تعتبر رواية “الغريبة” هى الجزء الثاني لرواية “السجينة” للكاتبة المغربية “مليكة أوفقير” تصف فيها يوم أن خرجت من السجن بعد أن اقتُطِع من حياتها عشرين عاماً في أعتى سجون الحسن الثاني، تصف رفاهية الحرية، وتحاول أن تعيد رتق ما تم اقتطاعه من عمرها، وتلصقه مرة أخرى فتنجح أحياناً وتفشل أحايين أخرى.
إنها في باريس حيث تستطيع أن تسير دون أن تنظر خلفها، وأن تمارس حرية الكلمة، وتختار طعامها، وكتابها، وتركب المترو، وتقود السيارة، وتتحدث مع رجل شرطة دون أن يرفع صوته أو سوطه وينهال على ظهرها.
تقارن بين سنوات كانت وأفراد أسرتها يتعفنون في السجن الذي أراده الملك انتقاما لروح والدها، وبين تدفق الأحلام فجأة رغم أن سنوات الحصار في الحرية كانت خمساً، وكانت أجهزة المخابرات المغربية تستجوب كل من يقترب من الأسرة، أو يصافح أحد أفرادها، أو يبتسم في وجه أحدهم.
مليكة تحمل معها عشرين عاما كانت مفقودة، وكلما استعادت مشهداً قديماً، حتى لو كان مقاسمة الحشرات والفئران لهم كسرات الخبز التي كانوا يدفنونها تحت الأرض خشية مصادرتها، يصطدم المشهد بعالم الحرية، ويختلط الأمر عليها فلا تفرق بين السجن الحقيقي والسجن الكبير.
هي لا تصدق أنها يمكن أن تستدعي الشرطة لموقف أو لحمايتها فقد تعلمت أن الشرطة هي التي تستدعي الأشخاص، وأن الحديث مع رجل الأمن له أصوله وقواعده، والنظرات المتراخية، وأحيانا تقليد المتذللين والمساكين والخائفين فهي الطريقة الأكثر أمناً لتجنب غضب رجال السلطة.
في “الغريبة” تكتب “مليكة أوفقير” بقلمها أو بقلبها أو بمرارة ذكرياتها، وتتحول إلى حكمة متحركة ساخرة للحياة ومن الحياة، لكن آلامها التي تجترها تصيب كلها كبد الطغاة، وتغرس أنيابها في وجوههم القبيحة.
في “الغريبة” تحاول أن تصف الحرية، ولكن ماذا عن الشخص الذي لم يعايش تجربة مثلها، هل هو قادر على الاستمتاع بالعالم خارج السجن؟
في “الغريبة” تدين مليكة الطاغية الذي سرق من عمرها وأعمار أفراد أسرتها عقدين من الزمان، لكن خلف الحديث عن الحرية يختفي شيء رهيب.