أرشيف يوم: مارس 23, 2021

تحميل كتاب لأنهم قالوا لا

مذكرات سجنية

منشورات موقع أدب السجون

تقديم

 الأديب الناقد الأستاذ محمد الحسناوي

الأولــى في أدب السجون .. سورية

بقلم : محمد الحسناوي

                                 ( أدب لم يزل تحت الأرض ، ولم يخرج بعد إلى النور ،وهــــو         

                                  أدب السجون . هذا الأدب لم يزل أبطاله في الغياهب المختلفة

                                  ويتوقع أن يكون له شأن لو قيّض له من يجاهدون في سبيل

                                  جمعه وتدوينه . .. ولو كنتم تعلمون مقدار الخسارة ، التـــي

                                  سيمنى بها الأدب الإسلامي خاصة ، والفكر الإسلامي عامة ،

                                 لضياع أدب السجون ، لقاتلتم بأظفاركم وأسنانكم للحصـــــول

                                 عليه أو على بعضه. فليحرص كلّ كاتب على البحث عنــــــــه

                                  والوصول إلى مظانه ، والحصول عليه ، وتوثيقه . فهــــــــذا

                                  الأدب هو الوثيقة الحقيقية الوحيدة الباقية للتاريخ ، من حياة

                                  هذا التاريخ .  

                                           محب الدين داوود – موقع رابطة أدباء الشـــــــــام –

                                                                    كلمة الافتتاحيــــــــــــــــــــــــة )

                                ( سيرشحنا المستقبل كأصحاب أكبر تراث عالمــــــي في أدب

                                 السجون .

                                         فرج بيرقدار – مقابلة مع عادل محمود – موقع الرأي )

لعل القطر السوري يحوز قصب السبق في ميدان (أدب السجون )(1) فلا تكاد تنجو من هذا الشرف / العار أسرة سورية ـ بفضل أربعين عاماً من حكم الطواريء ومحكمة أمن الدولة الاستثنائية وزوار الليل الأشاوس والغيلان المتناسلة على رأس أربعة عشر جهازاً قمعياً سوفياتياً نازياً وحكومات تأكل المواطنين ، ثم يأكل بعضها بعضاً ، كما تأكل الهرة أولادها .

يشرفني ويسعدني في الوقت نفسه أن أخط كلمات في التقديم لأول إنتاج مهندس سوري حلبي من حيّ المشارقة ، تربى في (سجون الرأي) السورية ، بعد أن نذر نفسه في سبيل الله لخدمة الناس وحب الناس ونظافة اليد والقلب واللسان .

كان يميل إلى التدين منذ نعومة أظفاره ، ويتمنى أن يتخرج في كلية الشريعة ، لكن أستاذ العربية العليم بمقتضيات العرض والطلب في سوق الحياة أقنع أهله بتوجيه الفتى إلى الدراسة العلمية ، فصار إلى (كلية الهندسة ) ، ثم إلى سجون الرأي .

ما علاقة ( الهندسة) بسجون الرأي ؟

بل ما ذنب ثلاثة أرباع الشعب السوري ليستضافوا في سجون الرأي جماعات جماعات ، وربما راح بعضهم ضحايا المجازر الجماعية .

إن اختصاصي الأدبي يخولني أن أتلمس في حروف المؤلف (الرهيبة ) دقة المهندس وصدق العالم وإيجاز الخبير . أسلوب لا يمكن إلا أن تحترمه وتعجب به ، بصدق نبرته وتعبيره عن صاحبه وعن التجربة/المأساة التي يتحدث عنها . هناك من ابتكر تسمية (الأدب التسجيلي ) ، وأزعم أن صاحب هذا السفر الملتهب صنع لنفسه أسلوباً ( فوق التسجيلي ) : من حرص على الدقة والتواضع ونثر الانطباعات والتحريضات والانتقادات نجوماً فشموساً فصواريخ عابرة للأضلاع والوجدانات والمحيطات على حدّ سواء .

من غير ما اتفاق مسبق ولا تخطيط .. يذكرني أسلوب محمد عادل فارس الموجز المكثف تكثيف العطر والحكم والأمثال .. بأسلوب الدكتور مصطفى السباعي ـ في كتابه (هكذا علمتني  الحياة) . لغة برقيات نارية .. قصراً ودفئاً واستهدافاً . أقل الفروق بين الرجلين اللذين يسطران مذكراتهما أن الفارس اختص بزبانية السجون الذين هم أذرعة السلاطين ، على حين غلب على اهتمامات السباعي التنديد بعلماء السلاطين . إنهما  سجلا تجربتهما أدباً نابضاً ، سيذكره التاريخ الوجداني للإنسان وللأمم .

محمد عادل فارس مواطن شريف (نظيف ) ، لم يحمل سكيناً ولا عصا ، يُخطف من عمله مرة ومن فراشه مرة ، ويمدد على (مشرحة ) التحقيق أياماً وشهوراً وسنين ـ وتُغرز فيه سفافيد من خيزران أو حديد أو كهرباء وشتائم ، أشدّ لذعاً من النار والحديد والصرعات الكهربائية عالية التوتر حتى يملّ الزبانية الكبار والصغار من موجات التعذيب ، فإذا ملوا منه قذفوا به إلى كهوف الظلام والعفن والحيوانية . وإذا قال لهم : هذا مخالف للدستور الذي (خيّطتموه) على قياسكم ..ضحكوا وقالوا : وهل تصدقون ما نقوله لكم في الدستور ؟ وإذا قال لهم : إن أصدقائي الطلاب الذين أعلنوا عن رأيهم المكبوت على صفحات الجدران لا يستحقون كل هذا العذاب .. قالوا له : لا دور لك فعلاً ، ولكننا كنا نريد <ضربكم> منذ زمن بعيد ، وكنا ننتظر مناسبة ، فهذه كانت المناسبة.

إذن ليست هناك علاقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم ، كما في الشريعة السمحاء وفي المجتمعات المتحضرة ، بل بين اللص والمواطن ، بين قاتل ومقتول طوال أربعين عاماً ونيّف .

انظر إلى  بقايا (الفطرة)أو الخير التي ما زالت في نفوس بعض الجلادين ، التي أشار إليها الفارس أكثر من مرة . هل نتوقع من الضحية التي لاقت الأمرين من هذه الشرائح المفترسة أن تعترف لبعضها بمواقف خيرة ؟ قد تقول : هذه أمانة علمية ، حصلت للكاتب من الدرس ( الهندسي) الموضوعي . وقد تقول : بل هي جزء من تصور محمد عادل فارس للإنسان والكون والحياة وخالق الإنسان والكون والحياة ، ذلك التصور الإسلامي الذي يعتقد أن الإنسان مفطور على الخير ، لكن شياطين الإنس والجن تجتاله فتحرفه ( ولا يجرمنّكم شنآنُ قومٍ على أن تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى) ، فالإنسان بين النفس اللوامة والنفس الأمارة بالسوء ، فليختر . وصاحب الاختيار صاحب قرار ، وصاحب القرار خطير بخطورة القرار الذي يتخذه ، فإما جنة وإما نار ، إما سعادة وإما شقاء في الدنيا والآخرة . تلك أمانة عُرضت على السماوات والأرض فأبينَ أن يحملنها ، وحملها الإنسانُ إنه كانَ ظلوماً جهولاً .

يقول الفارس : ( كان السجن لي مدرسة عرفت فيها نفسي وعرفت شرائح مختلفة من البشر: من الإخوان ، ومن الإسلاميين الآخرين – وبخاصة أعضاء حزب التحرير – ومن الفلسطينيين – من فتح والجبهة الشعبية وغيرهما – ، ومن البعثيين الذين انشق عنهم حافظ ، أقصد اليمينيين جماعة أمين الحافظ ، واليساريين جماعة صلاح جديد …. فضلاً عن أفراد من هنا وهناك ، من التنظيمات الكردية ، ومن أصحاب انتماءات مختلفة ، ومن أناس غير سوريين : عراقيين وأردنيين وبريطانيين وكنديين وإسبانيين …) .

ما هذه المدرسة التي لم توفر مواطناً سورياً ولا عربياً ولا أجنبياً ؟؟

يقول الفارس أيضاً : ( الصفة العامة لمعظم ضباط المخابرات والمحققين الذين عرفتهم ، أنهم قليلو الذكاء ، ضعيفو الضمير ، محدودو الثقافة ، جفاة الطبع ،منحدرو الأخلاق … )

فلنتصور كيف يغدو هؤلاء الأغبياء الفاسدون حكاماً لسلالة أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي وأبي فراس الحمداني .

يقول الفارس : ( دخلنا فرع المخابرات العامة هناك ، الذي يسمى <بناية العداس>أو<مدرسة نابلس>، إذ يقال : إن المبنى كان يملكه أحد الأثرياء من آل العدّاس ، وصادرته الدولة ، وجعلته مدرسة باسم ثانوية نابلس ـ ثم وجدت أن الأنفع للمجتمع أن يصير فرعاً للمخابرات ، فصار!!) .

أولاً : هل ترى معي أن تحولات هذا المبنى تعكس بشكل رمزي بسيط .. تحولات الوطن السوري بأسره من مجتمع مدني مسالم إلى سجن قمعي كبير ؟؟

ثانياً لننبش معاً بعض ما في هذه العبارات من منجزات تعبيرية تفصيلية :

يقول الفارس : ( دخلنا فرع المخابرات العامة.. ) ، والحقيقة أدخلونا مجبرين قهراً لدرجة الاستسلام والقول: نحن دخلنا…

يقول : ( يسمى …) ، والحقيقة كان يسمى …

يقول : ( وصادرته الدولة ..) ، لم يذكر سبب المصادرة ، كأن من الطبيعي أن الدولة تصادر الممتلكات الشخصية للمواطنين متى تشاء وكيف تشاء وبلا سبب قانوني….

ويقول : ( وجعلته مدرسة ) ، هذه مرحلة من مراحل (الجعل) …

ويقول : ( ثم وجدت أن من الأنفع للمجتمع أن يصير فرعاً للمخابرات ) هكذا بلا سندقانوني  .

ويقول : ( فصار!!) ، كأن الدولة (إله) أو حلت محل الإله ( تقول للشيء : كن فيكون ) ، وهذا هو جوهر الفساد في الأرض .. أن تحل الآلهة البشرية محل الإله الحقيقي العادل الرحمان الرحيم ، جبار السماوات والأرضين  . ودعك من سخرية ( الأنفع للمجتمع ) التي تعكس زيف الأقوال والشعارات الممضوغة صباح مساء . هكذا ببساطة أراحوك وأراحوا المجتمع والرقابة الشفافة والصحافة من التفكير والنقد ثم الحساب .

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

  • – انظر على سبيل التمثيل لا الحصر : دواوين (وما أنت وحدك – رقصة جديدة – في ساحة القلب – حمامة مطلقة الجناحين – تقاسيم آسيوية – خيانات اللغة والصمت) لفرج بيرقدار، وديوان مروان حديد – ومجوعة أشعار(من ذكريات الماضي) لعلي صدر الدين البيانوني، وديوان (ترانيم على أسوار تدمر) ليحيى الحاج يحيى، وديوان (القادمون الخضر) وروايتَي (نقطة انتهى التحقيق- ما لا ترونه) لسليم عبد القادر، وديوان ( الظل والحرور) لعبد الله عيسى السلامة، وديوان(في غيابة الجب) وقصص (بين القصر والقلعة) ورواية (خطوات في  الليل) لمحمد الحسناوي، وقصص (الخطو الثقيل) (الوعر الأزرق) (النحنحات) لإبراهيم  صمؤيل، وقصص جميل حتمل، وقصص (آه .. يا وطني) (تقول الحكاية) ورواية (بدر الزمان) لفاضل السباعي، ورواية (الشرنقة) (سقط سهواً) لحسيبة عبد الرحمن، ورواية (الصلصال) (طفلة من السماء) لسمر يزبك، ورواية (الفقد) للؤي حسين، ورواية (غبار الطلع) لعماد شيحة، وكتاب (التحقيق) لمحمود ترجمان، و(كتاب الخوف) لحكم البابا، ورواية (عينك على السفينة) لميّ الحافظ، وكتاب (شاهد ومشهود) لمحمد سليم حماد، وكتاب (خمس دقائق) لهبة الدباغ، وكتاب(في القاع) لخالد فاضل، و رواية نشرت في جريدة النهار لهالا الحاج ، وكتاب (النداء الأخير للحرية) لحبيب عيسى، وشريط (ابن العم) لمحمد علي الأتاسي، وشريط (قطعة الحلوى) لهالة محمد.

                                                                * كاتب سوري عضو رابطة أدباء الشام

تحميل الكتاب

تحميل كتاب السجينة رواية مليكة أوفقير

نبذة عن رواية سماء قريبة من بيتنا نبذة عن رواية يوسف يا مريم نبذة عن رواية نهاية رجل شجاع نبذة رواية مثل إيكاروس مؤلف رواية السجينة يمكن القول بأن رواية السجينة كانت ثمرة جهود مزدوجة بين كاتبتين اثنتين، صاحبة القصة الأصلية الكاتبة المغربية مليكة أوفقير ابنة الجنرال أوفقير التي ولدت عام 1953م في مراكش، وسافرت إلى فرنسا مع عائلتها بعد خروجهم من السجن بخمس سنوات في عام 1996م والتقت هناك بالكاتبة التونسية الفرنسية ميشيل فيتوسي وقصَّت عليها قصتها كاملةً، فبدأتا بالكتابة في عام 1998م، وصاغت منها ميشيل رواية باللغة الفرنسية بعنوان السجينة نُشرت في عام 1999م، وقد ترجمت إلى العربية في العام التالي، وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على ملخص رواية السجينة مع إدراج بعض الاقتباسات منها.[١] ملخص رواية السجينة تعدُّ رواية السجينة إحدى الروايات الواقعية التي تروي سيرةً شخصيةً حول قصة حياة الفتاة المغربية مليكة أوفقير، فقد عاشت مليكة في القصر الملكي منذ نعومة أظفارها، ففي الخامسة من العمر ترعرعت مع أمينة ابنة الملك محمد الخامس بعد أن تبناها وتولى رعايتها فقد كانت ابنة الجنرال أوفقير، فعاست في القصر أجمل أيام حياتها،وبعد وفاة الملك محمد الخامس تبناها أيضًا الحسن الثاني وأكمل تربيتها إلى جانب أمينة، وفي عام 1969م خرجت مليكة من القصر الملكي لتلتحق بعائلتها، ولكن والدها الجنرال يقوم بمحاولة فاشلة لاغتيال للملك ينجو منها الحسن الثاني ويُقتل أوفقير نتيجة لذلك، وتتعرض عائلة مليكة للسجن تسعة عشر عامًا تقريبًا، فتقع العائلة ضحية خلافات ومشكلات سياسية رمت بها في سجن طويل جدًّا، ولم يتم الإفراج عن العائلة، إلا في عام 1991م لتتمكن بعد ذلك من الرحيل إلى فرنسا بعد خمس سنوات.[٢] وفي ملخص رواية السجينة لا بُدّ من القول إن الرواية تدور حول مشاعر عظيمة في قاموس المشاعر الإنسانية كالخوف والجوع والحنين واليتم وغير ذلك، فحاولت مليكة أن تصف حياتها في القصر الملكي وكيف يحيا الناس فيه ويمارسون أعيادهم واحتفالاتهم، وتناولت مغامراتها في صغرها وشعورها بالغربة بعيدًا عن أسرتها، وفي النهاية طرقت جدران المعاناة في السجن بكل ما أوتيت من قوة، سجن حرمهتا وحرم عائلتها من كل حرية أو خصوصية، فكانت تشعر مليكة بأنها تيتَّمت مرتين، مرةً عندما توفي والدها، ومرةً أخرى بعد أصبح من تبناها جلادًا قاسيًا.[٢] اقتباسات من رواية السجينة بعد المرور على ملخص رواية السجينة التي طغى الجانب المأساوي والمؤلم على معظمها بسبب الظلم الذي تعرضت له عائلة مليكة أوفقير، لا بدَّ للقارئ أن يلمس تلك الأوجاع في بعض كلمات الرواية وتعابيرها العميقة، وفيما يأتي بعض الاقتباسات من الرواية:[٣] كيف لأبي أن يحاول قتلَ من ربَّاني، وكيف للأخير الذي طالما كان لي أبًا آخر أن يتحول إلى جلَّاد. إني لأرثي لكلِّ هؤلاء البشر الذين يعيشون خارج قضبان السجن ولم تتسنَّ لهم الفرصة ليعرفوا القيمة الحقيقية للحياة. كانت حياتي الداخلية في السجن، أكثر ثراء ألف مرة من حياة الآخرين، وأفكاري أكثر كثافة من أفكارهم ألف مرة، كنت أشدَّ وعيًا من الناس الأحرار، تعلمت أن أفكر في معنى الحياة والموت. ما ذنب الصغار حتى يؤاخذوا بجريمة الكبار. كل شيء يمضي ويمرُّ إلا أن يكون عدوك جزءًا لا يتجزأ منك، وتلك هي المصيبة والهزيمة.

تحميل رواية السجينة

تحميل رواية الغريبة مليكة أوفقير

تعتبر رواية “الغريبة” هى الجزء الثاني لرواية “السجينة” للكاتبة المغربية “مليكة أوفقير” تصف فيها يوم أن خرجت من السجن بعد أن اقتُطِع من حياتها عشرين عاماً في أعتى سجون الحسن الثاني، تصف رفاهية الحرية، وتحاول أن تعيد رتق ما تم اقتطاعه من عمرها، وتلصقه مرة أخرى فتنجح أحياناً وتفشل أحايين أخرى.
إنها في باريس حيث تستطيع أن تسير دون أن تنظر خلفها، وأن تمارس حرية الكلمة، وتختار طعامها، وكتابها، وتركب المترو، وتقود السيارة، وتتحدث مع رجل شرطة دون أن يرفع صوته أو سوطه وينهال على ظهرها.
تقارن بين سنوات كانت وأفراد أسرتها يتعفنون في السجن الذي أراده الملك انتقاما لروح والدها، وبين تدفق الأحلام فجأة رغم أن سنوات الحصار في الحرية كانت خمساً، وكانت أجهزة المخابرات المغربية تستجوب كل من يقترب من الأسرة، أو يصافح أحد أفرادها، أو يبتسم في وجه أحدهم.
مليكة تحمل معها عشرين عاما كانت مفقودة، وكلما استعادت مشهداً قديماً، حتى لو كان مقاسمة الحشرات والفئران لهم كسرات الخبز التي كانوا يدفنونها تحت الأرض خشية مصادرتها، يصطدم المشهد بعالم الحرية، ويختلط الأمر عليها فلا تفرق بين السجن الحقيقي والسجن الكبير.
هي لا تصدق أنها يمكن أن تستدعي الشرطة لموقف أو لحمايتها فقد تعلمت أن الشرطة هي التي تستدعي الأشخاص، وأن الحديث مع رجل الأمن له أصوله وقواعده، والنظرات المتراخية، وأحيانا تقليد المتذللين والمساكين والخائفين فهي الطريقة الأكثر أمناً لتجنب غضب رجال السلطة.
في “الغريبة” تكتب “مليكة أوفقير” بقلمها أو بقلبها أو بمرارة ذكرياتها، وتتحول إلى حكمة متحركة ساخرة للحياة ومن الحياة، لكن آلامها التي تجترها تصيب كلها كبد الطغاة، وتغرس أنيابها في وجوههم القبيحة.
في “الغريبة” تحاول أن تصف الحرية، ولكن ماذا عن الشخص الذي لم يعايش تجربة مثلها، هل هو قادر على الاستمتاع بالعالم خارج السجن؟
في “الغريبة” تدين مليكة الطاغية الذي سرق من عمرها وأعمار أفراد أسرتها عقدين من الزمان، لكن خلف الحديث عن الحرية يختفي شيء رهيب.

خمس دقائق وحسب” تسع سنوات في سجون سورية الحلقة الأولى

المعتقلات السوريات في صفحات من القهر

خمس دقائق وحسب

كانت ليلة الاربعاء الحادي والثلاثين من ديسمبر عام 1985 ليلة بالغة البرودة في دمشق . . وفيما هجع أكثر أهل البيت وغبن في عالم الأحلام ، كنت وقد دنا منتصف الليل لا أزال أطارد السطور المتراقصة على كتاب الفقه وأجهد في استيعاب المعلومات استعدادا لامتحان اخر السنة صباح الغد . . والنعاس والبرد واغراءات الفراش الوثير تطاردني بدورها وتشتت قدرتي على التركيز بين الحين والحين . . لكن هواجس أشد كانت تصرفني عن ذلك كله ، ومخاوف تنبعث من أعماقي بلا وضوح تجذبني هنا وهناك . . وتدفعني لاسترجاع صور الأيام الماضية وسجل ذكرياتي بشيء من القلق والرهبة والتوتر . . كانت أموري في كلية الشريعة طوال العام على ما يرام . . أو لعلها كانت كذلك حتى أنهيت الفصل الأول وعدت إلى حماة مدينتي أزور أسرتي وأقضي فترة العطلة بين الأهل والأحباب . . فخلال ذلك فاجأتني والدتي بطلب من أخي صفوان يلح علي وعليها أن أترك الدراسة وحتى البلد وأذهب إلى عمان عاصمة الأردن حيث يقيم منذ شهور هربا من ملاحقة الحكومة له بتهمة الإنتساب إلى تنظيم الإخوان المسلمين ونقلت أمي رحمها الله عن صفوان عندما التقته بنفسها هناك في عمان مخاوف تنتابه من أن يقوم رجال الأمن باعتقالي نيابة أو رهينة عنه . . لكنني لم أجد في نفسي مبررا لإجابته ، ولا عهدت في حياتي احتمالات كتلك ، فاعتذرت لأمي . . وأكملت إجازتي كالمعتاد . . وعدت إلى دمشق ثانية مع ابتداء الفصل الثاني . . لأستأجر مع عدد من البنات نفس الشقة التي اخترناها في الفصل الأول في حي البرامكة . .

وأستأنف دوام الجامعة من جديد ، وكدت أنسى الأمر كله لولا أن التوتر الأمني بدأ يتصاعد من حولنا ، ومظاهر المسلحين وحواجز التفتيش التي اعتدنا مشاهدتها خلال الشهور الماضية في حماة بدأت تظهر في العاصمة دمشق ، لتمتد إلى محيط الحرم الجامعي نفسه . . ويفاجؤنا عناصر الأمن على باب الكلية يطلبون البطاقات ويدققون في الأسماء . . وتنتشر الهمسات وتسري الإشاعات عن اعتقال فلان وقتل اخر واشتباك وعراك . . وما لبث الأمر أن زاد إلى العلانية . . وصار سماع رشقات الرصاص وانفجارات القنابل أمرا شبه يومي في دمشق . . وبلاغات الإذاعة وواجهات الصحف الرسمية ما عادت تكف عن أحاديث القبض على ” المجرمين ” ومداهمة “أوكارهم ” وملاحقة عناصرهم هنا وهناك . . وفي زحمة ذلك كله . . وقد امتد التوتر إلى كل نخس وسرى الرعب في كل قلب . . بدأت أحس حركة غير طبيعية بالقرب مني أنا !


الله بيعين !

كنت على سبيل المثال قبل يومين قد اصطحبت صديقتي المقربة وزميلتي في الكلية ماجدة ل . إلى سوق الحميدية لنشتري هدية ملائمة لعمتي المريضة ، فشعرت وكأن ثمة من يتبعنا من محل إلى محل ومن شارع إلى آخر . . فلما ركبنا الباص إلى “الخيم ” حيث تسكن عمتي تأكدت أن الشخص نفسه قد ركب وراءنا فتملكني الخوف جدا . . وهمست وأنا لا أكاد أقدر على تحريك شفتي بمخاوفي لماجدة . . فتبسمت وقالت : أنت موهومة وحسب ! وصباح هذا اليوم . . وعندما كنت أدخل الكلية كالعادة استوقفني عناصر الأمن فأخذوا بطاقة هويتي ودققوا فيها كما يفعلون كل يوم ثم أعادوها . . لكنني ولما انتهت المحاضرات وقفلت راجعة إلى البيت مع ماجدة شعرت ثانية وكأن أحدا ما يلحق بنا . . فلما أخبرتها بما أحس عادت فأكدت لي أنني موهومة . . وأن الأمور كلها طبيعية من حولنا ولا داعي للقلق .

لكن القلق ها هو لا يزال يتملكني . . وسكون الليل البارد كأنما يزيده فيه ويؤججه . . ولم يطل الأمر بي أكثر من ذلك بعد ذاك . . فخبطة أبواب السيارات المفاجىء في الشارع أسفل منا . . والجلبة التي تميز وصول رجال المخابرات مكانا ما ، كانت كافية لتطرد كل وهم عن ذهني ، وتدفعني وقد حسبت أن مداهمة جديدة أو اعتقالا لأحد المطلوبين سوف يشهده الحي الذي نحن فيه . . تدفعني لأهرع إلى النافذة أشع الخبر وأستجلي الحقيقة ، لكنني لم أكد أبلغها حتى بلغ مسمعي طرق على باب بيتنا أشد ما يكون . .

وبينا كنت ألقي نظرة خاطفة من النافذة فألمح عددا أصعب من أن أحصيه ساعتها من سيارات المخابرات تملأ الشارع . . أتاني الصوت على باب البيت يصيح : إذا لم تفتحوا فسنكسر القفل بالرصاص ! وبحركة آلية تناولت غطاء صلاتي فوضعته على رأسي وركضت باتجاه الباب بادئ الأمر . . لكنني لم أعرف ما أفعل ! أأفتح لهم والبنات كلهن نائمات ؟ أصابني الإضطراب بالحيرة . . ثم وجدتني أهرع إلى فاطمة أكبرنا سنا وهي معلمة تشاطرنا السكن ، فأيقظتها أولا وأنا أقول لها بلا وعي : -هيا . . كأن المخابرات أتوا عليك ! ثم لمح في خيالي أن شريكة أخرى في البيت معنا اسمها سوسن س .

(خريجة كلية طب الأسنان وتكمل سنتها التدريبة في دمشق ) قد نفذوا حكم الإعدام بأخيها صباح اليوم في سجن تدمر كما بلغها وأبلغتنا ، فظننت أنهم إنما أتوا من أجلها . . خلال ذلك كان رجال المخابرات قد بدأوا بخلع الباب والضرب عليه بالبواريد ، فأسرعت فاطمة إلى حجابها فوضعته على رأسها وفتحت لهم . . ودخلوا يا لطيف ! شيء غير معقول ! قفز واحد منهم إلى السقيفة فورا يفتشها . . واندفع اخر إلى الشباك . . وثالث في المطبخ . . ورابع . . وعاشر . . ولم نجد إلا أحدهم يقتحم الغرفة علينا ، وما أن رأى مصحفا معلقا على الجدار حتى انتزعه ورماه على الأرض وصار يدوسه بقدميه كالمهووس . . فيما راح اخرون ينبشون أمتعتنا وينقبون كل زاوية في خزائننا ونحن لا نكاد نستوعب لماذا أو ما الذي كانوا عنه يبحثون ! وفي غمرة المفاجأة سمعت واحدا منهم يصيح من الصالة : -وهيبة دباغ . فتقدمت وكأنني ألج كابوسا مرعبا بالرغم عني وقلت له : ما عندنا هذا الإسم.

لكن قلبي انقطع من الرعب ، وتأكدت ساعتها أنهم أتوا علي . . فقال لهم رئيس المجموعة : -أرجعوا كل واحدة إلى غرفتها وفتشوا الهويات .

فامتثلنا للطلب . . ودخلنا غرفنا ونحن نرتعد . . وتقدم عنصر مني وكأنه عسكري في الخدمة – ليفحص هويتي ، فلما نظر إلى اسمي فيها ثم إلى وجهي اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال بتأثر وهو يبكي : -أنت بنت بلدي . . والله يعين .

سألته : لماذا ؟هل هناك شيء ! أجاب : الله بيصبر . . ماذا يمكن أن تفعلي ؟ الله بيعينك . سألته وكأنني أهوي في بئر مظلم : لماذا ؟ هل أتوا من أجلي ؟ قال وهو يشيح بناظريه عني : نعم . . وذهب وأعطى الهوية لرئيس الدورية الذي كان ينادي “وهيبة دباغ ” . . فنظر هذا إلي بحنق وقال : – بتقولي بكل عين وقحة أنه لا يوجد لديكم هذا الإسم ! والتفت إلى عنصر اخر وقال له : – خذها إلى غرفة لوحدها وفتشها جيدا


قهوه . . أم شاي !

أخذني العنصر إلى غرفة ثانية وأخذ واحدة أخرى من البنات وقال لها : فتشيها.. قلت له : ماذا يمكن أن تجد معي ؟ لقد فتشوا البيت كله وفتشونا منذ أن دخلوا . . لكن صوت رئيس الدورية كان يغطي على صوتي المرتجف وهو يتحدث باللاسلكي مع شخص اخر سمعته يقول له : أحضروها . فقال لي : هيا ارتدي ملابسك. ستذهبي معنا خمس دقائق وحسب

لبست جلبابي فوق غطاء صلاتي ، وكانت معي بعض النقود فأردت أن أعطيها لصديقاتي ، فقال لي : لا . . دعيهم معك فربما تحتاجينهم .

قلت وقد بدأت أستعيد بعض توازني : لن يلزموا لي ، أنت تقول خمس دقائق فكيف سأحتاجهم ؟ لكنه عاد وأكد أنني سأحتاجهم ، فلم أكترث بما قال ، ودفعت النقود لإحدى البنات بقربي ، فيما وجدتهم يدفعونني إلى الخارج ورئيس الدورية يقول لأ حد العناصر : -أمسكها من يدها . كان الدرج معتما والكهرباء مقطوعة فما رضيت أن يمسك لي يدي . قال : هذا أمر . قلت له : كلبشني ولا تمسك يدي .

فتركني أنزل حتى باب البناية ليعود فيدفعني نحو باب سيارة كأنما هي غول فتح فاه ينتظر افتراسي ! وسمعت أحدا يسأل باللاسلكي من جديد: من معها في الغرفة ؟ أجاب : فلانة وفلانة. قال : أحضروهم معها . فصعد ثانية وأحضر شريكتي في الغرفة ماجدة وملك غ .

ولم تلبث السيارة أن تحركت وسط جمع من رجال المخابرات انتشروا على طول الشارع ، وأطلت سياراتهم المرعبة من كل زاوية ومفرق طريق . . وفي غمضة عين وجدنا أنفسنا قرب ملعب تشرين بالعباسية في فرع المنطقة المسمى “السادات “. . وهناك أدخلونا إلى غرفة مملوءة بأجهزة كهربائية فيها أضواء كثيرة حمر وخضر تشتعل وتنطفئ باستمرار كأنها أجهزة اتصالات أو لاسلكي . . وما أن جلسنا حتى سألنا أحد العناصر الموجودين فيها: -ماذا تشربون . . قهوة أم شاي ؟

ولما لم ننبس من خوفنا ببنت شفة تطوع بالإجابة عنا وقال : – ساتي لكم بقهوة مرة لتصحوا رأسكم . . وذهب فأحضر فنجانا لكل منا وجلس يراقبنا ، فلما لاحظ أننا لا ندنيها من أفواهنا سأل : – لماذا لا تشربين ؟ هيا صحي رأسك . . الساعة الآن الثانية وأنت نعسانة بالتأكيد . قلت وشفتاي ترتجفان : أنا أشرب . قال : لا . . أنا شايفك .

قلت له : وهل تراقبني ؟ لا أشتهيها الآن . قال بسخرية : لازم تشربي ليصحى رأسك وتعرفي تحكي جيدا . كففت عن الكلام . . وأدنيت الفنجان من فمي وتظاهرت بالشرب . . وكنت أعود فأدنيه ثم أعيده وجسمي كله يرتجف . . وأنا لا أدري ما الذي يمكن أن يحدث في اللحظات التالية !


إلى التحقيق !

لم يطل المقام بي في الغرفة الأولى كثيرا فما هي إلا دقائق حتى سمعت مناديا يهتف باسمي ، وسرعان ما اقتادني عنصر اخر إلى مكتب رئيس الفرع نفسه ، وهو كما علمت بعدها ابن أخت رئيس الدولة واسمه معين ناصيف .

دخلت هناك فوجدت رجلا عيناه جاحظتان وحمراوان كالدم ، يرتدي “جلابية” شفافة ورقيقة ويلف رجلا على رجل فتنكشف ساقاه من تحتها بشكل مقزز . اجلسي هنا . قالها لي بلهجة بادية الخشونة وأضاف قبل أن أبلغ الكرسي الذي يتوسط الغرفة فيكشفني من كل جانب : أنت منظمة أليس كذلك ؟ قلت : لا.

قال : إذا فما علاقتك بالإخوان ؟ قلت : لا توجد لي أي علاقة بهم . قال وقد.بدأ يتململ في كرسيه : وإذا فكيف تقومين بتوزيع كل مجلات النذير ؟ ثم هذه الرسالة من أين أخرجناها ولمحت بين أصبعيه ورقة صغيرة عرفت أنها الرسالة التي كان أخي صفوان قد كتبها قبل مغادرته سورية كتوصية بأبي عندما ذهب الأخير مع شقيقي الأكبر إلى عمان للعلاج هناك بعدما أصابه مرض انحلال الدم إثر ملاحقة صفوان حزنا وخوفا عليه ، ولكن مسؤولي الحدود أعادوهم وقتها لأن أخي لم يكن قد أدى خدمته الإلزامية ، وأحببت أن أحتفظ بالرسالة كذكرى من أخي . . فلما فتشوا البيت عثروا عليها وكان مكتوب فيها “حامل هذه الرسالة هو والد أحد المجاهدين فاعتبروها شيئا كبيرا ، وجعل رئيسى الفرع يقرأ لي منها بسخرية ويقول : – والد أحد المجاهدين أليس كذلك أبوك هذا عامل نفسه إشتراكي وهو من زعماء الإخوان . . لكن أنا بعرف أفرجيه . . والله لأعمل جسده مصفاية ! وظلت هذه العبارة محفورة في ذاكرتي حتى سمعت عن أحداث حماة بعد سنوات . . وعلمت أنهم عذبوا أبي أشد العذاب قبل أن يرشوه أكثر من مرة ، حتى صار جسده كالمصفاة بالفعل !


وضاع الدليل !

أنا لست منظمة ولا من الإخوان . قلتها وقد سرت القشعريرة في جسدي خوفا على أبي وعلى نفسي . قال : وماذا عن الرسالة ؟ قلت : لا أعرف . . ربما نسيها أحد هناك أو وضعها لي أحد . وكأنما أراد أن يلج إلى غايته من مدخل اخر ، فجعل يقلب الملف الذي بين يديه وسأل : من تعرفين من أصدقاء أخيك ؟ – لا أحد . . لم أر أخي من زمن ولا علاقة لي بأصدقائه ؟ قال وقد اشعت عيناه : وماذا عن عبد الكريم رجب ؟ قلت : من هذا . . لا أعرفه . فعاد إلى الصراخ من جديد وصاح بي : إذا فلن تعترفي أنك منظمة .

قلت : لا . .أنالست منظمة فكيف أعترف بذلك ؟ فتناول “شحاطته ” من قدمه ورماني بها ، لكنني تنحيت برأسي قليلا فتجاوزتني وأصابت الكاتب ورائي . . فقال وهو يشتمني : – وتقولين أنك لست من الإخوان . . هذه التصرفات كلها تصرفات إخوان ! ثم عاد يتحدث عن الرسالة ويلوح بها أمام وجهي . . ولم يلبث أن غادر الغرفة لبرهة فظننت أنه ذهب ليأتي بجلاد أو أحد ما ليعذبني ، فلما عاد أراد كأنما أن يريني الرسالة أو يستخدمها من جديد ، فجعل يقلب بين مجموعة أوراق كانوا قد أخرجوها من سلة المهملات ببيتنا ، وقاموا بكيها وتلصيقها جميعا أملا في أن يجدوا بينها دليل إدانة ضدي ، فلما لم يجد الرسالة سأل الكاتب ورائي : – هل دخل الغرفة أحد ؟ أجاب الكاتب بانتباه : لا سيدي .

قال له : هل تحركت هذه ال . . من مكانها ؟ هل غادرت أنت الغرفة؟ أجابه ثانية : لا . فجعل يقلب وينقب أمامه وحوله وبين يديه فلم يجد شيئا . . وضاعت الرسالة أين . . لا أدري ! فازداد التآمه وعلا صراخه ، وجعل يهددني بعبارات بذيئة ويقول : – رفيقتك هنا في الملف أمامي اعترفت بأنك منظمة ، وإذا لم تعترفي بنفسك فلدينا مايجعلك تفعلين ! قلت له وقد جرحتني الكلمات البذيئة واستفزني التهديد : مهما كان لديكم من وسائل فأنا لست منظمة . . وسأبقى أقول أنا لست منظمه


سجل الاتهام

أخرجوني من غرفة التحقيق إلى غرفة كالأولى التي استقبلتنا مملوءة بأجهزة مشابهة كلها أضواء ملونة دائمة الوميض . . وأخذوا صديقتي ماجدة إلى غرفة رئيس الفرع . . ولم أكد ألتقط أنفاسي حتى عادوا فنادوني وأخذوني إليه من جديد ، لأجد قائمة بالإتهامات تنتظرني تكفي أن توزع على ثلاثة رجال أنت متهمة بأنك منظمة : توزعين مجلة النذير ، وتعطين دروسا لسيد قطب في مساجد دمشق ،وقمت بشراء بيت للتنظيم ، ونقلت سيارة ذخيرة فيها جهاز إعلامي بنفق في منطقة المهاجرين . . وهناك اعتراف ثابت من واحدة من صديقاتك بكل ذلك . . ورفيقتك هذه متأكدة تماما من كل المعلومات وهي تعرفك جيدا ودرستك وعاشرتك ولا تكذب أبدا .

هي كاذبة ، وأنا ليست لي علاقة بما قالت ولم أفعل أي شيء أو أشارك بأي مما ذكرت . قلت ذلك وقد بدأت الأمور تتضح في ذهني بعض الشيء ، واستطعت من ثنايا كلامه أن أدرك أن شخصا بعينه قد نقل هذه الوشايات لهم وملأ ملفي بكل هذه الأكاذيب . . الشخص الذي طالما كنت أسمع تحذيرات عنه رغم أن عيناي لم ترياه طوال حياتي . . إنه عبد الكريم رجب : جاسوس المخابرات والمتعامل معهم من داخل صفوف الإخوان . . أو دسيستهم داخل الصفوف ! تشجعت لهذا الذي وصلت إليه ، وأدركت أنها تهم رخيصة أراد أن يملأ بها الصفحات وحسب ، وازددت إحساسا مع كل الظروف بالثقة . . فلم أجب تهديدات المحقق رئيس الفرع وهو يكرر علي من جديد : -إذا لم تعترفي يا . . . فلدينا ما يجعلك تعترفين !


في انتظار الإعدام !

إلى الغرفة الغامضة أعادني عنصر من المخابرات بأمر من المحقق ، ولم يلبث وأن أحضر رفيقتي ملك لتنضم إلي ، وكانت المسكينة في أيامها الأولى بدمشق وفي أول سنة لها بالكلية معي ، فلم تكن تعرف لا عن البلد ولا من الأشخاص أحدا غيري . . وبعد أن أودعانا تحت رقابة العنصر في الغرفة أخذوا ماجدة وبدأوا معها التحقيق . . فلما انتهى دورها عاد فطلبني وقد مض من الليل أكثره وأعاد نفس الكلام علي : –

رفيقتك الأولى يقصد عبد الكريم رجب اعترفت عليك اعترافا أوليا ، وهذه ماجدة اعترفت الان بنفس الكلام ، وقالت بأنك منظمة ومسلحة وقمت بأعمال كثيرة للتنظيم وتوزعين مجلة النذير . . ومن غير أن ينتظر جوابا مني أمر عنصرا فأخرجني من الغرفة واقتادني إلى الممر ثم وجهني باتجاه الجدار وأمرني أن أرفع يدي وإحدى رجلي إلى أعلى . . فقلت في نفسي : خلاص . . ها هم أكملوا صياغة التهمة لي . . والان سيرشوني أو يعدموني !

وما هي إلا برهة حتى وجدت رفيقتي ملك بجانبي يأمرها العنصر أن تفعل مثلي ، فازداد إحساسي أنهم سوف يرشوننا لا ريب ، ولم أعد أحس ساعتها بنفسي . . كان كل شعوري مركزا حول النهاية التي دنت . . وكيف ستكون : رشا من الخلف أم إعداما بالمشنقة أم ماذا ؟ وكأنني وقد تملكني الشعور بتحقق المنية استجمعت بقايا جلدي والتفت “بحلاوة الروح ” إلى العنصر المكلف بمراقبتنا فسألته : – لماذا أوقفتمونا بهذا الوضع . . ما الذي فعلناه ؟ قال بلا مبالاة : أنتم تعرفون ماذا فعلتم . قلت : تقصد أنهم سيعدموننا ! أجاب هازئا : لا . . هل تظنين الإعدام يأتي بهذه السرعة والسهولة !


إلى الفلق !

مرت نصف ساعة أو ربما أكثر ، فالوقت في مثل هذا الموقف لا معنى له . . أدخلونني بعدها على غرفة الأجهزة وأمروني أن أجلس فجلست . . ولم يلبثوا أن أحضروا ملك فأجلسوها على كنبة أمامي في مواجهة الباب الذي كان مفتوحا بعض الشيء ، فما كادت المسكينة تلامس الكنبة حتى نامت . . ولم تعد تحس بشيء . . وأنا أكاد من توتري أتقطع ، وصوت ماجدة في غرفة التحقيق يبلغ أذني مرة ويغيب مرة . . فلا أدري ماذا تقول ولا أعلم أي نوع من العذاب الآن تنال . . وألتفت إلى ملك وأهمس وبودي أن أصيح لتسمع : -ملك . . ملك . . حاولي فقط أن تنظري من طرف الباب وتعلمي ما الذي يجري . . . ولكنها في غفوتها لا تجيب ! وظلت على هذه الحال حتى الصباح أراقبها وأحاول أن أحادثها ولا فائدة ، وأنا على أعصابي لا أستطيع حتى أن أستقر على الكرسي تحتي ، وقد اجتمع علي النعاس والتعب والخوف معا . . وبين كل فينة وأخرى عنصر قادم وأخر عائد . . هذا يلقي سؤالا بلا معنى واخر يكتفي بالنظر والتبسم . . حتى أطل أحدهم مع إطلالة الصباح يسأل : – هل تريدون أن تفطروا ؟ ألم تجوعوا؟ قلت له :لا. قال : ماذا تشربين ؟ أجبت : لا شيء . . شكرا .

قال : سأتي لك بكأس شاي تصحين به رأسك . وذهب فأحضر الكأس ووضعه أمامي ، ولكنني لم أستطع من توتري وتعبي أن أدنيه من شفتي . . وعندما بلغت الساعة الثامنة دخلوا من جديد فأيقظوا ملك ، وأخرجونا إلى تحقيق جديد في القبو هذه المرة ، وبينما هم ينزلوننا درجات السلم قلت هامسة لملك : – اخ . . الان سيأخذوننا إلى الفلق لا محالة ! فانتفضت المسكينة تقول : لا تقولينها ! قلت : ومن الذي قال لك أن تنامي طوال الليل ؟ لماذا لم تسمعي ماذا قالوا لماجدة ؟ كنا استفدنا بعض الشيء أو فهمنا ما الذي سيحدث .


أنا . . ضد الوطن !

عبر ممر كئيب في القبو أخذوني إلى غرفة أخرى للتحقيق وجدت في صدارتها وجها جديدا هو الرائد تركي . . أجلسني على طرف سرير عسكري في طرف الغرفة وجعل على مدى نصف ساعة تقريبا يعيد تلاوة نفس الاتهامات علي بشكل سؤال وجواب ، ويدونها في سجل معه . كنت من تعبي وإرهاقي لا أستطيع متابعة كلامه أو حتى فتح عيني . . فكنت أكبو قليلا ثم أنتبه فأشد نفسي . . وعندما كان يبلغني صوته الأجش بعربيته الثقيلة أحس وكأن أمعائي توشك أن تخرج كلها من فمي . . فلما انتهى كان أملي الوحيد في كل الدنيا وقتها أن أجد ولو بلاطة ألقي عليها جسمي المنهك وأنام . . لكن العنصر عاد واقتادني عبر الممر نفسه إلى غرفة أخرى في القبو وجدت فيها ضابطا اخر برتبة رائد استقبلني من فوره بعبارات بذيئة وكلام قذر . . واللهجة العلوية واضحة عليه . . واستمر حوالي الساعة يسمعني العبارات ذاتها : – أنت من الإخوان . . وأنت منظمة اعترف الجميع عليك . . وأنت قمت بأعمال كثيرة تضر بالوطن ولا تستحقين أقل من عقوبة اللإعدام . . كان كلامه أقرب إلى شريط تسجيل منه إلى الحديث . . يعيده بحرفيته ويكرره فلا أميز انتهاء المقطع من بداية مقطع جديد إلا من اختلاف الشتيمة أو تغير عبارات السخرية والإستفزاز . . ووجدتني وكأنما تحول رأسي إلى جرس كبير يقرع هذا الرجل عليه كل لحظة بكلماته فيرتج ولا يستقر . . وتتكرر فيه العبارات فيزداد اهتزازا وضجيجا : – الجميع اعترف عليك . . الجميع اعترف عليك . . أنت منظمة . . ضد الوطن . . إلى الإعدام . . إلى الإعدام . . إلى الإعدام ! وكأنما غبت عن الوجود اخر الأمر ، فما وجدتني إلا وعنصر اخر يدخل الغرفة وملك وماجدة في طرف اخر منها ويسأل : – ألم تجوعوا يا بنات ؟ قلناله : لا ،لم نجع . فرد بلهجة ذات مغزى : الآن سنطعمكم فروجا مشويا على أية حال ! قلت له وقد فهمت أنه يقصد التعذيب : نحن بغنى عن طعامكم .

جذبنا نحن الثلاثة ، ووجدتهم يقتادوننا عبر الممر نفسه فالسلم حتى بوابة الفرع ، ولما سألته وقد دب في القلق من جديد : – إلى أين ؟ قال : الان سترون .

أصعدونا في سيارة عسكرية نحن الثلاثة قبالة بعضنا البعض ، وصعد عنصران مسلحان وراءنا ، ولم تلبث السيارة أن انطلقت بسرعة مجنونة كأنما تريد أن تقفز فوق بقية السيارات التي كانت تخلي لها الطريق من بعيد ، وأمامنا سيارة أخرى تطلق الصفير المدوي ، وثالثة من خلفنا للحماية أو المراقبة . . ولم نكد نبدأ مع انعطافات السيارة العنيفة في الصعود والهبوط حتى تملك ملك الدوار وأخذت في الإستفراغ ، فملأت السيارة من مخلفات جوفها ، وجعلتنا ونحن في حالتنا المبكية نكاد نختنق ، فأملنا رأسها للوراء باتجاه الباب الخلفي بين العنصرين ، فجعلت تكمل تقيؤها بينهما طوال الطريق ، من فرع التحقيق العسكري بالعباسيين إلى سجن أمن الدولة بكفر سوسة.

تحميل كتاب الضيوف (عشرون عاما في سجون الحسن الثاني) – رؤوف أوفقير

رؤوف أوفقير، الابن الأكبر للجنرال محمد أوفقير الذي قتل إثر محاولة انقلاب ضد الملك الحسن الثاني. ألقي به مع أمه وأخواته الأربع وأخوه الأصغر في السجن عام 1972، و استمر هذا السجن حتى العام 1991، بعد عملية فرار يائسة.

“لم يكن السجن هو الأسوأ بين ما عانيته من آلام وعذابات فظيعة، بل هو التفكير الدائم بأننا لا نعرف متى سينتهي هذا العذاب”.

إنها حكاية حقيقية مدهشة عن مواجهة أقسى أنواع الوحشية والانتصار عليها: “كانت السنوات لـ19 من الاعتقال الوحشي التي أمضيناها، عائلتي وأنا، فظيعة، ولكنها مليئة بالدروس والعبر أيضاً.

كان عمر رؤوف أوفقير 15 عاماً حين ألقي به في السجن، وكان يعرف جزءاً كبيراً من كواليس ومؤامرات السلطة، وهذا جانب مهم يميز هذا الكتاب إذ يتحدث فيه أوفقير عن مرحلة عاشها من هذه الصراعات، وخاصة قضية بن بركة والانقلابات على الحسن الثاني

قضى رؤوف عشر سنين في زنزانة انفرادية حيث لم يكن مسموحا له لقاء أهله. مرت العائلة بالعديد من الأحداث الصعبة فبعد أن كانت مقربة من الملك أصبحت ضيفا ثقيلا حتى أن الرباط لم يرمش لها جفن حين بدأت محاولات الانتحار الجماعي بين ضيوف الملك و هكذا قررت العائلة الهروب من الجحيم بأي ثمن.

رؤوف أوفقير، الابن الأكبر للجنرال محمد أوفقير الذي قتل إثر محاولة انقلاب ضد الملك الحسن الثاني. ألقي به مع أمه وأخواته الأربع وأخوه الأصغر في السجن عام 1972، و استمر هذا السجن حتى العام 1991، بعد عملية فرار يائسة. لم يكن السجن هو الأسوأ بين ما عانيته من آلام وعذابات فظيعة، بل هو التفكير الدائم بأننا لا نعرف متى سينتهي هذا العذاب”.

إنها حكاية حقيقية مدهشة عن مواجهة أقسى أنواع الوحشية والانتصار عليها: “كانت السنوات لـ19 من الاعتقال الوحشي التي أمضيناها، عائلتي وأنا، فظيعة، ولكنها مليئة بالدروس والعبر أيضاً. كان عمر رؤوف أوفقير 15 عاماً حين ألقي به في السجن، وكان يعرف جزءاً كبيراً من كواليس ومؤامرات السلطة، وهذا جانب مهم يميز هذا الكتاب إذ يتحدث فيه أوفقير عن مرحلة عاشها من هذه الصراعات، وخاصة قضية بن بركة والانقلابات على الحسن الثاني.