أرشيف يوم: مارس 18, 2021

ادب السجون دراسة الخصائص والمميزات

الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف و أفكار و خواطر و هواجس الإنسان بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر، إلى النثر المنظوم، إلى الشعر الموزون، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر().

وأَدب السجون والمعتقلات في فلسطين جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، الذي يتطلع للحرية، وهو من أصدق أنواع الكتابة، سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو، فذهب البعض لتسميته “بأدب الحرية”، أو “بالأدب الاعتقالي”، وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه ” الأدب الأسير”، وذهب آخرون إلى تسميته “بأَدب السجون”، ولكن الجميع مجمعون على أنه يندرج تحت عنوان:”الأدب الفلسطيني المقاوم”().

وأدب السجون لم يكتب في الصالونات المكيفة، أو في الحياة المرفهة والبساتين التي تصدح في سمائها الطيور المغردة، بل كتب في أجواء من الألم والأمل، وفي ظل المعاناة والصبر والتأمل داخل محرقة العدو()، بين الجدران، ومن خلف القضبان، وثمة فرقٌ بين من يكتبون في الصالونات ومن يكتبون في المعتقلات، ففي الحالة الأولى يأتي أدبهم عاديّاً، أمّا في الحالة الثانية، فيضئ أدبهم بإشراقات جمالية، تضفي حياة روحية متوقِّدة، حيث أن المعاناة والألم مصدراً وحاضنة دافئة للعطاء والإبداع، المشع على طريق الحق والخير والجمال، حيث تتفجر الطاقات الإبداعية من خلال ممارسات القمع اليومية للسجان في أقبية السجون، التي شكلت تربةً خصبة لتفتُّح هذا الإبداع ().

في هذه الدراسة سيتطرق الكاتب لأدب السجون وتفصيلاته، نشأته وعوامل ظهوره، وظروفه ومميزاته، وسماته الجمالية، وأبرز التجارب الأدبية، والكتابات الإبداعية من الشعر والنثر والرواية والقصة والخاطرة والمسرحية والرسالة.

الكتاب للتحميل اسفل الصورة

كتاب ذكريات معتقل من غوانتانامو

المؤلف: المعتقل حسين عبدالقادر. هذه النسخة ليست المنتشرة في النت. فهي نسخة جديدة. قالوا له: من فضلك خمس دقائق فصارت الدقائق الخمس ستة وعشرين شهرا

مساء يوم الأحد 25/5/2002 وبينما كان يتناول العشاء مع أسرته ، اذ بجرس الباب يدق ليدخل ضابط شرطة يقوم باعتقاله ، وعندما استفسر عن الذنب الذي اقترفه ، أجابه : خمس دقائق وتعود !! .. نُقل الرجل لباجرام ثم لمعتقل جوانتانامو بكوبا ليقضي هناك ستة وعشرين شهرا ، وفي النهاية سلموه شهادة تفيد بأنه لا يمثل خطرا على القوات الأمريكية أو مصالحها في أفغانستان ، ثم أطلقوا سراحه في نفس المكان الذي اعتقل فيه.

المؤلف من مواليد الضفة الغربية سنة 1953 م ، درس المرحلتين الابتدائية والاعدادية بقرية سيلة الحارثية ، قضاء جينين ، وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة المدينة – جنين سنة 1973 م ، ثم حصل على منحة دراسية في المملكة العربية السعودية ، وهناك أكمل دراسة البكالوريوس والماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. سافر لباكستان سنة 1985 م ، وبقي هناك حتى عام 2002م وقت اعتقاله ، حيث كان يعمل مدرسا للطلاب الأفغان والعرب وغيرهم في الجامعات والمدارس والكليات.

للتحميل

اختطاف النساءجريمة

لاللاختفاءالقسري

أسماء السيد عبد الرؤوف .. من مركز فاقوس بالشرقية .. ليسانس اللغة العربية جامعة الأزهر
زوجها ” محمد جمال الياسرجي” معتقل من سنة في قسم شرطة فاقوس..!
أسماء تم اقتحام منزلها في قرية قنتير بمركز فاقوس في حافظة الشرقية .. قبل فجر يوم ٩ نوفمبر ٢٠٢٠ واعتقالها من قبل قوات الأمن الوطني و من يومها وهي مختفية قسريا ومحدش يعرف عنها حاجة وكل الاقسام بتنكر وجودها !!
أسماء أم لطفلة عمرها ٤ سنوات ..ذنبها ايه الطفلة تشوف الرعب ده لما اعتقلت امها قدام عينها ودلوقتي أبوها معتقل وامها مختفية قسري !!
حسبي الله ونعم الوكيل

البنات_يارب
زفرةأسيرمصر⛓
نصرةلكلمظلوم🩸

مذكرات سجنية – لانهم قالوا لا الحلقة الخامسة

أبو راشد عبد الهادي و”الجندي”

كان رجلاً ضخم الجسم، أبيض البشرة، أقرب للشُّقرة، دمثاً حلو الحديث… لكنه كذلك سريع الغضب، وإذا غضب خرج عن حدود الاتّزان. قوي الشخصية، قوي الإرادة، عنيد..

اسمه أبو راشد: أحمد راشد عبد الهادي، فلسطيني من جنين، ينتمي إلى حزب البعث، وقد كان معتقلاً لبضع سنوات في سجون بعض الدول المجاورة عندما حدث انقلاب الثامن من آذار 1963م، وعندئذ ارتفعت معنوياته، وازداد تمسكه بحزبه، وراح يحلم بأن تمتدّ “الثورة” إلى أقطار مجاورة، فيحرّره رفاقه من سجون “الرجعيين”!.

خرج من السجن فتوجه إلى بلد الصمود والتصدي، وصار قائداً في قوات “الصاعقة” التي ترعاها سورية، برتبة رائد. وبسبب حزبيته وموقعه الجديد توثّقت علاقته بالمسؤولين السوريين، العسكريين والأمنيين، لا سيما “عبد الكريم الجندي” مدير المخابرات العامة!.

لكن الصورة المتوهجة التي كان قد رسمها في مخيّلته للرفاق المناضلين والحزب القائد، بدأت تخبو تدريجياً، ثم صارت قاتمة سوداء، وهذا ما دعاه إلى انتقاد تصرّفات السلطة والحزب وأجهزة الدولة، في بعض المناسبات، ولأنَّ “النقد الذاتي” محظور فقد جاء “زائران” إلى أبي راشد يطلبان منه زيارة أحد فروع الأمن! قال لهما: عندي سفرٌ غداً، فأريد أن أمرّ على مكتب الطيران حتى أؤجل الحجز، فأتمكن من السفر بعد انتهائي من زيارة فرع الأمن هذا!. قالا: لا حاجة. زيارتك لن تستمر أكثر من نصف ساعة، وبإمكانك أن تسافر غداً في الوقت الذي حجزته من قبل!.

وكما هي العادة، فإن دقائق “المخابرات” تُعَدُّ بالأسابيع أو الشهور أو السنين. وفعلاً استمرت إقامة أبي راشد في “الحلبوني” حوالي ثلاث سنوات.

وفي الحلبوني قضى في إحدى الغرف شهوراً مع الرفيق الآخر نقولا حنّا. وكان كل من الرفيقين على علاقة سابقة بمدير المخابرات العامة السابق عبد الكريم الجندي.

أما الأستاذ نقولا، فيحدثنا عن ذكرياته مع “الجندي” يوم كان هذا “الجندي” وزيراً للإصلاح الزراعي، وكان نقولا رئيساً لفرع الحزب في الحسكة. يقول: أُبلِغنا بأن السيد الوزير سيزور المحافظة للقيام بمهماته بالإشراف على مديرية الإصلاح الزراعي هناك، وسوف يأتي بالطائرة وينزل في مطار الحسكة في يوم كذا. وكنتُ بين كبار المستقبلين له، وفي صالة استقبال الشرف في المطار، جلسنا قليلاً لنشرب فنجان القهوة، وأخرجت من جيبي علبة السجائر لأقدّم له سيجارة، وكانت السجائر أمريكية! فنظر إليّ غاضباً معاتباً: “يا رفيق! أنحن ندخّن التبغ الأجنبي؟!” فخجلت من نفسي. وأخرج الوزير سيجارة “وطنية”، وقدّم إليّ سيجارة مماثلة.

وابتلعتُ الإهانة، واحمرّ وجهي خجلاً من هذا الموقف أمام مجموعة المستقبلين!.

وكان من برنامج الزيارة سهرة سمر فنّية!، وكنت بجوار السيد الوزير في هذه السهرة، فأنا من أهم رجالات الحزب هناك، وفي هذه السهرة، أخرج “الجندي” علبة سجائر أمريكية من جيبه، وولاعة ذهبية، وقدّم لي كذلك سيجارة، وأشعلها لي بولاعته الفاخرة!. فلم أتمالك نفسي: “يا رفيق، اليوم وبّختني في صالة الاستقبال في المطار لأنني قدمت إليك سيجارة أمريكية، ثم ها أنت ذا تفعل مثله وزيادة!” فقال: في الصالة كان يوجد آخرون، غير حزبيين، ويجب أن نظهر أمامهم بمظهر أخلاقي ثوري، أما هنا فلا يوجد غير الحزبيين!!!.

وتأتي مرحلة يصبح فيها “الجندي” مديراً للمخابرات العامة، ويكثر تردده على فرع الحلبوني ليتعرّف بنفسه على المعتقلين أولاً بأول، وقد يشرف بنفسه على بعض التحقيقات، وقد يحلو له أن يمارس أنواعاً ثورية من التعذيب، ففي بعض المرات، يأمر الجلادين بأن يلقوا السجين على ظهره، ويفتحوا فمه، ويقوم مدير المخابرات العامة بالبول في فم السجين!!.

ومرة يتم اعتقال مجموعة من الضباط في الجيش السوري، بتهمة تشكيل نواة لتنظيم خاص!. ويمرُّ مدير المخابرات العامة على الزنازين التي يُحتجز فيها هؤلاء، فيفتح “الطاقة” على كلٍّ منهم، ويطلب منه أن يقترب من الطاقة، ويُمسك مدير المخابرات بيده أحد نعليه (وكثيراً ما كان يلبس البدلة الخاكي الرمادية، ويلبس بقدميه النعلين المعروفين بالشاروخ!) ويضرب رأس الضابط السجين ووجهه بالنعل!. وجاء دور ضابط سجين برتبة ملازم أول. وحين أمره مدير المخابرات بالاقتراب من الطاقة، وبيده النعل، صرخ الملازم الأول: أيها الحقير، أتُظهر قوتك عليّ، وأنا في الزنزانة؟! إذا كنتَ رجلاً فافتح الباب عليّ، وتجرّأْ على ضربي!.

عندئذ أمَرَ مدير المخابرات العامة السجّانين بفتح الباب لذلك الضابط، وأن يصنعوا فنجانين من القهوة، له وللضابط. وجلسا متقابلين على الطاولة، وقال “الجندي”: إنَّ جميع زملائك الذين تحمَّلوا مني الضرب ولم يردُّوا: كلاب. وأنت وحدك الرجل من دونهم!.

*   *   *

وينتحر عبد الكريم الجندي، ويشكك بعض الناس بالخبر، ويقولون: بل إنَّ حافظ أسد هو الذي قتله، أي إنه نُحر ولم ينتحر، وتدور إشاعات حول أسباب “نحره” أو “انتحاره”.

وليس هذا غريباً، فنظامٌ تعوَّد على الكذب والتعمية وارتكاب الجرائم… لا يصدِّقه الناس، وإن صدق مرةً. إنه كالراعي الكذّاب.

والذي أقتنع به أنَّ “الجندي” قد انتحر فعلاً. وعندي ثلاث روايات تتفق على هذا، وتختلف في أجزاء من رواية الحادثة أو تحليلها:

الرواية الأولى: مصدرها بعض أعضاء حزب التحرير الذين كانوا معي في المعتقل، وهي أنَّ عبد الكريم الجندي رئيس المخابرات (وكذلك القادة المتنفذون في السلطة، أيام صلاح جديد ونور الدين الأتاسي، أي قبل انقلاب حافظ أسد) كانوا عملاء لبريطانيا، وأرادت الولايات المتحدة أن تطيح بهم بالتعاون مع عميلها حافظ أسد. وحين أحسّ “الجندي” بتحرك أسد، كان الوقت متأخراً، وكان أسد قد رتّب أوراقه بشكلٍ كامل، فأقدم “الجندي” على الانتحار إحساساً منه بالإخفاق والهزيمة.

الرواية الثانية عن أبي راشد: أحمد عبد الهادي. ومؤدّاها أن “الجندي” وهو في موقع مدير المخابرات العامة، علم بتحرك حافظ أسد للقيام بانقلابه بدعم من المخابرات الأمريكية، وكان علمه هذا متأخراً بحيث لم يعد بإمكان “الجندي” أن يحبطه، فقد وزَّع أسد أنصاره من الضباط على المواقع الحساسة في مختلف القطعات العسكرية. فاتصل هاتفياً بحافظ، وقال له: “هذه الرقبة لن أسلِّمها للأمريكان” وأطلق الرصاص في رأسه وانتحر.

الرواية الثالثة وقد اطّلعتُ عليها مؤخراً من خلال المكالمة الهاتفية التي نُشر نصها في “الوطن العربي” في 15/11/2006 بين تمام البرازي وبين السيد عبد الحليم خدام: السياسي البعثي المخضرم. يقول السيد خدام: ((عبد الكريم “الجندي” انتحر. وكنتُ عند رئيس شعبة المخابرات العسكرية ابن أختي، ورنَّ عنده الهاتف، وكان على الخط أبو حسين، أي عبد الكريم الجندي، وقال له: “أنا قررت الانتحار.. اسمعْ” وأسمعنا طلقة الرصاص!)).

———-

ونعود إلى أبي راشد عبد الهادي، فقد كانت له مواقف جريئة داخل المعتقل.

منها أنه، بل جميع المعتقلين، كان يرى كيف يؤخذ عناصر المخابرات من فرع الحلبوني، ومثل ذلك في الفروع الأخرى، من أجل تأمين الحراسة لهنري كيسنجر، في رحلاته المكوكية. فكان أبو راشد إذا أراد أن يعنّف السجانين في الحلبوني، ويشتم رؤساءهم كذلك، كان يصرخ بأعلى صوته: لستم أكثر من كلاب حراسة لكسنجر!.

ومنها أن رجلاً اعتُقل معنا لفترة شهر تقريباً، وادّعى، في أحاديثه معنا، أنَّ له صلات برئيس مكتب الأمن القومي ناجي جميل، وأنَّ بإمكانه القيام ببعض الوساطات للإفراج عن بعض المعتقلين. فانفرد به أبو راشد، واتفق معه على أن يدفع له مبلغاً من المال مقابل تلك الوساطة، وكتب له كتاباً إلى أهله (أي إلى أهل أبي راشد، في دمشق) كي يسلموا المبلغ لهذا الوسيط، وتسلّم المبلغ فعلاً، لكنه ذهب ولم يَعُدْ!.  عندئذ كتب أبو راشد كتاباً إلى رئيس مكتب الأمن القومي يقول فيه: إنَّ فلاناً قد أخذ مني مبلغ كذا، كي يدفعه رشوة لك حتى تطلق سراحي، فإما أنه صادق، وقد أعطاك حصتك فلماذا لم تفرج عني؟ وإما أنّه كاذب يدّعي عليكم بما ليس فيكم، فعليكم أن تعتقلوه وتحاسبوه!.

قصة “طامس” واليهودي

“طامس” اسم أستعيره لأحد المعتقلين الفلسطينيين الذين تعرفت إليهم في “الحلبوني”!.. وله قصة مؤسِفة مُقْرِفة!.

في إحدى أمسيات رمضان، في أيام حرب تشرين “التحريرية” عام 1973م، وكان التيار الكهربائي مقطوعاً، سمعنا ضجيجاً وأصواتاً منكرة من الصراخ والشتائم والضرب… في ساحة السجن… ومع أننا تعودنا سماع أصوات “حفلات” التعذيب الشنيعة… فإن نفوسنا لم تألفْها، وهل تألف النفوس ما يخالف الطبيعة البشرية التي خلقها الباري سبحانه؟!

لم يستمر طويلاً تساؤلنا عما يجري، وعمّن يمارَس عليه التعذيب فقد فتح الباب علينا كبير السجانين أبو طلال، وأدخل معه اثنين في حالة لا يحسدان عليها، وهو يوجّه إليهما الشتائم، من فوق “الزنّار” ومن تحته كذلك. وقال لهما: اجلسا هنا، وأشار إلى زاوية الغرفة حيث نضع أحذيتنا!.

ثم وجّه الكلام إلينا: إياكم أن تتحدّثوا مع هذين الكلبين!. قاطعوهما تماماً، لا تقتربوا منهما. هل فهمتهم؟!.

ولم يكن يتوقع منا جواباً.

غادر الغرفة فبدأنا نتهامس فيما بيننا: ما القصة؟! لماذا يحذِّرنا من الحديث مع هذين؟! ومن هذان؟!.

بعد نحو دقيقتين عاد إلينا أبو طلال ففتح الغرفة ثانية وقال: لقد نهيتكم عن الحديث مع هذين الكلبين، وأريد أن تعرفوا أنَّ هذا، وأشار إلى أحدهما، يهودي، والآخر “……” ونطق بكلمة بذيئة، تعني أنه أسوأ.

أبو طلال رجل ذكي نوعاً ما، وقد علم أنه لا بدَّ أن نتحدث مع النزيلين الجديدين مهما حذّرَنا.. لذلك أفشى إلينا بسرِّهما: أحدهما يهودي، والثاني أسوأ.

لكن كلامه هذا لا يشفي الغليل: فهل الأول يهودي فعلاً؟! وهل هو يهودي سوري، أم إسرائيلي، أم أنه مثلاً جاسوس دخل البلاد بصورة سائح…؟

والثاني؟! ما صفته وما ذنبه حتى يصفه بأنه أسوأ من صاحبه؟!

ساعةً بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، بدأت الصورة تتّضح.

كان السجانون يتبارون في إهانة هذين، وقد أطلقوا على أحدهما اسم “حمار” والآخر اسم “بغل”، فكلما فتح باب الغرفة لنخرج إلى “الخطّ” أي إلى دورة المياه والمغسلة، كانوا يوجهون الإهانات إلى الحمار والبغل، ويأمرانهما ببعض الأعمال المذلّة، كجمع الأوساخ، وفتح المجاري…

وبعد حوالي أسبوع جرى “التطبيع” بين السجانين وبين طامس واليهودي.. ثم صار التعامل مع طامس تعاملاً حسناً.

علمنا أن اليهودي دمشقي من حي الشاغور، وهو متهم بالتعامل مع إسرائيل.

وعندما كنا نقوم إلى الصلاة يقف هو على رجليه. فنقول له: لماذا تكلف نفسك القيام؟ ابقَ قاعداً!! فيقول: يجب أن أقوم احتراماً للصلاة!.

وبعد أيام قليلة من مكثه معنا في الغرفة قال: أريد أن أُسْلِم. ونطق بالشهادتين، وطلب أن نعلمه الصلاة. وصار يجلس معنا في الحلقة القرآنية التي نعقدها مرتين كلَّ يوم. وصار يصلي معنا.

وبعد حوالي شهر، تم نقل طامس واليهودي إلى القبو مرة أخرى، فقد كان سبب نقلهما إلى غرفتنا أنَّ القبو في أيام الحرب قد امتلأ بالنزلاء، وكان لا بد من نقل بعضهم إلينا!.

ثم بعد شهرين آخرين تقريباً تم نقلنا نحن أيضاً إلى القبو، فعلمنا من بعض المعتقلين الذين شاهدناهم أنَّ اليهودي قال لهم: لقد عشت مع الإخوان المسلمين في غرفة واحدة فترة من الزمن، وضحكتُ عليهم فأظهرت لهم إسلامي!.

والحقيقة أننا وإن قبلنا منه إسلامه حين أظهره، ووكلنا أمره إلى الله، لم نكن مطمئنين إليه، فقد كان الخبث يظهر منه في كثيرٍ من تصرفاته.

أما “طامس” فقد علمنا قصته، جملة وتفصيلاً، لا سيما بعد أن عشنا معه في القبو.

كان شاباً في الرابعة والعشرين من عمره، قويَّ البنية، قليل العلم والثقافة، لا يتجاوز تعلمه المدرسي المرحلة الابتدائية، ولكنه يملك “خبرة جيدة” في ميادين الخمر والنساء والنوادي الليلية…

وبما أنه من “الضفة” ويملك حقَّ الخروج والدخول إلى الأرض المحتلة، فقد اكتشفتْ فيه المخابرات السورية والمخابرات الإسرائيلية هذه الإمكانات والمواهب!

أما المخابرات السورية، ممثّلة بالفرع الخارجي، أو برئيس الفرع الخارجي: العقيد م المحاميد، فقد تعاقدت معه على عملٍ ظاهري شكلي، وعمل حقيقي، أما العمل الظاهري فهو أن يسافر إلى إسرائيل مرتين في السنة ويأتيها ببعض الأخبار، أي أن يتجسس على إسرائيل، ويخدم بذلك قضيته! وأما العمل الحقيقي فأن يعمل “قوّاداً” عند العقيد المحاميد: فيجلب له المومسات الصغيرات يستمتع بهنّ! ويكون بذلك قد وضع القوّاد المناسب في المكان المناسب.

وبسبب هذا العمل الحقير الذي يقوم به، فقد كان يتردد كثيراً إلى الفرع الخارجي، وكان عناصر هذا الفرع قد عرفوه وصادقوه، ولعلَّ بعضهم كذلك كان يستفيد من مواهبه الفذّة تلك!.

وكانت المخابرات السورية تعلم بعلاقة طامس مع المخابرات الإسرائيلية، وكذلك تعلَمُ هذه بعلاقته مع تلك، لكن كلاً منهما تحاول اللعب بذكاء بحيث تستفيد، وتتقي الضرر!.

وحصلت المشكلة الفاجعة، وهي أنَّ المخابرات الإسرائيلية طلبت من طامس أن يحصل لها على خريطة مواقع معسكرات فتح في لبنان!.

وحمل طامس الطلب إلى العقيد المحاميد. ورأى العقيد أن الأمر سهل. ما المانع أن يعطيه هذه الخريطة؟!

وفعلاً أخذ طامس الخريطة وسافر بها. نزل ليلة في أحد فنادق عمان، في طريقه إلى الضفة ثم إلى أسياده في الأرض المحتلة.

كانت مخابرات “فتح” تشك في طامس، وقد وضعته تحت المراقبة. فلما نزل في الفندق ذلك، أرسلت إليه إحدى المومسات “المتعاونات”، وسرعان ما وقع ما وقع! شربا من الويسكي، ونزعا ثيابهما، ثم… ثم نام السكران مستغرقاً في أحلامه، واستيقظت صاحبته ففتحت حقيبته وأخرجت الخريطة.. ثم وصلت هذه الخريطة إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي حملها بدوره إلى حافظ أسد ليقول له: أهذا ما ترسلون به عميلكم إلى إسرائيل؟!.

لم يكن صعباً أن يعرف أسد أن العنصر طامس تابع للعقيد المحاميد، فأرسل إليه يعاتبه أو يعنفه: كيف تستعينون بمثل هذا العميل الغبي؟!.

ماذا يفعل المحاميد؟! هل يحاسب طامساً لأنه نزل في فندق، ولأنه سكر وزنى؟! وهل أنشأ معه العلاقة إلا على أساس هذه المواهب؟!؟

وكان طامس هو المجرم وهو الضحية. فأمر المحاميد بسجنه ونقله إلى الحلبوني وديعة. بمعنى أن مسؤولي فرع الحلبوني لا يملكون صلاحية التحقيق معه، إنما يحتجزونه فقط ويذلّونه.

وكان طامس يقول لنا: لا يمكن أن أخرج من السجن طالما بقي المحاميد في موقعه.

وبالفعل فما إن عُزِل المحاميد حتى خرج طامس من السجن.

أما السرُّ في تحسن معاملة السجانين في الحلبوني لطامس، فإن أبا طلال الذي كان مغتاظاً في بداية الأمر من طامس، وقد أخذ عنه فكرةً سيئة تقتضي أنه عميل جاسوس خائن… تبيّن له بعدئذ أنَّ طامساً رجل شريف!. إنه فقط قوّاد سكير مغرَّر به، متعامل مع المخابرات السورية والإسرائيلية!.

السبعة الناجون

        كان ذلك في خريف عام 1974م.

        وكانوا ثمانية لا سبعة، ينتمون إلى اتجاهات سياسية وجنسيات مختلفة. أعرف أن واحداً منهم كان ألماني الجنسية، وآخر من غزة، وثالثاً شركسي سوري….

        وكانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والعشرين، وبين الأربعين، وكانوا جميعاً محشورين في غرفة واحدة من الغرف الأربع في سجن الحلبوني.

        كانت الغرف الأربع على نسق واحد، كلها مطلّة على الساحة الواسعة. وحتى لا يستمتع نزلاء الغرف بمنظر الساحة فقد بني جدار حاجز بارتفاع مترين على بعد حوالي مترين ونصف من نوافذ تلك الغرف. وكانت كل غرفتين تشتركان بممرٍّ يفصل بينهما، فالدخول إلى أيِّ غرفة يحتاج أولاً إلى دخول الممر، ولهذا الممر باب يقفل على الدوام، فلو استطاع السجين فتح باب غرفته أو كسره لأصبح داخل الممر المقفول كذلك، ولو استطاع فتح باب الممر لأصبح في الممر المكشوف المفصول عن الساحة.

        وكان السجناء الثمانية في الغرفة الأخيرة التي لها جدار على الشارع، وليس في هذا الجدار أي نافذة أو فتحة!.

        فكّر بعض هؤلاء السجناء بحيلة يتمكنون بها من النجاة. وإذاً فليحفروا فتحة في الجدار الملاصق للشارع. ولم يكن ذلك سهلاً، فمن أين يأتون بأدوات الحفر؟ وأين يذهبون بنواتج الحفر؟، وكيف تتم العملية من غير أن ينتبه السجانون؟!.

        إنَّ نيل الحرية يحتاج إلى ثمن. وكان هذا الثمن تفكيراً ذكياً، وجهداً ودأباً على مدى عشرين يوماً، وتيقُّظاً لئلا تشعر إدارة السجن فتحبط المشروع، وتذيق طلاب الحرية مزيداً من التنكيل!.

        بدأ هؤلاء السجناء بالحرص على اقتناء ملاعق الطعام ذات الطرف المدبّب، تلك التي ينقش على مقبضتها سنبلة، وهي مصنوعة من “الكْروم”. وراحوا تدريجياً، يحفرون بها “الزريقة” أي طبقة الإسمنت التي تغطي اللبنات على الوجه الداخلي للجدار، في المنطقة التي قرروا أن يكون المخرج فيها، وهي في أسفل الجدار.

        وفي أثناء الحفر يقف أحد السجناء على الشباك لينبّه الحفارين إذا جاء أحد الحرس. وفي غير أوقات الحفر يضعون البطانيات أمام المكان المحفور، ويجلسون بجواره، ليبدو كل شيء طبيعياً.

        وكانوا يهرّبون نواتج الحفر تدريجياً كذلك، مع القمامة.

        ولما فرغوا من إزالة الزريقة عن الجزء المطلوب، شرعوا بإزالة “المونة” الإسمنتية حول اللبنة التي سيكون المخرج منها.

        وحين اكتمل العمل توقعوا أنَّ ركلة قوية ستكفي لإزاحة اللبنة إلى الخارج، ولتحدث الكوّة الكافية. ولست متأكداً أهي لبنة واحدة أم اثنتان؟!.

        وكان توقعهم صحيحاً، فقد انفتح الطريق أمامهم بعد منتصف الليل، وتسللوا الواحد تلو الآخر، حتى خرج سبعة منهم. وأما الثامن الألماني، فلم يَرَ مصلحةً له في الخروج، إذ إن إلقاء القبض عليه إذا خرج أمرٌ مؤكد، فهو لا يعرف العربية، ولا يعرف شوارع المدينة، وجواز سفره محتجز عند إدارة السجن.

        وفي الساعة السابعة صباحاً، جاء السجّان “بدري” ليعطي إشارة الإذن لنزلاء الغرفة بالخروج لقضاء الحاجة، وهو ما يسمَّى في اصطلاح هذا السجن بالخطّ!، فنادى كعادته: “واحد خطّ!” ونظر في الغرفة فلم يجد إلا الألماني، فصرخ فيه: أين رفاقك؟!.

        لم يفهم الألماني ماذا قال السجّان، لكنه أدرك أنه يسأله عن زملائه، فراح يشير بحركات متوالية من سبّابته إلى الكوة التي خرجوا منها ويقول: “فِسْتْ، فِسْتْ، فِسْتْ”. ليبيّن أنهم خرجوا الواحد تلو الآخر.

        امتلأ “بدري” بالغضب والرعب معاً!. فماذا سيكون موقف إدارة السجن، وهل ستحمله المسؤولية؟!.

        جرت تحقيقات مع السجانين، دون جدوى.

        وتمت العملية بنجاح. ولم تملك إدارة السجن إلا أن تعاقب السجناء الذين لم يهربوا، فقامت بنقلنا، نحن نزلاء الغرف الثلاث الأخرى إلى القبو، كما قاموا بحملة تفتيش مزعجة… لكننا كنّا مسرورين إذ تمكّن بعض السجناء من النجاة والحصول على حريتهم، وباءت إدارة السجن بالخزي والعار، إذ لم تنفع كل إجراءاتها في ضبط الأمور كما تريد.

ميشال أبو جودة

            إنه الصحفي اللبناني، ذو الشهرة الفائقة، صاحب العمود اليومي في جريدة النهار.

        ولكن ما شأنه هنا، ونحن نتحدث عن المعتقلات السورية، وعن جلاديها ومحققيها ونزلائها؟! والجواب: إنه حظي بضيافة الحلبوني، مدة أربع وعشرين ساعة. ولهذا قصة.

        في عام 1974، وفي أحد أيام الصيف، فيما أذكر، كان باب الغرفة الجماعية في قبو الحلبوني، أو الغرفة رقم 3، مفتوحاً، مدة نصف ساعة، حتى يتمكن نزلاء  الغرفة من الخروج إلى “الخط” لقضاء الحاجة.

        وكان هؤلاء النزلاء قد أحسُّوا بحركة تدل على مجيء نزيل جديد، وذلك قبل نحو ساعة. ولا شك أن النزيل الجديد قد أودع إحدى الزنازين! فدفعهم حب الاستطلاع للتعرف على هذا الضيف. ذهب أحدهم إلى الزنزانة التي نزل فيها الضيف، فقام الرجل الكهل متثاقلاً، لا تكاد تحمله رجلاه! وبادر هو بسؤال النزيل القديم: أين أنا؟! أجابه: كيف “أين أنا؟”.

        أعاد الضيف السؤال: في أي مكان أنا؟. قال: ألا تعرف؟ إنك في الحلبوني! قال (وحديثه كله باللهجة اللبنانية): شو هَيْدي الحلبوني؟!. قال: الحلبوني، سجن المخابرات الأشهر. قال: أين هو؟! قال: أسئلتك غريبة. إنه “الحلبوني” في وسط دمشق العاصمة! قال: أنا إذاً في سورية! قال: نعم. وهل كنت تظن نفسك في الكونغو؟!. لا شك أنَّ لك قصة عجيبة. حدِّثني بسرعة قبل أن يرانا السجّان!.

        قال: أنا الصحفي اللبناني ميشال أبو جودة، الكاتب الأول في جريدة النهار. وقد كتبت مقالات ضدَّ الحكومة السورية. واليوم، أو البارحة، لا أدري، لقد اختلطت الساعات والأيام عليّ، هجمت عليّ عصابة. الآن عرفت أنهم من عناصر المخابرات السورية. أمسكوني بقوة، بينما كنت أنزل من سيارتي، وأدخلوني في سيارتهم. وكان آخر ما أذكره أن اثنين من العصابة أمسكا بي، وكان بيد الثالث حقنة (سيرنج) وبدأ يغرسها في جسمي. ثم لم أشعر بشيء إلا أنا في هذا المكان!!!.

        انتبهت إدارة السجن إلى خطورة أن يتعرف النزلاء على الضيف العزيز. ولكن بعد فوات الأوان، ففرضت حصاراً شديداً تمنع أي واحد من الاقتراب من زنزانته، في أثناء الخروج إلى الخط، أو اقترابه هو من زنازين الآخرين في أثناء خروجه.

        في المساء، شعرنا، نحن نزلاء الغرف (التي تطل على ساحة السجن، خارج القبو) بحركة لافتة للانتباه، فقد كان عناصر الفرع يقومون بغسل ساحة السجن، وتنظيف البركة في وسط الساحة.

        وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، جاء بعض ضباط الأمن، يبدو أنهم من رتب عليا، من مديرية المخابرات العامة، ودخلوا الساحة، ثم صعدوا في المبنى الرئيس المخصص لرئيس الفرع والمحققين… ثم أُخرج الأستاذ ميشال، وعن يمينه عنصر من المخابرات، وعن يساره عنصر آخر.

        لقد أطفأنا نحن أضواء الغرفة عندنا، كي نتمكن من التسلق إلى أعلى النافذة والتفرج على المشهد، من غير أن ينتبه إلينا السجانون!.

        بطبيعة الحال، لا ندري ما الذي حدث بين هؤلاء الضباط وبين الضيف العزيز. ولكننا علمنا، في اليوم الثاني، من بعض السجّانين الأصدقاء أن صفقةً قد تمّ عقدُها: إما أن تعود إلى انتقاد “سورية الصمود” فنعود إلى خطفك، وربما تكون هي الساعات الأخيرة في حياتك، وإما أن تتعاون معنا ولكَ ما تريد!.

الملحمة النونية للقرضاوي كاملة (ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا)

أُلفتْ داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م

1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني = أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى = والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ = تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى = تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ = ما دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني = طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي = ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
8- نونية والنونُ تحلو في فمي = أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي = وتركتُ للأيامِ ما يعييني
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي = بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني = مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا = حتّى ترحمَنا على نيرونِ
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ = قد نوَّموه بخُطبة وطنينِ
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو = وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا = في لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها = قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ مُفَزَّعًا = وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ = تسمو على التصويرِ والتبيينِ
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها = بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ = فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً = وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا = فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها = وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
24- في ساحة “الحربي” حَسْبُكَ باسمِه = مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ = عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ = يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً = للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها = يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها = مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟ = لا زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ = برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى = جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ = أم تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية = أأشُكُّ في ذاتي وعينِ يقيني؟!
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما = تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ = تدعو إلى التحرير والتكوينِ
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى = وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ = وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم = كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
40- يتلقفون القادمين كأنهم = عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا = وبكل أسلوب خسيس دُونِ
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه = في عقل سقراط وأفلاطونِ
43- لا يعبأون بصالح ولو انه = في زهد عيسى أو تقى هارونِ
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم = والظهر منه تراه كالعرجونِ
45- لا يشفقون على المريض وطالما = زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ = وطئوا عمامته بكل مجونِ
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها = لكنها هانت هوان الدينِ
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ = أغرتهمو بالسب والتلعينِ
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة = لم يعبأوا بسنينه الستينِ
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله = مما يلاقي من أذى وفتونِ
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ = أم هم ملاعين بنو ملعونِ؟
52- تالله أين الآدمية منهمو = من مثل محمود ومن ياسينِ
53- من جودة أو من دياب ومصطفى = وحمادة وعطية وأمينِ
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم = لا دين فيهم غير سب الدينِ
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب = لا خوف شعب لا حمى قانونِ
56- من ظن قانونًا هناك فإنما = قانوننا هو حمزة البسيوني
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم = سموه زورًا قائدًا لسجونِ
58- وجه عبوس قمطرير حاقد = مستكبر القسمات والعرنينِ
59= في خده شجٌّ ترى مِن خلفه = نفسًا مُعقدةً وقلبَ لعينِ
60- متعطش للسوء، في الدم والغ = في الشر منقوع به معجونِ
61- هذا هو الحربي معقل ثورة = تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى = فى ضيقها وعذابها الملعونِ
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا = صورًا تذكرنا بيوم الدين!
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة = من فيض إيمان وبرد يقينِ
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا = بتخلف التصنيع والتعدين
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت = في صنعة التعذيب والتقرينِ!
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب- = في العرض والإخراج والتلوينِ!
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه = حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه = بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه = نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي = حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى = رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى = مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه = كم من كسير فيه أو مطعونِ
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا = حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر = كم من جريح عندها وطعينِ
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة = سقطوا من التعذيب والتوهينِ
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن = فن العذاب وصنعة التلقينِ
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في = حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا = أو شبه عارٍ في شتا كانونِ
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا = أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد = كم من شهيد في التلال دفينِ
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ = لا بالرصاص ولا القنا المسنونِ
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ = للقطع والتمزيق بالسكينِ
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها = جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه = فالكي بالنيران خير ضمينِ!
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر = لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها = لم يسمعوا لتأوه وأنينِ
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير = فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى = يا إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب = أحيا حياة الحر لا المسجونِ
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا = فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري = أنا عند خالقيَ الذي يهديني
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي = فملائك الرحمن لم يَدَعوني
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ = حسبي صلاتهمو بعليينِ
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه = أحظى بأجر ليس بالممنونِ
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا = جذلان كالعصفور بين غصونِ
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها = في قبضتي، ونعيمها يدعوني
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي = ما شئت فيها من حسان عِينِ
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا = في الله لا في شهوة ومجونِ
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن = يومًا على حرماته بظنينِ
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا = عني اليهود فطالما خبروني
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى= مستهترين كأنه ابن لبونِ!
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى = تل المقطم وهو غير بطينِ
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا = سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه = فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا = أن الإله يحوطهم بعيونِ
108- والليل يشهد والكواكب والثرى = وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية = أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا = قد أضحكتني مثل ما تبكيني!
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية = كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ = وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
113- إلا هواه وما يدور برأسه = من خلط سكير ورأي أفينِ
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ= يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى = قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله: = الله ربي، والحنيفة ديني!
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم = طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله = شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية = شهرت بنادقها على السكسونِ!
120- أو كان حافظ آل عمران فقد = ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى = هي غرة تزهو بأي جبينِ
122- والويل لامرئ استباح لنفسه = إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
123- سيعود للحربي يأخذ حظه = وجزاءه الأوفى من البسيوني
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة = في ساحة الحربي ذات شجونِ
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي = كانت فصول فكاهة ومجونِ
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا = داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا = ذا اليوم من طنطا إلى بسيونِ
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا= لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة! = في عسكر شاكي السلاح حصينِ
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة = وكأنه عمرو بأجنادينِ!
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع = فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
132-طابور “تكدير” ثقيل مرهق = في وقت أحلام وآن سكونِ
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا = لهب السياط شكت من التسخينِ
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا = عرق تصبب مثل فيض عيونِ
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على = ضربات صوت للعذاب مهينِ
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة = أو علة.. داسوه دوس الطينِ
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به = من فرط إعياء ومن توهينِ
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه= بالسوط من عشرين للخمسينِ
139-كل ينال نصيبه بنزاهة = في العد والإتقان والتحسينِ!
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة = ما زال صوت خطيبها يشجيني
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم = يترك لفرعون ولا قارونِ:
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا = أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو = كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو = عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة = من ذا يحاسب سلطة القانون؟!
146- متفرد في الحكم دون معقب = من ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية = أو شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي = وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له = موت بلا غسل ولا تكفينِ!
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه = أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها = وأريتَنا أفكار نابليون؟!
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا = بجهادك الدامي صلاح الدين!
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة = في الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة = كانت هي القبر الذي يئويني؟!
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى = روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة = هي في هجير الصيف مثل أتونِ
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة = متداخلين كعلبة السردينِ
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا = وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا = هي ساحة للعب والتمرينِ
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها = ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد = في الكون ما أرجوه أو يرجوني
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها = أما السماء فسقفها يعلوني
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد = أعنيه في شيء ولا يعنيني
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى = إلا من الأحلام لو تأتيني!
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها = شهرين فامتدت إلى عشرينِ
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا = عني برفق علهم عرفوني!
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت = فقدوه أم حي فيرتقبوني!
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي= فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة = قد كنت أحسبها أتتْ تحميني
170- حظي بها زنزانة صخرية = سوداء مثل قلوب من أسروني
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى = والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
172- هم كدروني لا طعام أذوقه = لاشيء من برد الشتاء يقيني
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم = دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
174- ضرب من التعذيب إلا أنه =لابد منه لسد جوع بطونِ
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى = إن الحصى فرضٌ على التعيينِ
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه = من عينه أو داله والسِّينِ!
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها = نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه = فكأنما صنعوه من غسلينِ
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما = يحلو لنا من قلة التموينِ
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه = وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
181- لو أن لي في جوفها حرية = لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة = ولغير شيء..طالما استاقوني
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها = نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
184- إن نمت توقظني السياط سريعة = فالنوم ليس يباح للمسجونِ
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى= حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا = أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا = حمل المصاحف وهي خير قرينِ
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح = جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم: = عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا = موتوا بغير توجع وأنينِ!
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما = فدعا بلطف للجنود:اسقوني
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو = كم كل مسعور عليك حرونِ
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق = يومًا بطول مآرب وشئونِ
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه = ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة = هي وصفة الثوار للمبطونِ
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها = أو ضعفها بمكان الاسبرينِ
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها = يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي = فخرت به مصر على برلينِ!
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن = آسى على الإغلاق والتأمينِ
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى = كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ = أتلوه بالترتيل والتلحينِ
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي = قلبًا بنور يقينه يهديني
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي = أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
204- لحساب من هذا الأتون مسجر = يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة = روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ = بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم = وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا = والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة = من غير سلطان عليه مبينِ؟
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا = من أوجه أو أظهر وبطونِ
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا = ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها = في يوم حرب للعدو زَبونِ
213- أم للعروبة في قضيتها التي = أغنى بها الشهداء عن تبييني
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في = أوطانه من طنجة لبكينِ؟
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا = من كل مرتقب لعون معينِ
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو = من ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها = بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟ = لحساب الاستعمار الصهيوني
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي = يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا = بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد = وبكل سعد فاتح ميمونِ
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق = يخشون تركيّا كنور الدينِ
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا = للفكر والتوجيه والتقنينِ
224- ويرون كل تكتل يدعو له = خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا = لمخطط التبشير والماسونِ
226- ليسدد الضربات في عنف إلى = أقوى بناء للدعاة متينِ
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا = أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا = ليطارد الإسلام كالمجنونِ
229- واليوم سار جمالهم في خطه = بتدرج وتخابث ملعونِ
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر = متلون يحكي أبا قلمونِ
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر = كم قد نكبت بغاشم وخئونِ
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت = مصر على عهد أغر مكينِ
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى = ويردها لتراثها الميمونِ
234-ويعيد عهد الراشدين يمده = عز الرشيد ونهضة المأمونِ
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة = كنا لها في الروع خير معينِ
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده = كالثور حين يدور في الطاحونِ
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة = كل يريد الملك غير رزينِ
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه = ملك الملوك ووارث الفرعونِ
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم = لا تجعلوا ربًّا لكم من دوني
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها = للشعب.. في توجيهها اللا ديني
241- ما بالها رجعت لنا حزبية = عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه = وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
243- صحف ومذياع وسيل دعاية = متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا = وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
245- أكداس أرقام ولست ترى لها = أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا = ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
247- ثورية هدامة شريرة = باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
248- كانت على الإسلام في أوطانه = شرًّا من السكسون واللاتينِ
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته = بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
250- ومضت تصب على الألوف عذابها = من كل ذي ثقة بهذا الدينِ
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة = لم نجنِ منها غير تل ديونِ
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت = وتقول بالتطوير والتحسينِ!
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها = صرنا وقود وطيسها المجنونِ
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى = حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة = قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟ = أين الوفاء وأهله؟ دلوني
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا = في وصفنا من يسرة ليمينِ
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم = كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
259- وعزاؤنا أن النبي فديته = بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ = أو كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية = معزولة عن قرنها العشرين!
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم = يدعوننا لنعود قبل قرون؟
263- رجعية أنا نغار لديننا = ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟! = بئس الحريم يكون غير مصونِ
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا = لله تحيا، لا لعيش دون؟!
266- رجعية أنا نربي جندنا = للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
267- رجعية أن الرسول زعيمنا = لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟! = نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
269- رجعية أن يحكم الإسلام في = شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
270- أوليس شرع الله -شرع محمد- = أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
271- يارب إن تك هذه رجعية = فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
272- قل للذي جعل الكنانة كلها = سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
273- يا أيها المغرور في سلطانه = أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا = لك دائنين فكنت شر مدينِ
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا = والذئب لم يك ساعة بأمينِ
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى = شر وحقد في الصدور دفينِ
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت = دول أولات عساكر وحصونِ
278- ستهب عاصفة تدك بناءه = دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى = والمال بالآلاف والمليونِ؟
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها = ورجالها في الهدم لا التكوينِ
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها = مع غير جون بول ولا كوهينِ
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة = وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا = تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا = جسرًا به نرقى لعليينِ
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا = ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟ = خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل = منا كحد الصارم المسنونِ
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً = فالنار في البركان ذات كمونِ!
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة = يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي = بالسوط، ضع عنقي على السكين
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة = أو نزع إيماني ونور يقيني
292- – فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي = ربي، وربي ناصري ومعيني
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي = وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي = لا بد بعد الصبر من تمكينِ
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره = وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به = إن الصعاب تهون بالتهوينِ
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا = وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
298- لا تيأسن من الزمان وأهله = وتقل مقالة قانط وحزينِ
299- شاة أسمنها لذئب غادر = يا ضيعة الإعداد والتسمينِ
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى = والله للساعين خير معينِ
301- سنعود للدنيا نطب جراحها = سنعود للتكبير والتأذينِ
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده = وستنتهي للشاطئ المأمونِ
303- بالله مجراها ومرساها فهل = تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها = وأعن على طاغوتاها الملعونِ
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى = والأمر في كاف لديك ونونِ
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم = فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها = وبكل دمع في العيون سخينِ
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه = ما بين معتقل وبين سجينِ
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها = فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي = وأغثْ بعودته جياع بنيني
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر = وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
312- يا من أحال النار حول خليله = رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا = وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
314- يا رب إنا مِثله في كُربة = فارحم عبادًا كلهم ذو النون.