(2) قرية البيضاء … مركز السنبلاوين
ذهب لمقابلة … الشيخ محمد عبد المقصود … مأذون القرية وعالمها … رجل دخل مرحلة الكهولة … هكذا يشير بياض لحيته وشعر رأسه الذي يظهر من تحت عمامته … ولكنه خفيف الظل … حلو الحديث والقفشات … وجه باسم ينم عن روح الشباب قال له عبد الفتاح
– أفلت من الاعتقال يا شيخ محمد
رد ضاحكًا :
– هل كنت تود أن أكون أنيسًا لك ؟
قال عبد الفتاح :
– معاذ الله … يا شيخ …
– علي كل حال … أنت تري داخل هذه الجبة جسدًا نحيلاً … يكاد يتلاشي … فهل أصلح لضيافة السجن الحربي
لم يبادله المزاح … قال في جدية :
– عفاك الله … يا شيخ … ولكن ما رأيك في أوضاعنا
قال الشيخ محمد :
– ليس لها من دون الله كاشفة … الصبر … وانتظار الفرج … يا عبد الفتاح لا تقلق فللبيت رب يحميه
دخل عليهما شاب … واضح أنه أزهري … قدمه الشيخ محمد :
– الشيخ عبد الفتاح فايد … خطيب ابنتي
– مبروك … ومتى إن شاء الله نحضر الفرح … أن النية مبيتة لعدم دعوتي
– يا عبد الفتاح … أنت صاحب الفرح … المهم هو الشقة … شد حيلك يا عريس
قال الشيخ فايد :
– ربنا يسهل … القاهرة مدينة يتكدس فيها البشر … وأزمة المساكن أوشكت أن تلجئ الناس إلي النوم علي الأرصفة
وجه كلامه للشيخ محمد :
– وهل الشيخ فايد …
قاطعه ضاحكًا :
– نعم يا سيدي … من شباب الإخوان … هذا عريس لقطة … أنا لا أقع إلا واقفًا
– بارك الله فيهما … وربنا يتمم بالخير … الحديث أخذنا بعيدًا … أنا أعمل في تجارة الحبوب … وأريد منك مساعدتي في تجميع المحاصيل من أهل بلدكم … لمالك عندهم من مودة
– غالي … والطلب رخيص … و … هل لي عمولة …
رد ضاحكًا :
– الدعوة الصالحة … أفضل عمولة أقدمها لك
هكذا كان يتحرك عبد الفتاح إسماعيل … في حذر … لاستكشاف الأرض التي حرثوها مطبات وحفر … وتحت غطاء التجارة كان يدور الحديث … يتخلله سؤال قد يفتح الطريق … أو … يغلقه بالضبة والمفتاح … أحيانًا كان يري بابًا تهب منه نسمة رحيمة … وأحيانًا أكثر كان يري أبوابًا مِسَنكرة … موصدة بوجود متجهمة … غير مرحبة … زادها الخوف اكفهرارًا وعبوسًا … ورسمها بظلال من الرعب بعد أن أفلتت من قبضة السجن الحربي وما سمعوه عن أهواله … وصدقوا أن الجماعة دفنوها هناك . السكك امتلأت ألغامًا … والطرق الآمنة أصبحت ممرات التفافية … ولا حول … ولا قوة إلا بالله .
غاب عن بلده شهرًا … وعندما عاد لم يجده أخاه علي :
– أخذته المباحث … وقالوا عندما يعود عبد الفتاح … يشرفنا
قابله حسن بك بقناعه الحديدي :
– لقد حذرتك … يا عبد الفتاح
– وما ذنب أخي ؟
– سنفرج عنه … أين كنت ؟؟
– يا بك … ظروف البيع والشراء … أنا رجل أرزقي … أسعي من أجل لقمة العيش
– طلبت منك الاتصال
– القرى … لا يوجد بها تليفونات … حتى المواصلات صعبة … أنا أتحرك ماشيًا … علي الأقدام … أغلب الأحيان
– يعني تمشي علي حل شعرك ؟ ..
– لا … ولكن أسأل من أتعامل معهم … الخواجة موريس … والمقدس فلتس من كفر النصارى … والحاج عبد المنعم عمدة كفر عبد المنعم و …
– خلاص … هذا تحذير
ويبدو أنهم يئسوا منه … أو سألوا عنه فاطمأنوا … تركوه يسيح في الأرض وكانت … البداية الحقيقية … عندما سعي إلي مقابلة الحاجة زينب