رواية ليالي كرداسة- الحلقة السادسة المهندس أنور رياض

                           (6)

    قال لها الشيخ عبد الفتاح :

  • هناك تحركات فردية من الشباب … ومحاولات للتجمع تجري في عدة مناطق ردت الحاجة زينب :
  • كيف عرفت ذلك ؟
  • عن طرق الإخوة … الذي حدث اتصال معهم
  • وماذا يريدون ؟
  • نفس ما نريد … إعادة تنظيم الجماعة … وبعضهم ذهب به الحماس إلي التفكير في اغتيال عبد الناصر .

أطرقت :

  • وهل لديهم خطط … هل أخبروا أحدًا عن إمكانياتهم ؟
  • لا أظن أن لديهم شيء محدد … يبدو أنه مجرد حماس … يتحدثون عن استعدادهم للشهادة … حتى ولو بلغ العدد عشرون أو ثلاثون
  • هذا ما أخشاه … أن تكون البداية عند البعض هي التفكير في الانتقام
  • وأنا أيضًا … لا أوافق علي هذا الاتجاه … عبد الناصر طاغية … وقاتل … وسبب أذي وضررًا كبيرًا للإسلام ودعاته … ولكن … لنترك أمره إلي الله فهو مرحلة ستنتهي … عاجلاً أم آجلاً … ولنتفرع إلي العمل الذي يدوم … وهو التربية … وإعداد أنفسنا لمهمتنا الكبرى … وهذا ما قلته لهم .

قالت مؤيدة :

  • قتل عبد الناصر … لا يحل أي مشكلة … بل يزيدها تعقيدًا … الدولة الإسلامية لا تقوم علي اغتيال فرد … أو حتى انقلاب مسلح … لأن عماد دوامها هو الاقتناع والإيمان … لا يمكن أن تدعهم يتحركون بمفردهم .
  • لا تقلقي … نحن علي اتصال دائم بهم … وأظن أننا استطعنا أن نخلع هذه الفكرة من عقولهم … ولكنهم يبحثون عن قائد للتنظيم … قائد من الإخوان القدامى … لأن كلهم شباب من صغار السن .
  • وهل استقروا علي شيء ؟
  • لا … لقد سلكوا نفس السبيل الذي سلكته أنا من قبل … وسمعوا نفس الكلام عن الحكمة في التريث … والانتظار .
  • ألم تذكر لهم … أننا علي اتصال بالإمام المرشد ؟
  • لا … حتى الآن … فنحن لازلنا في مرحلة تبادل الآراء … وفي نيتي الاجتماع بهم قريبًا … لتتضح كل الاتجاهات .
  • وهل نعرفهم كأفراد … ومن يتصل بهم … أو يتصلون به .
  • نعم … أعرف بعضهم … وأكثرهم حركة هو الأخ علي عشماوي … لا أعرف عنه إلا القليل … وهو شديد الحماس … ويبدو أنه علي صلة بعدد من إخوان الخارج … السعودية بالذات .
  • أرجو أن تكون أكثر حذرًا … الأبالسة يلجأون دائمًا إلي أساليب الاختراق … وقد فعلوا ذلك مع تنظيم مارس 1955 عندما دسوا ضابط مخابرات علي عباس عبد السميع إلي أن وثق به … وظن أنه قادر علي تدبير انقلاب .
  • يا حاجة … نحن نتحرك بقدر الله … إلي قدر الله … الأخطار موجودة … ولا يمكن حصرها … ولا نستطيع أن نشق علي قلوب الناس … اليقظة مؤكدة … والحذر موجود … وفي النهاية … لا يغني حذر … عن قدر … نحن متوكلون … ولن نكون متواكلين … دعاؤنا … الله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين .

    التليفون يضرب برنينه المتقطع في فيلا الحاجة زينب … رفعت أم عبده السماعة … ثم نادت …

  • يا حاجة … واحدة علي السماعة … تريدك لأمر هام .

الحاجة زينب لا ترد سائلاً أبدًا … توجهت إليها … سمعت المتحدثة :

  • هنا الأمانة العامة لسيدات الاتحاد الاشتراكي .
  • نعم … مع من أتكلم .
  • أنا … هدي … سكرتيرة مدام جليلة الأمين العام للسيدات .
  • خير .
  • لقد أرسلنا لك بالبريد المستعجل بطاقة باسمك … أرجو أن تكون قد وصلت .

قالت في فتور :

  • نعم … وصلت .

مثل جهاز تسجيل … قالت :

  • أرجو من سيادتك أن ترسلي لنا كشفًا بأسماء السيدات المسلمات حتى نجهز بطاقات عضوية لكل منهم .

عملية استعباط … قالت في حِدَّة :

  • بدون أخذ رأينا ؟

ارتبكت السكرتيرة … لم يلقنها أحد إجابة لمثل هذا السؤال .

قالت في عناد :

  • يا فندم هذه هي التعليمات .
  • تعليمات من ؟
  • مدام جليلة يا فندم .
  • أليس من اللائق أن تكلمني هي بنفسها ؟

استمرت في إصرار … وأيضًا كالآلة .

  • يا فندم هي مشغولة الآن … وأنا مكلفة بهذه المهمة .

تدخل صوت … يبدو أنه كان يتابع في تنصت من تليفون آخر :

  • اقفلي يا هدي … أنا مدام جليلة يا حاجة .

الآن أصبحت في المواجهة … ولتبدأ المبارزة … قالت الحاجة :

  • لم يأخذ أحد رأينا في الانضمام إلي الاتحاد الاشتراكي .

ردت في ثقة :

  • الاتحاد الاشتراكي لا يأخذ رأي أحد … لأنه تنظيم يضم فئات الشعب كله .
  • حتى ولو كان ضد رغبته ؟

نبرة تهديد :

  • لا أظن أن هناك من لا يرغب في عضوية الاتحاد الاشتراكي … الذي يرأسه سيادة الرئيس .
  • ولكن نحن جماعة السيدات المسلمات … جماعة رسمية … ولنا توجهاتنا … واهتمامات مختلفة .

استمرت في لهجة التعالي :

  • يا حاجة … هذا عهد جديد … ثورة … تلغي كل ما كان قبلها … ولا يوجد إلا توجه واحد … واهتمام واحد … وهو خدمة جماهير شعبنا العامل … وأي نشاط آخر … هو ثورة مضادة .

أنت الآن تخسرين النقاش يا حاجة زينب … هه … ثورة مضادة … أو الدخول في طاعة الست جليلة ؟؟

سكتت منتظرة … الست جليلة متمرسة في إصدار التعليمات … الله أعلم أين تم تدريبها علي ذلك … في المخابرات … أم في الشقق المفروشة .

  • نحن ننظم استقبالاً لسيادة الرئيس في المطار عند عودته الخميس القادم … وأظن أنه يسعد الجميع ويشرفهم أن يكونوا في استقباله … سننتظركم … جميعًا … و … هدي ستقوم بإجراءات التنظيم … مكان الوقوف … من سيحمل اللافتات … عبارات الترحيب … إلخ … أنت تعرفين النظام في هذه الاستقبالات .

لافتات … وهتاف … وجميعًا … من هم جميعًا التي ضغطت عليها وهي تنطقها … الغنم ؟؟ .. أهلاً يا حاجة و … مرحبًا بك … في سيرك المطار … ومن بعده تتأهلين عضوًا مقيمًا في سوق النخاسة … عرفت النحاس باشا … وسراج الدين … الوفد … كبار ساسة البلد … وآخر من زار بيتك كان اللواء محمد نجيب قبل الثورة … وكان يصحبه الأمراء السعوديون … طول عمرك مضيفة كريمة … تستقبلين زوارًا ذوى شأن … بلا هتاف … ولا لافتة ترحيب … ولا جميعًا … لا تردين عن بيتك من يسعي إليك … والآن هذه الـ ( …… ) … وبالأمر … مطلوب تقديم الإمتنان … والشكر علي أن اختارتك لتقفي في طابور … تلوحين بعلم من ورق … وتهتفين بالحياني … والزغلول … لمن ؟ … للجلاد ؟ … القاتل ؟ … آه … يا … زمن … و … آه … يا بلد …

  • هه … يا حاجة .

توكلت علي الله … وحسمت أمرها :

  • لا أظن أنني أستطيع الحضور … ولا أتحمل الوقوف طويلاً … وسأعرض الأمر علي مجلس إدارة الجماعة .

جاء الرد بأسرع مما توقعت .

أفاقت لتجد نفسها راقدة علي سرير في المستشفي … رجلها في جبيرة … معلقة ومرفوعة .

قال لها زوجها :

  • الحمد لله … حمد الله علي السلامة .

قالت في صوات واهن :  

– الحركة ممنوعة … عدم الكلام بأمر الأطباء …

أكمل بسرعة يجيب عما يدور في رأسها ليقطع الطريق عليها في الكلام :

  • حادثة موت … ربنا ستر … انقلبت السيارة بك عقب اصطدامها بسيارة نقل ثقيلة .

سألت :

  • عم شعبان .
  • السائق … بخير … ارتجاج بسيط في المخ .

استمرت في السؤال :

  • السيارة النقل …

وضع يده علي فمها وهو يجيب :

  • السيارة التي صدمتك … هربت … الشرطة قيدت الحادث ضد مجهول … لقد أجرينا لك عملية جراحية لتثبيت عظمة الفخذ بالمسامير … ممنوع الكلام … لأنه لازالت هناك رضوض في القفص الصدري … مطلوب الراحة التامة .

دخلت عليها سكرتيرتها … لم يكن لديها سوى زوجها :

  • حمد الله علي السلامة … أخيرًا سمحوا لك بالزيارة . التليفون لم يتوقف عن الرنين … الجميع يسأل عن صحتك … حرم الأستاذ الهضيبي في الخارج …

كانت السكرتيرة تحمل في يدها ملفًا … أوشكت أن تقدمه لها … علي وجهها علامات قلق … تحاول السيطرة عليه … سحبها الحاج محمد زوجها وهو يقول :

  • ليس هذا وقته يا علية …

دخلت زوجة المرشد وهي تقول :

  • حمد الله علي سلامتك … يا حاجة … فعلوها المجرمون .

خرجت منها تنهيدة ألم :

  • هذا هو أسلوبهم … لا يملكون غيره … وكيف حال فضيلته ؟
  • يسأل عنك … ويدعو لك … هو يقرأ حاليًا ملازم كتاب أرسله له الأستاذ سيد قطب .

أكملت :

  • إعجابه به غير محدود … قال هذا الكتاب حضر أملي في سيد … ربنا يحفظه … لقد قرأته … ثم أعدت قراءته … سيد قطب هو الأمل المرتجي للدعوة الآن … لقد أحضرت لك الملازم … اقرأيها … ثم بلغي حميدة رأيك فيه .

قالت في حسرة :

  • عطلوني عن العمل … منهم لله .

ردت مطمئنة :

  • لا تحملي همًا … الأمور كلها منتظمة … حصلنا علي مبلغ كبير من الإخوان في غزة وفلسطين … أم أحمد قامت بتوزيعه … هذه السيدة لا تكف عن الحركة رغم كبر سنها … ومعها مجموعة مخلصة … يجمعون كل ما يستطيعون من مواد غذائية … ويقومون أيضًا باستغلال أوقات الفراغ في أشغال التريكو … والمفروشات … بل والمخللات … وصنع الصابون البيتى … يبيعون … ويوزعون … خلايا من العمل الجهادي …

سألت في إشفاق :

  • المستشار مأمون هو الذي أحضر المبلغ من غزة … أليس كذلك ؟ .. أنا خائفة عليه … منصبه كقاضي هناك في غاية الحساسية
  • الحافظ هو الله … نحن آل الهضيبي لابد أن نكون قدوة … وفي الطليعة … نتعرض للمخاطر كما يفعل الجميع .
  • بارك الله فيكم … لم يقل أحد أن إمامنا المرشد … خاف … أو تردد … لقد تحملتم من الأذى ما تنوء به الجبال .

دخلت حميدة قطب … سلمت … ثم قالت :

  • أري ملازم الكتاب معك … وأحمل لك أخبارًا طيبة … معي قائمة بمراجع أوصي الأستاذ سيد بقراءتها … وأذكر منها الأم للشافعي … وكتب التوحيد لابن عبد الوهاب … والظلال … كما أوصي – بصفة خاصة – دراسة مقدمة سورة الأنعام … أما الكتاب فهو ينتظر رأي الإمام المرشد فيه … ورأيك قبل إدراجه ضمن برامج الدرس … أمامك شهر قبل موعد زيارتي له إن شاء الله .

علقت الحاجة :

  • ربنا يبارك فيه … وينفعنا به إن شاء الله … ويفك أسره .

غيرت مجري الحديث … أخبرتهم بتفاصيل الحوار الذي جري مع أمينة السيدات في الاتحاد الاشتراكي … ثم أشارت إلي باقة موضوعة بجوارها :

  • انظري … من الذي أرسل هذه ؟

رفعت حميدة البطاقة وقرأتها :

  • من مدام جليلة الأمين العام لسيدات الاتحاد الاشتراكي … أطيب التمنيات بالشفاء …

بدون دهشة … علقت حرم المرشد :

  • يقتلون القتيل … ثم … يسيرون في جنازته .

                           (7)

    مكتب اللواء زهدي المسئول عن النشاط الديني جلس أمامه مساعده الغمراوي … الرجل الثاني :

  • قرأت تقاريرك … هناك العديد من النقاط مطلوب إيضاحها .
  • أمرك … يا فندم .
  • ذكرت أن حركة الصراع بين الإخوان في سجن القناطر قد اشتدت بين المؤيدين لفكر سيد قطب … والمعارضين له .
  • نعم … المكفراتية يكفرون الجميع … استنادًا إلي تفسير جديد لشهادة لا إله إلا الله … يقول أن المسلم الحقيقي … هو الذي لا يفصل في الاعتقاد بين شعائر الدين من عبادات … وبين انفراد الله وحدة بالتشريع .
  • بمعني … ؟

قال ضاحكًا :

  • بمعني أنا وسيادتك من الكفار .

لم يبتسم :

  • هذا لديهم … أنا أسأل عن مدي تأثير ذلك في الواقع … وما هي النتائج المترتبة عليه ؟
  • ولا حاجة … مجرد هلاوس … محصور داخل السجن … بين ناس لديهم فراغ …
  • لا يا غمراوى … هذا فكر خطير … ما فهمته هو أن نظام الحكم عندنا كافر … ورئيس النظام كافر .
  • يا فندم … وما الذي بيدهم ليفعلوه ؟
  • يا غمراوى … الخطر دائمًا يبدأ بالفكر … ثم يتطور إلي الحركة والفعل .
  • نحن لا نلعب يا فندم … نحن نراقب ونتابع .
  • طبعًا … طبعًا .
  • يا فندم هذا الفكر سبب انشقاقًا بين الإخوان … وهذا عامل إيجابي .
  • بدأت تشتغل شرطة … مهمتنا زيادة هذا الانشقاق واستثماره .
  • تعليمات سيادتك .
  • طيب … النظام المتبع في علاج المرضي من الإخوان المسجونين هو نقلهم من سجونهم إلي مستشفي سجن طره وعلاجهم يتم هناك … مما ييسر لهم لقاء سيد قطب المقيم في هذا المستشفي … وبالتالي يتلقون عنه فكره .
  • مضبوط يا فندم …
  • هل إذا أعطينا التعليمات بزيادة عدد الذاهبين لمقابلة سيد قطب … ألا يساعد ذلك في نشر الصراع … وزيادة الفرقة … والصراع .

فكر قليلاً … ثم قال :

  • يا فندم … أخشي أن تأتي هذه الخطوة بآثار عكسية .
  • كيف ؟؟
  • يبدو أن هناك عوامل شخصية تتداخل في هذا الصراع الفكري … بعض من قابل سيد قطب ينفي بفكره بتكفير المجتمع … ويقولون أنه يصلي خلف إمام من المسجونين الجنائيين … وينقلون عنه قوله … نحن دعاه … ولسنا قضاة .
  • لا … لا … مادام الصراع بدأ … فلن يتوقف … أنا أخالفك في الرأي .
  • علي كل حال يا فندم … أنا أتابع ما يجري …
  • ضعني معك في الصورة … أولاً بأول … لأنني مهتم بمدي تأثير هذا الفكر الجديد عندما يتم الإفراج عن من أتم مدة حكم العشر سنوات … والفترة الباقية عن ذلك هي شهور قليلة … هم تحت سيطرتنا الآن … ولكن من يضمن سلوكهم عندما ينالون حريتهم …
  • يا فندم اطمئن … داخل السجن … أو خارجه … لا تفرق معنا .

انتقل إلي موضوع آخر .

  • ما هي أخبار الدفعات التي تم الإفراج عنها من المؤيدين ؟
  • نتابعهم يا فندم بالإجراءات المعتادة .
  • ألم ترصدوا أي نشاط ؟
  • التقارير كلها سلبية … الجميع يواجهون مشاكل الحياة … العودة إلي الوظائف … استكمال الدراسة للطلاب بعد أن تخلفوا سنين طويلة … بعضهم يواجه مشكلة حصول الزوجة علي الطلاق أثناء فترة السجن ، وعنده منها أولاد … هناك مشاكل اجتماعية ومادية كثيرة تراكمت عليهم …
  • أنت تعرف أن التأييد الذي حدث في السجون … حدث نتيجة الضغط … ولا يمكن أن يكون صادقًا … ونحن يجب ألا نطمئن إليه فليس هناك من يحب سجانه … هي صفقة … حصلوا علي ثمنها … ونحن يجب أن نحصل علي استمرار بعدهم عن أي نشاط .
  • يا فندم … البعض منهم تبرأ تمامًا من فكر الجماعة … واقتنع بأن طريق السلامة … هو الأفضل .
  • ولو … البلد في حالة قلق … من حرب اليمن … والتربص الخارجي بها … لابد أن نضمن سلامة الجبهة الداخلية … وأنا لا أحب أن أراهن علي وضع يمكن أن يتغير … والإنسان يصعب عليه أن يدفن ماضيه … وخاصة الناس العقائديين .

قبل أن يجلس علي مكتبه … علي الطرف الآخر من التليفون … كان زهدي يستدعيه الحضور فورًا إلي مكتبه .

  • خير يا فندم ؟
  • تلقيت حالاً … إشارة من رئاسة الجمهورية بالإفراج عن سيد قطب وزميله محمد هواش .

عقب في دهشة :

  • هل هذا معقول … بدون أخذ رأينا … سيد قطب خطير … وهواش أيضًا .
  • الاثنين … لديهم أمراض مزمنة … ولا أظن أن باستطاعتهم ممارسة أي نشاط .
  • سيادتك قلت … القرار من الرياسة … يا تري ما هو السبب ! ؟
  • الوزير أخبرني … بأنه نتيجة وساطة من رئيس العراق عبد السلام عارف .
  • حاضر … يا فندم .
  • الإفراج عن سيد قطب اليوم … أما هواش فيمكن الانتظار عليه بضعة أيام .

                           (8)

    الضربة الثانية … لم تتأخر كثيرًا .  

    لم تخبرها بها سكرتيرتها … إلا بعد عودتها إلي المنزل … الملف الذي منعها … الحاج محمد من تقديمه لها عقب الحادث   مباشرة … كان يحتوي علي قرار حل جماعة السيدات المسلمات … ومصادرة ممتلكاتها … وإغلاق المجلة …

     المعني :

     إغلاق ملجأ اليتامى … وتشريدهم … منع الخير والإعانات الشهرية لمئات من الأسر التي يعولونها … وهو نشاط آخر بعيد عن

    أسر المعتقلين من الإخوان .

    قالت في مرارة :

  • هل هذا معقول ؟ .. قلوب هذه أم حجارة … آدميون هؤلاء ؟ .. بشر ؟؟

    قال لها زوجها :

    – وما العمل ؟  

    –  سنرفع قضية … لن استسلم … قرار الحل باطل … ليس من حقهم منع الخير عن الناس .

    – وهل تظنين أنهم يبالون … نحن في دولة لا تحترم القانون .

    قالت في أسي :

    – وهل لدى طريق آخر ؟

    قطعت أم عبده الحوار … لتخبرها بوجود زوار … انصرف عنها زوجها كانوا

    ثلاثة … من لباسهم … يبدو أنهم من العرب .

    قال أحدهم … في لهجة غريبة … لم تهتم بها كثيرا :

    – الأخوة في السعودية يهدونك السلام … ويتمنون لك الشفاء .

    ردت :

    – شكرا … من هم ؟

    قال :

    – الأخ سعيد رمضان … وإخوانه مصطفي العالم … وكامل الشريف … ومحمد العشماوي .

    أطرقت برهة … ثم واصلت الأسئلة :

    – ولكنكم لستم سعوديون .

    – لا … نحن من إخوان سوريا .

    أخرج أحدهم مظروفا … وضعه أمامه علي المنضدة :

    – المبلغ ليس كبيرا … مساهمة من الإخوان لأسر المعتقلين … أعلم أنكم في حاجة إلي المال .

    نظرت إلي المظروف … ولم تتكلم .

    استطرد الثالث :

  • نحن علي علم بالمحنة التي يمر بها إخواننا في مصر … والظلم الواقع عليهم من

طاغية العرب الذي حاول اغتيالك …

    هه … هيا … أخرج ما في نفسك … قالت تستدرجه :

  • من تقصد ؟!

قال في حماس :

  • وهل هناك غيره … عبد الناصر الملعون … اللهم خلصنا منه .

ازداد حماسا :

  • تمنيت لو أن أحد من الإخوان طخه … وخلصنا منه .

سكت … ثم قال : 

  • نحن علي استعداد للمساعدة … بالتمويل … وبالسلاح .

نظرت تملا عينيها منهم … ثم قالت :

  • لم أتشرف بأسمائكم .

كأنما فاجأهم السؤال … قال أحدهم متلعثما :

– عبد الله … عبد الرحمن … عبد المنعم .

    قالت في هدوء …

  • خذوا فلوسكم … الإخوان جماعة صدر قرار بحلها … ونشاطها ممنوع …
  • أنصحكم بالرجوع إلي بلادكم قبل أن تقعوا في قبضة مباحث عبد الناصر .

تراجعوا مهزومين … قالت وهي تودعهم :

  • سلامي إلي إخوانكم في السعودية … وفي … مصر .

قال لها زوجها :

  • كيف عرفت أنهم دسيسة ؟
  • الأمر واضح من أول الأمر … الحيلة بدائية … وغير محبوكة … أحدهم يحمل في يده كتابًا … لم يكن سوي كاميرا … حتى عدستها مثبتة بإهمال ومكشوفة .

قال لها :

  • أظن … أنهم أرادوا توصيل رسالة لك … ليس غرضها الإيقاع وتوريطك في مؤامرة لاغتيال عبد الناصر … وإنما هي رسالة … مغزاها … المضايفة … والضغط علي أعصابك … والإرهاب … عملية ترويض … وكسر إرادة .
  • صدقت … يا حاج محمد …

وقفت السيارة السوداء … أمريكية … فاخرة … نزل منها يمشي في ثقة … وخيلاء … أجلسته أم عبده في صالون الزوار .

  • أهلاً وسهلاً .

قام … مقدمًا نفسه :

  • أحمد راسخ … مباحث .

قالت باسمة :

  • الاسم معروف … فقد جاءني اثنين من قبلك … كلهم يدعي أنه أحمد راسخ

بدت الدهشة علي وجهه … التمثيل غير متقن .

قال :

  • لا يوجد سوي أحمد راسخ واحد … أنا .

قالت :

  • ما علينا … أتفضل يا أحمد بك .

اعتدل في جلسته … ثم قال :

  • سأكلمك بصراحة … فأنا أعلم أنك تفضلينها .
  • عظيم … هات من الآخر .
  • أنت تشكلين مشكلة لنا بنشاطك الإسلامي .

سكت لينظر أثر كلامه … وجدها ثابتة … قال :

  • اتجاه الدولة … هو الاشتراكية العلمية … والقومية العربية … والنشاط الإسلامي في رأيها … معوق … ورجعية … والبعض يسميه ثورة مضادة .

سألته باسمة :

  • وهل تؤمن بهذا الكلام … الغليظ ؟
  • يا حاجة … نحن ضباط محترفون … ننفذ التعليمات … ونسير مع توجيهات الدولة .

قالت :

  • هه … والمطلوب ؟
  • المطلوب واضح … ببساطة … التماشي مع الجو العام … لا نريد منك انقلابًا فجائيًا … ضد خطك الحالي … وإنما لو كتبت عدة مقالات … واختاري أكثر الصحف انتشارًا … ستفتح لك بابها … اختاري المواضيع بنفسك … ولن تعدمي بما نعرفه عنك من براعة الأديب … في تضمينها إشارة وتأييد لمواقف السيد الرئيس … كتاباتك سيكون لها أثر طيب عند الرأي العام المتدين … وسينفي عن الثورة – بطريق غير مباشر – الدعايات التي يروجونها في الخارج والداخل عن عدائها للإسلام …

سكت قليلاً … ثم مد لسانه … بالجزرة … الهدية :

  • وسيترتب علي ذلك خير كثير .

العصا … والجزرة … أو … السيف … والذهب … دائمًا .

آثرت أن يفرغ كل ما عنده :

  • وما هو هذا الخير الكثير ؟

السمكة اقتربت من الطعم .

  • سنعيد لك المجلة … ونجمد قرار الحل … ونقدم لك معونة سخية و …

قالت تستحثه :

  • و …
  • شوفي … أنت سيدة مثقفة … ومن أصل طيب … سيدة مجتمع ليس مكانها وسط مجموعة من العجائز في جماعة السيدات المسلمات … أنت أكبر من هذا بكثير … لا يصلح لك إلا كرسي وزارة الشئون الاجتماعية … مجال واسع … ورحب … لتقديم خدماتك … ويظهر مواهبك وإمكانياتك … ولكن أنت تعرفين … صاحب القرار … لابد من أن يرضي … والمقدمة هي إزالة الصورة السيئة التي روجها عنك أولاد الحرام .

أولاد الحرام … هه … ما أكثرهم يا أحمد بك … يا ابن … ال … حلال … هل هذا آخركم … أحمد بك … اللعبة انتهت … أيها الحاوي الصغير … جرابك فراغ … ماذا لديك ؟؟ … الوزارة … مقعد في جهنم … المحنة السخية … حفنة من جمرها … آه لو تعلي … هي بيعة … بيعة صدق مع البنا … و … مع الله … يد الله … فوق أيديهم .

حسمت أمرها … قالت :

  • وإذا رفضت عرضك ؟

قام واقفًا … يبدو أنه لم يفاجأ … استدار بظهره … وقال :

  • هه … لقد أعذر … من أنذر .

دخلت الصالون … تستند إلي عصاها .

قالت له باسمة تداعبه :

  • أراك مستيقظًا ؟؟ .. هل أنت مريض ؟

قال لها الشيخ عبد الفتاح :

  • حمد الله علي سلامتك ؟؟ .. كيف حالك الآن ؟
  • الحمد لله … نزعنا المسامير من عظمة الفخذ … وبدأت العلاج الطبيعي … شفاء العظام يأخذ بعض الوقت … أنا الآن في حالة تسمح لي باستئناف حلقات الدراسات التي انقطعت … واقترح عليك الإقامة هنا في الفيلا .

رد في حيرة :

  • كيف ؟

قالت : …

  • لقد فكرت في كل الترتيبات … الاجتماعات تتم كلها قبل الفجر … والشباب يحضرون كالعادة فرادي … أما أنت فقد جهزت لك غرفة في الجنينة ستقيم فيها … علي اعتبار أنك الجنايني … وأم عبده ستقوم بالخدمة .

سكت مفكرًا :

  • الله يكرمك … وجزاك الله عن الدعوة خيرًا .

قالت :

  • عندي لك خبر سيفرحك … أفرجوا عن الأستاذ سيد قطب أمس .

تهلل وجهه …

  • هذا من فضل الله … وكرمه .
  • إن شاء الله … سأسعى إلي لقائه … وأرتب لقاءه معكم … وبالتأكيد سيتم لقاء بينه وبين فضيلة المرشد علي اعتبار أنه ينوب عنه في قيادة التنظيم .
  • نأمل إن شاء الله … أن يعطينا الكثير من وقته … فنحن في حاجة شديدة إلي نصائحه … نرجع إليه في حركتنا … خاصة وأن الشباب كلهم في سن متقاربة … بما يسمح ببعض الخلاف .

سألته :

  • أراك لازلت مهمومًا … هل حدث شيء ؟
  • جدت أمور … أري أن أخبرك بها .
  • خير ؟
  • خير إن شاء الله … الأخ علي عشماوي ارتكب خطأ كبيرًا .

تمهل … ثم أكمل :

  • أنت تعلمين أنه سافر للعمرة منذ أيام … وعندما عاد أخبرنا بأنه طلب من الإخوان هناك أن يدبروا بعض الأسلحة أعطاهم قائمة بأنواعها … والأكثر من ذلك … اتفق معهم علي طريقة إدخالها من أفريقيا … عبر السودان … ثم إلي أسوان … كل ذلك بدون اتفاق معنا أو أذن من أحد … 

أطرقت مليًا … ثم قالت :

  • سبق أن سألتك عن علي عشماوي … ولم يكن لديك إلا القليل عنه .. أصارحك القول … بأني لا أستريح له … تصرفاته فيها اندفاع … يتدخل فيما لا يعنيه … ويسأل كثيرًا .
  • هذه هي شخصيته … والأخوة يفسرون ذلك بزيادة في الحماس للدعوة .

لم يبارح الهم وجهه قال :

  • هذا الموقف الفردي … أشاع القلق في نفسي من إجراءات الحيطة التي نتبعها … وأظن أنها غير كافية .

قالت في محاولة لتهدأته :

  • أنت تعرف جميع أعضاء التنظيم … بالاسم .
  • غالبيتهم .
  • وهم أيضًا يعرفونك .
  • ظروف التجميع هي التي فرضت هذه الطريقة .

قالت مؤيدة :

  • طبعًا … كما أنكم أقمتم عدة معسكرات جماعية في رأس البر … وبلطيم … وحصلت اجتماعات ولقاءات عندي هنا … بمجموعات كبيرة . 

استمرت :

  • يعني أن مجموعات كثيرة تعرف بعضها … وصغر عدد التنظيم ساعد علي ذلك … فليس هناك سر بين الإخوة … الجميع في مركب واحد … وهدف واحد … وليس هناك إلا الدراسة والتربية .

لازال مهمومًا :

  • ليس هذا ما قصدت … هناك معلومات لا يجب أن يعرفها إلا أصحاب العلاقة
  • ماذا لديك ؟
  • تذكرين أن بعض الإخوة – في بداية تعارفنا – كانوا يفكرون في اغتيال عبد الناصر … وأثناء النقاش … وعندما قالوا أنهم علي استعداد لتقديم عشرين أو ثلاثين شهيدًا في سبيل ذلك … وجدت نفسي أقول لهم أن الأمر يمكن أن يتم – لو أردنا – بأيسر من ذلك … ولكني أؤكد لهم … وأثنيهم عن الفكرة … خوفًا من أي عمل فردي … أخبرتهم بأن لدينا واحد من الإخوان في حرسه الخاص … ويمكنه القيام بذلك … ولكننا لن نفعل المهم أن علي عشماوي ظل يلح … حتى عرف اسمه .
  • وطبعا أنت الآن أشد قلقا من أن يتصل به … بعد أن طلب السلاح من إخوان السعودية بدون علمكم … أو الرجوع إليكم .
  • طبعًا هذا عمل خطير … وقد وجهنا له اللوم جميعًا … وهذه أول مرة يخرج فيها أحدنا بتصرف منفرد .
  • وما التفسير الذي برر به فعلته ؟
  • قال أنها كانت فرصة … لكي يتحدث مع إخوانه هناك بحرية وجهًا لوجه … وظروف الحديث معهم هي التي اتجهت إلي هذا الطلب … فأراد أن ينتهز الفرصة التي قد لا تتكرر … وعندما يعود سيخبرنا … وعندئذ يمكن وقف التنفيذ … في حالة الرفض … وهو ما سيفعله مادمنا غير موافقين .
  • ولكن …
  • نحن جميعًا مشدودون بحبل واحد … ولا يجب أن يتحرك أحدنا منفردًا مهما كانت الظروف والأحوال … خاصة وأننا نرفض جميعًا العمل العسكري وليس من أهدافنا .

قالت تطيب خاطره :

  • استعذ بالله من الشيطان الرجيم … وكل قضاء الله خير … نحن نسير طريقًا كله مخاطر … ومن يتوكل علي الله فهو حسبه … أليس هذا كلامك الذي قلته لي … من قبل

قال … وقد هدأت نفسه :

  • حسبنا الله ونعم الوكيل ؟

                           (9)

    كانوا يتسللون فرادي … في جوف الليل … إلي فيلا الحاجة زينب … في خطاهم … وحذرهم … صورة قديمة عمرها أربعة عشر قرنًا … يوم كان الصحابة في صدر الإسلام – وقبل الجهر بالدعوة – يتسللون إلي دار الأرقم بن أبي الأرقم … تجمعوا في الحديقة … في غرفة الجنايني … الشيخ عبد الفتاح إسماعيل .

    عندما سمع الطرق الخفيف علي الباب … قام زوجها الحاج محمد سالم من نومه … فتح الباب … أخذهم إلي غرفة المكتب … أيقظ أم عبده … طلب منها إعداد بعض الطعام … والشاي .

    أيقظ الحاجة زينب في إشفاق وهو يقول لها :

  • بعض أولادك في المكتب … وعليهم علامات الإجهاد والسفر

توجه إلي فراشه .

  • عند الفجر … أيقظيني لأصلي معكم .

كانوا عشرة … يجمعهم هدف واحد … لا يشغلهم – حاليًا – عنه أي شيء آخر … هو … استمرار التربية والتكوين … والإعداد … وغرس عقيدة التوحيد … إلي متى عشر سنين ؟ .. عشرين ؟ .. أكثر … أقل … لا يهم … هم علي الطريق … طليعة فجر إسلامي يعيد إلي الأمة مفهوم الحاكمية لله وحده في جميع مجالات حياة البشر .. ويؤكد علي عقيدة الإسلام التي لا تتحقق بالعبادة وحدها … وإنما بالتشريع الذي لا ينفصل عن الإيمان … والحكم بالشريعة التي لا تنفصل عن ذكر الله .

قال عمر :

  • هل سمعت يا حاجة ما يقوله بعض إخواننا الذين خرجوا بعد قضائهم عند سنوات في السجن ؟

ابتسمت الحاجة وأشارت :

  • تكلم يا عبد العظيم … فقد كنت معهم .
  • هناك حقيقتان … أبدأ بهما … الأولي … أن الحياة داخل السجن … لها ظروفها … السجين مقيد … ومحروم من كل حقوقه الإنسانية البسيطة … يتعرض إلي ضغوط نفسية … تجعله في حالة استفزاز … واستنفار عصبي … الحقيقة الثانية هي تأثير الصفات الشخصية والقدرات العقلية علي الفهم والسلوك … هذان العاملان … كان لهما الأثر الكبير في تحويل ما تلقوه من فكر الأستاذ سيد عن مراده …

الأستاذ سيد بعد استعراضه لحال الإسلام وما يتعرض له من حرب واضطهاد … وهو ما لا يخفي علينا جميعًا … أراد من الإخوان أن يصرفوا اهتمامهم إلي تعميق العقيدة في نفوسهم … بالتربية … والدراسة … كأولوية أولي … لا يصرفهم عنها غرض آخر … إلا أن بعض الإخوان انطلقوا من هذه النقطة … وبدأوا في تصنيف الناس … ونصبوا من أنفسهم قضاة يوزعون تهمة الكفر حسبما يرون .

  • نحن نعيش جميعًا وسط الناس … ونعرف أن الغالبية العظمى تحت دينها … وتري فيه خلاصها مما هي فيه من ضنك … وبؤس … الشواذ قلة … صوتهم عالي … وضجيجهم يهز مسامع الناس فيبدون وكأنهم رأي عام … إلا أن ما نراه من سلوك الناس بين فشلهم … الشاب العاصي … المذنب … ينصحه الرجل العادي فيقول له تب إلي الله … يتوب عليك ويصلح حالك … المتنازعون لا يفض نزاعهم إلا رجل صالح يثقون في حكمه الذي لا يكون إلا طبقًا لما قال الله … وقال الرسول … الناس بفطرتهم تواقون إلي التحاكم لشرع الله … استمرارًا لتاريخ طويل … وموروثات عن أجدادهم الذين لم يعرفوا إلا كتاب الله وسنة رسوله … ورأي الفقهاء .

قال إبراهيم :

  • سأنقل نص كلام الأستاذ .

أننا لا نكفر الناس … هذا نقل مشوه … إنما نحن نقول أنهم صاروا من ناحية لجهل بحقيقة العقيدة ، وعدم تصور مدلولها الصحيح … والبعد عن الحياة الإسلامية إلي حال تشبه حال المجتمعات الجاهلية ، وأنه من أجل هذا لا تكون نقطة البدء في الحركة هي قضية إقامة النظام الإسلامي … ولكن تكون زرع العقيدة والتربية الأخلاقية الإسلامية … فالمسألة تتعلق بمنهج الحركة الإسلامية … أكثر ما يتعلق بالحكم علي الناس .

كان علي الشيخ عبد الفتاح أن يتدخل :

  • فعلاً … المسألة تتعلق بالحركة … وهي متغيرة بتغير الظروف … أنا صحبت الإمام الشهيد حسن البنا … كنا في حرية … ودعوتنا علنية … نقيم الاحتفالات … نخطب في المساجد … وفي أي مكان … نفتح الشعب … ونقيم المعسكرات … والرحلات … ونستعرض طوابير الجوالة في الشوارع … كان من أهدافنا الانتشار … وكنا نقبل من الناس ما يستطيعونه … كل من يتقدم لنا نأخذه بالحسنى وسعة الصدر … لنتعهده بعد ذلك بالتقويم والتربية … وفهم الدين … وتعميق العقيدة . أما الآن فالظروف المحيطة بنا … والاضطهاد الذي يلاحقنا … يفيد حركتنا … ويفرض علينا التخفي والسرية … والتخندق بالحذر … وبناء أسوار الحماية … والوقاية … نحن الآن أشبه ما يكون في حالة حرب دفاعية … للمحافظة علي جذوة الدعوة … وإبقائها مشتعلة … إلي أن يأذن الله بنشر نورها … ليعم الأرض كلها .

نحن كنا إخوانًا مسلمين مع حسن البنا … والآن نحن إخوانًا مسلمين مع خليفته حسن الهضيبي الذي اختار سيد قطب قائدًا وأستاذًا لنا … لا نغير … ولا نبدل … هدفنا في النهاية … كما كان في البداية … هو … هو … إقامة دولة الإسلام شريعة … ومنهجًا … مصحفًا … وسيفًا … عبادة … وأخلاقًا … وسلوكًا … وسياسة … واقتصادًا … واجتماعًا … ومن المنطقي أن نبدأ بأنفسنا … لنكون قدوة للناس .

والآن جاء دورها لتتكلم … قالت الحاجة زينب :

  • أكثر الناس فهمًا لا إله إلا الله … محمد رسول الله … كانوا هم … كفار مكة … كانوا يدركون أن النطق بها هي لحظة فاصلة … ينتقلون لحظتها من حياة إلي حياة أخري … انقلاب كامل … طبقًا لفهم الآية ( إِنِ اَلُحُكْمُ إِلاَّ لله أَمَرَ أَلاَّ تَعُبُدُوّاْ إِلاَّ إِيَّاهٌُ ) والناس – كما يقول حسام – يغيب عنهم هذا الفهم … لأنهم يعيشون تحت وطأة غسيل المخ الدائم … أو محاولة تلويث المخ الدائم … بحرب مستمرة علي عقولهم … يقودها أبالسة أعلام هذا الطاغوت …
  • وأنا أذكر أنني تحدثت مع الأستاذ سيد … هنا في هذا المكتب عندما زارني … فقلت له …
  • إن منزلتي عند السيدات المسلمات تجعلهن تحترمنني احترامًا عظيمًا … ولكنهن علي استعداد لأن ينسفن هذا الاحترام … إذا علموا أنني أرميهن بالكفر … أو أحد من أقاربهن استغرب هذا التهم وقال أنه ينوي أن يوضح ذلك في الجزء الثاني من المعالم … كما كان يقول دائمًا … عندما تعرضون الإسلام علي الناس … أعرضوه بوضوحه … ونصاعته … وإياكم أن تعرضوا عليه النتائج … اتركوا المستمع لكي يستنتج موقعه في أي مرحلة هو من هذا الدين .

عن adminis

شاهد أيضاً

رواية (العنكبوت)

الاخ جمال شعيرات ـ صاحب رواية (العنكبوت) ورواية( سطوة الفرار) الرواية التي تندرج في إطار …

رواية القوقعة -الحلقة الخامسة مصطفى خليفة

يرد عليه الرقيب الأعوج : – تسقط … تسقط .. تسقط . – يعيش الرئيس المفدى …

رواية القوقعة -الحلقة الرابعة مصطفى خليفة

29أيلول استيقظت في الصباح الباكر على أنين رجل يتألم بشدة. كان يضع يده على بطنه …

رواية القوقعة -الحلقة الثالثة مصطفى خليفة

22 شباط فتح الشرطة باب المهجع ودخلوا بطريقة وكأن مائة ثور هائج قد دخل هذا …

رواية القوقعة -الحلقة الثانية مصطفى خليفة

16 تشرين الثاني منذ الصباح يعم ضجيج مكبرات الصوت. أرجاء السجن وما حوله تبث الأناشيد …

رواية القوقعة الحلقة الأولى مصطفى خليفة

يوميات متلصص إنها قصة الفتية الأبرار في سجون الطغيان، يكتبها سجين عاش معهم المأساة. ولعل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *