أرشيف شهر: مارس 2021

التجربة الأدبية الفلسطينية في المعتقلات “الإسرائيلية”

التجربة الأدبية الفلسطينية في المعتقلات “الإسرائيلية”

على الرغم من المعاناة التي يواجهها الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن المعايشة اليومية للقهر والقسوة في ظل احتلال لا يعرف الرحمة ويمارس شتى أنواع العذاب بحق الأسرى تخلق نسيجًا من  العلاقات الإنسانية المتميزة التي تجمع المعتقلين وتؤلف بين قلوبهم؛ ما يسهم في إيجاد جو خصب متميز تنمو فيه إبداعاتهم وتتطور، لتبني طرازًا ذا نكهة فريدة تسجلها اللحظات التأملية التي يحياها السجين بعيدًا عن أهله وأحبته.

إن مجموع هذه الإبداعات التي ولدت في عتمة الأقبية وظلام الزنازين وخلف القضبان الحديدية، التي خرجت من رحم الوجع اليومي الذي يحياه الأسرى الفلسطينيون، والمعاناة النفسية التي كانت نتاجًا لفنون السجان المحتل في التعذيب والتنكيل – اصطلح على تسميتها بـ”أدب السجون”.

ويمثل الأدب الذي كتبه المعتقلون الفلسطينيون في المعتقلات “الإسرائيلية” صورة حية وواقعية للمعاناة التي مروا بها وعايشوها، ولم يأت هذا الأدب تنفيسًا عن لحظة اختناق أو تصويرًا للحظات بطولة؛ إنما عبر عن حالة إنسانية وأبعاد فكرية ونضالية.

وتمتد جذور النتاجات الإبداعية التي تخلقت خلف القضبان، في تاريخنا الفلسطيني، وفي التاريخ العربي والعالمي؛ فثمة أسماء عديدة كتبت الشعر والنثر وأصحابها يقبعون خلف الزنازين.  ومن الأدباء العرب الذين جادت قرائحهم بالشعر والنثر، وسجلوا تجربتهم وهم في السجون العربية: الشاعر أحمد فؤاد نجم (في ديوان الفاجومي)، والروائي صنع الله إبراهيم (رواية/ تلك الرائحة)، والكاتب شريف حتاتة (سيرة/ العين الزجاجية)، وعبد الرحمن منيف (رواية/ شرق المتوسط)، وعبد اللطيف اللعبي (رواية/ مجنون الأمل)، وفاضل الغزاوي (رواية/ القلعة الخامسة)، والطاهر بن جلون (رواية/ تلك العتمة الباهرة)، وغيرهم؛ أما على المستوى العالمي فنجد أدباء وشعراء مناضلين أمثال: لوركا، ونيرودا، وناظم حكمت، ويوليوس فوتشيكو.

وأما في الحالة الفلسطينية، فنجد أن النتاجات الاعتقالية تمتاز عن سواها من النتاجات العربية والعالمية، بأنها الأغنى والأكثر شمولية وزخمًا من حيث الكم والكيف بين تجارب الشعوب وحركات التحرر؛ ويعود ذلك إلى ارتباطها بالقضية الفلسطينية وتحرير فلسطين، وطبيعة الاحتلال “الإسرائيلي” الذي نتعرض له؛ فهو الأطول في التاريخ؛ إذ لم يبق شعب من شعوب العالم تحت الاحتلال غير الشعب الفلسطيني.  ونذكر أن أول كتاب فلسطيني وُضع في أدب المعتقلات هو للكاتب “خليل بيدس” الذي كتب كتابا بعنوان “أدب السجون” أثناء فترة اعتقاله في سجون سلطات الانتداب البريطانية في فلسطين؛ وقد ضاع هذا الكتاب في زحمة أحداث حرب عام 1948.

ومن الشعراء الذين نظموا الشعر في معتقلات الحكم التركي الشاعر الشيخ “سعيد الكرمي”، الذي صدر بحقه حكمًا بالإعدام، واستبدل بالسجن المؤبد بعد الحرب العالمية الأولى؛ وذلك لمناهضته الحكم التركي ومفاسده. وفي عام 1937 كتب الشاعر الشعبي (عوض) على جدران زنزانته أبياتا شعرية تعبّر عن مدى القهر والألم الذي يعانيه جراء تخاذل العرب عن نصرة فلسطين؛ وذلك قبل أن تنفّذ فيه القوات البريطانية حكم الإعدام. كما خلّد الشاعر إبراهيم طوقان الشهداء الثلاثة “عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي” الذين أعدمتهم سلطات الاستعمار الانجليزي عام 1930 عقب ثورة البراق.

ومن الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا في التجربة الأدبية الاعتقالية أيضًا: محمود درويش، ومعين بسيسو، وتوفيق زياد، وسميح القاسم.

مراحل تشكيل أدب المعتقلات:

قد يكون المرء غير مبالغ إذا قال أن نحو 85% من أبناء الشعب الفلسطيني على امتداد مساحة الوطن المحتل دخل المعتقل “الإسرائيلي”، وذاق صنوف العذاب وتشرّب آلام القهر والحرمان، وواجه جلاّده بالصبر والصمود والتحدي؛ منهم من تحرر، وأكثرهم مازال ينتظر، وبعضهم لقي ربه هو يشدّ على القضبان.

ولم يتصر الاعتقال على الرجال؛ بل طال نساء فلسطين المناضلات اللاتي دخلن المعتقل، وتعرضن للتعذيب والقهر والإذلال، إلا أنهن اثبتن شجاعتهن وصمودهن أمام جلاديهن. ومن أسماء النساء اللاتي كتبن خلف القضبان: ناهدة نزال، وزكية شموط، وختام خطاب، وسعاد غنيم، وجميلة بدران، وحليمة فريتخ، وعائشة عودة.

إن المعتقل الفلسطيني بفكره ومحتواه الثوري والنضالي، يشكل هدفًا أساسيًا للاحتلال” الإسرائيلي “الذي كرّس كل طاقاته وجهوده في كل المجالات وعلى كافة الأصعدة لتشويش فكره ووعيه، وتشويه سلوكه وأفعاله النضالية؛ من أجل جعله في حالة شك ذاتي؛ لإحباط توجهاته وتفكيك قدراته الكفاحية والثورية؛ بهدف ترويض إبائه وتحطيم إرادته وصموده.

ومن الأساليب التي سعى الاحتلال “الإسرائيلي” لممارستها على المعتقلين الفلسطينيين لتنفيذ مخططاته، سياسة الإفراغ الفكري والثقافي، التي تهدف إلى زرع ثقافة مشوّهة بديلة، تعمل على صياغة نفسية المعتقل من جديد وتطويعه وفق إرادتها؛ لهذا قامت سلطات الاحتلال بإعلان الحظر التام على الثقافة الوطنية والإنسانية؛ بل على كل وسيلة ثقافية؛ حتى الورقة والقلم والكتاب؛ فقد كانت سلطات الاحتلال تعتبر أن امتلاك ورقة وقلمًا من الأمور المرتبطة بالحضارة والرقي؛ لهذا لم يسمح الاحتلال بأن يتوجه معتقليه نحو رفاهية الحضارة والرقي؛ بل عليهم أن يبقوا تحت القهر والإذلال وكتم الأنفاس؛ فكان لابد للمعتقلين من إيجاد وسيلة للتغلب على مشكلة الورقة والقلم؛ فعملوا على تهريب أدوات الكتابة من خلال زيارات الأهل؛ أو عن طريق المحامين؛ كما استفادوا من مواسير الأقلام التي كانت توزع عليهم لكي يكتبوا رسائل لذويهم مرة في الشهر؛ وكان لا بد من إخفاء إحدى المواسير وتحمّل تبعات ذلك من عقاب جماعي، ومن ثم استخدموا هذه الماسورة في كتابة ما يريدون؛ وبنفس الطريقة تمكنوا من توفير الورق. كما استخدم المعتقلون مغلفات اللبنة والزبدة بعد غسلها وتجفيفها للكتابة عليها.

واستمرت سياسة الحصار الثقافي والفكري من عام 1967 وحتى عام 1970؛ حيث أدرك المعتقلون خطورة الوضع الذي يعيشون فيه، وأحسوا بالفراغ الفكري والثقافي، تحت ضغط عدم تواصلهم مع العالم الخارجي، فهم في عزلة مقصودة ومبرمجة. ما حدا بهم إلى المطالبة بإلحاح ومثابرة بإدخال مواد ثقافية من كتب وصحف ودفاتر وأقلام.  وكانت إدارة السجون الإسرائيلية تماطل في تنفيذ مطالب المعتقلين؛ متذرعة بأسباب عديدة؛ لكن هذه المماطلة لم تثبط عزائم المعتقلين. فخاض السجناء غمار عدة ميادين كالاحتجاج المباشر، والإضراب عن الطعام، والاتصال بالصليب الأحمر الدولي؛ الأمر الذي جعل إدارة السجون ترضخ في النهاية لمطالبهم، خصوصًا بعد الإضراب الكبير الذي عمّ المعتقلات في عام 1970؛ فقد اضطرت سلطات السجون إلى السماح بإدخال الكتب والصحف والدفاتر والأقلام من خلال الصليب الأحمر؛ إلا أنها وضعت قيودًا على ذلك تمثلت في: إخضاع المواد المكتوبة للرقابة والتدقيق والفحص الأمني، وتحديد نوعية الكتب المسموح بإدخالها، وتحديد كمية الأقلام والورق؛ وأخيرا فرضت على كل معتقل أن لا يقتني أكثر من كتاب واحد؛ وفي حالات كثيرة كانت تقوم سلطات السجون باقتحام غرف المعتقلين ومصادرة الكتب والدفاتر والأقلام كعقاب لهم.  ورغم كل هذه الإجراءات والممارسات القمعية التي تمارس ضدهم، إلا أنهم تمكنوا بقوة الإرادة والصمود من إنتاج أدب متميز حمل بصمات التجربة التي عايشوها.

ولم تأت التجربة الإبداعية للمعتقلين دفعة واحدة؛ بل مرت بعدة مراحل صقلتها فغدت جوهرة فريدة أثبتت حضورها ومكانتها في المشهد الأدبي الفلسطيني، وهذه المراحل هي:

المرحلة الأولى ـ

البدايات: وهي مرحلة السبعينيات التي نجح فيها المعتقلون في فرض مطالبهم على إدارة السجون الإسرائيلية. وقد استخدم المعتقلون المواد التي حصلوا عليها في برامج تعليمية، حيث يقوم المتعلم من المعتقلين بتعليم عدد من المعتقلين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة؛ ما دفع هذا المعلم القائم بدور المدرس، إلى تحسين مستواه الثقافي والعلمي؛ لكي يكون قادرًا على العطاء بالمستوى اللائق؛ فأخذ في الاطلاع والقراءة في الكتب المتوفرة بين يديه؛ ما مهد الطريق للانتقال من الدور التعليمي إلى الدور التثقيفي.  وهذا التثقيف ارتبط بالمسألة الحزبية والتنظيمية؛ حيث يقدم المثقف ثقافة حزبية عبر محاضرات يلقيها حول حزبه وأدبيات التنظيم؛ في محاولة لاستقطاب أفراد جدد إلى تنظيمه الذي ينتمي إليه؛ أو زيادة الوعي والمعرفة الحزبية والسياسية لدى أفراد تنظيمه.

وفي هذه الفترة شكّلت الرسائل التي يبعثها المعتقل إلى ذويه الكتابة الأدبية الأولى من خلف القضبان، حيث حاول المعتقلون في رسائلهم استعمال ديباجات إيحائية معينة لجأوا إليها لتمويه الرقيب الإسرائيلي؛ فكانوا يختارون أبياتًا من الشعر أو عبارات من النثر، يسطرون بها رسائلهم. وما بين التعليمي والتثقيفي والأسلوب الرسائلي نتج الإبداع الأدبي؛ حيث لم يكن الأدب معزولًا عن التفاعلات النشطة في الحياة الجديدة التي أخذت بالتبلور بين المعتقلين.  وقد كان الأدب أكثر التصاقًا بواقع المعتقلين؛ فقد كان وسيلة للتعبير عما يعتمل في النفس البشرية.  وكان التعبير بالشعر البدايات الأولى في إبداع المعتقلين، فهو أسرع الأنواع الأدبية استجابة للتعبير عن المعاناة؛ لهذا لجأ عشرات المعتقلين إلى المحاولات الشعرية التي تترجم مشاعرهم وتعبّر عن مكنونهم النفسي. 

ومن الكتابات التي صدرت وتعبر عن هذه الفترة ديوان شعري مشترك بعنوان (كلمات سجينة)؛ وقد صدر بخط اليد في معتقل بئر السبع عام 1975.  ومن المعتقلين الشعراء الذين نشروا قصائدهم في هذا الديوان: محمود الغرباوي، مؤيد البحش، محمود عبد السلام، عبد الله الزق، وليد مزهر، وليد قصراوي، نافذ علان، وليد حطيني، عمر خليل عمر، مشهور سعادة.

المرحلة الثانية ـ

تطور الإبداع وتعدده: كان تطور الإبداع لدى المعتقلين وتعدد أنواعه سمة فترة الثمانينيات؛ ففي هذه المرحلة اتسعت معارف المعتقلين وتشعّبت ثقافاتهم؛ بعد السّماح بإدخال الكتب الثقافية المتنوعة، وخاصة الكتب الأدبية التي كان نصيبها من الرقابة المشددة أقل نسبيًا من الكتب السياسية؛ ما أتاح للمعتقلين فرصة الاطلاع على نماذج محلية وعربية وعالمية دعمت بشكل إيجابي تطور التجربة الإبداعية لدى المعتقلين. كما لعب المثقفون والأكاديميون الذين اعتقلوا في هذه الفترة دورًا أساسيا في التجربة الأدبية داخل المعتقل؛ حيث ساهموا في توجيه المعتقلين من الكتاب والأدباء نحو آليات وقواعد الشعر والنثر.

وقد تمكّن المعتقلون في فترة الثمانينيات من تهريب نتاجاتهم الإبداعية إلى خارج المعتقل؛ واهتمت الصحف والمجلات المحلية بنشر إنتاجهم؛ ما شجعهم على مواصلة الكتابة وتطوير إبداعاتهم.  ومن الصحف والمجلات التي نشرت أعمالهم الإبداعية: البيادر الأدبي، والشراع، والكاتب، والفجر الأدبي، وعبير.  كما عملت دور النشر والمؤسسات الثقافية والحزبية على نشر إبداعات المعتقلين في كتب مثل: اتحاد الكتاب، ودار القسطل للنشر، ودار الآباء والبنون للنشر، ودار الزهراء، ومركز التراث في الطيبة، وغيرها. كل هذا ساهم في تطور التجربة الإبداعية لدى المعتقلين؛ بالإضافة إلى نضوج الحالة الثقافية الناتجة عن المسيرة التثقيفية الطويلة والشاقة التي خاضها المعتقلون مع أنفسهم؛ في سبيل إبراز ذواتهم للخروج من حالة العزلة التي يسعى الاحتلال إلى تكريس فرضها عليهم؛  لهذا ارتقى وتطوّر إبداع المعتقلين، من الشعر إلى الخاطرة إلى القصة القصيرة، إلى النص المسرحي الذي كان يمثل في المناسبات الوطنية داخل المعتقلات، وقد صدرت النصوص المسرحية لاحقا في كتب.

كما تتوجت إبداعات المناضلين الأسرى أيضًا بإصدار روايات من داخل المعتقلات، كانت في أغلبها روايات تسجيلية تحكي واقع المعتقل وظروفه المعيشية، وممارسات السجان السادية تجاه المعتقلين.

كما حاول المبدعون المعتقلون توصيل نتاجاتهم إلى أكبر عدد من المعتقلين؛ وذلك بالتغلب على مسألة النشر غير المتوفرة داخل جدران المعتقل؛ بالعمل على إصدار مجلات أدبية تضم نصوصا أدبية مختلفة لعدد كبير من المبدعين؛ وكان يكتب منها بخط اليد أكثر من نسخة وتوزع على المعتقلين، ومن هذه المجلات: “الملحق الأدبي” لمجلة “نفحة الثورة”، ومجلة “الصمود الأدبي” في معتقل عسقلان، ومجلة “الهدف الأدبي” في معتقل عسقلان التي صدرت عام 1981، وأشرف على تحريرها كل من: منصور ثابت، وعبد الحميد الشطلي، ومحمود عفانة؛ ومجلة “إبداع نفحة” التي صدرت عن اللجنة الثقافية الوطنية في معتقل نفحة، وأشرف على تحريرها كل من: فايز أبو شمالة، وسلمان جاد الله، ومعاذ الحنفي، ومحمود الغرباوي؛ ومجلة “صدى نفحة” التي أسسها عام 1989 كل من المبدعين المعتقلين: معاذ الحنفي، وسلمان جاد الله، وفايز أبو شمالة؛ وكتب على صفحاتها: عبد الحق شحادة، ومحمود الغرباوي، وهشام أبو ضاحي، وهشام عبد الرازق، وزكي أبو العيش، ومنصور ثابت، وماجد أبو شمالة، وسمير المشهراوي، وغيرهم. وقد نشرت دار القسطل للدراسات والنشر بالقدس نسخة من مجلة “إبداع نفحة” كما هي بخط اليد عام 1990، وضمت قصائد شعرية وقصصًا قصيرة، وخواطر، وزجلًا شعبيًا.  ومن المبدعين المعتقلين الذين نشروا على صفحاتها: سليم الزريعي، محمود الغرباوي، هشام عبد الرازق، معاذ الحنفي، وحسام نزال، وكمال عبد النبي، ومؤيد عبد الصمد، وهشام أبو ضاحي، وبسام عزام، وليد خريوش، وعبد الناصر الصيرفي، وماجد الجراح، وفايز أبو شمالة، وسمير طيبة، وسمير قنطار، وزكي أبو العيش، وسعيد عفانة، ومحمود الكبسة، وأشرف حسين، وعبد الحق شحادة، وجبر وشاح.

ومن الأعمال الأدبية الإبداعية التي نشرت في هذه الفترة: ديوان “درب الخبز والحديد” لعدنان الصباح (1981)، وديوان “أيام منسية خلف القضبان” لمحمد أبو لبن (1983)؛ والمجموعة القصصية “الطريق إلى رأس الناقورة” لحبيب هنا (1984)، والمجموعة القصصية “ساعات ما قبل الفجر” لمحمد عليان (1985)؛ ورواية “زنزانة رقم 7” لفاضل يونس (1983).

المرحلة الثالثةـ

 الانتفاضة: شهدت هذه المرحلة تنوعًا في إبداعات المعتقلين وتطورًا كميًا في النتاجات الإبداعية؛ وقد تحول الأدب من ممارسة هواية وثقافة جمالية، إلى مشاركة نضالية في أحداث الانتفاضة وزخمها الثوري.

وشهدت هذه الفترة زيادة ملموسة في عدد الكتب التي صدرت للمبدعين المعتقلين؛ وأولت دور النشر والمؤسسات الثقافية والمجلات والصحف عناية خاصة بأدب المعتقلات.

ومن الكتابات التي نشرت في هذه الفترة: ديوان “فضاء الأغنيات” للمتوكل طه (1989)، وديوان “المجد ينحني لكم” لعبد الناصر صالح (1989)، وديوان “الجراح” لهشام عبد الرازق (1989)، وديوان “أوراق محررة” لمعاذ الحنفي (1990)، وديوان “حوافر الليل” لفايز أبو شمالة (1990)، وديوان “ترانيم خلف القضبان” لعبد الفتاح حمايل (1992)، وديوان “رغوة السؤال” للمتوكل طه (1992)، وديوان “لن أركع” لعمر خليل عمر (1993)، وديوان “اشتعالات على حافة الأرض” لخضر محجز (1995)؛ وقصص “سجينة” لعزت الغزاوي (1987)، وقصص “ستطلع الشمس يا ولدي” لمنصور ثابت (1992)، وقصص “صحفي في الصحراء” لحسن عبد الله (1993)؛ ورواية “تحت السياط” لفاضل يونس (1988)، ورواية “شمس الأرض” لعلي جرادات (1989)، ورواية “رحلة في شعاب الجمجمة” لعادل عمر (1990)، ورواية “شمس في ليل النقب” لهشام عبد الرازق (1991)، ورواية “قهر المستحيل” لعبد الحق شحادة (1992).

المرحلة الرابعةـ

ما بعد قيام السلطة: أثر الوضع السياسي الذي أفرزه اتفاق أوسلو وما نتج عنه من تغيرات لمفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تأثيرًا كبيرًا على الإنتاج الأدبي والإبداعي لدى المعتقلين الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية؛ إذ حدث تراجع في الكتابة الأدبية والإبداعية، وغاب الزخم الذي شهدته السبعينيات والثمانينيات.

وشهدت هذه الفترة كتابات متعددة في أدب المعتقلات كتبها معتقلون سابقون تحرروا بموجب اتفاق أوسلو، بعضها كُتب داخل المعتقل مثل: رواية “قمر سجين وجدران أربعة” لمعاذ الحنفي، كتبها في معتقل نفحة بين عامي 1989 و1990، ونشرها في غزة عام 2005؛ وروايتي “عاشق من جنين” لرأفت حمدونة، التي كتبها في معتقل نفحة، ونشرها في غزة عام 2003، و”الشتات” كتبها في معتقل بئر السبع، ونشرها في غزة عام 2004، ورواية “ستائر العتمة” لوليد الهودلي، التي كتبها في المعتقل، ونشرها بعد تحرره عام 2003.

وثمة كتابات كتبت داخل المعتقل وهربت إلى الخارج ونشرت مثل: روايتي ظل الغيمة السوداء، وعلى جناح الدم (2006) لشعبان حسونة، التين كتبهما في المعتقل الذي يقضي فيه حكما مدى الحياة. 

وثمة كتابات كتبت خارج المعتقل، كتبها معتقلون بعد تحررهم تسرد تجاربهم ومعاناتهم داخل المعتقل، منها: ديوان “رفيق السالمي يسقي غابة البرتقال” لمحمود الغرباوي (2000)، وديوان “من وراء الشبك” لمؤيد عبد الصمد (2000)، ونصوص (رمل الأفعى ـ سيرة كتسيعوت أو أنصار 3) للمتوكل طه (2001)؛ وقصص “ويستمر المشهد” لمنصور ثابت (2003)؛ ورواية “البطاط / تمرد شطة58” لسلمان جاد الله (2004)؛ وسيرة “أحلام بالحرية” لعائشة عودة (2004)؛ ورواية “شمس الحرية” لهشام عبد الرازق (2008).

القضايا التي تناولها أدب المعتقلات:

إن واقعية ما تطرحه التجربة الإبداعية في المعتقلات، تعكس حقيقة الواقع الذي عاش فيه المعتقل الفلسطيني، وتكشف بشكل فعّال عن المُثل العليا الوطنية السياسية والاجتماعية، وعن المضمون النضالي والإنساني.  

وقد حاول الأدباء المعتقلون جاهدين من خلال نتاجاتهم الإبداعية، أن يكونوا صادقين مع تجربتهم، أوفياء لها، يسجلونها بصدق وأمانة؛ لأنها تعكس ما في دواخلهم من مشاعر وطموحات وتحديات وروح عالية، وتمسك بالهدف السامي الذي اعتقلوا في سبيله.

لقد شكلت قسوة الاعتقال، بما فيها من كبت نفسي وتعذيب جسدي، تربة خصبة لتفجر الطاقات الإبداعية، كردّ فعل طبيعي ومنطقي على ممارسات القمع.  وهذه التجربة الإبداعية كان لها تأثيرها على المعتقلين من حيث تعزيز صمودهم وتحديهم لممارسات السجان؛ كما ساهمت في خلق الظروف المناسبة وتهيئتها لتربية الإنسان الفلسطيني وتجذير انتمائه وتصليب إرادته؛ وتمكينه من بناء الذات الوطنية التي تؤهله لكسب معركة الصراع التي يخوضها ضد الاحتلال.

وقد تناول المبدعون المعتقلون في كتاباتهم الأدبية، قضايا مرتبطة بظروف اعتقالهم، وبتفاعلهم مع الأحداث الخارجية خصوصًا في مرحلة الانتفاضة، ومن القضايا التي عبروا عنها:

ـ تسجيل واقع المعتقل ورسم صورة للسجان وممارساته ضد المعتقلين، من تعذيب وضرب على أماكن حساسة، وخنق بالكيس في الرأس، وكتم الأنفاس، وتعصيب العينين، والشبح، والهز العنيف بعد تقييد اليدين للخلف، وخلع الأظافر، وتحطيم الأسنان.

في سيرة الكاتبة “عائشة عودة” الذاتية (أحلام بالحرية) التي قدمتها حول تجربتها في الاعتقال، وصفت حالات التعذيب التي مورست ضدها، حيث تناوب عليها المحققون الإسرائيليون بعدة أساليب من التعذيب في التحقيق.

ـ تناول قضايا متعلقة بالحياة العامة خلف القضبان مثل: المواجهة والتحدي والحرمان والصمود والانتماء والحنين للأهل والأبناء والأصحاب. كذلك الحديث عن النضالات والإضرابات داخل المعتقل. ورفض القيود والتمرد عليها، وكسر طوق العزلة التي يسعى الاحتلال لفرضها على المعتقلين.

ـ لم يقتصر انشداد المعتقلين على مصيرهم الشخصي، وعلى الوجع والقهر الذي يعانون منه؛ بل تفاعلوا مع أبناء شعبهم في نضالاتهم ضد الاحتلال بالكتابة والإبداع؛ كما تفاعلوا مع الأحداث الوطنية الكبرى: كاجتياح لبنان، ومذبحة صبرا وشاتيلا، والاعتداء على المخيمات في لبنان، والانتفاضة، وغيرها؛ وأكدوا أيضا على مسألة انتمائهم لعروبتهم ووطنهم العربي الكبير.

ـ وعبّر المعتقلون عن أحلامهم بالليل التي تمتزج فيها المشاهد بين القيد والانطلاق؛ حيث يظل المعتقل القابع خلف القضبان مشدودًا إلى العالم الخارجي (مدينته وقريته ومخيمه وأهله، وجميع من ارتبط معهم بذكريات) وتبقى الحرية هاجسه وأمنيته التي تعشّش في أعماقه.

ـ يُعد السجن القابع فيه المعتقل من أكثر الموضوعات التي تناولها الأدباء المعتقلون، ومجالًا خصبًا لإبداعاتهم؛ وذلك لما انطوى عليه من تعذيب وقهر وحرمان وذل ومهانة؛ وكذلك لما انطوى عليه من بطولة وتحدٍ وإرادة وإصرار وثبات ورباطة جأش وتضحية وعطاء؛ لهذا كتبوا عن: مساحة السجن الضيقة، والزنازين الانفرادية، وغرف السجن وما تحتويه من رطوبة وعفن وسكون ووحدة وقلق وظلام وقتامة.  كما وصفوا أسوار السجن والشبك والقضبان والسقف؛ بالإضافة إلى تناول أقبية التحقيق وما يدور فيها من ممارسات سادية وعنصرية ضد المعتقلين؛ ووصفوا أدوات التحقيق والتعذيب.

المصدر: ناهض زقوت

مذكرات سجنية – لانهم قالوا لا الحلقة السادسة

الأمير فايز حرفوش

دخل علينا طويلَ القامة، شاحب الوجه، مهدّل الحاجبين، نحيل الجسم، طويل شعر الرأس واللحية على نحوٍ عفوي أو وحشيّ، كأن الحلاق لم يقترب منه منذ سنة، طويل الأظفار، هيئته تذكّر بالرسوم التي يَتخيّل بها الفنانون رجال الكهوف في العصور الأولى!. قسمات وجهه توحي أنه على رأس الأربعين، وضعف بنيته يوحي أنه على رأس الثمانين!.

يتكلم بتلعثم وتردُّد، وهو يتلفت يمنة ويسرة، كأنه يتوجّس من عدوٍّ غادر.

لقبُ الأمير في بداية اسمه، لقبٌ رسمي يتحلى به آل حرفوش اللبنانيون. فهو مواطن من لبنان الشقيق! ووالده –كما ذكر لنا- هو السيد فوزي حرفوش الموظف في مجلس النواب اللبناني آنذاك.

كنا في الحلبوني في خريف 1974، يوم دخل علينا الرجل. وقد حاولنا تطمينه، وإدخال الأمن إلى نفسه. ورويداً رويداً بدأ الرجل يستأنس ويندمج فيمن حوله، ويستعيد نضارة الوجه، والحيوية والروح الاجتماعية والمرح، وبدأت تظهر مواهبه. فهو يملك مهارات يدوية فائقة. وعلى سبيل المثال كان يصنع من لبّ الصمّون عجينة، ويلوّن نصفها برماد الورق المحروق، ويصنع مجموعتي أحجار شطرنج على نحوٍ متقن… يكمل ذلك كله في أقل من نصف ساعة!. كما يصنع من بعض فضلات غرفة السجن، من علب الورق المقوّى، ومن أغلفة علب السجائر.. مجسّم طائرة من الطراز الذي نريد: فانتوم أو ميغ 17 أو ميغ21 .

ويتقن صناعة الأحبار السريّة، ويحفظ عدداً كبيراً من قصص السجون والجواسيس..

وصحيحٌ أننا لم نعرف السبب الحقيقي لاعتقاله، لكنّ أجهزة المخابرات السورية عوّدتنا على وجود طيفٍ واسعٍ لديها من الأسباب الموجبة للاعتقال، وإذا كانت هناك أسباب وجيهة في أحيان قليلة، فإن وراء الاعتقالات في معظم الحالات سببين كبيرين:

الأول الإساءة لوجه سورية أمام العالم، فكم من سائحٍ بريطاني أو إسباني أو أسترالي أو ألماني… دخل البلاد بشكلٍ نظامي، ثم تحرَّشت به إحدى دوريات المخابرات في بعض شوارع دمشق، فاعتقلته احترازياً، وأطلعته على فنون التعذيب في فروع المخابرات، وأكرمته بالضيافة أياماً أو أسابيع على الطريقة البعثية، ثم أطلقت سراحه ليكون مندوباً إعلامياً يقوم بالدعاية المشرّفة لدولة المؤسسات (الأمنيّة)!.

الثاني: تحقير الإنسان الذي كرّمه الله تعالى، وهذا لا يقتصر على الإنسان السوري، بل يشمل دول الجوار، والدول القريبة والبعيدة في القارّات الخمس!.

بعد هذا لا يهمّ أن تكون التهمة الموجّهة للسيد حرفوش هي تهمة العمالة لإسرائيل، أو تهمة النيل من بطل الصمود والتصدي، أو تهمة الاعتراض على النفوذ السرّي لأجهزة الأمن السورية في لبنان (كان هذا قبل دخول القوات السورية العلني عام 1976). فأجهزة الأمن جاهزة لاصطناع التهم وإلصاقها بمن تريد، وقد أحرزت تقدماً في صنع التهمة المناسبة للرجل المناسب!.

بعد هذا أقول: أيّاً كانت التهمة الموجّهة، ومهما كانت درجة ثبوتها، فلن نجد مسّوغاً لما لقيه السيد حرفوش والظروف التي صاحبت ذلك:

1- فقد تم خطفه من الشارع في بيروت، واقتياده إلى سجنٍ سرّي للمخابرات السورية داخل لبنان، وإبقاؤه هناك نحو سنتين. وفي هذا ممارسة لأسلوب العصابات الإجرامية (التي تخطف من دون سند قانوني)، وفيه تجاوز لسيادة الدولة اللبنانية، إذ يحدث هذا على يد أجهزة غير لبنانية، ووجود سجون سرّية على أرضها تابعة لدولة أخرى (بعلمها، أو بغير علمها!).

2- وقد كان السجن في غاية الوحشية، بعيداً عن كل المعايير الإنسانية. ذكر لنا السيد حرفوش أن السجن في قبو عميق، ينزل إليه بنحو خمسين درجة، فلا يمكن تسرُّب أشعة الشمس إليه، ولا وصول الهواء النظيف. ويؤكد كلامَه هذا، الشحوبُ على وجهه، والنُحول في جسمه، والضعف الشديد في بنيته، يوم أن جاءنا.

3- وكانت معاملته كذلك في غاية السوء، يدل على ذلك هيئته المزرية (يوم انتقاله من ذلك السجن إلى الحلبوني في دمشق) وشعوره بالوحشة والخوف… فعلى الرغم من سوء المعاملة التي كنا نقاسيها في الحلبوني، شعرنا أننا في سجن (خمس نجوم) بالقياس إلى ما كان عليه هذا الرجل. ولا يزيد على سجنه سوءاً إلا ما لقيه المعتقلون في سورية في سجن تدمر بدءاً من عام 1980 فما بعد.

لقد استطاع الحزب القائد، وأجهزة أمنه المتطورة أن تختلق كل حين من أساليب القمع والسحل وتحطيم الشخصية… ما يستصغر المرء معه كل ما سبقها من أساليب!.

السجين سعيد (ك)

        كان من السجناء الذين عاشوا معنا، أو عشنا معهم، في قبو الحلبوني. شاب دمشقي اسمه سعيد (ك).

        إنه شاب مرح اجتماعي حلو الحديث.. طويل القامة، أبيض البشرة.

        استفدنا منه في التعرف على طرائق أجهزة المخابرات!

        من ذلك أن الذين تستعين بهم تلك الأجهزة على ثلاثة أصناف:

        صنف موظف في تلك الأجهزة. وهذا الصنف منه مَن يحمل رتبة عسكرية، ويكون في أصله ضابطاً في الجيش أو صف ضابط، ومنه المدني، ويعمل في الغالب في مهنة محقق أو كاتب!.

        وصنف عميل للمخابرات، يكون الواحد من هؤلاء صاحب بقالة أو مقهى، أو عاملاً في فندق، أو طالباً في الجامعة… ويرتبط مع أحد العناصر من الصنف الأول، ويتلقى منه التكليفات، ويتقاضى منه أجراً على “الإخباريات”، وقد يقِّدم إخباريات كاذبة، إما انتقاماً ممن يختلف معه في شأن من شؤون الحياة، أو ممن ينافسه في مهنته، وإما طلباً للاسترزاق فحسب!… وقد تعتقله أجهزة الأمن التي يعمل معها، لأنه ورّطها نتيجة تقاريره الكاذبة، ثم تفرج عنه بعد أن تكون أدّبته!.

        وهذان الصنفان معروفان لدى معظم الناس، بمعنى أنَّ وجود هذين الصنفين معروف، لكن الصنف الثالث هو الذي لا يعرفه معظم الناس:

        الصنف الثالث: وهو مجموعة أفراد يتعاقد أحدهم مع فرعٍ من فروع المخابرات مدة سنة أو اثنتين، ويكلَّف خلال هذه المدة بمهمات في مدينته أو قريته أو في مكانٍ آخر… أو خارج القطر. فإذا انقضت مدة العقد، فإما أن تجدد لمدة أخرى برضا الفريقين، وإما ألا تُجدد، وقد يجري التعاقد بين الفرد نفسه وبين فرعٍ أمنيٍّ أخر.

        ولقد كان سعيد (ك) من هذا الصنف، كما ذكر لنا، فعمل مدةً مع الشعبة السياسية، ومرةً أخرى مع مخابرات القوى الجوية… ولعله كذلك عمل مع أجهزة أمن أخرى.

        وكان يبدو من شخصيته أنَّ التعليم الذي تلقّاه متواضع جداً، فهو في الغالب لا يحمل شهادة الدراسة الثانوية، ولا أدري إذا كان قد اجتاز المرحلة الإعدادية. لكن ثقافته الاجتماعية جيدة، وعنده كذلك ثقافة دينية مقبولة، فهو من أبناء هذا الشعب: ينشأ في صغره في بيئةٍ متدينة، قد تكون واعية متعلمة، أو ساذجة قليلة العلم والتعليم! وفي مرحلة الشباب يتصيده بعض الفاسدين، لا سيما إذا أخفق في دراسته وترك المدرسة، ويجرّونه إما إلى لعب القمار وشرب الخمر… وإما إلى العمل في المؤسسات الحزبية أو الأمنية. ومثل هؤلاء يتردد في سلوكهم أثر التربية الدينية التي نشؤوا عليها في صغرهم، وآثار الفساد الذي لحقهم في سن المراهقة فما بعدها. وكان سعيد (ك) من هؤلاء.

        وقد حدثنا عن بعض مشاهداته لألوان التعذيب في سجن الآمرية الجوية. ففضلاً عن الأنواع المعروفة من الضرب بالكابلات وبالخيزرانة والتعذيب بالكهرباء، هناك التعذيب بالضوء الباهر!! كيف؟.

        قال: يُلقى السجين على ظهره في وسط غرفة التعذيب الكبيرة، وتربط يده اليمنى من الرسغ بسلسلة معدنية إلى حلقة في أرض الغرفة، في الزاوية الأقرب إلى هذه اليد، وتربط اليد اليسرى كذلك بسلسلة إلى الزاوية القريبة منها، وتربط كذلك كل من القدمين إلى الزاويتين المقابلتين، وبذلك يصبح الجسد ملتصقاً بالأرض، والأطراف الأربعة مشدودة إلى الزوايا الأربع!. وهذا بذاته تعذيب، ولكن التعذيب المقصود هو فوق ما ذكر، إذ تفتح عيناه ويوضع بين كل جفنين عود ثقاب حتى تبقى العينان مفتوحتين لا يمكن إغلاقهما، ويطلب من السجين أن “يعترف”! فإذا لم يعترف بما يرضي المحقق، أشعل المحقق ضوءاً باهراً (بروجكتور) وقال للسجين: ستبقى هكذا إلى الغد!. وغادر الغرفة!.

        يقول سعيد (ك): مهما كانت قدرة السجين على التحمل فإنه بعد دقيقتين، في أعلى تقدير، يبدأ بالصراخ والاستغاثة. ويكون المحقق واقفاً في غرفة مجاورة يسمع الصراخ، فهو يعلم أن السجين لن يتحمل هذا الضوء الباهر، وسيصرخ. وعندئذ يأتي إليه ويقول: اعترفْ!. فيقول السجين: أرجوك أطفئ الضوء، وأعترفُ لك بما تريد!، فيصرُّ المحقق على أن يتم الاعتراف قبل إطفاء الضوء!.

        كما حدثنا أن السلطات الأمنية قلقت من اتساع شعبية الشيخ حسن حبنكة (رحمه الله)، وازدياد عدد تلامذته، ونشوء حلقات العلم المختلفة في جماعته، فأرادت أن تحوك مؤامرة تورّط فيها بعض هؤلاء التلامذة بعملٍ (غير قانوني)، وتتخذ الذريعة لضرب جماعة الشيخ. وكانت المؤامرة أن كلفتْ بعض العناصر، ومنهم سعيد (ك) فبدؤوا يحضُرون دروس الشيخ ويُبدون تجاوباً كبيراً، ويتظاهرون بالتدين، ويشاركون في حلقات العلم… ثم راحوا يَدْعون إلى إيجاد تنظيم سرّي يحرّض على معارضة الدولة… ولقيتْ دعوتهم قبولاً لدى بعض تلامذة الشيخ. وبعد أسابيع على سير المؤامرة قامت عناصر المخابرات بمداهمة بعض هذه المجموعات، واعتقلت أفرادها، ومارست عليهم التعذيب للتعرف على أفرادٍ آخرين، ولاكتشاف حقيقة توجهاتهم…

        وكان سعيد نفسه بين المعتقلين، وتلقى تعذيباً كالآخرين. وربما لم يتم إعلام عناصر الفرع الذي يتم فيه التحقيق، بحقيقة وضع سعيد، وذلك حتى يأخذ التحقيق مجراه.

        وبعد مضي الأيام الأولى للاعتقال، وإقفال التحقيق، تم فرز المعتقلين، حسب درجة خطورة كل منهم، وجاءت التوصية أن يصنّف سعيد في المجموعة ذات التهمة الخفيفة، التي سيتم الإفراج عن أصحابها. وبذلك أفرج عنه، ودفعت له الشعبة السياسية تعويضاً مالياً مجزياً، لقاء التعذيب والسجن اللذين تعرض لهما.

        ما أخبث إبليس وجنوده!.

نقولا حنّا

        الناس يعرفون هذا الاسم على أنَّ صاحبه مذيع في إذاعة صوت أمريكا. ولا شك أنَّ أهله وأصدقاءه يعرفون عنه جوانب أخرى، لا يطّلع عليها المستمع له من الإذاعة.

        وقد كان لي مع الأستاذ نقولا معرفة في سجن الحلبوني، ذلك الصرح الذي يمثّل “الكَرَم البعثي، والسماحة الأسدية”!!.

        الأستاذ نقولا فلسطيني الأصل، أقام في سورية، وانتسب إلى حزب البعث، و”ترقّى” فيه إلى أن أصبح رئيس فرع الحزب في الحسكة.

        وعندما قام حافظ أسد بانقلابه الذي أطاح برفاق دربه، نشأت معارضةٌ له في صفوف الحزب، وكان من الذين وقفوا معارضين: الأستاذ نقولا حنّا. ولكن ما هي إلا أيام قلائل حتى استتبّ الأمر لحافظ أسد، وإذا معظم المعارضين له في الحزب يتراجعون عن معارضتهم. إنهم مبدئيون! ومبدؤهم هو المحافظة على المواقع والمكاسب والامتيازات! وما دام هذا المبدأ يتحقق بالوقوف إلى جانب المتسلّط فليكن، فأصحاب المبادئ يدورون مع مبادئهم حيث دارت.

        لكن اللئيم لم يغفر لهؤلاء أنهم عارضُوا حركته “التصحيحية” بضعة أيام. فبدأ يترصَّدُهم، ويستفيد من كُتّاب التقارير، ثم يتصيَّدهم، ويودِعهم في سجونه. وكان الأستاذ نقولا من نزلاء الحلبوني العتيد.

        شخصية الأستاذ نقولا غنيّة بالصفات التي تميِّزُه.

        لقد كان يحفظ القرآن الكريم غيباً، ويعمل دائماً على مراجعة محفوظاته وتثبيتها!. ويقول: إنه في صغره تربّى في بعض الكتاتيب التي يعلِّم فيها الشيوخُ تلامذتهم تلاوة القرآن. ولعلَّ والده قد أدخله هذه الكتاتيب، لتعاطفه مع الإسلام، أو لثقته بأنَّ جوَّ هذه الكتاتيب هو الذي يضمن للطفل النظافة الأخلاقية، أو لعلمه بأنَّ القرآن –في أقلِّ الاعتبارات- هو كتاب العربية الأول.

        وقد بقي الأستاذ نقولا –كما ذكرنا- على صلة ودِّية عميقة بكتاب الله تعالى، وكان إلى جانب ذلك يحتفظ بنسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم ليقرأ فيها كذلك.

        وهو –بالمناسبة- يحمل شهادة بكالوريوس في الأدب العربي، وشهادة بكالوريوس أخرى في اللغة الإنكليزية.

        وثقافته العامة واسعة، واهتماماته متعددة، ومواهبه كذلك فائقة.

        وحديثه عذب، فإذا كان في مجلس فهو الذي يتصدّر الحديث في ذلك المجلس، والآخرون يستمعون إليه أكثر مما يتدخلون، ويكون معظم تدخلهم باتجاه أن يستزيدوه.

        وهو شاعر مُجيد، ولقصائده أثر كبير في حياته!.

        ففي مطلع أيام الوحدة بين مصر وسورية، أَعلنت الجمهورية العربية المتحدة الناشئة، عن مسابقة لأجمل قصيدة عن الوحدة، فكانت قصيدة نقولا هي الفائزة الأولى، فاستدعي إلى القاهرة لتسلُّمِ الجائزة، وقابل هناك الرئيس جمال عبد الناصر الذي أُعجب به، ودعاه للإقامة هناك، وأصبح مذيعاً في إذاعة صوت العرب، في زاوية يومية اسمها صوت فلسطين.

        وفي أحد الأيام قدّم تعليقاً إذاعياً تهجّم فيه على أحد الزعماء العرب، كما هو شأن إذاعة صوت العرب، فاستدعي إلى المخابرات، حيث قيل له: ماذا جَنَيْتَ على نفسك؟! إنَّ إذاعتنا، وإن كانت تهاجم ذلك الزعيم، وغيره كذلك، دائماً، فقد قرَّرت التوقف عن مهاجمته، لأنَّ زيارة مرتقبة سيقوم بها إلى مصر!.

        قال: وما يدريني بذلك؟! ألم يكن عليكم أن تخبروني مسبقاً؟!.

        المهم أنهم عزلوه من عمله في الإذاعة، ووضعوه تحت الإقامة الجبرية. وبعد حين توسط له بعض أصحابه عند أنور السادات الذي كان يومئذ رئيساً لمنظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة!.

        وتمكَّن السادات من رفع الحظر عن حركته، والسماح له بالسفر. وكان يحتاج إلى ثمن بطاقة طائرة ليسافر إلى سورية، فأمر السادات بصرف ثمن البطاقة من حساب منظمة المؤتمر الإسلامي! فقال له المحاسب: يا سيدي كيف نصرف من حسابنا، ونسجل في دفاترنا عَطاءً له وهو ليس بمسلم؟! قال السادات: اصرفْ، واكتب: صُرِفت “للحجّي نقولا!”.

        وتمرُّ الأيام ويصبح نقولا رئيساً لفرع حزب البعث في الحسكة، كما ذكرنا، ويقيم الفرع احتفالاً بمناسبة المولد النبوي، فيختار الشاعر نقولا أن يلقي قصيدة من شعره في هذه المناسبة.

        لقد أسمعَنا أبيات هذه القصيدة التي تبلغ نحو سبعين بيتاً.

        كانت الأبيات الخمسون الأولى إسلامية صرفة، يمتدح الشاعر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يمتدحه أي شاعر مسلم. فلما وصل إلى هذا الحد من القصيدة توقف قليلاً وقال: هنا يبدأ النفاق. وأكمل الأبيات الأخرى، وإذا هي تماماً كما يقول المنافقون من مشايخ السلطة: “رسول الله عظيم، ودينه عظيم، وأخلاقه عظيمة، وإذا أردتم أن تروا ترجمة عملية لهذه العظمة، وأردتم أن تروها متمثّلة في إنسان، فهذا الإنسان هو حافظ أسد”.

*     *     *

        إن تراجع الأستاذ نقولا عن معارضة “الحركة التصحيحية”، ومسايرته للوضع الجديد لم يشفع له، فقد بقي أسد ينتظر الفرصة المناسبة للانتقام منه فكان أن زجَّه في الحلبوني مدة سنتين. وكان من نصيبي أن أتعرَّف عليه هناك.

“الكرُّوم” و”الحسُّون”

حين نُقلنا إلى سجن حلب المركزي، أصبح بإمكاننا لقاء سجناء من نوعٍ آخر، منهم تجار المخدرات، ومنهم السارقون والقَتَلة والهاربون من خدمة العَلَم.. ومنهم من تمتزج تهمته بين “السياسي والمدني”.

وكان من هذا النوع الأخير شاب اسمه أحمد كرّوم. في أواسط العشرينيات من عمره. متوسط الطول، نحيف، تشع عيناه ذكاءً، وتمتلئ جوارحه حيوية، يتحلَّى بعدد من المواهب، مَرِحٌ، ودودٌ، حلو الحديث… ومن كان بهذه الصفات فهو يمتلك جاذبية وقدرة على إنشاء علاقات اجتماعية واسعة، وقد اصطاده البعثيون وجعلوه عضواً ناشطاً في “شبيبة الثورة”، وأصبح يعمل في تدريب الفرق المسرحية الشبيبية، وما يتصل بهذا الاختصاص.

وفي عمله ذاك كوَّن صداقات حميمة مع عددٍ كبيرٍ من “الشبيبة” من الجنسين، وصل بعضها إلى مستوى الفضائح، ومع رجالات الحزب والأمن.

وحين جرى حفل افتتاح “سد الفرات” في صيف 1973 قام بتدريب بعض الفتيات الشبيبيات، لتقديم عروض وأنشطة، من غناء وتمثيل، في ذلك الحفل الساهر!.

وأرسل مجموعة الفتيات برفقة عناصر من سرايا الدفاع شرقاً إلى “الطبقة” لإجراء تدريبات على المسرح نفسه الذي ستقام عليه العروض، قبل يوم الحفل الرسمي.

 أما كرّوم نفسه فقد ذهب بمهمة حزبية غرباً إلى اللاذقية، فإذا قضى مهمته توجّه كذلك إلى “الطبقة” ليشارك في تنظيم الحفل.

يقول كروم: كانت المفاجأة أنني نزلت في منطقة “القسطل”، بين حلب واللاذقية، لأتناول طعام الغداء هناك في بعض الاستراحات، فوجدت –يا للفضيحة- مجموعة الفتيات ذاتها التي من المفروض أنها سافرت نحو الشرق إلى الطبقة، برفقة عناصر سرايا الدفاع!!.

*   *   *

وحدَّثني السيد أحمد كرُّوم أنَّ والده رجل متديّن، وأنه من أتباع الشيخ أديب حسُّون. قلت له: إذاً أنت تعرف الشيخ أحمد بن أديب حسون! قال: نعم، وهو صديقٌ لي. قلت: ما حقيقةُ ما يشاعُ عنه بأنه مرتبط بأجهزة المخابرات؟!.. قال: “هذا الكلام غير صحيح، وقد تدخلت بنفسي قبل ثلاث سنوات من أجل الإفراج عنه، عندما اعتقلته الشعبة السياسية، بعد أن تكلّم على المنبر بكلامٍ يسيء إلى الدولة.”

كلام السيد كرُّوم لم أقتنع به، ولكنني قلت في نفسي: إنه يتكلم بما يعرف. ولعل هناك جوانب لا يدري بها.

ومضى على كلامه نحو سنة كاملة، ثم جاءني إلى غرفتي (في سجن حلب المركزي) وقال لي: لقد سألتني عن الشيخ أحمد حسون، وأجبتُكَ بكذا وكذا! قلت: نعم. قال: كان جوابي يمثِّل ما كنت أعرفُه عنه فعلاً، أما الآن فقد جاءتني معلومة مناقضة تماماً!. قلت: وما ذاك؟. قال: زارني اليوم أحد الأصدقاء الحزبيين، وحدثني أن أحمد حسُّون مرتبط بالشعبة السياسية، وذو موقع مهم فيها، وأن علاقته بها قد ابتدأت منذ أن اعتُقل عندهم قبل سنوات، فقد تمكنّوا، بقليلٍ من الضغط، وفَيضٍ من الإغراءات، أن يشتروه!. لقد أصبح عميلاً لهم، بل عضواً فيهم، يسمحون له بهامش واسع من القول والحركة، بمقابل دورٍ هدّام يقوم به، من “إخباريات” ومن بثِّ إشاعات، ومن تفريقٍ في صفوف أبناء الصحوة الإسلامية، ومن تشويهٍ لبعض المفاهيم الإسلامية أو الشخصيات.

قلت: الحمد لله. لقد كان للرأي السائد عنه في المجتمع، سند متين!.

بقايا الفطرة

في الحديث القدسي الصحيح: “إني خلقتُ عبادي حنفاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتْهم عن دينهم..” رواه مسلم وغيره.

لا بد أن يظهر أثر الفطرة التي فطر الله الناس عليها، الفطرة التي تتوجه إلى عبادة الله تعالى وحده، وإلى فعل الخير ونبذ الشر. وقد ظهر أثر هذه الفطرة في نفوس بعض أهل الجاهلية الأولى، فمنهم من دخل في الإسلام بعدئذ، ومنهم من بقي على كفره!.

ووجود أثر الفطرة لا يعني بالضرورة أن الإنسان خيّر، إنما يعني أن الإنسان لا يمكن أن يتمحّص للشر. وقد تجد الشرير السيء الظالم المعتدي المتغطرس… يرقّ أحياناً، ويشفّ أحياناً، ويصنع الخير أحياناً. فنُقِرُّ بأن ما ظهر منه خير، ونبقى على وصفه بأنه شرّير، حيث يكون الشرُّ هو السمة الغالبة فيه، ويكون الخيرُ كالنقاط البيض المبعثرة في ثوبٍ أسود.

وقد مرّ في الصفحات السابقة لقطاتٌ من الخير ضمن ركام الشرّ في نفوس الأشرار، نشير إلى بعضها ونذكر مزيداً:

فالجلاد أبو طلال يصلي أحياناً ويصوم أحياناً مع كل سوئه!.

 والسجّان “بدري” كان يرى قطعة من الخبز مرميّة على الأرض فتثور ثائرته، ويعنّف المعتقلين الذي لم ينتبهوا إلى قطعة الخبز هذه: “ألا تخافون الله؟! تُلقون النعمة على الأرض؟!” ولا يرى في جَلْدْ الأبرياء، وفي سرقة طعامهم، وفي القسوة عليهم… ما ينافي خوف الله!.

و”عدنان الدباغ” مدير المخابرات العامة، آنذاك يدير أعمال الظلم والطغيان والقهر والإذلال لعباد الله… ثم يرقّ قلبه في موقف خاص: لقد جاءت والدتي من حلب إلى دمشق لتزورني بعد سنة أو أكثر لم تعلم فيها شيئاً عن أخباري، لأن الداخل إلى سجون المخابرات –كما يقولون – مفقود، والخارج مولود.

جاءت وهي تحمل حقيبتين من الألبسة والأطعمة، وزن كل منهما نحو عشرة كيلو غرامات، وهي في سنّ يتجاوز الستين. وليس من شأنها أن تسافر مثل هذه الأسفار، وهي المرة الأولى التي تصل فيها إلى دمشق، وقد بذلت جهداً كبيراً في الوصول إلى “الحلبوني” لكنّ الصدمة التي لقيتها هي أنَّ عناصر الفرع لم يسمحوا لها بزيارتي، وحين كرّرت توسّلاتها، وأصرّت على الدخول: قالوا لها: هناك حلٌّ واحد هو أن تأتي بإذن من مدير المخابرات العامة!. ودَلّوها على مقرّه، فذهبت إليه، وقالت له: أيها الأفندي، تراني أمامك امرأة مسنّة، وقد جئت لزيارة ولدي فمنعوني من زيارته، وقد دفعت خمسين ليرة أجرة السفر، وعانيت الصعوبات حتى وصلت إلى الشام!.

        فرقَّ لها قلب الطاغية، وأخرج من دُرج مكتبه خمسين ليرة، ودفعها إليها، واتصل بإدارة فرع الحلبوني ليأذنوا لها بزيارتي!.

—————

        والرائد بخيتان، رئيس فرع مخابرات حلب، أبدى سروراً بالإفراج عني وعانقني وهنأني!، وهو نفسه الذي يدير شبكة الظلم!.

—————

        والحاج أحمد عاصي، هكذا كان يلقَّب، هو عنصر مخابرات في فرع حلب، برتبة مساعد، كان إذا مارس التحقيق مع أحد الموقوفين يحلو له أن يستعمل الكهرباء في التعذيب، وهو من أشد أنواع التعذيب، لكنه كان يحافظ على صلاته، كما يبدو، ويصوم رمضان، ولعله فعلاً قد حجّ البيت الحرام!، وفيه جوانب أخرى من الخير.

—————

        وجاسم الطيط، الجلاد الشهير الذي ذُقتُ وإخواني على يديه الويلات، هو نفسه أصبح عام 1980 رئيساً لدورية تقف على حاجز عند مدخل حلب الغربي، وكنت أمرّ يومياً ذهاباً وإياباً عند غُدوّي إلى عملي وعند رواحي، فكانت الدوريات تقف على حواجز عدّة، فتستوقف السيارات، وتطلب هويّات الركاب، تماماً كما تفعل دوريات الجيش الإسرائيلي في فلسطين. وكنّا نتضايق من ذلك بلا شك. وفي إحدى المرات استوقفتنا الدورية التي يرأسها جاسم، وما إن رآني حتى تذكّرني وحيّاني وابتسم، وأذِن للسيارة بالعبور من غير تفتيش!!.

—————

        وعبد القادر حيزة المحقق في فرع مخابرات حلب، ودرجة ذكائه وأخلاقه مناسبة جداً لصفات جلاد، لا صفات محقق!. مع ذلك فإنه حين جاء على رأس دورية لاعتقالي من الرقة، حيث كنت حينذاك رئيساً لورشة صوامع الحبوب هناك، وكانت معي زوجتي وطفلتي ذات الأشهر الثلاثة، أوصلنا أولاً إلى مركز انطلاق سيارات “التاكسي” المسافرة إلى حلب، وحجز في السيارة مقعدين، على حسابي، لكنه أوصى السائق بلهجة تهديد واضحة، أن يوصل زوجتي إلى بيت أهلها، وإذا مسّها سوء فسيتحمّل المسؤولية. وتأكيداً لتهديده سجّل رقم لوحة السيارة على ورقة عنده!.

        وبعد فهذه نماذج لبقايا خير في نفوس الأشرار، تضؤُل وتشحّ حتى تكون كشعرة بيضاء، في جلد ثور أسود، أو تزيد قليلاً لتكون كشعرات!.

        نسأل الله الهداية لعباده، فاهتداء هؤلاء أحب إلينا من نزول عذاب الله فيهم. ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون﴾.

قصائد في الوجع العراقي

زهير حمداني-الدوحة

لم يستطع الشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد أن يحبس دموعه التي فاضت وهو يستذكر الفراق وهموم العراق ونخيل دجلة والفرات خلال أمسيته الشعرية على مسرح قطر الوطني التي قرأ فيها مجموعة من قصائده الشهيرة عن العراق، لاقت استحسان الحاضرين وأثارت فيهم شجونا وأججت مواجع.

وحرص الشاعر الكبير خلال الأمسية التي أحياها بدعوة من وزارة الثقافة والفنون والتراث وشركة إيكو ميديا للإنتاج الفني والإعلامي، على اختيار عدد من القصائد التي تحكي أوجاع بلاد الرافدين ومآثرها، ومنها قصيدة “حشود من الحب والكبرياء” التي لم تنشر من قبل وتحكي قصة الدبابات العراقية التي صدت الغزو الإسرائيلي عن دمشق في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

شجون العراق
وقدم الحفل الدكتور حسن رشيد الذي أكد أن عبد الواحد شاعر يحمل كل الأبجديات ويحمل تاريخ وطنه ويرتبط بانتصاراته وكبواته، واستمد من نخيل العراق وآثار سومر وبابل كل صور الشعر الجميلة.

وفي مستهل الأمسية التي حضرها وزير الثقافة القطري حمد بن عبد العزيز الكواري وعدد كبير من محبي الشعر من العراقيين والعرب، قال الشاعر الكبير إن “قراءتي ستكون كما دأبت منذ تسع سنوات كلها للوجع العراقي حيثما أكون، مبتدئا بالقصيدة التي ودعت بها بغداد” وهي بعنوان “سلام على بغداد”. تقول القصيدة التي أسالت دموع الكثير من الحاضرين:

كبيرٌ على بغداد أني أعافُها   ..   وأني على أمني لدَيها أخافُها
كبيرٌ عليها بعدَ ما شابَ َمفرقي  ..   وَجفّتْ عروقُ القلب حتى شغافُها
تَتَبّعتُ للسَّبعين شطآنَ نهرِها   ..   وأمواجَهُ في الليل كيف ارتجافُها
وآخَيتُ فيها النَّخلَ طَلْعاً، فَمُبْسراً   ..   إلى التمر، والأعذاقُ زاهٍ قطافُها
تتبَّعتُ أولادي وهم يَملؤونَها صغاراً   ..   إلى أن شيَّبَتهم ضفافُها!
تتبَّعتُ أوجاعي، وَمَسرى قصائدي   ..   وأيامَ يُغني كلَّ نَفسٍ كَفافها

                            ***
‎‎سلامٌ على بغداد شاخَتْ من الأسى شناشيلُها.. أبلامُها.. وقفافُها
وشاخَتْ شَواطيها، وشاختْ قِبابُها   ..   وشاختْ لِفَرْطِ الهَمّ حتى سُلافُها
فَلا اكتُنِفَتْ بالخمر شطآنُ نهرِها   ..   ولا عادَ في وسْعِ الندامى اكتنافُها!
‎‎سلامٌ على بغداد.. لستُ بعاتبٍ عليها، وأنّى لي، وروحي غلافُها؟

ثم قرأ الشاعر الكبير قصيدته المؤثرة “من لي ببغداد؟” التي نالت إعجاب الجمهور الحاضر فقاطع قراءته لها بالتصفيق مرارا. يقول مطلع القصيدة:

دَمعٌ لِبَغداد دَمعٌ بالمَلايين   ..   مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟
مَن لي ببغداد روحي بَعدَها يَبِسَتْ   ..   وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني
عُدْ بي إلَيها.. فَقيرٌ بَعدَهـا وَجَعـي  ..   فَقيرَة ٌأحرُفي، خُرْسٌ دَواويني
قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذَتي  ..  وَعَشَّشَ الحُزنُ حتى في رَوازيني
والشِّعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعُها  ..   فانظُرْ بأيِّ سِهام ِالمَوتِ تَرميني

ثم قرأ قصيدة بعنوان “يا صبر أيوب” التي كتبهاعام 1992، وهي قصيدة كتبت من المأثور الشعبي العراقي تحكي عن مخرز نسي تحت الحمولة على ظهر الجمل، وتجسد ما حصل للعراق خلال حرب الخليج الثانية. ومن مطلعها: اعلان

قالوا: وظل ولم تشعر به الإبل  ..   يمشي وحاديه يحدو وهو يحتمل
صبر العراق صبور أنت يا جمل  ..  وصبر كل العراقيين يا جمل

ثم قرأ قصيدة لأولاده الذين رحلوا وتشتتوا في كل أنحاء الأرض حاملين أحفاده معهم، وجاء في مطلعها:

كان أكبر خوفي أن عُشّيَ يومًا سيعرى  ..  وتحلق أطياره منه طيرا فطيرا فلماذا إذن قد بنينا ولماذا سقينا  ..  ولماذا ذرعنا يا دموع العيون؟!

وقرأ الشاعر الكبير قصيدة بعنوان “لا تطرق الباب” التي يقول مطلعها:
لا تطرق الباب تدري أنهم رحلوا   ..   خذ المفاتيح وارحل أيها الرجل

وفي قصيدة “حنين النوق” التي ألقاها أيضا في الأمسية، خاطب الشاعر زوجته أم خالد بقوله:
وَحِيدَيْنِ نَبقى أُمَّ خالِدَ هَهُنا   ..   نَحِنُّ حَنينَ النُّوقِ للزَمَن الخَلِي
وَيا وَيْلَنا مِن يَوم يَرحَلُ واحِدٌ.. ويبقى الذي يبكيه حد التوسل

المتنبي الأخير
ويعتبر عبد الرزاق عبد الواحد  المولود في بغداد عام 1930، من أبرز شعراء العراق في العصر الحديث، نشر أولى قصائده عام 1945، وأول مجموعة شعرية عام 1950.

وشاعر العراق الكبير هو من المؤسسين الأوائل لاتحاد الأدباء في العراق، وصاحب المركز الثاني عالميا في الإصدارات الشعرية حيث صدر له 56 ديواناً بجانب خمسة دواوين أخرى تحت الطبع، كما أن له ديوانا به أكثر من 120 قصيدة غزل، مما يجعله ملحمة من أعظم ملاحم الأدب العربي الحديث.

حصل عبد الواحد الذي يطلق عليه البعض لقب “المتنبي الأخير”على العديد من الأوسمة، وكتبت عنه كثير من الموسوعات العالمية، وترجم الكثير من شعره إلى مختلف اللغات، وطبعت له بعد الاحتلال ثماني مجموعات شعرية آخرها “زبيبة والملك” وهو عمل بين المسرح والشعر عام 2009. المصدر : الجزيرة

ادب السجون دراسة الخصائص والمميزات

الأدب أحد أشكال التعبير الإنساني عن مجمل عواطف و أفكار و خواطر و هواجس الإنسان بأرقى الأساليب الكتابية التي تتنوع من النثر، إلى النثر المنظوم، إلى الشعر الموزون، لتفتح للإنسان أبواب القدرة للتعبير عما لا يمكن أن يعبر عنه بأسلوب آخر().

وأَدب السجون والمعتقلات في فلسطين جزء لا يتجزأ من الأدب العربي، الذي يتطلع للحرية، وهو من أصدق أنواع الكتابة، سواء كان ذلك على مستوى النثر أو على مستوى الشعر، واختلفت التسميات حول النتاج الأدبي في باستيلات العدو، فذهب البعض لتسميته “بأدب الحرية”، أو “بالأدب الاعتقالي”، وحرص آخرون على صبغه بمفاهيم إيديولوجية، فأطلقوا عليه ” الأدب الأسير”، وذهب آخرون إلى تسميته “بأَدب السجون”، ولكن الجميع مجمعون على أنه يندرج تحت عنوان:”الأدب الفلسطيني المقاوم”().

وأدب السجون لم يكتب في الصالونات المكيفة، أو في الحياة المرفهة والبساتين التي تصدح في سمائها الطيور المغردة، بل كتب في أجواء من الألم والأمل، وفي ظل المعاناة والصبر والتأمل داخل محرقة العدو()، بين الجدران، ومن خلف القضبان، وثمة فرقٌ بين من يكتبون في الصالونات ومن يكتبون في المعتقلات، ففي الحالة الأولى يأتي أدبهم عاديّاً، أمّا في الحالة الثانية، فيضئ أدبهم بإشراقات جمالية، تضفي حياة روحية متوقِّدة، حيث أن المعاناة والألم مصدراً وحاضنة دافئة للعطاء والإبداع، المشع على طريق الحق والخير والجمال، حيث تتفجر الطاقات الإبداعية من خلال ممارسات القمع اليومية للسجان في أقبية السجون، التي شكلت تربةً خصبة لتفتُّح هذا الإبداع ().

في هذه الدراسة سيتطرق الكاتب لأدب السجون وتفصيلاته، نشأته وعوامل ظهوره، وظروفه ومميزاته، وسماته الجمالية، وأبرز التجارب الأدبية، والكتابات الإبداعية من الشعر والنثر والرواية والقصة والخاطرة والمسرحية والرسالة.

الكتاب للتحميل اسفل الصورة

كتاب ذكريات معتقل من غوانتانامو

المؤلف: المعتقل حسين عبدالقادر. هذه النسخة ليست المنتشرة في النت. فهي نسخة جديدة. قالوا له: من فضلك خمس دقائق فصارت الدقائق الخمس ستة وعشرين شهرا

مساء يوم الأحد 25/5/2002 وبينما كان يتناول العشاء مع أسرته ، اذ بجرس الباب يدق ليدخل ضابط شرطة يقوم باعتقاله ، وعندما استفسر عن الذنب الذي اقترفه ، أجابه : خمس دقائق وتعود !! .. نُقل الرجل لباجرام ثم لمعتقل جوانتانامو بكوبا ليقضي هناك ستة وعشرين شهرا ، وفي النهاية سلموه شهادة تفيد بأنه لا يمثل خطرا على القوات الأمريكية أو مصالحها في أفغانستان ، ثم أطلقوا سراحه في نفس المكان الذي اعتقل فيه.

المؤلف من مواليد الضفة الغربية سنة 1953 م ، درس المرحلتين الابتدائية والاعدادية بقرية سيلة الحارثية ، قضاء جينين ، وأكمل دراسته الثانوية في مدرسة المدينة – جنين سنة 1973 م ، ثم حصل على منحة دراسية في المملكة العربية السعودية ، وهناك أكمل دراسة البكالوريوس والماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. سافر لباكستان سنة 1985 م ، وبقي هناك حتى عام 2002م وقت اعتقاله ، حيث كان يعمل مدرسا للطلاب الأفغان والعرب وغيرهم في الجامعات والمدارس والكليات.

للتحميل

اختطاف النساءجريمة

لاللاختفاءالقسري

أسماء السيد عبد الرؤوف .. من مركز فاقوس بالشرقية .. ليسانس اللغة العربية جامعة الأزهر
زوجها ” محمد جمال الياسرجي” معتقل من سنة في قسم شرطة فاقوس..!
أسماء تم اقتحام منزلها في قرية قنتير بمركز فاقوس في حافظة الشرقية .. قبل فجر يوم ٩ نوفمبر ٢٠٢٠ واعتقالها من قبل قوات الأمن الوطني و من يومها وهي مختفية قسريا ومحدش يعرف عنها حاجة وكل الاقسام بتنكر وجودها !!
أسماء أم لطفلة عمرها ٤ سنوات ..ذنبها ايه الطفلة تشوف الرعب ده لما اعتقلت امها قدام عينها ودلوقتي أبوها معتقل وامها مختفية قسري !!
حسبي الله ونعم الوكيل

البنات_يارب
زفرةأسيرمصر⛓
نصرةلكلمظلوم🩸

مذكرات سجنية – لانهم قالوا لا الحلقة الخامسة

أبو راشد عبد الهادي و”الجندي”

كان رجلاً ضخم الجسم، أبيض البشرة، أقرب للشُّقرة، دمثاً حلو الحديث… لكنه كذلك سريع الغضب، وإذا غضب خرج عن حدود الاتّزان. قوي الشخصية، قوي الإرادة، عنيد..

اسمه أبو راشد: أحمد راشد عبد الهادي، فلسطيني من جنين، ينتمي إلى حزب البعث، وقد كان معتقلاً لبضع سنوات في سجون بعض الدول المجاورة عندما حدث انقلاب الثامن من آذار 1963م، وعندئذ ارتفعت معنوياته، وازداد تمسكه بحزبه، وراح يحلم بأن تمتدّ “الثورة” إلى أقطار مجاورة، فيحرّره رفاقه من سجون “الرجعيين”!.

خرج من السجن فتوجه إلى بلد الصمود والتصدي، وصار قائداً في قوات “الصاعقة” التي ترعاها سورية، برتبة رائد. وبسبب حزبيته وموقعه الجديد توثّقت علاقته بالمسؤولين السوريين، العسكريين والأمنيين، لا سيما “عبد الكريم الجندي” مدير المخابرات العامة!.

لكن الصورة المتوهجة التي كان قد رسمها في مخيّلته للرفاق المناضلين والحزب القائد، بدأت تخبو تدريجياً، ثم صارت قاتمة سوداء، وهذا ما دعاه إلى انتقاد تصرّفات السلطة والحزب وأجهزة الدولة، في بعض المناسبات، ولأنَّ “النقد الذاتي” محظور فقد جاء “زائران” إلى أبي راشد يطلبان منه زيارة أحد فروع الأمن! قال لهما: عندي سفرٌ غداً، فأريد أن أمرّ على مكتب الطيران حتى أؤجل الحجز، فأتمكن من السفر بعد انتهائي من زيارة فرع الأمن هذا!. قالا: لا حاجة. زيارتك لن تستمر أكثر من نصف ساعة، وبإمكانك أن تسافر غداً في الوقت الذي حجزته من قبل!.

وكما هي العادة، فإن دقائق “المخابرات” تُعَدُّ بالأسابيع أو الشهور أو السنين. وفعلاً استمرت إقامة أبي راشد في “الحلبوني” حوالي ثلاث سنوات.

وفي الحلبوني قضى في إحدى الغرف شهوراً مع الرفيق الآخر نقولا حنّا. وكان كل من الرفيقين على علاقة سابقة بمدير المخابرات العامة السابق عبد الكريم الجندي.

أما الأستاذ نقولا، فيحدثنا عن ذكرياته مع “الجندي” يوم كان هذا “الجندي” وزيراً للإصلاح الزراعي، وكان نقولا رئيساً لفرع الحزب في الحسكة. يقول: أُبلِغنا بأن السيد الوزير سيزور المحافظة للقيام بمهماته بالإشراف على مديرية الإصلاح الزراعي هناك، وسوف يأتي بالطائرة وينزل في مطار الحسكة في يوم كذا. وكنتُ بين كبار المستقبلين له، وفي صالة استقبال الشرف في المطار، جلسنا قليلاً لنشرب فنجان القهوة، وأخرجت من جيبي علبة السجائر لأقدّم له سيجارة، وكانت السجائر أمريكية! فنظر إليّ غاضباً معاتباً: “يا رفيق! أنحن ندخّن التبغ الأجنبي؟!” فخجلت من نفسي. وأخرج الوزير سيجارة “وطنية”، وقدّم إليّ سيجارة مماثلة.

وابتلعتُ الإهانة، واحمرّ وجهي خجلاً من هذا الموقف أمام مجموعة المستقبلين!.

وكان من برنامج الزيارة سهرة سمر فنّية!، وكنت بجوار السيد الوزير في هذه السهرة، فأنا من أهم رجالات الحزب هناك، وفي هذه السهرة، أخرج “الجندي” علبة سجائر أمريكية من جيبه، وولاعة ذهبية، وقدّم لي كذلك سيجارة، وأشعلها لي بولاعته الفاخرة!. فلم أتمالك نفسي: “يا رفيق، اليوم وبّختني في صالة الاستقبال في المطار لأنني قدمت إليك سيجارة أمريكية، ثم ها أنت ذا تفعل مثله وزيادة!” فقال: في الصالة كان يوجد آخرون، غير حزبيين، ويجب أن نظهر أمامهم بمظهر أخلاقي ثوري، أما هنا فلا يوجد غير الحزبيين!!!.

وتأتي مرحلة يصبح فيها “الجندي” مديراً للمخابرات العامة، ويكثر تردده على فرع الحلبوني ليتعرّف بنفسه على المعتقلين أولاً بأول، وقد يشرف بنفسه على بعض التحقيقات، وقد يحلو له أن يمارس أنواعاً ثورية من التعذيب، ففي بعض المرات، يأمر الجلادين بأن يلقوا السجين على ظهره، ويفتحوا فمه، ويقوم مدير المخابرات العامة بالبول في فم السجين!!.

ومرة يتم اعتقال مجموعة من الضباط في الجيش السوري، بتهمة تشكيل نواة لتنظيم خاص!. ويمرُّ مدير المخابرات العامة على الزنازين التي يُحتجز فيها هؤلاء، فيفتح “الطاقة” على كلٍّ منهم، ويطلب منه أن يقترب من الطاقة، ويُمسك مدير المخابرات بيده أحد نعليه (وكثيراً ما كان يلبس البدلة الخاكي الرمادية، ويلبس بقدميه النعلين المعروفين بالشاروخ!) ويضرب رأس الضابط السجين ووجهه بالنعل!. وجاء دور ضابط سجين برتبة ملازم أول. وحين أمره مدير المخابرات بالاقتراب من الطاقة، وبيده النعل، صرخ الملازم الأول: أيها الحقير، أتُظهر قوتك عليّ، وأنا في الزنزانة؟! إذا كنتَ رجلاً فافتح الباب عليّ، وتجرّأْ على ضربي!.

عندئذ أمَرَ مدير المخابرات العامة السجّانين بفتح الباب لذلك الضابط، وأن يصنعوا فنجانين من القهوة، له وللضابط. وجلسا متقابلين على الطاولة، وقال “الجندي”: إنَّ جميع زملائك الذين تحمَّلوا مني الضرب ولم يردُّوا: كلاب. وأنت وحدك الرجل من دونهم!.

*   *   *

وينتحر عبد الكريم الجندي، ويشكك بعض الناس بالخبر، ويقولون: بل إنَّ حافظ أسد هو الذي قتله، أي إنه نُحر ولم ينتحر، وتدور إشاعات حول أسباب “نحره” أو “انتحاره”.

وليس هذا غريباً، فنظامٌ تعوَّد على الكذب والتعمية وارتكاب الجرائم… لا يصدِّقه الناس، وإن صدق مرةً. إنه كالراعي الكذّاب.

والذي أقتنع به أنَّ “الجندي” قد انتحر فعلاً. وعندي ثلاث روايات تتفق على هذا، وتختلف في أجزاء من رواية الحادثة أو تحليلها:

الرواية الأولى: مصدرها بعض أعضاء حزب التحرير الذين كانوا معي في المعتقل، وهي أنَّ عبد الكريم الجندي رئيس المخابرات (وكذلك القادة المتنفذون في السلطة، أيام صلاح جديد ونور الدين الأتاسي، أي قبل انقلاب حافظ أسد) كانوا عملاء لبريطانيا، وأرادت الولايات المتحدة أن تطيح بهم بالتعاون مع عميلها حافظ أسد. وحين أحسّ “الجندي” بتحرك أسد، كان الوقت متأخراً، وكان أسد قد رتّب أوراقه بشكلٍ كامل، فأقدم “الجندي” على الانتحار إحساساً منه بالإخفاق والهزيمة.

الرواية الثانية عن أبي راشد: أحمد عبد الهادي. ومؤدّاها أن “الجندي” وهو في موقع مدير المخابرات العامة، علم بتحرك حافظ أسد للقيام بانقلابه بدعم من المخابرات الأمريكية، وكان علمه هذا متأخراً بحيث لم يعد بإمكان “الجندي” أن يحبطه، فقد وزَّع أسد أنصاره من الضباط على المواقع الحساسة في مختلف القطعات العسكرية. فاتصل هاتفياً بحافظ، وقال له: “هذه الرقبة لن أسلِّمها للأمريكان” وأطلق الرصاص في رأسه وانتحر.

الرواية الثالثة وقد اطّلعتُ عليها مؤخراً من خلال المكالمة الهاتفية التي نُشر نصها في “الوطن العربي” في 15/11/2006 بين تمام البرازي وبين السيد عبد الحليم خدام: السياسي البعثي المخضرم. يقول السيد خدام: ((عبد الكريم “الجندي” انتحر. وكنتُ عند رئيس شعبة المخابرات العسكرية ابن أختي، ورنَّ عنده الهاتف، وكان على الخط أبو حسين، أي عبد الكريم الجندي، وقال له: “أنا قررت الانتحار.. اسمعْ” وأسمعنا طلقة الرصاص!)).

———-

ونعود إلى أبي راشد عبد الهادي، فقد كانت له مواقف جريئة داخل المعتقل.

منها أنه، بل جميع المعتقلين، كان يرى كيف يؤخذ عناصر المخابرات من فرع الحلبوني، ومثل ذلك في الفروع الأخرى، من أجل تأمين الحراسة لهنري كيسنجر، في رحلاته المكوكية. فكان أبو راشد إذا أراد أن يعنّف السجانين في الحلبوني، ويشتم رؤساءهم كذلك، كان يصرخ بأعلى صوته: لستم أكثر من كلاب حراسة لكسنجر!.

ومنها أن رجلاً اعتُقل معنا لفترة شهر تقريباً، وادّعى، في أحاديثه معنا، أنَّ له صلات برئيس مكتب الأمن القومي ناجي جميل، وأنَّ بإمكانه القيام ببعض الوساطات للإفراج عن بعض المعتقلين. فانفرد به أبو راشد، واتفق معه على أن يدفع له مبلغاً من المال مقابل تلك الوساطة، وكتب له كتاباً إلى أهله (أي إلى أهل أبي راشد، في دمشق) كي يسلموا المبلغ لهذا الوسيط، وتسلّم المبلغ فعلاً، لكنه ذهب ولم يَعُدْ!.  عندئذ كتب أبو راشد كتاباً إلى رئيس مكتب الأمن القومي يقول فيه: إنَّ فلاناً قد أخذ مني مبلغ كذا، كي يدفعه رشوة لك حتى تطلق سراحي، فإما أنه صادق، وقد أعطاك حصتك فلماذا لم تفرج عني؟ وإما أنّه كاذب يدّعي عليكم بما ليس فيكم، فعليكم أن تعتقلوه وتحاسبوه!.

قصة “طامس” واليهودي

“طامس” اسم أستعيره لأحد المعتقلين الفلسطينيين الذين تعرفت إليهم في “الحلبوني”!.. وله قصة مؤسِفة مُقْرِفة!.

في إحدى أمسيات رمضان، في أيام حرب تشرين “التحريرية” عام 1973م، وكان التيار الكهربائي مقطوعاً، سمعنا ضجيجاً وأصواتاً منكرة من الصراخ والشتائم والضرب… في ساحة السجن… ومع أننا تعودنا سماع أصوات “حفلات” التعذيب الشنيعة… فإن نفوسنا لم تألفْها، وهل تألف النفوس ما يخالف الطبيعة البشرية التي خلقها الباري سبحانه؟!

لم يستمر طويلاً تساؤلنا عما يجري، وعمّن يمارَس عليه التعذيب فقد فتح الباب علينا كبير السجانين أبو طلال، وأدخل معه اثنين في حالة لا يحسدان عليها، وهو يوجّه إليهما الشتائم، من فوق “الزنّار” ومن تحته كذلك. وقال لهما: اجلسا هنا، وأشار إلى زاوية الغرفة حيث نضع أحذيتنا!.

ثم وجّه الكلام إلينا: إياكم أن تتحدّثوا مع هذين الكلبين!. قاطعوهما تماماً، لا تقتربوا منهما. هل فهمتهم؟!.

ولم يكن يتوقع منا جواباً.

غادر الغرفة فبدأنا نتهامس فيما بيننا: ما القصة؟! لماذا يحذِّرنا من الحديث مع هذين؟! ومن هذان؟!.

بعد نحو دقيقتين عاد إلينا أبو طلال ففتح الغرفة ثانية وقال: لقد نهيتكم عن الحديث مع هذين الكلبين، وأريد أن تعرفوا أنَّ هذا، وأشار إلى أحدهما، يهودي، والآخر “……” ونطق بكلمة بذيئة، تعني أنه أسوأ.

أبو طلال رجل ذكي نوعاً ما، وقد علم أنه لا بدَّ أن نتحدث مع النزيلين الجديدين مهما حذّرَنا.. لذلك أفشى إلينا بسرِّهما: أحدهما يهودي، والثاني أسوأ.

لكن كلامه هذا لا يشفي الغليل: فهل الأول يهودي فعلاً؟! وهل هو يهودي سوري، أم إسرائيلي، أم أنه مثلاً جاسوس دخل البلاد بصورة سائح…؟

والثاني؟! ما صفته وما ذنبه حتى يصفه بأنه أسوأ من صاحبه؟!

ساعةً بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، بدأت الصورة تتّضح.

كان السجانون يتبارون في إهانة هذين، وقد أطلقوا على أحدهما اسم “حمار” والآخر اسم “بغل”، فكلما فتح باب الغرفة لنخرج إلى “الخطّ” أي إلى دورة المياه والمغسلة، كانوا يوجهون الإهانات إلى الحمار والبغل، ويأمرانهما ببعض الأعمال المذلّة، كجمع الأوساخ، وفتح المجاري…

وبعد حوالي أسبوع جرى “التطبيع” بين السجانين وبين طامس واليهودي.. ثم صار التعامل مع طامس تعاملاً حسناً.

علمنا أن اليهودي دمشقي من حي الشاغور، وهو متهم بالتعامل مع إسرائيل.

وعندما كنا نقوم إلى الصلاة يقف هو على رجليه. فنقول له: لماذا تكلف نفسك القيام؟ ابقَ قاعداً!! فيقول: يجب أن أقوم احتراماً للصلاة!.

وبعد أيام قليلة من مكثه معنا في الغرفة قال: أريد أن أُسْلِم. ونطق بالشهادتين، وطلب أن نعلمه الصلاة. وصار يجلس معنا في الحلقة القرآنية التي نعقدها مرتين كلَّ يوم. وصار يصلي معنا.

وبعد حوالي شهر، تم نقل طامس واليهودي إلى القبو مرة أخرى، فقد كان سبب نقلهما إلى غرفتنا أنَّ القبو في أيام الحرب قد امتلأ بالنزلاء، وكان لا بد من نقل بعضهم إلينا!.

ثم بعد شهرين آخرين تقريباً تم نقلنا نحن أيضاً إلى القبو، فعلمنا من بعض المعتقلين الذين شاهدناهم أنَّ اليهودي قال لهم: لقد عشت مع الإخوان المسلمين في غرفة واحدة فترة من الزمن، وضحكتُ عليهم فأظهرت لهم إسلامي!.

والحقيقة أننا وإن قبلنا منه إسلامه حين أظهره، ووكلنا أمره إلى الله، لم نكن مطمئنين إليه، فقد كان الخبث يظهر منه في كثيرٍ من تصرفاته.

أما “طامس” فقد علمنا قصته، جملة وتفصيلاً، لا سيما بعد أن عشنا معه في القبو.

كان شاباً في الرابعة والعشرين من عمره، قويَّ البنية، قليل العلم والثقافة، لا يتجاوز تعلمه المدرسي المرحلة الابتدائية، ولكنه يملك “خبرة جيدة” في ميادين الخمر والنساء والنوادي الليلية…

وبما أنه من “الضفة” ويملك حقَّ الخروج والدخول إلى الأرض المحتلة، فقد اكتشفتْ فيه المخابرات السورية والمخابرات الإسرائيلية هذه الإمكانات والمواهب!

أما المخابرات السورية، ممثّلة بالفرع الخارجي، أو برئيس الفرع الخارجي: العقيد م المحاميد، فقد تعاقدت معه على عملٍ ظاهري شكلي، وعمل حقيقي، أما العمل الظاهري فهو أن يسافر إلى إسرائيل مرتين في السنة ويأتيها ببعض الأخبار، أي أن يتجسس على إسرائيل، ويخدم بذلك قضيته! وأما العمل الحقيقي فأن يعمل “قوّاداً” عند العقيد المحاميد: فيجلب له المومسات الصغيرات يستمتع بهنّ! ويكون بذلك قد وضع القوّاد المناسب في المكان المناسب.

وبسبب هذا العمل الحقير الذي يقوم به، فقد كان يتردد كثيراً إلى الفرع الخارجي، وكان عناصر هذا الفرع قد عرفوه وصادقوه، ولعلَّ بعضهم كذلك كان يستفيد من مواهبه الفذّة تلك!.

وكانت المخابرات السورية تعلم بعلاقة طامس مع المخابرات الإسرائيلية، وكذلك تعلَمُ هذه بعلاقته مع تلك، لكن كلاً منهما تحاول اللعب بذكاء بحيث تستفيد، وتتقي الضرر!.

وحصلت المشكلة الفاجعة، وهي أنَّ المخابرات الإسرائيلية طلبت من طامس أن يحصل لها على خريطة مواقع معسكرات فتح في لبنان!.

وحمل طامس الطلب إلى العقيد المحاميد. ورأى العقيد أن الأمر سهل. ما المانع أن يعطيه هذه الخريطة؟!

وفعلاً أخذ طامس الخريطة وسافر بها. نزل ليلة في أحد فنادق عمان، في طريقه إلى الضفة ثم إلى أسياده في الأرض المحتلة.

كانت مخابرات “فتح” تشك في طامس، وقد وضعته تحت المراقبة. فلما نزل في الفندق ذلك، أرسلت إليه إحدى المومسات “المتعاونات”، وسرعان ما وقع ما وقع! شربا من الويسكي، ونزعا ثيابهما، ثم… ثم نام السكران مستغرقاً في أحلامه، واستيقظت صاحبته ففتحت حقيبته وأخرجت الخريطة.. ثم وصلت هذه الخريطة إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الذي حملها بدوره إلى حافظ أسد ليقول له: أهذا ما ترسلون به عميلكم إلى إسرائيل؟!.

لم يكن صعباً أن يعرف أسد أن العنصر طامس تابع للعقيد المحاميد، فأرسل إليه يعاتبه أو يعنفه: كيف تستعينون بمثل هذا العميل الغبي؟!.

ماذا يفعل المحاميد؟! هل يحاسب طامساً لأنه نزل في فندق، ولأنه سكر وزنى؟! وهل أنشأ معه العلاقة إلا على أساس هذه المواهب؟!؟

وكان طامس هو المجرم وهو الضحية. فأمر المحاميد بسجنه ونقله إلى الحلبوني وديعة. بمعنى أن مسؤولي فرع الحلبوني لا يملكون صلاحية التحقيق معه، إنما يحتجزونه فقط ويذلّونه.

وكان طامس يقول لنا: لا يمكن أن أخرج من السجن طالما بقي المحاميد في موقعه.

وبالفعل فما إن عُزِل المحاميد حتى خرج طامس من السجن.

أما السرُّ في تحسن معاملة السجانين في الحلبوني لطامس، فإن أبا طلال الذي كان مغتاظاً في بداية الأمر من طامس، وقد أخذ عنه فكرةً سيئة تقتضي أنه عميل جاسوس خائن… تبيّن له بعدئذ أنَّ طامساً رجل شريف!. إنه فقط قوّاد سكير مغرَّر به، متعامل مع المخابرات السورية والإسرائيلية!.

السبعة الناجون

        كان ذلك في خريف عام 1974م.

        وكانوا ثمانية لا سبعة، ينتمون إلى اتجاهات سياسية وجنسيات مختلفة. أعرف أن واحداً منهم كان ألماني الجنسية، وآخر من غزة، وثالثاً شركسي سوري….

        وكانت أعمارهم تتراوح بين الخامسة والعشرين، وبين الأربعين، وكانوا جميعاً محشورين في غرفة واحدة من الغرف الأربع في سجن الحلبوني.

        كانت الغرف الأربع على نسق واحد، كلها مطلّة على الساحة الواسعة. وحتى لا يستمتع نزلاء الغرف بمنظر الساحة فقد بني جدار حاجز بارتفاع مترين على بعد حوالي مترين ونصف من نوافذ تلك الغرف. وكانت كل غرفتين تشتركان بممرٍّ يفصل بينهما، فالدخول إلى أيِّ غرفة يحتاج أولاً إلى دخول الممر، ولهذا الممر باب يقفل على الدوام، فلو استطاع السجين فتح باب غرفته أو كسره لأصبح داخل الممر المقفول كذلك، ولو استطاع فتح باب الممر لأصبح في الممر المكشوف المفصول عن الساحة.

        وكان السجناء الثمانية في الغرفة الأخيرة التي لها جدار على الشارع، وليس في هذا الجدار أي نافذة أو فتحة!.

        فكّر بعض هؤلاء السجناء بحيلة يتمكنون بها من النجاة. وإذاً فليحفروا فتحة في الجدار الملاصق للشارع. ولم يكن ذلك سهلاً، فمن أين يأتون بأدوات الحفر؟ وأين يذهبون بنواتج الحفر؟، وكيف تتم العملية من غير أن ينتبه السجانون؟!.

        إنَّ نيل الحرية يحتاج إلى ثمن. وكان هذا الثمن تفكيراً ذكياً، وجهداً ودأباً على مدى عشرين يوماً، وتيقُّظاً لئلا تشعر إدارة السجن فتحبط المشروع، وتذيق طلاب الحرية مزيداً من التنكيل!.

        بدأ هؤلاء السجناء بالحرص على اقتناء ملاعق الطعام ذات الطرف المدبّب، تلك التي ينقش على مقبضتها سنبلة، وهي مصنوعة من “الكْروم”. وراحوا تدريجياً، يحفرون بها “الزريقة” أي طبقة الإسمنت التي تغطي اللبنات على الوجه الداخلي للجدار، في المنطقة التي قرروا أن يكون المخرج فيها، وهي في أسفل الجدار.

        وفي أثناء الحفر يقف أحد السجناء على الشباك لينبّه الحفارين إذا جاء أحد الحرس. وفي غير أوقات الحفر يضعون البطانيات أمام المكان المحفور، ويجلسون بجواره، ليبدو كل شيء طبيعياً.

        وكانوا يهرّبون نواتج الحفر تدريجياً كذلك، مع القمامة.

        ولما فرغوا من إزالة الزريقة عن الجزء المطلوب، شرعوا بإزالة “المونة” الإسمنتية حول اللبنة التي سيكون المخرج منها.

        وحين اكتمل العمل توقعوا أنَّ ركلة قوية ستكفي لإزاحة اللبنة إلى الخارج، ولتحدث الكوّة الكافية. ولست متأكداً أهي لبنة واحدة أم اثنتان؟!.

        وكان توقعهم صحيحاً، فقد انفتح الطريق أمامهم بعد منتصف الليل، وتسللوا الواحد تلو الآخر، حتى خرج سبعة منهم. وأما الثامن الألماني، فلم يَرَ مصلحةً له في الخروج، إذ إن إلقاء القبض عليه إذا خرج أمرٌ مؤكد، فهو لا يعرف العربية، ولا يعرف شوارع المدينة، وجواز سفره محتجز عند إدارة السجن.

        وفي الساعة السابعة صباحاً، جاء السجّان “بدري” ليعطي إشارة الإذن لنزلاء الغرفة بالخروج لقضاء الحاجة، وهو ما يسمَّى في اصطلاح هذا السجن بالخطّ!، فنادى كعادته: “واحد خطّ!” ونظر في الغرفة فلم يجد إلا الألماني، فصرخ فيه: أين رفاقك؟!.

        لم يفهم الألماني ماذا قال السجّان، لكنه أدرك أنه يسأله عن زملائه، فراح يشير بحركات متوالية من سبّابته إلى الكوة التي خرجوا منها ويقول: “فِسْتْ، فِسْتْ، فِسْتْ”. ليبيّن أنهم خرجوا الواحد تلو الآخر.

        امتلأ “بدري” بالغضب والرعب معاً!. فماذا سيكون موقف إدارة السجن، وهل ستحمله المسؤولية؟!.

        جرت تحقيقات مع السجانين، دون جدوى.

        وتمت العملية بنجاح. ولم تملك إدارة السجن إلا أن تعاقب السجناء الذين لم يهربوا، فقامت بنقلنا، نحن نزلاء الغرف الثلاث الأخرى إلى القبو، كما قاموا بحملة تفتيش مزعجة… لكننا كنّا مسرورين إذ تمكّن بعض السجناء من النجاة والحصول على حريتهم، وباءت إدارة السجن بالخزي والعار، إذ لم تنفع كل إجراءاتها في ضبط الأمور كما تريد.

ميشال أبو جودة

            إنه الصحفي اللبناني، ذو الشهرة الفائقة، صاحب العمود اليومي في جريدة النهار.

        ولكن ما شأنه هنا، ونحن نتحدث عن المعتقلات السورية، وعن جلاديها ومحققيها ونزلائها؟! والجواب: إنه حظي بضيافة الحلبوني، مدة أربع وعشرين ساعة. ولهذا قصة.

        في عام 1974، وفي أحد أيام الصيف، فيما أذكر، كان باب الغرفة الجماعية في قبو الحلبوني، أو الغرفة رقم 3، مفتوحاً، مدة نصف ساعة، حتى يتمكن نزلاء  الغرفة من الخروج إلى “الخط” لقضاء الحاجة.

        وكان هؤلاء النزلاء قد أحسُّوا بحركة تدل على مجيء نزيل جديد، وذلك قبل نحو ساعة. ولا شك أن النزيل الجديد قد أودع إحدى الزنازين! فدفعهم حب الاستطلاع للتعرف على هذا الضيف. ذهب أحدهم إلى الزنزانة التي نزل فيها الضيف، فقام الرجل الكهل متثاقلاً، لا تكاد تحمله رجلاه! وبادر هو بسؤال النزيل القديم: أين أنا؟! أجابه: كيف “أين أنا؟”.

        أعاد الضيف السؤال: في أي مكان أنا؟. قال: ألا تعرف؟ إنك في الحلبوني! قال (وحديثه كله باللهجة اللبنانية): شو هَيْدي الحلبوني؟!. قال: الحلبوني، سجن المخابرات الأشهر. قال: أين هو؟! قال: أسئلتك غريبة. إنه “الحلبوني” في وسط دمشق العاصمة! قال: أنا إذاً في سورية! قال: نعم. وهل كنت تظن نفسك في الكونغو؟!. لا شك أنَّ لك قصة عجيبة. حدِّثني بسرعة قبل أن يرانا السجّان!.

        قال: أنا الصحفي اللبناني ميشال أبو جودة، الكاتب الأول في جريدة النهار. وقد كتبت مقالات ضدَّ الحكومة السورية. واليوم، أو البارحة، لا أدري، لقد اختلطت الساعات والأيام عليّ، هجمت عليّ عصابة. الآن عرفت أنهم من عناصر المخابرات السورية. أمسكوني بقوة، بينما كنت أنزل من سيارتي، وأدخلوني في سيارتهم. وكان آخر ما أذكره أن اثنين من العصابة أمسكا بي، وكان بيد الثالث حقنة (سيرنج) وبدأ يغرسها في جسمي. ثم لم أشعر بشيء إلا أنا في هذا المكان!!!.

        انتبهت إدارة السجن إلى خطورة أن يتعرف النزلاء على الضيف العزيز. ولكن بعد فوات الأوان، ففرضت حصاراً شديداً تمنع أي واحد من الاقتراب من زنزانته، في أثناء الخروج إلى الخط، أو اقترابه هو من زنازين الآخرين في أثناء خروجه.

        في المساء، شعرنا، نحن نزلاء الغرف (التي تطل على ساحة السجن، خارج القبو) بحركة لافتة للانتباه، فقد كان عناصر الفرع يقومون بغسل ساحة السجن، وتنظيف البركة في وسط الساحة.

        وفي حوالي الساعة العاشرة مساءً، جاء بعض ضباط الأمن، يبدو أنهم من رتب عليا، من مديرية المخابرات العامة، ودخلوا الساحة، ثم صعدوا في المبنى الرئيس المخصص لرئيس الفرع والمحققين… ثم أُخرج الأستاذ ميشال، وعن يمينه عنصر من المخابرات، وعن يساره عنصر آخر.

        لقد أطفأنا نحن أضواء الغرفة عندنا، كي نتمكن من التسلق إلى أعلى النافذة والتفرج على المشهد، من غير أن ينتبه إلينا السجانون!.

        بطبيعة الحال، لا ندري ما الذي حدث بين هؤلاء الضباط وبين الضيف العزيز. ولكننا علمنا، في اليوم الثاني، من بعض السجّانين الأصدقاء أن صفقةً قد تمّ عقدُها: إما أن تعود إلى انتقاد “سورية الصمود” فنعود إلى خطفك، وربما تكون هي الساعات الأخيرة في حياتك، وإما أن تتعاون معنا ولكَ ما تريد!.

الملحمة النونية للقرضاوي كاملة (ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا)

أُلفتْ داخل السجن الحربي في القاهرة عام 1955م

1- ثارَ القريضُ بخاطري فدعوني = أفضي لكمْ بفجائعي وشجوني
2- فالشعرُ دمعي حينَ يعصرني الأسى = والشعرُ عودي يومَ عزفِ لحوني
3- كم قال صحبي: أين غرُّ قصائدٍ = تشجي القلوبَ بلحنها المحزونِ؟
4- وتخلّد الذكرى الأليمةَ للورَى = تُتلى على الأجيالِ بعدَ قرونِ
5- ما حيلتي والشعرُ فيضُ خواطرٍ = ما دمتُ أبغيهِ ولا يبغيني
6- واليوم عاودني الملاكُ فهزني = طربًا إلى الإنشادِ والتلحينِ
7- أُلهمتُها عصماءَ تنبُع مِن دَمِي = ويَمُدُّها قلبي وماءُ عيوني
8- نونية والنونُ تحلو في فمي = أبدًا فكدتُ يُقال لي ذو النونِ
9- صَوَّرتُ فيها ما استطعتُ بريشتي = وتركتُ للأيامِ ما يعييني
10- ما هِمْتُ فيها بالخيالِ فإنَّ لي = بغرائبِ الأحداثِ ما يُغنيني
11- أحداثِ عهدِ عصابةٍ حكموا بني = مصرٍ بلا خُلق ولا قانونِ
12- أنستْ مظالِمُهُمْ مظالمَ مَن خلَوْا = حتّى ترحمَنا على نيرونِ
13- حَسِبوا الزمانَ أصمَّ أعمى عنهمُ = قد نوَّموه بخُطبة وطنينِ
14- ويراعةُ التاريخِ تَسْخَرُ مِنهمو = وتقومُ بالتسجيلِ والتدوينِ
15- وكفى بربكَ للخليقةِ مُحْصِيًا = في لوحِهِ وكتابِهِ المكنونِ
16- يا سائلي عن قصتي اسمعْ إنها = قَصصٌ مِن الأهوالِ ذاتُ شجونِ
17- أَمْسِكْ بِقَلْبِكَ أنْ يطيرَ مُفَزَّعًا = وتولَّ عن دُنياكَ حتى حينِ
18- فالهولُ عاتٍ والحقائقُ مُرةٌ = تسمو على التصويرِ والتبيينِ
19- والخطبُ ليس بخطبِ مصرٍ وحدَها = بلْ خَطْبُ هذا المشرقِ المسكينِ
20- في ليلةٍ ليلاءَ مِن نوفمبرٍ = فُزِّعْتُ مِن نومي لصوتِ رنينِ
21- فإذا كلابُ الصيدِ تَهجمُ بغتةً = وتحوطُني عن يسرةٍ ويمينِ
22- فَتَخَطَّفوني عن ذَوِيَّ وأقبلوا = فرحًا بصيدٍ للطُّغاةِ سمينِ
23- وعُزِلتُ عن بصرِ الحياةِ وسمعِها = وقُذفتُ في قفصِ العذابِ الهونِ
24- في ساحة “الحربي” حَسْبُكَ باسمِه = مِن باعثٍ للرعبِ قدْ طرحوني
25- ما كدتُ أدخلُ بابَه حتى رأتْ = عيناي ما لم تحتسبْه ظنوني
26- في كلِّ شبرٍ للعذابِ مناظرٌ = يَندى لها -واللهِ- كلُّ جَبينِ
27- فترى العساكرَ والكلابَ مُعَدَّةً = للنهشِ طوعَ القائدِ المفتونِ
28- هذي تَعَضُّ بِنابِها وزميلُها = يَعْدُو عليكَ بِسَوْطِه المسنونِ
29- ومضتْ عليَّ دقائقٌ وكأنَّها = مما لقيتُ بِهِنَّ بِضْعُ سِنينِ
30- يا ليت شعري ما دهانِ؟! وما جرى؟ = لا زلتُ حيًّا أم لقيتُ منونِ؟
31- عجبًا! أسجن ذاك أم هو غابةٌ = برزت كواسرُها جياعِ بطون؟
32- أأرى بناءً أم أرى شقَّيْ رحًى = جبارةٍ للمؤمنين طحونِ؟
33- واهًا! أفي حُلْمٍ أنا أم يقْظةٍ = أم تلك دارُ خيالة وفتونِ؟!
34- لا.. لا أشك.. هي الحقيقة حية = أأشُكُّ في ذاتي وعينِ يقيني؟!
35- هذي مقدمة الكتاب فكيف ما = تحوي الفصولُ السودُ مِن مضمونِ؟!
36- هذا هو الحربي معقل ثورةٍ = تدعو إلى التحرير والتكوينِ
37- فيه زبانيةٌ أُعِدُّوا لِلْأَذَى = وتَخصصوا في فنِّه الملعونِ
38- متبلّدون عقولُهم بِأَكُفِّهِمْ = وَأَكُفُّهُم للشرِ ذاتُ حنينِ
39- لا فرقَ بينهمو وبين سِياطِهم = كلٌّ أداةٌ في يدي مأفونِ
40- يتلقفون القادمين كأنهم = عثروا على كَنزٍ لديك ثمينِ
41- بالرِّجل بالكرباج باليد بالعصا = وبكل أسلوب خسيس دُونِ
42- لا يقدرون مفكرًا ولو انه = في عقل سقراط وأفلاطونِ
43- لا يعبأون بصالح ولو انه = في زهد عيسى أو تقى هارونِ
44- لا يرحمون الشيخ وهو محطم = والظهر منه تراه كالعرجونِ
45- لا يشفقون على المريض وطالما = زادوا أذاه بقسوة وجنونِ
46- كم عالم ذي هيبة وعمامةٍ = وطئوا عمامته بكل مجونِ
47- لو لم تكن بيضاء ما عبثوا بها = لكنها هانت هوان الدينِ
48- وكبيرُ قومٍ زيَّنتْه لحيةٌ = أغرتهمو بالسب والتلعينِ
49- قالوا له انتفها بكل وقاحة = لم يعبأوا بسنينه الستينِ
50- فإذا تقاعس أو أبى يا ويله = مما يلاقي من أذى وفتونِ
51- أترى أولئك ينتمون لآدمٍ = أم هم ملاعين بنو ملعونِ؟
52- تالله أين الآدمية منهمو = من مثل محمود ومن ياسينِ
53- من جودة أو من دياب ومصطفى = وحمادة وعطية وأمينِ
54- لا تحسبوهم مسلمين من اسمهم = لا دين فيهم غير سب الدينِ
55- لا دين يردع لا ضمير محاسِب = لا خوف شعب لا حمى قانونِ
56- من ظن قانونًا هناك فإنما = قانوننا هو حمزة البسيوني
57- جلاد ثورتهم وسوط عذابهم = سموه زورًا قائدًا لسجونِ
58- وجه عبوس قمطرير حاقد = مستكبر القسمات والعرنينِ
59= في خده شجٌّ ترى مِن خلفه = نفسًا مُعقدةً وقلبَ لعينِ
60- متعطش للسوء، في الدم والغ = في الشر منقوع به معجونِ
61- هذا هو الحربي معقل ثورة = تدعو إلى التطوير والتحسينِ!
62- هو صورة صغرى استُعيرتْ مِن لظى = فى ضيقها وعذابها الملعونِ
63- هو مصنع للهول كم أهدى لنا = صورًا تذكرنا بيوم الدين!
64- هو فتنة في الدين لولا نفحة = من فيض إيمان وبرد يقينِ
65- قل للعواذل: إن رميتم مصرنا = بتخلف التصنيع والتعدين
66- مصر الحديثة قد علت وتقدمت = في صنعة التعذيب والتقرينِ!
67- وتفننتْ -كي لا يمل معذب- = في العرض والإخراج والتلوينِ!
68- أسمعتَ بالإنسان يُنفخ بطنه = حتى يرى في هيئة البالونِ؟!
69- أسمعتَ بالإنسان يُضغط رأسُه = بالطوق حتى ينتهي لجنونِ؟!
70- أسمعتَ بالإنسان يُشعل جسمه = نارًا وقد صبغوه بالفزلينِ؟!
71- أسمعتَ ما يَلقى البريء ويصطلي = حتى يقول أنا المسيء خذوني؟!
72- أسمعتَ بالآهاتِ تخترق الدُّجى = رباه عدلك إنهم قتلوني؟!
73- إن كنتَ لم تسمع فَسَلْ عما جرى = مثلي.. ولا ينبيك مثل سجينِ
74- واسأل ثرى الحربي أو جدرانه = كم من كسير فيه أو مطعونِ
75- وسلِ السياطَ السود كم شربتْ دمًا = حتى غدت حمرًا بلا تلوينِ
76- وسلِ العروسة قُبَّحَتْ من عاهر = كم من جريح عندها وطعينِ
77- كم فتية زُفوا إليها عنوة = سقطوا من التعذيب والتوهينِ
78- واسألْ زنازينَ الجليدِ تُجبْك عن = فن العذاب وصنعة التلقينِ
79- بالنار أو بالزمهرير..فتلك في = حين ، وهذا الزمهرير بحينِ
80- يُلقى الفتى فيه ليالي عاريًا = أو شبه عارٍ في شتا كانونِ
81- وهناك يُملى الاعتراف كما اشتهوا = أَوْ لا..فويل مخالفٍ وحرونِ
82- وسل المقطم وهو أعدل شاهد = كم من شهيد في التلال دفينِ
83- قتلته طُغمةُ مصرَ أبشع قِتلةٍ = لا بالرصاص ولا القنا المسنونِ
84- بل علقوه كالذبيحة هُيئتْ = للقطع والتمزيق بالسكينِ
85- وتهجدوا فيه ليالي كلُّها = جلدٌ، وهم في الجلد أهل فنونِ!
86- فإذا السياط عجزن عن إنطاقه = فالكي بالنيران خير ضمينِ!
87- ومضت ليالي والعذاب مسجر = لفتى بأيدي المجرمين رهينِ
88- لم يعبأوا بجراحه وصديدها = لم يسمعوا لتأوه وأنينِ
89- قالوا: اعترف أو مت فأنت مخير = فأبى الفتى إلا اختيار منونِ
90- وجرى الدم الدفاق يسطر في الثرى = يا إخوتي استُشهدتُ فاحتسبوني
91- لا تحزنوا إني لربي ذاهب = أحيا حياة الحر لا المسجونِ
92- وامضوا على درب الهدى لا تيأسوا = فاليأس أصل الضعف والتوهينِ
93- قولوا لأمي:لا تنوحي واصبري = أنا عند خالقيَ الذي يهديني
94- أنا إن حُرمت وداعكم لجنازتي = فملائك الرحمن لم يَدَعوني
95- إن لم يصلِّ عليَّ في الأرض امرؤٌ = حسبي صلاتهمو بعليينِ
96- أنا في جوار المصطفى وصحابه = أحظى بأجر ليس بالممنونِ
97- أنا في رُبا الفردوس أقفز شاديًا = جذلان كالعصفور بين غصونِ
98- ولدانها في خدمتي، وثمارها = في قبضتي، ونعيمها يدعوني
99- وإذا حُرمت العُرسَ في الدنيا فلي = ما شئت فيها من حسان عِينِ
100- أماه حَسْبُكِ أن أموت معذبًا = في الله لا في شهوة ومجونِ
101- ما خُنتُ ديني أو حماي ولم أكن = يومًا على حرماته بظنينِ
102- فليسألوا عني القناة ويسألوا = عني اليهود فطالما خبروني
103- سحقًا لجزارين كم ذبحوا فتى= مستهترين كأنه ابن لبونِ!
104- فإذا قضى ذهبوا بجثته إلى = تل المقطم وهو غير بطينِ
105- لفوه في ثوب الدجى وتسللوا = سارين بين مَغاورٍ وحزونِ
106- واروه ثم محوا معالم رَمْسِه = فغدا كسرٍّ في الثرى مكنونِ
107- أخفوه عن عين الأنام وما دروا = أن الإله يحوطهم بعيونِ
108- والليل يشهد والكواكب والثرى = وكفى بهم شهداء يوم الدينِ
109- قالوا: محاكمة، فقلت: رواية = أعطوا لمخرجها وسام فنونِ!
110- هي شر مهزلة ومأساة معًا = قد أضحكتني مثل ما تبكيني!
111- أَوَعَتْ سجلات القضاء قضية = كقضية الإخوان؟أين؟ أروني
112- الخَصم فيها مدَّعٍ ومحققٌ = وهو الذي يقضي بلا قانونِ!
113- إلا هواه وما يدور برأسه = من خلط سكير ورأي أفينِ
114- أرأيت محكمة ترأَّسَها امرؤٌ= يدعوه مَن عرفوه بالمجنونِ؟!
115- أرأيتَ أحرارًا رَمَوْا بهمو لدى = قاضٍ عديمٌ دينُه مأبونِ؟!
116- أرأيتَ إنسانًا يُدان لقوله: = الله ربي، والحنيفة ديني!
117- أو قال: يا قومِ ارجعوا لكتابكم = طوقِ النجاة لكم بكل يقينِ؟!
118- يا سوء حظ فتى رأوا بسجله = شرف الجهاد لعصبة الصهيونِ!
119- أو كان يومًا في كتيبة فتية = شهرت بنادقها على السكسونِ!
120- أو كان حافظ آل عمران فقد = ظفروا ببرهان عليه مبينِ!
121- هذي الجرائم عند محكمة الردى = هي غرة تزهو بأي جبينِ
122- والويل لامرئ استباح لنفسه = إظهار تعذيب ودفع ظنونِ
123- سيعود للحربي يأخذ حظه = وجزاءه الأوفى من البسيوني
124- أنا إن نسيت فلست أنسى ليلة = في ساحة الحربي ذات شجونِ
125- عُدنا المساءَ مِن المحاكمة التي = كانت فصول فكاهة ومجونِ
126- ما كاد يعرونا الكَرَى حتى دعا = داعي الردى ..وكفاك صوت أمينِ
127- فتجمع الإخوان ممن حوكموا = ذا اليوم من طنطا إلى بسيونِ
128- أنما الأولى سيحاكمون فأُحضروا= لِيَرَوا يقينًا ليس بالمظنونِ
129- وإذا بقائدنا المظفر حمزة! = في عسكر شاكي السلاح حصينِ
130- حشد الجنود وصفَّها بمهارة = وكأنه عمرو بأجنادينِ!
131- وأحاطنا ببنادق ومدافع = فغرت لنا فاها كَفِي التنينِ!
132-طابور “تكدير” ثقيل مرهق = في وقت أحلام وآن سكونِ
133- نعدو كما تعدو الظباء يسوقنا = لهب السياط شكت من التسخينِ
134- ومضت علينا ساعتان وكلنا = عرق تصبب مثل فيض عيونِ
135- من خر إغماءً يفق عجلًا على = ضربات صوت للعذاب مهينِ
136- ومن ارتمى في الأرض من شيخوخة = أو علة.. داسوه دوس الطينِ
137- لم يكفِ حمزة كل ما نُؤْنا به = من فرط إعياء ومن توهينِ
138- فأتى يوزع بالمفرَّق دفعه= بالسوط من عشرين للخمسينِ
139-كل ينال نصيبه بنزاهة = في العد والإتقان والتحسينِ!
140- وإذا نسيت فلست أنسى خطبة = ما زال صوت خطيبها يشجيني
141- إذ قال حمزة -وهو منتفخ- فلم = يترك لفرعون ولا قارونِ:
142- أين الألى اصطنعوا البطولة وادّعوا = أني أعذبهم هنا بسجوني؟!
143- أظننتمو هذا يخفف عنكمو = كلا، فأمركم انتهى، وسلوني
144- أم تحسبون كلام ألف منكمو = عنكم وعن تعذيبكم يثنيني؟!
145- إني هنا القانون، أعلى سلطة = من ذا يحاسب سلطة القانون؟!
146- متفرد في الحكم دون معقب = من ذا يخالفني ومن يعصيني؟!
147- فإذا أردتُ وهبتُكم حرية = أو شئتُ ذقتم من عذابي الهونِ
148- من منكمو سامحتُه فبرحمتي = وإذا أبيتُ فذاك طوع يميني
149- ومن ابتغى موتًا فها عندي له = موت بلا غسل ولا تكفينِ!
150- يا فارسَ الوادي وقائدَ سجنِه = أبنو الكنانة أم بنو صهيون؟!
151- هلا ذهبتَ إلى الحدودِ حميتَها = وأريتَنا أفكار نابليون؟!
152- اذهبْ لغزة يا هُمام وأنسنا = بجهادك الدامي صلاح الدين!
153- أفعندنا كبش النِّطاح.. ونعجة = في الحرب جماءٌ بغير قرون؟!
154- أعرفت ما قاسيت في زنزانة = كانت هي القبر الذي يئويني؟!
155- لا بل ظلمتُ القبر، فهو لذي التُّقى = روض، وتلك جحيم أهل الدينِ!
156- هي في الشتاء وبرده ثلاجة = هي في هجير الصيف مثل أتونِ
157- نُلقى ثمانيةً بها أو سبعة = متداخلين كعلبة السردينِ
158- هي منتدانا وهي غرفة نومنا = وهي البوفيه وحجرة الصالونِ
159- هي مسجد لصلاتنا ودعائنا = هي ساحة للعب والتمرينِ
160- وهي الكنيف وللضرورة حكمها = ما الذنب إلا ذنب من سجنوني
161- هي كل ما لي في الحياة فلم يعد = في الكون ما أرجوه أو يرجوني
162- الأرض كل الأرض عندي أرضها = أما السماء فسقفها يعلوني
163- فيها انقطعتُ عن الوجود فلم أعد = أعنيه في شيء ولا يعنيني
164-لا أعرف الأنباء عن دنيا الورى = إلا من الأحلام لو تأتيني!
165- يبكي الأقارب غيبة حسبوا لها = شهرين فامتدت إلى عشرينِ
166- ولَكَمْ وَفَيٌّ زار أهلي سائلًا = عني برفق علهم عرفوني!
167- والأهل لا يدرون: هل أنا ميت = فقدوه أم حي فيرتقبوني!
168- كم شاعر فقد الرجاء بعودتي= فأعد فيّ قصيدة التأبينِ
169- هذا نصيبي يا أخي من ثورة = قد كنت أحسبها أتتْ تحميني
170- حظي بها زنزانة صخرية = سوداء مثل قلوب من أسروني
171- كم من ليالٍ بتُّها أشكو الطوى = والبرد، لكن أين من يُشكيني؟
172- هم كدروني لا طعام أذوقه = لاشيء من برد الشتاء يقيني
173- فإذا انقضى التكدير جاء طعامهم = دكنًا كأفكار الألى اعتقلوني
174- ضرب من التعذيب إلا أنه =لابد منه لسد جوع بطونِ
175- ففطورنا عدس مزين بالحصى = إن الحصى فرضٌ على التعيينِ
176- قد عِفتُه حتى اسمه وحروفه = من عينه أو داله والسِّينِ!
177- وغداؤنا فاصوليةٌ ضاقتْ بها = نفسي فرؤية ُصَحْنِها تؤذيني
178- وعشاؤنا شيء يحيرك اسمه = فكأنما صنعوه من غسلينِ
179- لا طعم فيه ولا غذاء وإنما = يحلو لنا من قلة التموينِ
180- طبق يُكال لسبعة أو نصفه = وعليَّ أن أرضى وقد ظلموني
181- لو أن لي في جوفها حرية = لرضيت.. لكن أين ما يرضيني؟
182- من أجل ضبط وُرَيقة أو إبرة = ولغير شيء..طالما استاقوني
183- وتجمعوا حولي ضواري هَمُّها = نهشي .. وما لي حيلة تنجيني
184- إن نمت توقظني السياط سريعة = فالنوم ليس يباح للمسجونِ
185- وإذا تحدثنا لنذهب بالكرى= حظروا الحديث عليَّ كالأفيونِ!
186- وإذا شَغلنا بالقراءة وقتنا = أخذوا جميع الكتب للتخزينِ !
187- وإذا تلونا في المصاحف حرموا = حمل المصاحف وهي خير قرينِ
188- وإذا تسلينا بصنع مسابح = جمعوا المسابح من نوى الزيتونِ
189- هذي سياستهم وتلك عقولهم: = عيشوا بغير تحرك وسكونِ!
190- إياكمو أن تشتكوا أو تتألموا = موتوا بغير توجع وأنينِ!
191- يا ويل من قد مسه لهب الظما = فدعا بلطف للجنود:اسقوني
192- فهناك يُسقى المر من أيديهمو = كم كل مسعور عليك حرونِ
193- فالسوط حلال المشاكل، لم يضق = يومًا بطول مآرب وشئونِ
194- من راح يشكو الجوع فهو غذاؤه = ومن ابتغى رِيًّا فأيُّ مَعينِ!
195- ومن اشتكى الإسهال يجلد عشرة = هي وصفة الثوار للمبطونِ
196- ومن اشتكى وجع الصداع فمثلها = أو ضعفها بمكان الاسبرينِ
197- ومن اشتكى من سكِّر فبنحوها = يجد العليل أعزَّ أنسولينِ
198- هذا اكتشاف الثورة الفذ الذي = فخرت به مصر على برلينِ!
199- يا عصبة الباستيل دونكمو، فلن = آسى على الإغلاق والتأمينِ
200- سدوا عليَّ الباب كي أخلو إلى = كتبي، فلي في الكتب خير خَدينِ
201- وخذوا الكتاب، فإنَّ أنسي مصحفٌ = أتلوه بالترتيل والتلحينِ
202- وخذوا المصاحف، إنَّ بين جوانحي = قلبًا بنور يقينه يهديني
203- اللهُ أسعدني بظل عقيدتي = أفيستطيع الخلق أن يشقوني؟!
204- لحساب من هذا الأتون مسجر = يلقى له بالفحم والبنزينِ؟
205- لحساب من بطشوا بأطهر ثلة = روَّت دماها أرض فلسطينِ؟
206- لحساب من ضربوا بطولةَ فتيةٍ = بَعثوا صلاح الدين في حطينِ؟
207- لحساب من مكروا بإخوة غانم = وابن المنيسي والفتى شاهينِ؟
208- لحساب من شنقوا المجاهد يوسفًا = والفرغليّ محاربَ السكسونِ؟
209- لحساب من غدروا بعودة جهرة = من غير سلطان عليه مبينِ؟
210- لحساب من قتلوا وما قد شوهوا = من أوجه أو أظهر وبطونِ
211- من عذبوا، من شردوا، من جوعوا = ومن استذلوا من ليوث عرينِ؟
212- ألمصر؟ كيف ونحن صفوة جندها = في يوم حرب للعدو زَبونِ
213- أم للعروبة في قضيتها التي = أغنى بها الشهداء عن تبييني
214- أم يا تُرى لقضية الإسلام في = أوطانه من طنجة لبكينِ؟
215- ألمسلمي الأحباش أم لأرتريا = من كل مرتقب لعون معينِ
216- أم للألى يُفنَون في القوقاز أو = من ذُبِّحوا في الهند أو في الصينِ؟
217- لا لا وربي، إنني لَأقولها = بالجزم لا بالخرص والتخمينِ:
218- لحساب من هذا أتدري يا أخي؟ = لحساب الاستعمار الصهيوني
219- أرضى بنا الطاغوتُ سادتَه لكي = يَعِدوه بالتثبيت والتأمينِ
220- فالقوم يخشون انتفاضة ديننا = بعد الجمود وبعد نوم قرونِ
221- يخشون يعرُب أن تجود بخالد = وبكل سعد فاتح ميمونِ
222- يخشون أفريقيا تجود بطارق = يخشون تركيّا كنور الدينِ
223- يخشون دين الله يرجع مصدرًا = للفكر والتوجيه والتقنينِ
224- ويرون كل تكتل يدعو له = خطرًا وخصمًا ليس بالمأمونِ
225- وهنا بدا البطل الهمام منفذًا = لمخطط التبشير والماسونِ
226- ليسدد الضربات في عنف إلى = أقوى بناء للدعاة متينِ
227- ليقول للرقباء: قروا أعينا = أنا باقتلاع الأس جد قمينِ
228- وكذاك قام كمالهم في تركيا = ليطارد الإسلام كالمجنونِ
229- واليوم سار جمالهم في خطه = بتدرج وتخابث ملعونِ
230- ذاك امرؤ عار ، وهذا ماكر = متلون يحكي أبا قلمونِ
231- يا مصر حظك مثل حظي عاثر = كم قد نكبت بغاشم وخئونِ
232- قلنا انقضى عهد الظلام وأقبلت = مصر على عهد أغر مكينِ
233- يمضي بأمتنا على سنن الهدى = ويردها لتراثها الميمونِ
234-ويعيد عهد الراشدين يمده = عز الرشيد ونهضة المأمونِ
235- أمل أضاء -كلمحة- في ثورة = كنا لها في الروع خير معينِ
236- فإذا الذي ثرنا عليه تعيده = كالثور حين يدور في الطاحونِ
237- ثرنا على ملك، فجاءوا عشرة = كل يريد الملك غير رزينِ
238- وإذا رئيسهمو يرى في نفسه = ملك الملوك ووارث الفرعونِ
239- في نفسه ودمائه:أنا ربكم = لا تجعلوا ربًّا لكم من دوني
240- ثرنا على الأحزاب في تضليلها = للشعب.. في توجيهها اللا ديني
241- ما بالها رجعت لنا حزبية = عمياء ذات دعاية وطنينِ؟
242- تدع البناء يكاد يهوي ركنه = وتهيم بالتزويق والتزيينِ!
243- صحف ومذياع وسيل دعاية = متدفق النشرات جدُّ هَتُونِ
244- خطب توزع للعراة ليكتسوا = وصحافة تُهدى إلى المسكينِ
245- أكداس أرقام ولست ترى لها = أثرًا سوى عري وجوع بطونِ
246- برق ولا مطر، وأوراق ولا = ثمر، وجعجعة بغير طحينِ
247- ثورية هدامة شريرة = باسم البناء تهدُّ كل حصينِ
248- كانت على الإسلام في أوطانه = شرًّا من السكسون واللاتينِ
249- نصبت مشانقها لقتل دعاته = بغيًا، بلا شرع ولا قانونِ
250- ومضت تصب على الألوف عذابها = من كل ذي ثقة بهذا الدينِ
251- ساءت لعمري ثورة مشئومة = لم نجنِ منها غير تل ديونِ
252- يجري الخراب وراءها أنى جرت = وتقول بالتطوير والتحسينِ!
253- يا ثورة كنا حماة ظهورها = صرنا وقود وطيسها المجنونِ
254- قالوا: مباركة.. وما كانت سوى = حُمَّى على الأحرارِ أو طاعونِ
255- يا هرة أكلت بنيها غدرة = قبحت أُمًّا كنتِ غيرَ حنونِ!
256- أفهكذا يُجزى الجميل بضده؟ = أين الوفاء وأهله؟ دلوني
257- واهًا لهم، كم أسرفوا وتحيروا = في وصفنا من يسرة ليمينِ
258- قالوا ويا لضلال ما قالوا فكم = كالوا لنا تهمًا بمحض ظنونِ!
259- وعزاؤنا أن النبي فديته = بأبي وأمي كم رُمي بطعونِ!
260- من ساحر حينًا، لباغٍ، مفترٍ = أو كاهنٍ، أو شاعر مجنونِ!
261- قالوا كذابًا: دعوة رجعية = معزولة عن قرنها العشرين!
262- الناس تنظر للأمام، فما لهم = يدعوننا لنعود قبل قرون؟
263- رجعية أنا نغار لديننا = ونقوم بالمفروض والمسنون؟!
264- رجعية أنا نصون حريمنا؟! = بئس الحريم يكون غير مصونِ
265- رجعية أنا نذرنا أنفسًا = لله تحيا، لا لعيش دون؟!
266- رجعية أنا نربي جندنا = للحق، لا لتفاهة ومجونِ؟!
267- رجعية أن الرسول زعيمنا = لسنا الذيول لماركس ولنين؟!
268- رجعية أن الجهاد سبيلنا؟! = نعم، الجهاد ذريعة التمكينِ
269- رجعية أن يحكم الإسلام في = شعب يرى الإسلام أعظم دينِ!
270- أوليس شرع الله -شرع محمد- = أولى بنا من شرع نابليونِ؟!
271- يارب إن تك هذه رجعية = فاحشرنِ رجعيًّا بيوم الدينِ!
272- قل للذي جعل الكنانة كلها = سجنًا وبات الشعب شر سجينِ:
273- يا أيها المغرور في سلطانه = أمن النضار خلقت أم من طينِ؟!
274- يا من أسأت لكل من قد أحسنوا = لك دائنين فكنت شر مدينِ
275- يا ذئب غدر نصَّبوه راعيًا = والذئب لم يك ساعة بأمينِ
276- يا من زرعتَ الشر لن تجني سوى = شر وحقد في الصدور دفينِ
277- سيزول حكمك يا ظلوم كما انقضت = دول أولات عساكر وحصونِ
278- ستهب عاصفة تدك بناءه = دكا .. وركن الظلم غير ركينِ
279- ماذا كسبت وقد بذلت من القوى = والمال بالآلاف والمليونِ؟
280- أرهقت أعصاب البلاد ومالها = ورجالها في الهدم لا التكوينِ
281- وأدرتَ معركة تأجَّجَ نارُها = مع غير جون بول ولا كوهينِ
282- هل عدت إلا بالهزيمة مرة = وربحت غير خسارة المغبونِ؟!
283- وحفرت في كل القلوب مغاورًا = تهوي بها سُفْلًا إلى سجينِ
284- وبنيت من أشلائنا وعظامنا = جسرًا به نرقى لعليينِ
285- وصنعتَ باليد نعش عهدك طائعًا = ودققت إسفينًا إلى إسفينِ
286- أظننت دعوتنا تموت بضربة؟ = خابت ظنونك، فهي شر ظنونِ!
287- بَلِيَتْ سياطُك، والعزائم لم تزل = منا كحد الصارم المسنونِ
288- إنا لعمري إن صمتنا برهةً = فالنار في البركان ذات كمونِ!
289- تالله ما الطغيان يهزم دعوة = يومًا، وفي التاريخ بِرُّ يميني
290- ضع في يدي القيد، أَلْهِبْ أضلُعي = بالسوط، ضع عنقي على السكين
291- لن تستطيعَ حصار فكري ساعة = أو نزع إيماني ونور يقيني
292- – فالنور في قلبي، وقلبي في يَدَي = ربي، وربي ناصري ومعيني
293- سأعيش معتصمًا بحبل عقيدتي = وأموت مبتسمًا ليحيا ديني
294- صبرًا أخي في محنتي وعقيدتي = لا بد بعد الصبر من تمكينِ
295- ولنا بيوسف أسوة في صبره = وقد ارتمى في السجن بضع سنينِ
296- هوَّن عليك الأمر لا تعبأ به = إن الصعاب تهون بالتهوينِ
297- أمس مضى، واليوم يسهل بالرضا = وغدٌ ببطن الغيب شبه جنينِ
298- لا تيأسن من الزمان وأهله = وتقل مقالة قانط وحزينِ
299- شاة أسمنها لذئب غادر = يا ضيعة الإعداد والتسمينِ
300- فعليك بَذْرُ الحَبِّ لا قطف الجنى = والله للساعين خير معينِ
301- سنعود للدنيا نطب جراحها = سنعود للتكبير والتأذينِ
302- ستسير فُلْكُ الحق تحمل جنده = وستنتهي للشاطئ المأمونِ
303- بالله مجراها ومرساها فهل = تخشى الردى والله خير ضمينِ؟!
304- يا رب خلِّص مصر من أعدائها = وأعن على طاغوتاها الملعونِ
305- يا رب إن السيل قد بلغ الزبى = والأمر في كاف لديك ونونِ
306- باسم الفراخ الزُغْبِ هيضَ جناحُهم = فقدوا الأَبَ الحاني بغير منونِ
307- بدموع أم روَّعوها في ابنها = وبكل دمع في العيون سخينِ
308- بدعاء شيخ شردوا أبناءه = ما بين معتقل وبين سجينِ
309- بسهاد زوج غاب عنها زوجها = فدعت لفرط جوىً وفرط حنينِ:
310- رباه رُدَّ عليَّ مؤنِسَ وحشتي = وأغثْ بعودته جياع بنيني
311- يامن أجبت دعاء نوح فانتصر = وحَمَلْتَه في فلكك المشحونِ
312- يا من أحال النار حول خليله = رَوْحًا وريحانًا بقولك كونِ
313- يا من أمرت الحوت يَلْفِظُ يونسًا = وسترتَه بشُجيرة اليقطينِ
314- يا رب إنا مِثله في كُربة = فارحم عبادًا كلهم ذو النون.

الصحفي والسياسي مجدي حسين- تعنت الداخلية في الإفراج عنه رغم 7 سنوات قضاها في السجن

شبكة وا إسلاماه

بعد قضاء محكوميته كاملة.. الصحفي والسياسي مجدي حسين يعلن بدءه إضرابا عن الطعام إن لم يفرج النظام عنه خلال يومين، وذلك إثر تعنت الداخلية في الإفراج عنه رغم 5 سنوات قضاها في السجن وقد  كانت  دائرة 28 إرهاب شمال الجيزة، برئاسة المستشار محمد نافع، قد قضت ، بحبس الكاتب الصحفي مجدي حسين، رئيس تحرير جريدة الشعب، 5 سنوات لاتهامه {بالترويج لأفكار متطرفة تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للبلاد.}

وقال مجدي حسين -بعدما سمحت المحكمة له بالحديث-، {إنه فوجئ فور قرار إخلاء سبيله بإحدى قضايا التحريض على التظاهر، بعد حبسه إحتياطيا في قضية لم تشكل ولم تحال إلى المحكمة، بصدور 5 أحكام غيابية رغم وجوده في سجن طره.}

وأضاف حسين للقاضي،{ إنه رفض عضوية مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، لكنه يعمل صحفي ويعاقب على رأي تم نشره في جريدة الشعب التي يرأسها وساقتها التحريات بطريقة مثيرة للسخرية تدعي تحريفي لسورة “يس” وازدرائي للدين الإسلامي.}

وعرضت المحكمة 4 احراز من نسخ بصحيفة جريدة الشعب قادت مجدي حسين إلى المحاكمة لاتهامات بنشر اخبار كاذبة، فأأنكر “حسين” كتابته لتلك المقالات عدا واحدا فقط تحدث عن عدم إغلاق الأحزاب القائمة على أساس ديني ، والرئيس السيسي أخذ برأيه ولم يغلق الأحزاب القائمة على مرجعية دينية.

ولفت إلى ان يرأس جريدة الشعب منذ عام 1993، وأغلقت في عام 2000 حتى عام 2011 ، وتم فتحها مرة أخرى إلى أن أغلقت 2014.

كانت الدائرة ٢١ إرهاب الجيزة، قضت بعدم قبول المعارضة المقدمة من الكاتب الصحفي مجدي حسين، رئيس حزب الاستقلال ورئيس تحرير جريدة الشعب، على الحكم الصادر ضده غيابيا، وتأييد حبسه حضوريا 8 سنوات مع النفاذ، في اتهامه بالترويج لأفكار متطرفة، تضر بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي للبلاد، وتحريف القرآن الكريم.

  وكانت قد انطلقت منفترة مطالبات بالإفراج عن “شيخ الصحفيين

اذ دشن حزب الاستقلال المصري (معارض)، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإفراج عن مجدي حسين زعيم الحزب ورئيس تحرير صحيفة الشعب (مستقلة) والمعتقل قبل خمس سنوات.

واعتقل حسين (70 عاما) في يوليو/تموز 2014، وذلك قبل يومين من مظاهرات دعا إليها التحالف الوطني لدعم الشرعية في الذكرى الأولى لعزل الجيش للرئيس محمد مرسي.

ووجهت له اتهامات منها انضمام إلى جماعة أنشئت على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، التي أطلق عليها بعد ذلك قضية “تحالف دعم الشرعية”.

ويعاني حسين في محبسه من مشاكل صحية في القلب، فضلا عن إصابته بانزلاق غضروفي والتهاب في عصب البصر، مما يتطلب رعاية صحية خاصة لا تتوافر داخل السجن.

ووفقا للمادة 486 من قانون الإجراءات القانونية يحق لحسين الإفراج الصحي، حيث إنه مصاب بمرض يعرض حياته للخطر، ويستلزم رعاية خاصة.

وبالإضافة لحسين، يقبع نحو 89 صحفيا مصريا في السجون وسط ظروف إنسانية وصحية صعبة، إلى جانب التضييق على العمل الصحفي في البلاد، وفق تقارير حقوقية.

حوار مع الشاعر الأديب د عبد الحق الهواس {الأدب الإسلامي هو الأصل }

أدب السجون في حوار

مع الشاعر الأديب د  عبد الحق  الهواس الجزء الاول

 الدكتور  عبد الحق هواس أستاذ جامعي من سوريا  أديب وشاعر   اشتغل زمنا مديدا  في البحث الاكاديمي   تخصص  دقيق   في الادب العربي  في مرحلة ما قبل الاسلام وهو حاصل على دكتوراه في اللغة العربية وأدابها  درس في عدة جامعات عربية في العراق والسعودية  وليبيا  واليمن

  عضو اتحاد كتاب العرب  ورابطة الادب الاسلامي وأحد مؤسسي رابطة أدباء الشام    وهو من الادباء   المعنيين بالأدب الإسلامي وقضاياه

    شاعر   فذ  له العديد من القصائد  التي تحمل النفس الإسلامي    وقضايا   الأمة الإسلامية

  كتب الشعر  والقصة   وصنف الدراسات الادبية المميزة

صدر لأديبنا

مدلولات أسماء النساء في القصيدة العربيةوالمعلقات –

الرواية والتسمية

اللوحة الضائعة في معلقة طرفة بن العبد

    قامة ادبية عالية  كان لنا معه هذا الحوار الذي  رحب به مشكورا  في تواضع جم  حلقنا معه في   سماء الأدب الإسلامي وقضاياه  المعاصرة

    الحوا ر   في  جزئين الاول عن الادب الإسلامي وبعض  شجونه

  والجزء الثاني ننكش  فيه  بعض ما   نحمله  على كاهلها من أسئلة عن أدب السجون …….

  فإلى الحوار …

خاص – شبكة واإسلاماه

حاوره :زكرياء بوغرارة

س1 كيف بدأ مشوارك الأدبي؟ ولماذا الشعر بالذات؟

وما الذي يعنيه الأدب الإسلامي بالنسبة إليك؟ وما الذي يدل عليه في رأيك؟

بدأ مشواري في المرحلة الإعدادية من خلال ميلي إلى قراءة كتب الأدب ، وكتابة موضوعات التعبير المدرسية . وكان الشعر أقرب الفنون إلى نفسي فهو  

ترجمة للذات فيما تؤمن به ، بدلالة اتساقه مع قيم الدين الإسلامي فكراً وسلوكاً .

س2 هل الأدب الإسلامي ظاهرة ثقافية عابرة؟ أم أن هذا اللون من الأدب ذو أصل ثابت، وذو جذور عتيقة وكيف ترى صفة الأديب الذي يكتب الأدب الإسلامي، هل هو أديب مسلم أم أديب إسلامي؟

الأدب الإسلامي هو الأصل ، لأنه الهوية التي تشكلت في جذور الأمة هي التي أوجدها الإسلام . فهو أديب مسلم يعبر عن الهوية تعبيرا دقيقا ملتزما التزاما واعيا وتاما بتفاصيل رسالته للآخر.

وهو إسلامي حين يلتقي من قريب أو بعيد مع قيم الإسلام ومفاهيمه وضوابطه .

س3 أثمة من صلة مميزة بين الأدب العربي والأدب الإسلامي؟

 وحسب اعتقادك هل يجسد الأدب الإسلامي جسرا ممتدا بين الأدب والإسلام؟ ثم ما جوهر العلاقة القائمة بينهما؟

هي صلة رحم بحكم التكوين الفكري اللغوي والثقافي الذي شكله الإسلام – والأدب الإسلامي لا يمثل جسراً لأنه لا توجد هوة واسعة وصفتان متباعدتان ، وإنما خروج عن الطريق الواحد القويم وإضاعة الاتجاه الصحيح ، ومن هنا تأتي مهمه الأدب الإسلامي في التوجيه والتقويم وإبانة معالم الطريق ، فالعلاقة اندماجية تنبع من مصدر واحد حين يعبر عن مشاعر واحدة .

س4 ما الذي تراه في شأن رسالة الأديب المسلم؟

وكيف تنظر اليوم إلى حال الأدب الإسلامي مقارنة بحاله في الماضي؟

للأديب المسلم رسالة يستقيها من منابع الإسلام في القرآن والسنة والتراث ، وهي روحية ونفسية وفكرية وفنية بعيدة عن المباشرة الوعظية … والأدب الإسلامي اليوم يحاول أن يعيد ماضيه بروحية العصر وأساليبه الأخاذة ، وقد قطع أشواطاً مقبولة في الطريق الطويل طموحاً وأملاً .

س5 ما هو في رأيك الجنس الأدبي الذي ينفرد بالحظ الأكبر من الأدب الإسلامي المعاصر؟

وهل ثمة من إضافات نوعية للأدب الإسلامي قصب السبق فيها؟

هناك تنافس واضح بين الشعر والرواية وقصور في المسرح … وإضافات الأدب الإسلامي تأتي في ظل الثوابت كالإيمان ، والثقة بالله عز وجل ، وسلامة التفكير ، وتهذيب الحواس ، والصبر على المكاره ، وبناء الحياة العادلة .

س6 ما حقيقة الصلة بين النقد والأدب الإسلاميين في الظرف الراهن؟

حسب اعتقادك، ما نصيب الأدب الإسلامي القديم والحديث من البحث العلمي الجامعي المعاصر؟

النقد في الوطن العربي والأمة كافة ليس بخير، لانشغال النقاد بنقد الغرب وانبهارهم به ، وابتعادهم عن تطوير النقد الذي قدمه لنا علماؤنا القدامى ، والمؤسف أن الغرب أفاد كثيراً منهم ، والأكثر اسفاً أنهم أخضعوه لمعتقدهم الديني … الأمر الذي أثر في تفعيل البحث العلمي كما نراه ماثلاً أمامنا في قلة البحوث الجامعية التي تبحث عن أدب المسلمين .

س7 ترى هل سبق أن قرأت بعض السير الذاتية الأدبية الإسلامية، نثرية كانت أم شعرية؟

السير الذاتية من أجمل السرديات في الأدب لأستيعابه تجارب إنسانية ومتعددة وحافلة بالشواهد . والباحثون العرب مقصورن في الباحث بهذا الفن كما لاحظ هذا البحث عبد الفتاح أفكوح والغرب يتهمنا بأننا نجهل أدب السيرة الذاتية ، وهذا محض افتراء بقطع النظر عن التسمية كان عهدي بالسيرة علميا في مرحلة الماجستير على يد الأستاذ الدكتور عبد الجبار المطلبي .

فقد أعادني إلى ماكتبه طه حسين ، وربما تكون اعترافات أوغسطين هي المؤسسة لهذا الفن الأدبي . وأعتقد أني شغفت بالسيرة النبوية الشريفة فكانت معيناً ثراً لي قبل أن أطلع على ماكتبه ابن سينا عن حياته أو عبد الله بن بلقين وتوفيق الحكيم في عودة الروح .

س8 لمن تقرأ من الشعراء الآن؟ وبمن مِن الشعراء تأثرت في البدايات؟ وكيف  هو رضاكم عن المشهد الشعري الذي قدَّمتموه وقدمه مجايلوكم عموماً؟ هل وصل إلى طموحاتكم؟ ثم كيف ترون المشهد الشعري الشبابي حاليًّا، هل واصل تطوير ما بدأتم به؟

لا يوجد تحديد مقصود لشاعر بعينه ، لكن أبا العلاء المعري يستهويني دائما هو والبحتري والمتنبي ، في بدايات تأثري كان بأبي القاسم الشابي وروحه المعذبة … لست راضيا عما قدمته ومازلت أبحث عن القصيدة المفقودة لا شك أن قصيدة وطن الأنبياء ونشيد لن يموت العزم فينا ، وقصيدة سلاماً أيها الوطن نالت بعضاً من رضائي .

يتبع مع الجزء الثاني من الحوار