم أعرج على باقي الأمنيين بالعناق والقبلات، متظاهرا باعتباري لهم ضيوف الفقيه. وقد كان العمراني إمام الجمعة في مسجد بورنازيل.
لم ينطلي عليهم هذا التظاهر، وتوعدوني أنهم سيعرفون مني بعد حين هذه القصة ، قصة الفقيه.
في لحظة خاطفة، غافل العمراني الأمنيين الغارقين في التفتيش والجرد، ليهمس في أذني رحمه الله كلمة تهد الجبال مما كانت تطفح به من ألم المحنة والخوف، فقال لي: لاتذكرني ولو قطعوك إربا إربا، فأجبته بنفس النبرة والحمولة: لن أذكرك ولو ذوبوني وصيروني بخارا. وكنت بالفعل أهيء نفسي لصلابة العزم في معركة قادمة قاسية.
في كوميسارية لمعاريف سيئة الذكر بالرعب في ذلك الزمن، سأعرف القصة كاملة بكل فصولها الدامية، وكيف كان المرحوم العمراني في محنة شديدة، ذلك أنه كان يدفع عن نفسه كل معرفة وكل مسؤولية عن تنظيم الشباب، ويتنصل من ذلك بكل ماأوتي من قوة ومن إصرار ومن دهاء، بالرغم من أنه كان في واقع الأمر الكل في الكل، وكان الرأس الكبير في العمل كله، كان يؤكد للأمنيين بأن علاقته بالشبيبة الإسلامية كانت من خلال الجمعية، وليس من خلال الحركة، وأن الجمعية أغلقت أبوابها منذ سنة 1975 عند اغتيال عمر بن جلون، وأما الجماعة الإسلامية فلا علم له بها. لكن رفاقه الذين كان يظنهم رجالا كانوا يغدرون به وفي مواجهته بين يدي الأمنيين المحققين به، كان عبدالإله بنكيران يكشفه ويعريه وفي وجهه ويلقي عليه مسؤولية التنظيم كلها في وجهه وأمام المحققين، وكان سعد الدين العثماني يتحدث عنه بشفافية وبسخاء كبير وبكل أريحية، وكان العمراني يتشبت بالإنكار رغم الإحراج الشديد، وبينما هو كان يتخوف من التبعات في المستقبل، ومن محاكمات محتملة، كان هؤلاء في اطمئنان وهناء ضمير على المستقبل، ولكن بعض رفاقه من الدارالبيضاء كانوا رجالا أفذاذا واجهوا آلة التعذيب الرهيبة بالصمود والصمت،بالرغم من أنهم كانوا قياديين في التنظيم، أمثال محمد بيرواين وابراهيم بورجة وعبدالرحيم ريفلا وعبدالله بلكرد.
والآن جاء دوري، وقد ظن الأمنيون أنهم وضعوا أيديهم على الحجة التي ستقصم ظهر العمراني، وستحرر لسانه من عقاله، بعد أن سيتحرر لساني أنا الأول من عقاله، وسيصلون إلى الخريطة التي يبحثون عنها، رغم أن المؤلفة قلوبهم معهم الآنف ذكرهم أوضحوا لهم بعض هذه الخريطة.
لقد كنت في أيديهم غنيمة نفيسة، لذلك كان العمراني في كرب شديد من وجودي.

والدهم في الزيارات المكثفة بالليل والنهار، أنهم لا يبرحون صالة الضيوف، ولكن هؤلاء الوافدين الجدد دخلوا غرفة نوم والدهم،وبحثوا في دولاب الملابس، كنت جالسا أرقب هذا الوضع المحزن، ويجول في خاطري كم هي غالية ضريبة حمل فكرة للإصلاح والتغيير والإنبعاث، ومخالجة حلم وهم للإرتقاء بشعب ووطن وأمة.
في الطريق إلى كوميسارية لمعاريف، في السيارة التي تكدسنا فيها نحن والأمنيين، كنت مسكونا بفكرة واحدة: الهروب متى سنحت الفرصة، لأن الكلمة التي دسها العمراني في أذني لما قال لي لاتذكرني ولو قطعوك إربا إربا، تناسلت في ذهني بما تصورت به أن الأمر جلل، وأننا ماضون إلى مجزرة بما يشبه السجن الحربي وما وقع فيه للإخوان المسلمين في مصر جمال عبدالناصر، وقد كنا متأثرين بما نقرأ في الكتب التي روت فظائع ماوقع.

عبد الله لعماري


رمي بي في عنبر تتكدس فيه أجساد العشرات من موقوفي جرائم الحق العام، الروائح الكريهة للعرق ودخان السجائر والمرحاض الفائض والمغرق لمن يتمدد من حواليه، والإسفلت العاري إلا من بعض أجزاء الكارتون التي كانت من بذخ بعض المحظوظين.
كان الواحد من هؤلاء الموقوفين على ذمة جرائم السرقة أو القتل، يساق إلى مكاتب التحقيق ماشيا على قدميه، وحينما يعود، يعود محمولا في مانطا لايقوى لا على الوقوف ولا على الحراك ولا على الكلام، سوى كلمة واحدة يهمسها لرفاقه، أنه لم يعترف لهم، تلك هي لمعاريف أيام زمان.
كان هذا المنظر يمدني بإكسير الحياة ويبعث في طاقة عظمى على مواجهة ماقد يأتي، إذا كان هؤلاء يصمدون للتعذيب وهم قتلة ولصوص ورجال عصابات، فكيف بنا نحن المناضلون المثقفون النبلاء أصحاب الأفكار والدعوة إلى الله والطامحون إلى مجتمع أصلح وأفضل وأرقى، وكنت أبدأ في شحذ أسلحتي للمعركة القادمة، مع خصم يمتلك أسلحة هي وسائل التعذيب والبطش والإهانة لانتزاع الإعترافات، وأسلحتي التي أملك هي الصمود والتحمل والصمت والتحدي، هي معركة بين الآلة والإرادة، بين الفتك بالجسد وبين إستعلاء الروح وكبرياء الهمة والعزم.
ثم إن هناك هذا العهد الذي بيني وبين العمراني الذي استوثق مني واستحلفني أن لا أذكره، وهو الأعلم بما ينتظره، وقد حكى لي بحسرة، كيف أثقل عليه إخوانه وكشفوه وعاكسوا إنكاره في وجهه، دون ضغط ولا إكراه ولاحتى لطمة خد، و الأمر من ذلك، وقد حكى لي أن بنكيران والعثماني وآخرين كانوا يفعلون ذلك وهم يضاحكون القوم ويتلاطفون معهم وكأنهم في نزهة أصدقاء، وليسوا في معتقل محنة وتنكيل، بينما هو كان غارقا في هواجس الخوف والكمد وأوجاع الضغط والإكره والإحراج.
ثم إنه كان علي أن أخفي إخواني وأجنبهم محنة الاعتقال، وهم كانوا لايمارسون سوى أنبل الوظائف في توجيه الشباب وإرشادهم وتربيتهم على العقيدة الإسلامية والخلق الإسلامي والوعي السليم الذي ينهض بالأمة والبلاد في إطار تاريخها وهويتها وثوابتها الوطنية كما رسمه الكفاح الوطني ضد الإستعمار البغيض، وهم كانوا يمارسون ذلك دون تفكير عدواني أو تهديد لأمن البلاد أو المؤسسات، في إطار تنظيمي، كانت الأوضاع السابقة قد تساهلت مع وجوده حتى أصبح عرفا متعاقدا عليه بين الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وبين الحركة الإسلامية، ثم إن هذا التنظيم السري كنا قد أعددنا له خطة في إطار ماسميناه بالجماعة الإسلامية لتحويله إلى العمل الشرعي القانوني حالما تتهيؤ الإرادة السياسية للجهات العليا في البلاد لقبول وجوده القانوني، كل ذلك كان بفعل وتخطيط الفاعلين الحقيقيين في التنظيم، وليس كما يدعي عبدالإله بنكيران الذي لم تكن له أنذاك أي قيمة تنظيمية ولاقاعدة ولانفوذ تنظيمي.
ثم إنه كان علي أن أواجه هذه المحنة، وأن أنجح في هذا الإمتحان وأنا الآن في قيادة تنظيم الجماعة الإسلامية ، بعدما كنت قد نجحت فيه عند اعتقالي سنة 1979، لما كنت حينها من قياديي الشبيبة الإسلامية .

لا زلت أواصل الحكي، حتى يعرف القارئ الملابسات والأسباب الداعية إلى اعتقال والدي رحمه الله، والذي هو موضوع هذه الحلقات، وإنما فصلت في هذه الحلقات لأمهد لهذا الحدث المؤلم، الذي كان من منهجية الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، سنوات الجمر والرصاص، إذ كانوا يسوغون مؤاخذة الأب بجريرة الإبن.
ذات صباح، وبينما أنا متكوم إلى جانب الأكوام البشرية من أبناء الشعب البؤساء، الذين تآلفت معهم في ذلك العنبر، أعد العدة النفسية والفكرية لمواجهة آلة المحقق، إذ جاء النداء المزلزل بصوت أجش من حارس العنابر: عبدالله لعماري، تكعد آلصكع.
نهضت مستجيبا للنداء، فوجدت في انتظاري رجلا لطيف المظهر لطيف الحديث، رافقته إلى مكتب غاص برجال جميلي الهندام، وقد أثارني فيهم ذلك العطر الأخاذ الفواح في أرجاء المكتب، إلى الدرجة التي رافقتني فيها رائحة ذلك العطر عشرات السنين، إذ إنغرس في أعماق ذاكرتي، فكلما شممته تذكرت التحقيق والتعذيب في مكاتب الكوميسارية سنطرال.
بدأ الحديث لطيفا مهذبا بسؤالي عن علاقتي بالمرحوم علال العمراني، فكان جوابي أن الفقيه أصلي عنده الجمعة، وجئت عنده أستفتيه في بعض مسائل الصلاة، حاولوا مرارا استدراجي للحديث غير ذلك، وتمسكت بجوابي، وسئلت هل أنا من الشبيبة أم من الجماعة، كان جوابي أنني لاأعرف هذه الأسماء.
أمام إصراري على تجاهل مايريدون، تبخر الأدب وطارت اللطافة، وفي لحظة تطاير الشرر وزمجرت الشتائم، ودخلنا في مسلسل طويل من أنواع التعلاق والجلد، وكل ما كنا نعرفه في ثقافتنا، أنه التعذيب لانتزاع الاعتراف، كل شيء تغير في أصحابي المعذبين،من الرزانة والهدوء، إلى الخطاب المرغي المزبد البذيء، والنظرات الشزراء، والوجوه المكفهرة، والحركات المتشنجة باللكم والرفس. والمعاطف وربطات العنق المنزوعة والمرمية، إلا شيئا واحدا بقي صامدا في ذلك المكتب الذي تحول إلى حلبة افتراس الإنسان لأخيه الإنسان، شيئا واحدا كان صامدا ويعاندني في صمودي وإصراري على نفس الجواب ، إنه ذلك العطر الساحر العبق الفتاك بذاكرتي، النفاذ إلى أعماق أحشائي، والذي لم تقوى على تغييره سحائب دخان سجائرهم الأمريكية، وحده ذلك العطر بقي يشعرني أنني مع بني الإنسان وليس مع قطيع ذئاب.
بقينا في نفس اللعبة جولات وأياما حتى استقر رأي أصحابي على تغيير خطة اللعب، وانتقلنا إلى حي البرنوصي لتفتيش البيت، طامعين في فك شيفرة هذا الشاب الذي يتحدث ببداوة وسذاجة ودروشة من درجة البلادة.
في الطريق وفي البيت لما ولجناه، كنت اتربص بالفرار فرصة، وكنت أعول على بنيتي القوية لأتدافع، ولكن القيود كانت مانعة.
أمام بيتنا ولمانزلت من السيارة مقيدا ومحاطا بأصحابي الأمنيين، تحلق حولنا بعض الشباب بوجوه غاضبة، أومأت لهم بحركة ارتياح ، وقد كنت متخوفا من أن يبدأ القذف بالحجارة، خاصة وأن الصغار والشباب في حي البرنوصي يكرهون البوليس، ولما تندمل بعد جراحات ماوقع في البرنوصي خلال انتفاضة 20 يونيو، في معارك شوارع مع البوليس، سقط فيها جرحى وقتلى.
كان البيت من ثلاثة طوابق، ولما سألني أصحابي عن أي الغرف أضع فيها أغراضي، أجبتهم بأني أضعها في كل الغرف، وبأسلوب التحدي بدؤوا يفتشون كل الغرف، فيما فهمت شقيقاتي الصغيرات القصد من إلهائي لهم، فصعدن إلى غرفتي في الطابق الثالث، وأفرغن مكتبتي من كل الكتب والوثائق باللغة العربية، ورمين بها في أعلى السطح إخفاء لها، ولكنهن تركن في المكتبة الكتب وبعض الجرائد باللغة الفرنسية، ظنا منهن أن الكتب العربية كانت هي الكتب الإسلامية التي قد يبحث عنها البوليس.
غير أن الطامة الكبرى كانت في تلك الكتب والجرائد الفرنسية، والتي ستحول مجرى التحقيق برمته، وظل ذلك من المصائب والطرائف المضحكة.

محامي بهيئة الدار البيضاء معتقل ّإسلامي سابق

محامي بهئة الدار البيضاء معتقل ّإسلامي سابق

رواية ” القابضُون على الجمر 

علمونا فى المدارس أن “الخلاف لا يفسد للودِ قضية ” ، وكانت من مجموعة أكاذيب المدارس التى زرعوها فينا ، وشببنا على خدعَة ليس للزمانِ أى ذنبٍ فيها .

كانَ المُذنب الأول في أغلب صداماتِ الحياة هى المدرسة التى تُربي فينا المثالية لزمنٍ لا يُحارب إلا هذه الطرق و لحياةٍ لا تعترف بهِم أفراداً .

و لعلّى من أكثر المحابين لفكرة أن الانسان قضية ، ومن منا لا يحمل قضية سوى العقول الخاوية التى تسير بملئ فراغها ؟ حتى أولئكَ الذين يسيرون بترّهات فكرهم ، وعلى سوءِ فكرتهم وتوجههم إلا أنهم يحملون قضية أيضاً ،

والقضية لا تُلزم الخير لجعبتها على الدوام . !

والخلاف لا يشُب إلا من خلفِ القضية والفكرة ” هكذا ينطق واقعنا ”

وتلكَ هى لبّ الرواية أو حتى الفكرة التى أوصلها الكاتب ” محمد أنور رياض ” فى ” القابضون على الجمر ” ، هو أسماها رواية وأنا سأنعتها بِ ” أسطورة الفكرة ”

تحدثت هذه الأسطورة عن قضية الخلاف الفكرى بين الاخوان المسلمين والمبجّل ” المرحوم ” عبد الناصر فى مصر ، عرجت للعديد من الحقائق و الروايات التى كانت بعضها مسرودة بأسمائها الحقيقة والبعض الأخر بأسماء مركبَة ، لم يتبنى الكاتب عرض الخلاف بسذاجته المنتشرة فى كثير من أزقة التاريخ ،

هنا تشعب الكاتب عن حيثيات التعذيب وأساليب الموت البطيء التى كان يستخدمها عبد الناصر لإبادة أى فكرة تنبع من عقيدة إسلامية ، ونفخاتهِ الواهية فى خطاباتهِ المخادعة ، تنوعّت أساليبهِ بتنوع الوحشية التِى استخدمها وبتنوَع الوحوش التى لا ترقى لبشرية الذين دربهُم ليفاوتوا الحيوانات فى بهائميتهِم .

كانَت الأساليب المستخدمة شنيعة ذكر ” العروسة ” تلك الخشبة التى مرّت على أجسادِ الشباب ، وذلك المحقق الذى كان يسأل الأستاذ الجامعى عن راتبه لينزل عليه عقاب بحجم راتبه الشهرى ” ومعروف أن راتب الاستاذ الجامعي فى مصر يعتبر مرتفع مقارنة برواتب البقية ” ، و النعاج التى تسير على الأرض فتأخذ كل من يوحِد .

عن أحداث 1954 وأحداث 1956 و ذكريات التاريخ مع عبد الناصر

توقعتُ بعقليَة من يهوى الأمان للنهايات ، بزواجٍ جميل لشاب خرج بعد 7 سنوات من عذابات عبد الناصر من فتاة اهتدت لطريق الله فى خضّم حياتها ، إلا أنّ الأمان لا يمكن أن تحضنه الأوراق ويخدعنا به الواقع الذى نعيشه ، فقد كان أن أقبل وحوش عبد الناصر وأخذوا العروسآن ليكملوا لهم بهجتهم على الطريقة الناصرية الشيوعية المخالفة لكلِ من يقول : الله ربنآ

هنآلكَ فى التعذيب و غياباتِ السجون .

وقد كانت نهاية منطقية لما يعايشه الاخوان هناك فى مصر ، هنّا كان يحق لى ولكل من يقرأ الرواية أو أية روايات مشابهة الفرح لنصرِ الله لثلة الإخوان فى مصر – ونستحضر عهد سيدنا يوسف ونقول صدق ربنا جل جلاله حين قال : ” يعزّ من يشاء ، ويذل من يشاء ”

صُنفت ك رواية تصنيفاً لغوياً أدبياً ، ولو كان لى أن أصنفها هى جزء من حقيقة و وقائع بين متن الورق .

اقتبآسُ من هذه ” الأسطورة الفكرية ” 

الكتاب موجود فى مكتبة الجامعة الإسلامية - غزة

بعض الناس عندما يبلغون أقصى مدَى للتطرف ،يصيرون أقرب ما يكون .. للنقيض ، اذ يبدو ان المشارع مثل الدائرة المغلقة ، بدايتها ملتصقة . . بنهايتها ، والقياس مع الفارق كما يقولون ، أراد عمر بن الخطاب أن يقتل النبى ، فوجد نفسه على بعد خطوة واحدة من الاسلام

#

كيف يتجرأ انسان – مهما كان هذا الإنسان – ، أن يحكم على أخر حكماً أبدياً ،هل يملك انسان أن يغلق أبواب رحمة الله ؟

الله .. الله ذاته لا يقفل حساب إنسان إلا بموته ، وربما تركه مفتوحاً ايضاً بعد الموت . !

#

الإنسان هو الأصل .. هو الأساس فى كلِ تقدم ، الإنسان بداخله ميزان حساس ، لا بُد أن تتعادل كفتاه ،

الروح والمادة .. اى اختلال بينهما ينتج عنه القلق ، و القلق أصبح مرض عصرنا هذا

#

فعندما ينسدل الظلآم ، ويصبح جداره فى سمكِ العالم كله ، فإن أحدهم – ولو كانت أنثى – لا بُد وأن يثقب جداره الأسود ،

ويشعل فتيلة .. جذوة صغيرة .. و هكذا يبدأون دائماً .

#

أصبح تزييف التاريخ احترافاً ، يكفى أن تقال نصف الحقيقة !

النصف الذى يخدم الهدف فقط ؟

#

لماذا لا يخطابون العقول بالمنطق ، وبلا ضجيج ؟

أم أن الإنسان الذى تهوي على رأسهِ المطارق بإنتظام ، لا يستطيع تمييز الحقيقة . !

#

والإنسان عند المنعطفات فى حياتهِ ، يكون فى أشد حالات الحيرة والبلبلَة ، فعندما يبلغ الإنسان ما يسمونه .. بمفترق الطريق ،

فإن عليه أن يزن كل شيء ، وبحذر الثعالب . .

و رغم ذلك فإن العقل المطلق يكون عاجزاً عن الإختيار ، إن العقل لا يكون وحده فى مجال الإختيار .

بل على العكس قد يجد من الدوافع الخفية الأخري داخل نفسه ، ما يتعارض مع العقل ، بل وربما كانت محصلة الصراع ، اندفاعاً فى الإتجاه الأخر ،

وهنا .. لا بد أن يلجأ الإنسان إلَى الله .

#

إنه لم يسعَ إلى المشاكل أبداً ، بل على العكس كان يظن أنه يلتف حولها ،

فإذا بها فى النهاية هى التِى تلتف حوله ، وتحاصره ، وتلح عليه . !

#

إنك لن تستطيع القضاء على كل اللصوص فى البلَد ، ستقضى عمرك كله ولن تستطيع استئصالهم ، وليست السرقة هى الشر الوحيد . . هناك ما هو أخبث

إنك تضيع عمرك هباء ، وربما تمكنوا منك ، بل وسيتمكنون منك قطعاً

وعندئذٍ سيدمرونك ، إنك لن تستطيع أن تصلح ثوباً متهتكاً ،

والحل الوحيد .. هو .. الثورة ،

ليست ثورة الدبابات ، والبلاغات ، والمارشات العسكرية ،والملابس المرصعة بالنياشين

وإنما الثورة من الداخل ، ثورة النفس على النفس

رواية ” القابضون على الجمر ” | لِ : محمد أنور رياض

السعودية تعيد محاكمة الشيخ ناصر العمر وتدينه بالسجن 30 سنة

السعودية محكمة الاستئناف تضاعف الحكم الصادر ضد الشيخ د. #ناصر_العمر، ثلاثة مرات ليُصبح 30 سنة، بعد أن كان10 سنوات مع وقف تنفيذ 4 سنوات.

ومن مثل ابي

كتبت ابنة الشيخ عمر عبد الرحمان كلمات عن والدها وقد قضى سنوات سحيقة في سجون امريكا ولفظ انفاسه الأخيرة في اقبيتها…. كلمات تنطق بكل مفردات الوجع…..

لا املك حتى ذكرى واحده معه

و لا اجتمعنا حتى فى لقاء واحد

و لا رأيته حتى مرة واحدة

و لا حدثنى حتى مرة واحده

و لا وضع على جبينى حتى قبلة واحدة

و لا ضمنى حتى ضمة واحدة

رحم الله أبي … كان أسيرا فى سجون الكافرين أكثر من ٢٣ سنه … لم يرحموا شيبته ولا مرضه ولا فقده للبصر ولا مكانته العلميه

نسأل الله أن يكون ذلك فى ميزان حسناتك … وأن يجمعنا فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر

غفر الله لى ولك يا حبيب القلب

#الشيخ_عمرعبدالرحمن

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر – ادب السجون الوجه والواجهة هموم وقضايا-2

حوار ماتع مع الأديب السوري عبد الرحمن مطر

ادب السجون  الوجه والواجهة  هموم  وقضايا

الحلقة الثانية

  حاوره الأستاذ  :زكرياء بوغرارة

يشكّل أدب السجون في العالم العربي أقوى أنشغال للكتاب الأحرار الذين خاضوا  تجارب دامية و  أليمة في غيابات السجون  من أجل الكلمة الحرة والرأي والموقف والاصطفاف ومعارضة الأنظمة الوظيفية الشمولية…  لهذايجد  هذا الأدب الإنساني   القه  وبريقه من  تلك  الأقلام الثائرة المتحررة من ربقة السلطة القمعية…

  تصوير  ونقل المعاناة    في  متاهات السجون  وإماطة اللثام عن المسكوت عنه في الأماكن الضيقة المغلقة المعتمة ..  مهمة شاقة وعسيرة لهذا لايضطلع  بهذه المهمات النبيلة إلا القلة من   الكتاب والأدباء الذين عايشوا  العتمة وعاشوها ورووا عنها ما لم يرى الآخرون…..

  هذا الأدب الماتع    كالجمر الكامن تحت الرماد.. كلما   هبت عليه الريح  زاد  توهجا واشتعالا  هو  ما يشغلنا  ونحن نفتح ملف ادب السجون الوجه والواجهة   في   وطننا العربي الكبير أو السجن الأكبر   الذي يتسع ليضم بين جوانحه كافة  الأحرار من  عشقوا الكلمة  الحرة وآمنوا بالحلم ..  وتطلعوا للحرية  في زمن العبيد

  من أجل   ذلك   سعينا للحوار مع الأديب السوري  عبد الرحمان مطر  احد  اظهر من كتبوا عن تلك العتمة الباهرة   من خلال تجربة قاهرة …

    نظرا لأنشغالاته العديدة   المتصلة بالأدب والفكر والمعرفة أنتظرنا طويلا إلى ان أنجزنا هذا الحوار الماتع  عن أدب السجون    وقضاياه ومهمومه  .. هموم الانسان الحر   في زمن السجون والقهر …

بطاقة تعريفية بالأديب عبدالرحمن مطر

كاتب وصحفي من سوريا ، مقيم/ لاجئ  في كندا منذ عام 2015 ، شاعر وروائي. عمل في الثقافة والإعلام في سوريا وليبيا. وهو باحث في العلاقات الأورو-متوسطية ، وقضايا حقوق الإنسان ، وناشط في قضايا الحريات والمجتمع المدني. مؤسس ومدير مركز دراسات المتوسط، والمنتدى الثقافي السوري المتوسطي – SEEGULL.

مدير تحرير ” اوراق ” مجلة رابطة الكتّاب السوريين.

ينشر البحوث والمقالات في الصحافة العربية.

نشر خمسة كتب، هي:

 الدم ليس أحمر (قصص مشتركة 1983) ، أوراق المطر – شعر 1999 ، وردة المساء – شعر 2000 ، دراسات متوسطية 2001 ، سراب بري – رواية 2015 ،

يصدر له بالانجليزية قريبا

–          رواية سراب بري – ترجمت بدعم من PEN Canada

–          – الطريق الى الحرية – مع آخرين – قصص الكتّاب في المنفى ، بمبادرة من PEN Canada

–          اعتقل خمس مرات وأمضى حوالي 10 سنوات في السجن بسبب الرأي وحرية التعبير

تتناول روايته “سراب بري”  تجربته في السجن السياسي والتعذيب والحرمان وسوء المعاملة والقمع.

 عضو رابطة الكتاب السوريين (عضو المكتب التنفيذي) وجمعية الصحفيين.

عضو “رابطة القلم الكندية” / PEN Canada.

عضو اتحاد الكتاب في كندا TWUC .

عضو الرابطة الكندية للصحفيين Caj

حائز على جائزة تمكين المجتمعات: الالتزام بالفنون، مهرجان متعدد الثقافات 2021 /  تورنتو – كندا

إلى الحوار……….

  برأيكم لماذا  الروائيون العلمانيون  هم الأكثر انتاجا في ادب السجون بينما الإسلاميون وهم اكثر مكوثا في المحن  والسجون  لم  يكن لهم الا النزر اليسير في هذا الادب ؟؟؟؟

هذه ملاحظة مهمة، ولكن قبل الإجابة، دعني اختلف معك، في هذا الطرح. الانظمة الاستبدادية المتسلطة، لا تنظر بمعيار إسلامي وعلماني، الى معارضي سلطتها القمعية، حسب اعتقادي. السلطة تنظر الى جميع المثقفين من سياسيين، وقادة احزاب وأصحاب رأي، وإعلاميين، يساريين، قوميين او إسلاميين، كأعداء رئيسيين لها، بدون اي نقاش او تفضيل. المعيار الأساسي لديها: ان تكون معنا، او ضدّنا. لذلك، فالجميع هم في السجن، او خارج السجن، غير مرغوب فيهم لدى الأنظمة، يحاربون، ويلاحقون ويعتقلون ويُقتلون.

مرّت فترات تاريخية معروفة، مثلاً في مصر او سوريا، او بلدان المغرب العربي، كانت تشنّ فيها الأنظمة حملات اعتقال ضد تيار معين، ثم تاتي فترة لاحقة تطال تياراً آخر. وبالفعل، مرّة العلمانيين هم الضحايا، ومرّة الإسلاميينن وهكذا. ويقضي جميع اولئك احكاماً او فترات طويلة في السجن، والمعيار الوحيد للسلطة في ذلك هو الانتقام والمعاقبة، وليس لكونه إسلامياً او علمانياً.

فيما يتصل بجوهر السؤال، فأنت محقٌ تماماً في رأيك. نعم، نجد أن غالبية ادب السجون قد انتجه كتّاب غير إسلاميين. هذه مسألة مهمة ينبغي في الحقيقة دراستها، بشكل علمي. وان نطرح السؤال على الكتّاب الاسلاميين ممن تعرضوا الى تجربة السجن: لماذا ؟ وهل يحول الالتزام الديني- مثلاً – دون الإبداع الادبي، أو انهم يجدون الانشغال بالأدب، قد يُضعف التزامهم الديني ؟

هنا، يجب الإشارة الى أن ادب السجون بصورة عامة، ليس مبنياً على انتماء كاتبه الاجتماعي والسياسي، وانه فوق مثل هذا التصنيف، مع ان كثير من أدب السجون، يشير الى الاسلاميين، والعلمانيين بوضوح تام، كضحايا للأنظمة القمعية.

7

نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

لكل كاتب أتجاه إبداعي رئيس، خاصة في البدايات التي يذهب إليها، وينطلق منها، كجنس ادبي. هذا امر طبيعي جدا. ومن الطبيعي ايضاً – مع تطور التجربة الإبداعية – أن يُجرب الكتابة، او ان ينتقل للكتابة في جنس ادبي آخر، او ان يجمع بينها. الإبداع عالم مفتوح على التجارب، على التطور، وعلى توليد الأفكار والنصوص، دون أي قوانين، أو اشتراطات تضع له حدوداً او قيوداً وإلا فإن جوهر الإبداع سوف يكون معطلاً او معاقاً. للكاتب حريته التامة في اختيار الشكل الأدبي كوسيلة تعبير، بالصورة التي يراها ملائمة له.

عدم الاحترافية، لن يؤثر على المشهد الإبداعي سلباً. والنص الإبداعي الجيّد هو ما يفرض نفسه. ثمة كتّاب نجحوا في الشعر، وهم روائيون.. والعكس. لقد بدأتُ بالشعر، وأصدرت كتابين شعريين، وما تزال لدي عشرات النصوص الغير منشورة. وما كنتُ يوماً اتصور أن اكتب الرواية. لكن تجربة السجن، هي التي دفعتني بقوة لأكتب روايتي ” سراب بري ” لأنني شعرتُ بأن الشعر، لا يمكنه أن يعبر عما أردت قوله والتعبير عنه، مما عشته في الاعتقال والسجن.

8

من هو الأديب الحق؟ ومن هو الناقد الحق؟

لا أستطيع، أن أطلق رأياً معيارياً أصف فيه، بصورة قطعية من هو الأديب الحق، من عدمه. هناك ادب جاد وملتزم، إذا كان لي أن أقول ذلك. ليست هناك مواصفات جاهزة، هناك معايير أدبية ذات طابع علمي. انما هناك، أدباء ملتزمون بقضايا مجتمعاتهم، واكثر قرباً من الناس، وفي التعبير عنهم، عن مشكلاتهم، وعن عوالمهم. من يكتبون أدب السجون، هم من أولئك الذين تشكل مسائل الحريات والحقوق والمعتقلين، قضايا جوهرية بالنسبة لهم.

اما الناقد، فهو الذي يعتمد الطرائق العلمية، في نتاجه النقدي، في دراسته للنصوص الإبداعية ، ونحن نتحدث عن الأدب، وأدب السجون بصورة خاصة. الناقد الموضوعي، هو الذي لا يُخضع جهده النقدي، والنصّ الذي يتناوله، لمعيار مزاجه الشخصي، أو المزاج العام.

9

ما مستقبل ادب السجون في ظل  قمع ثورات الربيع العربي وارتداد الكثير من الأنظمة الى   ماضي التعذيب والانتهاكات،  الحالة السورية نموذجا؟؟

ثمة سياقين هنا: أمر جيد، أن نقول بأن مستقبل أدب السجون – إذا جاز لنا استخدام تعبير “مستقبل” – هو مبشر جدا، فنحن نشهد مزيداً من النتاج الإبداعي، في الرواية والشعر تحديداً. وقد كان للربيع العربي ولا يزال، دوراً كبيراً، فاعلاً ومؤثراً، في الإبداع الأدبي، ومحركاً على الكتابة في ادب السجون. وقد شهدنا بالفعل، ظهور كتّاب جدد في عالم الرواية العربية، ومنهم  من بات يُعرف اليوم بروايته الأولى في أدب السجون.

السياق الثاني، انه من المؤسف حقاً، ان المنطقة العربية، تشهد استمرار الأنظمة المستبدة، على الرغم من انهيار بعضها، بتأثير ثورات الربيع العربي. غير ان قمع هذه الثورات، والذي يأتي في سياق الردة عنها، او في ظل سياسات إجهاضها، من قبل قوى إقليمية ودولية، سوف يجعل المنطقة مرشحة لتشهد مزيداً من القمع ، وانتهاكات متواصلة للحقوق والحريات، وفي مقدمتها حرية التعبير، وحرية التجمع، وحرية تكوين الجمعيات  المدنية، والأحزاب السياسية.

المنطقة مرشحة لمزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما يترافق مع استخدام العنف المفرط من قبل الأنظمة بصورة خاصة، وكذلك التنظيمات المسلحة،  أيّاً كان اتجاهها السياسي، قومياً ام دينياً. أي أننا نشهد اليوم، وغداً استمرار الملاحقة والاعتقال، والقمع. خاصة وان الأنظمة الإستبدادية، لم تجد في المجتمع الدولين وفي القانون الدولي، من يفرض عليها، وقف انتهاك الحريات والحقوق، وإلزامها بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومعرفة المصير المجهول لعشرات الآلاف منهم. سوريا مثال واضح وقريب جدا.

10

ما دور ادب السجون في فضح  انتهاكات الأنظمة الوظيفية  من خلال تجربة ادب السجون في سوريا، وهل استطاع أن يُظهر مظلومية الأسرى، كما فعل أدب السجون الفلسطيني، حيال القهر الصهيوني ؟

يلعب الأدب –  عامة – دوراً مهماً ، في تكوين الأفكار، وفي تشكيل وجهات النظر، أو في لفت انتباه الرأي العام الى قضية ما. هو دور قد لايظهر تأثيره إلا مع مرور الوقت، ببطئ شديد، غير منظور. غير أن أعمالاً أدبية، في أدب السجون، قد تُحدث تأثيراً مختلفاً ومغايراً للسائد. هذا ما لمستُه وخبرتُه خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، إذ ساهمت بعض الروايات التي تنتمي الى ادب السجون، مثل رواية خليفة مصطفى ” القوقعة “،  في تقديم الوجه القمعي الحقيقي لنظام الاستبداد الأسدي، من خلال رواية قصص التعذيب والقمع والقتل داخل السجون والمعتقلات. وأدى ذلك الى تغيير جذري في مواقف البعض مما يجري في سوريا، لجهة كشف الحقيقة التي تغيب عن الكثيرين لأسباب كثيرة.

نعم، إن أدب السجون، يقوم بدور مهم، في فضح الانتهاكات الجسيمة، لأنظمة الاستبداد أينما كانت، وخاصة في سوريا. من خلال تناول ما لايعرفه الناس عامةً عما يحدث خلف الأسوار وفي الزنازين المظلمة: اي حياة القهر والتعذيب والحرمان التي يعيشها المعتقل، أو السجين.

ماصدر خلال السنوات العشر الأخيرة من كتب في ادب السجون السوري، يعدّ شهادة مهمة حول الانتهاكات المنظمة التي يقوم بها النظام الأسدي، لدينا كتاب بسام يوسف” حجر الذاكرة”، ورواية راتب شعبو “ماذا وراء هذه الجدران” وكتاب ياسين الحاج صالح ” بالخلاص ياشباب”، وكتاب محمد برمو ” ناجٍ من المقصلة”، ورواية معبد الحسون ” قبل حلول الظلام”. وجميعها، على درجة كبيرة من الأهمية، من حيث توثيق جرائم النظام، وفي فضح جرائمه، التي تعدّ وفق القانون الدولي: جرائم ضد الإنسانية. وهي – إضافة لذلك، ذات قيمة أدبية عالية، كنصوص إبداعية متميزة، حتى في تلك المؤلفات التي تأخذ سياقاً سياسياً في الكتابة. ونلاحظ هنا، أن جميع أولئك الكتّاب، هم سجناء سياسيون سابقون، وهذا ايضاً مؤشر مهم. واسمح لي هنا، ان اضيف إلى تلك الأعمال، روايتي ” سراب بري “

11

بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

كان الشعر،  كما أشرت في سؤالك، هو الذي يتصدر المشهد الأدبي، حقيقة. سواء كان على صعيد الادب العربي، أم الإسلامي. إلا أن الصورة اليوم، قد تغيرت كثيرا، وخاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وبصورة أكثر، خلال عشرية الربيع العربي، حيث بدأت الرواية تتصدر المشهد، وكتب السيرة، الأقرب الى النص السردي الروائي، ومن ثم شهدنا تطوراً ملحوظاً في مجال البحوث والدراسات الاجتماعية والسياسية. وانخفض بصورة ملحوظة، صدور اعمال شعرية. ولكن – أيضاً – ثمة مؤشر خلال السنوات الثلاث الأخيرة، الى استعادة الشعر بعض عافيته، بإقبال بعض دور النشر، على نشر الشعر، وبصدور أعمال جديدة، مميزة.

12

 هل انت راض عن مسيرتك الأدبية و  وهل حققتم  كل ماكنتم تطمحون له  في هذه الرحلة الأدبية   متعكم الله بالصحة والعافية

دون تردد، لا. مايزال لدي الكثير مما يجب أن أقوله وأكتبه، خاصة في أدب السجون. أنا مقلّ بطبيعتي، ومقصّرٌ أيضاً ، ومتمهلٌ في النشر. وآمل أن أحقق بعض ذلك، إذا كان في العمر بقيّة.

ممتن وشاكر لكم إتاحة هذه الفرصة الثمينة، للحديث عن ادب السجون.

 

للسجن فوائد سبع

كانت الساعة جاوزت الواحدة بعد منتصف ليلة الثامن من فبراير 2010 عندما دخلت زوجتي مسرعة إلى حجرة النوم لتوقظني على غير المعتاد ولتخبرني أن لدينا ضيوفاً من أمن الدولة ولم تكد تكمل جملتها وانتبه من نومي (حيث أنام مبكراً بعد العاشرة بقليل) إلا وكان داخل الغرفة ثلاثة رجال عرفت منهم العقيد “سيد عبد الكريم” وهو الاسم الذي أتذكره له وشغل سابقاً موقع وكيل إدارة أمن الدولة بالجيزة.
لم أكد أفيق للتأمل في الزيارة التي سيعقبها كالمعتاد شهور أو أسابيع أو سنين رهن السجن، فقد جلست على حافة السرير وبدأوا هم في التفتيش عن الأوراق التي تملأ البيت والمكان، ورحبت بهم وتركت لهم المكان ليقوموا بواجبهم الثقيل ويجمعوا ما شاء لهم من أوراق هي مقالات أو دراسات أو مشاريع لبحوث أو محاضرات جلسات أو أوراق لندوات … الخ.

لم يهتموا هذه المرة بالأموال التي لا توجد أصلاً، وعندما سأل عنها خطفت زوجتي ظرف به مصروف البيت لتقول بحزم وحسم هذا هو مصروف البيت وعندما توضأت وطلبت من زوجتي إعداد فنجان قهوة لي ولهم، رفضوا بأدب وتركوني لأحتسي قهوتي التي جاءت مبكرة عن موعدها بساعة أو ساعتين وانشغلت زوجتي بإعداد حقيبتي ذات الملابس البيضاء التي تذكرك إما بإحرام الحجاج والمعمرين أو أكفان الموتى والراحلين عن تلك الحياة، وظل لسانها يذكرهم بعاقبة الظلم والظالمين.


وفي طريقي بدأت أتأمل في فوائد السجن الذي تأخر هذه المرة لعامين، فقد نزلت ضيفاً على سجن المزرعة بطرة عام 2005 أثناء حراك انتخابات الرئاسة وخرجت قبل أيام من انتخابات البرلمان، ثم 2006 بسبب مظاهرات استقلال القضاء ثم عام 2007 لأدخل لأول مرة سجن عنبر المزرعة لمدة 50 يوماً عقب عزومة غداء الأستاذ نبيل مقبل.
صحبت معي بعد إعداد زوجتي لحقيبتي سجادة الصلاة، وحكم ابن عطاء الله، وكان القرآن العظيم في صدري محفوظا، وتوكلت على الله الذي استشعرت معيته منذ لحظة انتباهي من نومي لأبدأ رحلة جديدة إلى سجن جديد هو سجن القاهرة للمحبوسين احتياطياً المعروف باسم سجن المحكوم وهو ملاصق لسجن ليمان طرة الذى يطل على نهر النيل، ولم أدخله من قبل إلا زائراً للزملاء في زيارات نقابية.
ومنذ الليلة الأولى لي، بل منذ اللحظة الأولى كانت في خاطري فوائد السجن المتعددة، فلكل محنة منح ربانية، ومع كل شدة فرج عظيم، وللسجن فوائد عديدة لو تعلمون، عافاكم الله وعافانا من السجون ومتعنا بفوائده في سجن الدنيا الواسع الفسيح الذي عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، بمعنى أن المؤمن ينطلق من الدنيا كالحبيس المسجون إلى حريته الطليقة في الدار الآخرة، حيث يتمتع بكل المحظورات التي كانت محرمة عليه في الدنيا، و ينطلق من القيود التي قيدته بها الشريعة في المحرمات والمكروهات.


فوائد سبع وغيرها كثير:
1- الخلوة مع الله بالرضا والتسليم والصبر واليقين والتوكل.
2- صحبة القرآن بالمراجعة والحفظ والتأمل والنذير.
3- الأنس بالتهجد الطويل خالي البال من هموم الدنيا.
4- الإقبال على مخ العبادة بالدعاء والتفكر والنظر في حكمه الله تعالى.
5- التعرف على الإخوان والخلان والأحباب الذين فرضت عليك صحبتهم دون اختيار.
6- العناية بالأهل والأولاد والأحفاد في زياراتهم الدورية.
7- ظهور المواقف المختلفة للأطراف المتعددة وصدق الأخوة في الله، وبيان معادن الناس.
وهناك فوائد أخرى تتفاوت باختلاف الأفراد وتنوع اهتماماتهم، فالدراسة والبحث والكتابة والتأليف إذا ساعدتك الظروف ويكفي أن الشهيد سيد قطب أعاد كتابة 13 جزءاً من “الظلال” أثناء سجنه وكثير غيره فعل ذلك. وهنا كما يُعرف بأدب السجون.
وهناك التأمل في وجوه السجناء إذا كنت في سجن به جنائيين والاستماع إلى قصصهم المسلية ونوادر الحياة، فهذا هو الوجه الآخر للوطن، عالم المهمشين الضائعين، عالم المجرمين ومعتادي الإجرام من قتلة وسارقين أو تجار مخدرات وهاتكي عرض … الخ.
وهناك تذوق أطعمة جديدة والتعرف على طرق مختلفة للطهي، والتعود على مشروبات لم تألفها إذا ساعدتك الأحوال وكانت هناك زيارات.
والعاقل من يتزود من سجنه لحياته، فلن يبقى في السجن إلى أبد الآبدين، فإما أن يعود إلى الحياة الدنيا من جديد، لكدها وتعبها وعنائها، وهذا هو الغالب، فإذا كسب معية الله الدائمة وشعوره الدائم المستمر بحفظ الله له، راضياً بقضائه وقدره، مسلماً له في كل أموره، متوكلاً عليه في كل شؤونه فقد فاز وأيم الله بالجائزة الكبرى وأما أن ينتقل إلى الدار الآخرة، وهؤلاء قليل، لكنهم يخرجون من سجنين، الدنيا والليمان، إلى رحمة من الله ورضوان، طاهرين متطهرين إذا أقبلوا على الله فأحبوه، وأحبوا ما يرد إليهم منه من أحكام قدرية، وعاشوا في ظلال رحمته يناجونه بالليل وبالنهار.
وإذ عشت مع القرآن تتذوقه وتتأمل في معانيه، وتمتن حفظه حتى يكون سلساً سهلاً على لسانك، فتسعد به بعد أن كنت تتتعتع فيه وهو عليك شاق، فيستقر القرآن في صدرك وينطبق عليك الوصف النبوي (( أناجيلهم في صدورهم))، فتختم القرآن في صلاتك في بضع ليال، خمس أو ست، وتتدبر في آياته العظيمة وأحكامه الشهيرة فتخرج من السجن فتداوم على تلاوته في صلاتك وحتى لو انشغلت في حياتك فستختم القرآن في الشهر مرتين حيث تحرص على الإسراع إلى المسجد قبل سماع النداء وتصلي السنن باطمئنان وتعيش في أجواء القرآن.
وقرآن التهجد غير بقية الأزمان، فهو الأنس العظيم بالقرآن الكريم، وهو المشهود من رب العالمين، وهو السبيل إلى المقام المحمود وصحبة الأطهار من الصالحين، حيث تصف أقدامك بين يدي المحبوب لتناجيه وحدك والناس نيام وقد قام المحبون ساهرين تخشع قلوبهم لذكر الله، وتدمع عيونهم شوقاً إلى الحبيب ولقائه، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقائه.
والشعور بالظلم مع معاناة الاضطرار، والإحساس بالفقر مع قهر الإذلال بالأغلال يجعل للدعاء طعماً آخر، فهو هنا العبادة ذاتها، دعاء من يشعر بالقرب من الله فلا يدري أي اختيار له أفضل، اختياره لنفسه بالحرية الزائفة والتحرر من قيد السجن أم اختيار الله له أن يخضعه لقهره وجبروته ويشعره بذله واحتياجه.
ومع الدعاء الطلب إلى الله بقضاء الحوائج التي كنت تظن أنك أنت الذي تقضيها، فها أنت محبوساً مقيداً، فمن الذي يقضي حوائجك وييسر لك ولأهلك كل الأمور، إنه الله مالك الملك ذو الجلال والإكرام، قيوم السماوات والأرض.
وفي أوقات الصحبة مع الأخوان تتعرف عليهم عن قرب، فأنت تعيش معهم أكثر مما تعيش مع أهلك، وتصحبهم لسنوات، ولا يستطيع أحد أن يتجمل أو يلبس الأقنعة، ولو أراد ما استطاع، ومع مرور الوقت وتوالي الأيام تكتسب خبرة جديدة من كل مسجون معك، فها هي خبرات حيوات الأخوان تضاف إلى رصيدك، وها أنت تتعرف على طاقاتهم و بداياتهم وهمومهم وأهلهم وأسرهم ولو قضيت عمراً في الخارج لما استطعت ذلك.
وهؤلاء الذين بالخارج تظهر معادنهم وأخلاقهم، دون أن تشعر بأي مشكلة معهم، فتعذر المقصر وتحمد الله على سلوك الكرام الذين داوموا على الاتصال ببيتك وتفقدوا أهلك وأولادك من أهل وأشقاء أو جيران وأصحاب أو أخوة وإخوان أو نخبة وكتاب أو رفاق درب في الإصلاح.
أما الأولاد والزوجات ففي الزيارة المتكررة لهم فائدة عظيمة في تفقد أحوالهم بالعناية التامة والسؤال المستديم والتفاصيل الدقيقة والأخبار التي لا تنقطع عن كل جزئية تتعلق بالصحة والعافية، والدراسـة والتحصيـل أو الكسب والمعيشة … الخ.
السعيد من تزود من سجنه لحريته، فداوم على اقتناص تلك الفوائد بعد خروجه، فعاش لربه مناجياً، ولقرآنه تالياً، ولإخوانه ناصحاً، ولبيته راعياً وعلى باب ربّه داعياً، ولدعوته ماضياً ولبيعته مع الله موفياً، ولآخرته مستعداً، وبقدر ربه راضياً

مقالة  رائعة للدكتور عصام العريان رحمه الله توفي في  سجون السيسي

السجين -السجن والقرآن

  • و أنا في السجن دخلونا غرف اسمها غرف الإيراد الجديد، الغرف دي مصممة لتكدير المساجين عن طريق إنهم بيقعدوا لمدة 12 ساعة قعدة اسمها القعدة الميرية ممنوع أبداً انك تفك رجلك منها لمدة 12 ساعة.

كمان كان ممنوع دخول الحمام غير مرة واحدة بس في اليوم، أما التبول فهو مرة كل ساعتين، و شرب الماية ممنوع إلا بردو كل ساعتين.

أما عن النوم فكنا بننام على البلاط لإن مكانش فيه سراير علماً بإننا كنا وقتها في الشتا يعني البرد كان بيفتك بأجسادنا يومياً، و كان الطريقة الوحيدة اللي احنا المساجين ندفي بيها بعض اننا كنا بننام ملزقين في بعض علشان نتدفى.

و كان ممنوع التقلب في النوم، انت بتنام على جنب واحد إما الجنب اليمين أو اليسار و أول ما بتمدد على جنب منهم ممنوع تقلب على جنب تاني.

خلاص كده؟

وسط كل ده، وسط كل هذا البؤس، وسط كل هذا الألم، كان بيسمحولنا نقرأ القرآن و بيعطوا مصحف للي عايز يقرأ قرآن، و كان القرآن هو السند الوحيد، كنت بقرأ قول الله عز و جل :-

{ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ ۚ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }

كان جسمي كله بيترعش و بحس إن اللي أنا فيه هو منحة ربانية ينقيني بيها أكثر منها محنة، كنت بغرق في آيات القرآن الكريم لدرجة إني كنت أول ما بصحى من نومي أمسك المصحف لحد العصر و أنا ناسي نفسي تماماً.

لحد ما عدى عليا 10 أيام من غير ما أحسهم، و كنت طول الـ10 أيام بضحك و بهزر مع نبطشي الغرفة رغم اللي أنا كنت فيه.

عدى الـ10 أيام و دخلت غرف السكن، و للأسف رغم إني كنت متهم بقضية سياسية إلا إنهم دخلوني عنبر المخدرات، قعدت مع مساجين كلهم يا إما كانوا تجار يا إما متعاطين، و للمفاجأة كانوا غاية في الجدعنة والله، و شالوني من على الارض بمجرد ما دخلت ليهم، وقتها الكل شاف أدبي و تديني و أخلاقي ساعتها فضلوا ينصحوني إني أحلق لحيتي، و ضغطوا عليا بشكل عاطفي جداً

كانوا كلهم بيقولولي و هما بيبوسوا دماغي انهم مش عايزين شاب زيي يدخل السجن تاني، فاحلق دقنك و متخليهومش يشكوا فيك.

قالولي كمان إني لو محلقتش دقني ممكن أدخل السجن تاني، و فضلوا يخوفوني كتير أوي، ساعتها وسط الضغط ده كله معرفتش اعمل إيه، أتنازل عن تمسكي بالسنة و أحلق دقني؟ ولا أفضل متمسك بالسنة و عايش في الخوف من السجن؟

متلقيتش غير القرآن، والله ساعتها مسكت المصحف و أقسم بالله قبل ما أفتحه دعيت ربنا و قلت “يا رب قولي أعمل إيه”

و فتحت المصحف عشوائي تماماً فأذا بها أول آية عيني تقع عليها هي قول الله عز و جل:-

( قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه )

ساعتها جسمي كله اتنفض و ابتسمت و رفعت راسي للسما و قلت “و إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن و أكن من الجاهلين”.

و فعلاً بمجرد ما دعيت الدعاء ده نزلت تاني يوم جلسة في النيابة أخدت إخلاء سبيل و رجعت لأهلي.

هو ده القرآن.

القرآن لا يؤثر في قلب قاسي كصاحب الاسكرين.

القرآن فقط لمن هم قلوبهم حية

Muslim Soliman