Monthly Archives: مارس 2021

قراءة في كتاب

(تلك العتمة الباهرة)

المعلومات العامة:

  • اسم الكتاب: تلك العتمة الباهرة.
  • اسم المؤلف: الطاهر بن جلّون.
  • دار النشر: دار الساقي.
  • عدد الصفحات: 288.

التعليق والمناقشة:

فرغت من كتاب (تلك العتمة الباهرة) وهي شهادة تاريخية صاغها الروائي الفرنكفوني “الطاهر بن جلّون” على لسان المعتقل السابق في سجن تزمامارت عزيز بنبين.

وقد فاز هذا المؤلف بجائزة (امباك دبلن الأدبية) في سنة 2004 على هذا الكتاب.

وهذا الكتاب يصنف من أدب السجون. وقد كُتِبَ بالفرنسية وهذا يُنبئك بقوة ودقة مترجمه “بسام حجار” الذي قد يجعلك تظن أن الكتاب أُلف بالعربية أصلاً.

وتقريبًا جميع كتب سجن تزمامارت قد كُتبت بالفرنسية، ومن ثمَّ تُرجمت الى العربية، ككتاب محمد الرايس (من الصخيرات الى تزمامارت: تذكرة ذهاب وإياب الى الجحيم) وقد ترجمه عبد الحميد جماهيري، وكتاب (تزمامارت: الزنزانة رقم 10) لأحمد المرزوقي وقام المؤلف نفسه بترجمته الى العربية في وقت لاحق ونُشر ضمن مطبوعات (المركز الثقافي العربي).

وقد كُتب على غلاف الكتاب (رواية)؛ وقد جرت العادةً هذه الأيام، بتسمية بعض الكتب الأدبية في السير الذاتية داخل السجون بـ(رواية) رغم أن الرواية فيما أصطلح البعض على تعريفها “هي القصة القائمة على الأحداث الخيالية لا الواقعية الحقيقة”. فربما أستخدام مصطلح الرواية قد يكون لأسباب تجارية لا واقعية.

والكتاب لا يصلح لأن يكون مدخلًا لقضية تزمامارات، بل يصلح لأن يكون مُلحقًا؛ لان المؤلف لم يكن معنياً بشرح أحداث انقلاب الصخيرات في 10 يوليو 1971م، بل تكلم عن الأحداث وكأن القارئ لديه خلفية عن هذا الحدث. وكذلك المؤلف هنا لم يكن كتابه توثيقي مَعني في المقام الأول بذكر كل شاردة وواردة مثل كتاب أحمد المرزوقي، بل كان كتاب أدبي يتكلم عن أحداث تأريخية فيمزج هذا مع ذاك، فلم يذكر كل الأحداث ولا كل التفاصيل. فالتأملات الأدبية البلاغية أخذت حيزاً قد تزعج القارئ الذي يقرأ بنفس المؤرخ.

وتكمن أهمية هذا الكتاب -فيما أرى- أنه الكتاب العربي الوحيد الذي يتكلم عن احداث العنبر «ب» الأشد بؤساً واما كتاب المرزوقي والرايس فهي عن أحداث العنبر «أ» فكاد تكون الشهادة الحية الوحيدة لما حصل في هذا العنبر.

باختصار الكتاب يتحدث عن معتقل تزمامارت الذي أُنشئ على خلفية انقلاب فاشل ضد ملك المغرب في منتصف السبعينيات من قبل أفراد وضباط مدرسة أهرمومو العسكرية، الذين دخلوا على القصر الملكي والملك يحتفل بعيد ميلاده الثاني والأربعين وكان لديه ضيوف من أعيان البلاد ودبلوماسيين وكبار رجال الأعمال وبعض المشاهير! فبدأ اطلاق النار من أجل اغتيال الملك وعلى إثر ذلك قتل الكثير من هؤلاء المدعوين، وأستطاع الملك في نهاية المطاف في أن ينجو بنفسه وأن يقلب الطاولة على الانقلابيين وأن يُفشل انقلابهم، فأدى هذا في نهاية المطاف الى محاكمات عسكرية ادت الى اعدام رؤوس الإنقلاب وسجن الضباط والجنود، الذي كان أكثرهم لا يعلم بشأن الانقلاب وإنما أُخبر بأن هنالك مناورة عسكرية، وهذا ما جعل البعض يرمي سلاحه عندما راى المجزرة تحصل، بل أدعى بعضهم –مثل المرزوقي- أنه أنقذ ولي العهد آنذاك والذي أصبح ملكاً فيما بعد “محمد السادس”، ولكن إثر ذلك الفوضى تعذر فضل المشاركين في اطلاق النار عن الذين امتنعوا عن ذلك، فأخذ الكل بجريرة البعض.

فأراد الملك أن يجعل منهم عبرة، فأنشئ لهم سجناً صحراوياً في شرق المغرب، ثم وضعهم فيه وكانت الأوامر من الملك هي قتلهم ببطئ شديد وجعلهم يعانون أشد المعاناة، فأختفى ذكرهم عن الناس، وأصبح من المحرمات الكلام عنهم في أول الأمر، وبدأوا يتساقطون الواحد تلو الآخر، إلى أن انتهت محنتهم في مطلع التسعينيات.

***

امتاز هذا المعتقل بالظلمة وعدم دخول النور إليه، لذلك عنون المؤلف اسم الكتاب بـ(العتمة)، فكانوا لا يرون النور إلا بعد وفاة أحد السجناء، فيضطر الحراس لأخراجهم من العنبر من أجل الدفان، ولكن توقف الحراس فيما بعد عن إخراجهم للدفن، فانقطع النور تماماً عنهم.

كان الطعام خبزٌ يابس وماء وشاي أو قهوة التي كان يقول المؤلف عنها أنها من الممكن أن تكون بولًا!

هذا الطعام مع امتداد الوقت أصبح أداة قتل بطيئة. فأدت هذه الظروف بالاضافة الى نشوء الأمراض نشوئاً طبيعياً بسبب الوضع اللا صحي بالاضافة الى الحالة النفسية نظراً للظروف التي وضعوا فيها الى جنون بعضهم ووفاته أو وفاته مباشرةً. لذلك تساقطوا تدريجياً من 22 معتقل في العنبر «ب» الى 4 ناجين فقط!

***

الكتاب موضوعي الى حدٍ كبير، بمعنى أنه ذكر الكثير من الأمور التي قد لا يبنغي ذكرها، والتي فيها إدانة حقيقيةً لنفسه مثلًا، كتسببه في وفاة أحد المعتقلين مثلاً، وكذلك طرق موت السجناء والتي كان الكثير منها مخزٍ الى حدٍ كبير، وكذلك الكلام عن والده. فكان سقف المؤلف عالياً وبدى وكأنه لا شيء يمكن التحفظ عليه.

أما مواضيع الكتاب الرئيسية فقد تمثلت بعرض نمط الحياة في السجن قرابة الـ 20 سنة.

كيف يمكن يقضون وقتهم؟ أثر الطعام والشراب عليهم؟ من ماتوا كيف ماتوا؟ شخصيات المعتقلين، كيف كانوا قبل المعتقل ودورهم في المعتقل وكيف استطاع الراوي استغلال وقته وما هي الأمور التي فعلها والتي مدت من عمره ولم يهلك مع الهالكين.

مثلًا تكلم عن شخصية سجين معهم اسمه “عشّار” ومثل هذه الشخصيات هي التي تجعل السجن سجنين والهم همين، هي الشخصية الحقودة التي لا تراعي ظروف المعتقل ولا ظروف المعتقلين، فتبدأ باثارة الفتن وتسعير الخلافات والحنق على أي شخص لأي شيء ايجابي يحصل له! ولو كان هذا الشيء تافهاً.

هذه الشخصية وإن كانت لئيمة الا انها اضفت نوع من الفكاهة على السرد.

وتكلم عن نمط حياة جنود مدرسة أهرمومو العسكرية والتي يظهر من خلالها نوع التنشئة الفاسدة التي ينشؤون العسكر عليها؛ والتي تخلو من أي مظهر من مظاهر الدين إلا ما كان ذاتياً، فلم يكن هؤلاء الجنود من مرتادي المساجد بل كانوا من مرتادي بيوت الدعارة، وكانوا لا يعرفون شيء عن الدين بل كان بعضهم يشتم الدين، وبعض هؤلاء الجنود لم يحفظ الفاتحة إلا في المعتقل، وياليته حفظها بسرعة بل يقول المؤلف أنه حفظها بعد أشهر من المحاولات!

وتكلم المؤلف عن الجنون الذي بدأ يُصيب المعتقلين –وهم ليسوا قلة بالمناسبة-، وبدأ يضع فلسفة تُعنى بمقاومة الجنون في المعتقل، وهي عدم الاتكاء على غريزة البقاء من أجل النجاة بل بالتخلي عن أي تعلق بالخارج يؤدي الى تقطع المعتقل تدريجياً لهفتة وشوقاً تؤديان في النهاية الى اصابته بالاحباط وخيبة العمل والتي هي القنطرة الى الجنون ثم الموت بعدها. فهو يقول: “أنا قد نسيت نفسي واستطعت أن اتجاوز ذكرياتي فلم تبقى تلك الذكريات تعذبني في كل حين الى أن تقضي علي من الداخل” .

وفي بسط لهذه الفلسفة تذكرت رجلين من رجالات الإسلام، أولهما الشيخ عمر عبد الرحمن –تقبله الله- وهو يذكر أسباب مقاومته للجنون أو الأمراض العقلية كما في وصيته: (ولولا تلاوة القرآن؛ لمسني كثير من الأمراض النفسية والعقلية)، فلحفظ القرآن منافع متعددة، وهذه من أحدها.

وقد حدثت أن أحد المشايخ المحدثين المعروفين قد سُحر في السجن، ورمي في الانفرادي حتى لا يساعده أحد، ولأنه كان يحفظ القرآن عن ظهر قلب لم يحتج الى أحد واستطاع أن يعالج نفسه بنفسه. ولو لم يكن حافظاً لتردت أحواله من سيء الى أسوء.

والشخص الثاني وهو الشيخ المحدث المعروف سليمان العلوان وهو يقول في شريط [الثبات على الحق]: (بعض الناس إذا سُجن قال: ربي أخرجني! غلط بل قل: ربي ثبتني، فكم شخص سُجن وخرج صار منحلًا عن عقيدته منحرفًا ضالًا زنديقًا أو فاسقًا أو عارًا على أهل الحق, سل الله الثبات ولا حرج أن تسأل بعد ذلك المخرج).

أحياناً الرغبة في الخروج من المعتقل تكون طغاية الى درجة الوقوع في الميكافيلية التي تقوم على أن الغاية تبرر الوسيلة، فتكون فاتورة خروجه من المعتقل هو التخلي عن الحق هذا إن لم يكن ضده.

وفي هذه الحالة كما نرى أن الرغبة الجامحة في الخروج وعدم التكيف هذا الواقع الجديد، أدت الى نفاذ صبر الكثيرين مما ادى الى اضطراب عقولهم وجنونهم ووفاتهم في النهاية.

كذلك أظهر المؤلف أن الإنسان حتى لو جرد من الأدوات التي يحتاجها للمعرفة، فإن بطول التأمل والتجربة في ظروف بدائية قد تجعله يصل الى بعض هذه المعارف التي يحتاجها.

وبما أن الحاجة أم الاختراع أو كما قال المؤلف: (فقد أعتبرت نفسي كمن أُعيد الى عصر الكهوف فينبغي عليه أن يعاود اختراع كل شيء بأدواتٍ أقل من قليلة).

فأبسط الأشياء يُصنع منها أمور مهمة، فكانت القطعة الحديدة الموجودة في طرف عصا المكنسة هي أداة الحلاقة لهم، فقد انتزعوها من المكنسة وجعلوها مسطحة وسنوها بواسطة حجر خشن ثم حلقوا ذقونهم بها!

وأما التأمل الذي جعلهم يعرفون أحوال الخارج، فهو استقرار عصفور بقرب عنبرهم، ثم لاحظوا تغريداته إن كانت على نسق معين فهي تعني أن هذا الشيء قد حصل، فأصبحوا يعرفون موعد تبديل المناوبة وأحوال الطقس كل هذا بعد تأملات شهور في نسق تغريدة العصفور.

وكذا يعرفون علامات الموت من خلال صوت توعك أحدهم أو صوت أحد الطيور الذي اسموه بالخَبَل.

وهذا ذكرني بقصة ابن طفيل (حي بن يقظان) والتي عاش فيها الأنسان البدائي في جزيرة نائية من خلال التجارب والتأمل أستطاع أن يطوع الكثير من الأشياء البدائية لصالحه.

وثم تكلم صاحب القصة عن أمر أنا أتفق معه فيه، وهو قوله: (أختلط علي الأمر. قتل الملك! ولكن لصالح من؟ لكي يستبدل بطغمة عسكرية؟ جنرالات كولونيلات، يتقاسمون السلطة وثروة البلاد؟ وبمرور الوقت، فكرت ملياً: لحسن الحظ أننا أخفقنا. أو بالأحرى: لحسن الحظ أنهم أخفقوا! فمن يدري قدر المرارات التي كنا سنتجرعها على يدِ دكتاتورية عسكرية أركانها القمندان أو المعاون عطا! إني أعرفهم جيداً، وأعرف جيداً ما أقول!).

وهذا لا يعني بحال أن النظم الملكية الدكتاتورية نظم مثالية بل فيها من الطغيان والإستبداد والعمالة ما فيها، إلا أنها أهون من النظم العسكرية، بل البعض أصبح يترحم على النظم الملكية عندما جرب جمهوريات العسكر!

كما قال أحمد رائف في كتابه (البوابة السوداء – ص252): (وفي الحقيقة بدأت مأساة الإخوان بضرب يوسف القرش في قصر عابدين حيث كان يقيم الخديوي إسماعيل رحمه الله وطيب ثراه هو وأباؤه وأبناؤه الكرام البررة، إذا قارنا طغيانهم بطغيان من جاءوا بعدهم).

كما أن الإشكاليات الموجودة في النظم الملكية ترى العسكر يتكئون عليها لتبربر انقلاباتهم، من ذلك صور البذخ وسوء التدبير الموجود لدى الأسر الحاكمة، ولكن بمجرد ما يتم الإنقلاب إلا وتراهم يمارسون ذات الفعل، ويصدق المثل القائل: كأنك يابو زيد ما غزيت!

يتكلم حبيب سويدية صاحب كتاب (الحرب القذرة – ص44) مثلًا عن نظام الجنرالات في الجزائر فيقول: (وفي تلك الفترة –فترة الشاذلي بن جديد- كانت تُقلع طائرات عسكرية بصورة منتظمة من بوفارق، لحمل زوجات كبار المسؤولين ومستخدميهم الى باريس وبالما ومدريد وروما من أجل التسوق .. ممارسات مستمرة حتى اليوم!).

فهذا الأسلوب لا يختلف عن نمط العوائل البرجوازية في النظم الملكية.

دراسة جميع هذه الظواهر، كما دراسة تاريخ عالمنا العربي؛ تجعلنا نتبصر بطريقة لا شك فيها، فمشكلة النظم الملكية المستبدة لا تُعالج بالجمهورية العسكرية، وهذا كمن يحاول أن يزيل النجاسة فيزيدها نجسًا. ويزيد الطين بله.

ختاماً: مثلت أقصوصة (تلك العتمة الباهرة) انموذجاً لصراع الجبابرة على الحكم، ومدى أثره على الخاسر في هذا الصراع، أظهر نموذجاً حسياً للإنسان المقاوم بأبسط الأدوات بدائية الموت ومقدماته، أظهر كيف أن الإنسان ذلك الظاهرة المعجزة التي لا تقولب في إطر محددة سلفًا كما قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه (الفلسفية المادية وتفكيك الإنسان)، وأظهرت جزءًا ظل مخفياً من تاريخ المغرب السياسي، ظل طي الكتمان لفترة طويلة، وكان هذا الكتاب من الشهادات القلة القليلة حول ذلك الحدث.

يستفيد المسلم من هذا الحدث الكثير من الأمور:

– “المُلك عقيم”، فالرجل يقتل أباه أو أخاه على الكرسي، فكيف بالغريب الأجنبي، الذي من أطراف البلاد ولا قيمة معنوية له ولن يثأر له أحد! فأي صراع على السلطة إن دخله الشخص فليتوقع أن يحصل له مثل ما حصل للمعتقلين في سجن تازمامارت. أي صراع وجودي يستنفذ كل طرف طاقته في إفناء الطرف الآخر وإن تمكن منه لن يرحمه.

– أن النظم الجمهورية العسكرية، ليست أحسن حال من النظم الملكية، بل هي أسوء، وأن أغلب التجارب -إن لم تكن كلها- رفع العسكر فيها شعارات في مواجهة الملكية لم يطبقوها عندما وصلوا الحكم بل صار الحال أسوء من قبل، وقد قيل: ” المجرب لا يجرب”.

– أن الصمود في المعتقل وفي ظل الظروف الصعبة يحتاج الى أساليب وأدوات جزء كبير منها يحصلها الشخص قبل البلاء؛ وتحتاج قبل ذلك كله تعويد النفس على الصبر وطول النفس، وقبل ذلك كله التقرب الى الله وتحويل المعتقل الى فرصة مثالية لتصليح النفس ومكان للعبادة، فكانت هذه العبادات كما أظهر صاحب القصة سببًا في ثبات عدد غير قليل حتى ممن ماتوا، على الأقل ماتوا بسبب أمراضهم ولم يموتوا بسبب فقدانهم لعقولهم.

–  (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) ولكن أحياناً يؤيد هذا الدين بالرجل الكافر! وهذا واضح في القرآن والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: (وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ) فالرهط هنا من حموا شعيب من الرجم، وهؤلاء الرهط هم من أهل الإشراك كما قال الشنقيطي في تفسير أضواء البيان: (بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن نبيه شعيبا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار). وكذلك حماية أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك ومات على الشرك. ولو رأيت قصة (تلك العتمة الباهرة) ترى أن من كان سببًا في التخفيف من كربتهم كان حارساً تعاطف معهم حميةً؛ لأن أحد المعتقلين من نفس قبيلته، فأصبح يهرب الرسائل التي يستخدمها المعتقلين ويوضحون فيها أحوالهم وظروف سجنهم؛ فيوصلها أهلهم الى المنظمات الدولية التي تشحن حملات ممنهجة ضد حكومة المغرب، وأدى هذا في النهاية الى تخفيف الضغط وتحسن الأحوال. فلا تستغرب أيها المسلم في سجنك إن وجدت من يريد نصرتك من الطرف المعادي لقاسم مشترك بينكما كالقبيلة أو العشيرة، ولا يستنكف الشخص عن استغلال هذه الفرص بحجّة أن الطرف الآخر عدو، بل يستغلها ويستخدمها لصالحه كما استخدمها الأنبياء لصالحهم من قبلهم.

– إن أصحاب القضية الإسلامية في المغرب وغيرها من أقطار العالم العربي، لهم تجارب تقارب بشاعتها ما حصل في (تلك العتمة الباهرة) وعليهم أن يبقوا قضاياهم ويخترقوا سياج (الروايات) للوصول الى أكبر عدد من القراء، فالكتب التأريخية لا يقرأها إلا المهتمين بالتأريخ، ولكن الروايات التأريخية يقرأها قراء الروايات ومحبي التأريخ، فأنت تستهدف هنا شريحتين، خصوصاً أن جيل الشباب اليوم يَغلب عليه قراءة الرواية.

هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 يناير 2020 م – 6 جمادى الأولى 1441 هـ

المصدر مدونة احمد حمدان

أدب السجون.. إضاءات داخل العتمة

الصورة:

إبداعات فريدة الملمح، تغرف من مخزون قلم هو مزيج نفثات وخطرات وآهات، مجبولة بترنيمات عوالم الروح الغارقة في التأمل وبمفردات التجربة المريرة..

هكذا يوصف بعض النقاد والمحللين ماهية الأعمال الروائية التي كتبها مثقفون كثر، يوما ما، بينما كانوا يقبعون خلف قضبان السجن، إذ سجلوا فيها ومعها، أروع نماذج تجاربهم، ومن بينهم صنع الله إبراهيم،الذي قال في أحد حواراته، إنه غير نادم على الفترة التي قضاها في السجن، بل يرى أنه مدين إليها كونها أتاحت له القدرة على التفكير بصفاء، ومراقبة البشر والتعرف إلى سلوكهم.. فهل حقا، يُمكن القول إن تجربة السجن لدى الكاتب، نبع خصب، كونه يستفيد من زخمها، وينجح في ترويضها وتشكيلها؟

لا يتردد روائيون كثر، عايشوا واختبروا تجربة السجن، في التأكيد ضمن أحاديثهم، على انهم يحنون إلى ذكرى فترة السنوات التي قضوها في السجن، ونجدهم يروون سيرا وحكايا لا تنتهي، عن دورها في صقل مستوى خبراتهم، ومدهم بأدوات ومهارات الرواية المتقنة، المحاكية روح الواقع، وكذا النضح من عمق الوجدان الانساني.

هزيمة السجان

تعرضت نخبة من الكتاب والمفكرين والأدباء، إلى ألوان القهر والظلم، من خلال السجن، سعياً إلى كسر حدة أقلامها وتأطير رؤاها، ومنعها من التعبير عن الوجدان المجتمعي بجرأة وشفافية، ومن بين أبرز الأسماء في هذا الصدد: صنع الله إبراهيم، جمال الغيطاني، مصطفى أمين، عبد الرحمن الأبنودي. إذ ذاق هؤلاء مرارات الاعتقال والحبس.

لكنهم انتصروا، في النهاية، على سجانهم عبر تحويلهم تلك المواقع خلف القضبان، إلى مرتع فكر وتأمل، بل وزوادة ثرية المكونات، تحصن تجربتهم الإبداعية، فتهزم توليفة القهر والكبت، لتحول الظلام فضاءات نور توقد جذوتها بقوة، فتشع كاشفة غوامض وخبايا الحياة خارج السجن، معززين إيمانهم، خلالها، بقدرة الكلمة الحرة على مواجهة الظلم، والتصدي لطغيان الحاكم المستبد.

«عريان بين الذئاب»

تحكي الأديبة سلوى بكر، عن رأيها في شأن سمات وتاريخ « أدب السجون»، مبينة أنه ظاهرة أدبية قديمة، إذ إن وجود القهر الإنساني والاستعباد، دائما ما كانا السبب في وجود هذا النوع من الأدب. وتشير سلوى إلى أن أول من كتب عن أدب السجون في مصر، هو محمد شكري الخرباوي، وقدم كتابا بعنوان: «55 يوما في مخبأ».

وتضيف: «إن من أبرز الكتاب الذين مروا بهذه التجربة، أيضا، الروائي صنع الله إبراهيم الذي عبّر عن تجربة سجنه، من خلال رواية «تلك الرائحة».. كما أن الاديب الراحل عباس محمود العقاد، تعرض للسجن، بتهمة سب الذات الإلهية. ونجد أن بعض المناضلين، وليس الكتّاب فقط، خلقت فيهم تجربة السجن، الرغبة في الإمساك بالقلم؛ لتسجيل التجربة التي مرّوا بها، ومن بين هؤلاء فخري لبيب، الذي عبّر عن سجنه، من خلال كتاب (عريان بين الذئاب).

وتستعرض سلوى بكر، قيمة أدب السجون، لافتة إلى انه يسجل معاناة الإنسان في زمن ما، وداخل السياق التاريخي الخاص بهذا الزمن، حتى لا ننسى، وموضحة أنه أدب يمثل ظاهرة في مجتمعاتنا العربية، تتعلق بالقمع السياسي، وواصفة هذا الأدب بأنه أدب مؤلم ويضغط على الروح. كما تتحدث عن تجربة اعتقالها: «تعرّضت للاعتقال مع مجموعة من المثقفين والصحافيين، بتهمة محاولة قلب نظام الحكم، وتحريض العمال على الإضراب، خلال حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك..

وعلى الرغم من أن تجربة اعتقالي لم تستمر سوى 15 يوما، قضيتها في سجن القناطر، فإنها كانت غنية، إذ التقيت بالسجينات ووجدتهن في صورة وهيئة سببت لي صدمة بالغة, إذ رأيت جانبا لم أشاهده من قبل، في المجتمع المصري،باعتباره بعيدا عن الأضواء، ولا يُرى في الحياة اليومية العادية، وهو ما دفعني إلى الكتابة عن المسجونات كضحايا، وعن أشكال التمييز الموجودة في المجتمع، فكانت كتابة أدبية بعيدة عن السجن السياسي، كما كتبت أيضا رواية لتبيّان حقيقة أن القمع السياسي لا يستجيب من الوهلة الأولى».

حكاية ثلاثة مقالات

يؤكد صلاح عيسى أن أدب السجون، نموذج لأصدق الكتابات التي يكتبها صاحبها، فهو ناتج عن معاناة حقيقية، يحياها مؤلفها ولا يستطيع أن يعبّر عنها، إلا من خلال الورقة والقلم، ليصوّر معاناته داخل السجن.

ويروي عيسى حكايته مع أدب السجون فيقول: «في عام 1966، نشرت ثلاث مقالات في إحدى المجلات اللبنانية، تحت عنون «ثورة 23 يوليو بين المسير والمصير»، وبعدها أمر الرئيس جمال عبد الناصر، باعتقالي، بتهمة الإساءة إلى الثورة ولشخصه، ووضع العيب في النظام الاشتراكي.

وذلك رغم أن قصدي لم يكن أبدا الإساءة إلى الثورة أو إلى شخص الرئيس الراحل، بل كان لتوضيح الوضع السياسي غير الديمقراطي، الذي كانت تعانيه مصر.. وأود أن أشير هنا، إلى أنني، وفي الفترة نفسها، كنت منضويا في إطار تنظيم تنظيم سياسي سري».

ويتابع عيسى، ساردا ملامح وجوانب ما مر به، أثناء تلك الفترة: «نقلت إلى سجن الاستجواب الموجود في سجن القلعة، والذي تنفصل فيه كل علاقة للإنسان بالعالم الخارجي، فلا صحف ولا مذياع ولا أهل أو أصدقاء، وبقيت على تلك الحال، حتى نقلت إلى سجن طرة، فبدأ يحدث الاختلاط بيني وبين المساجين اليساريين والإسلاميين..

وكان الحصول على الكتب، من ضمن الصعوبات التي تواجهنا؛ ذلك بفعل تشديد إدارة السجن على عدم دخول أي أوراق أو كتب إلى المساجين، وكان الحل الوحيد أمامنا، التحايل على إدارة السجن، بزعم أننا نريد إعادة التقدم إلى امتحانات الشهادة الثانوية العامة، بغرض تحسين المجموع الكلي، وبهذا الإجراء كنا نستطيع إدخال الكتب إلى السجن».

صالونات ثقافية «سجنية»

وعن طبيعة قراءاته، وكيفية إثرائها مخزونه الإبداعي، يقول عيسى: “بدأت أكتب في السجن بعد أن تزودت بقراءات مهمة لكتب تاريخية وسياسية متنوعة، وكنا اعتدنا، نحن السجناء، إقامة فعاليات صالونات ثقافية في السجن، واستمرت هذه النشاطات، إلى أن خرجت منه.. ولكن سرعان ما عدت إليه، مرة أخرى، بتهمة توزيع المنشورات في التظاهرة الطلابية التي خرجت، احتجاجا.

وتعبيرا عن الغضب الشعبي لنكسة 1967، فعندها غضب عبد الناصر، وأقسم أنني لن أخرج من السجن طوال الفترة التي يكون فيها على قيد الحياة، فاتخذت من القلم والورقة خنجرا لأقتل به الهزيمة، ونشرت 15 مقالاً .. تحت اسم مستعار في جريدة (المساء)، وألفت 72 رواية ومجموعة قصص قصيرة، جمعتها في كتاب :

(بيان مشترك ضد الزمن)، إلى أن توفي ناصر، وخرجت من السجن متمنيا أن نحيا عصرا ديمقراطيا مختلفا عن ذي قبل، ولكني وجدت أن الوضع لم يتغير كثيرا في عهد السادات، واعتقلت شهورا عديدة، إلى أن أتى عهد الرئيس مبارك، فقرّرت التفرغ التام للصحافة والبحث التاريخي».

«أصعب المراحل»

تصف الكاتبة فريدة النقاش، رئيسة تحرير صحيفة الأهالي، فترة اعتقالها، بأنها من أصعب المراحل التي مرّت بها في حياتها، ففي الوقت نفسه، كان زوجها رهن الاعتقال، وتوفي أخوها أثناء اعتقالها، مؤكدة أنه لم يهوّن عليها الأمر، إلا إيمانها بالإصلاح الذي كانت تسعى إليه، مشيرة إلى أنه في المرة الاولى التي سُجنت فيها، كان معها 24 امرأة، ومن بينهن الكاتبات: نوال السعداوي ولطيفة الزيات وأمينة رشيد”.

وتلفت فريدة إلى أنه، ولكثرة اعتقالها، كانت حقيبة السجن لديها، جاهزة دائما، إلا أنها، ورغم هذا، لم تنقطع عن القراءة طوال فترات الاعتقال، وخاصة قراءاتها المعميقة في مجال التاريخ المصري والسياسي عموما. وتختار هنا الاشارة الى تجربة محددة في ما تعرضت إليه من اعتقالات، إذ انها سجنت عقب قرارات سبتمبر الأسود، ووضعت في عنبر يطلق عليه اسم:

(عنبر الجرب)، فتعرفت فيه على صوت الفنانة عزة بلبع، والتي كانت تغني مع الشيخ إمام عيسى، ثم اعتادت، حينها، هي وزميلاتها، على تنظيم برنامج ثقافي، يشارك الجميع فيه، فيجري النقاش عبره، حول كتاب أو موقف ما.

وتتابع: “أردت تخليد هذه الذكرى وتلك التجربة، فألفت كتاب (السجن دمعتان.. ووردة)، كتبت فيه ما أضحكني وما أبكاني”.

خيوط الظلام

يتطرق الكاتب التونسي سمير ساسي، الى تجربة سجنه، على أساس ما أفادته به من إنضاج لخبراته، وصقل لإمكاناته، ويوضح أنه بقي مسجونا لأكثر من عشر سنوات، بينا كان في مقتبل العمر، وذلك بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مصرح لها.

ويضيف: “كنت في ذلك الوقت، ضمن الفريق الطلابي التابع لجمعية النهضة.. ونجحت، فعليا، في الانتصار على السجن، لأنني لم أدعه يهزمني، فحركت جذوة الإبداع في مكنوناتي، وصقلت معارفي وخبراتي، ومن ثم كتبت وانا في السجن، رواية “خيوط الظلام” التي تفضح السجون التونسية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، حيث وصفت من خلال هذه الرواية، أصناف التعذيب التي تتم ضد المسجونين”.

ويبين ساسي، إلى أن فترة التسعينيات من القرن الماضي، شهدت تعرّض الكثير من المثقفين والناشطين التونسيين، إلى السجن السياسي، ويسترسل: “كان أمامي خياران؛ إما الرضا بما يعرضه الجلاد أو الصبر، والصبر أيضا كان نوعين، إما السلبي منه أو الإيجابي، فاخترت النوع الثاني.

وهو الصبر الإيجابي الذي قرّرت أن أحوّله إلى صبر جميل وإبداع جمالي، وحاولت أن أعبّر عن تجربة السجن في البداية من خلال الشعر، ولكن لم تستطع القصائد أن تحكي بعمق عن هول ما رأيت، فكان الحل الأمثل عن طريق الرواية، وبذا خرجت “خيوط الظلام”.

ويختم الروائي التونسي مؤكدا على أن هذه التجربة، لا تزال محفورة في وجدانه، ولا يمكن نسيانها، فالإنسان لا يستطيع أن ينسى كرامته التي أهينت، فما كان خلالها، أشياء لا يمكن محوها من الذاكرة، إلا انها، لا يجب ان تكون عائقا أمام استمرار الحياة، بل حافزا على العطاء.

المصدر البيان

ينام الليل وأبقى أنا زكرياء بوغرارة

طال  نوم الليل  بهذي الروابي وهذي الشقوق

ينام الليل وأبقى أنا مستفيق

ينام  طويلا على حافة قهر

وأبقى أنا أرقب دمي المهراق

يسيل يسيل كقارورق عطر

تريق الشذى  وتنثر  العبق في هذا الطريق

ينام الليل  وأبقى أنا…..

قلقا موحشا

لا أستريح

فمتى ؟؟؟؟

تنتفض يا رفيق

متى تستفيق؟؟؟

قبلما يستفيق الليل الأسود

الذي ينام ملئ أجفانه  ..

 وأبقى انا مستفيق

على أمل في هطول المطر

على عجل لإطفاء الحريق

2

جاء الظلام كالموت الزئام

والليل ينام

وأبقى أنا أرقب من ثقوب الدجى

أملا

ربما

حلما

ربما

في السكون السحيق العميق

ينام الليل ملئ أجفانه

يراقص هدبيه على فراش وثير

وأبقى أنا قلقا موحشا صدئا

كشمعة  او ل قطرة تسكبها …

دمعة لاشتعال الحريق

3

لعل الليل الذي ينام قرير العين

بعد مؤامراته في الخفاء

يحوكها بمكر الدهاء

ليظل الظلام يلفنا

في هذا الطريق الطويل السحيق

قد جفاني الكرى عندما نام الليل البهيم

وبقيت أنا موقدا..

كوهج جمرات الحريق

مقرفصا في الظلام

 في ليالي جمرنا

بعمق أقبية الزنازن الموحشة

أرقب طلائع فجر ينبثق

معلنا من أفق قد بدا

انبعاث الشروق….

سجن سلا  المحلي 2 اقبية العزلة حي هاء  المنفردة رقم 3

صيف2015

تحرير

رواية ليالي كرداسة الحلقة الخامسة المهندس أنور رياض

(5) قرأ الشيخ المريض .. الإمام المرشد .. الأوراق في عناية شديدة .. ثم سألها فجأة

هل تثقين في عبد الفتاح إسماعيل ؟

قالت في ثقة :

– لو رأيته فضيلتك … لوثقت به قبل أن تبادله التحية … شاب عليه مهابة الشيوخ .

– هذا واضح في كتابته … اسمعي يا حاجة زينب … طريق المجاهدين لا يفرش بالورد … هذه المحنة لن يجتازها من يأخذ بالرخصة … وإنما هي في حاجة إلي أولي العزم … استمروا في سيركم … ولا تلتفتوا إلي الوراء .

– ولكن هناك من الإخوان القدامى الذين ينصحون بالكمون … وعدم الحركة حتى تهدأ العاصفة .

بادرها بسرعة :

– وهل لديهم موعد محدد لهدوء العاصفة ؟؟ .. لا تغتروا بعناوين الرجال وشهرتهم … أنتم تبنون بناء جديدًا

– وبماذا تنصح فضيلتك عن البرنامج

– برنامج الإخوان ومنهجهم في التربية معروف … القرآن … والحديث والسيرة … ورسائل الإمام الشهيد حسن البنا … ووصاياه … تحدد الحركة في خطوط عريضة … والكتب كثيرة … ولكن ضموا إلي مراجعكم المحلي لابن حزم .

قال لها زوجها :

– زينب … أريد أن نتحدث قليلاً .

– سكتت … أدركت ما يدور في رأسه … استطرد قائلاً :

– يتردد علينا … في الفترة الأخيرة … عدد من الشباب … هل هو نشاط لالإخوان المسلمين . قالت دون تردد :

– نعم .

– أي نوع من النشاط ؟

أجابت في حسم :

– إعادة تنظيم الجماعة .

قال في قلق واضح :

– ولكن يا زينب … لعلك تدركين مدي خطورة هذا الأمر .

قالت في سعة من الصدر :

– هل تذكر يا زوجي العزيز … عندما تم اتفاقنا علي الزواج … ماذا قلت لك

– اشترطت شروطًا ولكني مشفق عليك من الطريق … أنت تتعرضين لجبابرة لا يرقبون في أحد إلاَّ … ولا ذمة .

قالت في ود :

– سأكرر لك ما قلته يومئذ … للتذكرة … قلت لك يومها هناك شيئًا في حياتي يجب أن تعلمه أنت لأنك ستصبح زوجي … وما دمت قد وافقت علي الزواج فيجب أن أطلعك عليه … علي ألا تسألني عنه بهد ذلك … وشروطي بهذا الأمر لا أتنازل عنها … أنا رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات … وهذا حق … ولكن الناس في أغلبهم يظنون أني أدين بمبادئ الوفد السياسية … وهذا غير صحيح …

سكتت لحظة … ثم استأنفت … وقد ازداد حماسها :

– الأمر الذي أؤمن به … واعتقده … هو رسالة الإخوان المسلمين … ما يربطني بمصطفي النحاس هو الصداقة الشخصية … لكني علي بيعة مع حسن البنا علي الموت في سبيل الله … غير أني لم أخط خطوة واحدة توقفني داخل دائرة هذا الشرف الرباني حتى الآن … ولكني أعتقد أنني سأخطو هذه الخطوة يومًا ما … وأحلم بها … وأرجوها … و … لكن إذا تعارضت مصلحتك الشخصية … وعملك الاقتصادي مع عملي الإسلامي … ووجدت أن حياتي الزوجية ستكون عقبة في طريق الدعوة … وقيام الدولة الإسلامية فسوف تكون علي مفترق طريق …

– قاطعها قائلاً : أنا لازلت أذكر ردي علي شروطك … أنا سألتك حينها … ماذا يرضيك من المطالب المادية التي تطلبها كل عروسة … من مهر أو مطالب الزواج … قلت أنه ليس لديك سوى ألا أمنعك عن طريق الله … فقد كنت لا أعلم أن لك صلة بالأستاذ البنا … وإنما كنت علي علم فقط بالخلاف بينكما بشأن انضمام جماعة السيدات المسلمات إلي الإخوان المسلمين .

– قالت : وأنا أذكر موقفك الكريم … عندما أطرقت والدموع محبوسة في عينيك سكت متأثرًا … وهي تضيف : اتفقنا يومها … رغم أنه كان يراودني خاطر إلغاء الزواج … والتفرغ كلية للدعوة أثناء محنة 1948 .

انتظرت لتلتقط أنفاسها من التأثر ، وأردفت : أنا – اليوم – لا أستطيع أن أطلب منك أن تشاركني في الجهاد … ولكن من حقي أن أطلب منك ألا تمنعني منه … المسئولية وضعتني في صفوف المجاهدين … أرجو ألا تسألني ماذا أفعل … ولتكن الثقة بيننا تامة … كما كانت دائمًا بيننا … فأنا لا أستطيع أن أنسي أنني وهبت حياتي – منذ كنت صبية في الثامنة عشر من عمري – للدعوة في سبيل الله … وقيام دولة الإسلام … وعندما يتعارض هذا الهدف مع الزواج … فسينتهي الزواج … وتبقي الدعوة .

قال في تأثر : لقد اخترت يا زينب …

قالت وقد خنقتها العبرات : أنا أعلم أن من حقك الأمر … وعلي واجب الطاعة … ولكن الله أكبر في نفوسنا … من أنفسنا … ودعوته أغلي من ذواتنا … وأدعو الله أن يجعل أجر جهادي قسمة بيننا بلغ تأثره مداه

– سامحيني يا زينب … اعملي علي بركة الله … يا ليتني أعيش وأري غاية الإخوان وقد تحققت … وقامت دولة الإسلام … ليتني في شبابي وأعمل معكم .

رواية ليالي كرداسة الحلقة الرابعة المهندس أنور رياض

(4) قالت لها مديرة منزلها

قالت لها مديرة منزلها :

– الشيخ عبد الفتاح .

ردت الحاجة زينب :

– ادخليه إلي الصالون .

– لقد فعلت .

كانت قد قامت من النوم لتوها … بمجرد أن جهزت نفسها … دخلت عليه … حبست عبارات الترحيب … واستدارت خارجة … لتعود وهي تحمل بطانية وتلقيها عليه … فقد استغرق في النوم بمجرد أن لمس جسده الكرسي اللين …

وقالت للمديرة :

– اتركيه … إلي أن يستيقظ … وجهزي له فطورًا

لم يلبث إلا ساعة … قام بعدها فزعًا .

قالت :

– يبدو علي وجهك الإرهاق

– لم أنم منذ الأمس … لن ألبث إلا قليلاً … لدي موعد بعد ساعة في مسجد الملك في حدائق القبة … مع بعض الأخوة .

قالت :

– لازال الوقت مبكرًا … تناول إفطارك

– سأكتفي بالشاي … أخبريني … ماذا قال لك الإمام المرشد .

– لقد أذن لنا أنا وأنت بالعمل … وأوصانا بالحذر … ولا ينضم إلينا إلا من يرغب … ونري فيه الصلاحية … كما طلب منا موافاته بالتفاصيل .

– هذا خبر طيب … الحمد لله

أخرج من جيبه مظروفًا :

– هذه ثلاثمائة جنيه

لازالت مشفقة عليه … تناولت النقود من يده الممدودة :

– بعض الراحة ستعطيك طاقة للحركة … ويمكنك إدراك الموعد لو ركبت تاكسي … وهذا جنيه تبرعًا مني لك

أمسك بالجنيه … ثم رده إليها :

– ضعيه إلي الثلاثمائة جنيه … هناك من هو أكثر حاجة إليه مني … نحن لا نركب التاكسي … الذين يركبون السيارات استرخوا … ولم يعودوا صالحين للعمل

قالت تراجعه :

– قد لا تدرك موعدك

قال في ثقة :

– الذين ينتظرونني هم من جند الله … ولن ينصرفوا حتى أصل إليهم

قال باسمة وهي نودعه :

– أنا أركب السيارة … ولم أسترخ … ولم يتوقف نشاطي … بل – كما تري – يزداد إصراري … واستمراري في العمل من أجل الدعوة

قال في مودة و … صدق :

– هذا ابتلاء نجحت أنت فيه … وربما لا أنجح أنا فيه

استطرد وهو يناولها مظروفاً متضخمًا بالأوراق :

– لقد نسيت … وما أنسانيه إلا الشيطان … هذه الأوراق فيها حصيلة جولتي … اقرأيها … ثم أعرضيها علي فضيلة المرشد … وبالطبع يتم حرقها … بعد ذلك .

رواية ليالي كرداسة الحلقة الثالثة المهندس انور رياض

(3) سيدة ارستقراطية

سيدة ارستقراطية … غنية … الفيلا … والعربية … والدخل … الزوج رجل أعمال … لديها كل ما يجعلها تنتمي إلي المجتمع الهاي … هذه هي الحاجة … زينب الغزالي

كان الشعب المصري عند نشأتها يعيش إما تحت خط الفقر … وهم الغالبية العظمى … أو علي خط الفقر نفسه … وهي شريحة رقيقة وصفوها ظلمًا بالطبقة المتوسطة … ويفصلهما عن الطبقة الثرية مسافة قد تكون أبعد مما بين السماء والأرض . وعندما يكون الإنسان لديه كل شيء من متع الدنيا … فإن مشكلته الأساسية تكون هي … طرد الملل … كيفية قضاء الوقت … أو قتله … فالسيدة الثرية لديها الشغالات والخدم والحشم والطباخ … تقوم من النوم في كسل وكل همها هو كيف ستقضي ما بقي من نهارها … وأين تمضي ليلها … الاختيارات أمامها محدودة … مكررة … بين الرغي في التليفون … وماتش نميمة … وبين زيارات لفلانة … وعلانة … واغتياب خلق الله … وتقطيع في سيرة الأصدقاء ، و( الأعدقاء ) علي السواء … ثم النادي … وهي أيضًا جلسات لت وعجن … وأحيانًا تقيم الحفلات والولائم … وهي مناسبات للتباهي وإثارة الحسد … ومباريات للتنافس باستعراض الملابس الفاخرة … والعطور النادرة … والتعالي بما تملكه من مجوهرات بكافة أنواعها … ذهب … أحجار كريمة أو … ( لئيمة ) … مع المطرب … أو مطربة … مغني أو ( مجعر ) … قد لا يسمعه أحد وهو يرقع بموال عن الليل وغدر الحبيب … والتخت الموسيقي يساهم في زيادة تلويث الجو بالضوضاء التي تحدثها رءوس قد لعبت بها الخمر … وضحكات تفرقع مثل الطلقات الفشنك …

زينب الغزالي … رفضت هذه الحياة … بفطرتها … رغم صلتها برجال الوفد وباشاواته … علية القوم … الوزراء … الأسماء اللامعة في عالم السياسة … والنفوذ … سراج الدين … النحاس … الزعيم الجليل … اختارت … وآثرت أن تستجيب لدواعي الإيمان … فأسست جماعة السيدات المسلمات … والتف حولها … وتجمع معها كل من هو نافر من حياة الفراغ والضياع … وكل من هرب يجلده من مستنقع الشياطين … جماعة لفعل الخير … مساعدة الفقراء والمحتاجين … ورعاية اليتامى … يدعم هذا الاتجاه … ويسنده … توعية … ودراسات … ومحاضرات تدعو إلي دين حنيف لا تتم الصالحات إلا به …

كان ذلك عام 1936 :

اتصل بها الشيخ حسن البنا … يدعوها إلي الانضمام بجماعتها إلي الإخوان المسلمين … الحاجة زينب لها شخصيتها المستقلة … لم ترفض … لأنها سمعت عن البنا ودعوته … وهو رجل صادق … متجرد … أمين … توجهاته تنفق مع أهدافها … إلا أنها أيضًا لم توافق … كان رأي البنا أن توحيد الجهد يعطي ثمرات أسرع … والوحدة أساسًا هدف إسلامي … وكان رأيها أن في التنويع مجال أوسع لخدمة الإسلام والمسلمين … وعرضت بدلاً من الاندماج … التعاون والتنسيق … ولأن البنا كان شعاره الذي يرفعه دائمًا … نتعاون فيما نتفق عليه … ويعذر بعضنا بعضًا فيما نختلف فيه … فقد وافق . وهكذا عرف الإخوان الحاجة زينب الغزالي محاضرة في دار الإخوان … وفي اجتماعات الإخوات المسلمات .

أيقظتها محنة الإخوان الأولي … عندما أصدر النقراشي قراره بحل الجماعة عام 1948 … استفزها الظلم … والكيد الحقود لضرب الدعوة الإسلامية … القوة الصاعدة التي تتصدي للمستعمرين الانجليز … والصهاينة الذين يغتصبون أرض فلسطين … الأيدي التي تضرب … مصرية … قاصرة … وغبية … والمحرض … عدو خبيث … والمتلقي للإيذاء … هو المدافع الحقيقي … والمدرك لأهدافهم ونواياهم … والضحية في النهاية … هو الشعب المسالم … الموجود دائمًا في حالة تحذير … وفقدان الوعي . أحست بأن الضربة أصابتها … فهي جزء من الدعوة الإسلامية … وأحد روافدها … لم تنتظر من أحد أن يشعرها بما يجب عليها … فبدأت حملة لجمع التبرعات وإعالة أسر المعتقلين … في الوقت الذي بدت فيه حكمة الهروب من السفينة الغارقة … وأنجو سعد … فقد هلك سعيد … إلي هنا … ومن واحدة ست … فإن الشكر يكون واجبًا مستحقًا لها … إلا أن طبعها المتحدي دفعها إلي الاتجاه المعاكس للريح … والتيار … أرسلت إلي البنا … ورقة كتبت فيها :

سيدي الإمام حسن البنا …

زينب الغزالي الجبيلي … تتقدم إليك اليوم … وهي أَمَة عارية من كل شيء … إلا … من عبوديتها إلي لله … وتعبيد نفسها لخدمة دعوة الله … وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يبيع هذه الأَمَة بالثمن الذي يرضيه لدعوة الله تعالي

في انتظار أوامرك … وتعليمات سيدي الإمام

وكانت بيعة … أكدتها بصراحة أكثر … عندما قابلته قبل استشهاده علي سلم دار الشبان المسلمين …

اللهم أني أبايعك علي العمل لقيام دولة الإسلام

وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي والسيدات المسلمات بشهرتها

وهي البيعة التي ذكرها لها عبد الفتاح إسماعيل عندما قابلها فيما بعد أثناء موسم الحج … وتكررت نفس المعادلة مع التعديلات إلي الأسوأ … الأيدي التي تضرب … أيضًا … مصرية … ولكنها هذه المرة أيدي نجسة … غبية حاقدة … نعم … ولكنها علي دراية ومشتركة … ومتورطة … والمحرض استعمار جديد وصهاينة لئام علي الحدود … عقدوا الصفقة … علي الطرف الأول الوفاء ببغية وطغيانه أملاً في الثمن … وعليهم كطرف ثاني هو الخداع … والمراوغة … والثمن الذي سيدفعونه … هو الغدر لطرف لا يستحق منهم إلا الاحتقار … حيث لا يوجد في أدبياتهم حاكم يستحق احترامهم يقوم بإهدار إنسانية شعبه وأبناء جلدته … أما بقية المعادلة … فهي … هي … لم تتغير … الضحية شعب مسالم يعيش في غيبوبة وغفلة .

كانت محنة 1954 عبارة عن نفق ضخم مظلم … معتم … مقبرة هائلة … أرادوا … دفن الإخوان المسلمين فيها … دعوة … وفكرًا … وشخوصًا أحياء … إذا لزم الأمر … كانت موجات الحقد طاغية … تقذف حممًا بركانية تجرف أمامها بنيان الدعوة في طوفان لتقبره في هذا النفق .

لم تتخل عن دعوتها … ولكن التحدي كان عاجزًا عن الوفاء بطلبات الآلاف من الأسر … التي انكشفت عريًا … وجوعًا … ورضع … وطلاب في المدارس والجامعات … نساء عفيفات … وشابات حوامل … وشابات حوامل … وأمهات وآباء … في سن الشيخوخة والعجز … لقمة العيش … والدواء … وإيجار الشقق … في هذا لم يكن الدافع هو الحكمة للقفز من المركب الغارقة … وإنما هو الفزع … والرعب … الذي شل أيدي الخير … وقطع دابر الهمة … وطمس علي مشاعر الأخوة والنجدة .

وقفت … وحيدة … سيدة … بلا عون .

ذهبت إلي الشيخ محمد الأودن … جلست إليه مطرقة ثم قالت :

– أنت تعلم – يا مولانا – أني علي بيعة الإمام البنا … وعلي العهد … ولكن اليد عاجزة عن الوفاء … موجة الظلم عاتية … أني أعيش مأساة الأسر الكريمة التي اجتمع عليها كارثة الزوج الذي يكتوي بناء الفجار … وفاجعة الدخل الذي انقطع عن الزوجة والأولاد . بكي الشيخ التقي … وقام فقبل رأسها … وقال مثبتًا :

– استمري يا ابنتي … فالله لن يخذلك … وسيجعل لك مخرجًا

– أنا علي ثقة فيمن معي من السيدات المسلمات … هن معي … ولا يدخرن طاقة إلا وبذلوها في سبيل الله

– استعيني علي قضاء حاجتك بالكتمان … والحذر … وعضي علي أصل الشجرة … فإن مع العسر يسرًا .

قالت :

– أنا علي صلة بالسيدة المجاهدة زوجة الإمام الهضيبي وبناتها … والمجاهدة بنت العشماوي باشا زوجة المستشارمنير الدلة … وأخوات الأستاذ سيد قطب … وهن يتلقين بعض العون … والاتصالات بيننا سرية … وقد جئت لك لأتزود منك بالنصح … والتثبيت … بعد أن عز الناصح … وندر الصديق .

– سيري علي بركة الله يا بنيتي … واعلمي أن أمل الإسلام في هذه العصابة من الإخوان المسلمين … والله لا يخذل – أبدًا – من يجاهد في سبيله … هو ابتلاء … ليميز الله المؤمنين … الصادقين .

كان ذلك … قبل لقائها الشاب … عبد الفتاح إسماعيل … أو الشيخ عبد الفتاح كما صارت تدعوه … وكان اللقاء … بداية لجولة جديدة في الصراع بين الحق … والباطل هكذا … دائمًا … تجري سنة الله .

رواية ليالي كرداسة الحلقة الثانية المهندس أنور رياض

(2) قرية البيضاء … مركز السنبلاوين

ذهب لمقابلة … الشيخ محمد عبد المقصود … مأذون القرية وعالمها … رجل دخل مرحلة الكهولة … هكذا يشير بياض لحيته وشعر رأسه الذي يظهر من تحت عمامته … ولكنه خفيف الظل … حلو الحديث والقفشات … وجه باسم ينم عن روح الشباب قال له عبد الفتاح

– أفلت من الاعتقال يا شيخ محمد

رد ضاحكًا :

– هل كنت تود أن أكون أنيسًا لك ؟

قال عبد الفتاح :

– معاذ الله … يا شيخ …

– علي كل حال … أنت تري داخل هذه الجبة جسدًا نحيلاً … يكاد يتلاشي … فهل أصلح لضيافة السجن الحربي

لم يبادله المزاح … قال في جدية :

– عفاك الله … يا شيخ … ولكن ما رأيك في أوضاعنا

قال الشيخ محمد :

– ليس لها من دون الله كاشفة … الصبر … وانتظار الفرج … يا عبد الفتاح لا تقلق فللبيت رب يحميه

دخل عليهما شاب … واضح أنه أزهري … قدمه الشيخ محمد :

– الشيخ عبد الفتاح فايد … خطيب ابنتي

– مبروك … ومتى إن شاء الله نحضر الفرح … أن النية مبيتة لعدم دعوتي

– يا عبد الفتاح … أنت صاحب الفرح … المهم هو الشقة … شد حيلك يا عريس

قال الشيخ فايد :

– ربنا يسهل … القاهرة مدينة يتكدس فيها البشر … وأزمة المساكن أوشكت أن تلجئ الناس إلي النوم علي الأرصفة

وجه كلامه للشيخ محمد :

– وهل الشيخ فايد …

قاطعه ضاحكًا :

– نعم يا سيدي … من شباب الإخوان … هذا عريس لقطة … أنا لا أقع إلا واقفًا

– بارك الله فيهما … وربنا يتمم بالخير … الحديث أخذنا بعيدًا … أنا أعمل في تجارة الحبوب … وأريد منك مساعدتي في تجميع المحاصيل من أهل بلدكم … لمالك عندهم من مودة

– غالي … والطلب رخيص … و … هل لي عمولة …

رد ضاحكًا :

– الدعوة الصالحة … أفضل عمولة أقدمها لك

هكذا كان يتحرك عبد الفتاح إسماعيل … في حذر … لاستكشاف الأرض التي حرثوها مطبات وحفر … وتحت غطاء التجارة كان يدور الحديث … يتخلله سؤال قد يفتح الطريق … أو … يغلقه بالضبة والمفتاح … أحيانًا كان يري بابًا تهب منه نسمة رحيمة … وأحيانًا أكثر كان يري أبوابًا مِسَنكرة … موصدة بوجود متجهمة … غير مرحبة … زادها الخوف اكفهرارًا وعبوسًا … ورسمها بظلال من الرعب بعد أن أفلتت من قبضة السجن الحربي وما سمعوه عن أهواله … وصدقوا أن الجماعة دفنوها هناك . السكك امتلأت ألغامًا … والطرق الآمنة أصبحت ممرات التفافية … ولا حول … ولا قوة إلا بالله .

غاب عن بلده شهرًا … وعندما عاد لم يجده أخاه علي :

– أخذته المباحث … وقالوا عندما يعود عبد الفتاح … يشرفنا

قابله حسن بك بقناعه الحديدي :

– لقد حذرتك … يا عبد الفتاح

– وما ذنب أخي ؟

– سنفرج عنه … أين كنت ؟؟

– يا بك … ظروف البيع والشراء … أنا رجل أرزقي … أسعي من أجل لقمة العيش

– طلبت منك الاتصال

– القرى … لا يوجد بها تليفونات … حتى المواصلات صعبة … أنا أتحرك ماشيًا … علي الأقدام … أغلب الأحيان

– يعني تمشي علي حل شعرك ؟ ..

– لا … ولكن أسأل من أتعامل معهم … الخواجة موريس … والمقدس فلتس من كفر النصارى … والحاج عبد المنعم عمدة كفر عبد المنعم و …

– خلاص … هذا تحذير

ويبدو أنهم يئسوا منه … أو سألوا عنه فاطمأنوا … تركوه يسيح في الأرض وكانت … البداية الحقيقية … عندما سعي إلي مقابلة الحاجة زينب

رواية ليالي كرداسة الحلقة-الأولى المهندس أنور رياض

ليست مقدمة

هل هذه رواية ؟

نعم .

هل هي تاريخ ؟

نعم … مع بعض الخيال .

والتاريخ لا تكتبه رواية واحدة … وإنما عشرات … وربما مئات .

هذه الرواية تروي بعضا من محنة الإخوان سنة 1965 .

هذه ليست مقدمة … لأن تاريخ الإخوان المسلمين ملحمة … روايات متتابعة … ما أن تنتهي رواية حتى تبدأ الأخرى .

لذا …

فإن المقدمة تقرأ في آخرها .

ولنبدأ الرواية …

يحكي أن طاغية … مثله … مثل أي طاغية … عاش زماننا … مثل … أي زمن مضي … كان عنده أخدود مثل أي أخدود مضي … ولكنه أخدود عظيم … سماه السجن الحربي … أوقد فيه نارًا هائلة … وكان يلقي فيه آلاف المؤمنين … ( من إخوان ) الأخدود(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8))

(1) 1957 زينب الغزالي

رئيسة جماعة السيدات المسلمات … تقف علي رصيف السويس … تشرف علي بعثة حج السيدات . تقدم منها شقيقها بصحبته شاب علي وجهه علامات الطيبة والصلاح … وجه مريح منبسط … إذا نظر إليه الإنسان لا يملك إلا أن يألفه … قدمه إليها .

– الأخعبد الفتاح إسماعيل … من أحب الشباب إلي الإمام الشهيد حسن البنا … كان فضيلة المرشد يحبه ، ويؤثره … وله فيه ثقة مطلقة . أطرقت … وقد فهمت الرسالة . قال عبد الفتاح .

– سنكون معًا … إن شاء الله علي ظهر الباخرة .

في فترة الراحة بعد الغذاء … سمعت طرقاً خفيفًا علي باب حجرتها … تكرر ثلاث مرات … وعندما أذنت … وجدته يتقدم في حياء .

– لو لم تفتحي … لانصرفت … إنها السُّنة …واعتذر لأنه وقت راحتك … لم أجد أكثر منه مناسبة حيث تخف فيه الرجل والحركة

قالت تشجعه :

– لا بأس .

دخل في الموضوع مباشرة :

– اعلم أن بينك وبين الإمام بيعة قبل استشهاده بعد طول خلاف بينكما علي أسلوب العمل الإسلامي .

قالت في دهشة :

– وكيف عرفت ذلك .

رد في ثقة … وطيبة :

– من الإمام نفسه ، طيب الله ثراه .

سكتت برهة :

– وماذا تريد مني ؟

قال بسرعة لينهي المقابلة :

– نلتقي إن شاء الله في مكان أفضل … لقاء لا نبتغي به إلا وجه الله .

في الحرم المكي … ترصّدها … تقدم خلفها بعد الطواف … همس :

– لا تلتفتي خلفك … هناك بالقرب من مكان الإذاعة … يقف أحد ضباط المباحث المصريين … نلتقي عند مقام إبراهيم .

قامت تصلي … وهو أيضًا … قالت بعد أن جلست إلي جواره :

– كيف عرفته ؟

– شاهدته في السجن الحربي … واحد من أشدهم إجرامًا

– سبحان الله … وجاء ليحج

– أنت أعلم مني بالأعمال المطلوبة لكل من يريد الحج … من توبة ورد المظالم … هؤلاء مبعوثون للمراقبة والرصد … ولا يتوبون حتى ولو تاب حمار الخطاب … دعينا منهم

سكت لحظة يستجمع فيها فكره … سأل :

– ما رأيك في حل الجماعة ؟

– القرار باطل شرعًا لأن عبد الناصر ليس له أي ولاء … ولا تجب له طاعة علي المسلمين … فهو يحارب الإسلام … ولا يحكم بكتاب الله

قال في اطمئنان :

– كان هذا رأيي فيك … أخت كريمة … ولا يظهر المعدن الأصيل إلا عند الشدائد

استطرد في حماس :

– يجب إعادة تنظيم الجماعة … ولكن قبل ذلك لابد من استئذان المرشد الإمام الهضيبي … أنا أعلم أنك تترددين علي منزله … وله صداقة مع الأسرة

أطرقت بالموافقة … قال قبل أن ينصرفا

– هذا بيت الله … نحن نجلس في مكان جلي فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصحابته والتابعون … والصالحون من أمته … وتطأ فيه أقدامنا مواطئ أقدامهم … وتلامس أجسادنا مكان جلوسهم … هيا بنا نرتبط مع الله علي أن نجاهد في سبيله ، ونمضي في تجميع الإخوان لا يردنا عن ذلك إلا الاستشهاد في سبيله …

منذ اعتقاله عام 1954 … وهو في نار السجن الحربي … كان السؤال يأز في رأسه … هل انتهت جماعة الإخوان المسلمين بالضربة القاضية … نهاية لا عودة بعدها ؟؟ رأي قادة الجماعة يتساقطون في قبضة الاعتقال … كأنهم أوراق شجرة توت في فصل الخريف … امتلأت بهم زنازين السجون الحربية في أيام معدودات … كان يشاهدهم في طوابير التعذيب … المرشد … أعضاء مكتب الإرشاد … رؤساء المكاتب الإدارية والشعب … الهيكل التنظيمي – الذي كان حديديًا – تداعي كله … تقوض وكأنه قفص من جريد … جمعهم زبانية عبد الناصر … وكأن آلة حصاد مجنونة اكتسحت حقلاً من نبات القمح … فاقتلعت أعواده … وفصلت عنها سنابلها فانفرطت حياتها … انفرطت الجماعة … صارت أفرادًا … يسحبونهم الواحد تلو الآخر تحت لدغ السياط … وكافة أنواع العذاب التي تجرف طاقة البشر وتهرس إرادتهم تحت وطأتها . نجحوا في ذلك … هكذا بدا كل شيء … من مظاهر الإذلال … ودهس الكبرياء تحت أقدام مجموعة من الجنود تم اختيارهم علي أساس الأشد جهلاً وانغلاقًا … والأغبى نشأة وتحجرًا … والأقرب حيوانية إلي الثيران … والجاموس … دربوهم تدريب الكلاب علي الشراسة للفتك بالضحية بمجرد الإشارة .

عزلوهم عن العالم … في جدب وسط الصحراء … لا حول … ولا … حياتهم معلقة في طرف كرباج … والموت ينتظر رفسة من الحذاء الميرى … والفضاء حولهم يتسع مقابرًا للجميع … الأنفس العزيزة … المنيعة … هتكوا سترها … حرموها من أبسط حقوق البشر … الطعام … الماء … الكساء … حتى قضاء الحاجة صارت تتم في جو من الفزع … هذا إذا سمح لها حضرة العسكري … الحاكم يأمره … أن تتم … الشواهد كلها تقول أن المحنة هذه المرة … ماحقة … مدمرة … والشواهد أيضًا – كما يراها – وسط هذه العتمة … تقول أن الروح المعنوية للغالبية – رغم كل شيء – لا زالت بخير .

الأخ الذي يسحبونه حافي القدمين جريًا سيل لاهب من الكرابيج إلي حيث يجري التحقيق أو الاستنطاق … يظل أخوانه في الزنزانة في حالة سهر وترقب … حتى يعود … يضمونه في حنان ومواساة … يحاولون تضميد جراحه … يؤثرونه بنصيبهم القليل من الطعام طلبًا لسرعة شفائه … ودعمًا ومساندة . الأخ الذي ساعدته الظروف لتجهيز حقيبة ملابس عند اعتقاله يقوم بتوزيعها علي من تمزقت ثيابه من الكرابيج أو بليت … ولمن خُطف من سريره وهو بملابس النوم . في أحيان كثيرة كان العسكري – الشيطان يأمره – يلمح أحدهم وهو ينظر من خلال نظارة الباب … أو عند تلصصه للتنصت عليهم فيسمع كلامًا … وهي في حكمه جرائم تستوجب عشرين كرباجًا علي الأقل … عندئذ يتقدم من يجد في نفسه القدرة علي التحمل مفتديًا إخوانه من العقاب الجماعي إذا لم يعرف الفاعل . عند أي تجمع … أو لقاء … في طوابير العذاب … أو التوجه إلي دورات المياه … يتبادل الإخوان الإشارات باليد والعيون … تدعو إلي الثبات … والصبر . المصحف كان من الممنوعات … ولكن الصدور كانت عامرة بآيات القرآن … فكان الإخوان يحفظونها بعضهم البعض .

كل هذه يا عبد الفتاح … مظاهر صمود ؟؟ .. أم أنها من باب المصائب التي تجمعن المصابينا … هو … وعن نفسه … والله لو وضعوا المنشار في مفرق رأسه … ما تخلي عن الجماعة أبدًا … فكم ( واحد ) من هذه الآلاف … مثله ؟ .. وكم ( مائة ) من هذا الجمع … سقط … وتداعي … وجرت عليه سنة الله في المحن … والشدائد .

المهم :

بعد عامين … وبعد ترحيل – كل من نال نصيبه في سيرك المحاكمة … وصدر ضده حكم – إلي السجون المدنية … بدأ الإفراج عمن تبقي في السجن الحربي قالوا له

– عليك بمراجعة فرع المباحث بالمنصورة … في اليوم التالي

في الصباح كان هناك … علي الباب قابله جثة يلبس جلبابًا .. أشار المخبر إلي حجرة بجوار الباب

– انتظر

الحجرة بلا نوافذ … وكأنها زنزانة في المبني … مضت ساعة … من فتحة الباب يري المخبر – كلما رن التليفون – يهمس فيه … ثم يضعه … ساعة أخري … وساعة ثالثة … ثم رابعة … منظر المخبر لا يسلي … ولا يسر … هم أن يستعجله … عندما التفت إليه وقال

– حسن بك في مأمورية … احضر غدًا في نفس الموعد

لا مأمورية … ولا يحزنون … القصد واضح … استعراض القوة … تكبر … إذلال … وشد أذن … لا … ليس شدًا … وإنما خلع وتمليص للأذن . عاد في اليوم التالي … ثم إلي زنزانة الاحتجاز … في هذه المرة … كانوا أكثر لطفاً … وخفة دم … بعد ساعتين فقط … نال حظوة المقابلة !!

قال له حسن بك :

– أهلاً … حمد الله بالسلامة

الوجه لا يوحي بالترحيب :

– شكرًا

تفرس في وجهه … ثم صدمه بالسؤال :

– هل كنت من الإخوان فعلاً

في محاولة لتلطيف الحوار قال :

– هكذا … قالوا

لم تعجبه الإجابة … نظر إليه في حدة :

– أنا أسأل … و … أنت تجيب … و … بالتفضيل … مفهوم ؟؟

– السؤال لم يكن واضحًا

– ذلك لأني لم أجد لك ملفًا عندنًا … ولا نشاط ملحوظ

قال متماشيًا معه :

– نشاطي كان محدود … مجرد الذهاب إلي الشعبة وحضور صلاة الجماعة

ازدادت قسماته حدة قال في تهديد واضح :

– ما علينا … لا تظن أنك خرجت من المعتقل وانتهي الأمر … يمكن أن نعيدك إلي ما هو أسوأ … الجماعة انتهت … ونحن نراقبك … لا نريد منك السفر إلي أي مكان … إلا بعد الإذن

– ولكنني رجل أتاجر في الحبوب … بيع وشراء … وهذا يتطلب منى التنقل الدائم انفرج قناع وجهه قليلاً

– يبقي الاتصال من المكان الموجود فيه

– سيادتك أدري بمشاكل التليفونات

قال منهيًا الحديث :

– حاول … وعلي أي حال … أراك مرة كل أسبوع علي الأقل …

وضعوك يا عبد الفتاح في زنزانة … صرت فيها المعتقل … وأنت أيضًا … عليها … السجان … علي كل حال زنازين الشوارع أفضل من زنازين السجن الحربي … علي الأقل يمكنك قضاء الحاجة … كلما أردت … وعلي راحتك … وهذه نعمة – لو تعلمون – عظيمة … أصبح السؤال يأز في رأسه … أكثر شدة … كيف ستعود الجماعة في ظل هذه الملاحقات … وكيف يمكن النفاذ من ظلمات بعضها فوق بعض … تواري فيها الأمل … واندثر خلالها الرجاء .

أما أنا :

فوالله لو وضعوا الشمس في يميني … والقمر في يساري … ما تركت هذه الأمر … حتى يظهره الله … أو أهلك دونه … و … صدقت يا سيدي … يا رسول الله .

في الأسبوع التالي … وحسب الموعد … ذهب إلي مقر المباحث … بعد ساعتين من الاحتجاز … قالوا له نفس العبارة .

– حسن بك في مأمورية … احضر الأسبوع القادم .

اللعبة أصبحت بايخة … هه يا عبد الفتاح … لا … لن أخضع لها … ولنري ماذا في جراب الحاوي

حوار مع الأديب المصري-إسماعيل أحمد محمد الأسواني

حوار:

  مع الأديب المصري إسماعيل أحمد محمد الأسواني

الأدب الإسلامي هو: ضبط النص وفق البيئة والقيم المسلمة بحيث يجسد تلك القيم ويعليها

شبكة وا اسلاماه- حاوره :زكرياء بوغرارة

الحوار الأدبي الماتع  مع الأديب المصري إسماعيل أحمد  الأسواني  حلّق بنا في   سماء الأدب الإسلامي من خلال رؤيته    الأدبية ونفسه الإسلامي  فيها وطواف  في تجربته منذ  بداية  ظهور إرهاصات   الكتابة والشغف بالأدب الى أن  أبحر فيه  بقدم ثابتة ..

  الحوار  شمل جزءا من تجربته السجنية في نكش عن  أدب السجون  وما  يثيره  هذا الادب في  وجدان  أديبنا الذي خاض تجربة الاعتقال السياسي لسنوات…

  فإلى الحوار ..

-كيف بدأ مشوارك الأدبي؟ ولماذا الشعر بالذات؟

  • بدأت كتابة الشعر أيام حرب 1973 وكنت أقاسمه صديق عمري عثمان جابر فيقول أحدنا بيتا ويتمه الآخر ثم بدأت أكتب منفرداً وكان ذلك في بداية المرحلة الإعدادية وكنت أكتبه باللهجة المصرية العثامية، ثم مع بدء المرحلة الثانوية وذيوع ما كانوا يعلموننا إياه من الحب الصبياني بدأت أكتبه فصيحا وبالطبع لم يكن متقنا وبدأت في التطور مع كثرة القراءة والاحتكاك بدور الثقافة حتى نهاية المرحلة الجامعية وكنت قد انخرطت في العمل الإسلامي منذ السنة الأولى بالجامعة تخللتها مرحلة كمون في أعقاب اغتيال السادات لكن بدأ شعري يعبر عن توجهاتي وفي 1984 تلقيت دعوة لعمل أمسية شعرية بقصر ثقافة أسوان ويومها قالها لي أحد كبار شعراء أسوان صريحة أن لحيتي تقف عائقا أمام انتشاري وبالطبع انحزت للحيتي.
  • تواصلت في الجامعة مع قصر ثقافة أسيوط وشاركت في نادي الأدب ثم أقيمت مسابقة في المدينة الجامعية في السنتين الثالثة والرابعة مسابقة في الشعر وشعر العامية والقصة القصيرة والمسرحية وبفضل الله فزت بالمركز الأول في الشعر والثاني في الفروع الثلاثة الأخرى وحصلت للمبنى على كأس المسابقة ثم في العام التالي استبعدت قصيدتي وقصتي من المسابقة لوضوح المدلول الإسلامي فيها ومع ذلك فزت أول وثاني في الفرعين الباقيين.
  • طبعا بدأت القصة القصيرة أولا في السنة الثالثة من الجامعة ثم توقفت وعاودت الكتابة بعد ذلك في السجن بعدما تحسنت أي مع 2003
  • أما الرواية.. فلها معي حكاية غريبة.. أنني كنت أراها في منامي كالفيلم أرى مشاهد ثم أقوم بنسجها واستكمالها وهي كانت في رواية واحدة وقصة قصيرة واحدة في عام 2004
  • وعلى ذلك فقد بدأت فعلا بالشعر العامي ثم الفصحى ثم تنوعت الكتابات، والحق أنني لا أنسب لنفسي الفضل في اختيار الشكل سواء شعر عامي أو فصحى أو قصة بل أشعر بها تتكون داخلي وتخرج كما قدر الله.

2- من خلال مرجعيتكم الاسلامية:

في البداية نحب أن نسألكم عن مفهوم الأدب الإسلامي بإيجاز؛ بحيث يتضح معناه، وتتكوَّن صورته في ذهن القارئ الكريم؟

وما الذي يعنيه الأدب الإسلامي بالنسبة إليك؟ وما الذي يدل عليه في رأيك؟

  • الأدب الإسلامي هو: ضبط النص وفق البيئة والقيم المسلمة بحيث يجسد تلك القيم ويعليها، وبالنسبة لي فقد اتخذته باباً آخر للدعوة إلى الله بل ولإقامة الدليل على شمولية الإسلام وهيمنته المقصودة على مختلف مناحي الحياة.
  • ودليلي عليه ما شكله الشعر في مختلف العصور من منبر للدفاع عن الدولة الإسلامية والدعاية لقيمها منذ حسان بن ثابت حتى الشعراء والروائيين المعاصرين.

3- نريد أن نعرف: من اكتشف موهبة الشعر لديك؟ وفي أي مرحلة؟ وكيف نميت هذه الموهبة؟

  • اكتشفتها في نفسي أولاً في هامش حرب أكتوبر 1973 وتقليدا لما كان ذائعا وقتها من أغانٍ وقصائد وكنت وقتها في نهاية المرحلة الابتدائية وقبيل دخولي المدرسة الإعدادية، وحين قدمتها لمدرسي وجدت تشجيعا وقدموني من خلال الإذاعة المدرسية طوال المرحلة الإعدادية، وأما تنميتها فتراكمت من خلال احتكاكي وقراءاتي للشعر كما أسلفت.
  • رواية قيد الطبع – قطارها المسافر الى الشمال

4- علمنا أنك انتهيتَ من كتابة الرواية الأولى لكم..  نريد أن نبحر في أعماق شعورك أثناء كتابتك لهذه الرواية ؛ ماذا دعاك إلى العزم على كتابتها؟ وكيف كانت البداية؟ وهل لي أن أسأل: كم استغرقتَ من الوقت لإنهائها ؟

  • هي ليست الأولى كتابة، فلدي روايتان قبلها الأولى كتبتها في سجن الوادي الجديد عام 2005 لكنها لم تعد للطبع والثانية كتبتها في عام 2018 ولأنهما تحملان إيحاءات سياسية لم أجد أن الجو العام يسمح بنشرهما، بينما هذه الرواية كان سببها جلسات مع قريب لي سوداني الأب وأنا لي أقارب سودانيين وأجد نفسي مهتما بتراث السودان حيث أن أجدادي كانوا ضمن الحملة المصرية للسودان في عام 1925 واستقروا هناك عقودا وبهم ذراري لا يزالون في السودان.
  • وأما تحمسي لطباعتها فقد جاءت بتقدير المولى عز وجل حيث أنني عقب خروجي ظللت شهورا أتنقل بين دور نشر حاملا ما نتج عن سني السجن الأخيرة من كتابات في الأدب وغيره بمخطوطات يدوية لكني وجدت موانع كثيرة وعقبات مما أكسبني احباطا فقمت بوضعها في أدراج مكتبي إلى أن قيض الله لي أستاذا جامعيا اعتزم البحث فيما سجلناه – أثناء الاعتقال – من كتابات وأبحاث فأخذ يتواصل معنا – عدد من الإخوة الذين لهم باع في العلوم الشرعية والدراسات السياسية والفكرية والآداب- وكان يتصل بي مرتين يوميا ويحفزني حتى أتممت كتابتها وورد وهاهي تجد للنشر سبيلا.

5هل لي أن أطلب أخيرًا أن تسرد علينا ملخص قصة هذه الرواية دون التطرق إلى التفاصيل؟

القصة عن أصل حقيقي مختصره أن امرأة مصرية/ سودانية فقدت التواصل مع أهلها وظلت تحن للعودة لأهلها حتى يتمكن ولدها الشاب من التواصل عبر برنامج إذاعي كان اسمه “ما يطلبه المستمعون” بزوج أختها واستطاع تدبير زيارة لأمه تواصلت بها مع عائلتها بعد حوالي ربع قرن لكن أدرجت فيها وصفا للحياة في تلك السنوات بين مصر والسودان وأثيوبيا بما تحمله من تطورات سياسية واجتماعية وهي تدور بين 1930 إلى 2005 تقريباً

6كيف ترى صفة الأديب الذي يكتب الأدب الإسلامي، هل هو أديب مسلم أم أديب إسلامي؟

  • أما الأديب المسلم فهو من تتوفر فيه كمكلف أحكام العقيدة مهما كانت كتاباته لكن الإسلامي هو من يوظف الأدب لدعم القضايا الإسلامية

7هل تعتبر نفسك  اديبا إسلاميا ضمن مفاهيم الادب الإسلامي وتصوراته..؟؟

  • أرجو ذلك فأنا منذ التزامي في الثمانينات من القرن الماضي وحتى اليوم أنتصر للأدب الإسلامي بل أنني في عام 2003 لما هدأت الأحوال في السجون كان لي شرف تأسيس المنتدى الأدبي الذي بدأ في سجن الوادي الجديد وانتشر في باقي السجون حيث كانت لنا جلسة أسبوعية أشبه بنوادي الأدب التي تقدم في كل أسبوع عملاً أدبيا ونتناوله بالنقد وفق قواعد النقد بمعايير النحو والعروض أولا ( الشكل) ثم الفكرة والبلاغة ( الموضوع) وقد أثمرت هذه التجربة عشرات المواهب الأدبية التي استعادت حيويتها بعدما انكمشت في السجون سنوات بل وكان كثير منهم طلاباً بكليات الآداب واللغة ويذهبون لأداء الامتحان، فكنت أطالبهم بالتواصل مع الدكاترة ثم مع منصات الأدب العامة من دوريات وصحف ومواقع وبالفعل حقق البعض منهم نجاحا وانتشارا بعد ذلك

8حسب اعتقادك هل يجسد الأدب الإسلامي جسرا ممتدا بين الأدب والإسلام؟ ثم ما جوهر العلاقة القائمة بينهما؟ وما الذي تراه في شأن رسالة الأديب المسلم؟

بالتأكيد يقيم الأدب عالما موازيا للقيم الإسلامية في واقع الناس بطريقة أشد حيوية من الكتب، وأكثر من ذلك فقد قلت لإخواني في افتتاج المنتدى الأدبي أنهم بما يسطرونه من قصائد وقصص سينقلون تفاصيل تجربتنا وقضيتنا ويوثقون تفاصيلها في التاريخ بأحسن مما يقوم به المؤرخون، وحسبك أن تقرأ أشعار هاشم الرفاعي أو قصص محمد المجذوب وغيرهما

9لمن تقرأ من الشعراء الآن؟ وبمن مِن الشعراء تأثرت في البدايات؟ وكيف  هو رضاكم عن المشهد الشعري الذي قدَّمتموه وقدمه مجايلوكم عموماً؟ هل وصل إلى طموحاتكم؟ ثم كيف ترون المشهد الشعري الشبابي حاليًّا، هل واصل تطوير ما بدأتم به؟

الشعراء الذين تأثرت بهم في البدايات هم: إبراهيم ناجي- كامل الشناوي- هاشم الرفاعي – عصام الغزالي، لكني الآن لا أقرأ لأحد على وجه التخصيص لكن ممن أعجبت بهم: أمل دنقل فهو جدير بأن يكون أميرا للشعر.. صحيح نرى إبداعات كثيرة تالية لكن أسماءهم لا تعلق بالذاكرة ربما لعدم ثبات مستوياتهم وربما لعدم تقديمهم إعلاميا بالصورة الكافية.

من دفاتره القديمة

8 من  فترة قرأت لكم   مقالة هي دعوة لكتابة الشعر  هيا نكتب شعرا مفهوما 

    ما رأيكم  في القصيدة النثرية؟؟

  • الشعر لا يسمى شعرا بغير موسيقى داخلية ومعنى بليغا، سواء كان عموديا أو شعر التفعيلة – فهو موزون أيضا لكن الشعر المنثور والشعر الغارق في الرمزية وهو سبب كتابتي للمقال الذي أشرت إليه فلا يتقبلهم المستمتع بالشعر قبولا حسنا.

9 بنظرة شمولية نجد أنَّ هناك تبايناً في النتاج الإسلامي للأجناس الأدبية: فالشعر يتصدر المشهد دائماً، ثم تأتي القصة والرواية، ثم المسرح. فهل لذلك أسبابٌ ترونها؟ وهل تتحقق هنا أهمية “الكمّ”؟

  • بالطبع يميل الإسلاميون – الذين يمكن اعتبارهم تيارا محافظا- للشعر أولا باعتباره الشكل التراثي القديم للأدب ثم تأني القصة والرواية لأنهما تاليتان للشعر في الأدب الموروث، ويتذيل المسرح لأنه الأبعد عن اهتمام التيار الإسلامي، وفي الحقيقة لم ينجح الأدب الإسلامي كثيراً في لفت انتباه المجتمع والمثقف العادي بالدرجة الكافية ربما لتعمد إغفاله إعلاميا وربما لأنه لم يقدم المستوى اللافت بل إن كثيرون من التيار الإسلامي نفسه لا يعيرون الأدب الاهتمام الكافي.. حتى أنني في السجن سمعت الأخ المكلف بالإعلان عن المنتدى الأدبي يقول: “مين عاوز يشترك في المنتدى الأدبي والكلام الفاضي”

10نلاحظ كثيراً أن عدة ألقاب تسبق بعض الأسماء، فهذا “القاص والكاتب والشاعر”، وذلك “الناقد والمسرحي والروائي”.. إلَخ. فهل أنتم مع “احتراف” الأديب لفنٍّ واحد؟ وما مدى تأثير عدم الاحترافية والتخصص على المشهد الإبداعي؟

الألقاب ديدن العصر سواء الأدب أو السياسة أو غيرهما وهو بالمناسبة لا يعكس أي قدر من الاحتراف بل هي من باب التفاخر لا أكثر، لكننا بحاجة إلى خلق تيار فعال في كل مناحي الحياة بما يستوجبه من التخصص والاتقان لكنها تظل مجرد أمنيات في ظل المشهد السياسي الذي يجتاح العالم الإسلامي بمطاردة الإسلاميين والتنكيل بهم، فمن ذا يأبه للشعر في زخم الاعتقالات والتصفية الجسدية؟

11يعاني المشهد الشعري أيضاً من تعدد النسخ عن الشعراء الكبار، ومِن حضور هؤلاء الشعراء في مجموعات غيرهم. فبماذا تنصحون لصناعة التفرد والهوية الشعرية الخاصة؟

أذكر في عام 1983 أن كتبت قصيدة اتسمت سمة شعر الأستاذ فاروق جويدة ولما عرضتها على أحد الشعراء قال لي صوتك في القصيدة مش نقي، وهنا يكمن دور الحاضنة الأدبية التي ينمو في كنفها الشاعر حيث يجد التبصير والتوجيه منذ اللحظة الأولى، وأيضا حين ينوع الشاعر مصادر تلقيه ويتفاعل مع النقد سيبتعد عن التناسخ الذي قد لا يحس به زمنا حتى يظن أنه صوته الأصيل، وأخيرا فكلما أوغلنا في تسطيح الحياة الأدبية والثقافية والعلمية كلما أنتجت مسوخ مقلدة تهتم بالشكل على حساب المضمون.

12– ما الطموح بالنسبة إلى الأستاذ إسماعيل .. إلى ماذا يطمح قلمه الشعري  والروائي؟؟ وفي رأيكم، ما أهم التحديات التي تواجه الأديب الملتزم في هذه المرحلة؟

حتى الطموح ضمرت قامته في هذا الزمان فكيف بمن شارف الستين!! لم يعد الطموح ممكنا اليوم، كنت في الثانوية أرغب في الالتحاق بكلية الإعلام لأكون صحافيا كاتبا لكن كبار العائلة وقتها رفضوا  وقتها بحجة أن هذه الكلية تستلزم وساطات قوية، ولا يجدون لها قيمة بعكس الحقوق التي تبلغ بصاحبها مناصب عليا، واليوم كل ما أرجوه أن ترى كتاباتي النور.

13كثرت المنتديات والمواقع الأدبية على شبكة الإنترنت، وانتشرت صفحات الشعراء في المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الجديد، وتميز بعضها وأصبح مهمًّا لدى شريحة واسعة من المتصفحين، وقد وجَد الكثير من الأدباء والكتَّاب فيها ما يُشبعون به تطلعهم إلى الانتشار، أو النشر على الأقل. ولكن من النادر أن نجد من يخصص موقعاً لخدمة الأدب الإسلامي ومنهجه وأجناسه، فهل تسلطون الضوءَ على ذلك؟

كما أسلفت الاهتمام بالأدب عموما والأدب الإسلامي خصوصاً صار نادراً غاية الندرة ومن ثم فإن الاهتمام به يتناسب طرديا بين العرض والطلب لكن إحياء وبعث الأدب الإسلامي خاصة والطرح الإسلامي عموما يتبع توهج التيار وانسيابية نشاطه في المجتمع أو انطفائه، والحاصل أننا نتعرض لهجمات شرسة تقوض كل طرح لنا في الحياة العامة والأمل في الله ثم في الأماكن الأكثر استقرارا وربما يأتي يوم تصطبغ فيه الحياة في بلادنا بالسمت الإسلامي في شتى مناحي الحياة.

14 ما هي مشاريعكم المستقبلية في عالم الأدب ؟ وما هي المشاكل التي تواجهك كأديب؟

أصدقك القول أنني بعد مشروع المنتدى الأدبي في سجن الوادي الجديد ومشاركتي في تحرير موقع الجماعة الإسلامية قبل وبعد الإفراج عني ثم سنوات ما بعد الخروج وسعيي لتوفير الحد الأدنى من مطالب العيش لم أجد وقتا للتخطيط والتمني في عالم الأدب سوى محاولات التعامل مع دور النشر عقب خروجي وما تبين لي وقتها من فجوة زمنية بيننا وبين حياة القرن الحادي والعشرين بما يشمله من تقنيات ووسائل تواصل وهو ما يمكنك رصده من خلال فيسبوك وغيره في تفاعل من أمضى في السجن سنوات الانترنت والتطور التكنولوجي.

15مررتم بتجربة الاعتقال السياسي الطويل الأمد في ظل ظروف تنطبق عليها كل ما ورد في حكايات ادب السجون الضارية، هل فكرتم أن تكتبوا عن ذلك الوجع وتلك التجربة ؟ وماذا عن ذكريات في الاعتقال السياسي؟

أنا أسجل تجربتي في كتابين اولهما عنونته مؤقتا باسم ( لابد وأنك زرت سجون) وآخر بعنوان “بوح الزنازين” وأوشكت على الانتهاء من كتاب ثالث عن الأخوات ودعمهن للأزواج بعنوان “النجوم السوداء” لكنها لم تكتمل بعد.

واما ذكريات السجن فحسبي أن أخبرك بتجريم حيازة القلم والورقة والكتاب لأكثر من ثماني سنوات منذ 1995 حتى 2003

16اول انتاج لكم كان في فن الرواية بعد سنوات طويلة ما الذي اخركم كثيرا ولو تكن لكم مساهمات أدبية من سنوات في الرواية والقصة والشعر

اقصد على صعيد الطباعة والنشر.

أولاً أنا كنت ضمن فريق محرري موقع الجماعة الإسلامية منذ ستة أشهر سبقت خروجي ونشرت فيها كثيرا من كتاباتي في السجن سواء الأدبية أو الفكرية، وشاركت بالكتابة في مواقع أخرى وسعيت للتعامل مع دور النشر وفوجئت أن الأمر يستلزم تعلم الكتابة وورد عبر الكمبيوتر وأن يكون لك إيميل وهذا ما كنا نجهله تماما عند خروجنا واحتجنا لسنوات لتوفيق أوضاعنا مع تلك المعطيات وقبل ذلك كنا مثقلين بالأعباء والالتزامات تجاه أعمالنا وأولادنا فكنت كالمعلق بالساقية تدور بلا جدوى من أجل توفير ضرورات البيت والأولاد، وأخيرا فقد كنا بحاجة للتأقلم مع مستجدات الحياة والأدب، لقد كانت ملحمة بالغة الوعورة أن تتفاعل مع الحياة بعد غياب 14 سنة ظهرت فيها الفضائيات والانترنت وتطور فيها الكمبيوتر.

أدب السجون قبل وبعد طوفان الربيع العربي زكرياء بوغرارة الحلقة الأولى

عندما  أطل الربيع العربي على البلاد العربية بثغر مبتسم .. وبإشراقة هائلة  كالريح الطيبة.. بعد عقود  طويلة  من القهر والقمع والعنت والمقت  والسجون ومعتقلات الاستبداد.. حينها كان أدب السجون يكاد أن يدخل إلى مستودعات التاريخ

  بعد أن  رفرفت الحرية بجناحيها  في الفضاء الهائل .. مؤذنة بنهاية  عهود العصا والزرواطة والهراوات وأدوات  القمع والتعذيب  كلها المعروفة وتلك التي ظلت  طي النسيان والكتمان والجدران…

 كانت على الأقل  أمنية … تحمل آمالا  في المستقبل الخالي من الطغاة…

ليس غريبا أن ينحسر أدب السجون في أجواء الحرية فقد سقطت الأصنام تباعا ..

 وصاحت الشعوب صيحة الملتاع الموجوع ..

 {{ الشعب يريد}}…

 يريد حرية

 يريد كرامة

 يريد عيشا كريما وحقوقا حقيقية للإنسان… لامزيفة  أو مجرد  ديكور لواجهة  حقوقا شاملة كاملة غير مزيفة ولاخادعة  ولامجزّأة  او متاجرا بها …

 كان  من الطبيعي  أن يكون  هناك منعطف هائل ينتهي بزمن العتمات  وفيه تبدأ  حكايات البوح بعد الظلمات.. إنه لاشك  الانبعاث الهائل من القبور  وقيامةالأاجداث من أمكنتها المعتمة التي ظلت تثوي  في دفائنها زمنا سحيقا عندما كانت ضمن  قوافل الموتى الاحياء…

 الموتى الاحياء كلهم حكاية وجع متعددة المآسي ….

 عندما  هلّت بشائر الحرية وهبت نسماتها العليلة في الربيع العربي.. كنا على موعد من  ازدهار ادب السجون لأن حكاية السجون كانت ستروى  على الطريقة الشهرزادية …  لتميط اللثام عن كل آثام الاستبداد.. وبعدها كنا  نأمل أن نودع  ادب السجون ليحل محله  أد ب الحرية…

 ولكن… كان ل {{ لكن}} المنافقة كما كان يصفها المفكر المصري  خالد محمد  خالد.. كان لها رأي آخر مع إجهاض الحلم ونهاية الأمل الذي لايزال يرنو للعودة  بالربيع  من جديد فنحن في مواسم الشتاء والصقيع والقحط والاستبداد بلون جديد أشد  قسوة مما كان عليه قبل الربيع العربي المجهض..

  كنا نرقب ولادة وموتا … ثم ولادة   جديدة لأدب جديد..

 لكن تبين لناا من جديد  أن  لنا مع موعد جديد مع القهر  في حلقات جديدة  من ادب السجون في  مشهد ما بعد الربيع العربي…ستروى ذات يوم

قبل أن يزهر اللربيع  في صقيع القهر والاستبداد

 ذات يوم من ذات  قهر كتب الروائي المبدع عبد الرحمان منيف   روايته  الموجعة حد الألم {{   شرق المتوسط}}  أرخ فيها لتجربة الاعتقال السياسي بكل لحظاتها الفائقة والعنيفة … اذكر أنني   اقتنيت    نسخة من طبعتها الأولى  وعشت معها لأيام استحضر تفاصيل كل مشهد… كانت من أقسى اللحظات التي مرت علي وأنا بين جوانحها وفي حضرتها… ثم قدّر لي بعدها بعشرة  سنوات أن اعيد قراءتها ولكن هذه المرة  داخل  السجون  وفي حالة اعتقال سياسي كما كان بطل الرواية  {{ رجب }} مع اختفلات بسيطة بيننا  لكن الجلاد هو الجلاد والقهر  هو القهر وكل الوجع  هناك  هو امتداد   لوجعنا هنا حيث كنت .. في أقبية السجن المركزي القنيطرة ..

 لا أدري  هل هي غفلة  من الرقيب أم  لا مبالاة   ممن كان يشرف على المكتبة السحنية  ام  لخطأ ما  لا أعلمه  جعل الرواية تقع في يدي  عندما توصلت من مكتبة السجن بلائحة الكتب  وما إن    ارتطمت عيناي بعنوان رواية  {{  شرق المتوسط}} حتى ارتميت عليها  بلا تماطل… كانت قراءتها في السجن والسجن المركزي القنيطرة  ذ ات لون لا أجسر على نقله لأنها لحظات إنسانية موغلة في الوجع خاصة ونحن  يومها حديثي  خروج من المعتقل السري…

  ما أقسى أن تقرأ عن  أدب السجون في السجون..

 قال  منيف في روايته تلك ما اعتبره مفتاحا  لفهم مغاليق إدارة القهر في بلادنا التي  وسمها  ب{{ شرق المتوسط}}

{{سقوط الإنسان مثل سقوط أبنية، تهتز في الظلمة، ترتجف، ثم تهوي وتسقط، ويرافق سقوطها ذلك الضجيج الأخاذ، ويعقبه الغبار والموت واللعنة”

 قبل الربيع العربي كان سقوط الأنسان كل  يوم  بفعل معاول القهر  ربما  يختفي مع النطق بأول كلمة من فمه أو  خطه لأول عبارة يصنفها النظام العربي    على أنها  ضمن كل ما من شأنه.. أن يمس امن الدولة … ورويدا رويدا تحاك الروايات وتصير محاضرا تتحول الى سفينة قيد الغرق في عمق البحر  ليهوي   راكبها في القرار السحيق.. حيث يكون المثوى  بطن الحوت.. ينتقل به من سجن لسجن ومن معتقل  لمعتقل ومن يد جلواز لجلاد.. الى ان يخرج منها إن ولد ذات يوم ومعه قفة أمراض عضوية ونفسية  ليواصل رحلة سجن كبير  .. بحجم الوطن..

 ممنوعا من العمل  ومن الزواج الذي يصبح عسيرا ومن السكن ومن السفر  ومن كل شيء  من شأنه أن يحّرره من ربقة القهر ..

 قليلون استطاعوا الفرار  من   الوطن الكبير الى  البلاد الأخرى ليتنسموا قليلا من نسائم الحرية …. هناك يصبح السحن منفى أختياريا… او اضطراريا…  واحيانا اجباريا… قهريا.. تعسفيا لابديل عنه الا  سجن داخل اسوار الوطن…

ما أروع تشبيه معاول القهر   الاستبدادي للإنسان  وهو يهدم  بفؤوس متعددة أقواها وأضراها.. الفأس الذي يهشم جمجمة الحرية ويسوق للمعتقلات السرية والعلانية

هكذا استطاع أدب السجون الذي حمل عاتقه وهمه الأّول  رواده من النخب المثقفة على اختلاف اديولوجياتهم ما بين اليساريين والإسلاميين.. لتنقل  منه  شذرات تروى  الحكاىة التي ستظل   طي الكتمان والجدارن..   ربما غيّب الموت اكبر   صفحاتها مع  غياب من عاشوها…بكل مرّ ها وحنظلها

    لهذا كان الادب بوابة  نقل  المعاناة الإنسانية  داخل السجون ليمنحنا ادبا ارتبط بالسجون له ألق غريب وتذّوق فريد   ومنه تنثال مشاعر شتىّ  شديدة التناقض  موجعة في كل تفاصيلها الدقيقة والجليلة…

 يرى محمد أمين العالم الناقد المصري الكبير عن الرواية العربية في أدب السجون،  انها {{تندرج أساساً في إطار الرواية الدرامية حيث يشكل المعتقل في حد ذاته الحدث، في حالة الفعل والحركة}}  فهي تتخذ  اشكالا أدبية متعددة    في شكل مذكرات أو خاطرة  أوشعر  ومقالة  وقصة  لكنها اشد عذوبة  وعاصفة  في الرواية التي تأخذ مساحات كبيرة لرصد  اعظم  كمّ من المشاعر والمشاهد والاحداث… بتفاصيل  تنقل الصوت والصورة والمشاعر  الحسية  .. فتحولها أمام  القارئ الى ما يشبه الفيلم الوثائقي يمر  أمام ناظريه الشريط    فلا يكّف عن متابعته إلى النّهاية   بعد ان   تتملكه الدهشة من هذا العالم المغلق العجيب..

 دهشة ممزوجة بانبهار عاتي …

 هكذا  هي  الرواية  في ادب السجون

 بدايات ادب السجون في التاريخ المعاصر

عندما استشرى القهر وفتحت اقبية المعتقلات  لإبادة البشر  انبثق ادب السجون

في الأدب الروسي كتب دوستويفسكي رواية عن تجربته في السجن، فيما يشبه المذكرات  وهي الموسومة ب: “ذكريات من بيت الأموات”. لم يقيّض لها أن تكون  في مصاف ألمع رواياته إن قورنت برواية “أرخبيل الغولاغ” لسولجنتسين  التي نالت شهرة واسعة، وتم  توظيفها  في الغرب، وفي أميركا، للتشهير بالممارسات القمعية لأجهزة الأمن السوفييتية آنذاك.. لكنهما  من  أوائل ما  كتب عالميا عن  رحلة الموت في  جحيم السجون..

في عالمنا العربي يذهب  بعض الباحثين الى القول..    أن بدايات هذا الفن الأدبي المرتيط بعالم العتمة.. ضمن ماهو مكتوب ومنشور بالعربية الى  مرحلة الاستعمار

وربما تكون أول رواية تحدثت عن عالم السجون هي «وراء القضبان» للمصري «أحمد حسين»، التي صدرت عام 1949، وروى الكاتب فيها سيرته الذاتية وتجربته بعد أن كان أحد الناشطين السياسيين ضد الاحتلال الإنجليزي….

 لاشك أن  سجون الاستعمار   الغربي {{  فرنسا في شمال افريقيا وانجلترا  ودول أخرى في الشرق الأوسط ..}} كانت   مكانا خصبا للمعاناة والقهر والاضطهاد والابادة.. لم  تكتب  فيها الأقلام إلا النزر اليسير بالمقارنة مع  المدة الزمنية الهائلة التي  قضاها الاستعمار في المنطقة    بموازاة مع هول عظيم من القمع للحريات واغتصاب الأرض واستعباد السكان الأصليين… وما صاحبه من مقاومة   ونضال شعبي متواصل لعقود الى ان تّوج بالتحرر…

 وعندما  رحل المستعمر للأسف تولّى  قيادة الشعوب  المستضعفة  أناس من بني جلدتهم لكنهم لم يختلفوا عن المستعمر   ذلك ان معظم البلدان   بعد رحيل الاستعمار رزحت ولاتزال تحت نير الحكم العسكري   وتتابعت عليها الانقلابات والخودات العسكرية ومعها تواصل القمع وسحب كل نسائم الحرية  مع التفقير والتهميش وسرقة الثروات  ومقدّرات الدول  لتودع في بنوك الغرب.. ويظل  الانسان فيها مشروع حذف متواصل…

 لاشك أن   وضعا مأزوما كهذا أفرز مرارت كثيرة  رصد ادب السجون نزرا من جوانبها بالمقارنة مع هول ما مر بالشعوب من قهر وعسف وعنت ومقت..

طواف في سجون العرب

السرية والعلانية

في كل  بلاد منيت بحكم الاستبداد.. بمختلف صوره  وفي طليعتها من هيمنت عليها أصحاب  الخودات العسكرية  ..  تجد معتقلات مقيتة   لاتنسى  وهي محفورة كالحفريات العميقة في العقل الجمعي لكل شعب   في المغرب كانت معتقلات تازمامرت وقلعة مكونة  دار المقري درب الشريف المعاريف معتقل تمارة … والسجن المركزي القنيطرة  هذا السجن المنصنف كمكان للقهر يتعرض السجناء فيه  {{ إلى معاملة قاسية وغير إنسانية، فهي متنوعة وفقًا للهدف من التعذيب}} وبين جوانحه اشد العنابر السجنية مقتا وغضبا {{ حي الإعدام}}.. ثم المؤبدات….

كان السجن يستعمل منذ العهد الاستعماري لأصحاب الأحكام الثقيلة. واستعمل في السبعينيات والثمانينيات للمعارضين اليساريين ثم الإسلاميين، ويستخدم حاليا للمتهمين بقضايا الإرهاب.

يقع هذا السجن المغربي على بعد 25 كيلومترًا من العاصمة الرباط، وهو الأكبر  والأقدم في المملكة المغربية. يضم غالبية السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وقد وصفته المنظمة الأميركية غير الحكومية لمناصري حقوق الإنسان بالقول أن “{{ظروف سجن القنيطرة كارثية في أحسن الأحوال ومهددة للحياة في أسوئها}}”.

 وفي مصر كان لاظوغلي والسجن الحربي   الباستيل والليمان.. وسجن العقرب  المقيت   وقد افتتح في عام 1993 بني سجن “العقرب” المصري، في منطقة سجون طرة المركزية الواقعة جنوب القاهرة، صمم على غرار السجون الأمريكية، وهو نسخنة مكررة لمعتقل “جوانتانامو”، يحاط السجن بسور يبلغ ارتفاعه سبعة أمتار وبوابات مصفحة من الداخل والخارج، ويتكون من 320 زنزانة مقسمة على أربعة عنابر.

اليوم تستخدم السلطات المصرية في هذا السجن الكثير من أساليب التعذيب، منها على سبيل المثال {{الإهمال الطبي للقتل البطيء للمعارضين، }}يقول مدير مركز شهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إن: “{{هناك إصرارًا وخطة للتخلص من الاسلاميين عبر سوء المعاملة والإهمال الطبي ومنعهم من تناول أدويتهم، مما أدى إلى تدهور حالتهم الصحية، فالتعذيب الممنهج في سجن العقرب لا يسقط بالتقادم، وأن ما يجري هو قتل عمد وقد توفي الى الآن  داخله المئات من السياسيين

وفي الجزائر سجن البرواقية يقع بولاية المدية،معروف منذ عهد الاحتلال الفرنسي للجرائز.  يرتبط اسم السجن بمجزرة حدثت عام 1994 عندما حاول بعض السجناء التمرد، يقول أحد شهود المجزرة: “كان وضع المساجين مأساويًّا حقًا، حيث لا أكل ولا ماء ولا ضياء، ولا أيّ شيء يمكّننا من المقاومة، لمدة ثلاثة أيّام..وهو من أشنع سجون الجزائر وأكثرها سوءا

وفي تونس برج الرومي وهو أسوأ السجون التونسية سمعة، وأكثرها تسجيلًا لوقوع الانتهاكات الممنهجة إبان عهد الرئيس السابق علي زين الدين، وحسب جمعية مكافحة التعذيب في تونس فآلاف المعتقلين السياسيين في السجون التونسية عذبوا حتى مات بعضهم في عهد بن علي واختفى البعض الآخر…

في الأردن   سجن جويدةيقع هذا السجن شرق العاصمة عمان في منطقة الجويدة، ويشتهر بسوء معاملة السجناء والمعتقلين، حتى قيل أنه في الشتاء ونتيجة للبرد القارس تجف عظام المعتقلين من سوء المعاملة

وفي لبنان  سجن رومية  ويعد  أكبر السجون في لبنان ويقع في شرق العاصمة بيروت. وتبلغ طاقته الاستيعابية 1500 سجين بينما يقدر عدد السجناء القابعين فيه بما بين أربعة آللأأاف وخمسة آلالاف معتقل

معظم سجناء سجن رومية هم من الإسلاميين، ويشتهر السجن بكثرة أحداث التمرد خلاله بسبب سوء المعاملة، وقد كان سجن رومية بؤرة للنقاش الإعلامي منتصف العام الحالي إثر تسرب مقاطع فيديو أظهرت عملية تعذيب للسجناء داخل السجن.

وكانت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة{{ نشرت تقريرًا نهاية عام 2014 تضمن الإشارة إلى ممارسات التعذيب والمعاملة القاسية وغير الإنسانية في لبنان. وأشار التقرير إلى أن التعذيب في السجون والمقارّ الأمنية والعسكرية اللبنانية أمر “شائع وممنهج}}

وفي البحرين سجن “جو” الذي يوصف بأنه الأسوأ في البحرين، هذا السجن عبارة عن مجمّع لعدة سجون شيد في منتصف السبعينيات كمبنى واحد ثم أخذ يتوسع به حتى أصبح يضم أربعة سجون، ويضم العدد الأكبر من السجناء الجنائيين والسياسيين

وفي العرق هناك سجن الكاظمية و يعد سجن الكاظمية الأسوأ في العراق، فهذا السجن الواقع في الضاحية الشمالية من بغداد هو “المكان الذي يختفي فيه العراقيون” كما أكدت صحيفة نيويورك تايمز، إذ أنه المكان الأكثر الذي يُعدم فيه العراقيون بالدرجة الأولى

وفي سوريا  فرع فلسطين والعديد من معتقلا ت السر وسجون المقت اشنعها سجن تدمر يقع هذا السجن نحو 200 كم شمال شرق العاصمة السورية دمشق، وتحديدًا في ريف حمص، وهو أكبر سجون النظام السوري، والأسوأ حتى على المستوى الدولي، إذ يمتلك فيه الحراس صلاحيات بقتل أي معتقل برصاصة أو تعذيبه حتى الموت دون حتى إبداء أي أسباب.

وشهد هذا السجن واحدة من أكبر المجازر على المستوى العالمي، وقعت في الثمانينيات عندما تعرض الراحل حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة، وأودت المجزرة بحياة مئات السجناء غالبيتهم من جماعة الإخوان المسلمين بسوريا.

يذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” تمكن في مايو الماضي من تدمير السجن…

وفي الإمارات  سجن “الرزين” الإماراتيالأسوأ سمعة بين سجون الإمارات، ففي هذا السجن يقضى المئات من المعتقلين السياسيين الإماراتيين أحكامًا مشددة عقابًا على مطالبتهم بالإصلاح السياسي، إذ يعتاد هؤلاء على اقتحام الحراس للزنازين وضربهم ومصادرة مقتنياتهم، وإغلاق نوافذ كافة الزنازين بالطوب لمنع دخول أشعة الشمس، ويحرمون من النوم، ويجوعون، ويمنعون من الزيارة

وفي السعوديةيعد الحاير أكبر سجون السعودية، ويقع على بعد أربعين كيلومترا جنوبي العاصمة الرياض، وهو أكثر سجون البلاد تحصينا، حيث يخضع لرقابة أمنية مشددة.

افتتح السجن عام 1983، وتشرف عليه المباحث العامة السعودية، ومعظم سجنائه مدانون في قضايا إرهاب، بمن فيهم من نفذوا هجمات لتنظيم القاعدة داخل السعودية، وتشير مصادر أخرى إلى أنه يستقبل أيضا سجناء الرأي.

الروايات والقصص التي نقلت تجارب أصحابها بعد أن قضوا فترات طالت أو قصرت في السجون

 في مرحلة  احتدام الاعتقال السياسي في العالم العربي من الخمسينات وحتى مشارف اندلاع شرارة الربيع العربي عندما رفت  المطالب الشعبية  بالحرية  والذي  أعلن عن إرادة الشعوب {{ الشعب يريد اسقاط النظام }}….

خرجت من  بين   جدارات المعتقلات  العديد من    روايات  شكلت العمود الفقري لأدب السجون في تاريخنا المعاصر…

  ذلك أن ادب السجون هو كل ما خرج من بين  براثن العتمة  من  تحت ظلفها ونابها ومن  أعماق بطن الحوت الرهيب    ليروي الحكاية الشهرزادية التي لاتنتهي عن عالم الوحوش الكاسرة في   الأمكنة المغلقة…

  سنتطرق هنا لجكملة من روايات  السجون   ذات الطابع السياسي.. ما بين الشام ومصر والمغرب ..

 كنموذج.. للعتمة القاهرة التي تغطي كافة  أرجاء  الوطن العربي وخارطته من المحيط إلى الخليج…..

شرق المتوسط -عبد الرحمن منيف

صدرت طبعتها الأولى عام 1975، وهي واحدة من رائدات الأعمال الروائية العربية عن الاعتقال السياسي، إذ استلهمتها أعمال تالية كثيرة. عرض عبد الرحمن منيف فيها سيرة غير محددة، من حيث الزمان والمكان لكنها غطت مساحات  كبرى  للقمع السياسي، ولعله عندما  أخفى  هذين البعدين من أبعاد العمل الروائي الأساسيين،{{ أراد تقديم تعميم أساسه التشابه بين دول ما بعد الاستقلال في الوطن العربيّ. يعالج النص الروائي وضعيات المعارضة السياسية في هذه الدول من خلال سيرة معارض في سجون الاعتقال السياسي، ويتعرض بوصف دقيق لإشكاليات التعذيب والاعتراف والتحقيق}}

ثم اتبعها لاحقا بالرواية التي تحمل نفس العنوان  ونفس الوجع بنفس النسق {{ الآن هنا .. أو   شرق المتوسيط مرة أخرى}}.

 القوقعة – مصطفى خليفة

رواية القوقعة تعد من بين اشهر  الروايات التي غطت معاناة السجةون السياسية خاصة  في حالة السجن السوري الرهيب {{ تدمر}} بل  تعد القوقعة منأهمها وأشهرها. حيث حققت هذه الرواية الصادرة للمرة الأولى عن دار الآداب عام 2008، رواجًا عاليًا، {{ربما لأنها العمل الذي اعترف صاحبه بوضوح، أنه شهادات شخصية وحقيقية في رواية، وهذه المرة عن سجون حافظ الأسد في سوريا.}}و يصف العمل الذي يعد من أهم الروايات عن سجن تدمر{{ تجربة الطالب السوري الذي عاد إلى وطنه، فانخطف فور وصوله إلى المطار، وبقي في سجن النظام 13 سنة من دون تهمة واضحة، أو معروفة. هذا عمل فريد، ، إذ استطاع خليفة أن يقدم{{ تجربة عن آليات عمل أنظمة المخابرات السورية، التي تحكمت عشرات السنين في مصائر عائلات وأشخاص، ومجتمع كامل ربما. إضافة إلى قدرته على تقديم قراءة نفسية للسجن وضحاياه، إذ يجيء في العمل تأكيد متكرر على التغيير الذي يفرضه المكان المغلق، فلا يمكن أن يخرج الإنسان كما دخل}}.

تعد الرواية وثيقة هامة  ترصد تفاصيل ونتوءات الوجع  عن سجن تدمر{{ تمس حياة آلاف السوريين الذي وجدو نفسهم فجأة في أقبية لسنوات طويلة، من دون تهمة، أو لأنهم فقط فكروا على عكس ما يريده السجان}}. 

تلك العتمة الباهرة – الطاهر بن جلون

صدرت الروايةبالفرنسية عام 2000، وترجمت إلى العربية من خلال دار الساقي. تروي الرواية سيرة واحد من المعتقلين المتهمين بالقيام بانقلاب الصخيرات  ضد النظام الملكي بالمغرب عام 1971. وصاحب السيرة واحد من أفراد الجيش. يؤرخ العمل لتجارب في سجن تازمامارت، واحد من أكثر السجون المغربية التي عرفت التعذيب لدوافع سياسية، وأكثر السجون سرية في فترة من فترات التاريخ المغربي

الزنزانة  رقم   10

رواية توثيقية لاحمد المرزوقي عن سجن مقيت ذائع الصيت  ظل فيه  مع  مجموعة من المختطفين قرابة العشرين سنة وهو على نسق ما قصته   رواية   تلك العتمة  الباهرة

 بين السجن والمنفى – أحمد عبدالغفور عطار

صدرت  الطبعة الأولى عام 1981، يروي فيها الكتاب سيرة شخصية أقضاها في الاعتقال  لتسعة شهور ، كانت فترة السجن المذكورة في سجون المملكة العربية السعودية، وكانت تهمة الكاتب أنه كان يكتب ضد المملكة السعودية والسلطات في الصحف المصرية.

السوريون الأعداء – فواز حداد

تعد رواية “السوريون الأعداء” من أهم الروايات عن سجن تدمر أيضًا، وقد صدرت الرواية عن دار رياض الريس للنشر في بيروت عام 2014. {{ومع أن الرواية تؤرخ للحظة تاريخية حاسمة في تاريخ الاستبداد في سوريا والقمع في سجن تدمر، أي مجزرة حماة في الثمانينيات، فإن الكاتب يحاول فهم العلاقة بين ما حدث هناك وما يحدث اليوم في سوريا إبان الثورة على النظام المستبد، ويعرض تفاصيل مهمة عن بنية النظام الطائفي والعائلي في سوريا، الذي يستند على مركزية طائفة، ثم مركزية عائلة ثم مركزية شخص. يتطرق أحد أجزاء العمل إلى حياة سجين في سجن تدمر، واحد من أقسى سجون الاستبداد، الذي لاقى اهتمامًا واسعًا، فهنالك روايات عن سجن تدمر تعرض تجارب التعذيب والأسر، كما عرضنا في رواية القوقعة التي تتحدث عن تجربة في نفس المعتقل في سجن تدمر سيئ الذكر}}

فرج – رضوى عاشور

صدرت الطبعة الأولى من العمل عن دار الشروق عام 2008. لرضوى عاشور  أعمال  أخرى  عن أدب السجون ،{{ إذ تنقل تجربة أجيال متتالية تخصها مع السجن، بدءًا من تجربة والدها ثم تجربتها هي، وأخيرًا تجربة شقيقها الصغير. ومن خلال هذه الأجزاء الثلاثة يعرض العمل تفاصيل الملاحقة والقمع السياسي في فترات مختلفة، وكأنها أرادت أن تقول، إن التجربة واحدة ومشتركة}}.

شرف صنع الله إبراهيم

روايات من أدب  السجون كروايته {{ تلك الرائحة  وان كانت رواية  “شرف” عدة  تعد الأهم وقد اُختيرت من قِبل “اتحاد كتاب العرب” كواحدة من أهم مائة رواية عربية على مر العصور، حيث يفضح فيها الكاتب العالم {{المسكوت عنه خلف القضبان، حيث يروي قصة شاب فقير تضطره الظروف لارتكاب جريمة قتل بدافع الدفاع عن الشرف ضد “جون” الأجنبي الذي حاول الاعتداء عليه جنسيًا، ليدخل “شرف” إلى السجن ويكتشف هناك هذا العالم الموبوء الذي يجب عليه فيه أن يتخلّى اور عن “شرفه” من أجل المحافظة على حياته}}.

العصفور الأحدب

العصفور الأحدب تعد  تجسيدًا لأدب السجون على المسرح، حيث اشتهر  الأديب السوري محمد”الماغوط بتوظيف السخرية في الأدب من خلال التهكم في الميدان

الاجتماعي والسياسي، كتبها “الماغوط” عام 1960 من محبسه ,,,

سميت بالعصفور  الأحدب  والسبب في ذللك {{يعود إلى انتشار الزنازين ذات الارتفاعات المنخفضة التي تُشكل تقوسًا في الظهر لدى السجناء، أما العصفور فيرمز به الماغوط إلى الإنسان الحر.

يسلط الماغوط الضوء على السلطة التي تلاحق المواطنين بشكل مستمر بسبب خوفها أن يقيموا مؤامرات ضدهم، فنرى في المسرحية أن الشرطة تلقي القبض على المواطنين دون أن يقترفوا أية جرائم تستحق السجن والتعذيب}}

الخلاص يا شباب، 16 عامًا في السجون السورية “ياسين الحاج صالح”

كتاب آخر من فئة أدب السجونفي  سوريا، {{حيث قبع ياسين الحج صالح بسجون الأسد الأب والابن ستة عشر عامًا. يقولكاتبها  في مقدمة كتابه بأنه {{“لم يف ما كُتِبَ عن السجن السوري حتى اليوم التجربة حقها. سُجن آلاف ومرّ بتجربة السجن عشرات الآلاف، ولم تُكتب أو تُنشر غير بضعة كتب”، ورغم تجربته طوال تلك الفترة إلا أن كتابه خرج موضوعيًا به من حكي تجربته الشخصية والروحية أكثر مما به من حكايات الألم

صدرت عن دار الساقي العام 2012

حدائق الملك

يصنف الكتاب  ضمن الشهادات والمكرات وهو وثيق الصلة بأدب السجون تروي فيه فاططمة اوفقير زوجة الجنرال  اوفقير .. وهو امتداد لرواية على نفس النسق لابنتها مليكة اوقير {{ السجينة }} التي أرخت فيها لتجربتها في الاعتقال

 وهما شهادتين عن مرحلة  فاصلة في تاريخ المغرب المعاصر التي شهد فيها البلد اعنف  السنوات بانتهاكاتها وسجونها السرية….

يتبع في الحلقة الثانية

{{سوق أدب السجون في أوجها  مع  منعطف الربيع العربي}}