(5) قرأ الشيخ المريض .. الإمام المرشد .. الأوراق في عناية شديدة .. ثم سألها فجأة
– هل تثقين في عبد الفتاح إسماعيل ؟
قالت في ثقة :
– لو رأيته فضيلتك … لوثقت به قبل أن تبادله التحية … شاب عليه مهابة الشيوخ .
– هذا واضح في كتابته … اسمعي يا حاجة زينب … طريق المجاهدين لا يفرش بالورد … هذه المحنة لن يجتازها من يأخذ بالرخصة … وإنما هي في حاجة إلي أولي العزم … استمروا في سيركم … ولا تلتفتوا إلي الوراء .
– ولكن هناك من الإخوان القدامى الذين ينصحون بالكمون … وعدم الحركة حتى تهدأ العاصفة .
بادرها بسرعة :
– وهل لديهم موعد محدد لهدوء العاصفة ؟؟ .. لا تغتروا بعناوين الرجال وشهرتهم … أنتم تبنون بناء جديدًا
– وبماذا تنصح فضيلتك عن البرنامج
– برنامج الإخوان ومنهجهم في التربية معروف … القرآن … والحديث والسيرة … ورسائل الإمام الشهيد حسن البنا … ووصاياه … تحدد الحركة في خطوط عريضة … والكتب كثيرة … ولكن ضموا إلي مراجعكم المحلي لابن حزم .
قال لها زوجها :
– زينب … أريد أن نتحدث قليلاً .
– سكتت … أدركت ما يدور في رأسه … استطرد قائلاً :
– يتردد علينا … في الفترة الأخيرة … عدد من الشباب … هل هو نشاط لالإخوان المسلمين . قالت دون تردد :
– نعم .
– أي نوع من النشاط ؟
أجابت في حسم :
– إعادة تنظيم الجماعة .
قال في قلق واضح :
– ولكن يا زينب … لعلك تدركين مدي خطورة هذا الأمر .
قالت في سعة من الصدر :
– هل تذكر يا زوجي العزيز … عندما تم اتفاقنا علي الزواج … ماذا قلت لك
– اشترطت شروطًا ولكني مشفق عليك من الطريق … أنت تتعرضين لجبابرة لا يرقبون في أحد إلاَّ … ولا ذمة .
قالت في ود :
– سأكرر لك ما قلته يومئذ … للتذكرة … قلت لك يومها هناك شيئًا في حياتي يجب أن تعلمه أنت لأنك ستصبح زوجي … وما دمت قد وافقت علي الزواج فيجب أن أطلعك عليه … علي ألا تسألني عنه بهد ذلك … وشروطي بهذا الأمر لا أتنازل عنها … أنا رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات … وهذا حق … ولكن الناس في أغلبهم يظنون أني أدين بمبادئ الوفد السياسية … وهذا غير صحيح …
سكتت لحظة … ثم استأنفت … وقد ازداد حماسها :
– الأمر الذي أؤمن به … واعتقده … هو رسالة الإخوان المسلمين … ما يربطني بمصطفي النحاس هو الصداقة الشخصية … لكني علي بيعة مع حسن البنا علي الموت في سبيل الله … غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني حتى الآن … ولكني أعتقد أنني سأخطو هذه الخطوة يومًا ما … وأحلم بها … وأرجوها … و … لكن إذا تعارضت مصلحتك الشخصية … وعملك الاقتصادي مع عملي الإسلامي … ووجدت أن حياتي الزوجية ستكون عقبة في طريق الدعوة … وقيام الدولة الإسلامية فسوف تكون علي مفترق طريق …
– قاطعها قائلاً : أنا لازلت أذكر ردي علي شروطك … أنا سألتك حينها … ماذا يرضيك من المطالب المادية التي تطلبها كل عروسة … من مهر أو مطالب الزواج … قلت أنه ليس لديك سوى ألا أمنعك عن طريق الله … فقد كنت لا أعلم أن لك صلة بالأستاذ البنا … وإنما كنت علي علم فقط بالخلاف بينكما بشأن انضمام جماعة السيدات المسلمات إلي الإخوان المسلمين .
– قالت : وأنا أذكر موقفك الكريم … عندما أطرقت والدموع محبوسة في عينيك سكت متأثرًا … وهي تضيف : اتفقنا يومها … رغم أنه كان يراودني خاطر إلغاء الزواج … والتفرغ كلية للدعوة أثناء محنة 1948 .
انتظرت لتلتقط أنفاسها من التأثر ، وأردفت : أنا – اليوم – لا أستطيع أن أطلب منك أن تشاركني في الجهاد … ولكن من حقي أن أطلب منك ألا تمنعني منه … المسئولية وضعتني في صفوف المجاهدين … أرجو ألا تسألني ماذا أفعل … ولتكن الثقة بيننا تامة … كما كانت دائمًا بيننا … فأنا لا أستطيع أن أنسي أنني وهبت حياتي – منذ كنت صبية في الثامنة عشر من عمري – للدعوة في سبيل الله … وقيام دولة الإسلام … وعندما يتعارض هذا الهدف مع الزواج … فسينتهي الزواج … وتبقي الدعوة .
قال في تأثر : لقد اخترت يا زينب …
قالت وقد خنقتها العبرات : أنا أعلم أن من حقك الأمر … وعلي واجب الطاعة … ولكن الله أكبر في نفوسنا … من أنفسنا … ودعوته أغلي من ذواتنا … وأدعو الله أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا بلغ تأثره مداه
– سامحيني يا زينب … اعملي علي بركة الله … يا ليتني أعيش وأري غاية الإخوان وقد تحققت … وقامت دولة الإسلام … ليتني في شبابي وأعمل معكم .