الملحمة النونية للقرضاوي كاملة (ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا)
adminis
مارس 18, 2021
شعر
أُلفتْ داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م
1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني = أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى = والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ = تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى = تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ = ما دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني = طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي = ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
8- نونية والنونُ تحلو في فمي = أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي = وتركتُ للأيامِ ما يعييني
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي = بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني = مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا = حتّى ترحمَنا على نيرونِ
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ = قد نوَّموه بخُطبة وطنينِ
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو = وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا = في لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها = قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ مُفَزَّعًا = وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ = تسمو على التصويرِ والتبيينِ
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها = بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ = فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً = وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا = فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها = وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
24- في ساحة “الحربي” حَسْبُكَ باسمِه = مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ = عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ = يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً = للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها = يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها = مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟ = لا زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ = برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى = جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ = أم تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية = أأشُكُّ في ذاتي وعينِ يقيني؟!
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما = تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ = تدعو إلى التحرير والتكوينِ
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى = وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ = وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم = كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
40- يتلقفون القادمين كأنهم = عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا = وبكل أسلوب خسيس دُونِ
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه = في عقل سقراط وأفلاطونِ
43- لا يعبأون بصالح ولو انه = في زهد عيسى أو تقى هارونِ
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم = والظهر منه تراه كالعرجونِ
45- لا يشفقون على المريض وطالما = زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ = وطئوا عمامته بكل مجونِ
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها = لكنها هانت هوان الدينِ
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ = أغرتهمو بالسب والتلعينِ
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة = لم يعبأوا بسنينه الستينِ
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله = مما يلاقي من أذى وفتونِ
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ = أم هم ملاعين بنو ملعونِ؟
52- تالله أين الآدمية منهمو = من مثل محمود ومن ياسينِ
53- من جودة أو من دياب ومصطفى = وحمادة وعطية وأمينِ
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم = لا دين فيهم غير سب الدينِ
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب = لا خوف شعب لا حمى قانونِ
56- من ظن قانونًا هناك فإنما = قانوننا هو حمزة البسيوني
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم = سموه زورًا قائدًا لسجونِ
58- وجه عبوس قمطرير حاقد = مستكبر القسمات والعرنينِ
59= في خده شجٌّ ترى مِن خلفه = نفسًا مُعقدةً وقلبَ لعينِ
60- متعطش للسوء، في الدم والغ = في الشر منقوع به معجونِ
61- هذا هو الحربي معقل ثورة = تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى = فى ضيقها وعذابها الملعونِ
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا = صورًا تذكرنا بيوم الدين!
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة = من فيض إيمان وبرد يقينِ
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا = بتخلف التصنيع والتعدين
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت = في صنعة التعذيب والتقرينِ!
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب- = في العرض والإخراج والتلوينِ!
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه = حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه = بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه = نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي = حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى = رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى = مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه = كم من كسير فيه أو مطعونِ
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا = حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر = كم من جريح عندها وطعينِ
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة = سقطوا من التعذيب والتوهينِ
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن = فن العذاب وصنعة التلقينِ
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في = حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا = أو شبه عارٍ في شتا كانونِ
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا = أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد = كم من شهيد في التلال دفينِ
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ = لا بالرصاص ولا القنا المسنونِ
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ = للقطع والتمزيق بالسكينِ
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها = جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه = فالكي بالنيران خير ضمينِ!
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر = لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها = لم يسمعوا لتأوه وأنينِ
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير = فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى = يا إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب = أحيا حياة الحر لا المسجونِ
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا = فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري = أنا عند خالقيَ الذي يهديني
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي = فملائك الرحمن لم يَدَعوني
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ = حسبي صلاتهمو بعليينِ
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه = أحظى بأجر ليس بالممنونِ
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا = جذلان كالعصفور بين غصونِ
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها = في قبضتي، ونعيمها يدعوني
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي = ما شئت فيها من حسان عِينِ
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا = في الله لا في شهوة ومجونِ
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن = يومًا على حرماته بظنينِ
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا = عني اليهود فطالما خبروني
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى= مستهترين كأنه ابن لبونِ!
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى = تل المقطم وهو غير بطينِ
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا = سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه = فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا = أن الإله يحوطهم بعيونِ
108- والليل يشهد والكواكب والثرى = وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية = أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا = قد أضحكتني مثل ما تبكيني!
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية = كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ = وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
113- إلا هواه وما يدور برأسه = من خلط سكير ورأي أفينِ
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ= يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى = قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله: = الله ربي، والحنيفة ديني!
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم = طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله = شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية = شهرت بنادقها على السكسونِ!
120- أو كان حافظ آل عمران فقد = ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى = هي غرة تزهو بأي جبينِ
122- والويل لامرئ استباح لنفسه = إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
123- سيعود للحربي يأخذ حظه = وجزاءه الأوفى من البسيوني
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة = في ساحة الحربي ذات شجونِ
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي = كانت فصول فكاهة ومجونِ
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا = داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا = ذا اليوم من طنطا إلى بسيونِ
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا= لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة! = في عسكر شاكي السلاح حصينِ
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة = وكأنه عمرو بأجنادينِ!
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع = فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
132-طابور “تكدير” ثقيل مرهق = في وقت أحلام وآن سكونِ
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا = لهب السياط شكت من التسخينِ
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا = عرق تصبب مثل فيض عيونِ
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على = ضربات صوت للعذاب مهينِ
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة = أو علة.. داسوه دوس الطينِ
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به = من فرط إعياء ومن توهينِ
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه= بالسوط من عشرين للخمسينِ
139-كل ينال نصيبه بنزاهة = في العد والإتقان والتحسينِ!
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة = ما زال صوت خطيبها يشجيني
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم = يترك لفرعون ولا قارونِ:
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا = أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو = كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو = عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة = من ذا يحاسب سلطة القانون؟!
146- متفرد في الحكم دون معقب = من ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية = أو شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي = وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له = موت بلا غسل ولا تكفينِ!
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه = أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها = وأريتَنا أفكار نابليون؟!
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا = بجهادك الدامي صلاح الدين!
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة = في الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة = كانت هي القبر الذي يئويني؟!
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى = روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة = هي في هجير الصيف مثل أتونِ
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة = متداخلين كعلبة السردينِ
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا = وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا = هي ساحة للعب والتمرينِ
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها = ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد = في الكون ما أرجوه أو يرجوني
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها = أما السماء فسقفها يعلوني
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد = أعنيه في شيء ولا يعنيني
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى = إلا من الأحلام لو تأتيني!
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها = شهرين فامتدت إلى عشرينِ
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا = عني برفق علهم عرفوني!
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت = فقدوه أم حي فيرتقبوني!
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي= فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة = قد كنت أحسبها أتتْ تحميني
170- حظي بها زنزانة صخرية = سوداء مثل قلوب من أسروني
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى = والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
172- هم كدروني لا طعام أذوقه = لاشيء من برد الشتاء يقيني
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم = دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
174- ضرب من التعذيب إلا أنه =لابد منه لسد جوع بطونِ
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى = إن الحصى فرضٌ على التعيينِ
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه = من عينه أو داله والسِّينِ!
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها = نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه = فكأنما صنعوه من غسلينِ
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما = يحلو لنا من قلة التموينِ
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه = وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
181- لو أن لي في جوفها حرية = لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة = ولغير شيء..طالما استاقوني
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها = نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
184- إن نمت توقظني السياط سريعة = فالنوم ليس يباح للمسجونِ
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى= حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا = أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا = حمل المصاحف وهي خير قرينِ
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح = جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم: = عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا = موتوا بغير توجع وأنينِ!
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما = فدعا بلطف للجنود:اسقوني
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو = كم كل مسعور عليك حرونِ
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق = يومًا بطول مآرب وشئونِ
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه = ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة = هي وصفة الثوار للمبطونِ
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها = أو ضعفها بمكان الاسبرينِ
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها = يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي = فخرت به مصر على برلينِ!
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن = آسى على الإغلاق والتأمينِ
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى = كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ = أتلوه بالترتيل والتلحينِ
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي = قلبًا بنور يقينه يهديني
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي = أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
204- لحساب من هذا الأتون مسجر = يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة = روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ = بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم = وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا = والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة = من غير سلطان عليه مبينِ؟
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا = من أوجه أو أظهر وبطونِ
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا = ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها = في يوم حرب للعدو زَبونِ
213- أم للعروبة في قضيتها التي = أغنى بها الشهداء عن تبييني
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في = أوطانه من طنجة لبكينِ؟
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا = من كل مرتقب لعون معينِ
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو = من ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها = بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟ = لحساب الاستعمار الصهيوني
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي = يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا = بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد = وبكل سعد فاتح ميمونِ
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق = يخشون تركيّا كنور الدينِ
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا = للفكر والتوجيه والتقنينِ
224- ويرون كل تكتل يدعو له = خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا = لمخطط التبشير والماسونِ
226- ليسدد الضربات في عنف إلى = أقوى بناء للدعاة متينِ
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا = أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا = ليطارد الإسلام كالمجنونِ
229- واليوم سار جمالهم في خطه = بتدرج وتخابث ملعونِ
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر = متلون يحكي أبا قلمونِ
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر = كم قد نكبت بغاشم وخئونِ
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت = مصر على عهد أغر مكينِ
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى = ويردها لتراثها الميمونِ
234-ويعيد عهد الراشدين يمده = عز الرشيد ونهضة المأمونِ
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة = كنا لها في الروع خير معينِ
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده = كالثور حين يدور في الطاحونِ
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة = كل يريد الملك غير رزينِ
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه = ملك الملوك ووارث الفرعونِ
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم = لا تجعلوا ربًّا لكم من دوني
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها = للشعب.. في توجيهها اللا ديني
241- ما بالها رجعت لنا حزبية = عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه = وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
243- صحف ومذياع وسيل دعاية = متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا = وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
245- أكداس أرقام ولست ترى لها = أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا = ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
247- ثورية هدامة شريرة = باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
248- كانت على الإسلام في أوطانه = شرًّا من السكسون واللاتينِ
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته = بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
250- ومضت تصب على الألوف عذابها = من كل ذي ثقة بهذا الدينِ
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة = لم نجنِ منها غير تل ديونِ
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت = وتقول بالتطوير والتحسينِ!
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها = صرنا وقود وطيسها المجنونِ
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى = حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة = قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟ = أين الوفاء وأهله؟ دلوني
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا = في وصفنا من يسرة ليمينِ
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم = كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
259- وعزاؤنا أن النبي فديته = بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ = أو كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية = معزولة عن قرنها العشرين!
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم = يدعوننا لنعود قبل قرون؟
263- رجعية أنا نغار لديننا = ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟! = بئس الحريم يكون غير مصونِ
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا = لله تحيا، لا لعيش دون؟!
266- رجعية أنا نربي جندنا = للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
267- رجعية أن الرسول زعيمنا = لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟! = نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
269- رجعية أن يحكم الإسلام في = شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
270- أوليس شرع الله -شرع محمد- = أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
271- يارب إن تك هذه رجعية = فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
272- قل للذي جعل الكنانة كلها = سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
273- يا أيها المغرور في سلطانه = أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا = لك دائنين فكنت شر مدينِ
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا = والذئب لم يك ساعة بأمينِ
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى = شر وحقد في الصدور دفينِ
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت = دول أولات عساكر وحصونِ
278- ستهب عاصفة تدك بناءه = دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى = والمال بالآلاف والمليونِ؟
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها = ورجالها في الهدم لا التكوينِ
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها = مع غير جون بول ولا كوهينِ
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة = وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا = تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا = جسرًا به نرقى لعليينِ
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا = ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟ = خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل = منا كحد الصارم المسنونِ
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً = فالنار في البركان ذات كمونِ!
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة = يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي = بالسوط، ضع عنقي على السكين
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة = أو نزع إيماني ونور يقيني
292- – فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي = ربي، وربي ناصري ومعيني
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي = وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي = لا بد بعد الصبر من تمكينِ
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره = وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به = إن الصعاب تهون بالتهوينِ
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا = وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
298- لا تيأسن من الزمان وأهله = وتقل مقالة قانط وحزينِ
299- شاة أسمنها لذئب غادر = يا ضيعة الإعداد والتسمينِ
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى = والله للساعين خير معينِ
301- سنعود للدنيا نطب جراحها = سنعود للتكبير والتأذينِ
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده = وستنتهي للشاطئ المأمونِ
303- بالله مجراها ومرساها فهل = تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها = وأعن على طاغوتاها الملعونِ
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى = والأمر في كاف لديك ونونِ
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم = فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها = وبكل دمع في العيون سخينِ
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه = ما بين معتقل وبين سجينِ
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها = فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي = وأغثْ بعودته جياع بنيني
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر = وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
312- يا من أحال النار حول خليله = رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا = وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
314- يا رب إنا مِثله في كُربة = فارحم عبادًا كلهم ذو النون.